قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
«ويمسكون عما شجر بين الصحابة؛ ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زِيدَ فيه ونُقِصَ، وغُيِّر عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون؛ إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون.
وهُمْ مع ذلك لا يعتقدون أنَّ كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره؛ بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة؛ ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إنْ صَدَرَ؛ حتى إنه يُغفر لهم من السيئات ما لا يُغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.
وقد ثبت بقول رسول الله ﷺ: «إِنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ»، وأنَّ المُدَّ من أحدهم إذا تصدق به؛ كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم؛ ثم إذا كان قد صدر عن أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد ﷺ الذين هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كَفَّر به عنه؛ فإذا كان هذا في الذنوب المحققة؛ فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلَهُم أجر واحد، والخطأ مغفور.
ثم القَدْرُ الذي يُنْكَر مِن فِعْل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة، والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح.
ومَن نَظَرَ في سيرة القوم بعِلْم وبصيرة، وما مَنَّ الله به عليهم من الفضائل، عَلِمَ يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء؛ لا كان ولا يكون مثلهم؛ وأنهم هُمْ صفوة الصفوة من قرون هذه الأُمَّة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله»اهـ([1]).
[1])) «العقيدة الواسطية» (ص120- 122).