الحجاب دعوة صامتة
محمد الكندرى[1]
إن أفراد هذه الأمة مطالبون ـ ذكوراً وإناثاَ ـ بتبليغ دعوة الإسلام لغير المسلمين كل حسب استطاعته. ولعل منطلق ذلك استشعار المسلم والمسلمة ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقهما في دعوة الآخرين، والحرص الشديد على إنقاذ الناس من نار الضلالة وجحيمها، إلى جنة الإسلام ونعيمها.
كما ينطلق المسلم والمسلمة كل في دعوتهما لإقامة الحجة وتبليغ الرسالة، فمن أسلم فلنفسه ومن ضل فعليها. والداعية في الغرب يدفعه حرصه على إزالة الشبهات وتصحيح المغالطات، إلى بذل قصارى جهده لتقديم نموذج صحيح للإسلام المفترى عليه.
وللدعوة مهارات وأساليب متنوعة، لسنا في صددها في مقالنا هذا، إنما نقف هنا لتسليط الضوء على الحجاب في أمريكا تحديداً، ومن خلال واقع عاصرته وشاهدته رأي عين وسمعته ممن أثق بهم. لقد أصبحتُ متيقناَ أن الحجاب دعوة صامتة أبلغ من ألف موعظة، فلسان الحال أبلغ من المقال.
شاب اعتنق الإسلام بسبب الحجاب!!
التأثر بالحجاب وما يحمله من قيم نبيلة، ليس مقتصراً على الجنس النسائي، بل يشمل الرجال أيضاَ. قامت باستضافتي إحدى المؤسسات الإسلامية لدورة تدريبية في شيكاغو، وما إن وصلت المطار إلا واستقبلني أمريكي مسلم اسمه (كريم)، ودار بيننا الحوار التالي:
• سألني: من أين أنت؟
- قلت: أنا من الخليج العربي وتحديداً من الكويت.
• بادرني قائلا: أنتم محظوظون؛ لأنكم مسلمون بالفطرة، ولا داعي ليعرفكم أحد بالإسلام؟.
- أجبته قائلا: الحمد لله على نعمة الإسلام، وماذا عنك؟!
• قال: لقد أسلمت منذ زمن قريب.. والحمد لله.
- وماذا كان سبب إسلامك؟ لاسيما وأن الإعلام الأمريكي لا يألو جهداً في تشويه صورة الإسلام؟
• أجابني قائلا: لن تصدق إن قلت لك الحجاب!!
- وكيف ذلك؟
• أجاب: لقد كانت حياتي مثل سائر شباب أمريكا، لا هم لنا إلا الترفيه والشرب والجنس، وكنت مراهقا أعيش صراعاَ أو خلافاَ دائماَ مع والدي كما هو حال غيري. وأضاف قائلاً: وفي أحد الأيام رأيت في الجامعة طالبة تغطي رأسها وجسمها، وكانت مختلفة عن غيرها من الطالبات، فقلت في نفسي: لماذا يلبس نساء المسلمين ذلك؟؟ وظلت صورة الحجاب وتلك الفتاة في ذهني وتولَّد لدي شعور للتعرف على الإسلام. وبعد أيام وفي إحدى المحاضرات كان لطالب مسلم (ماليزي) وطالبة مسلمة محجبة عرض موجز عن الإسلام. بعدها قمت أبحث وأقرأ عن الإسلام وأعلنت إسلامي وأنا الآن أعمل في مجال الدعوة.
الحجاب.. دعوة لقيمة مفقودة..
إن ارتداء الحجاب في أمريكا وسيلة دعوية بالغة التأثير، حيث يرمز إلى الحشمة والعفة في بلد تموج فيه الفتن، والانفلات وانحطاط القيم والحياة الصاخبة. فالنفوس السليمة تميل إلى الستر والاحتشام وتنبذ التعري، وما يحمله الحجاب من قيم هو محل تقدير المنصفين من غير المسلمين، فهذا مثلا د. هنري ماكو وهو يهودي صهيوني ـ على حد وصفه لنفسه ـ يشيد بما يتضمنه الحجاب من قيم فضيلة، إذ يقول: "لست خبيراَ في شؤون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيراَ مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع أو الحجاب، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها الحجاب لي".
وهذه فتاة نصرانية في مدينة "سياتل" أمامها المغريات كثيرة، وزخارف الحياة متنوعة لاسيما في مجتمعها، حيث لا ضوابط أخلاقية، إلا أنها اختارت الإسلام واعتنقته، وعندما سئلت عن سبب ذلك قالت: "قراري باعتناق الإسلام جاء بسبب ما رأيته من مظاهر الحشمة والحجاب والحياء بين المسلمات"[2].
فتاة يهودية تتحجب.. حتى تنجو من التحرشات..
طالبة يهودية في إحدى جامعات "لوس انجلوس" كانت تتعرض للمعاكسة السمجة والتحرش الفج عند ناصية يتجمع لديها شباب من الأغرار الذين لا أخلاق لهم. تحركت فيها دواعي الحركات النسائية التي تنكر على الرجال ظنهم أنهم خير من النساء وأقوى، واتخذت إجراءً توسمت فيه أنه يمحو الفوارق بينها وبين هؤلاء الرجال، فحلقت شعرها لكن النتيجة لم تتغير، فالتحرشات بها لا تزال مستمرة، وأخيراَ خطر لها أن تضع غطاء رأس كالذي ترتديه الطالبات المسلمات، ومرت في نفس المكان الذي يتواجد فيه الشباب الذين اعتادوا على التحرش بها، ولكن هذه المرة ـ ولكونها متحجبة ـ لم يحاول أحد أن يتعرض لها، ومرت بكل احترام[3]. يعلم المتسكعون والعابثون باصطياد الفتيات أن المحجبة ليس ضالتهم المنشودة، وأنهم لن يظفروا منها بشيء، فهي تجسد الحشمة التي يستحيل النيل منها، والوقار الذي لا يليق معه العبث، فالحجاب وقاية من تحرشات الماجنين، وأمان من تطاول اللاهثين وراء المتعة الحرام.
الحجاب هوية شخصية..
إن حجاب المسلمة ـ بالإضافة لكونه فريضة ربانية ـ فهو أبلغ رسالة دعوية وخير وسيلة للتعريف وبيان الهوية الإسلامية، تماماً كما يحمل أحدنا بطاقة شخصية للتعريف به، أو جواز سفر لتحديد تبعيته لبلده فكذلك الحجاب. التقى أحد الأساتذة الأمريكان بطالبتين مسلمتين، إحداهن سافرة والثانية محجبة، فصافح الأولى وقال للثانية أعلم أنك مسلمة من ارتدائك الحجاب، وأنا أحترم دينك ولن أصافحك!! فأصيبت الأولى بالصدمة. إن حجاب المسلمة في أمريكا والغرب تعبير عن الهوية الإسلامية في زمن تلوثت وتشوهت فيه الهوية لدى بعض المسلمين والمسلمات.
إعلان ناجح للحجاب في جريدة نيويورك تايمز..
ضمن استراتيجية مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ـ أنشط المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة ـ لتقوية الوجود الإسلامي في أمريكا من خلال التواصل مع الرأي العام الأمريكي، ولتصحيح صورة المسلمين، فقد قامت بنشر إعلان يسلط الضوء على الدور النشط للمرأة المسلمة المحجبة. يقول الإعلان الذي نشر في جريدة نيويورك تايمز ـ إحدى أكبر الصحف الأمريكية ـ على لسان فتاة مسلمة: إنها اختارت أن ترتدي الحجاب؛ لأنه أمر مهم لعقيدتها، ولكونها فخورة بكونها مسلمة، وأن الإسلام يشجع الرجل والمرأة على الاحتشام. وهكذا نجح الأفاضل في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في استخدام مهارات العلاقات العامة في التخاطب مع الجمهور، وبيان مضمون ومفهوم الحجاب. وقد لقي إعلان المتحجبة وهي تقول: "الحجاب هو رمز ثقتي بنفسي واحترامي لها". ردود أفعال واسعة في الساحة الأمريكية، وأشاد العديد من غير المسلمين بحشمة الفتاة المسلمة، وأن الإعلان قد ترك أثره في النفوس.
[1] إعلامي خليجي ومستشار في الشئون الإغاثية والدعوية، ومعد برامج خاصة بالمرأة والأسرة.
[2]) كتاب "حتى لا يتناثر العقد".
[3]) كتاب "بهذا ألقى الله".