فلسفة المصرف الإسلامي
خالد الحشاش



المصرف (يقصد بكلمة المصرف في هذا المقال هو البنك الذي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية) كان يمارس بشكل غير منظم منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم من خلال إقراره لمعاملات كثيرة تعتبر صلب العمل المصرفي في عهدنا الحديث مثل الحوالة، الكفالة، الوكالة، المضاربة، المرابحة، والسفتجة وهي عبارة عن وثيقة أو صك أو ما يدل على أن هذا الإنسان أودع مالا عند شخص ويريد أن يستلمه في بلد آخر.
إن أول تجربة لعمل المصارف في الدول العربية كانت في مصر حيث أسسه الدكتور أحمد عبد العزيز النجار سنة 1963م حيث كان يتلقى المصرف مدخرات العملاء واستثمارها بالطرق الشرعية واستمر حتى 1968 م، لكن أول مصرف بمفهومة العالمي هو بنك دبي الاسلامي الذي تأسس عام 1975م.
المصرف هو تلك المؤسسة المالية المصرفية الذي تستبقل أموال المودعين طبقا لقاعدتين هما: "الغنم بالغرم" و"الخراج بالضمان" لاستثمارها في التجارة بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية.
ومن خلال التعريف يتبين لنا منهج المصرف القائم على ركيزتين أساسيتين هما تحقيق الأهداف التجارية والاستثمارية والاقتصادية وفق مقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة، أما الثانية الالتزام بأحكام الشرعية والضوابط الفقهية لكل عملية من العمليات المصرفية بما يضمن عملها داخل دائرة الحلال والابتعاد عن الحرام والأعمال الغير أخلاقية والتركيز على مفردات المنهج الايماني من العقيدة والعبادة و الاخلاق والقيم، ويمكن اختزال الركيزة الثانية في قول ابن عابدين: "أعلم ان مدار أمور الدين على الاعتقادات و الآداب والعبادات والمعاملات و العقوبات".
إن المصرف يتبنى قاعدة إنتاجية تعتمد على نظام المشاركة في نتائج الاستثمار لا قاعدة إقراضية التي تعتمد على نظام المداينة كما في البنوك التجارية . ويترتب على القاعدة الإنتاجية مبادئ أساسية هي:
• نظرة الميسرة عند الاعسار .
• حرمة فرض غرامة التأخير .
• الخسارة بقدر المال المستخدم
• الاعتماد على مؤشر الربح بدلا عن مؤشر الفائدة الربوية
ويتضح من قراءة منهج المصرف، بأنه يسلك سلوك الطرف الفعال لا المحايد كالبنوك التجارية، فالمصرف يعتبر أداة حقيقية للتعمير والتنمية بسبب تنوع الصيغ والاشكال المالية الاستثمارية في منهجية المعاملات المصرفية الاسلامية مما يزيد من الأرباح ويقلل من الخسائر ويحد من المخاطر الى حد كبير.
إن العلاقة ما بين المصرف والعملاء ضمن قاعدتي "الخراج بالضمان" و"الغرم بالغنم" هي علاقة مضارب بأصحاب الأموال. و مبدأ المضاربة يسهم في تحقيق العدالة والكفاءة والاستقرار والنمو، فالمضاربة يجمع ما بين المال والعمل والخبرة وهما عناصر أساسية في أي عمل تجاري، وهي بذلك لا تجعل المال هو محور الاستثمار، فالعمل والجهد والخبرة والعلم هم أيضا أحد بنود الاستثمار في المصارف الإسلامية. بخلاف ما تفعله البنوك التجارية التي تعتمد على عنصر المال لتحقيق الربح من خلال التحديد المسبق للفائدة على رأس المال الممول.
وهي أيضا تختلف عن علاقة البنك التجاري بأصحاب الودائع فيه والمتمثلة في حقيقتها وحكمها في علاقة دائن بمدين، ولا يقف الاختلاف بين منهج المصرف والبنك التجاري على طبيعة العلاقة، بل على أمور أخرى جوهرية وهي:
• العمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية
• تحريم الربا بأشكالها المتنوعة.
• المساهمة الفعلية في التجارة والمشاركة المباشرة في المشاريع الإنتاجية والتنموية والاقتصادية وليس طرفا ممولا.
• ملكية أصول لغايات الاستثمار .
• المزج بين عنصر المال وعناصر الإنتاج.
وتنقسم الأنشطة المصرفية الإسلامية إلى نوعان هما:
• خدمات مصرفية لعمليات إئتمانية : يتم تنفيذها كعمليات استثمارية وهي بديلة للخدمات الأتمانية المحسوبة بالفائدة في البنوك العادية. ويطلق عليها أيضا الأنشطة المصرفية الرئيسية
• خدمات مصرفية لا تشمل عمليات إئتمانية: الخدمات المصرفية التي لا تتضمن عمليات إئتمانية فيتم تنفيذها كخدمة مصرفية يتم أخذ عمولة أجر مقابل تقديم الخدمة. ويطلق عليها أيضا الأنشطة المصرفية الثانوية
وقد تتشابه خطوط العمل بين المصرف والبنك التجاري من حيث الشكل لا من حيث التكييف والمضمون فمثلا كلا من المؤسستين يقدمون خدمات الودائع بأنواعها الثلاثة وهي ودائع جارية، توفير، واستثمارية.
لكن من حيث المضمون فالبنوك التجارية تكيف ودائع التوفير على أنها قرض بفائدة وهي محرمة لأنها تأخد أحكام الربا، بينما في المصرف يدفع المودع ويشارك في الأرباح التي تشغلها البنوك الإسلامية.
فالبنك التجاري يحدد نسبة الربح سلفا في العقد أما فالمصرف فوديعة التوفير لا تحدد بربح معلوم وإنما يقال للمودع أنت ستشارك في الأرباح في نهاية السنة، قد تكون نسبة الأرباح، وقد لا توزع في بعض الحالات أرباحا، لأن ودائع التوفير تعتبر بمثابة مضاربة الذي يقوم على أساس أن يدفع شخص المال ويقوم الأخر بالعمل والربح بينهما حسب الاتفاق والخسارة على صاحب المال في حال عدم تهاون المضارب في أعماله.
كذلك الاعتمادات المستندية التي تقوم على أساس تسهيل عملية الاستيراد للبضائع من الخارج، وهي بمثابة كفالة وضمانة بنكية للتاجر المورّد وللتاجر المستورد. و الاعتمادات المستندية في البنوك التجارية وبمجرد ما يدفع المبلغ للتاجر المورّد البضاعة يحسب على العميل فوائد ويرتب عليه فوائد إلى أن يستوفي هذا المبلغ من حسابه أو يدفع العميل هذا المبلغ، فإذا في البنوك التقليدية تقوم على أساس ربا وعلى أساس الفائدة، بينما المصارف قسمت الاعتمادات المصرفية إلى قسمين أحدهما تمول من صاحبها هذا في هذه الحالة تكييفها الفقهي يعتبر من قبيل الوكالة بأجرة وهي جائزة شرعا، أو تمول من قبل المصرف فتكيف على أساس المرابحة للآمر بالشراء، فيزيد في الثمن ويدفع العميل الثمن مقسطا مع الزيادة.
لقد تلبس الأمر على كثير من عوام الناس ومنهم المسلمين، في النتائج والمحصلة النهائية لكل من المصرف والبنك التجاري، فدائماً ما نسمع أن الفائدة في البنوك التجارية هي نفسها لتلك الأرباح في المصارف ويعتقدون إن الاختلاف يكمن في المسمى بينما النتيجة واحدة.
فمن يأخذ قرض من البنك التجاري مثلا 10000 دينار يرده بعد خمس سنوات بفائدة 3000 الاف دينار. كذلك المصرف يحسب مبلغاً زائداً على المبلغ الأساسي وربما يتعدى 3000 آلاف دينار، فالنتيجة واحدة. نقول وبالله التوفيق، إن الشريعة الاسلامية لا تنظر للنتائج فقط بل لخطوات المعاملة التي تم التعامل بها على أساس هذه النتيجة، فالمعاملة في البنك التجاري تقوم على أساس الربا، قرض بزيادة مشروطة فهذا يعتبر ربا، فلا يوجد حاجز بين النقدين فمال يقابله مال أكثر تعويضا عن الزمن لا عن سلعة قدمها، فهو بذلك من قبيل ديون الآجال لا ديون البيع، بينما المصرف لم يقوم بإقراض العميل بل أشترى السلعة بعشرة الاف ثم باع السلعة للعميل بمرابحة بثلاث الآف أي وضع بين النقدين سلعة فأصبحت عملية بيع بينما الأولى عملية مداينة مبنية على الربا، حيث قال الله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا. وهنا أسوق مثالا للتقريب لا للتشبيه، فالنتيجة النهائية للزواج والزنا (أجلكم الله) هي إنجاب طفل. فكل منهما أنجب طفلا لكن لماذا حلل الطفل في الزواج الشرعي بينما حرم الطفل في الزنا، لماذا يفرح أهل الطفل الشرعي به بينما يشعر أهل طفل الزنا بالعار والذل على الرغم من النتيجة واحدة!! وعملية الإنجاب واحدة!! وخطواتها واحدة!! إذن لابد من شرعية الخطوات حتى تضمن نتيجة شرعية، إن الشرع لا يعترف بالقول إن الغاية تبرر الوسيلة، فما بنى على باطل فهو باطل وإن كانت النتيجة شكلياً مباحة وجائزة.