في ذكرى سيربرينتشا ..البلقان من مظلة الإسلام إلى برميل البارود و سيعود إلى الإسلام
حمود محمدطه الحسني





بعدما اتسع نفوذ الدولة العثمانية في بدايات القرن الخامس عشر الميلادي وتمكنت من فتح صربيا عام 1439 و ألبانيا وسالونيكا في عام 1340 , ثم الفتح الأكبر للقسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية ثم فتح البوسنة عام 1364 م .
فالبلقان" الذي يضم ست دول هي ألبانيا و اليونان ورومانيا و بلغاريا
إضافة ليوغسلافيا التي انقسمت إلى ستة أجزاء هي : "البوسنة والهرسك" و "كرواتيا" و "صربيا" ومعها "الجبل الأسود" "سلوفينيا" و "مقدونيا" و "إقليم كوسوفا"
البلقان المسلم كان محط أنظار الإمبراطوريات الكاذبة بين الشرق والغرب الأوربي
التي لا ترى لنداء الإسلام أحقية في المقام بين جوانبها , وبدأت محاربته باعتباره دينًا وافدًا عليهم حرك النفوس النصرانية على اختلاف مذاهبها ضدهم وكذلك يهود أوروبا , ونسيت أوروبا أن النصرانية واليهودية وافدتان عليهما من المنطقة الشرق أوسطية أيضًا !

العباءة الإسلامية التي ارتدتها معظم شبه الجزيرة البلقانية جعلتها طُعمًا أمام صغار الطغاة وكبارهم ففي الوقت الذي اشتدت فيه الحرب الروسية العثمانية وتضييق الحصار على النفوذ العثماني بالشرق والجنوب الأوروبي , أخذ أعوان الروس من الصرب والبلغار والقوزاق في تنفيذ خطط الإبادة والنزوح والتهجير للقوميات التركية والقفقاسية والبلقانية من المسلمين .
ومن حينها إلى الآن كانت بلغاريا وصربيا هم أشد أعوان روسيا في تنفيذ تلك المهمات , ففي بلغاريا في نهاية القرن التاسع عشر اضطهدت أجهزتها الحكومية بمساعدات روسيا المسلمين والأتراك وتم تقسيمها إلى بلغاريا وروميليا الشرقية .
وتم التعامل معهم بوحشية منظمة , على سبيل المثال : أجبر المسلمون في روميليا الشرقية على الالتحاق بالميليشيا وارتداء بزّاتها العسكرية التي تحمل شارات على شكل صلبان مسيحية . كما أبلغهم المسؤولون المحلّيون بأن على النساء المسلمات أن يرتدين زيّ النساء البلغاريات , أي : من دون الغطاء الإسلامي النموذجي !

و من هنا كانت بداية الاعتداء على الدين الإسلامي , وأضيفت إلى هذه الضغوط النفسية تهديدات أخرى عاشها المسلمون حيث لم يسمح للمسلمين الأتراك حمل أسلحة حماية شخصية بينما جرى تزويد البلغار بالمسدسات وكانت تطلق طلقات تحذيرية في البلقان جميعه من الفجر حتى آخر الليل وخاصة في المناطق التي يقطنها الأتراك , واعترف الروس أن الغاية منها إجبار الأتراك على النزوح !


وكان المسؤولون الروس ينكرون معرفتهم بأي مذابح تحدث في البلقان بشأن المسلمين الأتراك حتى في الوقت الذي كانوا يرسلون فيه مفرزة دفن خاصة سرية لتحفر قبورًا مخفية بتكتّم للاجئين أتراك مقتولين !

ومن جهة أخرى , وحشية الأرمـــن اتجاه المسلمين عقب الحرب العالمية الأولى , حيث وفقًا لإحصائية سذرلاند في عام 1919 م : أنه بلغت عدد منازل المسلمين في إحدى قرى البلقان قبل الحرب 3400 وبعدها وصلت لــ ثلاثة منازل , ومنازل الأرمن كانت قبل الحرب 3100 وبعدها 1170 , ثم يصرخون ويمثلون دور الضحية إلى الآن .
وكانت النتيجة بالبلقان عقب تلك الإبادات والجرائم الوحشية , بلدًا مدمرًا كان يحتوي على ربع عدد سكانه السابقين , وثمن مبانيه السابقة !
إن قائمة القرى المسلمة التي دمرها الأرمن في الأشهر الأخيرة للحرب العالمية الأولى طويلة تمامًا كقائمة الذين قتلهم الأرمن !
واتسع مربع الضحايا بجوانبه من البلقان والقرم والقفقاس والأناضول ليفقد أكثر من خمسة ملايين مسلم في أقل من ربع قرن , فإن وُزعت الاتهامات وأجريت التحقيقات وملئت مسودات المجتمع الدولي بالعقوبات الرادعة لن تكفي لتعوض تلك البلدان المسلمة عن ضحاياها !

و ما أن انتهت قوى المحور من تأمين مدن البلقان الكبرى وخطوط الاتصال في نيسان 1941 حتى نفذت أوامر هتلر بخصوص أملاكها الجديدة , وقُسمت يوغسلافيا الملكية إلى كيانات سياسية عديدة بإشراف المحور .
فدُمجت كرواتيا والبوسنة والهرسك في " دولة كرواتيا المستقلة " ولكن هذا الكيان لم يكن دولة بمعنى الكلمة كما لم يكن مستقلاً بكل تأكيد , إذ قسمتها دول المحور إلى مناطق احتلال ألمانية وأخرى إيطالية ومعظم مدن البوسنة كانت داخل المنطقة الألمانية في حين كانت موستار تحت الاحتلال البريطاني , وحينها نشأ نظام " الأوستاشي " بزعامة الأوستاشي الكرواتي " أنتي بافليتش " واتبع الأوستاشي استراتيجية ثلاثية اتجاه الصرب واليهود والغجر ؛ لتحويل الصرب للمذهب الكاثوليكي , ونتيجة لذلك أثارت الرغبة لدى الصرب في الانتقام , فقامت وحدات " التشتنك " الصربية بذبح الكثير من المواطنين الكراوت والمسلمين وغيرهم ممن شكت في ولائهم للأوستاشي , في حين أن الأوستاشي لم يتعرضوا للمسلمين البوسنيين ولم يجبروهم على الخروج من الإسلام واعتناق مذهبهم واكتفوا بقبولهم ككــروات .
ومرحلة تالية من العقوبات العنصرية اتجاه مسلمي البلقان من جانب الصرب ومعاونيهم ما حدث تحت حكم الحزب الشيوعي اليوغسلافي بزعامة يوسيب تيتو الذي استعار الكثير من سياسات ستالين ونموذج القومية السوفيتية , فقد جمع بين فكرتي تقرير المصير القومي الكامل لقوميات يوغسلافيا وتنظيم الحزب المركزي القوي , وبدأ تعسف تيتو اتجاه المسلمين حينما حدد القوميات التي يمكن رسم حدودها الإقليمية وكانت خمس قوميات هم الصرب والكروات والسلوفينين والمقدونيي والجبل الأسود , مكتفيًا تيتو بنداءات ووعود خاوية لأهل البوسنة والهرسك المسلمين .
ومن بدايات عام 1910 سمحت الحكومات النمساوية للبوسنيين المشاركة في الأحزاب السياسية على أسس قومية وعرقية , حتى بدايات عام 1992 ومحاولات كلا من المعسكر الصربي والكرواتي تحقيق السيادة الديمجرافية من خلال طرد المسلمين .
وجاءت فترة الانحدار إلى الحرب في العهد اليوغسلافي في التسعينات وذلك على خلفية تطورات خارجية و تغيير الجيش اليوغسلافي مهمته في النصف الأخير من سنة 1991 بتحوله من مدافع عن المثل اليوغسلافية إلى عميل للقومية الصربية الكبرى , وحرب كرواتيا 91 الذين كانوا يأملون في الحفاظ على وجود دولة بوسنية متعددة الأعراق .

وكانت للحرب الكرواتية أثر على البوسنة من ناحية استخدام الصرب لجمهورية كرايينا والقوات الكرواتية التابعة لوزارة الداخلية الغارات الحدودية لتعزيز مطالبهم القومية في البوسنة , واستخدام جيش الشعب اليوغسلافي البوسنة كمنطقة تجمع لدعم جهود الحرب الكرواتية , وجاء نيسان 1991 ليعاقب البوسنة مرة أخرى من خلال المناورات الكرواتية على أرض البوسنة ضد الصرب , وكانت تحركات جيش الشعب استعدادًا للحرب في البوسنة نفسها .
وخلال سنوات الحرب الباردة كان الدعم الغربي والأمريكي ليوغسلافيا من أجل الاستقلال لمواجهة أي غزو سوفيتي واستمر الدعم لكل من كرواتيا والصرب وظل الأمر متأزم بشأن البوسنة وعرقلوا استقلالها إرضاء لصرب البوسنة .
فالمحرك الأساسي لحرب البوسنة في أوائل 1992 لم يكن وراءه الدبلوماسيون الغربيون فقط , وإنما أيضًا تلك القوى المؤثرة داخل البوسنة نفسها , ففي الوقت الذي أصبح فيه الاعتراف بالبوسنة قضية مثارة في الغرب الأوربي , كانت قوات الجيش اليوغسلافي في الريف البوسني على أهبة الاستعداد لإستثارة المقاتلين الصرب وتقطيع أوصال البوسنة .
وفي السادس والعشرين من نيسان 1992 أعلنت فيه الجماعة الأوربية الاعتراف باستقلال البوسنة فأمطر القناصة الصرب الرصاص من أعلى فندق هوليداي بسراييفوا المتظاهرين المسالمين ولقي ما يزيد عن 1300 شخص مصرعهم !
وجاءت مرحلة تقسيم البوسنة وما جاورها إلى نظام " كانتونات " وكان المسلمون يرون ذلك تمهيدًا لصرب البوسنة كي يثيروا المشاكل فيما بعد وينضموا لجمهورية صربية والكروات إلى كرواتيا ولا يبقى للمسلمين البوسنيين سوى شريط ضيق من الأرض بينهما وهذا يجعل تدخل الدولتين خطرًا دائمًا في البوسنة .

وهذا ما حدث فخرجت مؤسسة الجماعة الإسلامية في البوسنة من حرب 1992-1995 وقد خسرت عددًا كبيرًا من مؤوسساتها ورجالها ووفقًا للإحصاءات التي تقدمها رئاسة علماء الجماعة الإسلامية في البوسنة تدمر ما يقرب من 650 جامعًا ودور حفظ القرآن الكريم، في حين حصل تخريب جزئي أو كلي لما يقرب من 530 جامعًا ودار حفظ للقرآن الكريم وعقارات أخرى تابعة للجماعة الإسلامية في البوسنة .
وتبعًا لنفس المصدر فإن 80% من المساجد والعقارات المدمّرة التابعة للجماعة الإسلامية كان الفاعلون فيها من القوات الصرب، وباقي الـ20% من تلك المساجد والعقارات دُمّرت على أيدي القوات الكرواتية .
فكما كانت روسيا تمد العصابات الصربية والبلغارية والمرتزقة للتخلص من المسلمين بالبلقان , فها هي تكمل الدور اليوم بوجه أكثر تجملاً , تقف خلفهم وتحرك المياه الراكدة على جوانبه لتثار مشكلات الاستقلال من جديد وتعثر مشروعاته أو تربطها بها آملة في تحقيق أطماعها الاستراتيجية والعسكرية بالقرب من المياه الدافئة على البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه والبحر الأدرياتيكي وكذلك مضيق الدردنيل .
روسيا تُجيد التكرار سواء الأخطاء أو أمورها الصائبة , فإثارتها للعقبات بالقوقاز الجنوبي والغربي لا تكفيها , فالدور الدولي الذي لعبته قبيل الحرب الباردة يراودها مرة ثانية من خلال الشرق البلقاني .
فإن كانت حالة الفوضى تُزعج أكثر من عشرة ملايين مسلم بالبلقان ؛ لأنها تُذكرهم بحروب التسعينات , فهي وجبة شهية لروسيا في سبيل إزعاج الغرب الأوروبي وإظهار فشله على المستوى الأمني والسياسي !
البلقان اليوم بحاجة لمفكرين وقادة يضيفون أوسمة إلى الخزينة البوسنية بعد رحيل قائدها وزعيمها علي عزت بيجوفيتش رحمه ..

اليوم الذكرى 23 لمذبحة سربرينيتسا في البوسنة و الهرسك على يد الصرب و بدعم من الكروات .
كان ذلك في11 يوليو 1995 وراح ضحيتها حوالي 8 آلاف شخص من المسلمين ..

* أطلق الإنجليز الخبثاء على البلقان برميل البارود بعد ان تآمر عليه الجميع
نقول لهم البلقان سيعود إلى خارطة الإسلام إن شاء الله
و لكن بعد أن ينقذنا الله من الحكام الذين زرعتموهم على رؤوسنا و يرزقنا الله بحكام ربانيين ..

أخي المسلم - لك حق النسخ دائما من أجل ان تعم الفائدة