فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
(زيارة المسجد النبوي)
الإدارة الشرعية
س1468: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة المسجد النبوي؟ وهل لها تعلق بالحج؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: زيارة المسجد النبوي سنة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي، لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام، ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذا وصل إلى هناك زار قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على الوجه الشروع في ذلك من غير بدع ولا غلو.
وقولك في السؤال: هل له علاقة بالحج؟
جوابه: أنه لا علاقة له بالحج، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة، والحج والعمرة منفصلان عنه، لكن أهل العلم- رحمهم الله- يذكرونها في باب الحج أو في آخر كتاب الحج، لأن الناس في عهد سبق يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر، وزيارة المسجد النبوي في سفر، فكانوا إذا حجوا واعتمروا مروا بالمدينة لزيارة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، و إلا فلا علاقة بين هذا وهذا.
س1469: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الأداب المشروعة في زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الأداب المشروعة أن يزور قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويسلم عليه، فيقول: السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوة ثانية، عن يمينه ليكون مقابل وجه أبي بكر- رضي الله عنه- ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم ينصرف. هذه هي الزيارة المشروعة.
وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - لتفريج الكربات وتحصيل الرغوبات، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضرًّا، ولا يعلم الغيب، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحييون، ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيِء أبداً، قال الله تعالى له- للرسول - صلى الله عليه وسلم - -: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا). وقال الله تعالى: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله)
وقال الله له: (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنى عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد، أو يدفع ضّرا عن أحد، بل هو عبد مربوب، مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما منَّ الله عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله، ولن تكون لأحد بعده، وهى الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.
س1470: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة بعض المقابر بالمدينة كالبقيع والشهداء؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: زيارة القبور سنة في كل مكان ولاسيما زيارة البقيع الذي دفن فيه كثير من الصحابة- رضي الله عنهم- ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان- رضي الله عنه- وقبره هناك معروف.
وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً ويصلي فيه ركعتين؛ لأن في ذلك فضلاً عظيماً.
وليس هناك شيء يزار في المدينة سوى هذه: زيارة المسجد النبوي، وزيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه- رضي الله عنهما- وزيارة البقيع، وزيارة شهداء أحد، وزيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات فإنه لا أصل له.
س1471: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما الذي يلزم من وجد في قلبه ميلاً إلى طلب أصحاب هذه القبور، الشفاعة أو قضاء الحوائج - صلى الله عليه وسلم - أو الشفاء أو ما إلى ذلك؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: الذي يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب القبور، فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير، وكان الإنسان يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة بدون أن يسألهم ذلك، ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له، فهذا لا بأس به، فإننا كلنا نرجو أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شفيعاً لنا، ولكننا لا نقول: يا رسول الله اشفع لنا، بل نسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لنا، وكذلك أهل الخير الذي يرجى منهم الصلاح فإنهم يكونون شفعاء يوم القيامة، فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم إلى قسمين:
قسم خاص برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يشركه فيه أحد، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها - صلى الله عليه وسلم - للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم، فإن الناس يوم القيامة ينالهم من الكرب والغم ما لا يطيقون فيقولون: ألا تذهبون إلى من يشفع لنا عند الله عز وجل، يعني يريحهم من هذا الموقف، فيأتون إلى اَدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم، ثم إلى - صلى الله عليه وسلم - موسى، ثم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، وكلهم لا يشفعون، حتى يأتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتنتهي الشفاعة إليه، فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده، فيجيء الله عز وجل ويقضي بين عباده، والشفاعة الثانية: شفاعتة - صلى الله عليه وسلم - في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة.
أما الشفاعة العامة التي تكون للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من إلأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فهذه تكون فيمن دخل النار أن يخرج منها، فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا النار بقدر ذنوبهم، فإن الله تعالى يأذن لمن شاء من عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أن يشفعوا في هؤلاء بأن يخرجوا من النار.
فالمهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفِّع فيه نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - أو يشفِّع فيه أحداً من الصالحين بدون أن يسألهم ذلك، فهذا لا بأس به.
وأما أن يسألهم فيقول: يا رسول الله اشفع لي، أو يا فلان اشفع لي، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز، بل هو من دعاء غير الله عز وجل، ودعاء غير الله شرك.
س1472: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم زيارة المساجد السبعة في المدينة أو هذه المزارات التي يزورها بعض الحجاج؟
فأجاب رحمه الله- بقوله: نحن ذكرنا أنه لا يزار إلا هذه الخمسة التي هي: مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقبره وقبر صاحبيه وهي في مكان واحد، هذه القبور الثلاثة، والبقيع، وفيه قبر عثمان- رضي الله عنه- وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب- رضي الله عنه- ومسجد قباء، وما عدا ذلك فإنه لا يزار، وما أشرت إليه من المساجد السبعة أو غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته، وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يجوز لأحد أن يثبت لزمان، أو مكان، أو عمل أن فعله أو قصده قربة إلا بدليل من الشرع.
س1473: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل المرأة إذا قدمت المدينة حاجة أو معتمرة تزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: لا تزور قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن زيارتها لقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس لها ضرورة، إذ إن الإنسان إذا سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو في أقصى المشرق والمغرب، فإن سلامه يبلغه، فليس هناك ضرورة إلى أن تقف على قبره لتسلم عليه، ثم إن كثيراً من العلماء يقول: إنها إذا زارت قبر الرسول عليه الصلاة والسلام دخلت في اللعنة، حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن زائرات القبور، فلا تزور قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويكفي أن تسلم عليه وهي في المسجد النبوي، أو في بيتها، أو من أي مكان.
س1474: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صحة هذا العمل وهو ما يوجد عند المسجد النبوي خصوصاً عند البقيع من بيع الحب للحمام فبعض الناس يشتريه ثم يرميه وبعضهم يتقصد رميه بالمقبرة فما حكم هذا العمل؟ وحدثونا يا شيخ عن المزارات التي تزار في المدينة النبوية والتي دل عليها الدليل؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: أرى أن هذا عمل ليس بجيد، كون الإنسان يشتري الحب ويلقيه على الأرض للحمام هذا غلط، فأحياناً يداس هذا الحب بالأقدام خصوصاً في أيام الموسم؛ لأن أيام الموسم يكون الناس بكثرة، ولا تتمكن الحمام من النزول فتأكل وهذا إضاعة مال وإهانة طعام.
أما المزارات التي في المدينة: أولاً: المسجد النبوي تصلي فيه ما شاء الله. ثانياً: قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وقبرا صاحبيه أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-. ثالثاً: البقيع. رابعاً: مسجد قباء. خامساً: شهداء أحد، وغير هذا ليس فيه مكان تشرع زيارته في المدينة.
س1475: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ذكرتم زيارة البقيع وشهداء أحد فهل يجوز للرجل أن يذهب بأهله من النساء إلى تلك الأماكن؟ وهل يجوز أيضاً للمرأة أن تدخل في الروضة قريباً من قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
فأجاب- رحمه الله- بقوله: نعم هذا سؤال، وفيه تنبيه يشكر عليه، النساء لا يزرن المقابر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن زائرات القبور، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا فرق بين البقيع وشهداء أحد وغيرها من مقابر المسلمين، فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها قاصدة زيارة المقبرة، فإن فعلت فهي ملعونة- والعياذ بالله- لكن لو مرت بالمقابر بدون قصد زيارة ووقفت ودعت لأهل القبور فلا بأس.
أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقبري صاحبيه- رضي الله عنهما- فقد رخص بعض العلماء في ذلك وقال: إن زيارة المرأة لقبر الرسول صلى الله عليه وعلى اَله وسلم وقبري صاحبيه ليست زيارة، لأن مكان القبور الثلاثة محاط بثلاثة جدران، فهي لم تقف على القبر وبينها وبين القبور حائل، فهي وإن وقفت مثلاً في الروضة- كما يقول السائل- فإنها لم تكن زائرة لقبر بينها وبينه الحجاب وثلاثة جدر، لكن مع ذلك نرى أن لا تزور المرأة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقبري صاحبيه- رضي الله عنهما- لأنها إذا ذهبت إلى هناك، يقال: إنها زارت القبر، فهي زيارة عرفية وإن لم تكن حقيقة زيارة، لكنها زيارة عرفية فلا نرى أن تذهب.
ثم أليس المقصود من الوقوف على القبر أن يصل سلامك إلى الرسول؟ الجواب: بلى، هذا المقصود، ومع هذا نقول: أنت لو سلمت عليه في أقصى الدنيا فإن سلامك سوف يبلغه " لأن الله وكل ملائكة سياحين في الأرض إذا سلم أحد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - نقلوا السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن الآن إذا قلنا: اللهم صل وسلم على رسول الله. نقل سلامنا إليه، في الصلاة تقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ينقل السلام إليه، إذن لا ضرورة إلى أن تأتى المرأة إلى القبر.
سمعتما بعض الناس يقول في المدينة: إن أبي وصاني أن أسلم على الرسول وقال: سلم لي على الرسول. وهذا غلط، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس حيًّا حتى ينقل سلام الحي له، ثم إنه إذا سلم أبوك على الرسول نقل سلامه من هو أقدر منك على إبلاغه وأوثق منك، وهم الملائكة، إذن لا حاجة إلى هذا، ونقول أنت في مكانك في أي مكان من الأرض، تقول: السلام عليك أيها النبي، وسيبلغه بأسرع من هذا، وأوثق وأحسن.
يتبع