أيمن مكاوي
يُعَدّ مجمع البحوث الإسلامية إحدى كبرى الهيئات المرجعية السنية في العالم الإسلامي، وهو إحدى إدارات الأزهر الشريف، وهو البديل لهيئة كبار العلماء التي تم إلغاؤها.
أنشئ المجمع بموجب القانون رقم 103 لسنة 1961، وذلك بهدف تجديد الثقافة الإسلامية وتجريده من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي، وكذا بيان الرأي فيما تجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة الإسلامية، وحمل تبعة الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة.
يتألف المجمع من عدد لا يزيد على خمسين عضوًا من كبار علماء الإسلام، ثلاثين عضوًا منهم من مصر وعشرين عضوًا من خارجها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ويشترط القانون حضور خُمس الأعضاء على الأقل من خارج مصر لاكتمال النصاب القانوني، وهذا ما يجعل للمجلس ميزة عالمية التشكيل والتي تجعل منه المرجعية العليا فيما يتعلق بالبحوث الإسلامية.
ويتكون مجمع البحوث الإسلامية من عدة لجان أساسية يختص كل منها بجانب من البحوث في مجال الثقافة الإسلامية، ويتولى مجلس المجمع ولجانه متابعة ودراسة القضايا المطروحة على الساحة المحلية والعالمية، ويصدر توصياته بشأنها، كما يقوم بتتبع ما ينشر من بحوث ومؤلفات عن الإسلام والتي يكون بها مغالطات أو افتراءات ويقوم بتصحيحها والرد عليها.
يرأس المجمع الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، ويتم تعيين الأعضاء من خلال
اقتراح بالتعيين من شيخ الأزهر ويعرضه على رئيس الجمهورية والذي يصدر بدوره قرارًا بالتعيين، ويُعَدّ الدكتور محمود حب الله أول أمين عام لمجمع البحوث الإسلامية، وكان (رحمة الله عليه) شخصية عالمية أكسبت المجمع مصداقية بالعالم الإسلامي وجعله أول أكاديمية بحثية.
وعلى الرغم من أهمية مجمع البحوث الإسلامية، وعظم الدور الذي يقوم به في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين، وكونه أكبر هيئة سنية مرجعية في العالم الإسلامي فإنه أصبح محل هجوم شديد وانتقاد عنيف من كثير من التيارات الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي، الإسلامية منها والعلمانية.
حيث يرى البعض أن المجمع "جهة تفريط"، وأنه قد فقد كثيرًا من مصداقيته وتزعزعت ثقة المسلمين به في الآونة الأخيرة؛ لما نسب إليه من فتاوى والتي كانت محل صدمة لكثير من العلماء وعامة المسلمين، الأمر الذي حدا بكثير من العلماء إلى إنشاء هيئات ومؤسسات موازية لمجمع البحوث الإسلامية، سواء كانت عالمية كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أو إقليمية كجبهة علماء الأزهر الشريف بمصر.
بينما يرى البعض الآخر أن المجمع "جهة إفراط لا تفريط"، حيث إنه يقوم بالحكر على حرية الفكر والإبداع، وإنه جهة قمع للخيال ومصادرة للمؤلفات.
مجمع البحوث ودعاوى الإفراط
ظل مجمع البحوث الإسلامية مثار تساؤلات طائفة المفكرين والأدباء والمثقفين من حيث أسباب نشأته وأهدافه واختصاصاته، كما خضع للكثير من الانتقادات، وظل محل هجوم شديد من جانبهم، حيث ترى تلك الطائفة أن المجمع يعطي لنفسه صلاحيات فكرية لا تتوافق وطبيعة وصلب اختصاصه.
فالمجمع من وجهة نظرهم جهة بحثية ودينية لا جهة حكر على حرية الفكر والإبداع ومصادرة للأعمال والمؤلفات، ولعل السبب الرئيسي في تلك الانتقادات هي القائمة الطويلة والتاريخية من الإصدارات والمؤلفات التي كان المجمع وراء مصادرتها والتي تتراوح بين ما هو عمل أدبي ودرامي وما هو فكري وفلسفي.
لذلك ترى طائفة "التنويريين" (كما يحبون أن يطلقون على أنفسهم) أن المجمع جهة ظلام واستبداد للفكر والإبداع وحرية الاجتهاد، وأنه كان وراء العودة بالحريات ومفهومها إلى الوراء، وأنه كان -وما زال- يمارس سلطة الوصاية على عقول وقلوب وضمائر المسلمين وربما الأمة بأسرها، كما أنه يقوم بوضع الخطوط الحمراء أمام الفكر الإنساني، فضلاً عن قيامه بتحديد سقف الإبداع وقمع الخيال.
مجمع البحوث ودعاوى التفريط
وعلى نقيض دعاوى الإفراط في قمع حرية الفكر والإبداع والبحث والاجتهاد، يرى الإسلاميون أن المجمع جهة تفريط لا إفراط؛ وذلك لأنه لا يقوم بدوره الأكمل وواجبه الأمثل في خدمة ثوابت الدين وقضايا الأمة، في إشارة إلى بعض الفتاوى الصادرة عن المجمع والتي كانت محل اختلاف مع كثير من علماء الإسلام، خاصة أن المجمع ليس به سوى خمسة فقهاء فقط.
وفي هذا الصدد يؤكد الشيخ سيد عسكر الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية سابقًا - والنائب الإخواني بمجلس الشعب أن مجمع البحوث الإسلامية مقصر ودوره محجم، فلا تُعطى له الإمكانيات الكاملة والصلاحيات الكفيلة للقيام بدوره.
ويدلل على ذلك بقوله: "إن مؤتمر المجمع الذي يضم خيرة العلماء لم ينعقد منذ سبع سنوات، والقرارات والفتاوى التي تصدر إنما هي من مجلس المجمع المحلي وليس مجمع البحوث ذاته"، مشيرًا إلى أن هناك فرقًا بين مؤتمر علماء المسلمين كهيئة عالمية والتي تضم علماء من خارج مصر ومجلس المجمع المحلي.
ويلفت النظر إلى أن قرارات المجمع الصادرة عن مجلس المجمع ليست قانونية؛ وذلك لعدم بلوغها النصاب القانوني، حيث اشترط القانون حضور خُمس الأعضاء من خارج مصر لاكتمال النصاب القانوني.
وحول إمكانية مشاركة المرأة كعضوة بمجمع البحوث يشير عسكر إلى أنه إذا وجدت عالمة مسلمة على المستوى المطلوب، ووفقًا للشروط التي ينص عليها القانون فلا مانع شرعًا من مشاركتها في المجمع.
ويختتم قائلاً: "لو طبق القانون بدقة لقام المجمع بدوره، ولكن القانون لا يطبق".
من جهته حذر الأستاذ علي لبن -عضو مجلس الشعب- من تعطيل مجمع البحوث عن أداء دوره في إصدار الفتاوى ومراقبة الحالة الدينية؛ لأنه يؤدي إلى تبعثر في جهات الفتوى وتناقض في الفتاوى نفسها، واجتراء بعض الأقلام على ثوابت الدين والإتيان بآراء شاذة وغريبة؛ لأنهم يعلمون أن الجهة التي تمثل كبار العلماء معطلة عن العمل ولا تستطيع اتخاذ قرارات فعالة.
وأكد أن بقاء الأمر بهذا الشكل يمهد إلى إلغاء مجمع البحوث الإسلامية "ذي الصفة العالمية"؛ ليحل محله ذو الصفة المحلية المصرية، وبالتالي يتم تحويل الأزهر من مؤسسة عالمية إلى مؤسسة محلية دون أن يشعر بذلك أحد.
لا إفراط ولا تفريط
الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون يرى أن القول بأن المجمع جهة ظلام وأنه وراء تراجع الحريات والإبداع كلام غير صحيح جملة وتفصيلاً، لأن المجمع لديه معايير واضحة ومنضبطة فيما يتعلق بالأمور الشرعية، مؤكدًا على أن "المنفلتين" على حسب تعبيره هم الذين يسمونه بمجمع قمع الحريات.
وألفت النظر إلى أن المجمع لا يصادر الكتب، بل ليس من سلطته مصادرة الكتب ولا يدخل ضمن اختصاصه، وإنما هو جهة توصية، حيث يصدر توصيات لا قرارات، أما ما يتعلق بالمنع والمصادرة فهذا شأن قضائي لا أزهريًّا.
وفي إجابته على عدم قانونية القرارات الصادرة عن المجمع شدد القول "على أنه لا يجوز القول بأن قراراته غير قانونية؛ وذلك لحضور أغلبية أعضاء المجلس تلك الجلسات، أما القول بعدم حضور الأعضاء غير المصريين فيرى أنه لا جدوى من حضورهم للجلسات؛ وذلك لمعرفة آرائهم مسبقًا".
وأضاف من أنه لا مانع شرعًا من مشاركة المرأة في مجمع البحوث مع مراعاة الضوابط الشرعية.
واختتم الدكتور إدريس كلامه باقتراحين لتطوير المجمع أولهما: زيادة عدد الأعضاء ضعف العدد الموجود لإحداث ثراء فكري داخل المجمع، ثانيهما: اقتصار العضوية على المتخصصين بمقتضى الرسائل العلمية كالدكتوراة.
--------------------------------------------------------------------------------
محرر بالنطاق الشرعي بشبكة إسلام أون لاين
ملاحظة ؛شبكة اسلام أون لاين تنتهج الفكر الاخوانى ،وان كان هذا لا يمنع الافادة بالمقال.
نسألكم الدعاء