نشأة الدعوة إلى الله

هدى السهيل

الدعوة إلى الله عز وجل مطلقة بدون قيد للإسلام بدأت في الأرض بدعوة نوح عليه السلام، فهو أول رسول جاء القرآن بذكر دعوته في قوله تعالى: )لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم( [الأعراف، 95].
أما الدعوة: مقيدة بالإسلام "الدعوة الإسلامية" فكانت بدايتها متزامنة مع نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الوحي بقوله تعالى: )يا أيها المدثر* قم فأنذر( [المدثر،1-2].
فكانت تلك هي الانطلاقة الحقيقية للدعوة الإسلامية، والبداية لوضع حجر الأساس لمناهجها العلمية والعملية.
وهنا ينبغي التمييز بين هذه النشأة الأصلية للدعوة الإسلامية، وبين هذه الدعوة كعلم مستقل، متخصص له مؤسسات دعوية خاصة تعنى بكل شؤونه.
فالدعوة الإسلامية كعملية للبلاغ والنشر قديمة في نشأتها، لكنها كعلم مستقل بذاته له قواعد وأصول في إطار محدد لكنه لا يخرج عن هذا الإطار القديم، فهو علم جديد نافع شأنه في ذلك شأن العلوم الشرعية الأخرى. ولا غرابة في ذلك كما يقول الأستاذ محمد البيانوني بسبب أن الدعوة الإسلامية في بدايتها كانت علماً وعملاً، إذ قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة العملية والعلمية، فقام داعياً يتلو على الناس آيات ربه، ويعلم من استجاب منهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم مصداق ذلك قول الحق تبارك وتعالى: )هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين( [الجمعة: 2].
وقد تبعه الصحابة الكرام في عهد الخلفاء الراشدين على هذا المنهج، لهذا لم يكونوا في حاجة لبروز علم خاص يعرف بعلم الدعوة؛ لأن كل فرد منهم كان يشعر بالدعوة ويرى فيها حياته وسعادته، ويبذل في سبيل دعوته كل شيء، فلم يصرفهم عنها صارف، وقد كانوا كذلك فأدام الله عزهم وبسط رزقهم، وبذا تحقق فيهم وصف الله تعالى )الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور( [الحج: 42].
ولقد تراخت مسيرة الدعوة في الدول الإسلامية، وعراها الضعف حيناً وتقوت بدعوات الإصلاح أحياناً أخرى، حتى كان أن حاق بالمسلمين ما حاق بهم الآن من الضياع والتشتت وفقدان الولاية الصالحة التي توحد مقامهم وقوتهم..
بعد ذلك استيقظ بعض المسلمين من غفلتهم، وعرفوا عظم المصيبة التي أصابت دعوتهم، فاجتهدوا وقاموا من جديد بمحاولات فردية وجماعية للنهوض بالدعوة الإسلامية وتيقنوا بضرورة وجود علم يعرف بعلم الدعوة الإسلامية، ويعتمد على منهج الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.

وفعلاً تظافرت جهود الخلق فهذبت منهاج الدعوة، ورتبت قواعدها، وجمعت في مصنفاتها مستقلة، سميت فيما بعد بـ"علم الدعوة الإسلامية" ولم يقتصر الأمر على هذا حتى قامت باسم الدعوة منظمات، ومؤسسات، وكليات، وجامعات متخصصة، عنيت بالدعوة أيما عناية فوضعت لها مفاهيم دعوية محددة، ومصطلحات علمية دقيقة، ورسمت لها خطوط علمية وعملية عظيمة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبذا أعادوا المسلمين إلى وظيفتهم الأساسية التي أخرجوا بها الناس، الوظيفة التي حددها تعالى بقوله: )كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( [آل عمران: 111].