المبتدعة يُسيئون إلى أهل السنة في القديم والحديث:
من الأساليب التي استعملها أهل البدع والضلال في القديم والحديث لجذب الناس إليهم، وتحبيبهم لما هم عليه من البدع، وصرفهم وتنفيرهم عن معتقد أهل السنة والجماعة، هو تشنيعهم على أهل السنة بأشياء ينفر عنها كثير من الناس، ومن ذلك تسميتهم للأشياء بغير اسمها؛ لاسيما في باب توحيد الأسماء والصفات، فسموا إثبات صفات الكمال لله تشبيهًا وتجسيمًا وتمثيلًا، وسموا إثبات الوجه واليدين له تركيبًا، وسموا إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته تحيزًا وتجسيمًا، وسموا العرش حيزًا وجهه، وسموا الصفات أعراضًا، والأفعال حوادث، والوجه واليدين أبعاضًا، والحكم والغايات التي تفعل لأجلها أغراضًا، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة، تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوه، فقالوا للجهلة وضعفاء العقول: اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض والأغراض والأبعاض، والجهات والتركيب، والتجسيم والتشبيه، فصدقهم كل من كان في قلبه وقارٌ وعظمةٌ لله تعالى من أولئك الجهلة والمغفلين، وذلك تنزيهًا لربه -عز وجل. ولما أراد أهل التأويل والتعطيل أن يتموا غرضهم من التنفير عن الحق، والمعتقد السليم الذي كان عليه السلف الصالح، اخترعوا أسماءً وألقابًا قبيحةً لأهل السنة والجماعة، وذلك زورًا وبهتانًا من عند أنفسهم.
يقول الإمام أحمد: "وقد أحدث أهل الأهواء والبدع والخلاف أسماء شنيعة قبيحة، يسمون بها أهل السنة، يريدون بذلك الطعن عليهم، والإزراء بهم عند السفهاء والجهال".
فكل فرقة أو طائفة مخالفة لأهل السنة والجماعة، تذكرهم بلقب أو أكثر، وربما اتفقت طائفتان أو أكثر على نبز أهل السنة ببعض الألقاب، حتى أصبح من أبرز علامات أهل البدع، وأظهر ما يميزهم هو الوقيعة في أهل السنة، قال ابن أبي حاتم -رحمه الله-: "وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر".
فالجهمية تسمى أهل السنة: مشبهة، ونقصانية، ومخالفة، وشكاك.والمعتزلة تسميهم: مشبهة، وحشوية، ونابته أو نوابت ومجبرة.
والقدرية تسميهم: مجبرة.
والرافضة تسميهم: ناصبة أو نواصب، وعامة، وجمهور، ومشبهة، وحشوية.
والخوارج تسميهم: حشوية، ونابتة أو نوابت.والأشاعرة والماتريدية وعامة المتكلمين يسمونهم: مشبهة، ومجسمة، وحشوية، ونوابت، وغثاء، وغثراء.
يقول ابن القيم -رحمه الله- في نونيته:
ومن العجائب أنهم قالوا لمن *** قد دان بالآثار والقرآن
أنتم بذا مثل الخوارج إنهم *** أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعان
فانظر إلى ذل البهت هذا وصفهم *** نسبوا إليه شيعة الإيمان
سلوا على سنن الرسول وحزبه *** سيفين سيف يد وسيف لسان
وقال في موضع آخر:
ومن العجائب قولهم لمن اقتدى *** بالوحي من أثر ومن قرآن
حشوية يعنون حشوًا في الوجود *** وفضله في أمة الإنسانكم ذا
مشبهة مجسمة نوابته *** مسبة جاهل فنان
أسماء سميتم بها أهل الحديث *** وناصري القرآن والإيمان
سميتموهم أنتم وشيوخكم *** بهتا بها من غير ما سلطان
وجعلتموها سبة لتنفروا *** عنهم كفعل الساحر الشيطان
ثم رد على هؤلاء المبتدعة بقوله:
هذا وثم لطيفة أخرى بها *** سلوان من قد سب بالبهتان
تجد المعطل لاعنًا لمجسم *** ومشبه الله بالإنسان
والله يصرف ذاك عن أهل الهدى *** كمحمد ومذمم اسمان
هم يشتمون مذممً ومحمد *** عن شتمهم في معزل وصيان
صان الإله محمدًا عن شتمهم *** في اللفظ والمعنى هما صنوان
كصيانة الأتباع عن شتم المعطل *** للمشبه هكذا الإرثان
والسب مرجعه عليهم إذ هم *** أهل لكل مذمة وهوان
وكذا المعطل يلعن اسم مشبه *** واسم الموحد في حمى الرحمن
والمخالفون لأهل السنة والجماعة يخترعون لهم في كل عصر اسمًا أو لقبًا أو نبزًا أو نسبة. ومن ذلك نسبتهم إياهم إلى الرجال من الأئمة والمصلحين والمجددين. وذلك من باب التنقص والإزراء عليهم وتنفير الناس عنهم وعن دعوتهم وعقيدتهم ومنهجهم.ومن ذلك نسبتهم إياهم إلى الإمام أحمد بن حنبل في العصور المتقدمة، ونسبتهم إياهم إلى المجدد والمصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العصور المتأخرة.وهذا لا يضير أهل السنة والجماعة؛ لأنهم لا يدعونه لأنفسهم ولا يضرونه، ولأن ذلك لا يغير من حقيقة نسبتهم الربانية شيئًا.وقد عد العلماء وقوع هذا الأمر وهو نبز أهل الأهواء والبدع لأهل السنة والجماعة بالألقاب الشنيعة، من علامات الإرث الصحيح، والمتابعة التامة، فإن مشركي مكة الذين كذبوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعرضوا عن الهدى والنور الذي جاء به، كانوا يسمون النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسماء قبيحة.
فتارة كانوا يسمونه مجنونًا، وتارة ساحرًا، وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا، وهو بأبي وأمي -صلى الله عليه وسلم- كان بريئًا من هذه الأسماء والألقاب، ولكنها -رحمه الله تعالى- حيث صرف مسبتهم له ودعاءهم عليه، وذلك أنهم كانوا يسبون مذممًا، ويدعون عليه، واسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد فحمى الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- من أن يناله شيء من أذاهم وشرهم.
وفي الحقيقة لقد كانوا هم أولى الناس بهذه الأوصاف والأسماء والألقاب.
ولم يسلمه أتباعه -صلى الله عليه وسلم- من بعده من هذه المسبة والافتراء والبهتان، فكل من سار على هديه واستن بسنته نال نصيبا من الرمي بالباطل، والاتهام بشتى التهم والألقاب الشنيعة، من اتباع أهل الباطل والأهواء، ويصرف الله الأذى عن اتباع نبيه -صلى الله عليه وسلم- ويحميهم من كل تهمة باطلة، وافتراء جائر، ولقب قبيح.
فأهل السنة ليس لهم إلا اسم واحد، وهذه الأوصاف لا تنطبق عليهم، لا من قريب ولا من بعيد، وإنما هي أوصاف مخالفيهم من أهل الفرقة والأهواء، وقديما قيل: "رمتني بدائها وانسلت".
فكل من نبز أهل السنة باسم أو لقب باطل، فهو أحق به وأولى".
وقد قام الكثير من علماء أهل السنة ببيان بطلان ما نسب إليهم من الافتراء والكذب، والألقاب والأوصاف التي لا تليق بهم.
وصنف في ذلك أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا سماه: "تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة"، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب.
ولقد غلا بعض المبتدعة في هذا الباب، ومن ذلك أن غالب المعتزلة يطلقون لقب "المشبهة" على عامة أئمة أهل السنة، مثل مالك "ت179ه" وأصحابه، وأحمد "ت241هـ" وأصحابه، والشافعي "ت204هـ" وأصحابه، والثوري "ت161هـ" وأصحابه، والأوزاعي "ت157" وأصحابه، وإسحاق بن راهويه "ت238هـ" وأصحابه، وأبي عبيد "ت224هـ" وغيرهم.ومن ذلك أن الجهمية المعطلة، شبهوا أهل السنة والجماعة باليهود والنصارى، لإثبات أهل السنة الأسماء والصفات، ولقولهم بأن القرآن غير مخلوق.
بل إن بعض أهل البدع تجرأ على الأنبياء، عليهم -صلوات الله وسلامه- ورماهم بالتشبيه، كثمامة بن الأشرس الجهمي، حيث قال: "ثلاثة من الأنبياء مشبهة، موسى حيث قال: "{إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ}. سورة الأعراف، الآية: 155. وعيسى، حيث قال: "ينزل ربنا".
ثم نجد كذلك من المعتزلة من نبز الصحابة -رضوان الله عليهم- بالألقاب الشنيعة التي نبز بها عامة أهل السنة، كما فعل عمرو بن عبيد حيث قال: كان عبد الله بن عمر حشويًّا، فإذا تطاول أهل البدع والفرقة والضلال على الأنبياء، -عليهم السلام- وعلى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنبزوهم بالألقاب والأسماء الشنيعة، فأتباع الأنبياء أهل السنة والجماعة من باب أولى أن ينالهم من ذلك الأذى والسباب والطعن من مخالفيهم من أهل البدع، ولهم في من سبق قدوة في الرد على من اتهمهم بالباطل فقالوا {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
والسبب الرئيس لطعن أهل الأهواء والبدع في أهل السنة والجماعة هو محض الجهل والهوى. فإن جهلهم بعقائد أهل السنة والجماعة، وعدم فهمهم لها فهمًا صحيحًا، نتيجة الاختلاف في مصدر التلقي ومنهجه، مع وجود الهوى والتعصب، كان دافعًا وباعثًا لهم لشتم أهل السنة والجماعة، ونبزهم بالألقاب الشنيعة، بل وصل الأمر إلى أن كفروهم.وقد ذكر ابن القيم بأن الله سيحمي أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما حماه هو من إيذاء المشركين، فكانوا يسبون مذممًا -واسم الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- وهكذا هؤلاء القوم يشتمون أتباعه، وينسبون إليهم التشبيه والتجسيم وغير ذلك، ويسبون المجسم والمشبه، والسلف ليسوا مجسمة، ولا مشبهة، فسبهم وشتمهم راجع عليهم.وهذا الموقف بخلاف موقف أهل السنة والجماعة من مخالفيهم.
<span lang="AR-SA" style="font-size: 18pt; font-family: &quot;Traditional Arabic&quot;;">https://sites.google.com/site/alqydt...hl-snnh-wlhdth