قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله تعالى-:

أيها المسلمون: عليكم لزوم ما حثكم عليه دينكم من المحبة والائتلاف، وإياكم والتفرق والاختلاف.
عليكم بعمل جميع الأسباب المقربة للقلوب، وإياكم والعداوات والضغائن التي لا تكسب إلا شرًّا.
احذروا سماسرة الأعداء الذين يلقون بين المسلمين بذور العداوة والشقاق، ويدَّعون أنهم مسلمون، وإنما هو غل ونفاق.
المسلم هو الذي يسعى في جمع المسلمين واتفاقهم، ويحذر غاية التحذير من تدابرهم وافتراقهم،

ما طمع الأعداء وتسلطوا إلا بسلاح الفرقة الفتاك، ولا استعمروا أقطارهم وسيطروا على مصالحهم إلا بعدما انحلت معنويتهم التي هي الحصن الحصين، الواقية من الوقوع في الإشراك.
يا أيها المسلمون: قوا أنفسكم وقَومكم مصارع الهلاك، وتسابقوا إلى استنقاذهم من هوة الدمار.
أما علمتم أن الأعداء إذ كنتم يدًا واحدة ينظرون إليكم نظر التعظيم والرهبة والإكبار، فما زالوا يلقون بينكم الشقاق والفرقة، ويضربون بعضكم ببعض حتى قضوا على معظم مقوماتكم، وما بقي إلا رمق حياة، إن أنتم عالجتموها وسعيتم في تنميتها وتقويتها= رجيت لكم السلامة والأمن على مستقبلكم.

وقد آن الأوان للجد وشد المئزر والتعاضد بين المسلمين وبين حكوماتهم وجماعاتهم على وجه الحكمة ورعاية المصلحة، فقد وفقوا على الداء، وعرفوا كيفية الطرق إلى العلاج والدواء.
وقد تقارب ما بين حكومات المسلمين، واضطرتهم الأحوال إلى انضمام بعضهم إلى بعض، وعرفوا أن هذا هو الطريق الوحيد لعزهم، ونرجو الله أن يوفقهم للعمل الناجح والسعي النافع.

أيها المسلمون: أنتم الآن على مفترق الطرق بين الأمم، فإما تمسك بدينكم واجتماع به يحصل الفلاح، وإما إعراض وتفكك لا يُرجى بعده عز ولا نجاح.
أيها المسلمون: قوموا لله، واعتصموا بحبل الله، واطمعوا واثقين بنصر الله، فالله مع الصابرين المتقين، وهو المولى فنعم المولى ونعم النصير.
طوبى للرجال المخلصين، وواشقا إلى الألباء الصادقين، الذين ينهضون همم المسلمين في أقوالهم وأفعالهم، ويحذرون مسالك الشر في كل أحوالهم، يسعون في تقريب القلوب، ويجاهدون أحق الجهاد في هذا السبيل.

دأبهم القيام بدين الله، والنصيحة لعباد الله، كل امرئ منهم بحسب مقدوره، هذا بتعليمه وكلامه، وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله، وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع، قد تعددت طرقهم، واتفقت مقاصدهم.
أولئك هم المفلحون.

قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم وأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) متفق عليه.

وفي الكتاب والسنة من الحث على هذا الأصل نصوص كثيرة، يأمر بكل ما يقوي الألفة ويزيد المحبة، ويدفع العداوة والبغضاء، وما ذاك إلا لما في الإجتماع والاتفاق من الخير الكثير والثمرات الجليلة والبركة والقوة، ولما في ضد ذلك.

قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
يعني: تخيب وتذهب روحكم الحقيقية ومعنويتكم النافعة.
وقد جمع الله في هذه الآية الأمر بالسعي لتحصيل القوة المعنوية بالإيمان والثبات، والصبر والاجتماع وعدم التنازع والتفرق، وبالقوة المعنوية أيضًا والمادية في قوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخير تُرهبون به عدو الله وعدوكم}.

فمتى امتثل المسلمون أمر الله فسعوا في حصول الاتفاق وإزالة العداوات وأسبابها، وكانوا يدًا واحدة في السعي في مصالحهم المشتركة ومقاومة الأعداء، وبتحصيل القوة المادية بكل مقدور ومستطاع، وكان أمرهم شورى بينهم، متى عملوا على ذلك كله= حصل لهم قوة عظيمة يستدفعون بها الأعداء، ويستدلبون بها المصالح والمنافع، وعاد صلاح ذلك كله إلى دينهم وجماعاتهم وأفرادهم، ولم يزالوا في رقي مطرد في دينهم ودنياهم.
ومتى أخلوا بما أمرهم به دينهم= عاد الضرر العظيم عليهم، فلا يلوموا إلا أنفسهم، وقد وعد الله العز والنصر لمن قاموا بالتقوى بحبله وتمسكوا بدينهم.
وأخبر أن هذا دين جميع المرسلين.
قال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى بهم نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}.



الرياض الناضرة - مجموع مؤلفات العلامة السعدي (22/ 113-115)