السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
هذا تخريج لما جاء عن أبي أمامة وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما في ابتداء أهل الكتاب بالسلام، وأرجوا من كان لديه شيء عن الصحابة في هذا الأمر أن يلحقه بما بدأت به، عسى أن ينتفع به أحد.
الأثر الأول: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه
رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة (217) من طريق عمرو بن عثمان الحمصي وكثير بن عبيد وأبي التقى، وأبو نعيم في الحلية (6/ 112) من طريق الوليد بن عتبة، وأبو العباس الأصم في مجموع فيه مصنفات أبي العباس الأصم وإسماعيل الصفار (163) ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عتبة، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 67) من طريق أبي همام، والطبراني في المعجم الكبير (7524) وفي مسند الشاميين (821) من طريق إسحاق بن راهويه، وأحمد بن منيع في مسنده – في ما ذكر البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 108) عن الهيثم بن خارجة، ثمانيتهم (عمرو بن عثمان الحمصي، وكثير بن عبيد، وأبو التقى هشام ابن عبد الملك، و الوليد بن عتبة، وأَبُوعتبة أَحْمَد بْن الفرج الحمصي، وأَبُو همام الوليد بْن شجاع السكوني، وإسحاق بن راهويه، والهيثم بن خارجة ) قالوا حدثنا بقية بن الوليد عن محمد بن زياد قال: كنت آخذًا بيد أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - في المسجد، فانطلقت معه وهو منصرف إلى بيته؛ فلا يمر على أحد صغير ولا كبير مسلم ولا نصراني إلا سلم عليه - وفي رواية ( إلا قال: سلام عليكم سلام عليكم) - حتى إذا انتهى إلى باب داره قال: يا ابن أخي أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نفشي السلام.
في بعض الروايات عن بقية التصريح بالسماع، ورواية إسحاق بن راهويه والهيثم بن خارجة عنه مختصرة مقتصرة على القدر المرفوع
ورواه عبد الله بن أحمد في زوائده على الزهد الزهد (979) قال حدثنا أبو عبد الله، حدثنا بقية، عن محمد بن زياد الألهاني قال: كنت آخذا بيد أبي أمامة، فلا يمر بأحد إلا سلم عليه، ثم قال: " إن السلام أمان لأهل ذمتنا، تحية لأهل ديننا ".
ولم يتبين لي من أبو عبد الله هذا، وعلى كل فزيادته عن أبي امامة قوله موقوفا عليه " إن السلام أمان لأهل ذمتنا، تحية لأهل ديننا ". أراها لا تثبت لمخالفته لأصحاب بقية كلهم فيها، والله أعلم.
وقد جاءت هذه الزيادة مرفوعة، من وجه آخر ضعيف عن محمد بن زياد،
فروى الطبراني في الأوسط (3210) مقتصرا على المرفوع وفي الكبير (7518) مطولا والبيهقي في شعب الإيمان (8419) مطولا أيضا من طريق بكر بن سهل الدمياطي، ثنا عمرو بن هاشم البيروتي، ثنا إدريس بن زياد الألهاني، عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة الباهلي، أنه كان يسلم على كل من لقيه. قال: فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة اختبأ له خلف أسطوانة، فخرج فسلم عليه، فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهودي، ما حملك على ما صنعت؟ قال: رأيتك رجلا تكثر السلام، فعلمت أنه فضل، فأحببت أن آخذ به، فقال أبو أمامة: ويحك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الله جعل السلام تحية لأمتنا، وأمانا لأهل ذمتنا»
قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه من لم أعرفه، وعمرو بن هاشم البيروتي وثق وفيه ضعف. مجمع الزوائد (8/ 29)
وقال الهيثمي أيضا في موضع آخر: رواه الطبراني، عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، ضعفه النسائي، وقال غيره: مقارب الحديث. مجمع الزوائد (8/ 33)
وقال الألباني: إسناده ضعيف؛ إدريس بن زياد الألهاني، لم أجد له ترجمة. ويحتمل أنه الذي في ( اللسان) "إدريس بن زياد الكفرتوثي أبو الفضل وأبو محمد. ذكره الطوسي، وقال: ثقة من رجال الشيعة، أدرك أصحاب جعفر الصادق....".
وعمرو بن هاشم البيروتي صدوق يخطىء، كما قال الحافظ ، وبكر بن سهل ضعيف، كما قال النسائي.
والحديث أورد منه الهيثمي (8/ 29) المرفوع فقط، وقال: "رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه من لم أعرفه (كأنه يعني: إدريس بن زياد الألهاني) ، وعمرو بن هاشم البيروتي وثق، وفيه ضعف". سلسلة الأحاديث الضعيفة (3064).
وقد تابع بقية إسماعيل بن عياش،
فروى ابن أبي شيبة في المصنف (25737)، وعنه ابن ماجة (3693)، والطبراني في المعجم الكبير (7525)، وفي مسند الشاميين (821)، والروياني في مسنده (1266) من طرق عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد عن أبي أمامة، قال: أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نفشي السلام. هكذا اقتصروا كلهم على المرفوع.
وقال البوصيري: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. مصباح الزجاجة (4/ 108)
وقال الألباني: صحيح.
ورواه ابن أبي شيبة في موضع آخر في المصنف (25751) وفي الأدب ( ص 191 ) ، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، وشرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة: «أنه كان لا يمر بمسلم، ولا يهودي، ولا نصراني، إلا بدأه بالسلام» فاقتصر فيه على الموقوف، وزاد شرحبيل بن مسلم
الأثر الثاني: أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
قال ابن أبي شيبة في المصنف (25865):
حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: أقبلت مع عبد الله من السيلحين فصحبه دهاقين من أهل الحيرة، فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريق غير طريقهم، فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا، فأتبعهم السلام، فقلت: أتسلم على هؤلاء الكفار؟ فقال: «نعم صحبوني، وللصحبة حق»
وقال الجصاص في أحكام القرآن ط العلمية (3/ 571):
حدثنا عبد الباقي قال: حدثنا معاذ بن المثنى قال: حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال: صحبنا عبد الله في سفر ومعنا أناس من الدهاقين، قال: فأخذوا طريقا غير طريقنا، فسلم عليهم، فقلت لعبد الله: أليس هذا تكره؟ قال: إنه حق الصحبة
وقال البيهقي في شعب الإيمان (8518):
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: نا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، قال: أنا أبو النضر محمد بن أحمد المروزي من أصل كتابه، قال: نا إسحاق بن منصور، قال: نا النضر بن شميل، قال: أنا شعبة، عن المغيرة، وسليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، أنه كان رديف عبد الله يعني ابن مسعود على حمار، فصحبهم الناس من الدهاقين في الطريق، فلما بلغوا قنطرة أخذوا طريقا آخر، فالتفت عبد الله فلم ير منهم أحدا، فقال: " أين أصحابنا؟ "، قال: قلت: أخذوا الطريق الآخر، فقال عبد الله: " عليكم السلام "، قال: قلت: أليس هذا يكره؟، قال: " هذا حق الصحبة ".
وفي (8519):
أخبرنا ابن عبدان، قال: أنا أحمد بن عبيد، قال: نا عباس بن الفضل، قال: نا يحيى الحماني، قال: نا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، أنه صحبه دهقان، فلما انتهى إلى القنطرة اتسعت له الطريق، فأخذ فيه الدهقان، فاتبعه عبد الله بن مسعود بالسلام، قال: قلت: أليس يكره هذا؟، قال: " بلى، ولكن حق الصحبة ".
وقال الخرائطي في مكارم الأخلاق للخرائطي (881):
حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: " صحب عبد الله بن مسعود قوم من أهل الذمة، فلما أرادوا أن يفارقوه أتبعهم السلام، وقال: حق الصحبة ".
هذا وقد قال ابن أبي شيبة في مصنفه (25866) حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: «ما زادهم عبد الله عن الإشارة»
وقال البخاري في الأدب المفرد (1104) حدثنا صدقة قال: أخبرنا حفص بن غياث، عن عاصم، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة قال: إنما سلم عبد الله على الدهاقين إشارة.
وقال الألباني: صحيح
قلت: حماد هو ابن أبي سليمان وفيه كلام، وقد قال الجصاص في أحكام القرآن (3/ 571): حدثنا عبد الباقي قال: حدثنا الحسن بن المثنى قال: حدثنا عثمان قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا سليمان الأعمش قال: قلت لإبراهيم: أختلف إلى طبيب نصراني أسلم عليه؟ قال: نعم، إذا كانت لك إليه حاجة فسلم عليه.