مدار الفقه في لغة العرب على الفهم قال موسى عليه السلام في دعائه لربه عندما كلفه بالرسالة عند طور سيناء: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 27 - 28]
أي يفهموه، وعندما دعا رسول الله شعيبٌ -عليه السلام- قومه إلى ما بعثه الله به:
{قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91]
وتقول العرب: (أُتي فلان فقهًا في الدين، أي فهمًا له، قال تعالى:
{ لِيَتَفَقهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: 122] أي: ليكونوا علماء به.
ودعا النبي لابن عباس، فقال:
(اللهم فقه في الدين). [البخاري: (143)، ومسلم: (2477)]. أي: فهمه تأويله ومعناه،، فاستجاب الله دعاءه، وكان من أعلم الناس في زمانه بكتاب الله تعالى.
والفقيه عند العرب: العالم، وكل عالم بشيء فهو فقيه، وفقيه العرب: عالم العرب. [لسان العرب: (2/ 120)، باختصار وتصرف].
وقد لاحظ ابن القيم أن الفقه ليس مجرد الفهم، بل المراد به فهم مراد المتكلم من كلامه، فالنص القرآني جعل الفقه فهم خطاب المتكلم:
{يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 28] وتلحظ هذا في الآية الأخرى: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود 91] فقد نفوا فهم كلام نبيهم شعيب عليه السلام.
وواضح من تعريف الفقه عند العرب أنها تفسر الفقه بالعلم كما تفسره بالفهم، يقول الفيروزآبادي:
(الفِقْه بالكسر: العلم بالشيء والفهم له). [بصائر ذوي التمييز: (4/ 210)].
وخالف في ذلك بعض الأصوليين، والحقيقة لا ينبغي أن يعترض على تفسير الفقه بالعلم، بعد أن ثبت عن العرب تفسيره بذلك.
والعرب تقول للعلم: فقهًا، لأنه عن الفهم يكون، وللعالم فقيهًا، لأنه إنما يعلم بفهمه، على مذهب العرب في تسمية الشيء بما كان سببًا له. [راجع كتاب: الفقيه والمتفقه: (1/ 53)، للخطيب البغدادي].
وتفسير الفقه بالفهم يدلنا على أن الفقه يتعلق بالمعاني لا بالذوات، فتقول: فهمت الكلام، أي فهمته، ولا تقول: فهمت الرجل، أي عرفته.
ولا فرق عند العرب في كون المعنى المراد فهمه واضحًا أو خفيًا، فكله يدخل في دائرة الفقه، وقد خالف في هذا أبو إسحاق المروزي فذهب إلى أن الفقه فهم الأمور الخفية دون الواضحة الجلية.
[أصول الفقه لأبي النور زهير: (1/ 6)].
ويرد عليه أن أئمة اللغة نقلوا عن العرب أن الفقه مطلق الفهم، فهو يتناول فهم الأمور الواضحة والخفية، ويؤكد هذا أن القرآن استعمل الكلمة في مجرد الفهم، قال تعالى في شأن الكفار:
{فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78]
ووصف القرآن القوم الذين وجدهم ذي القرنين دون السدين بأنهم:
{لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف: 93]
[نقلًا عن كتاب:
(المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامي): (صـ 32)، لعمر الأشقر].