صلاة سائق الحافلة.. درء المفسدة أم جلب المصلحة؟
د. عطية فياض




تناقلت وكالات الأنباء مؤخرا خبرا يشير إلى ما كان من أمر سائق الحافلة المسلم في العاصمة البريطانية لندن والذي أوقف الحافلة ليؤدي الصلاة، دون أن يستأذن الركاب، أو يعلمهم أنه أوقف الحافلة ليؤدي فريضة الصلاة، مما أحدث إرباكا لديهم، وعنونت الحدث تحت عنوان "لندن.. الخوف يكبل ركاب حافلة أوقفها السائق ليصلي".
وبالنظر الشرعي في تصرف هذا السائق نجد أنه اشتمل على ما يلي:
الأول: أداؤه للصلاة المفروضة في وقتها، وهذا أمر محمود شرعا؛ لتضافر الأدلة على ذلك سواء أكان المسلم راكبا أم راجلا، كان ذلك أثناء دوامه أم كان خارج الدوام، وقد اتفق الفقهاء على أن العامل وإن كان يجب عليه الالتزام بما تعاقد عليه من ساعات عمل وألا يشتغل بغير ما كلف به لكنهم استثنوا باتفاق قيامه بأداء الصلاة في وقتها وخاصة الفرائض ولو بدون إذن صاحب العمل.
الثاني: إيقاف الحافلة وسط الطريق، مع ما يترتب على ذلك من إرباك لحركة المرور أو وقوع حوادث، أو تأخير الركاب عن وصولهم لمنازلهم أو مقار عملهم، وقد يكون فيهم المضطر وصاحب الحاجة، وما تقدم لا يجوز شرعا؛ لما فيه من الضرر المحقق أو المتوقع، والضرر يجب إزالته.
الثالث: أن هذا الحادث قد وقع في بلد أوروبي غير مسلم قد عبئ نفسيا ومعنويا ضد المظاهر الإسلامية ويرتاب في كل حركة أو مظهر إسلامي؛ بسبب الحوادث التي تقع هنا وهناك وتصنف على أنها أعمال إرهابية، فضلا عن أنه لم يعتد مثل المظاهر، ولذلك يجب على المسلم المقيم في هذه البلاد ألا يضع نفسه موضع الريبة والشك، أو أن يحمل نفسه من البلاء ما لا يطيق.
لما تقدم، فإن ما راعاه هذا السائق من مصلحة شرعية معتبرة في أداء الصلاة لوقتها لم يخل من مفسدة وإضرار بالغير وأذى لهم.
وقاعدة الشرع في اشتمال المصالح على مفاسد: أنه إن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد فهو الواجب، وإن لم يمكن تحصيل المصالح إلا بارتكاب المفاسد فإن كانت المفسدة يسيرة والمصلحة كبيرة عظيمة فتحصل المصلحة ولو بارتكاب المفسدة، وإن كانت المفسدة أعظم فإن أمكن درؤها بغير ترك المصلحة تعين، وإلا فتدرأ المفسدة وتقدم على جلب المصلحة.
وبتطبيق هذه القاعدة على التصرف المذكور نرى أن السائق وإن حصل مصلحة لكنه وقع في مفاسد أعظم من المصلحة التي تحققت؛ لأن المصلحة هنا مصلحة خاصة، والمفسدة عامة وهو أمر لا يجوز شرعا، وكان بوسعه أن يستفيد من رخصة الجمع بين الصلاتين؛ ولذلك نقول له "زادك الله حرصا ولا تَعُد".
والله أعلم.
الدكتور عطية فياض
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر