تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1

    حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1
    د.عبود بن علي بن درع





    الحمد لله الذي جعل بيته الحرام للناس أمنا ومثابة، وزادة سبحانه تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابه ، أحمده تعالى، وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والإصابة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين



    أما بعد:



    فلقد رعى الإسلام المرأة، وصانها وحفظ حقوقها، كما راعي فطرتها وضعفها، فلم يكلفها فوق طاقتها، بل شرع لها ما يناسب حالها ولهذا خصت بالاحتجاب، وترك إبداء الزينة، وترك التبرج، فيجب في حقها الاستتار باللباس والبيوت ما لا يجب في حق الرجال، لأن ظهور النساء سبب الفتنة، والمرأة يجب أن تصان، وتحفظ بما لا يجب مثله في الرجال.



    ولهذا من رحمة الله تعالى ولطفه أن شرع الحج في العمر مرة واحدة لمن استطاع إليه سبيلاً، وجعلت قاعدة المشقة تجلب التيسير من القواعد الكلية في هذه الشريعة السمحة.



    وبما أن هذه الفريضة تجب على المرأة كما تجب على الرجل متى ما توفرت الشروط الشرعية، فقد يحصل للمرأة عارض يمنعها من الذهاب إلى أداء هذه الفريضة وهو عدم وجود محرم معها من زوج أو قريب يصونها ويمنعها من أن تطال بأذى أو تمس بسوء لذا كان هذا البحث الذي أسميته.



    حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي سائلاً المولى القدير أن ينفعني به وأن ينفع به إخواني المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.



    أسباب اختيار الموضوع:



    أولاً:الرغبة الصادقة والملحة لمعرفة كلام أهل العلم قديماً وحديثاً في هذه المسألة التي تعتبر ذات شقين فهي قديمة وجديدة في آن واحد تتطور مع تطور العصور في كل زمان ومكان، فإن كان السفر قريباً من الميقات أو بعيداً من كل فج عميق أو كان السفر مسافته تقطع في شهور وأسابيع فقد أصبح ، الآن في ساعات، وما خفي كان أعظم، مما يجعل هذه المسألة القديمة تعتبر من النوازل المستجدة التي يدلي فيها كل علماء عصر بدلوهم، ويقولوا قولهم فيها بما يرونه من الأدلة الشرعية، وما يرونه في واقعهم المعاصر .



    ثانياً: كثرة اختلاف أهل العلم في المسألة لا سيما في عصرنا الحاضر مع توفر وسائل الاتصالات والانفتاح الإعلامي، ومعرفة الناس بمواقع المشايخ والعلماء ومحاولة معرفة رأيهم في هذه المسألة التي يرجع فيها كل أهل البلد إلى علمائهم مما جعل الخلاف يتسع، حتى بين علماء أهل البلد الواحد، فكيف بغيرهم من العوام،مما يجعل البحث في هذه المسألة بكل فروعها من الأهمية بمكان.



    ثالثاً: سؤال النساء خاصة عن هذه المسألة، التي ترغب المرأة فيما عند الله من الأجر، وتخاف من الإثم، فتريد معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة بما تبرأ به ذمتها أمام الله عزوجل في هذه الفريضة التي هي ركن من أركان هذه الدين القويم.



    رابعاً: كثرة من يسافر بالخادمات لأداء الحج أو العمرة بدون محرم في هذا العصر مما يزيد من أهمية التعرض لهذا الموضوع بالبيان والتفصيل.



    خامساً : أصبح الحج في عصرنا الحاضر يتخذ شكلاً آخر عن طريق نسب معينه من كل بلد، وتوفير مسكن خاص، مما يجعل الكثير يأتي ضمن الحملة سواء في طائرة أو باخرة أو سيارة، جماعات وأفراداً، ذكوراً وإناثاً. مما يجعل الفقيه يبحث مسألة الرفقة للمرأة إذا كن نساءً هل يقوم هذا مقام المحرم أم لا؟ فكان بحثها من الأهمية بما لا يخفى.



    هذه أهم الأسباب، وقد يكون هناك أسباب أخرى، ولكن ما ذكرت فيه الكفاية إن شاء الله.



    خطة البحث:



    سرت في بحث هذا الموضوع ضمن خطة تحتوي على:



    مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث.



    أما المقدمة فتتاول تعريف الشرط والحج في اللغة والاصطلاح.



    وأما المباحث الثلاثة فهي على النحو التالي.



    المبحث الأول: حقيقة المحرمية، وتحديد مسافة السفر



    المطلب الأول: تعريف المحرم وشروطه



    وفيه المطالب التالية:



    الفرع الأول: تعريف المحرم في اللغة والإصطلاح.



    الفرع الثاني: شروط المحرم



    الفرع الثالث: هل المحرم شرطا لوجوب الأداء؟



    المطلب الثاني: تحديد مسافة السفر.



    المبحث الثاني : حكم اشتراط المحرم في حج المرأة.



    وفيه المطالب التالية:



    المطلب الأول : حكم اشتراط المحرم في حج المرأة.



    المطلب الثاني: حكم سفر المرأة للحج في الطائرة دون محرم,.



    المطلب الثالث: حكم حج الخادمة دون محرم.



    المبحث الثالث: أثر انعدام المحرمية في الحج.



    وفيه المطالب التالية:



    المطلب الأول: حكم منع الزوج زوجته من الخروج إلى الحج.



    المطلب الثاني: حكم المرأة إذا أحرمت بالحج الواجب بغير إذن زوجها.



    المطلب الثالث: أثر وفاة محرم المرأة في أثناء الحج.



    الخاتمة: وتشمل أهم النتائج.



    منهج البحث:



    لقد سرت في بحث هذا الموضوع على المنهج التالي:



    - الاقتصار على المذاهب الفقهية المعتبرة، من كتب الأئمة في المذاهب الفقهية الأربعة، وقد أضيف إليها المذهب الظاهري إذا اقتضت طبيعة دراسة المسألة ذلك.



    - ذكر الأقوال في المسألة، مع توثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه.



    - استقصاء أدلة الأقوال، مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب به عنها إن كانت.



    - الترجيح مع بيان سببه.



    - ترقيم الآيات وبيان سورها، وتخريج الأحاديث، مع العناية بتصحيح الأحاديث من كتب التخريج المعتمدة.



    - الخاتمة عبارة عن ملخص لأبرز النتائج.



    - فهارس للآيات والأحاديث والمراجع والموضوعات .



    وبعد، فأرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في هذا البحث للصواب، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.



    والحمد لله أولاً و آخراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    التمهيد



    المطلب الأول



    تعريف الشرط والفرق بينه وبين الواجب



    الشرط – في اللغة – فيه لغتان : سكون الراء، وفتحها:



    فالشرط بالسكون يراد به الإلزام بالشيء، والالتزام به ومنه الشرط في البيع – مثلاً – وجمعه شروط .



    وبالتحريك: الشرَط العلامة ، وجمعه أشراط ، ومنه قول الله تعالى: ﴿....فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا ﴾[1]. أي : علاماتها ومنه سمي الشرطي و الشُّرَط لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها[2].



    أما في الاصطلاح: فقد عرف بتعريفات متقاربة منها:-



    1- ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته[3].



    2- ما لا يتم المشروط إلا به[4].



    3- ما لا يوجد المشروط مع عدمه، لكن لا يلزم أن يوجد عند وجوده[5].



    وأشهرها: التعريف الأول، فقد خرج به المانع ، لأنه لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، ويلزم من وجوده العدم، وخرج السبب، فإنه يلزم من وجوده الوجود.



    وقوله في التعريف لذاته احتراز من مقارنة وجود الشرط لوجود السبب فيلزم الوجود، كوجود الحلول الذي هو شرط لوجوب الزكاة، من النصاب الذي هو سبب الوجوب[6].



    والفرق بين الشرط والواجب[7]: يتضح من تعريف الواجب عند الأصوليين ومن تلك التعريفات: ما يمدح فاعله ويذم تاركه على بعض الوجوه [8].



    فالواجب نوع من الأحكام التكليفية[9]، والشرط نوع من الأحكام الوضعية[10]، وقد يجتمع الحكم التكليفي والحكم الوضعي في شيء واحد، كالزنا، فإنه حرام وسبب لإقامة الحد على فاعله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومنه ما لا يقدر المكلف على تحصيله، كالعدد المشروط لصحة الجمعة، فليس لأحد المكلفين قدرة على إحضار هذا العدد لتنعقد بهم الجمعة، ومنه ما هو في مقدور المكلف، وهو كل ما كان شرطاً لوقوع الفعل، كشرط الطهارة في الصلاة أو المحرم في نسك المرأة ، فإنه يكون واجباً، إلا إذا ورد ما يدل على عدم وجوبه[11].



    فالشرط إذاً من الأمور المقدورة للمكلف، فالطهارة شرط لصحة الصلاة ولا يتم الواجب – وهي الصلاة – إلا بها ، فهي واجبة، وهكذا. فالشرط والواجب بينهما عموم وخصوص، فكل شرط واجب، وليس كل واجب شرطاً[12].



    المطلب الثاني



    تعريف الحج في اللغة والاصطلاح



    تعريف الحج في اللغة:



    قال ابن فارس في مقاييسه: « الحاء والجيم أصول – منها- : القصد، وكلُّ قصد حج»[13]، قال الشاعر:



    وأشهدُ منْ عوفٍ حلولاً كثيرةً يحجُّون سِبَّ الزّبرقان المُزعفرا



    أيْ: يقصدونه، ثم اختصّ بهذا القصد إلى البيت الحرام للنُّسك.



    والحجيج والحاجُّ ، ويُقال لهم: الحجّ، والأصل الآخر للكلمة: الحَجَّة، وهي السَّنَةُ، ويمكن أن يجتمع مع الأصل الأوّل؛ لأنّ الحجّ في السّنة لا يكون إلاّ مرّة واحدة، فكان العام يُسمّى بما فيه من الحجّ حجّة[14].



    وفي تهذيب اللُّغة: نقول: حجَّ يحجُّ حجّاً ، والحجُّ : قضاء نسك سنة واحدة، ويُقال: بكسر الحاء؛ أي : الحِجّ والحِجّة، وقرئ: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [ آل عمران: 97 ] بالكسر والفتح أكثر[15]، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في قوله تعالى: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾: « يُقْرَأُ بفتح الحاء وكسرها والفتح الأصل، تقول: حَجْجْتُ البيتَ أحُجُّهُ حَجّاً إذا قصدْتَهُ، والحجُّ اسم العمل »[16].



    وقيل: الحجُّ الزيارة والإتيان، وإنّما سُمِّي حاجاً بزيارته بيت الله، يقول: حججت فلاناً واعتمرته؛ أي: قصدته ، وقيل : حججْتُ فلاناً إذا أتيتُهُ مرّة بعد مرّة، فقيل: حجَّ البيتَ لأنّ النّاس يأتونه كلّ سنة المرّة بعد المرّة.



    والحُجّةُ الوجه الذي يكون به الظَّفَرُ عند الخصومة، جمعها: حُجَجٌ، وسُمِّيَتْ حُجّة لأنّها تُقْصَدُ، وكذا سُمّيَتْ محجّة الطّريق لأنّها هي المقصد والمسلك[17].



    وسُمّيَ الحَجُّ نسكاً، والنُّسُكُ : اسم لكل عبادة وتقربٍ لله تعالى، ومناسك الحج عبادته، وهو من الخاص الذي صار عاماً[18].



    تعريف الحج اصطلاحاً:



    من الحنفية عرف الحج بأنه: قصد مخصوص إلى مكان مخصوص على وجه التعظيم في أوان مخصوص[19].



    ومن المالكية من عرفه: بأنه عبادة يلزمها الوقوف بعرفة ليلة عشر ذي الحجة، وطواف ذي طهرْ أخص بالبيت عن يساره سبعاً بعد فجر يوم النحر، والسعي بين الصفا والمروة ومنها إليها سبعاً بعد طواف كذلك، لا تقيد وقته بإحرام في الحج[20].



    ومن الشافعية من عرَّفهُ : بأنّه قصد الكعبة للنسك الآتي بيانه، وفسّره بعضهم بالأفعال الآتية في باب الحج من إحرام ووقوف وطواف وسعي وحلق[21].



    وعرّفه بعض الحنابلة بأنه زيارة البيت على وجه مخصوص[22].



    ولعل التعاريف السابقة ينقصه بعض القيود، وتكمل في هذا التعريف، وهو التعريف المختار للحجّ وهو: « قَصْدُ مكّة والمشاعرِ تعبُّداً لله لأداءِ المناسك على وجه المخصوص»[23] .



    قصد مكّة والمشاعر: يخرج به قصد مكّة فحسب لأداء العمرة مثلاً؛ لأنّ المشاعر لا تقصد إلاّ في حال الحجّ كعرفة ومنى ومزدلفة ونحوها.



    تعبُّداً لله: والمقصود بذلك إخراج كل قصد ليس لله خالصاً، وإخراج ما كان من قصد مكّة للتّجارة ونحوها.



    لأداء المناسك: يخرج به قصدها لعمل أو تجارة بدون أداء المناسك.



    على وجه مخصوص: ويُقْصَدُ به أداء المناسك على الكيفيّة الواردة في سُنّة الرسول e ، والتي أكّدها بقوله e : « لتأخذوا مناسككم»[24]، كما يقصد به الزمن المخصوص؛ لأن عمل الحجّ مرتبط بوقت لا يتقدَّمُ ولا يتأخَّرُ[25].



    المبحث الأول



    حقيقة المحرم ، وتحديد مسافة السفر



    المطلب الأول: تعريف المحرم وشروطه.



    وفيه الفروع التالية:



    الفرع الأول: تعريف المحرم في اللغة والاصطلاح



    الفرع الثاني : شروط المحرم



    الفرع الثالث: هل المحرم شرطا لوجوب الأداء.



    المطلب الثاني: المسافة التي تسمى سفرا



    الفرع الأول - تعريف المحرم :
    يتبع






    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1

    حكم اشتراط المحرم في حج المرأة وأثره في الفقه الإسلامي1
    د.عبود بن علي بن درع



    أولاً: المحرم في اللغة:

    محرم المرأة لغةً: محرّم تزويجها، وذو المحرم: من لا يحل له نكاحها من الأقارب: كالأب والابن والعم، يقال هو ذم محرم منها إذا لم يحل له نكاحها [26].
    ثانياً: في الاصطلاح:
    محرم المرأة اصطلاحاً هو: من يحرم عليه نكاحها على التأبيد لحرمتها إما بنسب؛ أو بسبب مباح [27].
    شرح التعريف ومحترزاته:
    النسب: أي القرابة، ويشمل الأب وإن علا، والابن وإن نزل، والأخ الشقيق، أو لأب، أو لأم، والعم مطلقاً؛ شقيق، أو لأب، أو لأم، والخال مطلقاً، وابن الأخ، وابن الأخت، فهؤلاء سبعة.
    أما السبب المباح فيشمل المصاهرة، والرضاع، والمحارم من المصاهرة.
    أربعة: أصول زوجها؛ أي أباؤه وأجداده، وفروعه، أي أبناؤه وإن نزلوا، وزوج بنت المرأة، وهؤلاء يكونون محارم لها بمجرد العقد، والرابع زوج أم المرأة، وهذا لا يكون محرماً للبنت إلا إذا دخل بأمها.
    وأما الرضاع ففيه قول النبي e : « يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النسب»
    والرواية الأخرى « ما يحرم من الولادة» [28]، وهم السبعة المذكورون في النسب لكن من الرضاع.
    قولهم: مباح احترازاً من السبب المحرم، مثل أم المزني بها، وبنتها، على القول بأنه يوجب التحريم، فلا يكون الزاني محرماً لهذه النسوة، وإن كنّ يحرمن عليه على التأبيد.
    على أنّ بعض أهل العلم يرى: أنهنّ لا يحر من عليه على التأبيد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ ﴾[29]، ولم يذكر أم المزني بها وبنتها، فما عدا المذكورات في الآية، لا يحرمن على التأبيد[30].
    وكذلك يخرج بقولهم مباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها، لأنّ وطء الشبهة لا يوصف بالإباحة، على الراجح، فهذه الموطوءة لا تحل له في باطن الأمر، فتحريم أمها أو ابنتها بسبب غير مباح، وهذا هو الأحوط، والله أعلم.
    وخرج بقيد: يحرم عليه نكاحها على التأبيد من تحرم عليه في حال وتحل في حال؛ فلا يكون الرجل محرماً لأخت زوجته، وخالة زوجته وعمتها[31].
    الفرع الثاني: شروط المحرم: يشترط للمحرم ما يلي:
    1- أن يكون مسلماً، فإن كان كافراً فليس بمحرم،سواء كانت المرأة موافقة له في الدين أو مخالفة، وبناء على ذلك لا يكون الأب الكافر محرماً لابنته الكافرة، لأن المشرك محرَّم عليه دخول مكة ويكون كذلك الأب الذي لا يصلي غير محرم لابنته التي تصلي، لأنه من شرط المحرم أن يكون مسلماً، وغير المسلم ليس بمحرم. وإليه ذهب الشافعية[32] والحنابلة [33].
    والقول الثاني: وأن الرجل محرم لمن يوافقها في الدين، فأب المرأة الكافرة إذا كان كافراً يكون محرماً لها، ولا نمنعه من السفر هو وابنته مثلاً، ولكن الأب الكافر يكون محرماً للمسلمة بشرط: أن يؤمن عليها، فإن كان لا يؤمن عليها فليس بمحرم، ولا تُمكن من السفر معه كالمجوسي، لأنه يعتقد إباحة نكاحها. وإليه ذهب الحنفية [34] والمالكية[35].
    2- أن يكون عاقلاً، فالمجنون لا يصح أن يكون محرماً، ولو كان بالغاً؛ لأنه لا يحصل من المجنون حماية المرأة وصيانتها[36].
    3-أن يكون بالغاً:
    وقد اختلف الفقهاء في اشتراط البلوغ لمحرم المرأة على قولين:
    القول الأول : اشتراط البلوغ: وقال به الحنفية[37]والشافعية[38]والحنابلة[39].
    القول الثاني: عدم اشتراط البلوغ وإنما الاكتفاء بأن يكون مميزاً تحصل به الكفاية، وهو قول المالكية[40]، وبقريب منه أفتى بعض المعاصرين[41].
    الأدلة والمناقشة:
    أدلة أصحاب القول الأول:
    جميع الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول تعود إلى دليل عقلي واحد مع اختلاف العبارة وهذا الدليل هو أن غير البالغ لا يحصل معه المقصود[42].
    ونوقش: لا يسلم عدم حصول المقصود من غير البالغ والمراهق بل يتصور حصول المقصود منهما.
    الجواب: أن الحكم هنا بناء على الغالب فالغالب على عدم البالغ والمراهق عدم حصول المقصود منهما.
    أدلة أصحاب القول الثاني:
    الدليل الأول: الأدلة في المحرمية وردت عامة، والتخصيص بالبلوغ تحكم بلا دليل فلا يلتفت إليه.
    الدليل الثاني: وجود ما يحصل به المقصود فيه كفاية وهذا حاصل فيما ذُكر.
    الترجيح:
    يترجح لي والله أعلم بالصواب هو اشتراط البلوغ، لأن المقصود من المحرم حماية المرأة وصيانتها، ومن دون البلوغ لا يحصل منه ذلك وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
    هل تشترط العدالة في المحرم:
    قال ابن تيمية: أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز لها السّفر إلاّ على وجه يؤمن فيه البلاء، ثمّ بعض الفقهاء ذكر كلّ منهم ما اعتقده حافظاً لها وصايناً، كنسوة ثقات ورجال مأمونين، ومنعها أن تسافر بدون ذلك [43].
    فإذا كان المحرم فاسقاً لم يجب على المرأة السّفر إلى الحجّ عند القائلين باشتراط المحرم[44]، لأمرين:
    أ – إنّ الفاسق لا يحصل به المقصود، وهو حفظها[45].
    ب- إنّ الفاسق لا تؤمن معه الفتنة[46].
    وخالف في اشتراط الثّقة في المحرّم بعض الشّافعية فقالوا: ولم يشترطوا في الزّوج والمحرم كونهما ثقتين كما قالوا: نسوة ثقات. فيكفي المحرم الذّكر وإن لم يكن ثقة، وهو في الزّوج واضح. وأمّا في المحرم فلأنّ الوازع الطبيعي أقوى من الشرعي[47].
    ولا شك أن الأحوط اشتراط الأمانة والعدالة في المحرم وفي الرّفقة؛ لأنّ الأعراض يحتاط لها أكثر، والحال حال سفر وتنقّل ، فقد يغفل الفاسق وينشغل عن المرأة بحوائجه. كما أنّه قد يوجد في الرّفقة من ليس بعدل، فلا بدّ من ثقات وعدول يطمأنّ على المرأة بوجودهم في الرّفقة – والله أعلم -.
    وذكر بعض فقهاء المالكيّة والشّافعية، أنّ الأمرد والخنثى[48]المشكل كالمرأة في هذا الحكم[49].
    ونصّ بعض المالكيّة على أن الخنثى لا يحج إلاّ مع ذي محرم، لا مع جماعة رجال فقط، ولا مع نساء فقط[50]. وهو قول متجه ؛ سداّ للذريعة، ودرءاً للفتنة.
    مسألة – هل الأعمى محرماً ؟ نقول: الفقهاء – رحمهم الله – لم يشترطوا ذلك، ولعلهم يعللون هذا بأن الرجل الذي معها ومع محرمها قد يهاب المحرم، وإن كانت حماية هذا الأعمى لمحرمه ضعيفة بلا شك إذ قد يشير أو يضحك أو يغمز بعينه أو ما أشبه ذلك، وهذا المحرم لا يدري، لهذا نقول: ينبغي أن نشترط أن يكون بصيراً حيث دعت الضرورة إلى كونه بصيراً[51].
    وهل يشترط أن يكون سميعاً؟ الظاهر أنه لا يشترط؛ لأن البصر يكفي في الحماية[52].
    الفرع الثالث- هل المحرم شرطا لوجوب الأداء:
    اختلف العلماء – رحمهم الله – في المّحْرَم بالنسبة للمرأة، فقال بعض العلماء: إن المَحرَم شرط لوجوب الأداء[53]، ومنهم من يقول: إنه شرط لوجوب الحج لا لوجوب الأداء[54].
    فمن قال: إنه شرط لوجوب الأداء، قال: إنها إذا لم يكن عندها مَحَرَم وجب عليها أن تستنيب ويسقط عنها الأداء بنفسها، لكن يجب عليها الحج ، وإذا ماتت وجب إقامة من يحج عنها.
    ومن قال: إنه شرط للوجوب قال: إنها لا يجب عليها الحج، والمشهور من المذهب أنه شرط للوجوب، وعلى هذا لو كان عندها من الأموال الشيء الكثير، ولكنه ليس لها مَحرَم وماتت فإنه لا يجب أن نحج عنها؛ لأنها لم يجب عليها الحج، وعللوا ذلك بأن العجز الشرعي كالعجز الحسي، فكما أن الإنسان إذا كان عاجزاً عجزاً حسياً لا يلزمه، فكذلك إذا كان عاجزاً عجزاً شرعياً.
    أمَّا الآخرون فقالوا: نحن معكم في هذه القاعدة أن العجز الشرعي كالعجز الحسي، ولكن العجز الحسي بالبدن لا يُسقط وجوب الحج، فلو كان الإنسان عنده مال كثير لكنه كبير لا يستطيع الركوب على الراحلة فهل يلزمه أن يستنيب أو لا يلزم؟ الجواب: يلزمه، وعلى هذا فنقول هذه المرأة قادرة بمالها، عاجزة ببدنها، فيلزمها أن تستنيب.
    والراجح عندي أنه شرط للأداء فيلزمها أن تستنيب ما دام عندها مال، وإذا ماتت حُج عنها[55].
    فإن قال قائل: لو كان عندها مَحرَم له أربع عشرة سنة فهل يلزمها أن تستنيب، أو نقول : هذه كالمريضة مرضاً يرجى برؤه؟
    يقال : ما دام أنه ما بقي إلا سنة أو نحوها فإنها تنتظر، وهذا محل نظر وتأمل.
    المراجع

    1. سورة محمد من الآية 18 .
    2. انظر في تعريف الشرط اللغوي: المصباح المنير ج1 ص 309 ، القاموس المحيط ج2 ص 368 ، الصحاح للجوهري ج3 ص 1136 .
    3. ذكره القرافي في الفروق ج1 ص 62 .
    4. هذا تعريف الشيرازي في شرح اللمع في أصول الفقه ج1 ص 412 .
    5. هذا تعريف ابن قدامة الحنبلي في روضة الناظر وجنة المناظر ج1 ص 162 النسخة المحققة.
    6. الفروق للقرافي ج1 ص 62، الموافقات للشاطبي ج1 ص 184.
    7. ناسب ذكر الواجب في هذه المسألة لأن من العلماء من يرى وجوب المحرم في النسك للمرأة.
    8. هذا تعريف الإمام الشوكاني في إرشاد الفحول ص 6 ، وعرفه البيضاوي بقوله: " ما ذم شرعاً تاركه قصداً مطلقاً " شرح الكوكب المنير ج1 ص 346 .
    9. وهي الواجب، المندوب، المحرم، المكروه، المباح انظر شرح الكوكب المنير ج1 ص351 .
    10. وهي الشرط، السبب، المانع.
    11. الفروق للقرافي ج1 ص 175 .
    12. المجموع للنووي ج2 ص 184 ، حاشية الروض المربع لابن القاسم ج1 ص 460 ، الفروق على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ج1 ص 196.
    13. مقاييس اللغة لابن فارس 2/29.
    14. البيت للمخبل السعدي والحلول الأحياء المجتمعة، والسِّب: العمامة، الزبرقان هو البدر وهو لقب حصين بن بدر، ينظر: ديوان المخبل السعدي ص 294، مقاييس اللغة 2/29 ، والمحكم لابن سيده 2/481 ، ولسان العرب لابن منظور 2/226 .
    15. قرأ بالكسر حمزة والكسائي وحفص وقرأ بالفتح الباقون، وهما لغتان الفتح لأهل الحجاز وبني أسد، والكسر لغة أهل نجد، ينظر: حجة القراءات لابن زنجلة 1/170 .
    16. ينظر: تهذيب اللغة للأزهري 3/50 ، ولسان العرب 2/227، وتاج العروس للزبيدي 5/467.
    17. ينظر : المحكم لابن سيده 2/481 ، ولسان العرب 2/228.
    18. ينظر : جمهرة اللغة لابن دريد 2/857، ولسان العرب 1/499 .
    19. ينظر: البناية للعيني 4/3 .
    20. ينظر : شرح حدود ابن عرفة للرصاع المالكي ص 137.
    21. ينظر: أسنى المطالب 1/443، ومغني المحتاج للشربيني 1/459 ، وفتح الوهاب1/233 .
    22. ينظر: الفروع لابن مفلح 5/201 .
    23. ينظر: الشرح الممتع 7/8 .
    24. أخرجه مسلم في صحيحه بلفظ: « لتأخذوا مناسككم » 2/943 1297 كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً ، وأخرجه النسائي بسند صحيح بلفظ: « خذوا مناسككم» 5/270 3062 كتاب الحج ، باب الركوب إلى الجمار.وصححه بلفظه الأخير الألباني. ينظر : إرواء الغليل للألباني4/271 .
    25. ينظر: الشرح الممتع 7/7.
    26. انظر: لسان العرب [ ج12/ص123] ، القاموس المحيط [ ص 1411] ومختار الصحاح ص 132.
    27. انظر : بدائع الصنائع [ ج2/ ص]ح المغني [ج/ص199]؛ مواهب الجليل [ ج3/ص491]المهذب، بشرح النووي: المجموع [ج7/ص68]؛ المغني [ج5/ص32] ؛ الشرح الكبير [ ج8/ص82]
    28. أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب [ج3/ص201 ] رقم 2645، 2646 ، ومسلم: كتاب الرضاعة ، برقم 1444، 1449 .
    29. سورة النساء ، آية 24 .
    30. انظر: الشرح الممتع 7/44 .
    31. انظر : مواهب الجليل [ج3/ص491]؛ حاشية ابن قاسم على الروض المربع شرح زاد المستقنع 3/526 .
    32. انظر: مغني المحتاج 1/467- ونهاية المحتاج 3/243 .
    33. انظر: الشرح الممتع 7/46 – والروض المربع 3/525 .
    34. انظر: بدائع الصنائع 2/199
    35. انظر: مواهب الجليل 3/492 – وحاشية الدسوقي 2/9-10.
    36. انظر: مغني المحتاج 2/233 – والمغني 5/30 – والشرح الممتع 7/47.
    37. انظر : درر الحكام شرح غرر الأحكام 1/216 ، مجمع الأنهر 1/262 ، رد المحتار على الدر المختار 2/415 إلا أن الحنفية يلحقون بالبالغ من كان مراهقاً، انظر في ذلك: الجوهرة النيرة 1/149 ، البحر الرائق 2/339 ، رد المحتار على الدر المختار 2/465 .
    38. انظر: أسنى المطالب 1/447، الغرر البهية شرح البهجة الوردية 2/270 ، مغني المحتاج 1/467، ولا يكتفي الشافعية بالمراهق إلا إذا كان ذو وجاهة أو حِذَق.وقد استدل الشافعية على إلحاق المراهق بالبالغ بحصول المقصود به وهو منع الريبة، ووجود الأمن، انظر في ذلك: أسنى المطالب 1/447 ، الغرر البهية شرح البهجة الوردية 2/270 ، تحفة المحتاج في شرح المنهاج 4/24 ، مغني المحتاج 2/217 .
    39. انظر : الفروع لابن مفلح 3/239، كشاف القناع 2/395، شرح منتهى الإرادات 1/524.
    40. انظر: مواهب الجليل 2/524، شرح مختصر خليل للخرشي 2/287، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني 1/518، منح الجليل شرح مختصر خليل 2/199 .
    41. انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 5/197-198 ، حيث أفتى المرأة القادمة للحج مع نسوة ومعها ابنها البالغ بين 11 إلى 13 سنة بأنه وإن لم تتم فيه شروط المحرمية لكنه ينجبر بجماعة النساء، وبأنه قول طائفة من العلماء.
    42. انظر مثلا: بدائع الصنائع 2/124، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/6، نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية 3/82، العناية شرح الهداية 2/422، مجمع الأنهر 1/262 ، مغني المحتاج 2/317،كشاف القناع 2/395، شرح منتهى الإرادات 1/524.
    43. شرح العمدة 1/175 – 176 .
    44. انظر: الهداية 1/133 ؛ الاختيار 1/141؛ الدرّ المختار 3/464 ؛ الفتاوى الهنديّة 1/219 ؛ الفروع 3/179؛ الإنصاف 3/415. وانظر اشتراط الثقة والأمانة في الرّفقة: المدونة الكبرى 1/457؛ الاستذكار 13/237 ؛ الأمّ 2/164 ؛ روضة الطالبين 3/9 .
    45. انظر: الهداية 1/133؛ الاختيار 1/141 ؛ ردّ المحتار 3/464.
    46. انظر: فتح القدير 2/422.
    47. انظر: مغني المحتاج 1/467؛ نهاية المحتاج 3/250.
    48. الخُنثى هو الذي له ما للذكر والأنثى، والجمع خَناثى مثل حبالي.انظر: الصّحاح 1/281؛ لسان العرب 2/145 ؛ القاموس المحيط 1/225.مادة خنث.وينقسم عند الفقهاء إلى مشكل وغير مشكل. فغير المشكل هو الذي تتبيّن فيه علامات الذّكوريّة، أو الأنوثيّة، فيُعلم أنّه رجل أو امرأة. والمشكل هو الذي لا تتبيّن فيه العلامات، أو تستوي فيه.انظر: الهداية 4/546؛ المعونة 3/1657؛ العزيز 1/170 – 173 ؛ المغني 9/109-110 .
    49. انظر: مواهب الجليل 3/469؛ المجموع 7/70 ؛ مغني المحتاج 1/467؛ نهاية المحتاج 3/250.
    50. نقله ابن ناجي عن بعض التّعليقات على كتاب ابن حبيب . شرح ابن ناجي على الرّسالة 1/394.
    51. انظر: شرح بلوغ المرام لابن عثيمين 8/74.
    52. انظر: شرح بلوغ المرام لابن عثيمين 8/75.
    53. انظر: رواية عند الحنابلة المغني 5/30 .
    54. انظر : بدائع الصنائع 2/199، والقوانين الفقهية ، ص 151، ومغني المحتاج 2/232 والمغني 5/30.

    55. وقال – به ابن عثيمين – في شرح الممتع 7/37: « وإذا حجت المرأة بدون محرم صح حجها ولكنها تأثم لأن المحرمية لا تختص بالحج » وفي فتح ذي الجلال والإكرام له 8/80 .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •