فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
باب الإحرام
الإدارة الشرعية
س 491: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هو الاشتراط؟ وما حكمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: صفة الاشتراط أن الإنسان إذا أراد الإحرام يقول: (إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني) يعنى فإنني أحل، فإذا حبسني حابس أى منعني مانع عن إكمال النسك، وهذا يشمل أي مانع كان، لأن كلمة حابس نكره في سياق الشرط فتعم أي حابس كان، وفائدة هذا الشرط أنه لو حصل له حابس يمنعه من إتمام النسك فإنه يحل من نسكه ولا شيء عليه.
وقد اختلف أهل العلم في الاشتراط:
فمنهم من قال: إنه سنة مطلقاً، أي أن المحرم ينبغي له أن يشترط، سواء كان في حال خوف أو في حال أمن، لما يترتب عليه من الفائدة، والإنسان لا يدري ما يعرض له.
ومنهم من قال: إنه لايسن إلا عند الخوف، أما إذا كان الإنسان آمناً فإنه لا يشترط.
ومنهم من أنكر الاشتراط مطلقاً.
والصواب القول الوسط، وهو أنه إذا كان الإنسان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام نسكه، سواء كان هذا العائق عامًّا أم خاصًّا فإنه يشترط، وإن لم يكن خائفاً فإنه لا يشترط، وبهذا تجتمع الأدلة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحرم ولم يشترط، وأذن بل أرشد ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى أن تشترط حيث كانت شاكية .
والشاكي أي المريض خائف من عدم إتمام نسكه، وعلى هذا فإننا نقول: إذا كان الإنسان خائفاً من طارىء يطرأ يمنعه من إتمام النسك فليشترط أخذا بإرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ضباعة بنت الزبير، وإن لم يكن خائفاً فالأفضل أن لا يشترط اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث أحرم بدون شرط.
س 492: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يلزم المشترط أن يأتي بالصيغة التي وردت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم يشترط بأي كلام هو يعبر به عن نفسه؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة، لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى.
س 493: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما فائدة الاشتراط في الحج؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاشتراط في الحج هو أن يشترط الإنسان عند عقد الإحرام إن حبسه حابس فمحله حيث حبس.
وقد اختلف العلماء رحمهم الله في مشروعية الاشتراط، فمنهم من قال: إنه ليس بمشروع مطلقاً لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حج واعتمر ولم ينقل عنه أنه اشترط في حجه ولا في عمرته. ومن المعلوم أنه يكون معه المرضى ولم يرشد الناس إلى الاشتراط، فها هو كعب بن عجرة رضي الله عنه في عمرة الحديبية أتي به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفيه مرض والقمل يتناثر على وجهه من رأسه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى" وأمره أن يحلق رأسه وأن يفدي، أو يصوم، أو يطعم، والقصة معروفة في الصحيحين وغيرهما .
من العلماء من قال: إنه مشروع مطلقاً، وأن الإنسان يستحب له عند عقد الإحرام أن يشترط: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وعللوا ذلك بأنه لا يأمن العوارض التي تحدث له في أثناء إحرامه وتوجب له التحلل، فإذا كان قد اشترط على الله سهل عليه التحلل.
ومن العلماء من قال: إن خاف من عائق اشترط وإلا فلا، والصحيح أن الاشتراط ليس بمشروع إلا أن يخاف الإنسان من عائق يحول دونه وإتمام نسكه، مثل أن يكون مريضاً ويشتد به المرض فلا يستطيع أن يتم نسكه فهنا يشترط، وأما إذا لم يكن خائفاً من عائق يمنعه، أو من عائق يحول بينه وبين إتمام نسكه فلا يشترط، وهذا القول تجتمع به الأدلة، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اعتمر وحج ولم يشترط، ولم يقل للناس على سبيل العموم اشترطوا عند الإحرام، ولكن لما أخبرته ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب- رضي الله عنها- أنها تريد الحج وهي شاكية أي مريضة قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيتي " فمن كان في مثل حالها فإنه يشترط، ومن لم يكن فإنه لا يشترط.
أما فائدة الاشتراط فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنع من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، يعنى تحلل وليس عليه فدية ولا قضاء.
س 494: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: في حديث ضباعة بنت الزبير- رضي الله عنها- عندما قالت للرسول - صلى الله عليه وسلم -: أريد الحج وأنا شاكية. فقال لها: "حجي واشترطي " وما معناه؟ وبعض الناس يقول: إنه مشروع على كل حال في هذا الزمان لكثرة الحوادث فما رأيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعنى أنها تقول: إن حبسني حابس أي منعني مانع من إتمام النسك فإنني أحل وقت وجود ذلك المانع، وإنما أرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الاشتراط لأنها كانت تخاف أن لا تتم النسك من أجل المرض، فأرشدها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تشترط، وأما من لم يكن خائفاً من إتمام النسك فإنه لا يشترط، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لم يكونوا اشترطوا عند الإحرام هذا الشرط، ولهذا كان القول الراجح أن الاشتراط ليس بمستحب ولا مشروع إلا لمن كان خائفاً من عدم إتمام نسكه، وهذا القول هو القول الذي يجمع بين الأدلة، وأما من نفى الاشتراط مطلقاً، أو أثبت الاشتراط مطلقاً فإنه لابد أن يقع في مخالفة لبعض النصوص.
وأما قول بعض الناس: إننا في هذا الزمن خائفون بكل حال لكثرة حوادث السيارات.
فجوابنا عن هذا: أن حوادث السيارات بالنسبة لكثرتها ليست بشيء، فإن السيارات تكون عشرات الآلاف وإذا حصل من عشرات الآلاف حادثة أو حادثتان أو عشرة أو عشرون حادثة فليست بشيء والحوادث كائنة حتى في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه صح من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجل وقصته راحلته يوم عرفة فمات وهذا حادث وجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالمهم أن الحوادث محتملة حتى في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك لم يرشد الأمة إلى الاشتراط إلا لمن كان خائفاً.
س 495: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: مع الحوادث التي تقع في الحج هل يستحسن أن نشترط عند الإحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: أرى أن لا يشترط الإنسان عند الإحرام لأن هذه الحوادث- والحمد لله- قليلة بالنسبة للحجاج قليلة بالنسبة للسيارات أيضاً متى تحدث في أي سنة، وكذلك أيضاً بالنسبة للحجاج حوالي مليونين ما أصيب منهم أحد ولا مائة ألف فالمصائب قليلة والحوادث قليلة- والحمد لله- وكون الإنسان لا يشترط اتباعاً للسنة وتوكلاً على الله عز وجل واحتساباً للأجر فيما لو حدث حادث أفضل من كونه يشترط، لكننا لا نمنعه من الاشتراط نقول: الأفضل أن لا تشترط، وإن اشترطت فلا بأس.
س 496: إذا وصلت المرأة الميقات قاصدة العمرة ولكنها حائض فماذا تفعل؟
فأجاب فضيلته بقوله: العمل في هذه الحال أنه ينبغي للمرأة إذا وصلت إلى الميقات وهي حائض وخافت أن لا تطهر قبل أن يرجع أهلها فتحرم وتشترط وتقول: "اللهم إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "، فإن كانت هذه المرأة قد اشترط فإنها ترجع مع أهلها ولا شيء عليها، وإن لم تكن اشترطت فإنها تبقى على إحرامها ويبقى معها محرم حتى تطهر ثم تقضي عمرتها.
س 497: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: بالنسبة للاشتراط في الحج هل هناك حالات معينة يشترط فيها الحاج ويقول: إن حبسني حابس؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاشتراط في الحج أن يقول عند عقد
الإحرام: إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني، وهذا الاشتراط لا يسنّ إلا إذا كان هناك خوف من مرض، أو امرأة تخاف من الحيض، أو إنسان متأخر يخشى أن يفوته الحج، ففي هذه الحال ينبغي أن يشترط، وإذا اشترط وحصل ما يمنع من إتمام النسك، فإنه يتحلل ولا شيء عليه، أما إذا كان الإنسان غير خائف، فالسنة ألا يشترط. فيعزم ويتوكل على الله ويحسن الظن بالله عز وجل.
س 498: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما هي الأنساك التي يمكن أن يحرم بها الذي يريد الحج أو العمرة؟ وما أفضلها؟ وكيف يحرم من كان في الطائرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأنساك التي يخير فيها المحرم هي ثلاثة: التَّمتع، والإفْراد، والْقِران.
وصفة التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويأتي بها كاملة ويحل منها، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج، وعليه فإذا وصل إلى الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب الإحرام، ثم قال: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، فإذا وصل إلى مكة طاف طواف العمرة، ثم سعى بين الصفا والمروة للعمرة أيضاً، ثم قصر من شعر رأسه وحل تحللاً كاملاً، فيباح له كل شيء كان محظوراً عليه في الإحرام من اللباس والطيب والنساء، وغير ذلك.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم من مكانه الذي هو فيه، فاغتسل وتطيب، ولبس ثياب الإحرام ثم خرج إلى منى، فأدى بقية مناسك الحج.
وأما الإفراد فهو: أن يحرم بالحج مفرداً، فإذا وصل إلى الميقات أحرم قائلاً: لبيك حجاً فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى للحج بين الصفا والمروة واستمر في إحرامه حتى يوم العيد.
أما القران فهو: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً. فإذا وصل الميقات قال: لبيك عمرة وحجاً، فإذا دخل مكة طاف طواف القدوم ثم سعى للعمرة والحج واستمر في إحرامه إلى يوم العيد.
فالقارن والمفرد في الأفعال سواء لكنهما يختلفان من وجه آخر، فالقارن حصل له في نسكه عمرة وحج، ويجب عليه الهدي، كما يجب على المتمتع، وأما المتمتع فيختلف عنهما حيث إنه يفرد العمرة وحدها، ويفرد الحج وحده، وعليه الهدي وكذلك القارن.
والهدي شاة، أو سُبُع بدنة، أو سبع بقرة، يذبحها في أيام الذبح يأكل منها، ويهدي ويتصدق، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
وأفضل هذه الأنساك التمتع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر به أصحابه وأكد عليهم، إلا إذا كان مع الإنسان هدي ساقه من الميقات فإن الأفضل أن يكون قارناً اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وهو يأمرهم أن يجعلوا نسكهم تمتعاً: "لولا أن معي الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة" .
وبالنسبة للإحرام في الطائرة، يغتسل الإنسان في بيته ويأخذ معه ثياب الإحرام، فإذا ركب لبسها، وإذا كان من مطار القصيم مثلاً، ومضى خمس وثلاثون دقيقة، أو أربعون دقيقة من إقلاع الطائرة أحرم، بمعنى لبى، فيكون متهيئاً لابساً ثياب الإحرام قبل هذه المدة.
فإذا مضت يبدأ بالتلبية: لبيك عمرة، على ما سبق، أما المطارات الأخرى إذا لم يكن إعلان عند وصول الميقات فإن الإنسان يسأل المسؤولين: متى يكون الإحرام؟ وإذا خاف فوات الميقات لسرعة الطائرة فلا حرج عليه أن يحتاط ويحرم قبله.
س 499: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما أفضل نسك بالنسبة للحاج الذي يريد أن يحج لأول مرة بالتفصيل بارك الله فيكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: أفضل نسك للحاج أن يحرم بالعمرة أولاً من الميقات، ثم إذا وصل إلى مكة طاف وسعى للعمرة وقصر ثم لبس ثيابه وحل من إحرامه إحلالاً تاماً، فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج من مكانه وخرج إلى منى وبات بها ليلة التاسع، فإذا كان يوم التاسع ذهب إلى عرفة ووقف بها إلى أن تغرب الشمس، ثم يدفع منها إلى مزدلفة فيبيت بها ويصلي الفجر فإذا أسفر جداً دفع إلى منى فيرمى جمرة العقبة، ثم ينحر هديه، ثم يحلق رأسه، ثم ينزل إلى مكة فيطوف ويسعى، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، ويرمي في هذين اليومين بعد الزوال الجمرات الثلاث كلها يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، ثم إن شاء تعجل فخرج، وإن شاء بقي إلى اليوم الثالث عشر ورمى بعد الزوال، وإذا أراد أن يرجع إلى بلده فإنه لا يخرج حتى يطوف طواف الوداع، هذا أفضل الأنساك ويسمى عند أهل العلم التمتع؛ لأن الرجل تمتع فيما بين العمرة والحج حيث إنه أحل من إحرامه وتمتع بما أحل الله له بين العمرة والحج، فهذا هو أفضل الأنساك، فينبغي للحاج سواء كان حجه أول مرة أو فيما بعدها ينبغي له أن يحرم على الوجه الذي ذكرناه وهو التمتع، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يسق الهدي من أصحابه به، وقال: "افعلوا ما أمرتكم به " .
أما النوع الآخر من الأنساك فهو القران وهو: أن يحرم الإنسان بالحج والعمرة جميعاً من الميقات، فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم ثم سعى للحج وللعمرة وبقي على إحرامه لا يحل فإذا كان اليوم الثامن خرج إلى منى وفعل للحج كما ذكرنا أولاً لكنه ينوي بطوافه في طواف الإفاضة الذي يكون يوم العيد ينوي به أنه للحج والعمرة جميعاً كما ينوي بالسعي الذي سعاه بعد طواف القدوم أنه للحج والعمرة جميعاً، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة- رضي الله عنها- "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لعمرتك أما الإفراد وهو النوع الثالث من أنواع النسك فهو: أن يحرم بالحج وحده من الميقات ويبقى على إحرامه، وصفة أعمال المفرد كصفة أعمال القارن، إلا أنه يحصل به نسك واحد، والثاني نسكان، ولهذا وجب على القارن الهدي ولم يجب على المفرد؛ لأن القارن حصل له نسكان عمرة وحج ولذا وجب الهدي، أما المفرد فلم يحصل له إلا نسك واحد فقط فلا يلزمه الهدي.
س 500: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما صفة الْقِران؟
فأجاب فضيلته بقوله: القران له صورتان:
الصورة الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من الميقات ويقول: لبيك عمرة وحجاً.
والصورة الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وهناك صورة ثالثة موضع خلاف بين العلماء وهي: أن يحرم بالحج وحده ثم يدخل العمرة عليه قبل أن يفعل شيء من أفعال الحج كالطواف والسعي مثلاً.
والقارن يبقى على إحرامه فإذا قدم مكة يطوف للقدوم، ويسعى للحج والعمرة ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد، ويلزمه هدي كهدي المتمتع.
وأما المفرد فأن يحرم بالحج مفرداً من الميقات، فإذا قدم مكة طاف للقدوم وسعى للحج، ولم يحل إلا يوم العيد فيكون القارن والمفرد سواء في الأفعال لكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة وحج ويلزمه هدي، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج ولا يلزمه هدي.
س 501: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما حكم من ينتهي من الإفراد ثم يعتمر؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العمل لا أصل له في السنة فلم يكن الصحابة- رضي الله عنهم- مع حرصهم على الخير، يأتون بهذه العمرة بعد الحج وهم خير القرون، وإنما جاء ذلك في قضية معينة في قصة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- حيث كانت محرمة بعمرة ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بالحج ليكون نسكها قِراناً، وقال لها: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك " فلما انتهى الحج ألحت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تأتي بعمرة بدلاً من عمرتها التي حولتها إلى قران، فأذن لها وأمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها من الحرم إلى الحل، فخرج بها وأتت بعمرة . فإذا وجدت الصورة التي حصلت لعائشة- رضي الله عنها- وأرادت المرأة أن تأتي بعمرة فحينئذ نقول: لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة، كما فعلت أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويدل على أن هذا أمر ليس بمشروع أن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنه- وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة لا بتفقهٍ من عنده ولا بإذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولو كان هذا من الأمور المشروعة لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة، لأن ذلك أمر سهل عليه من حيث إنه قد خرج مع أخته.
والمهم أن ما يفعله بعض الحجاج كما جاء في السؤال ليس له أصل من السنة. نعم لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا وهو قد أتى بحج مفرد فإنه في هذه
الحال في ضرورة بأن يأتي بعد الحج بالعمرة ليؤدي واجب العمرة، فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم، وحينئذ يخرج إلى التنعيم أو إلى غيره من الحل فيحرم بعمرة منه ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر.
س 502: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: ما رأيكم فيمن استدل للأنساك الثلاثة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "لَيُهِلَّنَّ عيسى ابْنُ مَرْيَمَ من فجِّ الرَّوْحاءِ بالحج والعمرة، أو ليثنينهما جمعاً" رواه مسلم وفي رواية "فيحج منها، أو يعتمر، أو يجمعهما".
فأجاب فضيلته بقوله: يحتاج إلى تأمل.
س 503: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: من اعتمر عن شخص وحج عن نفسه أيكون متمتعاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا اعتمر الإنسان عن شخص وحج عن نفسه فهو متمتع، فيجب عليه الهدي لقول الله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} قال العلماء: ولا يعتبر وقوع النسكين عن واحد فيكون متمتعاً ولو كانت العمرة لشخص والحج لشخص آخر.
س504: سئل فضيلة الشيخ- رحمة الله تعالى-: من فسخ القران وجعله تمتعاً بعدما اعتمر بأربعة أيام، هل عليه شيء؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان قدم إلى مكة قارناً أو مفرداً ولم يسق الهدي قلنا له افسخ الحج واجعله عمرة، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم مكة وكان الناس على ثلاثة أقسام: قسم مفرد، وقسم قارن، وقسم متمتع، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - القارنين والمفردين أن يفسخوا نيتهم إلى نية العمرة إلا من ساق الهدي، وسوق الهدي في وقتنا هذا غير موجود، وعلى هذا فنقول: كل من قدم مكة مفرداً أو قارناً فالأفضل أن يجعل إحرامه عمرة امتثالاً لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وإعطاء النفس شيئاً من الراحة، لأن الإنسان إذا تحلل لبس وتطيب وإذا كانت زوجته معه تمتع بها، لكن لو بقي محرماً لكان في ذلك مشقة ومخالفة للأفضل أيضاً، فإذا طاف وسعى وهو قارن أو مفرد قلنا: الحمد لله الآن ينوها عمرة وقصر وتحلل ولو كان بعد أربعة أيام فلا مانع، لكن من قدم إلى مكة في اليوم الثامن بعد أن خرج الناس إلى منى فهنا الأفضل أن يجعلها حجًّا مفرداً أو قارناً.
س 505: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: قام بعض الناس بعمرة من المدينة بعد زيارتهم لقبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وفي الطريق أوقفهم المرور لوجود الضباب، فأشار أحدهم بجعل حجهم إفراداً لأنهم لا يعلمون متى وصولهم ففعلوا. هل هذا صحيح أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يظهر لي من سؤال هذا الأخ أنهم كانوا أحرموا بالعمرة متمتعين، وخافوا أن لا يتمكنوا من أداء العمرة قبل الحج، فأحرموا بالحج، فهذا إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك، وإن كان بعد الإحرام فإن حجهم كان قراناً، ولم يكن إفراداً، ومعنى أنه كان قراناً أنه لما أدخلوا الحج على العمرة صاروا قارنين، فإن القران له صورتان:
الأولى: أن يحرم بالحج والعمرة جميعاً من أول عقد الإحرام.
الثانية: أن يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها.
وعلى هذا ما دمتم أحرمتم بالعمرة أولاً ثم بدا لكم أن تجعلوها حجاً فإنكم تكونون قارنين، فإن كنتم قد ذبحتم هدياً في عيد الأضحى من حجكم ذلك العام فقد أتيتم بالواجب وتم لكم الحج والعمرة، فإن لم تكونوا قد ذبحتموه فإن عليكم أن تذبحوه الآن بمكة وتأكلوا منه وتتصدقوا. فمن لم يجد الهدي منكم –أي ما يشتري به الهدي- فإن عليه أن يصوم عشرة أيام الآن. وقول السائل: (إنهم زاروا قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -) فلا ريب أن زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من غير شد رحل إليه، من الأمور المشروعة، ولكن كيف يزور قبره - صلى الله عليه وسلم -؟ يقوم أمام قبره مستدبراً القبلة ووجهه إلى القبر فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وإن اقتصر على الأول وهو السلام كفى.
ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون تجاه أبي بكر رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، ورضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً، وإن اقتصر على السلام أجزأ.
ثم يخطو خطوة عن يمينه ليكون تجاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، رضي الله عنك وجزاك عن أمة محمد خيراً، وإن اقتصر على السلام فلا حرج.
وإن تيسر له زيارة شهداء أحد فحسن، لأن فيهم سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، أسد الله وأسد رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ويدعو لهم هناك.
والقاصد إلى المدينة سواء من بلده أو من المملكة العربية السعودية يكون قصده من السفر هو السفر إلى مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" .
س 506: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: شخص يحج حجاً متمتعاً هل يجوز أن يؤدي العمرة لنفسه والحج عن شخص آخر؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز ذلك، يجوز للمتمتع أن يجعل عمرته لنفسه والحج لشخص آخر، أو يجعل العمرة لشخص آخر والحج لنفسه، وهذا فيمن أدى الفريضة عن نفسه، أما من لم يؤدها فليحج عن نفسه ويعتمر عن نفسه أولاً ثم عن غيره ثانياً.
س 507: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: هل يفرق في الفتوى السابقة بين من كان متبرعاً من نفسه ومن كان آخذاً حجاً عن غيره؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما المتبرع لغيره بالعمرة أو بالحج فالأمر إليه، وأما من أخذ نيابة عن غيره فإن المعروف عندنا أن النائب يجب عليه أن يعتمر ويحج، وتكون العمرة والحجة لمن أعطاه المال، والعمل بالعرف واجب عند الإطلاق، فيرجع في ذلك إلى العرف، والعرف عندنا كما أن العمرة والحج كلتيهما لمن أعطاه المال، وبناء على ذلك لا يحل له أن يجعل العمرة لنفسه، بل تكون للذي أعطاه المال، والحج للذي أعطاه المال.
س 508: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله تعالى-: جئت في رمضان من أجل أداء العمرة وقد نويت البقاء للحج، وفي اليوم الرابع من شوال أديت عمرة عن أختي وهي متوفية علماً أني كنت لا أعلم أن من جاء بالعمرة في أشهر الحج يعتبر متمتعاً فهل عليَّ الآن هدي لأني قد صرت متمتعاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: المتمتع هو الذي يحرم بالعمرة في أشهر الحج بعد دخول شهر شوال بنية الحج هذا العام ثم يحج، ويجب على المتمتع ما استيسر من الهدي شاة ماعز ضأن تم له ستة أشهر، وسَلِمَ من العيوب الواجبة من الإجزاء وإذا لم تجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعت تلك عشرة، ثلاثة أيام بالحج، تبتدىء من حين أن يحرم بالعمرة، يعني مثلاً الإنسان متمتع الآن وليس عنده فلوس، نقول: صم من الآن، صم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وانتهى سفره، ولو قال: لا أستطيع أن أصوم تباعا؟
قلنا: يصوم يوماً ويفطر يوماً أو يومين، والدليل أن الله قال: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} ولم يقل: متتابعة، ولو أراد الله منا أن نتابع لقال متتابعة، ولو قال: لا أستطيع أن أصوم عندي سكر وأحتاج إلى ماء ولا أستطيع أن أصوم ثلاثة أيام ولا يوماً واحداً فليس عليه شيء، والدليل: قال الله- عز وجل-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} هذه قاعدة عامة خذها معك في جميع العبادات (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} و {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، فصار هدي التمتع سهلاً، فلماذا تفر من النسك الأكمل والأفضل إلى نسك مفضول خوفاً من الفدية أو الهدي؟ على الأصح هذا غلط وجهل، يا أخي إن كنت موسراً تستطيع أن تهدي بسهولة فهذا المطلوب، ثم اعلموا يا إخوان أنكم لن تنفقوا درهماً واحداً في طاعة الله إلا حصل لكم أمران عظيمان: الأول: الأجر العظيم {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
الأمر الثاني: الخلف العاجل، قال الله تعالى: {وَمَآ أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي يأتي بخلفه {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
يتبع