الإعاقة لا تعيقنا عن الحياة



وفاء العلي





عندما تعلو الهمّة ويستلذّ القلب عناء الطلب، وتستعذب النفس مرارة الصبر، وتحلّق الروح في سماء الهدف، هناك تنقلب المعايير، وتتبدّل الحقائق، وهناك ترى الأمور وأنت تظنّ أنّ عدستك مقلوبة رأساً على عقب، أو أنّك تنظر من زاوية خاطئة !

نعم، هناك فقط يصبح السليم سقيماً والسقيم سليماً .

أم عبد الرحمن في حوارنا هذا كانت خير مثال على ما أقول، لذا لا أحب أن أطيل عليكم،

أترككم مع أم عبد الرحمن :

ü البطاقة الشخصيّة :

أم عبد الرحمن ، تونسيّة الأصل ، فرنسيّة الجنسيّة ، متزوّجة وأمّ لأربع بنات .

ü متى كان التحاقك بدور تحفيظ القران الكريم ؟ وكم تحفظين من كتاب الله ؟

منذ سنتين التحقت بـ ( دار شيماء النسائيّة لتحفيظ القران الكريم ) صباحاً، وأخذت دورة شرعيّة في السنة الأولى ، وبدأت حفظ القرآن في السنة الثانية ، وحفظت إلى الآن خمسة عشر جزءاً، ولله الحمد والمنّة ، مع إتمام جميع دورات التجويد بفضل الله ، وانتقلت الآن إلى ( دار الإيمان )، أسأل الله الإعانة والتوفيق .

ü هل لديك وسيلة أخرى لطلب العلم غير دور التحفيظ ؟

أحب القراءة ، واستفدت كثيراً عن طريق السماع للمحاضرات ، خاصّة ما يعرض في قناة المجد ،وفّقهم الله .

ü ألم تفكري في البحث عن عمل ؟

رغم أنّ زوجي مازال طالباً ، ورغم أنّي - من فضل الله- قد تجعلني الأستاذة في مكانها عند غيابها أو انشغالها إلا أنّني لم أبحث عن وظيفة، ولا أفكر في ذلك إطلاقاً قبل أن أختم القرآن الكريم ،بإذن الله تعالى .

ü ما هي حالتك المرضيّة ؟ ومنذ متى بدأت معك ؟

الحمد لله لديّ ( وهن بالعضلات ) منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري ، وبسببه أنا مقعدة الآن ،ولله الحمد والمنّة .

ü هل هناك أمل في العلاج والشفاء ؟

طبياً لا، لكنّ كل شيء بيد الله، لم أيأس من رحمته ومازلت أستخدم الرقية وأستشفي بماء زمزم، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

ü هل ترين أنّ لهذا المرض تأثيراً على تنقّلاتك، وخاصّة الذهاب يوميّاً للدار؟

إطلاقاً، بل من فضل الله لم أتغيّب عن الدار أبداً ، لديّ كرسيّ كهربائيّ أسير عليه ومنزلي في الطابق الأرضيّ ، يحملني زوجي - جزاه الله الجنّة - على يديه حتّى يركبني السيّارة، ثم يحملني أخرى حين ينزلني، وهكذا في كلّ خروج، ولله الحمد .

ü كلمة توجهينها للفتيات ؟

أودّ أن أذكّر نفسي وأخواتي بأهميّة طلب العلم في حياة المسلم؛ حيث إنّ المؤمن إذا ابتعد عن العلم فقد يبتعد عن ربّه دون أن يشعر، ثمّ يقع في تساهلات ويستغرب من عدم الراحة النفسيّة وعدم السعادة والاطمئنان في حياته، وإذا بحث عن السبب فسوف يجده، ويلاحظ أنّ الفترة التي حسّ فيها بالضيق تتناسب مع الفترة التي بعد فيها عن الدين بترك كتاب الله وترك التفقّه في الدين . فلا حاجة للاستغراب وقد قال الرسول - صلّى الله عليه وسلّم- : "من يرد الله به خيراً يفقّه في الدين" فمن أراد أن يفهم معنى هذا الحديث فليعكسه وسيظهر له أنّ الذي لم يتفقّه في دينه لم يرد الله به خيراً . فمن يتحمّل هذا ؟؟ فنصيحتي بدون أن أطيل أن يتذكّر كلّ منّا أنّ الحياة قصيرة، والأيّام تمرّ كلمح البصر، فلنشمّر ولنستعدّ للقاء ربّنا، ولا داعي للتمسّك بهذه الدنيا وما فيها كما يفعل بعض المغترّين بها، واعلمي أخيراً أنّ الذي يريد السعادة الحقيقيّة عليه أن يسعى إلى تقوية إيمانه والتقرّب إلى خالقه، وتقوية الإيمان لا تتحقّق إلا بطلب العلم كما قال - عزّ وجلّ - :" إنّما يخشى الله من عباده العلماء " والخشية تحتاج إلى إيمان كما أنّ الإنسان يحتاج إلى هذا الإيمان القويّ ليواجه ويقاوم كلّ ما يتعرّض إليه في حياته من مصائب أو نعم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد .

توجّهنا بالسؤال بعد ذلك إلى إحدى صديقات أمّ عبدالرحمن وهي أمّ منذر فأجابت حين سألناها : متى تعرّفتِ على أمّ عبد الرحمن ؟

تعرّفت عليها في دار الإيمان، وأصبحنا ،ولله الحمد، أختين في الله .

ü ما السبب الذي جعلك تتعرّفين عليها ؟

من يرى ابتسامتها الدائمة لا يجد بدّاً من التعرّف عليها .

ü كيف ترين وضعها سواء في بيتها أو في خارجه؟

عندما تكون أمّ عبد الرحمن متواجدة فهذا يعني أنّها متواجدة بكلّها ، لو تغيّبت ولو فترة بسيطة يفتقدها الجميع .

ü كيف تصفين لنا أمّ عبد الرحمن ؟

قد تكون شهادتي مطعون في صحّتها لأنّني أحبّها، لكن للحقّ أقول إنّها ( مدرسة ) يتعلّم منها الجميع، ولا أزكّي على الله أحداً ، فالابتسامة المرسومة على شفتيها لم تصدر إلا من رضاً داخليّ ، قاعدتها كلّ ما يأتي من الله فهو خير ، فلم تتضايق يوماً من تتابع البنات في ذريّتها ، ولم تتبرّم من مرضها ، بل بالعكس تفعل مالم نفعله نحن من إنكار المنكر وإسداء النصيحة لمن عرفت ومن لم تعرف ، كيف لا، وهي طالبة العلم المجدّة ! وفقني الله وإيّاها وإيّاكم لما يحبّ ويرضى .

أمّا الفاضل أبو عبد الرحمن ( فرنسيّ الأصل ) فقد سألناه مبتدئين عن قصّة تعرّفه على أمّ عبد الرحمن، ومن ثمّ زواجهما السعيد، فردّ قائلاً :

تعرّفت عليها في درس كان يلقى في المسجد الكبير في العاصمة ( باريس )، وكنا ملازمين لهذا الدرس ، بعد أن دخلت الإسلام ،ولله الحمد والمنّة . نصحني صديق لي بالزواج لأهميّته في حماية المسلم من الفتن ، وكان هذا الأخ متزوّج صديقة أمّ عبدالرحمن، فلمّا أردت الزواج دلّني عليها، وكان الزواج المبارك ،ولله الحمد .

ü هل كان لأبي عبد الرحمن دور في دخول أمّ عبد الرحمن لدور التحفيظ ؟

بعد أن وصلنا إلى المملكة سكنّا في ملحق أحد البيوت بالرياض ، وكانت البداية صعبة بالنسبة لها حيث أنّها لم تكن تعرف أحداً، وعلينا بناء حياتنا من جديد، وهذا الأمر في غاية الصعوبة لمن لا يقدر على المشي وهو قليل الحركة ، لقد كانت بدايتنا محزنة حتّى فكّرنا في العودة إلى فرنسا في أوّل الأمر ، ولكنّ الله جعل لكلّ ضيق مخرجاً، إذ وجدت دار تحفيظ القرآن الكريم ( نسائيّة ) قريبة من البيت، فشجّعت أمّ عبد الرحمن على التسجيل بها لعظيم فائدتها فوافقت، وكانت البداية، ولله الحمد والمنّة .

ü ماذا يتمنّى أبو عبد الرحمن لأمّ عبد الرحمن ؟

أوّلاً : أتمنّى لها الشفاء حتى تحقّق أمنيتها وهي السجود على الأرض : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم ) .

ثانياً : أتمنى أن تكمل ما تبقّى من كتاب الله ،والتوفيق بيد الله .

ثالثاً : أتمنى أن تلتحق بإحدى الجامعات أو بمعهد علميّ لتكوين معرفتها الشرعيّة ، ولكي تصبح داعية إلى الله – تعالى- على علم وبصيرة ، مع ما يجب من تربية الأولاد .
وأخيراً أتمنى التوفيق في الدارين، وأن يجمعني بها في الجنة .