تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم

    الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم
    د/ فريدة صادق زوزو





    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علن سيدنا محمد وعلى واله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
    يهدف هذا البحث إلى تناول القاعدة الفقهية «الضرر يزال» بالشرح والتأصيل» ثم موازنة ما جاء عن القاعدة عند كل من الإمام السيوطي والإمام ابن نجيم في كتابيهما الموسومين بعنوان: (الأشباه والنظائر).
    ومن أجار تناول مفيد للموضوع سأقوم أولا بتأصيل القاعدة، ثم بشرحها، وذكر ما يُبنى عليها من أبواب الفقه، وما يتعلق بها ويتفرع عنها من قواعد، ثم إجراء موازنة بين السيوطي وابن نجيم – في موضوع القاعدة، وتشمل الموازنة ستة جوانب أرا ها مهمة: أولاً: تسمية القاعدة
    ثانياً: ترتيبها
    ثالثاً: تأصيلها
    رابعاً: شرحها
    خامساً: منهج التدوين و الكتابة فيها
    سادساً: القواعد المتفرعة عنها والمتعلقة بها، وتطبيتاتها، والاستثناءات عليها.
    كما أني ختمتها بالإشارة إلى ما يمكن أن يُبنى عليها من نظريات فقهية تفيد في تسهيل إعمال الفقه الإسلامي. ‏
    وأسال الله الكريم: رب العرش العظيم، أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء، السبيل.
    ‏هذه القاعدة تعدّ من القواعد الكبرى التي يعتمد عليها الفقهاء في تقرير الأحكام الشرعية للحوادث والمسائل المستجدة، وأغلب كتب القواعد الفقهية عبرت عنها بقول: "الضرر يزال"[1] وعبر عنها الأستاذ الزرقا[2] بـ "لا ضرر ولا ضرار" وهو ما جعله الآخرون أصلاً لها. ‏وهذه القاعدة كما يقول الأستاذ الززقا: "من أركان الشريعة، وتشهد لها نصوص كثيرة في الكتاب والسنة. كما أنها سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي عدة الفقهاء وعمد تهم وميزانهم في طريق تقرير الأحكام للحوادث[3].
    ‏أصل القاعدة:
    أصل القاعدة قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" وهو حديث أخرجه الإمام مالك مرسلاً في الموطأ[4]، والحاكم النيسابوري في المستدرك[5] والإمام البيهقي في سننه[6]، والدار قطني[7]، من حديث أبي سعيد الخد ري، وأخرجه ابن ماجه[8]، موصولأ من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت - رضي الله عنهما -[9]، وأحمد في مسنده[10].
    ‏وهذا الحديث، وإن كان في رتبة الحسن. كما ذكر الزرقا[11]، له طرق يقوي بعضها بعضاً[12]؛ إذ قد تم وصلة من قبل المحدثين. كما أن الحديث وإن كان خبر آحاد، يعد حسب رأي الشاطبي من المقاصد الظنية القريبة من القطعي، كما ذكر في المسألة الثانية من الطرف الأول من كتاب الأدلة: "كل دليل شرعي إما أن يكون قطعيا أو ظنيا، فإن كان قطعيا فلا إشكال في اعتباره... وان كان ظنيا، فإما أن يرجع إلى أصل قطعي أولا، فإن رجع إلى قطعي فهو معتبر أيضا، وإن لم يرجع وجب التثبت فيه، ولم يصح إطلاق القول بقبوله، ولكنه قسمان: قسم يضاد أصلاً، وقسم لا يضاده ولا يوافقه، فالجميع أربعة أقسام، فأما الأول: فلا يفتقر إلى بيان، وأما الثاني: وهو الظني الراجع إلى أصل قطعي فإعماله أيضا ظاهر، وعلية عامة أخبار الآحاد، فإنها بيان للكتاب، لقوله تعالى: {...وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ...} (النحل: 44)،ومثل ذلك ما جاء في الأحاديث في صفة الطهارة الصغرى والكبرى، والصلاة والحج، وغير ذلك مما هو بيان لنص الكتاب.
    ‏وكذلك ما جاء في الأحاديث في النهي عن جملة من البيوع والربا وغيره، من حيث هي راجعة إلى قوله تعالى: {...وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...} (البقرة: 275)، وقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ...} (النساء: 29)، الآية، إلى سائر أنواع البيانات المنقولة بالآحاد، أو التواتر، إلا أن دلالتها ظنية. .منه أيضا قوله - عليه الصلاة والسلام -: "لا ضرر ولا ضرار"، فإنه داخل تحت أصل قطعي في هذا المعنى[13]، ويذكر الشاطبي تحصيلا مهماً يشرح به لماذا يدخل هذا الحديث تحت صنف الظني ‏الراجع إلى قطعي فيقول: "فان الضرر والضرار مبثوث منعه في الشريعة كلها، في وقائع جزئيات، وقواعد كليات، كقوله تعالى: {...وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ.. .} (البقرة: 231)، و{...وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ...} (الطلاق: 6)، و{...لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا...} (البقرة: 233)، الآية ومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض، وعن الغصب والظلم. وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار. ويد خل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال، فهو معنى في غاية العموم في الشريعة، لا مراء فيه ولا شك. وإذا اعتبرت أخبار الآحاد وجدتها كذلك[14].
    شرح القاعدة:
    ‏كما سبق القول إن هذه القاعدة من أركان الشريعة، وتشهد لها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وهي أساس لمنع الفعل الضار وترتيب نتائجه في التعويض المالي والعقوبة، وهي أيضا سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد: وقد اعتمد عليها الفقهاء في تقرير الأحكام الشرعية للحوادث والنوازل.
    ‏والضرر اسم الضر، قد أطلق على كل نقص يدخل الأعيان، والضَّر - بفتح الضاد - لغة: ضد النفع، وهو النقصان، يقال ضَرَّه إذ ا فعل به مكروها وأضر به، يتعدى بنفسه ثلاثيَّا والباء رباعيا. قال الأزهري: كل ما كان سوء حال وفقر وشدة في ‏بدن فهو ضَرٌّ بالضم، وما كان ضد النفع فهو فتحها، ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ الضرر عن المعنى اللغوي[15].
    ‏والضرر: إلحاق مفسدة بالغير مطلقا. والضرار: مقابلة الضرر بالضرر[16]. والحديث يفيد تحريم الضرر بشتى أنواعه؛ لأنه نوع من أنواع الظلم[17] تجب إزالته، ويشمل ذلك دفعة قبل وقوعه بالطرق الممكنة، ورفعه بعد وقوعه بالتدابير والإجراءات اللازمة.
    ‏ولا يجوز مقابلة الضرر بالضرر أيضا؛ لأنه توسيع لدائرة الضرر، فالإضرار لا يلجأ إليه إلا لضرورة، ويستثنى من ذلك ما خُصَّ بدليل، وكان عقوبة شرعيَّة مثل الحدود والعقوبات الأخرى كالقصاص.
    ‏و الضِّرار (بكسر الضاد) من ضر وضاره بمعنى، وهو خلاف لنفع. فيكون الثاني على هذا تأكيدا للأول، لكن المشهور أن بينهما فرقا، فحمل اللفظ على التأسيس أولى من التأكيد[18].
    وذكر ابن حجر عدة أقوال في الفرق بين الضرر والضرار، ومن بين هذه الأقوال: أن معنى الضرر إلحاق مفسدة بالغير مطلقا، ومعنى الضرار إلحاق مفسدة بالغير على وجه المقابلة له، لكن من غير تقييد بقيد الاعتداء بالمكر بالمثل والانتصار للحق. وظاهر الحديث تحريم سائر أنواع الضرر إلا لدليل[19].
    ‏ويرى الزرقا أن هذا المعنى الذي ذكره ابن حجر أليق بلفظ الضرار، إذ الفعال مصدر قياسي لفاعل الذي يدل على المشاركة[20].
    ‏ومن هنا نقول إن المقصود بالضرار نفي فكرة الثأر المحض للانتقام من أجل الانتقام، الذي يزيد الضرر ويوسع دائرته، فالإضرار، ولو كان سبيل القابلة، لا يجوز أن يكون هدفا مقصودا؛ وإنما يلجأ إليه اضطراراً عندما لا يكون غيره من طرق التلافي، القمع أنفع وأفضل منه. فمن أتلف مال غيره مثلاً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله؛ لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة، وأفضل من تضمين المتلف قيمة ما أتلف، فإن فيه نفعا بتعويض الضرر، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المتعدي، وذلك بخلاف الجناية على النفس أو البدن ما شرع فيه القصاص، فمن قتل يقتل. ومن قطع يقطع؛ لأن هذه الجنايات لا يقطعها إلا ‏عقوبة من جنسها[21].
    ونص هذه القاعدة ينفي الضرر، فيوجب منعه مطلقا، ويشمل أيضاً دفع الضرر قبل وقوعه، بطرق الوقاية الممكنة، كما يشمل أيضا رفعه بعد وقوعه بما يمكن ‏من التدابير التي تزيل آثاره وتمنع تكراره، ومن ثم إنزال العقوبات المشروعة بالمجرمين لا ينافي هذه القاعدة، وإن ترتب عليها ضرر بهم؛ لأن فيهم عدلاً ودفعاً لضرر أعمَّ وأعظم.
    ولكن هناك من يرى أن المراد هو الضرر الفاحش مطلقا، والضرر الذي ينشأ من فعل المرء أمر غير مشروع، أما الضرر غير الفاحش الذي ينشأ من فعل شيء مشروع فليس بممنوع، كما لو بنى أحد في ملكه بناء سدَّ به نافذة من نوافذ جاره[22].
    وفي الحقيقة أن تقدير الضرر إن كان فاحشا أم لا، هو محل الخلاف، أما الضرر في ذاته فالقاعدة فيه أن يُنفي ويرفع، ولا يوجد أحد من الفقهاء من يرى منع رفع الضرر بعد وقوعه أو دفعه قبل وقوعه، وهذا الذي يدفع إلى البحث في حد الضرر الموجب للدفع أو التعويض أو العقوبة، وهو ما يرجع إلى نظر القاضي.
    ‏وكذلك الممنوع في مقابلة الضرر بالضرر هو المقابلة بغير حق، أما إذ ا كانت المقابلة حقا معترفا به في الشرع فليست ممنوعة، كما في العقوبات الشرعية التي تنزل بالمجرمين، فإن إنزال العقوبة بهم مقابلة مشروعة لضررهم، ردعا لهم وزجرا لغيرهم، وهذه المقابلة حق لولي الأمر، ولا يقوم بها المعتدى عليه[23]، لكي لا يؤول الأمر إلى الفوضى وانعدام النظام، والتعدي على الناس بحجة مقابلة الضرر بالضرر.
    ‏كما أن الموسوعة الفقهية ذكرت الألفاظ التي لها صلة بالضرر، ومنها الإتلاف، والاعتداء. فالإتلاف كما في اصطلاح الفقهاء: إخراج الشيء من أن يكون منتفعاً به منفعة مطلوبة عادة، فإذا تعطل الشيء، ولم يمكن الانتفاع به عادة، كان تالفاً عند الفقهاء دون اللغويين، وعلى هذا الإتلاف نوع من الضرر، وبينهما عموم وخصوص، وكذلك الاعتداء فإنه في اللغة والاصطلاح، الظلم وتجاوز الحد، يقال: اعتدى عليه إذ ا ظلمه، واعتدى على حقه، أي: جاوز إليه بغير حق، وعلى هذا فالاعتداء نوع من أنواع الضرر وفرع منه[24].
    ‏ما بني عليها من أبواب الفقه:
    يبني الفقهاء على هذه القاعدة كثيرا من أبواب الفقه، منها:
    ‏الرد بالعيب، وجميع أنواع الخيار، من خلاف الوصف المشروط، والتعزير، وإفلاس المشتري، وغير ذلك، والحجر بأنواعه، والشفعة؛ لأنها شرعت لدفع ضرر ا لقسمة، والقصاص، والحدود، والكفارات، وضمان المتلف، والقسمة، ونصب الأئمة والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين، وقتال البغاة، وفسخ النكاح بالعيوب أو الإعسار، وغير ذلك[25].
    ‏لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع تبقى الأرض في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد منها لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه.
    ‏لو باع شيئا مما يسرع إليه الفساد كالفواكه مثلاً، وغاب المشتري قبل نقد الثمن وقبض المبيع وخيف فساده، فللبائع أن يفسخ البيع ويبيع غيره دفعا للضرر.
    ‏يجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد حتى تظهر توبتهم، ولو لم يثبت عليهم جرم معين بطريق ‏قضائي دفعا لشرهم؛ لأنهم قد يحتاطون ويتحفظون، فقد يملأون الدنيا فسادا وإضرارا ولا يمكن إثبات شيء عليهم بطريق قضائي[26].
    ‏قواعد تتعلق بهذه القاعدة:
    ‏هناك قواعد فقهية تتفرع من هذه القاعدة، وهي في قواعد فقهية ضابطة لأحكام الضرر، ولقد عني الفقهاء كثيرا بدراسة موضوع الضرر. ومعالجة آثاره، وقعدوا لذلك مجموعة من القواعد الفقهية تضبطه، وتوضح معالمه العامة، وتنظم آثاره[27]. ومما يتفرع عن هذه القاعدة ويتعلق بها[28] ويندرج تحتها قواعد عدة منها:
    يتبع

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم

    الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم
    د/ فريدة صادق زوزو


    الضرورات تبيح المحظورات:
    ‏والضرورة هي العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء، الممنوع وارتكاب المحظور، فهي ظرف قاهر يلجئ الإنسان إلى فعل المحرم[29]، وهى أيضا الحالة الملجئة لتناول الممنوع شرعا[30]، وعرفها الزركشي بقوله: "فالضرورة بلوغه حدَّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل واللبس لو بحيث لو جائعا أو عرياناً لمات أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم[31].
    ‏أما هذه القاعدة فمستفادة من استثناء القرآن الكريم في ‏حالات الاضطرار الطارئة في ظروف استثنائية بقوله تعالى: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...} (الأنعام: 119)، وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (المائدة:3)، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة: 178)، لذا يرى الفقهاء أنه جاز للطبيب الكشف على عورات الأشخاص إذا توقفت عليها مداواتهم، وجاز أكل الميتة وشرب الدم والبول إذا أخبره الطبيب المسلم أن شفاءه فيه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، والتلفظ بكلمة الكفر والإكراه، وكذا إتلاف المال وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله[32].
    ‏ويضع الفقهاء للعمل بهذه القاعدة شرطًا، أنهم اشترطوا عدم نقصان الضرورة ‏في نظر الشرع عن المحظور الذي اقتضت إباحته، وهو ما ذهب إليه السيوطي وابن نجيم والزرقا وغيرهم[33]، كما لو دفن الميت بلا تكفين فلا ينبش منه؛ لأن مفسدة هتك حرمته أشد من عدم تكفينه، الذي قام التراب بالستر مقامه. ويرى الشيخ أحمد الزرقا أن هذه ‏القاعدة من فروع القاعدتين السابقة عشرة والثامنة عشرة من قواعد المجلة، وهما إذا "ضاق الأمر اتسع"، و"لا ضرار ولا ضرار" ؛لأن ما تفرع عليها يمكن أن يتفرع على تينك، فإن من فروعها: جواز إتلاف مال الغير إذا أكره عليه بملجئ، وجواز أخذ الدائن مال المديون الممتنع عن الأداء إذ ظفر، وان كان من خلاف جنس حقه في زماننا[34].
    الضرورات تقدر بقدرها:
    ‏ويعبر بعض العلماء عن عذه القاعدة بقولهم: "ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها"[35]‏، وهذه القاعدة تعد قيدا لسابقتها، فالاضطرار إنما يبيح المحظورات مقدار ما يدفع الخطر، فلا يجوز الاسترسال، ومتى زال الخطر عاد الحظر، كما أن ما تدعو إليه الضرورة من المحظورات إنما يرخص منه القدر الذي تتدفع به الضروة فحسب، فإذا اضطر الإنسان لمحظور فليس له أن يتوسع في المحظور، بل يقتصر منه على قدر ما تندفع به الضرورة فقط[36] فالطبيب يكشف من العورة لمداواتها بالقدر الذي يحتاج إليه كشفه فقط، وكذلك لا يأكل من الميتة إلا قدر إمساك الرمق[37]،وكذاك المضطر لأكل مال الغير، فإن الضرورة تقتصر على إباحة إقدامه على أكل ما يدفع به الضرورة بلا إثم فقط ، ولكن لا تدفع عنه الضمان[38].
    ‏يستثنى منه العرايا واللعان والخلع كما ذهب إلى ذلك الشافعية، فإن العرايا أبيحت للفقراء، ثم جازت للأغنياء في الأصح، واللعان جوز حيث تعسر إقامة البينة على زناها، ثم جاز حيث يمكن، والخلع فإنه أبيح على سبيل الرخصة[39].
    الضرر لا يزال بمثله:
    ‏هذه القاعدة تعد قيدا لقاعدة "الضرر يزال"، التي أوجبت إزالة الضرر قبل وقوعه ودفعه بعد وقوعه، فإن إزالة الضرر لا ‏يجوز أن تكون بإحداث ضرر مثله؛ لأن هذا ليس إزالة، مثلما كان الضرر لا تتيسر إزالته إلا بإدخال ضرر مثله على الغير، ولا يمكن جبره فيترك على حالة، كما إذا لم يجد المضطر لدفع الهلاك جوعا إلا طعام مضطر مثله، أو بدن آدمي حي، فإنه لا يباح تناولهما[40]، وكذلك ما لو أكره على قتل المسلم بالقتل مثلا لا يجوز؛ لأن هذه إزالة الضرر بضرر مثله، بخلا ف أكل ماله فإنه إزالة الضرر بما هو أخف منه[41].
    ‏ومن باب أولى أن لا يزال الضرر بضرر أعظم منه، فالشرط أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير، فإن أمكن وإلا بأخف منه. وعلى ذلك لا يجوز ‏لإنسان محتاج إلى دفع الهلاك عن نفسه جوعا أن يأخذ مال محتاج مثله، كما لا يجوز لمن أكره على القتل أن يقتل إذا كان المراد قتله بغير وجه حق. وإذا ظهر في المبيع عيب قديم، وحدث عند المشتري عيب جديد، امتنع رد المبيع بالعيب القديم لتضرر البائع بالعيب الجديد إلا أن يرضى[42]. وإذا طلب أحد الشركاء قسمة الملك المشترك، الذي لا يقل القسمة، لا يجاب طلبه؛ لأنه يترتب على هذه القسمة ضرر، فلا يدفع ضرر الشركة بإحداث ضرر القسمة، وإنما يدفع بقسمة المهايأة[43]، أو يبيع الملك المشترك وقسمة ثمنه.
    ‏الضرو الأشد بزال بالضرر الأخف:
    ‏يعني أن الضرر تجوز إزالته بضرر يكون أخف منه، ولا يجوز أن يزال بمثله أو بأشد منه[44]، وهذه القاعدة متداخلة مع القاعدة التي قبلها، وإذا كانت قاعدة (الضرر لا يزال بمثله) تعمل في حال إزالة ضرر ما؛ لكي لا نحدث ضررا آخر مثله، فيكون عملنا عبثا، ولا لنحل مكانه ضررا أشد منه، فتكون قد وقعنا في المحظور، فإن القاعدة الثانية (الضرر الأشد يزال بالضرر أخف) كأنها شارحة أو مبينة للقاعدة الأولى. بأننا عند إزالة الضرر ينبغي الحرص على عدم الإضرار، وعدم إحداث ضرر يفوق الضرر المراد إزالته.
    ‏ومثاله: إذ ا أحدث المشتري في العقار المشفوع أبنية، فلو أجبر المشتري والحالة هذه على قلعها وتسليم العقار المشفوع للشفيع يتضرر المشتري، كما أنه إذا أجبر الشفيع على أخذ المشفوع، مع دفع قيمة البناء الذي أحدثه المشتري يتضرر أيضا بإجباره على دفع نقود ثمنا للبناء المحدث زيادة عن قيمة المشفوع إلا أن هذا الضرر أخف من ضرر ‏المشتري فيما لوأجبرناه على قلع البنا، إذ يضيع ما أنفقه على البناء بلا مقابل، بخلاف الشفيع فإنه يأخذ مقابل الثمن الذي يدفعه البناء أو الشجر. ولهذا يكلف الشفيع بأخذ الأبنية ودفع القيمة للمشتري؛ لأن ضرره أخف عن ضرر المشتري.
    ‏ومثاله أيضا: حبس من وجبت عليه النفقة إذا امتنع عن أدائها ولو نفقة ابنة، وجواز ضربه في الحبس إذ امتنع عن الإنفاق، وكذلك وجوب النفقات في مال الموسرين لأصولهم وفروعهم ، وأرحامهم المحارم من النسب المحتاجين[45].
    ‏إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما:
    ‏هذه القاعدة محكومة بقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)[46]، فإذا وجدت محظورات أو أضرار، وكان من الضروري ارتكاب أحد الضررين أو المحظورين لدفع الآخر، فإنه يلزم ارتكاب أخفهما وأهونهما وأقلهما مفسدة وضرراً. وذكر صاحب: القواعد الكلية والضوابط الفقهية، في القاعدة الثامنة والثمانين تحت عنوان: في ارتكاب إحدى المفسدتين لدفع أعلاهما، أن الفقهاء قالوا: يجوز ارتكاب إحدى المفسدتين لدفع أعلاهما، وذلك في مواضع متعددة، يطرد فيها أكثر من ألف فرع من الفروع الفقه[47].
    ويذهب شيخ أحمد الزرقا في شرحه للقواعد الفقهية إلى أن مراعاة أعظمهما تكون بإزالته؛ لأن المفاسد تراعى نفياً، كما أن المصالح تراعى إثباتاً، وإذا كان البعض يرى أن هذه القاعدة هي عين القاعدة السابقة (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف)، فإنه يمكن عدها تخصيصاً لها بما إذا كان الضرر الأشد واقعاً، وأمكن إزالته بالأخف، وتخصيص هذه بما إذا تعارض الضرران ولم يقع أحدهما بعد. وما ذهب إليه الشيخ الزرقا أحسن من دعوى التكرار؛ إذ التأسيس أولى من التأكيد إذا أمكن. كما أن هذا التخصيص يشير إليه التعبير بيزال في الأولى، وبتعارض في الثانية[48].
    ‏فالإزالة تكون بعد الوقوع، فيزال الضرر الواقع بضرر أخف منه، أما التعارض فيكون بين أمرين يتدافعان في الوقوع، فنحاول دفع أعظمهما بارتكاب أخفهما، إذا تعذر دفعهما معاً.
    ‏ومن الأمثلة على ذلك: أجاز العلماء أخذ الأجرة على ما دعت إليه الضرورة من الطاعات، كالأذان والإمامة وتعليم القرآن والفقه والفتيا وغيرها، بعد أن لم تكن يؤخذ عليها أجرة من قبل. وجواز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين إذا كانت ترجى حياته، وجواز السكوت عن إنكار المنكرات إذا ترتب على إنكارها خطر أعظم[49]. وهي نفسها قاعدة (يختار أهون الشرين)، كما ذهب إلى ذلك الشيخ أحمد الزرقا، وابنه مصطفى الزرقاء وغيرهما[50].
    يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام:
    هذه القاعدة مبنية على المقاصد الشرعية في مصالح العباد. فإذا كانت قاعدة (الضرر يزال) تفيد إزالة الضرر مطلقا، وإذا كانت قاعدة (الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف) تفيد أن الضرر الأعلى يزال بالضرر الأدنى، فإن هذه القاعدة مفسرة أو مخصصة للقاعدة السابقة، حيت إن التفاوت بين الضررين إما أن يكون من جهة العموم والخصوص، وإما من جهة الشدة والضعف، فمن جهة العموم والخصوص أن الضرر إذا كان عاماً فإنه يزال بالضرر الخاص، إذ العام ‏أقوى من الخاص، والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، ولهذا قال الفقهاء: "يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام"[51].
    ‏ولهذه القاعدة تطبيقات كثيرة لا تحصى، منها؟ المنع في اتخاذ حانوت للطبخ أو للحدادة مثلاً بين البزازين، وجواز الحجر على الطبيب الجاهل، والمكاري المفلس[52].
    ومنه جواز التسعير إذا تعدى أرباب القوت في ييعه بالغبن الفاحش، ومنه بيع الفاضل من طعام المحتكرعن قوته وقوت عياله إلى وقت السعة، وغيرها. ومثالها أيضا ما لو كان لأحد جدار على الطريق العام ومال بحيث يخشى إنهدامه، فإنه يجبر على هدمه دفعا للضرر العام، وهدم الدور الملاصقة للحريق منعاً لتجاوزه إذا خيف سريانه[53].
    درء المفاسد أولى من جلب المصالح:
    ‏القصد من تشريع الأحكام دفع المفاسد عن الناس وجلب المصالح لهم، والمصالح المحضة قليلة وكذا المفاسد المحضة قليلة أيضا، والغالب منها اشتمل على المصالح والمفاسد[54]، وعلى هذا فهذه القاعدة يعمل بها عند التعارض بين مصلحة وبين مفسدة، وهي غير القاعدة التي يعمل بها عند تعارض مفسدتين (إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)، لا عند تعارض شرين (يختار أهون الشرين). ولا عند تعارض الضرر العام والضرر الخاص، فدرء، المفاسد أولى من جلب المصالح، فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قدم دفع المفسدة غالبا؛ لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات[55]. قال عليه الصلاة والسلام: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"[56].
    ‏ومن تطبيقات هذه القاعدة: أنه ليس للإنسان أن يفتح مثلا كوة تشرف على مقر نساء جاره، بل يكلف أن يتخذ فيها ما يقطع النظر. وكذلك ليس له أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره ضرراً بيناً. كاتخاذه بجانب دار جاره طاحوناً مثلأ يوهن البناء، أومعصرة أو فرناً يمنع السكنى بالرائحة والدخان[57]. وكذا لو اتخذ بجانب داره كنيفا أو بالوعة أو ملقى قمامات يضر بالجدار، فلصاحب الجدار أن يكلفه إزالة الضرر، وإذا كان الضرر لا يزال إلا برفعه بالمرة فإنه يرفع، وإن كان لمحدثه منفعة في إبقائه؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح[58]. كما أنه تطبيقاً لهذه القاعدة تمنع التجارة بالمحرمات من خمر ومخدرات وغيرها، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع اقتصادية بزعم من يدعي ذلك[59]. وهذه القاعدة مع غيرها أصلاً ‏لنظرية: (استعمال الحق بالنظر إلى ما يؤول إليه من أضرار )، أو ما يسمى في عرف القانونيين اليوم (نظرية التعسف في استعمال الحق)، التي سنشير إليها لاحقاً.
    الضرر يدفع بقدر الإمكان:
    ‏هذه القاعدة تعبر عن وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل الكافية الكافلة، وفقاً لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، وذلك بقدر الإمكان، لأن التكليف الشرعي على حسب الاستطاعة، فإن أمكن دفعه بالكلية فبها، وإلا فبقدر المكان، فإن كان مما يقابل بعوض جبر به، أما إذا لم يمكن دفع الضرر بالكلية ولا جبره فإنه يترك على حاله، ويدفع بقدر ما يمكن[60].
    ‏ومن تطبيقات ذلك: شرع الجهاد لدفع شر الأعداء، وجبت العقوبات لقمع اللإجرام وصيانة الأمن الداخلي، ووجب سد ذرائع الفساد وأبوابه من جميع أنواعه، إلى غير ذلك من التدابير اللازمة لدفع الشر والحيلولة دونه. كما شرع حق الشفعة؛ لدفع ضرر سوء الجوار، وشرع الحجر على السفيه؛ لدفع ضرر سوء تصرفاته عن نفسه وأسرته، وشرع الحجر على المدين المفلس منعاً لضرر الدائنين من تصرفاته، وشرع الإجبار القضائي على قسمة المال المشترك القابل للقسمة بناء على طلب أحد الشركاء دفعاً لضرر شركة الملك، وشرعت بعض الخيارات في العقود لدفع الضرر كما في خيار الشرط والرؤية وخيار التعيين في البيوع لحاجة بعض المشترين إلى التروي والاستشارة قبل البت وغيرها[61].
    يتبع
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم

    الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم
    د/ فريدة صادق زوزو



    ‏الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة:
    ‏الحاجة تنزل فيما يحظره ظاهر الشرع منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة. وتنزيلها منزلة الضرورة في كونها تثبت حكما، وإن افترقا في كون حكم الأولى - الحاجة – مستمراً، وحكم الثانية - الضرورة - مؤقتاً بمدة قيام الضرورة، إذ الضرورة تقدر بقدرها[62].
    ‏وكما سبق القول، إن الضرورة هي تلك الحالة التي يتعرض فيها الإنسان إلى الخطر في دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله، فيلجأ إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت؛ لكي يخلص من هذا الخطر. كمن لا يجد ما ينقذ به حياة مريض إلا التداوي بمحرم، فقد ثبت أن هذه الشريعة جاءت لحفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات[63].
    والحاجة هي الحالة الملجئة التي، تستدعي تيسيراً أو تسهيلاً لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمراً، والثابت للضرورة مؤقتاً. والحاجة العامة هي التي لا تخص ناساً دون ناس، ولا قطراً دون قطر، بل تعمهم جميعاً كالحاجة إلى الإيجار والاستئجار، والخاصة هي التي تختصص بناس دون ناس وفئة دون فئة، أو صنف دون صنف، ‏كحاجة التجار إلى اعتبار البيع بالنموذج مسقطاً لخيار الرؤية[64].
    ‏وكيفما كانت الحاجة فالحكم الثابت بسببها يكون عاماً بخلاف الحكم الثابت بالعرف العادة، فإنه يكون مقتصراً وخاصاً بمن تعارفوه تعاملوا عليه واعتادوه، وذلك لأن الحاجة إذا عست إلى ‏إثبات حكم تسهيلاً على قوم لا يمنع ذلك من التسهيل على آخرين ولا يضر، بخلاف الحكم الثابت بالعرف والعادة، فإنه يقتصر على أهلي ذلك العرف؛ إذ ليس من الحكمة إلزام قوم بعرف آخرين وعادتهم ومؤاخذتهم بها[65].
    ‏ومما يتفرع على هذه القاعدة من تطبيقات، تجويز الإجارة، وتجويز السلم، وتجويز استئجار السمسار، وتجويز استئجار الظئر للإرضاع، والاستصناع، ودخول الحمام بأجر، ووصية، والإضافة إلى الحاجة في التجويز هنا إذا كان التجويز مخالفاً للقياس وإلا فإن إضافة القياس أولى إذا كان غير مخالف للقياس.[66]
    ‏موازنة بين السيوطي وابن نجيم في موضوع القاعدة وتطبيقاتها:
    ‏بعد أن تم تناول القاعدة بالشرح والتأصيل نحاول أن نقوم بموازنة بين كل من الإمام السيوطي والإمام ابن نجيم في كتابيهما الموسومين باسم:(الأشباه والنظائر)، والغرض من هذه الموازنة الوقوف على القاعدة وشرحها، ومنهج الكتابة فيها، وتطبيقاتها عند كل من الإمامين.
    ‏ولهذا ستتناول الموازنة اسم القاعدة وترتيبها عند كل منهما، ومنهج التدوين فيها، وتأصيلها وشرحها، والقواعد المتفرعة عنها، وتطبيقاتها، والاستثناءات الواردة عليها. فتكون أمام أوجه ستة للموازنة.
    ‏أولاً: اسم القاعدة وترتيبها:
    ‏يتفق كل منهما على أن اسم القاعدة هو (الضرر يزال)، ويوردها السيوطي على أنها القاعدة الرابعة، بينما يوردها ابن نجيم على أنها الخامسة، يقول السيوطي: (القاعدة الرابعة الضرر يزال)[67]، ويقول ابن نجيم: (القاعدة الخامسة الضرر يزال)[68]. وذلك لأن السيوطي تابع التقسيم الذي قال به ابن السبكي، في ذكر القواعد الخمس، التي ذكر الأصحاب أن جميع مسائل الفقه يرجع إليها، وهي: اليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، والعادة محكمة، ثم الخامسة التي زيدت وهي الأمور بمقاصدها استقر عن ابن السبكي، ولكن بعد ذلك يجعل السيوطي(الأمور بمقاصدها)[69]، الأولى، فتصير (الضرر يزال)، هي الرابعة أما ابن نجيم فإنه جعل هذه القواعد ستاً، قسم قاعدة الأمور بمقاصدها على قاعدتين: (لا ثواب إلا بالنية)، و(الأمور بمقاصدها)[70]، فصارت قاعدة (الضرر يزال) هي الخامسة في الترتيب، وتتلوها
    ‏قاعد ة (العادة محكمة)[71].
    ‏ثانيا: منهج التدوين فيها:
    ‏وفيما يخص الكتابة في القاعدة ذكر السيوطي القاعدة أولاً ذكر أصلها من كتب السنة: الموطأ والمستدرك للحاكم، والسنن الكبرى للبيهقي، وسنن الدارقطني، وسنن ابن ماجة. ثم ما يبنى على هذه القاعدة من أبواب الفقة، وما يتعلق بها من القواعد الفرعية، مع الإشارة إلى بعض التنبيهات التي تبين الاستثناءات، ثم التأصيل لمراتب الضرورة كما هي عند الأصوليين[72]. أما ابن نجيم فإنه ذكر تعريفا للقاعدة في كتب المذهب دون تأصيل لها من كتب السنة أو من القرآن الكريم، ثم ذكر ما يبنى عليها من أبواب الفقه، ثم ذكر ما يتعلق بها ويتفرع عنها من قواعد، مع الإشارة إلى الاختلافات مع الشافعية ذلك، ثم يذكر أحيانا بعض القواعد على أساس أنها (تذنيب)[73]، أي: القواعد الفرعية للقواعد المتفرعة عن القاعدة الأصل. كما يورد الاستثناءات عن القواعد الفرعية، وهناك بعض القواعد جعلها تنبيهات. مثل قاعدة: (الضرر الأشد يزال بالأخف)[74].
    ‏ولعل الأمر بين في كثرة التفريعات والتطبيقات عند ابن نجيم وقلتها عند السيوطي، والأمر في رأيي المتواضع يرجع إلى تأثر كل واحد منهما بطريقة التأليف الأصولي عند كل مذهب، فإذ ا كانت طريقة الحنفية طريقة فقهية تميل إلى بناء الأصول على الفروع، ومن ثم الاحتفال بالفروح أولا، ثم إيراد الأصول والقواعد التي تجمعها، فإن السيوطي من مدرسة المتكلمين التي تحتفل بالأصل، ثم تستنبط منه التفريعات بعد ذلك، وهنا يبدو تأثر منهج التأليف في التواعد الفقهية بمنهج التأليف في أصول الفقة.
    ‏ثالثاً: تأصيل القاعدة وشرحها:
    ‏ذكر السيوطي أن أصل القاعدة قوله – صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"، وقام بتخريجه، إذ ذكر أنه وارد في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن يحيى عن أبية، وأخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي، والدارقطني من حديث أبي سعيد الخد ري، وأخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة ابن الصامت[75].
    ‏بينما لا نجد مثل هذا التأصيل عند ابن نجيم، بل يشرحها بما عند أصحابه في المذهب، فيقول: (القاعدة الخامسة: الضرر يزال، وفسره في المغرب بأنه لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء ، وذكره أصحابنا - رحمهم الله - في كتاب الغصب والشفعة وغيرهما)[76]. والأمر واضح، إذ إن السيوطي كان محدِّثاً، بينما حظ ابن نجيم من الحديث لم يكن مثل السيوطي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى جاء ابن نجيم متأخراً عن السيوطي بزمن، فالسيوطي توفي في 911هـ بينما ابن نجيم توفي 970هـ مما يمكن منه القول إن هذا كان دافعا لابن نجيم أن يكتفي بشرح القاعدة عند أصحابه دون الحاجة إلى تخريجها، بما أنها قد سبق أن خُرِّجت على يد السيوطي. وكما يرى أغلب الباحثين أن ابن نجيم (ألف كتابه الأشباه والنظائر، وقد تأثر فيه بكتاب الأشباه والنظائر للسيوطي، حتى وضعة على غراره، وقد جمع فيه خمسا وعشرين قاعدة، وجعلها نوعين، قواعد كلية وهي ست، وباقيها أقل منها اتساعاً، يتفرع عنها بعض قواعد فقهية أخرى)[77]، وهو في جميع ما أورده مما أورده السيوطي مع الفروق الخاصة بالفرع الناتجة عن اختلاف المذاهب الحنفي عن الشافعي[78].
    رابعاً: القواعد المتفرعة عنها:
    ‏أما القواعد المتفرعة عن هذه القاعدة فإن السيوطي له في ذلك منهج يقوم على إيراد القواعد المتفرعة أو المتصلة والمتعلقة بقاعدة: (الضرر يزال)، ثم يذكر بعض القواعد الفقهية على أنها فروع للقواعد المتفرعة عن القاعدة الأصل، ويعبر عنها إما بلفظ ( تذنيب) أو ( تنبيه)[79].
    ‏وأولى هذه القواعد ( الضرورات تبيح المحظورات) بشرط عدم نقصانها عنها، والثانية (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها)[80]، ويذكر السيوطي فرعاً لهذه القاعدة الثانية تحت عنوان: (تذنيب) بقوله: "قريب من هذه القاعدة ما جاز لعذر بطل بزواله"، والثالثة " الضرر لا يزال بالضرر" ويردفها بتنبيه، وذلك بأن (يستثنى من ذلك لو كان أحدهما أعظم ضررا) فلابد من النظر لأخفهما ولأغلظهما[81]. أما القاعدة الرابعة فهي: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)، والقاعدة الخامسة هي (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)[82].
    ‏أما ابن نجيم فإنه يزيد على هذه القواعد، حيث يذكر هذه التي ذكرها السيوطي، ثم يزيد عليها، فالقاعدة الأولى المتعلقة بقا عدة "الضرر يزال"عند ابن نجيم هي (الضرورات تبيح المحظورات)[83]، لكن هذه القاعدة لا تتضمن الشرط الذي أورده السيوطي والشافعية عموماً، وإن لم يورد ابن نجيم هذا الشرط، فإنه قال: "ولكن ذكر أصحابنا -رحمهم الله - ما يفيده[84]، والثانية (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها)، ويورد التذنيب نفسه الذي أورده السيوطي بقوله إن (ما جاز لعذر بطل بزواله)، أما القاعدة الثانية فهي (الضرر لا يزال بالضرر)، وهي عقيدة لقولهم: الضرر يزال، أي لا بضرر[85] ويردفها بقاعدتين، ويجعلهما تنبيهين، التنبيه الأول (يتحمل الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام)، وهي أيضا مقيدة لقولهم: الضرر لا يزال بمثله[86]. والتنبيه الثاني (الأشد يزال بالأخف)[87]. القاعدة الرابعة هي (إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)[88]، أما القاعدة الخامسة فهي (درء المفاسد أولى من جلب المصالح). ثم القاعدة السادسة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة، عامة كانت أو خاصة)[89].
    ‏ويبدو من خلال إيرادنا لتعريفات كل منهما أن ابن نجيم حذا حذو السيوطي في تقسيمه، وذكره للقواعد المتفرعة والمتعلقة بالقاعدة الأصل، ليس هذا فقط، بل إنه سلك مسلكه في ذكر التذنيبات والتنبيهات، ولا فرق، سوى القاعدة السادسة التي أدرجها ابن نجيم ضمن القواعد المتعلقة بقا عدة : "الضرر يزال"، بينما أوردها السيوطي قاعدة مستقلة عنها.
    ‏خامساً: تطبيقاتها:
    ‏وإذا اتفقنا في جانب التقعيد للقاعدة الأصل، التي تتعلق بها أو تتفرع عنها إلا قليلاً، فإنه لاشك سنجد اختلافاً في التطبيقات الجزئية لما بين المذهبين من اختلاف في طرق الاستنباط، ومناهج الاجتهاد.
    ‏وهذا لا يؤخذ على إطلاقه؛ إذ إن هناك اتفاقاً في مسائل، واختلافاً في أخرى، وإنما المقصود بالكلام الأول أن التقعيد في القواعد لا يظهر فيه الخلاف كبيراً إلا عند التطبيق على الأفراد الجزئية.
    ‏ولذلك نجد أنهما اتقتا على ما يبنى على القاعدة من أبواب الفقه، ومن ذلك - يذكر
    ‏السيوطي- الرد بالعيب وجميع أنواع الخيار من اختلاف الوصف المشروط والتعزيز، وإفلاس ‏المشتري، وغير ذلك، والحجر بأنواعه، والشفعة؛ لأنها شرعت لدفع ضرر القسمة، والقصاص، والحدود ، والكفارات، وضمان المتلف، والقسمة، ونسب الأئمة والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب أو
    ‏الإعسار، وغير ذلك[90].
    ‏ولم يزد ابن نجيم على هذه الأبواب شيئا ذا بال يختلف فيه عن السيوطي[91].
    ‏وأما فيما يخص التطبيقات على القواعد المتعلقة بالقاعدة الأصل فإن فيها اتفاقاً وأن فيها اختلافا، فقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) يجعل السيوطي من التطبيقات عليها أكل الميتة عند المخمصة، وإساغة اللقمة بالخمر، والتلفظ بكلمة الكفر للإكراه، وإتلاف المال وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه، ودفع الصائل ولو أدى إلى قتله. ويتفق معه ابن معه ابن نجيم في هذه غير أنهما يختلف في الميت الذي دفن بلا غسل، فإن ابن نجيم ذكر أنه "لو دفن بلا غسل وأهيل عليه التراب، صلي على قبره ولا يخرج، وكذا لو دفن بلا ‏تكفين لا ينبش منه؛ لأن مفسدة هتك حرمته أشد ‏من عدم تكفينه، الذي قام الستر بالتراب مقامه، غير أن السيوطي يرى أنه يجوز نبش ‏ميت بعد ذفنه للضرورة بأن دفن بغير غسل، أو بغير قبلة، أو في أرض، أو ثوب مغصوب[92].
    ‏أما قاعدة: (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها) فإن السيوطي يشير فيها إلى صلتها بالاضطرار والحاجة، ولهذا فهو يفصل في المراتب إلى خمس مراتب إجمالً هي: الضرورة، والحاجة، والمنفعة، ‏والزينة، والفضول. غير أنه عند التفصيل، يجعلها ستاً: ( الضرورة) وهي بلوغه حداً إن لم يتناوله، أي: الممنوع أو قارب، وهذا يبيح تناول الحرام، و(الحاجة) كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح الحرام، ويبيح الفطر في الصوم، و(المنفعة) كالذي يشتهي خبز البر ولحم الغنم والطعام الدسم، و( الزينة) كالمشتهي الحلوى أو السكر والثوب المنسوج من حرير وكتان، و(الفضول)، التوسع بأكل الحرام والشبهة[93]. والسيوطي في تقسيمه هذا يجعل من الضرورة المرتبة المبيحة لتناول الحرام فقط، غير أنه يقيدها بقاعدة (ما جاز لعذر بطل بزواله)، التي جعلها بمنزلة( تذنيب) للقاعدة، ويوافقه في هذا (التذنيب) ابن نجيم، ولكن دون ذكر منه أو تفصيل للمراتب.
    ‏وأما قاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) فقد جعلاها مخصصة لقاعدة (الضرر يزال)، وأوردا لها تطبيقات كثيرة، اتفقا في كثير منها، ولم يختلفا إلا في عدم وجوب العمارة على الشريك، حيث تركها السيوطي مطلقة ومجملة، بينما قيدَّها وفصلها ابن نجيم بأنه" يقال لمريدها أنفق واحبس العين إلى استيفاء قيمة البناء أو ما أنفقته، فالأول ‏إن كان بغير إذن القاضي، والثاني إن كان بإذنه وهو المعتمد... وكتبنا في شرح الكنز في مسائل شتى في كتاب القضاء أن الشريك يجبر عليها في ثلاث مسائل[94]. والملاحظ أن ابن نجيم يشير أحيانا إلى مواضع الخلاف مع الشافعية، أو المواقع التي فصلوا أو زادوا فيها. بينما لا نجد عند السيوطي إشارة إلى غير الشافعية.
    ‏وأما قاعدة (إذ ا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)، فإن كلا منهما يجعلها ناشئة من السابقة، غير أن السيوطي لا يورد لها تطبيقاً، في حين أن ابن نجيم يسهب في التطبيق لهذه القاعدة. وبخاصة في ما يتعلق ‏بشرط الصلاة، وأكل الميتة مع وجود مال الغير، أو الصيد و هو محرم، أو لحم خنزير، أو صيد ومال الغير، وكذا الإكراه.
    ‏أما القاعدة الخامسة (درء المفاسد أولى من جلب المصالح)، فإنهما استدلا عليها بالحديث نفسه، واتفقا في التطبيقات تقريباً. ثم يزيد ابن نجيم قاعدة (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) بخلاف السيوطي الذي يفصلها عن سياق قاعدة ( الضرر يزال). ومن تطبيقات ابن نحيم على القاعدة: تجويز الإجارة على خلاف القياس للحاجة. والسلم على خلاف القياس؛ لكونه بيع المعدوم دفعاً لحاجة المفاليس، والاستصناع للحاجة، ودخول الحمام مع جهالة مكثه فيها، وما يستعمله من مائها، وشربه السقاء، وغيرها[95].
    يتبع


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم

    الضرر يزال دراسة تأصيلية مقارنة بين السيوطي وابن نجيم
    د/ فريدة صادق زوزو




    سادساً: الاستثناءات:
    ‏يذكر السيوطي عدة استثناءات واردة على القواعد المتفرعة والمتملقة بقاعدة (الضرر يزال)، فقاعدة (ما أبيح للضرورة) يخرج عنها العرايا فإنها أبيحت للفقراء، ثم جازت للأغنياء في الأصح، والخلع فإنه أبيح مع المرأة في سبيل الرخصة. ثم جاز مع الأجنبي[96]. واللعان جوز حيث تعسر إقامة البينة على زناها، ثم جاز حيث يمكن[97]. و(قاعدة الضرر لا يزال بالضرر)، فإنه يورد عليها استثناء فيما لو كان أحدهما أعظم ضرراً، لابد من النظر لأخفهما ولأغلظهما، ولهذا ‏شرع القصاص والحدود وقتال البغاة وقاطع الطريق وغيرها.
    ‏أما ابن نجيم فإن له استثناءات على تطبيقات القواعد، فقد أخرج عن قاعدة (ما أبيح للضرورة) الشهادة على الشهادة؛ إذا كان الأصل مريضاً فصح بعد الإشهاد، أو مسافراً فقدم أن يبطل الإشهاد، على القول إنها لا تجوز إلا لموت الأصيل أو مرضه أو سفره.
    ‏ما يمكن استفادته من قاعدة، (الضرر يزال):
    ‏في ختام هذا البحث المتواضع في تأصيل قاعدة (الضرر يزال) وشرحها، أود أن ألفت النظر إلى حاجة مهمة جداً في تطور الفقه الإسلامي، وتطور التقعيد الفقهي في فقهنا الإسلامي، ذلك أن هذا الفقه بوصفه أهم ثروة تركها لنا العلماء الأعلام قد مرت بتطورات مهمة، فقد ابتدأ الاجتهاد بسيطاً دون الحاجة إلى قواعد مدونة، ثم حدث ذلك التطور الهائل على يد الفقهاء المجتهدين، فقعدت المذاهب، وتأسست مناهج الاجتهاد والنظر الفقهي، ثم بعد ذلك استقرت المذاهب، وكثرة الفروع الفقهية، وتضخمت المسائل وأفراد الجزئيات التي لا تحصى، مما جعل من الصعب استيعاب كل هذا الكم من الجزئيات، وهذا أدى إلى نقلة منهجية مهمة في عمل الفقهاء المجتهدين، وذلك بالتفاتهم إلى نوع جديد من التقعيد الفقهي والاجتهاد، تمثل هذا في التوجه إلى صياغة كثير من مسائل الفقه أو أبوابه في شكل مبادئ عامة مجردة كلية أو أغلبية، تنظم وتحكم عدداً، الأفراد الجزئية، وهذه هي القواعد الفقهية، وقد دون فيها الفقهاء عددا كبيرا من المدونات استطاعوا بها أن يجمعوا المسائل الكثيرة
    ‏في قواعد محصورة - ومع التطور الحديث الذي توجه إليه البحث العلمي يسعى كثير من العلماء والفقهاء المعاصرين إلى وضع النظريات الكبرى الكبرى للفقه الإسلامي واستخراجها، وجعلها في متناول الباحثين والمحامين والقضاة وعامة المشتغلين بالفقه.
    ‏ومعلوم أن النظرية الفقهية مهمة؛ لأنها عبارة عن تصور مجرد جامع للقواعد العامة الضابطة للأحكام الفرعية الجزئية، هذا التصور يقوم على أمرين مجتمعين: الاستنباط، والاستقراء للأحكام الفرعية الجزئية[98].
    ‏ومن أمثلة النظريات التي اجتهد العلماء في صياغتها نجد نظرية العقد، ونظرية الإباحة، ونظرية الضمان، ونظرية الإكراه وغيرها، وما أود الإشارة إليه هنا أن النظريات الفقهية مرحلة لاحقة لمرحلة القواعد الفقهية، والنظرية أعم من القاعدة وأكثر شمولاً منها.
    ‏ومن قاعدة (الضرر يزال) يمكن أن نجد سنداً، وأن نتجه بها إلى صياغة نظريتين مهمتين في الفقه الإسلامي، الأولى ما يعرف بين القانونيين بنظرية التعسف في استعمال الحق، أو ما يمكن تسميتها نظرية استعمال الحق بالنظر إلى ما يؤول إليه من أضرار، التي ذكرها الشاطبي وغيره من الأصوليين، أو ما أسماه أبو زهرة نظرية المضارة في الحقوق، والثانية نظرية الضرورة الشرعية، أو ما يسميه بعضهم نظرية الاضطرار.
    ‏الأولى، نظرية استعمال الحق بالنظر إلى ما يؤول إليه من أضرار:
    ‏يذكر الشاطبي في الموافقات، في كتاب المقاصد، القسم الثاني، المسألة الخامسة، تأصيلاً مهماً ‏لأقسام استعمال الحق بالنظر إلى ما يؤول إليه من أضرار، حيث جعل هذه الأقسام ثمانية، وذكر لها تطبيقات كثيرة، تشكل نظرية متكاملة في المضارة في الحقوق، كما أسماها أبو زهرة[99]. وهي إعادة صياغة لما أورده الشاطبي[100].
    ‏وأقسام النظرية الثمانية هي:
    ‏*1- استعمال الحق بحيث لا يلزم عنه مضرة للغير.
    2- استعمال الحق بقصد الإضرار بالغير، كالمرخص في سلعته قصداً لطلب معاشه، وصحبه قصد الإضرار بالغير.
    3- ‏*لحوق الضرر بجانب المصلحة أو دافع المفسدة عند منعه من استعمال حقه، فهو محتاج إلى فعله، كالدافع عن نفسه مظلمة يعلم أنها تقع بغيره، أو يسبق إلى شراء الطعام، أو ما يحتاج إليه، أو إلى صيد أو حطب أو ماء أو غيره عالماً أنه حازه تضرر غيره بعدمه، ولو أخذ من يده تضرر.
    ‏4- دفع الضرر بالتمكين من المعصية.
    5- التصريف المفضي إلى المفسدة قطعا: والمقصود هو القطع العادي، كحفر البئر خلف الدار في الظلام، بحيث يقع فيه الداخل، وشبه ذلك.
    6- التصرف المفضي إلى المفسدة نادرا: كحفر البئر بموضع لا يؤدي غالباً إلى وقوع أحد فيه، وأكل الأغذية التي غالباً لا تضر أحداً أو ما أشبه ذلك.
    7- التصرف المفضي إلى المفسدة ظناً: كبيع السلاح من أهل الحرب، والعنب من الخمار، وما يفش به، ممن شأنه الغش، ونحوذلك.
    8- التصرف المؤدي إلى المفسدة كثيراً: أن يكون كثيراً لا غالباً كمسائل البيوع الآجال.
    ‏الثانية: نظرية الضرورة:
    ‏هذه النظرية تحتاج إلى أن تبسط وتشاع بين الناس، وأن تضبط علمياً، وذلك لأن كثيراً من الناس قد غلط في هذه المسألة: أولاً: من جهة تنزيلها، فقد تساهل كثير من الناس في ارتكاب محرمات ومحظورات شرعية، بحجة أن ذلك من قبيل الضرورة الشرعية، مرددين: (الضرورة تبيح المحظورات). وثانياً: من جهة ضبط هذه الحالة بضوابطها الشرعية، فلئن صدق على بعض الحالات أنها من باب الضرورة فإن كثيراً من أهل الضرورات تجاوزوا حد الضرورة، وتوسعوا في استباحة المحرمات وفعل المحظورات. وثالثاً: من جهة الرضا بالواقع، فقد استسلم معظم الناس إلى نعمة الترخص، ورغبوإ في استبقاء هذه النعمة وعدم زوالها، مع أن مسألة الترخص تعدُّ من الأمور العارضة والقضايا الطارئة، إلا أنها صار ت في كثير من الأحيان، - عند بعض الناس - ذريعة التخلص والتفلت من الالتزام بالأوامر الشرع ونواهيه، والأخذ بعزائم أحكامه.
    ‏ومن الأمثلة على ذلك: التساهل في ممارسة بعض أنواع المعاملات المالية المحرمة، واستخدام من لا يجوز من الأيدي العاملة ودخول المرأة بلا محرم على الطبيب بصورة مألوفة معتادة، والخلوة المحرمة بين الرجال والنساء، والكذب في الحديث، والعمل في مواقع الشبهة والحرام، والأخذ عن أهل الكفر فيما هو مخالف لأبسط شعائر الإسلام بحجة الضرورة، والتفريط في أرض المسلمين، وموالاة أهل الشرك والكفر على حساب المستضعفين من المسلمين، وغيرها. وهي صور من واقع أمتنا تشهد بتفريط كبير، وإهمال غير يسير في مناح شتى من حياة الأمة، وهو انحراف خطير عن السبيل وتواطؤ على مخالفة الحق.
    ‏كما أن أهل الزيغ والهوى والبدع كثيراً ما يتهللون بالضرورة، ويتسترون بستارها في تحقيق مآربهم، فيحملون الشرع ما لا يحتمل من باطل صنائعهم، ومنهم من يتسلخ عن الدين باسم الضرورة أو الحكمة أو المصلحة، ومن هنا تحتاج المسألة إلى ضبط، وإلى صياغة نظرية في بيان الضرورة ومراتبها وأقسامها وأحكام العمل بها، والفرق بين مراتب الضرورات الخمس، والفرق بين الضروري والحاجي والتحسيني، وكذا ضوابط الضرورة، والفرق بين الضرورة وبين الرخصة، إلى غير ذلك مما هو مبسوط مفرقاً في كتب الفقه والأصول. فتعاد صياغته مستندين في ذلك على هذه القاعدة (الضرر يزال)، وما يتفرع عنها، وما يتعلق بها من قواعد. والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.
    الهوامش والمراجع



    [1] - ذكر الأستاذ جمال الدين عطية في كتابة (التنظير الفقهي)، أن هذه القاعدة من القواعد الكلية الأصلية، وأن معظم الفقهاء عدوها من القواعد الفقهية الخمس الكلية، وممن أوردها ضمن القواعد الفقهية المروزي وابن السبكي والسيوطي وابن نجيم وغيرهم، انظر: التنظير الفقهي: ‏ص78 وبعدها.

    [2] - ‏المدخل الفقهي العام : 2/977.

    [3] - ‏المدخل الفقهي العام : 2/978.

    [4] - والحديث جاء في كتاب الأقضية، باب: القضاء في المرفق، رقم: (22)، وهو كما يأتي: حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضرر ولا ضرار"، انظر الموطأ: 651‏.

    [5] - والحديث جاء في المستدرك في زيادة على ما في الموطأ: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا العباس بن محمد الدوري ثنا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمر ابن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه"، وقال الحاكم بعد ذلك: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. انظر المستدرك على الصحيحين: 2/57-58،وانظر بهامشه تلخيص المستدرك لشمس الدين ابن أحمد الذهبي.

    [6] - وذكر له البيهقي في كتاب الصلح، باب: لا ضرر و لا ضرار في سنن الكبرى أربع روايات. الأولى: عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضاره الله، ومن شاق شقاق الله عليه" والثانية: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: (من ضار ضار الله به، ومن شق شق الله عليه" وأما الثا لثة: فعن مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى عن أبية: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ‏قال: "لا ضرر ولا ضرار"، والرابعة نحوها . السنن الكبرى: 6/69-70.

    [7] - والرواية الواردة في سنن الدار قطني كما يأتي، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار نا العباس بن محمد نا عثمان ابن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثني عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضرر ولا ضرار، من ضار ضره الله، ومن شاق شق الله عليه"، كتاب البيوع، حديث رقم(288). ينظر: سنن الدارقطني 3/77.

    [8]‏- أخرجه ابن ماجه في سننه في أبواب الأحكام. باب: (من بنى في حقه ما يضر بجاره) قال: حدثنا عبد ربه بن خالد النميري، أبو المفلس، قال: حدثنا فضيل بن سليمان، قال: حدثنا موسى بن عقبة، قال: حدثني إسحاق بن يحيى بن الوليد، عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله – صل ىالله عليه وسلم - قضى أن "لا ضرر ولا ضرار"، حديث رقم (‏2262)، وقال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر عن جابر الجفي . عن عكرمة، عن ابن عباس: قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار"، حديث رقم: (2262)‏. انظر سنن ابن ماجه: 2/44.

    [9] - الأشباه والنظائر في الفروع: 59-60.

    [10]- أما ما جاء في مسند أحمد فهو كما يأتي: حدثنا عبد الله *حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضرر ولا إضرار وللرجل آن يجعل خشية في حائط جاره والطريق الميتاه سبعة آذرع". انظر، مسند أحمد: 1/313.

    [11] - المدخل الفقهي العام: 2/977.

    [12] - فتح المبين لشرح الأربعين: 236.

    [13] - الموافقات: 2/15-16.

    [14] - الموافقات: 2/15-16.

    -[15] الموسوعة الفقهية: 28/179.

    [16]- (‏المصادرالأصلي ة والتبعية للشريعة الإسلامية وقواعد الفقه فيه بيان قدرتها على حل مشكلات المجتمع المعاصر)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ع2، 5والمدخل الفقهي العام: 2/978.

    [17] - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: 82.

    [18] - شرح القواعد الفقهية: 155.

    [19] - فتح المبين لشرح الأربعين: 237.

    [20] - شرح القواعد الفقهية: 165.

    [21] - المدخل الفقهي: 2/979.

    [22] - المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 51.

    [23] - المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 51.

    [24] - الموسوعة الفقهية: 28/179.

    [25] - الأقمار المضيئة شرح القواعد الفقهية: 118، الأشباه: 1/41.

    [26] - المدخل الفقهي: 2/979-980.

    [27] - الموسوعة الفقهية: 28/180.

    [28] - غمز العيون البصائر شرح كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم: 1/275.

    [29] - المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: 84، درر الحكام: 1/33.

    [30] - درر الحكام:1/219.

    [31] - المنثور في القواعد: 2/319.

    [32] - الأقمار المضيئة: 119.

    [33] - المد خل الفقهي العام: 3/995، الأشباه والنظائر للسيوطي:48، وما بعدها، غمز عيون البصائر: 1/275، الأقمار المضيئة: 119، الأشباه والنظائر، للسبكي:1/45.

    [34] - شرح القواعد الفقهية: 185.

    [35] - المنثور في القواعد: 3/320، الأقمار المضيئة:119.

    [36] - شرح القواعد الفقهية: 187، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: 84.

    [37] - المنثور في القواعد: 2/320.

    [38] - شرح القواعد الفقهية: 188.

    [39] - الأقمار المضيئة: 120.

    [40] - شرح القواعد الفقهية: 196.

    [41] - الموسوعة الفقهية: 28/181.

    [42] - الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية: 82، شرح القواعد الفقهية:195.

    [43] - ‏المهايأة في اللغة: مفاعلة من الهيئة، وهي الحالة الظاهرة للمتهيئ للشيء، فكل من الشريكين يرضى بهيئة واحدة، ويختارها، أو أن الشريك الثاني ينتفع بالعين على الهيئة التي يمتنع بها الشريك الأول، فهي لغة: أن يتواضع الشريكان على أمر، ويتراضيا به، والمهايأة فقها هي: قسمة المنافع.وعرفها المالكية: بأنها اختصاص كل شريك عن شريكه في شيء متحد كدار، أو متعدد كداريين، بمنفعة شيء متحد أو متعدد في زمن معلوم. وبناء عليه: تعين الزمن من الشرط إذ به يعرف قدر الانتفاع. وإلا فسدت المهايأة. ومحلها المنافع دون الأعيان؛ لأنها قسمة المنفعة دون العين، فكان محلها المنفعة دون العين، وعلى هذا لو اتفق اثنان على أن يسكن أحدهما العلو، والآخر في السفل، صح، وله إجارته وأخذ غلته، كذا تجوز المهايأة في الأراضي المشتركة. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته: 5/694-695.

    [44] - المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 52، المدخل الفقهي العام: 2/983.

    [45] - درر الحكام شرح مجلة الاحكام: 1/36.

    [46] - شرح القواعد الفقهية" 198.

    [47] - درر الحكام: 1/27.

    [48] - القواعد الكلية والضوابط الفقهية: 100.

    [49] - شرح الفقهية: 201.

    [50]- المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 52، غير أن هذا الأمر لا يؤخذ على إطلاقه حتى لا يؤدي إلى تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي قضية قد يمكن ضبطها في القضايا التي لا صلة لها بالحكم والسياسة: أي أفراد المنكرات الجزئية التي لا تعم، أما يتعلق بأمر المنكرات العامة التي نعم الناس جميعا، أو التي تمس مسائل الحكم والسياسة، فإن الأمر مرتبط بالشوكة والسياسة الشرعية كما هو مبسوط في مظانِّه، وقد عالج ابن خلدون هذا الأمر، و قبله إمام الحرمين، وابن تيمية وغيرهم. وهو موضوع في الحقيقة شائك للاختلاف في تقدير المصلحة في ما يسمى اليوم (التغيير والإصلاح السياسي)، ومسائل الولاء، والخروج على الحكام، والفرق بين الحاكم والجائر، وبين الحاكم الذي لا يرى الحكم بشرع الله كما هو اليوم في ‏أرض الإسلام، مما يحتاج فيه ليس إلى جواب جزئي، بل إلى نظرية متكاملة تتفادى شدائد المكفرة، ورخص الإرجاثيين، وتحكمات العلمانيين. والله أعلم.

    [51] - شرح القواعد الفقهية: 202، المدخل الفقهي العام: 2/984، والموسوعة الفقهية: 28/181.

    [52] - الموسوعة الفقهية: 28/984.

    [53] - المدخل الفقهي العام: 2/984.

    [54] - شرح القواعد الفقهية: 198، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية: 83.

    [55] - الموسوعة الفقهية: 28/984.

    -[56] أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتب والسنة، باب: الاقتداء بسنن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم: 7288، صحيح البخاري مع فتح الباري 13/251، وأخرجه مسلم في كتاب: الفضائل، باب: توقيره – صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم 1327، صحيح مسلم: 4/1831.

    [57] - المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 52.

    [58] - شرح القواعد الفقهية: 205-206.

    [59] - المدخل الفقهي العام: 2/985.

    [60] - شرح القواعد الفقهية: 207، المدخل الفقهي العام: 2/981.

    [61] - المدخل الفقهي العام: 2/981-982.

    [62] - شرح القواعد الفقهية: 209.

    [63] - ذكر الشاطبي – رحمه الله – أن كون الشارع قاصداً للمحافظة على القواعد الثلاث الضرورية والحاجة والتحسينية لا بد عليه من دليل يستند إليه ... وإنما الدليل على هذه المسالة هو روح المسالة، وهذه القواعد الثلاثة لا يرتاب في ثبوتها شرعاً أحد ممن ينتمي على الاجتهاد من أهل الشرع، وإن عدها مقصود للشارع، ودليل ذلك استقراء الشريعة والنظر في أدلتها الكلية والجزئية، وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص ....، انظر، الموافقات: 2/34.

    [64] - المد خل لدراسة الشريعة الإسلامية: 84.

    [65] - شرح القواعد الفقهية: 209.

    [66] - شرح القواعد الفقهية: 209-212.

    [67] - الأشباه والنظائر للسيوطي: 59.

    [68] - غمز عيون البصائر شرح الأشباه والنظائر: 1247.

    [69] - انظر الأشباه والنظائر، للسبكي: 5-6.

    [70] - التنظير الفقهي: 79.

    [71] - غمز عيون البصائر: 1/278.

    [72] - الأشباه والنظائر للسيوطي: 59-60.

    [73] - غمز عيون البصائر: 1/274.

    [74] - غمز عيون البصائر: 1/283.

    [75] - الأشباه والنظائر: 59-60.

    [76] - غمز عيون البصائر: 1/274.

    [77] - المصادر الأصلية والتبعية للشريعة الإسلامية: 46.

    [78] - التنظير الفقهي: 88.

    [79] - الأشباه والنظائر: 61.

    [80] - المصدر نفسه: 60، وعند ذكر القاعدة الثانية جاءت بلفظ: "ما أبيح للضرورة يقدر تعذرها"، كما هو منقول عن السيوطي في مظان أخرى، والظاهر أنه خطأ في الطباعة، ممن أوردها بلفظ: "تقدر بقدرها"، أبو الفيض محمد ياسين بن عيسى الفاداني المكي، الفوائد الجنية حاشية المواهب السنية شرح الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية: 1/271.

    [81] - الأشباه والنظائر: 61.

    [82] - المصدر نفسه: 61.

    [83] - المصدر نفسه: 62.

    [84] - غمز عيون البصائر: 1/275.

    [85] - المصدر نفسه: 1/ 276.

    [86] - المصدر نفسه: 1/ 278.

    [87] - المصدر نفسه: 1/280.

    [88] - المصدر نفسه: 1/282.

    [89] - المصدر نفسه: 1/286.

    [90] - المصدر نفسه: 1/293.

    [91] - الأشباه والنظائر: 60.

    [92] - غمز عيون البصائر: 1/274-275.

    [93] - المصدر نفسه: 1/276.

    [94] - الأشباه والنظائر: 60.

    [95] - الأشباه والنظائر: 61.

    [96] - في الحقيقة لم أفهم ما يقصده السيوطي من لفظه الأجنبي، وما موقعها هنا.

    [97] - الأشباه والنظائر: 60-61.

    [98] - التنظير الفقهي: 9.

    [99] - أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان ابن تيمية، دمشق: 12-16 من شوال 1380هـ، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، الموضوع الأول: التعسف في استعمال الحق تعبير يستعمله الآن القانونيون في من يتجاوز الاستعمال الشرعي لحقه إلى الإضرار بالغير، ولعل تعبير الشرعي المأثور الذي يقابله هو المضارة في الحقوق.

    [100] - الموافقات، تعليق، محمد الحضر حسين: 2/241-253.

    *أستاذة الفقه وأصوله المشارك في جامعة الملك فيصل بالأحساء.







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •