تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: مفتاح العبودية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي مفتاح العبودية

    كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله، هي الكلمة التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وبها أمر الله جميع العباد، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، ومفتاح عبوديته، التي دعا الأمم على ألسن رسله إليها، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وأساس الفرض والسنة؛ فإذا عرفت هذا، فاعلم:- أن لا إله إلا الله، لا تنفع قائلها، إلا بعد معرفة معناها، والعمل بمقتضاها، وأنها لا تنفعه إلا بعد الصدق، والإخلاص، واليقين؛ لأن كثيراً ممن يقولها، في الدرك الأسفل من النار.
    فلابد في شهادة: ألا إله إلا الله، من اعتقاد بالجنان، ونطق باللسان، وعمل بالأركان؛ فإن اختل نوع من هذه الأنواع، لم يكن الرجل مسلماً؛فإذا كان الرجل مسلماً، وعاملاً بالأركان، ثم حدث منه قول، أو فعل، أو اعتقاد،يناقض ذلك، لم ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ وأدلة ذلك في الكتاب والسنة، وكلام أئمة الإسلام، أكثر من أن تحصر.
    وقد أخرج البخاري في صحيحه، بسنده عن قتادة، قال
    حدثنا: أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ، رضي الله عنه، رديفه على الرحل – قال: " يا معاذ " قال: لبيك يا رسول الله، وسعديك، قال: " يا معاذ " قال لبيك يا رسول الله وسعديك، ثلاثاً، قال: " ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، صدقاً من قلبه، إلا حرم الله تعالى عليه النار " قال: يا رسول الله، أفلا أخبر الناس فيستبشروا ؟ قال: " إذا يتكلوا " فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً.

    قال شيخ الإسلام، وغيره، في هذا الحديث، ونحوه: أنه فيمن قالها، ومات عليها، كما جاءت مقيدة، لقوله: " خالصاً من قلبه " غير شاك فيها، بصدق ويقين، فإن حقيقة التوحيد: انجذاب الروح إلى الله تعالى جملة؛ فمن شهد: أن لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، دخل الجنة؛ لأن الإخلاص، هو انجذاب القلب إلى الله تعالى، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحاً، فإذا مات على تلك الحالة نال ذلك.
    فإنه قد تواترت الأحاديث: بأنه يخرج من النار، من قال لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، وما يزن خردلة، وما يزن ذرة، وتواترت: بأن كثيراً ممن يقول لا إله إلا الله، يدخل النار، ثم يخرج منها؛ وتواترت: بأن الله حرم على النار، أن تأكل أثر السجود من ابن آدم؛ فهؤلاء كانوا يصلون، ويسجدون لله؛ وتواترت: بأنه يحرم على النار من قال، لا إله إلا الله، وشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً
    رسول الله، لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال وأكثر من يقولها، لا يعرف الإخلاص؛ وأكثر من يقولها، تقليداً وعادة، ولم يخالط الإيمان بشاشة قلبه؛ وغالب من يفتن عند الموت، وفي القبور، أمثال هؤلاء، كما في الحديث " سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته " وغالب أعمال هؤلاء، إنما هو تقليد واقتداء بأمثالهم، وهم من أقرب الناس، من قوله تعالى: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)
    وحينئذ: فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص، ويقين تام، لم يكن في هذا الحال مصراً على ذنب أصلاً؛ فإن كمال إخلاصه ويقينه، يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء، فإذاً لا يبقى في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت ذنوب قبل ذلك، فإن هذا الإيمان، وهذا الإخلاص، وهذه التوبة، وهذه المحبة، وهذا اليقين:لا تترك له ذنباً إلا محي عنه، كما يمحوا الليل النهار.
    فإذا قالها على وجه الكمال، المانع من الشرك الأكبر، والأصغر، فهذا غير مصر على ذنب أصلاً، فيغفر له، ويحرم على النار،وإن قالها على وجه، خلص به من الشرك الأكبر، دون الأصغر، ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك، فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات، فيرجح بها ميزان الحسنات، كما في حديث البطاقة، فيحرم على النار، ولكن تنقص درجته في الجنة، بقدر ذنوبه -وهذا بخلاف من رجحت سيئاته بحسناته، ومات مصراً على ذلك، فإنه يستوجب النار، وإن قال لا إله إلا الله، وخلص بها من الشرك الأكبر، لكنه لم يمت على ذلك، بل أتى بعدها بسيئات، رجحت على حسنة توحيده؛ فإنه في حال قولها كان مخلصاً، لكنه أتى بذنوب أوهنت لك التوحيد والإخلاص، فأضعفته، وقويت نار الذنوب حتى أحرقت ذلك، بخلاف المخلص المستيقن، فإن حسناته لا تكون إلا راجحة على سيئاته، ولا يكون مصراً على سيئات، فإن مات على ذلك دخل الجنة.
    وإنما يخاف على المخلص: أن يأتى بسيئة راجحة،فيضعف إيمانه، فلا يقولها بإخلاص ويقين مانع من جميع السيئات، ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر، بقى معه من الأصغر، فيضيف إلى ذلك سيئات تنضم إلى هذا الشرك، فيرجح جانب السيئات؛ فإن السيئات: تضعف الإيمان واليقين، فيضعف قول لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص بالقلب، فيصير المتكلم بها كالهاذى، أو النائم، أو من يحسن صوته بآية من القرآن، من غير ذوق طعم وحلاوة.
    فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين، بل يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك، بل يقولونها من غير يقين وصدق، ويموتون على ذلك، ولهم سيئات كثيرة، تمنعهم من دخول الجنة، فإذا كثرت الذنوب، ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل وكره مخالطة أهل الحق.
    فمثل هذا:إذا قالها، قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله، قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلى، ولا بالتمنى، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال؛ فمن قال خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه؛وقال أبو بكر بن عبد الله المزنى: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام، ولا صلاة، ولكن بشئ وقر في قلبه.
    فمن قال لا إله إلا الله، ولم يقم بموجبها، بل اكتسب مع ذلك ذنوباً، وكان صادقاً في قولها، موقناً بها، لكن له ذنوب أضعفت صدقه ويقينه، وانضاف إلى ذلك الشرك الأصغر العملى، فرجحت هذه السيئات، على هذه الحسنة، ومات مصراً على الذنوب،بخلاف من يقولها، بيقين، وصدق ثابت، فإنه لا يموت مصراً على الذنوب؛ إما: إلا يكون مصراً على سيئة أصلاً؛ أو يكون توحيده، المتضمن لصدقه ويقينه، رجح حسناته.
    والذي يدخل النار، ممن يقولها؛ إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام، المنافيين للسيئات، أو لرجحانها، أو قالوها، واكتسبوا بعد ذلك سيئات، رجحت على حسناتهم، ثم ضعف لذلك صدقهم ويقينهم، ثم لم يقولها بعد ذلك، بصدق ويقين تام، لأن الذنوب قد أضعفت ذلك الصدق، واليقين من قلوبهم، فقولها من مثل هؤلاء: لا يقوى على محو السيآت، فترجح سيآتهم على حسناتهم، انتهى ملخصاً.
    وقال الوزير، أبو المظفر، في الإفصاح:قوله " شهادة أن لا إله إلا الله " يقتضى: أن يكون الشاهد عالماًُ بلا إله إلا الله، كما قال تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) قال: واسم (الله) مرتفع بعد (إلا) من حيث أنه الواجب له الإلهية، فلا يستحقها غيره سبحانه، قال:وجملة الفائدة في ذلك، أن تعلم أن هذه الكلمة: مشتملة على الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله، فإنك لما نفيت الإلهية، وأثبت الإيجاب لله سبحانه، كنت ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
    وقال في: البدائع،رداً لقول من قال: إن المستثنى مخرج من المنفي، قال بل هو مخرج من النفي وحكمه، فلا يكون داخلاً في المنفي، إذ لو كان كذلك، لم يدخل الرجل في الإسلام، بقوله: " لا إله إلا الله " لأنه لم يثبت الإلهية لله تعالى، وهذه أعظم كلمة: تضمنت لنفي الإلهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها له بوصف الاختصاص؛ فدلالتها على إثبات الإلهية: أعظم من دلالة، قولنا: الله إله؛ ولا يستريب أحد في هذا البتة، انتهى بمعناه.
    وقال: أبو عبد الله القرطبى، في تفسير، "
    لا إله إلا الله " أى: لا معبود إلا هو، وقال الزمخشرى: الإله: من أسماء الأجناس، كالرجل، والفرس، يقع على كل معبود بحق، أو باطل، ثم غلب على المعبود بحق.
    قال شيخ الإسلام:
    الإله، هو المعبود المطاع؛ فإن الإله، هو المألوه؛ والمألوه، هو الذي يستحق أن يعبد؛ وكونه يستحق أن يعبد، هو بما اتصف به من الصفات، التى تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع؛ قال: فإن الإله، هو المحبوب، المعبود، الذي تألهه القلوب بحبها، وتخضع له، وتذل له، وتخافه وترجوه، وتنيب إليه في شدائدها، وتدعوه في مهماتها؛ وتتوكل عليه في مصالحها، وتلجأ إليه، وتطمئن بذكره، وتسكن إلى حبه، وليس ذلك إلا لله وحده.
    ولهذا: كانت " لا إله إلا الله " أصدق الكلام، وكان أهلها أهل الله وحزبه،
    والمنكرون لها أعداؤه وأهل غضبه ونقمته، فإذا صحت صح بها كل مسألة وحال، وذوق،فإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله.
    وقال ابن القيم: الإله الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً، وإنابة وإكراماً وتعظيماً، وذلاً وخضوعاً وخوفاً ورجاء، وتوكلاً.
    وقال ابن رجب: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاء، وتوكلا عليه وسؤالاً منه، ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عزَّ وجلَّ؛ فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التى هى من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
    وقال البقاعى:
    لا إله إلا الله، أى انتفى انتفاء عظيماً أن يكون معبوداً بحق غير الملك الأعظم، فإن هذا العلم هو أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، وإنما يكون علماً إذا كان نافعاً، وإنما يكون نافعاً إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، وإلا فهو جهل صرف.
    وقال الطيبي: الإله فعال بمعنى مفعول، كالكتاب بمعنى المكتوب، من أله إلهة، أى: عبد عبادة؛ قال: الشارح،
    وهذا كثير في كلام العلماء، وإجماع منهم؛ فدلت: " لا إله إلا الله " على نفى الإلهية، عن كل ما سوى الله تعالى، كائنا من كان، وإثبات الإلهية لله وحده، دون كل ما سواه؛ وهذا هو التوحيد، الذي دعت إليه الرسل، ودل عليه القرآن، من أوله إلى آخره، كما قال تعالى عن الجن: (قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا) [الجن: 1، 2].
    فلا إله إلا الله، لا تنفع إلا من عرف مدلولها، نفياً وإثباتاً، واعتقد ذلك، وقبله، وعمل به
    ؛ وأما من قالها، من غير علم، واعتقاد، وعمل فقد تقدم في كلام العلماء: أن هذا جهل صرف، فهى حجة عليه بلا ريب، فقوله في الحديث: " وحده لا شريك له " أكيد، وبيان لمضمون معناها؛ وقد أوضح عن ذلك وبينه، في قصص الأنبياء والمرسلين، في كتابه المبين.
    فما أجهل عباد القبور بحالهم،
    وما أعظم ما وقعوا فيه من الشرك، المنافى لكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله؛ فإن مشركى، العرب، ونحوهم، جحدوا:لا إله إلا الله، لفظاً، ومعنى،وهؤلاء المشركون، أقروا بها، لفظاً، وجحدوها معنى، كالحب، والتعظيم، والخوف، والرجاء، والتوكل، والدعاء، وغير ذلك، من أنواع لعبادة.
    بل زاد شركهم، على شرك العرب، بمراتب؛ فإن أحدهم إذا وقع في شدة، أخلص الدعاء لغير الله تعالى، ويعتقدون أنه أسرع فرجا لهم من الله، بخلاف حال المشركين الأولين، فإنهم يشركون في الرخاء، وأما في الشدائد، فإنهم يخلصون لله وحده، كما قال تعالى: (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)
    فبهذا:تبين أن مشركى هذه الأزمان، أجهل بالله، وبتوحيده، من مشركى العرب، ومن قبلهم؛ انتهى من فتح المجيد، فهذا بعض ما ذكره بعض العلماء، في معنى: لاإله إلا الله
    وفيه كفاية: (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) [الدرر السنية- الجزء الثانى - العقائد-رساله للشيخ سليمان بن سحمان]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    موضوع قيم ومفيد، جزاكم الله خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي رد: مفتاح العبودية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة

    قال ابن رجب: الإله هو الذي يطاع فلا يعصى، هيبة له وإجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاء، وتوكلا عليه وسؤالاً منه، ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عزَّ وجلَّ؛ فمن أشرك مخلوقاً في شئ من هذه الأمور التى هى من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول لا إله إلا الله، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك.
    في تيسير العزيز الحميد

    قال ابن رجب رحمه الله: - الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة، وخوفًا ورجاء، وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك.انتهى

    العبارة مشكلة . فكيف يوجه كلامه رحمه الله ؟



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مفتاح العبودية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    العبارة مشكلة . فكيف يوجه كلامه رحمه الله ؟

    بارك الله فيك - يوجه كلامه ببقية كلامه - والقاعدة عندنا ان العلماء الراسخين فى العلم لا يذكروا كلاما الا وفيه ما يزيل الاشكال ولكن قد يحصل الاشتباه فى بعض المواضع فيزال بموضِع آخر من كلامه- فى كلام الامام ابن رجب رحمه الله ما يزيل الاشكال ----------------قال بن رجب بعد الكلام السابق - ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجائه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله، والاعتماد عليه، وعلى من سوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد، وتفرد الله بالنفع والضر، كالطيرة، والرقى المكروهة، وإتيان الكهان، وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد، وكماله؛ ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم، ومن أتى حائضًا، أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة؛ ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع، قال الله تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه. قال: هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه، وقال قتادة: هو الذي كلما هوي شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع، ولا تقوى. وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع. ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش. فدل ذا على أن كل من أحب شيئًا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله، فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده، وإلهه. اهـ.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: مفتاح العبودية

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    قال ابن رجب رحمه الله: - الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة، وخوفًا ورجاء، وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك.انتهى

    العبارة مشكلة . فكيف يوجه كلامه رحمه الله ؟
    بارك الله فيك اخى الطيبونى---- يوجه اصحاب العذر بالجهل امثال هذه العبارات توجيها يخدم مذهبهم - فى دعواهم اجتماع الشرك الاكبر مع اصل التوحيد - ومن هؤلاء أحمد فريد صاحب كتاب العذر بالجهل عقيدة السلف والرد على بدعة التكفير - فبعد أن أكثر من طريقة اهل الزيغ فى الاستدلال بالمتشابه من الادلة ليوهم أتباعه أن الشرك الاكبر يجتمع مع اصل التوحيد - وهذا ما انتهجه فى الكتاب من أوله الى آخره - شبهات وتلبيس فقط - ومنها كلام الشوكانى رحمه الله فى السيل الجرار - اتى بكلام مشتبه ليوهم فيه اتباعه ان الشرك غير مؤثر فى نقض أصل التوحيد-- وسأنقل ما استدل به من كلام الشوكانى فى السيل الجرار - وسوف أُتْبِعُه إنْ شاء الله بالرد وكشف الوهم والتلبيس الذى ورثه عن داوود بن جرجيس- فهذا الكتاب يحتاج الى مجلد او اكثر للرد على جميع شبهاته ولكن نكشف بعون الله شبهه واحدة--يقول احمد فريد فى المبحث الاول وهو ما سماه خطورة الاسراع فى االتكفير ويقصد خطورة الاسراع فى تكفير المشركين قال -قال الشوكانى -ففى هذه الاحاديث الصحيحة وما ورد مواردها أعظم زاجر واكبر واعظ فى التسرع فى التكفير وقد قال تعالى ولكن من شرح بالكفر صدرا - فلابد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس اليه -(فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه) ا.هـ - الجواب على هذه الشبهه - فنقولكما سبق أن قلنا كثيراً- إنه يجب الرجوع إلى قول العلم أولاً وقراءته قراءة جيدة، وفهم ما قبله وما بعده لنعرف في أي موضوع يتحدث أصلاً، وعلى أي شيء يقصد أن الجهل قد وقع عليه؛ حتى لا نظلمه فنحمّله وزر ما لم يقل، ولا نظلم أنفسنا فنفهم غير المقصود بسوء التأويل وسرعة النظر.
    فإذا ما فعلنا هذا، علمنا أنه لا يتحدث هنا عن الكفر الأكبر الذي ينقل عن الملة، وإنما يتحدث عن أعمال المعاصي التي وردت السنة بإطلاق لفظ الكفر أو الشرك على فاعلها، والتي قد تكون شركاً أصغر أو شركاً أكبر بحسب حال قائلها ونيته ومقصده؛ ويتحدث أيضاً عن قضية تكفير المتأولين الناقل عن الملة، ولا فلا يشم مسلم في كفر صاحبه وخروجه عن الإسلام علم أم جهل. والدليل على ما نقول نسوقه من كلام المؤلف نفسه في السطور التي تسبق كلامه المذكور سابقاً والتي تليه.
    يقول المؤلف في الصفحة السابقة: (وأما قول بعض أهل العلم إن المتأول كالمرتد فههنا تسكب العبرات ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا بسنة ولا قرآن ولا بيان من الله ولا برهان، بل لما غلت مراجل العصبية في الدين وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين) ا.هـ. ثم يسوق المؤلف كلاماً كثيراً عن التحرز من تكفير المسلمين بتأويل أو رأي أو قول دون الرجوع إلى مستند من كتاب أو سنة أو إجماع، إلى أن يقول: (فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك.. إلى آخر النص المنقول آنفاً).ويقول بعدها: (فإن قلت: قد ورد في السنة ما يدل على كفر من حلف بغير ملة الإسلام، وورد في السنة المطهرة ما يدل على كفر من كفر مسلماً كما تقدم، وورد في السنة المطهرة إطلاق الكفر على من فعل فعلاً يخالف الشرع كما في حديث: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" ونحوه مما ورد مورده؛ وكل ذلك يفيد أن صدور شيء من هذه الأمور يوجب الكفر وإن لم يرد قائله أو فاعله به الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر. قلت: إذا ضاقت عليك سبل التأويل ولم تجد طريقاً تسلكها في مثل هذه الأحاديث، فعليك أن تقرها كما وردت، وتقول: من أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الكفر فهو كما قال) ا.هـ. فواضح تماماً أنه يتحدث عمن صدر منه قول أو فعل وصفته السنة المظهرة بأنه كفر أو شرك من باب التغليظ، وهو في حقيقته شرك أصغر يجب فيه الرجوع إلى نية صاحبه ومقصده قبل الحكم عليه بالكفر. وانظر مثلاً إلى قول المؤلف بعدها، حين بدأ يتحدث عن أنواع من الكفر الأكبر، وحكمه بردة فاعلها دونما تردد. يقول مثلاً: (لكون عمل السحر نوعاً من الكفر ففاعله مرتد يستحق ما يستحقه المرتد) ا.هـ. ثم سرد الخلاف في حد الساحر إلى أن قال: (أقول: لا شك أن من تعلم السحر بعد إسلامه كان بفعله كافراً مرتداً، وحده حد المرتد) ا.هـ. ويقول أيضاً: (والزنديق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ويعتقد بطلان الشرائع، فهذا كافر بالله وبدينه، مرتد عن الإسلام أقبح ردة، إذا ظهر منه ذلك بقول أو فعل) ا.هـ. ويقول: (والساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة، والطاعن في الدين وكل هذه الأفعال موجبة للكفر الصريح، ففاعلها مرتد، حده حده) ا.هـ. ثم شرع يذكر بعض الأحاديث في أن حد الساب هو القتل، وإلى أن قال: (ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح، كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل) ا.هـ. ويقول كذلك: (وإذا ثبت ما ذكرنا في سب النبي صلى الله عليه وسلم فبالأولى من سب الله تبارك وتعالى أو سب كتابه أو الإسلام أو طعن في دينه. وكفر من فعل هذا لا يحتاج إلى برهان) ا.هـ. بل انظر إلى قول الإمام الشوكاني نفسه في إحدى رسائله التي يحكم فيها بكفر غالب أهل اليمن في عصره وردتهم عن الإسلام، ويسوق الأدلة على هذا. يقول الشوكاني مثلاً: (وقد صح عن معلم الشرائع صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة". فالتارك للصلاة من الرعايا كافر. وفي حكمه من فعلها وهو لا يحسن من أذكارها وأركانها ما لا يتم إلا به، لأنه أخل بفرض عليه من أهم الفروض، وواجب من آكد الواجبات، وهو علم ما لا تصح الصلاة إلا به) ا.هـ. إلى أن يقول: (وكثيراً ما يأتي هؤلاء الرعايا بألفاظ كفرية فيقول: هو يهودي ليفعلن كذا، وليفعل كذا. ويرتد تارة بالقول وتارة بالفعل وهو لا يشعر. ويطلق امرأته حتى تبين منه بألفظ يديم التكلم بها) ا.هـ. ويقول الشوكاني: (ولا شك ولا ريب أن ارتكاب هؤلاء لمثل هذه الأمور الكبيرة من أعظم الأسباب الموجبة للكفر، السالبة للإيمان، التي يتعين على كل فرد من أفراد المسلمين إنكارها، ويجب على كل قادر أن يقاتل أهلها حتى يعودوا إلى دين الإسلام الذي بعث الله به خاتم المرسلين عليه الصلاة والسلام) ا.هـ. فانظر رحمك الله، كيف يتحدث المؤلف هنا عن الشرك الأكبر ويحكم على فاعله بأنه مشرك، وأن كفره لا يحتاج إلى برهان! وانظر كيف يحكم الشوكاني بكفر غالب أهل اليمن بالرغم من أنهم يؤدون الصلاة، ولكنهم يجهلون أن صلاتهم غير صحيحة، فكان حكمهم عنده حكم من لم يصل. وكيف أن منهم من يرتد بقول أو فعل وهو لا يشعر أنه كفر بذلك فلا يعذره هذا في الحكم بكفره. بل يرى الشوكاني أنهم على غير دين الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعين قتالهم على كل قادر حتى يعودوا إلى دين الله! فلا حول ولا قوة إلا بالله.[الجواب المفيد]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •