المرأة صانعة الحضارات.. ودورها يتعدى الاجتماعي والسياسي


رضا القاضي


يقول الله عز وجل "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، ولا يقتصر مفهوم العبادة على إقامة الشعائر فقط، بل يشمل كذلك إقامة شريعة الله ونهجه في الأرض، وإعمارها ماديا وروحيًّا وفق تعاليم الإسلام المتسامحة، والمرأة شريكة الرجل في هذه مهمة الاستخلاف وإعمار الأرض، بل هي الأساس الذي بنيت عليه الأسرة والكيان الاجتماعي ككل.

وآيات القرآن الحكيم ذاخرة بمدى عناية الإسلام بالمرأة، وتجهيزها للقيام بالتكاليف المكلفة بها، فسورة البقرة اهتمت بشؤون الطلاق واستوعبت أحكام الحيض والرضاع وغيره، وآل عمران توضح مدى إنبات مريم الحسن، في حين تكلمت سورة النساء على الميراث وتعدد الزوجات، وأوضحت النور تشريعات المولى عز وجل لحماية المرأة من الانحلال، وأما الطلاق؛ فقد ألمت بأحكام الطلاق والعدة، وأوضحت قضاياهما؛ صيانة للمرأة، أُمًّا وزوجةً وبنتًا ورحمًا.


ولا يضاهي أحدٌ المرأةَ في حقها على أبنائها بما تحملت من متاعب ومشاق، فقد قال الله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن"، فضلا عن تكريم اللإسلام للعمات والخالات، إذ ورد في الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أذنبت فهل لي من توبة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هل لك من أم؟ قال لا، قال: فهل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها".

هذا بالإضافة إلى أن المرأة الصالحة خير ما يكنز المسلم من دنياه بعد الإيمان بالله عز وجل وتقواه، وأفضل الرجال أوفاهم بحقوق زوجته، وخيرهم خيرهم لأهله، والبنت من زينة الحياة الدنيا، وحجاب عن النار لمن أحسن تربيتها وتأديبها.

تكريم المرأة يظهر على شخصيتها

وفي هذا الصدد تقول الباحثة والكاتبة البارزة رشيدة بو خبرة: إنَّ المرأة تبوأت في الإسلام مكانة عالية، إلا أن هذا التكريم لا بد من ظهوره على شخصيتها، ومن ثم على سلوكها، لتكون قدوة لغيرها وتسهم في بناء مجتمعها.. فعلى المرأة أن تعي ما يراد منها شرعًا لكي تحدد دورها في البناء الحضاري، بدءًا بأسرتها الصغيرة التي تمثل نواة المجتمع ووحدته البنائية، فيها يشب الطفل ويترعرع، وتتشكل اتجاهاته وآراؤه، ويتم البناء الأساسي لشخصيته.

وتتابع بوخبرة بقولها: والأم السليمة تقوم بهذا الدور التربوي الفعال بكل حرص وأمانة، دون أن تشرك أطرافًا أخرى غير مأمونة التأثير كالخادمات ووسائل الإعلام وغيرها، وهي مثال لحسن التبعل، تفهمه بمنظار حاجات الأسرة الواقعية، وهو يتطلب منها علمًا وخلقًا ومهارة كي تمارس غرس القيم وتوجيه الأسرة وتفعيلها لتكون نواة النهضة والتقدم في الأمة، لذلك نجد النساء يحضرن دروس العلم مع الرجال عند النبي صلى الله عليه وسلم، ويسألن عن أمور دينهن مما قد يستحيي منه الكثيرات اليوم، حتى أثنت عائشة رضي الله عنها على نساء الأنصار أنهن لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين.

"المرأة.. صانعة الحضارة"

والمرأة صانعة للحضارات، فهي المربية الأولى للمجتمعات، وهي نواة الأسرة المستقبلية والحاضرة، فإذا أردنا تنشئة مجتمع على مبادئ ما، وتشكيل هويته على نهج خاصة، فلنزرع ذلك أولا في الأم، فبتربيتها تتربى المجتمعات، والمرأة التي تربت على الإسلام تعرف أنها مسئولة مسئولية ذاتية منبعثة من داخلها، فضلا عن مسئولية دينية من الله عن دورها الذى يقدرة الإسلام ويقدسه.

وفي المقابل، نجد المرأة فى بعض المجتمعات الغربية على طرفى نقيض، فقد وصلت القسوة بالمرأة الإنجليزية شدتها فى التعامل مع أولادها إلى أن أصبح هذا التعامل الفظ خلقٌ وعادة اجتماعية لايعاب عليها، نتج عنها سلوك مضاد من الأولاد بنفس الشدة فى القسوة، بحيث إذا كبر الأبوان يقوم الأولاد بوضعهم فى دور المسنين، وهذا يبين لنا رحمة الإسلام ومثالية الواقعية فى بناء المجتمع القويم المتراحم.

وهكذا تتبادل العلاقات المتراحمة فى الإسلام من وإلى الأم عماد المجتمع ودعامتة الأساسية، بعكس المجتمعات الأخرى، ولا سيما الغربية التى جعلت فى كثير منها المرأة أداة للمتعة تعرض فى فترينات للمارسات الجنسية، وجعلت منها أداة للانجاب والتناسل بالإيجار؛ مقابل مبالغ مالية فى الوقت الذى ينادون فيه بحقوقها.

أما المرأة المسلمة، فتعلم مدى تكريم الإسلام لها ومدى أهمية وقدسية دورها فى بناء الحضارة والمجتمع المسلم، ولذلك هى تلذم نفسها بأداء هذا الدور الذى قد يتعداه إلى الدور السياسى والاجتماعى، فقد عين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء العدوية رضي الله عنها على الحسبة، علمًا بأن دور المحتسب كانت له أهمية بالغة في محاربة الظلم والفساد، وكانت أم شريك رضي الله عنها من أغنياء الأنصار، تكثر الإنفاق في سبيل الله وتستقبل الضيوف خدمة لدعوة الإسلام.