تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 5 الأولىالأولى 12345 الأخيرةالأخيرة
النتائج 61 إلى 80 من 82

الموضوع: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب المناسك [14]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (60)


    من ترك ركناً من أركان الحج والعمرة لم يتم نسكه إلا به، ومن ترك واجباً من الواجبات جبره بدم، ومن ترك سنة فلا شيء عليه، ومن فاته الوقوف بعرفة فيترتب عليه فساد الحج؛ والتحلل بعمرة والقضاء من قابل، وإن أخطأ الناس في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك.
    تابع واجبات الحج
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمبيت بمنى، والرمي، والحلق، وطواف الوداع].تقدم لنا شيء من مباحث طواف الوداع، وذكرنا من هذه المباحث حكم طواف الوداع؟ وعلى من يجب؟ وإذا خرج ولم يطف للوداع، ومتى يبطل طواف الوداع ومتى لا يبطل؟ وأيضاً تخفيفه عن الحائض والنفساء، وما يتعلق أيضاً بالوقوف بالملتزم وما المراد به؟ ومتى يكون الوقوف بالملتزم؟وبدأنا بأركان الحج أولاً، وذكر المؤلف رحمه الله: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة، والإحرام: وهو نية الدخول بالنسك، والسعي، وأما الواجبات فتكلمنا أيضاً: عن الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة، والسعي وذكرنا خلاف أهل العلم فيه إلى ثلاثة آراء وذكرنا أدلتهم:الرأي الأول: أنه ركن، وهذا قول جمهور أهل العلم.والرأي الثاني: أنه واجب، وهذا مذهب الحنفية على تفصيلٍ عندهم.والرأي الثالث: أنه سنة، وقلنا: بأنه قال به بعض السلف، وذكرنا دليل كل قول والحمد لله.ثم قال المؤلف رحمه الله: (والمبيت بمنى).أيضاً من واجبات الحج المبيت بمنى، والدليل على ذلك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للعباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه أن يترك المبيت بمنى من أجل سقايته )، والرخصة يقابلها عزيمة.وأيضاً ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة في ترك البيتوتة بمنى من أجل الرعاية )، والرخصة تقابلها عزيمة فدل ذلك على الوجوب.وأيضاً ما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: لا يبيتن أحد من الحجاج وراء العقبة، يعني: وراء جمرة العقبة؛ لأن ما وراء جمرة العقبة ليس من منى، وكان عمر رضي الله تعالى عنه يبعث أناساً يدخلون كل من كان وراء العقبة إلى منى، فدل ذلك على وجوب البيتوتة بمنى.وتقدم أن ذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله في ذلك، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في البيتوتة على رأيين:الرأي الأول: أنها واجبة وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله.والرأي الثانية رأي الحنفية: يرون أن البيتوتة ليالي أيام التشريق مستحبة وليست واجبة، وذكرنا فيما تقدم أن الصواب ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى.قال رحمه الله: [والرمي].أيضاً من واجبات الحج: الرمي، وهذا باتفاق الأئمة، فالأئمة متفقون على أن الرمي واجب، بل إن من العلماء من يجعل رمي جمرة العقبة ركناً من أركان الحج، لكن الصواب أن الرمي كله واجب من واجبات الحج، وتقدم أن ذكرنا ما يتعلق بترك الرمي.قال رحمه الله: [الحلق].أيضاً: الحلق أو التقصير: وهذا واجب من واجبات الحج، ويدل لذلك أن الله عز وجل قال: مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح:27] فوصفهم بذلك، مما يدل على أهميته وأن له شأناً، وأيضاً مما يدل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بذلك، فأمر الصحابة كل من لم يسق الهدي أن يطوف ويسعى وأن يقصر -وإذا قصر فقد حل- والأمر يقتضي الوجوب.قال رحمه الله: [وطواف الوداع].أيضاً: طواف الوداع، وهو واجب من واجبات الحج، وذكرنا الخلاف فيما تقدم، وأوردنا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض ).
    العمرة وأحكامها

    أركان العمرة
    قال رحمه الله: [وأركان العمرة: الطواف].لم يذكر المؤلف رحمه الله من أركان العمرة إلا ركناً واحداً وهو الطواف، والصواب في ذلك: أن أركان العمرة ثلاثة:الأول: الإحرام: وهو نية الدخول في النسك، فإذا لم ينو فإنه لم يدخل في النسك، وذكرنا الدليل فيما تقدم عندما تكلمنا عن أركان الحج.والثاني: الطواف، وهذا أيضاً تقدم دليله عندما تكلمنا عن أركان الحج.والثالث: السعي، وهذا أيضاً ذكرنا دليله، والخلاف فيه عندما تكلمنا عن أركان الحج.
    واجبات العمرة
    قال رحمه الله: [وواجباتها: الإحرام، والسعي، والحلق].واجبات العمرة: (الإحرام)، والمراد به الإحرام من الميقات، وتقدم الدليل على ذلك عندما تكلمنا على واجبات الحج.وقوله: (والسعي) ذكرنا أن المؤلف رحمه الله خالف المذهب، فإن المؤلف رحمه الله يرى أن السعي واجب في العمرة وواجب في الحج وليس ركناً، والصواب في هذه المسألة: أن السعي ركن في الحج وفي العمرة.. هذا هو الأقرب، وذكرنا شيئاً من الأدلة الدالة على ذلك.وقوله: (والحلق) هذا من واجبات العمرة سواء الحلق أو التقصير، وذكرنا الدليل على ذلك عندما تكلمنا عن واجبات الحج.وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن طواف الوداع ليس من واجبات العمرة؛ لأنه ذكر من واجبات العمرة ثلاثة أشياء فقط: الإحرام والسعي والحلق، فظاهر كلامه: أن طواف الوداع للعمرة سنة وليس واجباً؛ لأنه لم يذكره في الأركان ولم يذكره أيضاً في الواجبات، وهذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فللعلماء في حكم طواف الوداع قولان:القول الأول: أنه سنة، وهذا عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى.القول الثاني: أنه واجب، وهذا مذهب الشافعية وبه قال ابن حزم .أما الذين قالوا بأنه سنة فاستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر عمرة الجعرانة واعتمر عمرة القضاء ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف للوداع، كذلك أيضاً أمر عائشة رضي الله تعالى عنها أن تعتمر بعد الحج، ومع ذلك لم يرد أنها طافت للوداع، لكن الجواب عن هذا سهل: فنقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مباشرة، وعائشة رضي الله تعالى عنها خرجت مباشرة، فنأخذ من هذا: أن المعتمر إذا ذهب وطاف وسعى وخرج مباشرة فلا يجب عليه طواف الوداع، وهذا لا إشكال فيه، فلو مكث يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام، هل يجب عليه طواف الوداع أو لا يجب؟الذين قالوا: بأنه سنة مطلقاً، استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطف الوداع في عمرة القضاء ولا في عمرة الجعرانة، وعائشة أيضاً أخذت عمرة بعد حجها ولم تطف، وقالوا أيضاً: الأصل في ذلك براءة الذمة حتى يقوم دليل على الوجوب، ولم يقم دليل على الوجوب، وهذا الرأي الأول.الرأي الثاني: قالوا بأن طواف الوداع واجب على المعتمر، واستدلوا بحديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.وقوله: (أحد) هذا يشمل الحاج والمعتمر، وأجيب عن هذا: بأن قوله: (لا ينفرن أحد) المقصود بذلك الحاج؛ لأن الحاج ينفر من كل وجه، فقد يكون في منى وينفر من منى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنت الآن في منى ارجع إلى مكة حتى يكون آخر عهدك بالبيت، أما المعتمر فهو أصلاً عند البيت ولم يخرج عن البيت فلا يشمله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ) إنما هذا خاص بالحاج؛ لأن الحاج هو الذي في منى؛ لأنه يبيت ليالي أيام التشريق بمنى ويرمي، فهو الآن في منى أمره النبي صلى الله عليه وسلم ألا يخرج إلى بلده من منى، وإنما يرجع إلى مكة ويطوف بالبيت حتى يكون آخر عهده، أما المعتمر فهو لا يزال باقياً عند البيت لم يفارقه.وأيضاً استدلوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العمرة حجاً أصغر، والحج يجب فيه طواف الوداع، فكذلك أيضاً العمرة، وأجيب عن ذلك: بأنها وإن كانت العمرة حجاً أصغر فإنه ليس كل أحكام الحج تكون في العمرة، فمثلاً الوقوف بعرفة والمبيت بمنى والمبيت مزدلفة والرمي، هذه الأحكام لا تجب ولا تشرع في العمرة.وأيضاً استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث يعلى في الصحيحين: ( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) قالوا: إنه يصنع في الحج طواف الوداع، فكذلك أيضاً يصنعه في العمرة، وأجيب عن ذلك أيضاً: بأنه لا يلزم أن يصنع طواف الوداع؛ لأنه في الحج يصنع الوقوف بعرفة والمبيت مزدلفة والمبيت بمنى، ومع ذلك هذه الأشياء لا يصنعها في العمرة بالاتفاق.فالأقر في هذه المسألة: أن طواف الوداع سنة وليس واجباً؛ لأن الذي يتمسك به قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت )، وهذا إنما هو في الحاج؛ لأن الحاج هو الذي يكون في منى، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم ألا ينفر من منى إلى بلده وإنما يرجع إلى البيت، وأما تسمية العمرة بالحج الأصغر وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) نقول: هذا لا يشمل كل شيء، ومن ذلك طواف الوداع.فكما أن الوقوف بعرفات غير داخل، والمبيت مزدلفة غير داخل، والمبيت بمنى غير داخل، فكل هذه الأشياء لا تجب في العمرة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( اصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك ) نقول: أيضاً طواف الوداع يلحق بهذه الأشياء.وعلى هذا نقول: الصحيح أن طواف الوداع سنة في حق المعتمر، وإن احتاط الإنسان وأتى به كان هذا أحسن، وإن لم يأت به فالذي يظهر أنه لا يجب عليه شيء بإذن الله.
    ما يلزم من ترك ركناً أو واجباً أو سنة من الحج والعمرة

    من ترك ركناً من أركان الحج والعمرة
    قال رحمه الله: [فمن ترك ركناً لم يتم نسكه إلا به].من ترك ركناً يقول المؤلف رحمه الله: (لم يتم نسكه إلا به).الأركان أربعة كما تقدم لنا نأخذها واحداً واحداً: أولاً: إذا ترك الإحرام -وهو نية الدخول في النسك- نقول: أصلاً لم ينعقد حجه ولا عمرته، فإذا ترك الإحرام يعني: لم ينو الدخول في النسك، نقول: بأنه لم يتم حجه ولا عمرته.ثانياً: إذا ترك الوقوف بعرفة، نقول: فاته الحج ويأخذ أحكام الفوات كما سيأتينا إن شاء الله.ثالثاً: إذا ترك الطواف بالبيت -طواف الإفاضة- نقول: لم يزل محرماً حتى يطوف بالبيت لأن طواف البيت -كما تقدم لنا- ليس له آخر، والعلماء ينصون على أن وقته العمر، فيقولون: بأنه ليس له آخر، فإذا كان كذلك نقول: لا يزال محرماً، فإن كان في الحج لم يتحلل التحلل الثاني، وإن كان في العمرة لا يزال محرماً حتى يطوف.رابعاً: إذا ترك السعي: فالسعي وقته العمر كله، فإذا ترك السعي، نقول: بأنه لا يزال محرماً لم يتحلل التحلل الثاني في الحج، وفي العمرة لا يزال محرماً.
    من ترك واجباً من واجبات الحج والعمرة
    قال رحمه الله: [ومن ترك واجباً جبره بدم].إذا ترك الإحرام من الميقات مثلاً، أو ترك الرمي أو ترك المبيت مزدلفة أو ترك المبيت بمنى، يقول المؤلف رحمه الله: (جبره بدم). وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وإن كانوا يختلفون في شيءٍ من التفاريع إلا أنهم في الجملة يقولون: من ترك واجباً من واجبات الحج أو العمرة فإنه يجبره بدم، واستدلوا على ذلك بأدلة -يعني: على إيجاب الدم- ومن أدلتهم على ذلك: قول الله عز وجل: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وهذا يشمل ما إذا أحصر عن واجب، يعني: لو منع عن الرمي أو عن المبيت.. إلى آخره.وأيضاً: استدلوا على ذلك بما ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق لذلك دماً ) وقوله: (دماً)، إنما يكون في الواجب؛ لأن المستحب لم يرد في الشرع أنه بجب جبره، وإنما الذي يجب جبره هو الواجب. وهذا الرأي الأول.الرأي الثاني: أن الواجبات إذا تركت فإن الإنسان يأثم ولا يجب عليه فيها شيء؛ لأن الأصل براءة الذمة، وهذا قول الظاهرية.وأثر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( من ترك شيئاً من نسكه أو نسيه فليهرق لذلك دماً ) هذا الأثر رواه الإمام مالك والشافعي والبيهقي وإسناده صحيح.
    من ترك سنة من سنن الحج والعمرة
    قال رحمه الله: [ومن ترك سنةً فلا شيء عليه].من ترك سنةً من سنن الحج أو العمرة فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: ليس عليه شيء، مثلاً: ترك الدعاء بعد رمي الجمرة الصغرى، أو بعد رمي الجمرة الوسطى، أو ترك التكبير عند الرمي، أو ترك الدعاء يوم عرفة، المهم ترك سنةً من السنن فهذا لا شيء عليه، لكن نقص عليه الأجر وتمام الامتثال.
    أحكام الفوات
    قال رحمه الله: [ومن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج].الآن شرع المؤلف رحمه الله بما يسمى بأحكام الفوات والإحصار، وتكلم عن أحكام الفوات ولم يتكلم عن أحكام الإحصار، لكن المصنفين يتكلمون عن أحكام الفوات والإحصار جميعاً؛ ولهذا سنتطرق بإجمال لأحكام الإحصار.
    تعريف الفوات
    الفوات في اللغة: مصدر: فات، إذا سبق فلم يدرك.وأما في الاصطلاح: فهو طلوع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة، أي: إذا طلع فجر يوم النحر قبل الوقوف بعرفة فقد فات الحج، ويدل لهذا الإجماع، فالمسلمون مجمعون على أن وقت الوقوف بعرفة يمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وأن الإنسان إذا طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فقد فاته الحج.ويدل لهذا أيضاً مع الإجماع حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحج عرفه، من جاء ليلة جمعٍ قبل طلوع الفجر فقد أدرك ) وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه جمع من أهل العلم، صححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم .
    ما يترتب على فوات الحج
    إذا فات الإنسان الحج، مثلاً: هذا رجل محرم تعطلت به سيارته، ولم يصل إلى عرفة حتى طلع فجر يوم النحر، ماذا نقول له؟ نقول: يترتب عليك مسائل:المسألة الأولى: فاته الحج، فلا ينفعه حتى لو ذهب ورمى وبات بمزدلفة ومنى، نقول: الحج قد فاتك.. وهذا بالإجماع، وذكرنا الدليل وهو حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي .المسألة الثانية: قال: [فيتحلل بطوافٍ وسعيٍ] ولم يقل: يتحلل بعمرة، فهذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، هل يتحلل بعمرة أو يتحلل بأعمال العمرة؟على رأيين: الرأي الأول: المذهب ومذهب المالكية: أنه يتحلل بأعمال العمرة -يطوف ويسعى ويقصر- ولا تكون عمرة له، واستدلوا على ذلك بقول عمر رضي الله تعالى عنه لـأبي أيوب لما فاته الحج: اصنع كما يصنع المعتمر، وهذا الحديث رواه مالك والشافعي والبيهقي وإسناده صحيح.والرأي الثاني: أنه يتحلل بعمرة، واستدلوا على ذلك أيضاً: بأن عمر رضي الله تعالى عنه أمر رجلاً فاته الحج أن يتحلل بعمرة، وهذا أيضاً رواه البيهقي وإسناده صحيح.فعندنا رأيان: الرأي الأول أنه يعمل أعمال العمرة، وهذا كما قال عمر : اصنع كما يصنع المعتمر، قاله لـأبي أيوب لما فاته الحج.الرأي الثاني: أنه يتحلل بعمرة، واستدلوا أيضاً بما روي عن عمر فإن عمر قال لمن فاته الحج أن يعتمر، وهذا رواه البيهقي وإسناده صحيح.والصواب في هذه المسألة: أنه يتحلل بعمرة، وليس هناك ما يسمى بأعمال العمرة فقط.ويترتب على هذا الخلاف: إذا قلنا بأنه يتحلل بعمرة هل تجزئه ذلك عن عمرة الإسلام أو لا تجزئه عن عمرة الإسلام؟ نقول: نعم، تجزئه عن عمرة الإسلام، ويؤجر عليها كما يؤجر على نسك العمرة.. وهذا الصواب.قال المؤلف رحمه الله: [وينحر هدياً إن كان معه].هذه المسألة الثالثة، فهذا الذي فاته الحج نقول: ينحر هدياً، وأيضاً إيجاب الهدي عليه هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وفيه رأيان:الرأي الأول: أنه يجب عليه أن يهدي، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقول جمهور أهل العلم.الرأي الثاني: عند الحنفية أنه لا يجب عليه الهدي.فأما الذين قالوا بأنه يجب عليه الهدي، فقالوا: بأنه وارد عن عمر رضي الله تعالى عنه؛ لأن عمر أمر أبا أيوب بالهدي.والحنفية قالوا: لا يجب عليه الهدي، قالوا: لأن عمر أمر الرجل الذي فاته الحج بالعمرة ولم يأمره بالهدي.. فلم يرد أنه أمره بالهدي.وأيضاً ورد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إنما الهدي على من أفسد حجه بالتلذذ، أما من حصره عدو فإنه يرجع ولا شيء عليه.وعلى هذا: فالأقرب هو ما ذهب إليه الحنفية رحمهم الله، وأنه لا يجب الهدي، نحن قلنا: الصحيح مذهب الحنفية أنه لا يجب عليه الهدي إلا أن يكون ساق الهدي.. فإن ساق الهدي فيتعين الهدي بالسوق، فيجب عليه أن يذبحه.قال: [وعليه القضاء].القضاء لا يخلو من أمرين:الأمر الأول: أن يكون الحج واجباً، فهذا يجب عليه القضاء؛ لأن ذمته لم تبرأ بذلك.الأمر الثاني: أن يكون الحج تطوعاً ليس واجباً، فهل يجب عليه إذا فاته الحج أن يقضي أو لا يجب عليه؟ المؤلف يقول: يجب عليه القضاء، وهو قول جمهور أهل العلم. وهذا الرأي الأول.والرأي الثاني رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وبه قال عطاء : أنه لا يجب عليه القضاء إذا كان تطوعاً.والجمهور الذين قالوا: بأنه يجب عليه القضاء استدلوا بقول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] وهذا لم يتم الحج، فيجب عليه أن يقضيه.وأما رأي الذين قالوا: لا يجب عليه القضاء، فاستدلوا على ذلك بأن الله عز وجل قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فلم يوجب الله في الإحصار إلا الهدي ولم يوجب القضاء، وأيضاً استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الحج مرة، فمن زاد فمتطوع ) فكونه يجب عليه الحج إذا فاته، فيكون الحج واجباً عليه أكثر من مرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحج مرة، فمن زاد فمتطوع).والصواب في هذه المسألة: أنه لا يجب عليه القضاء أيضاً، وأما قوله سبحانه وتعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] فنقول: هذا الحج الذي فاته قد أتمه؛ لأنه تحلل بعمرة، وهو الآن أتم حجه.وحينئذٍ يتلخص لنا في الفوات: أن من فاته الحج فإنه يترتب عليه مسألتان فقط، المسألة الأولى: أنه يتحلل بعمرة، وتجزئه عن عمرة الإسلام، والمسألة الثانية: أن الحج قد فاته، أما إيجاب الهدي والقضاء إذا لم يكن الحج فرضاً فهذا فيه نظر. فالخلاصة نقول: من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة فنقول يترتب عليه مسألتان:المسألة الأولى: فاته الحج.. المسالة الثانية: يتحلل بعمرة ولا شيء عليه.هذا ما يتعلق بالفوات.
    الإحصار وأحكامه
    الإحصار لم يتعرض له المؤلف رحمه الله لكن نتعرض له نحن فنقول: ‏
    تعريف الإحصار
    الإحصار في اللغة: المنع.وأما في الاصطلاح: فهو منع الناسك من إتمام نسكه.ونقول: الإحصار يكون عن أربعة أشياء:
    الإحصار عن الوقوف بعرفة
    الشيء الأول: أن يحصر عن الوقوف بعرفة، يعني: هذا رجل خرج إلى الحج ثم أصابه حادث في الطريق، كأن تعطلت السيارة أو ضل الطريق، أو أصابه حادث، فالآن أحصر عن الوقوف بعرفة، أو وجد زحام ولم يتمكن من الدخول إلى عرفة، فما الحكم هنا إذا أحصر عن الوقوف بعرفة؟ نقول: هذا لا يخلو من أمرين:الأمر الأول: أن يطلع عليه فجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفة فهذا نقول: حكمه حكم الفوات.الأمر الثاني: أن يقلب حجه إلى عمرة ويتحلل بعمرة، حتى الآن لم يفت الحج؛ لأنه باقي وقت للوقوف لكن لا يتمكن، فنقول: يقلب حجه إلى عمرة؛ لأن قلب الحج إلى عمرة هذا جائز مع عدم الإحصار، فمع الإحصار من باب أولى.. فيقلب حجه إلى عمرة ويذهب ويتحلل بعمرة ولا شيء عليه.هذا الشيء الأول وهو: إذا أحصر عن الوقوف بعرفة.
    الإحصار عن البيت
    الشيء الثاني: أن يحصر عن البيت أي: لا يتمكن من البيت فنقول: الله عز وجل يقول: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] أي: يذبح هدياً، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، فإن النبي عليه الصلاة والسلام حصره المشركون عن البيت، فنحر وحلق عليه الصلاة والسلام، فنقول: ينحر الهدي في موضعه الذي أحصر فيه ويحلق رأسه، وهل الحلق واجب أو ليس واجباً؟ الصواب أنه واجب خلافاً للمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فينحر ويحلق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وحينئذٍ يحل.وإذا لم يجد هدياً؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أنه يجب عليه أن يصوم عشرة أيام ثم يحل. وهذا الرأي الأول. والرأي الثاني: أنه لا يجب الصيام، وهذا هو الصواب.نقول: إذا لم يجد هدياً فلا يجب عليه الصيام وإنما يتحلل كسائر الواجبات فإذا عجز عنها، أي: إذا عجز عن الواجب فإنه يسقط عنه ولا يجب عليه شيء.هذا الشيء الثاني: وهو ما إذا أحصر عن البيت.
    الإحصار عن واجب من الواجبات
    الشيء الثالث: إذا أحصر عن واجبٍ من واجبات الحج.العلماء يقولون: لا يتحلل، يعني: يستمر على إحرامه ويكمل حجه وعليه دم، فمثلاً: أحصر عن المبيت بمزدلفة بسبب الزحام، فلم يتمكن من المبيت بمزدلفة حتى طلع الفجر، فنقول: لا يتحلل وعليه دم، أو أحصر عن المبيت بمنى، أو أحصر عن الوقوف في الرمي، نقول: لا يتحلل وعليه دم.ويستدلون بقول الله عز وجل: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وإيجاب الدم كما تقدم فيه الخلاف، ولعله يخفف عن المعذور ما دام أنه لم ينتهض دليل صريح في إيجاب الدم في الواجبات، نقول: يخفف عن المعذور.
    الإحصار عن طواف الإفاضة والسعي
    الشيء الرابع: الإحصار عن طواف الإفاضة والسعي، فهذا العلماء يقولون: إذا أحصر عن طواف الإفاضة فقط دون البيت، يقولون: لا يتحلل.. هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: إذا أحصر عن طواف الإفاضة لا يتحلل حتى يطوف ويبقى محرماً؛ لأن وقته العمر كله ومثلها السعي أيضاً. وهذا الرأي الأول.والرأي الثاني رأي الشافعية: أنه إذا أحصر عن طواف الإفاضة فإنه يتحلل لكن يفوته الحج، وهذا يتصور، يعني: إنسان مثلاً خرج قبل طواف الإفاضة ولم يطف للإفاضة وتعذر عليه أن يرجع، فعلى مذهب الشافعية يقولون: بأنه يذبح هدياً ويكون محصراً ويكون فاته الحج؛ لأن الركن لم يأت به، لكن على رأي الحنابلة لا يزال محرماً، وهذا فيه مشقة، فقد يكون رجع إلى بلاده في إندونيسيا وهو لم يطف للإفاضة، ويصعب عليه أنه يرجع مرة ثانية فالقول: بأنه يكون محرماً هذا صعب! فالشافعية رحمهم الله قولهم أرجح، لكن نقول: بأن الحج قد فاته؛ لأنه لم يأت بركن من أركان الحج.
    الإحصار من غير العدو
    المسألة الأخيرة في الإحصار: هل الإحصار خاص بالعدو أو ليس خاصاً بالعدو؟الجمهور أن الإحصار خاص بالعدو، يعني: لو أنه أحصره حادث عن البيت، هل يكون محصراً أو لا يكون محصراً؟ على رأي الجمهور لا يكون محصراً، أو أحصره مرض لا يكون محصراً.. يبقى على إحرامه حتى يقدر على البيت، فإذا أحصره حادث أو مرض أو ضياع نفقة أو ضياع رفقة، يقولون بأنه لا يكون إحصاراً إلا بإحصار العدو.والعلماء يتفقون على ثلاثة أشياء: العدو، والفتنة، والحبس بظلم، فهذه الأشياء الثلاثة يكون فيه الإحصار، وغير هذه الأشياء الثلاثة هل يكون فيها إحصار أو لا يكون؟ الجمهور يقولون: لا يكون فيها إحصار، مثل حادث سيارة أو ضياع نفقة أو المرض فلا يكون محصراً.والحنفية يقولون: يكون محصراً، فلا يخصونه بهذه الأشياء، فإذا أحصره مرض، أو حادث، أو ضياع نفقة، أو ضل الطريق، فيقولون: يكون محصراً، وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة. وكون النبي صلى الله عليه وسلم أحصره المشركون هذا لا يمنع أن يكون الإحصار بغير العدو؛ لأن الله عز وجل قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وهذا يشمل العدو وغيره.
    الوقوف في غير يوم عرفة
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أجزأهم ذلك، وإن فعل نفر منهم فقد فاتهم الحج].إذا أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة هذا لا يخلو من أمرين:الأمر الأول: أن يقفوا في اليوم الثامن ويعلموا قبل فوات الوقوف، فإن تمكن الإمام أن يقف بهم في اليوم التاسع وقف بهم، وإن لم يتمكن أجزأهم ذلك، وإن علموا بعد فوات اليوم التاسع أجزأهم، وهذا لا إشكال فيه، لكن إن علموا قبل فوات اليوم التاسع نقول: إن تمكن الإمام أن يذهب وأن يقف بهم وجب، وإن لم يتمكن فإنه يجزئهم.القسم الثاني: إن وقفوا في اليوم العاشر فنقول: وقوفهم صحيح إذا وقع هذا من الحجاج كلهم أو أكثرهم.
    زيارة الحاج لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
    قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب لمن حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه رضي الله عنهما].هذا الكلام فيه نظر؛ لأن هذا الكلام يتضمن شد الرحل إلى القبور، وشد الرحل إلى القبور هذا ليس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) والأحسن في العبارة أن يقول المؤلف رحمه الله: ويستحب لمن حج زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بدلاً من أن يقول: قبر النبي عليه الصلاة والسلام، ويستحب لمن زار المسجد أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الكلام الصواب، أما القول هكذا: يستحب من حج زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا فيه نظر؛ لأننا ذكرنا: أن هذا يتضمن شد الرحال لقبر النبي صلى الله عليه وسلم.واعلم أيضاً أن زيارة المسجد النبوي هذه ليست من مناسك الحج، لكن بعض العلماء يذكرونها؛ لأن الناس يأتون من أماكن بعيدة وقد يصعب عليهم الرجوع مرة أخرى، وخصوصاً في الزمن السابق، فهم يأتون من المغرب ومن المشرق ومن أماكن بعيدة، وحتى في يومنا هذا فقد يظل الإنسان سنوات لم يأت إلى مكة، فإذا جاء خرج ولا يعود إلى أن يموت، فقالوا: يستحب لمن جاء إلى هذه البلاد أن يغتنم الفرصة وأن يذهب ويزور المسجد النبوي، فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم تشد له الرحال.لكن نعلم أن زيارة المسجد النبوي هذه ليست من مناسك الحج لكنها سنة، فشد الرحل له سنة وقربة يثاب عليها الإنسان مستقلة، لكن قلنا: مناسبة إدخالها في كتاب الحج: أن الناس يأتون من أماكن بعيدة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    63

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )

    بارك الله فيك

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب المناسك [15]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (61)


    الأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي سنة مؤكدةٌ، وتجب بالنذر، ويشترط لصحتها أن تكون من بهيمة الأنعام، وأن يكون لها سن معين، وأن تكون سالمة من العيوب، فلا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العجفاء التي لا تنقي، ولا العرجاء البين ضلعها، ولا المريضة البين
    باب الهدي والأضحية

    تعريف الهدي والأضحية ودليل المشروعية
    قال المؤلف رحمه الله: [باب الهدي والأضحية].الهدي: هو ما يهدى للحرم من نعمٍ وغيرها، وسمي بذلك لأنه يهدى إلى الله سبحانه وتعالى.والأضحية: واحدة الأضاحي، ويقال أيضاً: ضحية، وهو ما يذبح من بهيمة الأنعام يوم عيد النحر وأيام التشريق تقرباً إلى الله عز وجل. والهدي والأضحية كل منهما مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب من ذلك قول الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وأيضاً قول الله عز وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] فسر بعض العلماء الصلاة هنا بصلاة عيد الأضحى، والنحر بنحر الأضحية.والسنة كثيرة كما سيأتينا إن شاء الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وشرك علياً رضي الله تعالى عنه، وضحى النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين أقرنين أملحين كما سيأتي إن شاء الله.والإجماع قائم على مشروعيتهما في الجملة، وإن اختلف العلماء رحمهم الله في بعض التفاصيل.
    حكم الهدي
    قال المؤلف رحمه الله: [والهدي والأضحية سنة].قوله: الهدي سنة.. هذا فيه نظر، فالهدي منه ما هو سنة، ومنه ما هو واجب، فهدي التمتع واجب، ودليل ذلك قول الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] وهدي القران أيضاً واجب، أما هدي التطوع فهو مستحب، والهدي لفعل محظور من المحظورات واجب، والهدي لترك واجبٍ من الواجبات واجب، وهدي الفوات إذا قلنا به فهو واجب، وهدي الإحصار واجب.فتبين أن الهدي يتنوع إلى أنواع، منه ما هو واجب كهدي المتعة والقران، والهدي لفعل محظور -كما سبق لنا في محظورات الحج- وهدي الفوات إذا قلنا به، وهدي الإحصار والهدي لترك واجب من الواجبات، هذا واجب، وهدي التطوع سنة يستحب أن يهدى إلى بيت الله الحرام من النعم ومن غيرها أيضاً، كأن تهدى الأطعمة وتهدى الأقمشة لفقراء الحرم.
    أقوال أهل العلم في درجة مشروعية الأضحية
    والأضحية ذكر المؤلف رحمه الله بأنها سنة، فقال: (والهدي والأضحية سنة) الأضحية يتفق العلماء رحمهم الله على أنها مشروعة، ولكن اختلفوا في درجة هذه المشروعية: هل هذه المشروعية على سبيل الوجوب، أو على سبيل الاستحباب؟ للعلماء في ذلك رأيان:الرأي الأول، وهو قول جمهور أهل العلم: أن الأضحية سنة، واستدلوا على أنها سنة بأدلة، منها حديث: ( ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعة الضحى ) وهذا الحديث أخرجه البزار والحاكم وابن عدي وهو ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.واستدلوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) فعلق النبي صلى الله عليه وسلم التضحية على الإرادة، ولو كان واجباً لم يعلق على الإرادة.والجواب عن هذا سهل: فلا يمتنع أن يعلق الواجب على الإرادة، فالصلاة ركن ومع ذلك يصح أن تقول: إذا أراد أحدكم أن يصلي فليتوضأ، فإذا قام الدليل على الوجوب لم يمنع من التعليق على الإرادة.وكذلك أيضاً استدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالواجب عن أمته، فالنبي عليه الصلاة والسلام ضحى عن أمته، فقال: ( اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ ) .وأحسن ما يتمسك به على عدم الوجوب: أن هذا وارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فصح عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يقول الناس: إنها واجبة، وكذلك أيضاً عن ابن مسعود بسندٍ صحيح أخرجه سعيد بن منصور أنه قال: إني لأدع الأضحية وأنا من أيسركم؛ كراهية أن يعتقد الناس أنها حتم.وكذلك أيضاً ذكره البيهقي عن ابن عباس وابن عمر وبلال ، فهذا الجمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في كونهم يتركون الأضحية، يدل على أنها غير واجبة. وأيضاً: الأصل عدم الوجوب.الرأي الثاني: أنها واجبة على القادر، وهذا ذهب إليه أبو حنيفة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال به الليث بن سعد والأوزاعي . واستدلوا على ذلك بأدلة منها:الأمر، كما في قول الله عز وجل: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] فالمراد بالنحر هنا التضحية، والأصل في الأمر الوجوب.وأيضاً استدلوا بما في السنن ورواه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، وصححه الحاكم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من وجد سعةً فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) لكن الصحيح أنه لا يثبت مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موقوف.وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة في مسند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن على أهل كل بيتٍ أضحية كل عام وعتيرة ) وهذا أيضاً لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فالراجح في هذه المسألة: أن الأضحية سنة مؤكدة وأنها ليست واجبة، وأنه يكره للقادر أن يتركها، فإذا كان الإنسان قادراً فإنه يكره له أن يتركها.
    الأضحية الواجبة
    قال المؤلف رحمه الله: [لا تجب إلا بالنذر].الأضحية -كما تقدم تقريره- سنة، لكنها تجب بالنذر لحديث عائشة في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) فلو قال: لله علي أن أضحي هذا العام، أو قال: نذر علي أن أضحي أو: هذه الشاة نذرتها أضحية، فتجب الأضحية في هذه الحالة.
    أفضلية التضحية بالنعم على الصدقة بها
    قال رحمه الله: [والتضحية أفضل من الصدقة بثمنها].وإنما كانت التضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن هذا هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا لو اشترى أضحية بثلاثمائة ريال أو أربعمائة ريال وتصدق بثمانمائة ريال، فنقول: كونه يشتري أضحية بأربعمائة ريال ويذبحها أفضل من كونه يتصدق بثمانمائة ريال؛ لأمور:أولاً: لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم هو التضحية.ثانياً: العمل بالسنة وإحياء السنة.ثالثاً: لأن إراقة الدم عبادة مقصودة لله عز وجل في الأضحية والهدي، يتعبد بهما الله عز وجل.رابعاً: لأن الأضحية في كل ملة، كما قال ابن القيم رحمه الله: في كل ملةٍ صلاة ونسيكة، لا يقوم غيرها مقامها.خامساً: لأن الإنسان إذا ضحى فإنه يأتي بعبادة الوقت، بخلاف الصدقة فإن الصدقة مشروعة على الدوام، فمن هذه الوجوه الخمسة تكون التضحية أفضل من الصدقة بثمن الأضحية.
    مراتب الأضحية في الأفضلية
    قال المؤلف رحمه الله: [والأفضل فيهما: الإبل، ثم البقر، ثم الغنم].هذا إذا أخرج كاملاً، فجنس الإبل إذا أخرج كاملاً أفضل من جنس البقر، وجنس البقر أفضل من جنس الغنم؛ لكثرة الثمن ونفع الفقراء، أما إذا أراد أن يضحي بسبع بدنة أو سبع بقرة فالأفضل الغنم، فكونه يخرج شاة -جذع ضأن أو ثني معز- أفضل من كونه يذبح أو يضحي أو يهدي بسبع بدنة أو سبع بقرة.ولكن ما الأفضل من هذه الإبل والبقر والغنم؟ أما من حيث الجنس إذا أراد أن يخرج كاملاً فالإبل ثم البقر ثم الغنم، ولكن إذا أراد أن يخرج شاةً أو بقرةً أو بعيراً، فما هو الأفضل من ذلك؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله : أن الأفضل الأسمن، ثم بعد ذلك الأغلى ثمناً، ثم بعد ذلك الأملح، فالترتيب عندهم: الأسمن، ثم بعد ذلك الأغلى ثمناً، ثم بعد ذلك الأشهب وهو الأملح، وبعد الأملح الأصفر.والرأي الثاني: أن الفضيلة على قدر الثمن مطلقاً، سواء أكان أصفر أم أملح أم غير ذلك، المهم على قدر الثمن، فكلما كان الشيء أغلى كان أفضل، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو الأقرب.وأيهما أفضل: الضأن أم المعز؟ العلماء رحمهم الله يقولون: جذع الضأن أفضل من ثني المعز.
    من مستحبات الأضحية
    قال رحمه الله: [ويستحب استحسانها واستسمانها].يستحب للإنسان إذا أراد أن يخرج الأضحية أن يتحرى الأضحية الحسنة.. الأضحية السمينة؛ لما في ذلك من تعظيم شعائر الله، والله عز وجل يقول: وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] ولحديث أنس في صحيح البخاري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين )، فقوله: (أملحين)، هذا يدل على أنه يستحب استحسان الأضحية وأيضاً استسمانها، لما تقدم من الآية.
    شروط إجزاء الأضحية
    قال رحمه الله: [ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه].الأضحية يشترط لصحتها شروط: الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، أي: من الإبل أو البقر أو الغنم، والغنم يشمل المعز والضأن، وعلى هذا فلو ضحى بغير بهيمة الأنعام فإنه لا يجزئ، لو ضحى بغزال مثلاً، ولو أنها قد تكون أغلى من النعم، فإن هذا غير مجزئ، أو ضحى بحمار وحشي فإن هذا نقول: بأنه غير مجزئ اقتصاراً على النص.الشرط الثاني: السن، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن والثني مما سواه) والسن بالنسبة للضأن: الجذعة، وهو ما له ستة أشهر، وبالنسبة لما عداه الثني، فالمعز ما يكون له سنة، والبقر ما يكون له سنتان، والإبل ما يكون له خمس سنوات، ويدل لذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تذبحوا إلا مسنة ) والمسنة: هي الثنية، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن تعسر عليكم، فتذبحوا جذعةً من الضأن ) وهذا أخرجه مسلم في صحيحه.وأيضاً حديث عقبة بن عامر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا فصار لـعقبة جذعة، فقال: يا رسول الله! صارت لي جذعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضح بها ) وهذا في الصحيحين.قال رحمه الله: [وثني المعز ما له سنة، وثني الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان].ثني المعز: ما له سنة ودخل في الثانية، وثني الإبل: ما له خمس سنوات ودخل في السادسة، والبقر: ما له سنتان ودخل في الثالثة، والدليل على أنه تذبح الثنية كما تقدم من الأحاديث: حديث جابر وحديث عقبة رضي الله تعالى عنهم، والأسنان هذه هي مقتضى اللغة العربية.
    التشريك في الأضحية
    قال رحمه الله: [وتجزئ الشاة عن واحدٍ، والبدنة والبقرة عن سبعة].يعني: الشاة الواحدة تجزئ عن الواحد وعن أهل بيته وعياله، ودليل هذا حديث أبي أيوب ، قال: ( كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون ) وهذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه ، والإمام مالك ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.فهذا يدل على أن الشاة الواحدة تكفي عن الرجل وعن أهل بيته وعياله، وإذا كان للشخص أكثر من بيت، كأن يكون له زوجتان أو ثلاث زوجات، تكفي شاة واحدة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ومع ذلك كان له تسعة أبيات.وقوله: (وتجزئ الشاة عن واحدٍ)، نقول: التشريك في الأضحية ينقسم إلى قسمين:القسم الأول: التشريك في الثواب، فالإنسان له أن يشرك في الثواب من شاء، يعني: يضحي ويشرك من شاء، يشرك أقاربه الأحياء والأموات، فالجميع له أن يشركهم في الثواب، فنقول: هذا جائز ولا بأس به، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرك، فقال: ( عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد ولي بالبلاغ ) فكون الإنسان يذبح الأضحية ويشرك أقاربه الأحياء والأموات في ثوابها، نقول: هذا جائز ولا بأس به، وهو على خير.القسم الثاني: التشريك في الملك، وذلك بأن يشترك بيتان في أضحية، فهذا لا يجزئ. مثلاً: هذا الرجل عنده بيت، وجاره عنده بيت، فيشتركان، هذا يدفع نصف القيمة وهذا يدفع نصف القيمة، نقول: بأن هذا غير مجزئ؛ لأن الأصل أن يضحي الإنسان بشاة كاملة ولا يضحي ببعض شاة، فهذا لم يرد، ولكن لو اشترك أهل بيت في أضحية فكل واحد دفع واشتروا أضحية. مثلاً: المرأة وزوجها.. الزوج دفع نصف الأضحية والمرأة دفعت نصف الأضحية، أو أخوان في بيت واحد يسكنانه، هذا دفع النصف وهذا دفع النصف، فهذه المسألة موضع خلاف، والأظهر أن هذا جائز ولا بأس به؛ لحديث أبي الأسد في مسند الإمام أحمد رحمه الله، أنهم كانوا سبعة، واشتركوا في الأضحية، فنقول: إذا كان في بيت واحد يظهر أن هذا مجزئ ولا بأس به إن شاء الله.وقوله: (والبدنة والبقرة عن سبعة) التشريك في الملك كما تقدم لا يجزئ إلا عن أهل بيت إذا كانت شاةً واحدة، أما إذا كانت بدنةً أو بقرةً، فإن البقرة تجزئ عن سبعة أبيات، والبقرة أيضاً تجزئ عن سبعة أبيات؛ لحديث جابر رضي الله تعالى عنه في مسلم ، قال: ( أمر صلى الله عليه وسلم أن يشتركوا في الإبل والبقر كل سبعة في واحدٍ منهما ) وهذا أخرجه مسلم في صحيحه، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، فالاشتراك في البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، سواء أراد كل منهم الأضحية أو لا. فلو أن سبعة أشخاص هذا الأول أراد الأضحية، والثاني أراد هدي المتعة، والثالث أراد هدي القران، والرابع أراده هدياً عن ترك واجب، والخامس أراده هدياً عن فعل محظور، والسادس أراده تطوعاً، والسابع أراد أن يأكله لحماً، واشتركوا في إبل أو في بقر، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به.
    عيوب الأضحية
    قال رحمه الله: [ولا تجزئ العوراء البين عورها].هذا الشرط الثالث من شروط صحة التضحية، ذكرنا الشرط الأول: أن تكون من بهيمة الأنعام، والشرط الثاني: السن، والشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، والعيوب تنقسم إلى قسمين: عيوب مانعة من الإجزاء، وعيوب مانعة من الكمال.
    العوراء
    ذكر المؤلف رحمه الله العيوب المانعة من الإجزاء، فقال: (ولا تجزئ العوراء البين عورها).العوراء البين عورها هذه تحتها صور: الصورة الأولى: التي انخسفت عينها، فهذه غير مجزئة، لأنها عوراء بين عورها.الصورة الثانية: التي نتأت عينها.. خرجت عينها، أيضاً نقول: بأن هذه لا تجزئ.الصورة الثالثة: التي على عينها بياض، أي: أن العين لم تنخسف ولم تخرج، ولكن عليها شيء من البياض، فهذه تجزئ؛ لأنها عوراء وعورها ليس بيناً.الصورة الرابعة: العمياء التي لا تبصر، فهذه أيضاً لا تجزئ، لأنها أشد من العوراء.الصورة الخامسة: أن تكون عينها قائمة ولكنها لا تبصر بها، فنقول: بأن هذه تجزئ، فهي ليست عمياء.. تبصر بإحدى العينين، وإحدى العينين قائمة لكنها لا تبصر بها، فهذه نقول: بأنها تجزئ.الصورة السادسة: العشواء، وهي التي تبصر في النهار ولا تبصر في الليل، فهذه نص الشافعية على أنها مجزئة؛ لأن عورها ليس بيناً.فتلخص لنا: أن العوراء تحتها ست صور، من هذه الصور ما هو مجزئ ومنه ما ليس بمجزئ.
    العجفاء
    قال رحمه الله: [ولا العجفاء التي لا تنقي].العجفاء: هي التي ذهب مخ عظمها وشحم عينها، فالعجفاء الهزيلة التي لا مخ فيها، وعلى هذا نقول: العجفاء تحتها ثلاث صور:الصورة الأولى: أن تكون هزيلةً ليس في عظامها مخ، يعني: إذا كسرت العظم لا تجد فيه ودكاً.. تجد العظم أحمر، فهذه هزيلة عجفاء لا تنقي، فلو ذبحها ثم كسرنا العظم لم نجد فيه شيء.. لم نجد فيه ودك، فهذه نقول: بأنها لا تجزئ، فنقول: الصورة الأولى: هزيلة ليس في عظامها مخ، هذه غير مجزئة.الصورة الثانية: سمينة وليس في عظامها مخ، وذلك بأن يأتي الربيع، وتأكل وتشبع ويحصل لها السمن، لكن حتى الآن لم يحصل مخ في عظامها، فهذه تجزئ.الصورة الثالثة: عكس الثانية، وهي هزيلة لكن في عظامها مخ، وهذه أيضاً نقول: بأنها مجزئة.فأصبح عندنا العجفاء: هزيلة ليس في عظامها مخ، لا تجزئ، وسمينة ليس في عظامها مخ، مجزئة، وهزيلة في عظامها مخ، وهذه مجزئة.
    العرجاء
    قال رحمه الله: [ولا العرجاء البين ظلعها].هذه الثالثة: العرجاء البين ظلعها، وهذه تحتها صور:الصورة الأولى: العرجاء التي لا تطيق مشياً مع الصحيحة، يعني: فيها عرج وعرجها هذا يجعلها تتأخر عن الغنم، فهذه نقول: بأنها غير مجزئة.الصورة الثانية: العرجاء التي لا يمنعها عرجها من معانقة السليمة، فيها عرج لكن مع ذلك العرج يسير، وتستطيع أن تجاري الغنم، وتمشي مع الغنم ولا تتأخر عن الغنم، وهذه نقول: بأنها تجزئ؛ لأنها عرجاء وعرجها ليس بيناً.الصورة الثالثة: أن تكون مكسورة اليد أو الرجل، وهذه نقول بأنها لا تجزئ، فهي أشد من العرجاء؛ لأنها لا تمشي.الصورة الرابعة: أن تكون مقطوعة اليد أو الرجل، هذه أيضاً نقول: بأنها لا تجزئ.الصورة الخامسة: التي لا تستطيع المشي لسمنها، ليست عرجاء وليست مكسورة اليد ولا مكسورة الرجل، لكن لسمنها ولكثرة شحمها لا تستطيع أن تمشي وأن تعانق الغنم، فهذه نص المالكية على أنها مجزئة لعدم العاهة؛ لأن الذي منعها من المشي هو كثرة السمن، وهذا مطلوب، وكما تقدم لنا أن المؤلف رحمه الله يقول: (يستحب استسمانها واستحسانها)، فهذه كلها داخلة تحت قول المؤلف رحمه الله: (ولا العرجاء البين ظلعها).
    المريضة
    قال رحمه الله: [ولا المريضة البين مرضها].المريضة البين مرضها هذه تحتها صور:الصورة الأولى: المريضة التي مرضها بين، بأن يظهر عليها آثار المرض كالحمى التي تقعدها عن المرعى، وكالجرب الظاهر المفسد للحمها، وغير ذلك مما يعده الناس مرضاً، فنقول: بأن هذه غير مجزئة، ومثل ذلك الآن ما يوجد من الطلوع التي توجد في البهائم، أعني: الطلوع الحية، فإذا كانت يابسة، فهذه مجزئة إن شاء الله، لكن الطلع الذي يوجد في البهائم إذا كان حياً ليس يابساً فهذا مرض ظاهر فتكون هذه مريضة بين مرضها، ونقول: بأنها لا تجزئ. الصورة الثانية: المريضة التي مرضها ليس بيناً، كأن يكون فيها حمى يسيرة لا تقعدها عن المرعى، ونحو ذلك من الأشياء التي لا تكون بينةً، فهذه نقول: بأنها مجزئة.الصورة الثالثة: ما أخذها سبب الموت، وهذه نقول: لا تجزئ، كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، حتى تنجو، فالتي سقطت من علو، ثم أخذها سبب الموت، كما لو أنها متردية -سقطت من علو- أو نطيحة أو صدمت، ثم أخذها صاحبها وذبحها بنية الأضحية، هذه لا تجزئ؛ لأن هذه مريضة بين مرضها، حتى تنجو وتشفى.الصورة الرابعة: المبشومة حتى تثلط، وما هي المبشومة؟ المبشومة: هي التي أكلت حتى انتفخ بطنها، فهذه لا تجزئ حتى تثلط، أي: حتى تخرج الذي في بطنها.الصورة الخامسة: ما أخذها سبب الولادة حتى تنجو، يعني: إذا بدأ بها سبب الولادة ثم أخذها صاحبها وضحى بها، فنقول: لا تجزئ حتى تنجو وتسلم؛ لأن الولادة من أسباب الهلاك.وهذا الأربعة التي ذكرها المؤلف رحمه الله دل لها حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي ) وهذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والإمام أحمد وابن الجارود والحاكم والبيهقي وغيرهم، وهذا الحديث صحيح ثابت، وصححه جمع من أهل العلم، منهم الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم.هذه الأربع وما تحتها من الصور هي العيوب التي تمنع من الإجزاء، وما عدا ذلك فالأصل فيه أنه مجزئ ولا بأس به.
    العضباء
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا العضباء التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها].ما هي العضباء؟ فسرها؛ فقال: التي ذهب أكثر قرنها أو أذنها، فيقول المؤلف رحمه الله بأنه لا تجزئ العضباء، ودليل ذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بأعضب الأذن والقرن ) أي: الذي قطع منه أكثر القرن أو كله، أو أكثر الأذن أو كلها، وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه.والصحيح في ذلك: أن أعضب الأذن والقرن يجزئ، والجواب عن الحديث من وجهين:الوجه الأول: أن هذا الحديث في ثبوته نظر.الوجه الثاني: على فرض ثبوت الحديث، فنقول: النهي هنا للتنزيه؛ لأن حديث البراء النبي صلى الله عليه وسلم ذكره على وجه البيان؛ لأنه قام خطيباً في الناس، وقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي)، وما عداها دليل على أنه جائز.والرأي الثاني أعني الإجزاء هو مذهب الشافعية، وأما الحنابلة يقولون: لا تجزئ فالشافعية يقولون: بأنه يجزئ، وهذا القول هو الصواب.وقول المؤلف رحمه الله: (التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها) يفهم منه: أنه لو كان الذاهب بعض القرن أو بعض الأذن مثلاً: قطع بعض أذنها أو بعض قرنها، ما هو الحكم: أيجزئ أم لا يجزئ؟ نقول: هذا مجزئ ولا بأس به، بل يفهم منه: أنه لو قطعت نصف الأذن ونصف القرن فإنها تجزئ.إذاً الأقسام ثلاثة: القسم الأول: ذهب أكثر الأذن أو أكثر القرن، يقول المؤلف: لا تجزئ، وذكرنا أن مذهب الشافعية أن هذا مجزئ ولا بأس به، حتى المالكية كلامهم قريب من مذهب الشافعية، أنه يقولون بالإجزاء، وإن كانوا يشترطون.القسم الثاني: أن يذهب نصف القرن أو الأذن.القسم الثالث: أن يذهب دون النصف، أي: أقل من النصف، فهذه مجزئة عند الحنابلة وعند الشافعية.
    الجماء والبتراء
    قال رحمه الله: [وتجزئ البتراء والجماء].الجماء: هي التي لم يخلق لها قرن، فيقول المؤلف رحمه الله بأنها تجزئ، وهذا باتفاق الأئمة.وقوله: (البتراء) البتراء: هي التي لا ذنب لها، سواء كان ذلك خلقةً أو مقطوعاً. واعلم أن عندنا أمرين: ذنب وإلية، الذنب يكون بأي شيء؟ يكون في المعز، وأيضاً غيره من البقر والإبل، فالبقر ليس لها إلية والإبل ليس لها إلية، وإنما لها ذنب، فقطع الذنب هذا لا يمنع من الإجزاء؛ لأنه ليس مقصوداً، يعني: وإن كان فيه جمال وأيضاً ينتفع به الحيوان، إلا أنه ليس عضواً مقصوداً كاليد وكالرجل ونحو ذلك.فنقول: بأن الذنب قطعه هل يمنع من الإجزاء؟ الجواب: بأنه لا يمنع من الإجزاء.الثاني: ما له إلية، مثل الضأن، فالإلية هذه فيها تفصيل: إذا قطعت الإلية فلا يجزئ، وإذا قطع أكثر الإلية فإنه لا يجزئ وإذا قطع النصف أو أقل من النصف فإنه مجزئ، وإنما لا يجزئ إذا قطعت كل الإلية أو أكثرها؛ لأن الإلية عضو مقصود، فالشحم ينتفع به الناس، فالإلية عضو مقصود للحيوان ينتفع به، فنقول بأنه لا يجزئ.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب المناسك [16]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (62)


    ما كان مخصياً أو مجبوباً جاز الأضحية به، والسنة في الإبل النحر معقولة اليد اليسرى، والذبح بالنسبة للبقر والغنم، والسنة في الدعاء أن يقتصر بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقت الذبح يبدأ من بعد صلاة العيد إلى آخر أيام التشريق، وتتعين الأضحية أو الهدي
    الخصي في الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [وتجزئ الجماء والبتراء والخصي، وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها].وهذا تقدم أن تكلمنا عليها فيما يتعلق بالجماء، وذكرنا أن الجماء: هي التي لم يخلق لها قرن، فهذه تجزئ باتفاق الأئمة. قوله: (والبتراء) أيضاً البتراء: هي التي لا ذنب لها خلقةً أو مقطوعاً، وذكرنا أن البتراء تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أن يكون المبتور ذنباً، كما في الإبل والبقر والغنم فهذه تجزئ. والقسم الثاني: أن يكون المبتور إليةً، فهذه ذكرنا فيها التفصيل.قوله: (والخصي).الخصي: هو ما قطعت خصيتاه، فهذا يجزئ.ويدل لذلك حديث أبي رافع رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين ) يعني: مخصيين، وهذا رواه الإمام أحمد رحمه الله؛ ولأن الإخصاء يزيد في سمن البهيمة وطيب لحمها.والخصي ينقسم إلى قسمين:القسم الأول: ما قطعت خصيتاه فقط، فهذا يجزئ.القسم الثاني: أن يكون خصياً مجبوباً، يعني: قطعت خصيتاه وقطع أيضاً ذكره، فجمع بين قطع الخصيتين وبين قطع الذكر، فهل يجزئ أو لا يجزئ؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا كان خصياً مجبوباً أنه لا يجزئ، والأقرب في ذلك الإجزاء؛ لأننا سبق أن ذكرنا أن الذي لا يجزئ هو ما دل عليه حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، وما كان في معنى تلك العيوب التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم.قوله: (وما شقت أذنها أو خرقت أو قطع أقل من نصفها).تقدم الكلام على العضباء، وأن العضباء: هي التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها، وهل يجزئ أو لا يجزئ؟ تقدم الكلام على هذه المسألة، وذكرنا أن الصواب في هذه المسألة أنه مجزئ ولا بأس به.
    ذبح الأضحية

    كيفية ذبح الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [والسنة نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى].يدل لذلك القرآن والسنة:أما القرآن فقول الله عز وجل: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: قياماً على ثلاث قوائم.وأيضاً قول الله عز وجل: فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] وهذا يدل على أنها قائمة، فقوله: (وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) يعني: سقطت على جنبها، فهذا مما يدل على أنها قائمة.ومن السنة حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( أنه أتى على رجلٍ قد أناخ راحلته فنحرها، فقال: ابعثها قياماً مقيدةً سنة محمد صلى الله عليه وسلم ).قوله: [وذبح البقر والغنم على صفاحها].يعني: البقرة تذبح ذبحاً، ويدل لذلك قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] وأيضاً حديث أنس رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين ) وفي رواية: ( أقرنين ) قال: ( فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر فذبحهما بيده )، وهذا أخرجه البخاري في صحيحه.
    ما يقال عند الذبح
    قال المؤلف رحمه الله: [ويقول عند ذلك: بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك].قوله: (يقول: باسم الله، والله أكبر).هذا كما تقدم في حديث أنس رضي الله تعالى عنه، قال: ( فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر ) والتسمية شرط من شروط صحة التذكية، لحديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ) فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم للحل شرطين: الشرط الأول إنهار الدم، والشرط الثاني ذكر اسم الله عز وجل، وأما التكبير فسنة.قوله: (اللهم هذا منك ولك).أيضاً يقول المؤلف رحمه الله: يستحب أن يقول عند الذبح: اللهم هذا منك ولك، ومعنى قوله: (هذا منك ولك) أي: هذا من فضلك ونعمتك لا من حولي ولا قوتي، ولك التقرب لا إلى من سواك، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذبح، قال: باسم بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ) رواه مسلم.فالأحسن للمسلم أن يقتصر على السنة، وأن يقول: باسم الله، كما ورد، ويقول: الله أكبر، ويقول: اللهم تقبل من فلان ومن آل فلان، هذا هو الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأما قول: (اللهم هذا منك ولك) فهذا لا أعرف فيه سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الثابت كما أسلفنا، هو قول: ( اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ).
    صفات ذابح الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم، وإن ذبحها صاحبها فهو أفضل].بالنسبة للذابح الأفضل أن يتولى صاحبها ذبحها، ويدل لهذا كما تقدم في حديث أنس قال: ( فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر )، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى ذبح الأضاحي وتولى ذبح الهدايا، فذبح بيده ثلاثاً وستين بدنة، فالأفضل للإنسان أن يتولى الذبح بنفسه إن كان يحسنه، لعدة أمور:الأمر الأول: أن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أنس السابق، وحديث جابر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح بيده ثلاثاً وستين بدنة ).الأمر الثاني: أن هذا الذبح عبادة يؤجر عليها الإنسان، فكون الإنسان يتولى الذبح بنفسه فهذه عبادة يؤجر عليها.الأمر الثالث: أن الإنسان إذا تولى الأمر بنفسه فإنه يكون أكثر طمأنينة إلى تحقق الشروط الشرعية في هذه العبادة مما لو وكل غيره، فهو يتحقق من التسمية ويتحقق من إنهار الدم.فإن تولاها بنفسه قلنا: هذا هو الأفضل، أما إذا كان لا يحسن ذلك، أو كان معذوراً ونحو ذلك فإنه يوكل.
    التوكيل في الأضحية
    قوله: [ولا يستحب أن يذبحها إلا مسلم].إذا وكل فإن هذا لا يخلو من أمرين:الأمر الأول: أن يوكل مسلماً، فهذا التوكيل صحيح بالاتفاق، وإذا وكل مسلماً فإنه يستحب أن يشهدها ويحضرها إذا لم يتولاها بنفسه.الأمر الثاني: أن يوكل كتابياً، يعني: ممن تحل ذبيحته كاليهودي والنصراني، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، هل تصح تذكية الكتابي للأضحية أو لا تصح؟ هذا فيه ثلاثة آراء للعلماء:الرأي الأول: أنها تصح؛ لأن الكتابي من أهل التذكية، فإذا ذبح الأضحية فإن هذا جائز ولا بأس به، ولأن الكافر يتولى ما يكون قربةً كبناء المسجد، فهذا لا بأس.الرأي الثاني: أنه لا تجزئ تذكية الكتابي، وهذه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.الرأي الثالث: وهو رواية للإمام أحمد أنه لا يجزئ تذكية الكتابي للإبل خاصة، وما عدا ذلك فإنه مجزئ.
    وقت ذبح الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد].هذا هو الشرط الرابع من شروط صحة التذكية، ذكرنا شروطاً:الشرط الأول: أن يكون ذلك من بهيمة الأنعام.والشرط الثاني: السن المعتبر شرعاً.والشرط الثالث: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء. وهذا هو الشرط الرابع من شروط صحة التذكية: وهو أن يكون الذبح في وقته المعتبر شرعاً، إذا ورد له حد من الشارع فيشترط أن يكون في وقته المعتبر شرعاً، فما هو وقت ذبح الأضحية؟
    آراء العلماء في وقت الذبح
    قوله: (ووقت الذبح يوم العيد بعد صلاة العيد).هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة : أن ذبح الأضاحي يبدأ يوم العيد من بعد صلاة العيد.والرأي الثاني: مذهب الشافعي رحمه الله: أنه من بعد مضي قدر الصلاة، سواء صلى الإمام أو لم يصل.الرأي الثالث: مذهب مالك رحمه الله: أنه من بعد ذبح الإمام، فأشدها مذهب مالك ، ويقابله مذهب الشافعية، والمذهب الوسط مذهب الحنابلة والحنفية، فالحنابلة والحنفية يقولون: من بعد الصلاة، وهذا ظاهر، فإذا صليت فابدأ الذبح.والرأي الثاني لا يقيد بالصلاة وإنما إذا مضى قدر الصلاة، سواء صلوا أو لم يصلوا، فمثلاً: صلاة العيد يدخل وقتها بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، فإذا مضى قدر الصلاة كأن طلعت الشمس وارتفعت قيد رمح ومضى قدر الصلاة، وقدر الصلاة مثلاً: ثلث ساعة، فإذا مضى ثلث ساعة بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح فما الحكم هنا؟ يقولون: بأن الوقت قد دخل، حتى ولو كان الناس يصلون، المهم إذا مضى قدر الصلاة بعد دخول وقتها فالشافعية رحمهم الله يرون أن الذبح قد حل.ولكل منهم دليل، أما الذين قالوا: بأن الذبح يبدأ من بعد الصلاة، فاستدلوا بحديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء )، هذا في الصحيحين.وحديث البراء ظاهر، ومثله أيضاً حديث جندب البجلي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ) وهذا في الصحيحين. أما الشافعية فيستدلون على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب الذبح على فعل الصلاة، والمراد الزمن، بدليل أهل البوادي الذين لا يصلون مع أن عندهم صلاة عيد، فماذا يعتبرون؟ قالوا: هذا دليل على أن المعتبر هو مضي الزمن.أما رأي مالك رحمه الله فإنه يستدل على هذا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم يوم النحر بالمدينة، فسبقهم رجال فنحروا، وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحر حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم )، وحديث جابر في مسلم .والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة والحنفية: وأن الأمر معلق بفعل الصلاة، وأما حديث جابر هذا فأجاب عنه النووي رحمه الله وغيره: أن المراد بذلك الزجر عن التسرع إلى الذبح الذي قد يؤدي إلى الذبح قبل الوقت.وأما دليل الشافعية وأنه المعتبر الزمن بدليل من لا يصلي، فهذا ضعيف، ونقول: هذا اجتهاد في مقابلة النص، ولا اجتهاد مع النص، فتبين لنا أن وقت ذبح الأضحية يبدأ من بعد فعل الصلاة.هذا بالنسبة لمن يصلي، أما بالنسبة لمن لا يصلي كأهل البوادي أو القرى الذين ليس عندهم عيد فهؤلاء يقدرون، فإذا مضى قدر الصلاة فإنهم يذبحون، فإذا قلنا: بأن الصلاة تستغرق ثلاثين دقيقة، أو عشرين دقيقة، فإذا مضى قدر الصلاة فإنهم يذبحون.وقال بعض العلماء -كما قال الإمام مالك رحمه الله-: بأنهم يذبحون من بعد ذبح أقرب الأئمة إليهم، فينظرون من أقرب الأئمة إليهم ويذبحون بذبحه.والصواب في ذلك: ما ذهب إليه أهل الرأي الأول وهو قول الحنابلة: أن المعتبر بذلك مضي قدر الصلاة، وأيضاً هو قول الشافعية، لكن الشافعية يضيفون على ذلك يقولون: إن المعتبر مضي قدر الصلاة والخطبة، والحنفية يقولون: بعد طلوع الفجر الثاني، والرأي الأخير رأي مالك : أنه بعد ذبح أقرب الأئمة إليه، والأقرب في ذلك ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله.
    مدة ذبح الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [إلى آخر يومين من أيام التشريق].فتكون مدة الذبح ثلاثة أيام: يوم العيد ويومان بعده، فأيام الذبح ثلاثة، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، وهو قول جمهور أهل العلم رحمهم الله، واستدلوا على ذلك بأن الله عز وجل قال: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28] والأيام المعلومات جمع، وأقل الجمع ثلاثة: يوم العيد ويومان بعده، فدل ذلك على أن أيام الذبح تكون ثلاثة أيام.والرأي الثاني: مذهب الشافعي واختاره شيخ الإسلام وابن القيم : أن أيام الذبح أربعة وليست ثلاثة، يوم العيد وثلاثة أيامٍ بعد يوم العيد، واستدلوا على ذلك بحديث نبيشة الهذلي رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيام التشريق أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل ) فقال: (وذكرٍ لله عز وجل) ومن ذكره ذكره عند الذبح: التسمية والتكبير، وقول: اللهم تقبل، وأيام التشريق ثلاثة، بالإضافة إلى يوم العيد فتكون أربعة، وقال ابن القيم رحمه الله: بأن أيام التشريق تتحد أحكامها، فيحرم فيها الصيام ويشرع فيها الرمي بعد الزوال، ويشرع فيها البيتوتة بمنى في تلك الليالي، فلا يبقى إلا الذبح.والذبح كما قلنا: أكثر أهل العلم يقولون بأن الذبح في اليوم الأول والثاني، واليوم الثالث من أيام التشريق لا يوجد ذبح، فيقول ابن القيم رحمه الله: الذبح أيضاً كسائر الأحكام، كما أن هذه الأيام لا صيام فيها، وهذه الأيام فيها الرمي وفيها التكبير وفيها البيتوتة بمنى ليالي أيام التشريق، فكذلك أيضاً يكون فيها الذبح.وورد أيضاً في حديث جبير بن مطعم أنه قال: ( كل أيام التشريق ذبح )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله، لكنه مرسل.وعلى كل حال: فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية : أن أيام التشريق كلها يذبح فيها، وعلى هذا تكون الأيام للذبح أربعة: يوم العيد وثلاثة أيام بعدها.
    الذبح في ليالي أيام التشريق
    الذبح في ليالي أيام التشريق هل يكره أو لا يكره؟ أما الإجزاء فإنه مجزئ، لكن هل يكره أو لا يكره؟أكثر أهل العلم على الكراهة، يعني: الذين يقولون يكره أن يذبح في الليل، ويستدلون على ذلك بحديث عطاء بن يسار : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالليل ) وهذا رواه ابن حزم وهو ضعيف ولا يثبت.وعلى هذا نقول: الصواب في هذه المسألة أنه لا كراهة، كما ذهب إليه ابن حزم وقال به بعض الحنابلة، لكن الأفضل أن يذبح نهاراً، فالذبح نهاراً هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والأفضل أن يذبح يوم العيد؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
    ما تتعين به الأضحية والهدي
    قال المؤلف رحمه الله: [وتتعين الأضحية بقوله: هذه أضحية، والهدي بقوله: هذا هدي، وإشعاره وتقليده مع النية].بم يتعين الهدي والأضحية؟ نقول: بأن الأضحية والهدي كل منهما يتعين بأمور: الأمر الأول: القول، بأن يقول: هذا هدي، أو يقول: هذه أضحية، أو يقول: هذا لله عز وجل، فإنه يتعين بذلك.الأمر الثاني: الفعل، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (وإشعاره وتقليده) الإشعار: هو أن يشق جانب السنام الأيمن من الإبل أو البقر، والتقليد: أن يعلق في عنق البهيمة شيء ليدل على أنها هدي، فالتقليد والإشعار سنة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لهما، لكن التقليد ليس خاصاً، فالتقليد يكون في الإبل وفي البقر وفي الغنم، وأما الإشعار فإنه خاص بالإبل والبقر، أما الغنم والضأن فلا إشعار فيها؛ لأن الشق هذا يستتر بالصوف والشعر، بخلاف البقر وخلاف الإبل، هذان أمران.الأمر الثالث: النية حال الشراء أو السوق، فإذا نوى حال شرائه أنه أضحية، أو نوى حال الشراء أنه هدي، فهل يكون أضحيةً وهدياً، أو نقول: لا يكون أضحيةً وهدياً؟ يعني: اشترى الشاة هذه وهو ينوي أنها أضحية، ولم يقل: هذه لله، أو هذه أضحية، أو اشتراها على أنها هدي، أو ساقها على أنها هدي ونوى بذلك، فهل تتعين بذلك أو لا تتعين؟ هذا موضع خلاف.الرأي الأول: وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها لا تتعين بهذا، بل لا بد من القول أو الفعل كما تقدم، ولا تكفي النية.والرأي الثاني: أنها تتعين بذلك وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبه قال أبو حنيفة .والصواب في هذه المسألة: أنه إذا اشتراها بنية الأضحية أنها لا تتعين، كما لو أخرج دراهم ونوى التصدق بها ثم رجع، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس بذلك.
    الأحكام المترتبة على تعيين الهدي والأضحية
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يعطي الجزار بأجرته شيئاً منها].لما تكلم المؤلف رحمه الله عم يتعين به الهدي أو الأضحية، ذكر بعض الأحكام المترتبة على هذا التعين، يعني: إذا حصل تعيين الهدي والأضحية فهناك أحكام مترتبة على ذلك، من هذه الأحكام قوله: (ولا يعطي الجزار بأجرته شيئاً منها) وهذا باتفاق الأئمة، لا يعطيه من اللحم مقابل أجرته، أو يعطيه الجلد مقابل الأجرة، مثلاً: أجرة الذبح تساوي عشرين ريالاً، فيعطيه من اللحم بقدر عشرين ريالاً، نقول: هذا لا يجوز، أو يعطيه الجلد، مثلاً: كان الذبح بعشرين ريالاً والجلد بعشرة ويعطيه عشرة ريالات، نقول: هذا لا يجوز.ويدل لذلك حديث علي رضي الله تعالى عنه، قال: ( وألا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال: نحن نعطيه من عندنا )، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقوم على بدنه، قال: (وألا أعطي الجازر منها شيئاً، وقال -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- نحن نعطيه من عندنا ) يعني: أجرة، وهذا في الصحيحين.وقوله: (بأجرته).يخرج ما لو أعطاه شيئاً لا يكون أجرةً فإن هذا لا بأس، مثلاً: لو أعطاه من اللحم صدقة، أو هدية، فيقول: بأن هذا جائز ولا بأس بذلك.الحقيقة أن المؤلف رحمه الله ذكر حكماً واحداً فقط مما يتعلق بتعيين الأضحية والهدي، وهناك أحكام كثيرة، نذكر أهم هذه الأحكام باختصار على سبيل الإجمال فنقول:مما يترتب على تعيين الأضحية، يعني: إذا تعينت هذه الشاة أنها أضحية أو أنها هدي فإنه يترتب على ذلك أحكام:الحكم الأول: أنه لا يجوز نقل الملك فيها، لا ببيع ولا هبة ولا غيره، إلا أن العلماء رحمهم الله استثنوا إذا أبدلها بخيرٍ منها، فقالوا: بأن هذا جائز ولا بأس به.الحكم الثاني: ما سبق الإشارة إليه: أنه لا يعطي الجازر بأجرته شيئاً منها.الحكم الثالث: أنه لا يتصرف فيها تصرفاً مطلقاً، فلا يستعملها في حرث إذا كانت بقرة، أو يستعملها في الركوب إذا كانت بعيراً إلا لحاجة أو ضرورة، لكن إذا كان يتضرر في الركوب فإنه لا يجوز أن يركبه.أيضاً: ليس له أن يحلب منها ما يحتاجه ولدها المتعين معها، أو فيه نقص عليها.أيضاً: ليس له أن يجز من صوفها شيئاً إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جز الصوف وكان الجز أنفع فهو بالخيار: إما أن ينتفع به وإما أن يتصدق به، وإن تصدق به فهذا أفضل.الحكم الرابع: إذا تعيبت هذه الأضحية عيباً يمنع الإجزاء، يعني: قال: هذه أضحية لله وأدخلها في البيت ثم انكسرت رجلها -وتقدم لنا أن التي انكسرت رجلها لا تجزئ- أو انفقعت عينها فلا تجزئ، وهذا يحصل كثيراً، مثلاً: يشتري الشاة ويجعلها في السيارة ثم تقفز، يعني: يقول: أضحية أو لله ويعينها، ثم تقفز الأضحية من السيارة ثم تنكسر، هل يجب عليه أن يبدلها أو لا يجب عليه أن يبدلها؟ أو مثلاً: تضيع الأضحية، هل يجب عليه البدل أو لا يجب عليه البدل؟ نقول: هذا لا يخلو من أمرين: الأمر الأول: أن يكون ذلك بتعدٍ وتفريطٍ منه، وما هو التعدي؟ التعدي: فعل ما لا يجوز، والتفريط: ترك ما يجب، مثلاً: شد عليها الحبل فأدى ذلك إلى كسر الرجل، أو تركها فوق السيارة ولم يربطها فقفزت وانكسرت، المهم أن هناك تعد منه أو تفريط، أو ترك الإطعام لها حتى ماتت، أو ترك الباب مفتوحاً حتى هربت، فالمهم: ما دام هناك تعدٍ وتفريط فتعيبت أو ضلت، فإنه يضمنها.الأمر الثاني: أن يكون ذلك بغير تعدٍ منه ولا تفريط، لم يترك واجباً ولم يفعل محرماً فانكسرت أو ضلت أو تعيبت، فنقول: بأنها تجزئ، فيذبحها وهي مجزئة، إلا أن تكون منذورة، يعني: بأن يكون نذر أن يضحي، فهذه لا تجزئ إلا سليمة، حتى وإن كان بغير تعدٍ ولا تفريطٍ منه.
    توزيع الأضحية
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والسنة أن يأكل ثلث أضحيته، ويهدي ثلثها، ويتصدق بثلثها].هذا هو السنة، ويدل لذلك قول الإمام أحمد: أذهب إلى فعل عبد الله ، يعني: الدليل على ذلك فعل عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: يأكل ثلثاً ويهدي ثلثاً ويتصدق بثلث.الرأي الثاني: أنه يأكل النصف ويتصدق بالنصف، لقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28].
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب المناسك [17]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (63)


    يجوز للناسك أن ينتفع بجلد الأضحية، ولا يجوز له أن يبيع شيئاً من أعضائها وجلدها، ويستحب له أن يأكل من هديه إذا كان تطوعاً، ومن نذره إن كان لوجه الله، وإذا كان الهدي واجباً فلا يجوز الأكل إلا في هدي المتعة والقران.
    الأكل من الأضحية والانتفاع بجلدها
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن أكل أكثرها جاز. وله أن ينتفع بجلدها ولا يبيعه ولا شيئاً منها، فأما الهدي فإن كان تطوعاً استحب له الأكل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جزور ببضعة فطبخت، فأكل من لحمها وحسا من مرقها، ولا يأكل من واجبٍ إلا من هدي المتعة والقران. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أراد أن يضحي فدخل العشر فلا يأخذ من شعره ولا من بشرته حتى يضحي ).باب العقيقة:وهي سنة عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة تذبح يوم سابعه، ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقاً، فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين، وينزعها أعضاءً ولا يكسر لها عظماً، وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك ].فقد تقدم لنا بم يتعين كل من الهدي والأضحية؟ وذكرنا أنهما يتعينان بالقول وبالفعل، وهل يتعينان بالنية أم لا؟ وذكرنا أيضاً جملةً من الأحكام المترتبة على تعين الهدي والأضحية، ثم بعد ذلك تقدم أن ذكرنا أن السنة أن يأكل من الأضحية ثلثاً وأن يهدي ثلثاً، وأن يتصدق بثلثٍ، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وقال: أذهب إلى فعل عبد الله ، أي: عبد الله بن مسعود ، فإنه أمر أن يأكل الثلث وأن يهدي إلى أخيه عتبة بالثلث، وأن يتصدق بالثلث.والرأي الثاني -قال به الشافعي في القديم- أنه يأكل نصفاً ويتصدق بالنصف الآخر؛ لقول الله عز وجل: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] .قال المؤلف رحمه الله: [وإن أكل أكثرها جاز].يعني: الأضحية لو أنه أكلها كلها، أو أكل أكثر الأضحية، يقول المؤلف رحمه الله بأن هذا جائز ولا بأس به، لكن قال العلماء رحمهم الله: يجب عليه أن يتصدق بأوقية أو قدر أوقية، والأوقية: تساوي من الدراهم الفضة وزنها أربعين درهماً، وكل عشرة دراهم تساوي سبعة دنانير.. فأربعون درهماً كم يساوي بالدنانير؟ يساوي ثمانية وعشرين ديناراً، والدينار مثقال، والمثقال وزنه بالغرامات أربعة وربع، فتضرب ثمانية وعشرين بأربعة وربع.. كم الناتج؟ مائة وتسعة عشر غراماً، يعني: عشر كيلو وخمس العشر، أي: إذا أكلها كلها أو أكثرها يجب عليه أن يتصدق بعشر كيلو من اللحم وخمس العشر، أي: بمقدار مائة وتسعة عشر غراماً؛ فيشتري لحماً بمائة وتسعة عشر غراماً ويتصدق به.قال المؤلف رحمه الله: [وله أن ينتفع بجلدها، ولا يبيعه ولا شيئاً منها].هذا تقدم الكلام عليه، عندما تكلمنا على ما تتعين به الأضحية، وذكرنا ما يتعلق بالجلد، وأنه ليس له أن يبيعه ولا أن يعطيه الجزار مقابل أجرته، ولا أن يعطي الجزار شيئاً من اللحم مقابل أجرته.
    الأكل من الهدي
    قال المؤلف رحمه الله: [فأما الهدي إن كان تطوعاً استحب له الأكل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جزور ببضعة فطبخت، فأكل من لحمها وحسا من مرقها]. ‏
    مشروعة الأكل من الهدي
    يستحب للحاج أن يأكل من الهدي، سواء كان تطوعاً أو واجباً، فالواجب كهدي المتعة أو القران، والتطوع: كأن اعتمر ثم أهدى للحرم، أو حج مفرداً وأهدى للحرم، فيستحب له أن يأكل، أو أنه ذبح فوق الواجب.. أي: كان متمتعاً فذبح شاتين، أو كان قارناً فذبح شاتين ونحو ذلك، نقول: يستحب له أن يأكل من هذا الهدي.ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى مائة بدنة، وأمر من كل بدنة بقطعة من اللحم، فوضعت في قدر فأكل من هذا اللحم وشرب من المرق؛ لأن المرق يختلط، فإذا شرب من هذا المرق فكأنه شرب من كل مرق لحم هذه الجزور، وأكل من اللحم.. فهو لا يتمكن أن يأكل مائة قطعة، لكن أكل من بعض القطع وشرب من المرق، فشربه من المرق هذا بمنزلة أكله من كل الجزور، فيستحب للإنسان إذا أهدى أن يأكل من الهدي.. إن كان هدي متعة أو قران أو تطوع، بأن زاد على هدي المتعة والقران، أو كان مفرداً أو كان معتمراً وأهدى، فيستحب له أن يأكل منه.قال المؤلف رحمه الله: [ولا يأكل من واجبٍ إلا من هدي المتعة والقران].هذه مسألة مهمة: ما هو الذي يأكل منه، وما هو الذي لا يأكل منه؟نقول: هذا ينقسم إلى أقسام:القسم الأول: الأضحية، فالأضحية يستحب الأكل منها ولو كانت منذورةً، أي: لو نذر أن يضحي.. فالأضحية هنا تكون واجبة بالنذر، فيستحب له أن يأكل من الأضحية، وهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم.. وهدي الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقد تقدم قول المؤلف رحمه الله: (يأكل ثلثاً ويتصدق بثلث ويهدي ثلثاً).القسم الثاني: هدي المتعة يأكل منه، ولهذا قال المؤلف: (ولا يأكل من واجبٍ إلا من هدي متعة وقران).القسم الثالث: هدي القران، وهذا يأكل منه، ويدل لهذين القسمين فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان قارناً، ومع ذلك أهدى وأكل من هديه، فكذلك أيضاً المتمتع.القسم الرابع: ما ذبح نذراً.. والمنذور غير الأضحية.. والأضحية تقدم الكلام عليها، لكن ما ذبح نذراً، نقول: هذا فيه تفصيل وهو نوعان:النوع الأول: إن كان هذا النذر لله عز وجل، مثلاً قال: لله عز وجل أن أذبح شاةً، أو: إن شفى الله مريضي ذبحت لله شاةً ونحو ذلك، فنقول: هذا لا يجوز له أن يأكل منه؛ لأنه أخرجه لله عز وجل، وكل شيءٍ أخرجه الإنسان لله عز وجل فإنه ليس له أن يأكل منه.النوع الثاني من أنواع المنذور: ألا يقصد بالنذر وجه الله عز وجل، وإنما يقصد به الفرح والسرور، فيقول: إن نجحت ذبحت شاةً، ويقصد بذلك فرحاً وسروراً أن يأكلها هو وأهله ونحو ذلك، فهذا له أن يأكل، وحكمه حكم النذر المباح: له أن يوفي به وله أن يترك التوفية به، ويكفر عن ذلك كفارة يمين.القسم الخامس: هدي التطوع، فهدي التطوع له أن يأكل منه؛ لما تقدم من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.القسم السادس: الهدي الذي ذبحه لفعل محظور أو ترك واجب، أو بسبب الإحصار.. فالهدي الذي ذبحه لفعل محظور من المحظورات، مثلاً: إذا حلق رأسه فهو مخير بين أن يذبح شاةً أو أن يصوم ثلاثة أيام، أو أن يطعم ستة مساكين، فإذا ذبح شاةً نقول: هذه الشاة التي ذبحتها لفعل محظور من محظورات الإحرام ليس لك أن تأكل منها.أما الذبح لترك واجب.. فإن ترك واجباً من واجبات الحج، مثل رمى الجمار، فنقول: بأنه ليس له أن يأكل من ذلك.أما الذبح للإحصار فإن أحصر، أي: منع من إتمام النسك -والمحصر كما سبق لنا: يجب عليه أن يذبح هدياً- نقول: ليس له أن يأكل من ذلك.القسم السابع: الهدي إذا ساقه ثم عطب، أي: مرض الهدي ونحو ذلك.. ولم يتمكن من السير، فإنه ليس له أن يأكل منه ولا رفقته، فرفقته ليس لهم أن يأكلوا منه.القسم الثامن والأخير: العقيقة، وهذه حكمها حكم الأضحية، وقد تقدم لنا في الأضحية: أنه يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث.
    العقيقة
    قال المؤلف رحمه الله: [باب العقيقة].
    تعريف العقيقة ومشروعيتها
    العقيقة في اللغة: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين الولادة، هكذا قال الأصمعي رحمه الله، وأنكر الإمام أحمد رحمه الله تفسير الأصمعي وقال: العقيقة الذبح نفسه.وأما في الاصطلاح: فهي ما يذبح من الغنم شكراً لله عز وجل على نعمة الولد.والأصل في العقيقة: السنة، كما سيأتينا إن شاء الله في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وحديث سمرة رضي الله تعالى عنه، وحديث أم كرز وغير ذلك من الأحاديث التي سيأتي بيانها إن شاء الله.
    تسمية العقيقة
    قول المؤلف رحمه الله تعالى: (العقيقة).هل هذه التسمية صحيحة أو ليست صحيحة؟ أي: تسمية هذه البهيمة التي تذبح عن الغلام، أو تذبح شكراً لله عز وجل على نعمة الولد، هل هذه التسمية صحيحة، أو نقول: بأنها ليست صحيحة؟ للعلماء في ذلك قولان:قال بعض العلماء: يكره تسمية هذه الذبيحة بالعقيقة، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال: لا أحب العقوق ) وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وإسناده حسن.وقالوا: بأنها تسمى: نسيكة، ولا تسمى عقيقة.وقال بعض العلماء: لا بأس أن تسمى بالعقيقة؛ لحديث سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل غلامٍ مرتهن بعقيقته ). وقال ابن القيم رحمه الله: التحقيق أنه يكره هجر الاسم المشروع واستبداله باسم العقيقة، وأما لو استعمل الاسم المشروع، وأحياناً تسمى بالعقيقة فلا بأس، يعني: ابن القيم رحمه الله يقول: الغالب أنها تسمى بالنسيكة، وفي بعض الأحيان لا بأس أن تسمى بالعقيقة، ويقول: بهذا تتفق الأحاديث.
    حكم العقيقة
    قوله: [وهي سنة]:أفاد المؤلف رحمه الله عن حكم العقيقة، وأن حكمها سنة، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وهذا القول وسط بين قولين: فالظاهرية يقولون بالوجوب، والحنفية يقولون بعدم المشروعية.. أي أنها لا تشرع، والجمهور يقولون بأنها سنة، والقول بأنها سنة هو أصح وهو وسط.أما الذين قالوا بأنها غير مشروعة، فاستدلوا كما تقدم بحديث عبد الله بن عمرو : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن العقيقة، قال: لا أحب العقوق ) وهذا الحديث -كما تقدم- إسناده حسن.وأما الذين قالوا بأنها واجبة فاستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، والأصل في الأمر الوجوب، كما في حديث سلمان بن عامر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى ) وهذا رواه البخاري ، فقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى) هذا أمر، وأيضاً حديث سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل غلامٍ مرتهن بعقيقته ) والمرتهن يحتاج إلى فكاك.والأقرب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وهو وسط بين القولين.
    فوائد العقيقة
    والعقيقة لها فوائد، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في كتابه: (تحفة المودود بأحكام المولود) في فوائد العقيقة، فذكر رحمه الله بعضاً من فوائد العقيقة: الفائدة الأولى: أنها قربان عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا، والمولود ينتفع بهذا القربان كما ينتفع بالدعاء.الفائدة الثانية: أنها تفك رهان المولود؛ لأن المولود مرتهن.الفائدة الثالثة: أنها فدية يفدى بها المولود، كما فدى الله سبحانه وتعالى إسماعيل بالكبش، وكان أهل الجاهلية يفعلونها قبل الإسلام ويسمونها: عقيقة، ويلطخون رأس الصبي بدمها، فأبطل الله عز وجل ذلك، إلى آخر ما ذكره ابن القيم رحمه الله.وقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( كل مولودٍ مرتهن بعقيقته ) ما معنى الارتهان هنا؟الرأي الأول: ما قاله الإمام أحمد رحمه الله: أنه مرتهن عن الشفاعة لوالديه.. أي: محبوس عن الشفاعة لوالديه حتى يعق عنه، وكذا قال عطاء رحمه الله تعالى.الرأي الثاني: أن معنى (مرتهن بعقيقته): أن العقيقة سبب من أسباب حسن خلق الصبي، أي: إذا ذبحت عنه العقيقة فإن هذا سبب من أسباب حسن خلقه، فكأنه محبوس عن محاسن الأخلاق حتى يعق عنه، فإذا عق عنه كان ذلك سبباً من أسباب حسن خلقه.
    العقيقة عن الغلام والجارية
    قوله: [عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة].أفاد المؤلف رحمه الله أنها عن الغلام شاتان، وأما الجارية فشاة، ودليل ذلك حديث أم كرز الكعبية : أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة ) وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم وإسناده صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقت ذبح العقيقة
    قال المؤلف رحمه الله: [تذبح يوم سابعه].السنة أن تذبح يوم سابعه، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله.والرأي الثاني: مذهب الحسن البصري ، وكذلك أيضاً الإمام مالك رحمه الله: أنه لا يحسب يوم الولادة، فالجمهور يقولون: تذبح في اليوم السابع، وهو مذهب الإمام أحمد والشافعي أنه يحسب يوم الولادة، فمثلاً إذا ولد صباح يوم السبت أو الظهر أو العصر قبل غروب الشمس، فإننا نحسب يوم الولادة، فنقول: السبت والأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.. فتذبح يوم الجمعة، وإذا ولد بعد غروب الشمس فإننا نحسب من يوم الأحد.. فإذا ولد قبل الغروب فإننا نحسب ذلك اليوم، وإذا ولد بعد الغروب فإننا نحسب من اليوم الذي بعده، هذا ما عليه الشافعية والحنابلة.أما المالكية، وكذلك أيضاً ذهب إليه الحسن البصري قالوا: بأن يوم الولادة غير محسوب، وعلى هذا إذا ولد في يوم السبت، فمتى تذبح على رأي المالكية والحسن البصري ؟ فلو ولد يوم السبت فإنها تذبح يوم السبت ولا نحسب يوم السبت الأول.والصواب في ذلك: ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة، وأن يوم الولادة يحتسب، خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله.ثم هل ذبحها يوم السابع على سبيل الوجوب، أم ليس على سبيل الوجوب؟ أي: لو أخرت عن اليوم السابع فهل تجزئ أو لا تجزئ؟ فالشافعية والحنابلة قالوا: بأنها تجزئ، مثلاً: لو ذبحها في اليوم العاشر أو في اليوم الحادي عشر أو العشرين أو بعد شهرٍ أو شهرين، أما ابن حزم والحسن البصري فقالا: بأنها لا تجزئ. فالذين قالوا بأنها تجزئ حتى لو ذبحت بعد اليوم السابع، استدلوا: بأن سبب الذبح -وهو الولادة- موجود، والذين قالوا بأنها لا تجزئ، استدلوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تذبح عنه يوم سابعه ). فالذين قالوا بأنها تجزئ قالوا: بأن السبب لا يزال موجوداً، فهو مخاطب بها الآن، والذين قالوا بأنها لا تجزئ، قالوا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تذبح عنه يوم سابعه ).والصواب في هذه المسألة: أنها مجزئة حتى بعد اليوم السابع؛ لأن السبب لا يزال موجوداً.. ما هو سبب الذبح؟ هو الولادة، أي: نعمة الله عز وجل على العبد بالولد، وهذا السبب لا يزال موجوداً، والنعمة هذه لا تزال موجودة، فالسبب لا يزال قائماً، فنقول: ما دام أن السبب لا يزال قائماً فإنه لا يزال مخاطباً.لكن لو ذبحت قبل اليوم السابع، فهل تجزئ أو لا تجزئ؟ نقول: نعم تجزئ؛ لأن السبب لا يزال موجوداً، فالسبب الذي هو نعمة الله على العبد بالولد موجود الآن، لكن السنة للإنسان أن يذبح في اليوم السابع.والحكمة أنه إذا مرت عليه سبعة أيام فقد مرت عليه أيام الدنيا، فهذا فيه تفاؤل بسلامة المولود وأنه يعيش بإذن الله عز وجل.
    من سنن العقيقة
    قال المؤلف رحمه الله: [ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ورقاً].الورق: هو الفضة، وقوله: (يحلق رأسه) هذا دليله حديث سمرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل غلامٍ مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمى ) وهذا أخرجه أهل السنن وهو صحيح.وأيضاً حديث سلمان بن عامر في البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مع كل غلامٍ عقيقة، فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى ) فقال: (أميطوا عنه الأذى) فنقول: يستحب حلق رأس الذكر، ويتصدق بوزنه ورقاً، قال الإمام أحمد رحمه الله: إن فاطمة رضي الله تعالى عنها حلقت رأس الحسن والحسين وتصدقت بوزن شعرهما ورقاً.هل هذا الحلق خاص بالذكر، أو نقول: بأنه يشمل الذكر والأنثى؟ العلماء رحمهم الله يقولون: بأنه خاص بالذكر، أما الأنثى فإنه لا يحلق شعر رأسها؛ لأنه مثلة؛ ولأن استقراء الأدلة الشرعية: أن المرأة لا تحلق، ولهذا في الحج ورد حديث ابن عمر : ( ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير ) فالمرأة ليس لها الحلق، وعلى هذا نقول: بأن الذكر هو الذي يحلق رأسه، أما الأنثى فلا يحلق رأسها.
    فوات يوم السابع دون ذبح
    قال المؤلف رحمه الله: [فإن فات يوم سابعه ففي أربعة عشر، فإن فات ففي إحدى وعشرين].يقول المؤلف رحمه الله: إذا لم يذبح في اليوم السابع فإنه يذبح في اليوم الرابع عشر.. فإذا لم يذبح في اليوم الرابع عشر فإنه يذبح في اليوم الحادي والعشرين، أما إذا لم يذبح في اليوم الحادي والعشرين، قالوا: لا تعتبر الأسابيع بعد ذلك، فيعق في أي يومٍ أراد.أي: أن تذبح في اليوم السابع، فإن لم يكن ففي اليوم الرابع عشر، فإن لم يكن ففي اليوم الحادي والعشرين، وهذا ورد فيه حديث بريدة في البيهقي : ( تذبح لسبعٍ، ولأربع عشرة، ولإحدى وعشرين ) وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.وقالوا أيضاً: أنه ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وهذا أخرجه الحاكم وصححه .وعلى كل حال: لم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ورد أثر عن عائشة رضي الله تعالى عنها: في اليوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشرة، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين. وقلنا: هذا أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه، فينظر في هذا الأثر، إن كان هذا الأثر ثابتاً عن عائشة فإنه يصار إليه، ويقال: بأنه يستحب؛ لوروده عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فإن لم يثبت فالأصل أنه لا يعتبر بعد السابع؛ لظاهر السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تذبح عنه يوم سابعه ) فإن ذبحت اليوم السابع وإلا ذبحت في أي وقت.
    كراهية كسر عظم العقيقة
    قال المؤلف رحمه الله: [وينزعها أعضاءً ولا يكسر لها عظماً].تنزع جدولاً، أي: أعضاءً، ولا يكسر لها عظماً، وهذا أيضاً ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أنها قالت: (تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظماً، فيأكل ويطعم ويتصدق في اليوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشرة، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين)، أي: قالوا بأنه تقطع ولا تكسر العظام تفاؤلاً له بالسلامة، ورد ذلك عن عائشة رضي الله تعالى عنها كما تقدم.وهذا الأثر عن عائشة -كما قلنا-: أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه، فإن كان ثابتاً فالأمر لا بأس أنه يقال بما ذكرت عائشة ، وإن لم يكن ثابتاً فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه ذلك.وذكر شيخ الإسلام : أن كل شيءٍ وجد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فتركه هو السنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم تركه سنة كما أن فعله سنة.
    الفرق بين الأضحية والعقيقة
    قال المؤلف رحمه الله: [وحكمها حكم الأضحية فيما سوى ذلك].أي: حكم العقيقة حكم الأضحية، فيما يجزئ ويستحب ويكره، والأكل والهدية والصدقة، لكن فرقوا بين الأضحية والعقيقة بفروق:الفرق الأول: أن العقيقة يباع جلدها ورأسها وسواقطها ويتصدق بثمن هذه الأشياء.الفرق الثاني: أن العقيقة لا يجزئ فيها التشريك، فلو ذبح بدنةً فإنه لا يذبح إلا بدنةً كاملة، ولو ذبح بقرةً فإنه لا يذبح ولا يجزئ إلا بقرة كاملة، أما الأضحية يصح لو ذبح بدنة، فهذا له سبع بدنة، وهذا له سبع هدي، وهذا له سبع أضحية، وهذا يريد اللحم، نقول: بأن هذا يجزئ، لكن العقيقة لا بد أن يكون ذلك كاملاً، لماذا العقيقة لا بد أن يكون كاملاً؟ لأنها فداء عن نفس، والفداء إنما يكون فداء نفس بنفس، فجزء النفس لا يكون فداء لنفس، أي: لا يكون فداء لنفس إلا نفس كاملة.الفرق الثالث: أنها تنزع جدولاً، ولا يكسر لها عظم.الفرق الرابع: أنها تذبح في اليوم السابع.
    العقيقة من غير الغنم
    هل تجزئ العقيقة من غير الغنم كالإبل والبقر، أو لا تجزئ؟ هذا موضع خلاف، فأكثر أهل العلم أن هذا مجزئ، أي: لا بأس أن يذبح بعيراً عقيقة، أو يذبح بقرةً عقيقة.وذهب بعض العلماء بأن هذا غير مجزئ؛ لأنه إنما ورد في السنة الغنم فقط: الضأن أو المعز، وما عدا ذلك فإنه لا يجزئ.
    عقيقة الإنسان عن نفسه
    هل يعق الإنسان عن نفسه أو لا؟نقول: الأصل في العقيقة أنها سنة في حق الأب، وأن المخاطب بها الأب، لكن نص العلماء رحمهم الله على أنه إذا لم يعق الأب وعقت الأم أو عق الجد أو هو عق عن نفسه فإن هذا مجزئ إن شاء الله، وإلا الأصل أنها سنة في حق الأب، وأن الأب هو المخاطب بها، وقد ورد في البيهقي لكنه لا يثبت: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة ).
    العقيقة عمن مات قبل يوم السابع
    لو مات المولود قبل اليوم السابع؟ فنقول: بأن العقيقة تشرع إذا نفخت فيه الروح، حتى ولو كان حملاً ولم يولد، فإذا نفخت الروح في الجنين في بطن أمه، ثم سقط بعد نفخ الروح فيه، فهذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويقبر في مقابر المسلمين ويسمى وتذبح عنه العقيقة، فالعبرة بنفخ الروح، أي: إذا تم له أربعة أشهر فإن الروح تنفخ فيه.. ويرسل إليه الملك، ولو سقط بعد نفخ الروح فيه، نقول: نغسله ونكفنه ونصلي عليه ويسمى، ويقبر في مقابر المسلمين ويعق عنه، وتجب ديته وهي غرة.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [1]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (64)


    حاجة الناس إلى البيوع شديدة، والأصل في البيوع الإباحة، وقد أباحت الشريعة البيوع بشروط، منها أن يكون المبيع منتفعاً به نفعاً مباحاً، وأن يكون ملكاً للبائع أو مأذوناً له في التصرف فيه، وأن يكون موجوداً، ومعلوماً.
    مقدمات في البيوع
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب البيع: قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275].والبيع معاوضة المال بالمال، ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب، فإنه لا يجوز بيعه، ولا غرم على متلفه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب, وقال: (من اقتنى كلباً إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله كل يوم قيراطان).ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه، ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات، ولا ما نفعه محرم كالخمر والميتة، ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته، أو مجهول كالحمل، والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته].قال المؤلف رحمه الله: (كتاب البيع). لما تكلم رحمه الله عن أحكام العبادات شرع في أحكام المعاملات، وإنما يبدأ العلماء رحمهم الله بأحكام العبادات؛ لأن حاجة الناس إليها أشد، بل إنها مبنية على الدليل, والأصل فيها الحظر والمنع، والمسلم يحتاج إليها أكثر وأشد من حاجته إلى المعاملة.ثم بعد أحكام العبادات يتكلم العلماء رحمهم الله عن أحكام المعاملات، فيشرعون في أحكام البيوع، وما يراد به الكسب والتجارة والربح؛ لأن الحاجة إلى مثل هذه الأشياء أشد من الحاجة إلى أحكام التبرعات، فهي تأتي في المرتبة الثانية بعد أحكام العبادات.ثم بعد أحكام البيوع وما يتعلق بها ويلحق بها يتكلم العلماء رحمهم الله عن أحكام التبرعات من أحكام الوقف، والهبة، والوصية، والعتق، وغير ذلك، وهذه تأتي في المرتبة الثالثة؛ لأن أحكام البيوع وما يراد به الكسب والتجارة مبني على المشاحة، ويطلب فيه من التحرير ما لا يطلب في أحكام التبرعات، بخلاف التبرعات فإنها مبنية على الإرفاق والإحسان، ولا يطلب فيها من التحرير ما يطلب في أحكام المعاملات.ثم بعد ذلك أحكام الأنكحة وتأتي في المرتبة الرابعة؛ لأن أحكام الأنكحة لا يحتاج إليها إلا في سن معين. ثم بعد ذلك أحكام الحدود والقصاص، وهذه تأتي في المرتبة الخامسة؛ لأن الأصل في المسلم أنه لا يتعدى ولا يظلم، وأيضاً الإنسان إذا باع واشترى وأكل ونكح فإنه يحصل له شهوة البطن وشهوة الفرج، فربما يدفعه ذلك إلى التعدي والأشر والظلم، فذكر العلماء رحمهم الله ما يتعلق بأحكام الحدود والقصاص.ثم بعد ذلك في المرتبة الأخيرة ما يتعلق بأحكام القاضي وشروط القضاء وما يتعلق به، وهذه تأتي في المرتبة الأخيرة؛ لأن الذي يحتاج إلى مثل هذه الأحكام إنما هم طائفة خاصة وليس كل أحد.
    تعريف البيع
    البيع في اللغة: مطلق المبادلة، وسمي بيعاً؛ لأن كل واحد من المتبايعين يمد باعه، فالبائع يمد باعه لإعطاء السلعة وأخذ الثمن، والمشتري يمد باعه لإعطاء الثمن وأخذ السلعة. وفي الاصطلاح عرفه المؤلف رحمه الله بقوله: (والبيع معاوضة المال بالمال) يعني: البيع هو مبادلة مال بمال، وما المراد بالمال؟نقول: المال هو كل عين يباح الانتفاع بها، إلا ما استثناه الشارع، ويدخل في هذا أشياء كثيرة، فالذهب مال لأنه عين يباح الانتفاع بها، والفضة مال، والدراهم مال، والملابس مال، والأطعمة مال، والسيارات مال، وغير ذلك، هذه كلها أموال يباح الانتفاع بها إلا ما استثناه الشارع. هناك أعيان يباح الانتفاع بها لكنها ليست مالاً، فمثلاً: كلب الصيد، وكلب الحرث، وكلب الماشية، هذه يباح الانتفاع بها، لكنها ليست مالاً، استثناها الشارع، فلم يجز الشارع أن تبيع مثل هذه الأشياء، فدل على أنها ليست مالاً وإنما هي من المختصات.وعلى هذا نقول: البيع هو مبادلة مال بمال، فإذا أعطيتك هذا الكتاب وأخذت منك عشرة ريالات فهذا بيع، أعطيتك هذا الكتاب وأعطيتني بدلاً منه كتاباً، هذا بيع، يثبت له أحكام البيع، يثبت له خيار المجلس، وخيار الشرط، وخيار العيب، وتشترط فيه شروط صحة البيع.. إلى آخره.أعطيتك هذا القلم وأعطيتني هذا الكتاب، هذا بيع، المهم أن البيع هو مبادلة مال بمال، فإذا بادلنا مالاً بمال فهذا هو البيع.
    الأصل في البيع
    والأصل في البيع الحل والصحة, فلا يحرم من البيوع إلا بيعاً دل الدليل على تحريمه، والدليل على أن الأصل في البيع الحل قول الله عز وجل: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، ومن السنة قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر وحكيم بن حزام وغيرهما: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ، وهذا يشمل كل بيع. والإجماع انعقد على حل البيع في الجملة، وإن كان العلماء يختلفون في شيء من تفاصيله. وكذلك أيضاً النظر الصحيح يدل على صحة البيع وحله، فإن الإنسان محتاج لما بيد غيره، وغيره محتاج لما بيده، فأنت محتاج إلى الطعام أو اللباس، أو الآلة التي عند غيرك، وغيرك محتاج إلى الدراهم التي بيدك.
    شروط صحة البيع

    الشرط الأول: النفع المباح
    قال المؤلف رحمه الله: [ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه].هذه قاعدة ما هو الشيء الذي يجوز بيعه والشيء الذي لا يجوز بيعه؟نقول: القاعدة في ذلك أن ما أبيح نفعه أبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع.وقولنا في القاعدة: (ما أبيح نفعه) خرج بذلك ما حرم نفعه، فإنه لا يصح بيعه، فمثلاً: الخمر منفعته الإسكار وهذه المنفعة محرمة، الدخان منفعته التفتير، وهذه المنفعة محرمة، آلات اللهو والغناء منفعتها الطرب، وهذه المنفعة محرمة.. إلى آخره. فنقول: ما أبيح نفعه أبيح بيعه، إلا ما استثناه الشارع، هناك أشياء يباح الانتفاع بها، لكن البيع لا يجوز، وضربنا لذلك مثلاً فيما تقدم: كلب الصيد، وكلب الحرث، وكلب الماشية، هذه الأشياء أباح لك الشارع أن تنتفع بها لكن حرم عليك أن تبيعها.ومثل ذلك أيضاً: شحوم الميتة أباح لك الشارع أن تنتفع بها، لكن حرم عليك أن تبيعها، ولهذا في حديث جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الله حرم بيع الميتة والأصنام والخمر, فقالوا: يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويستصبح بها الناس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هو حرام).فقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا. هو حرام ) يعني: بيع هذه الأشياء.قال المؤلف رحمه الله: (إلا الكلب). الكلب لا يجوز بيعه؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثمن الكلب خبيث) وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً لـأبي حنيفة ، فإن أبا حنيفة يفصل في الكلاب, ويقول: الكلب العقور لا يجوز بيعه وغير العقور يجوز بيعه.والصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم للحديث المتقدم. قال: [ولا يجب غرمه على متلفه].يعني: من أتلف هذا الكلب فإنه لا يجب أن يغرمه؛ لأن هذا الكلب ليس مالاً وحينئذ لا يجب على من أتلف هذا الكلب أن يغرمه.
    الشرط الثاني: الملك
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز بيع ما ليس بمملوك لبائعه إلا بإذن مالكه أو ولاية عليه].هذا الشرط الثاني من شروط صحة البيع.الشرط الأول: تقدم في قول المؤلف رحمه الله تعالى: (ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح) إلا ما استثناه الشارع.الشرط الثاني: أن يكون المبيع ملكاً للبائع أو مأذوناً له في البيع, ودليل ذلك حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تبع ما ليس عندك) أخرجه الترمذي وابن ماجه وغيرهما وصححه الترمذي .فيشترط على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن يكون البائع مالكاً للعين المباعة أو مأذوناً له في البيع، فمن هو المأذون له في البيع الذي ينوب مناب المالك؟ والذي ينوب مناب المالك أربعة: الأول: الوكيل، فالوكيل هو الذي استفاد التصرف حال الحياة، فإذا وكل شخصاً في بيع هذه السلعة صح تصرفه. الثاني: الوصي، وهو الذي استفاد التصرف بعد الممات، فهذا أيضاً يصح، فلو أوصى شخص قبل أن يموت بأن فلاناً يبيع كذا وكذا إلخ، نقول: هذا الوصي استفاد التصرف بعد الممات. الثالث: الناظر: وهو الذي استفاد التصرف على الأوقاف، فناظر الوقف له أن يبيع الوقف في حالات خاصة ستأتينا إن شاء الله. الرابع: الولي: وهو الذي استفاد التصرف على القصر من الصغار والمجانين ونحوهم, فهذا له التصرف في بيع أموالهم على الوجه الشرعي, فالمالك ومن ينوب منابه يصح تصرفه. والأجنبي الذي ليس مالكاً ولا ينوب مناب المالك ما حكم تصرفه؟مثال ذلك: رجل باع سيارة أبيه، وأبوه لم يأذن له في ذلك، لم يوكله أو باع سيارة صديقه, وصديقه لم يوكله, فما حكم هذا البيع, هل هذا بيع صحيح أم نقول: إنه ليس بيعاً صحيحاً؟فيه رأيان:المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقال به الشافعي : إن هذا التصرف غير صحيح ما دام أنه ليس مالكاً ولا مأذوناً له في ذلك, وهذا القول قال به الحنابلة والشافعية, ودليلهم ما تقدم من حديث حكيم بن حزام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا تبع ما ليس عندك) . الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة ومالك أن هذا التصرف صحيح بالإجازة يعني: أن ما يسمى بتصرف الفضولي فهو صحيح بالإجازة. ودليلهم على ذلك حديث عروة البارقي رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً لكي يشتري له شاة، فمضى عروة واشترى بالدينار شاة وفي الطريق باع هذه الشاة بدينارين, واشترى بأحد الدينارين شاة أخرى، فرجع للنبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ) . فدل ذلك على أن الإنسان إذا تصرف تصرفاً فضولياً وأجازه المالك فإنه ينفذ بالإجازة، أما إذا لم يجزه فإنه لا ينفذ. فمثلاً: لو أنه باع سيارة غيره وقال مالك السيارة ما دام أنه لم يأذن له: أنا لا أجيز, نقول: إنه لا ينفذ البيع، لو أجازه نقول: بأنه ينفذ, فإذا كان لا يجيز نقول: لا ينفذ، ولو أجازه نقول: بأنه نافذ, وهذا القول هو الصواب، وهو ما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك .وتصرف الفضولي نافذ حتى في غير المعاملات, فالقاعدة في ذلك أن تصرف الفضولي نافذ في العبادات وفي المعاملات وفي الأنكحة, سواء كانت المعاملات تبرعات أو معاوضات. فمثلاً في العبادات: لو أنه أخرج زكاة عن غيره ولم يأذن له ولم يوكله وجد فقيراً فأعطاه مائة ريال ونوى أن هذه المائة عن صديقه, فأجازه صديقه هل ينفذ أو لا ينفذ؟ نقول: ينفذ بالإجازة في المعاملات كما مثلنا. لو باع سيارة زميله فإن هذا البيع ينفذ بالإجازة؛ لأنه لم يوكله. في التبرعات لو أنه وقف أو وهب بيت زميله فأجاز هذا الوقف أو هذه الهبة نقول: هذا حكمه جائز.ونافذ في الأنكحة لو أنه طلق زوجة صديقه فأجاز صديقه الطلاق فإنه ينفذ.لو أنه زوج ابنة صديقه فأجاز صديقه هذا الزواج فنقول: بأن هذا نافذ, هذه قاعدة تصرف الفضولي.
    بيع ما لا نفع فيه
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا بيع ما لا نفع فيه كالحشرات].قدم المؤلف الكلام على ما يصح بيعه على ما لا يصح بيعه, وقد ذكرنا أن ما أبيح نفعه أبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع.يقول المؤلف رحمه الله: الحشرات ليس فيها نفع فلا يصح بيعها، فلا يصح بيع الذباب والبق والبعوض والنمل والجعل والخنفسة والعنكبوت، هذه الأشياء لا يصح بيعها؛ لأنه لا نفع فيها, وإذا لم يكن فيها نفع فلا يصح بيعها, وإذا كان الحكم معلقاً على النفع فنقول: إن ثبت فيها نفع صح، وإن لم يثبت فيها نفع لا يصح؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً, فبعض الحشرات فيها نفع مثل: الجراد فيه نفع, فنقول: بيعه صحيح.النحل فيه نفع فنقول: بيعه صحيح.العقرب فيها نفع، الآن يؤخذ منها مادة السم، بحيث تستخدم في بعض العلاجات والعقاقير والأدوية، فنقول: ما دام أن فيها نفعاً يصح البيع على كل حال, والقاعدة في ذلك ظاهرة: الحشرات هذه إن كان فيها نفع صح، وإن لم يكن فيها نفع لا يصح, وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان, في الزمن السابق العقرب كان لا ينتفع بها لكن الآن بسبب ترقي الطب وجدوا فيه هذه المادة السمية التي فيها شيء من المنافع.وأيضاً البعوض فيه نفع أو ليس فيه نفع؟المهم أنه إذا ترقى الطب وحكم أن هذه الحشرة فيها نفع يصح بيعها وإلا فلا.
    بيع ما نفعه محرم
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا ما نفعه محرم كالخمر والميسر]. ما كانت منفعته محرمة لا يصح بيعه لما تقدم من حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام) . فهذه الأشياء منافعها محرمة فلا يصح بيعها، فالخمر منفعته محرمة وهي الإسكار فلا يصح, ومثل ذلك آلات اللهو لا يصح بيعها؛ لأن منفعتها محرمة, وأشرطة الغناء لا يصح بيعها؛ لأن منفعتها محرمة, وكتب البدع والضلال والمجلات الهابطة هذه الأشياء لا يصح بيعها؛ لأن منافعها محرمة لا تجوز.
    بيع الميتة
    قال المؤلف رحمه الله: [والميتة].هذا ليس على إطلاقه، فإنه يستثنى في أعيان الميتات ويستثنى أيضاً في أجزاء الميتات, ففي أعيان الميتات ليس كل ميتة لا يحل بيعها ولا يصح.إذاً: ما هي الميتة؟ نقول: الميتة: هي ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية. ويستثنى استثناءان: استثناء يتعلق بأعيان الميتات، واستثناء آخر يتعلق بأجزاء الميتات. أما الاستثناء الأول: وهو ما يتعلق بأعيان الميتات، فنقول: يستثنى من ذلك ميتة ما ليس له نفس سائلة، هذا ميتة مستثناة؛ لأنه لا يحتاج إلى تذكية, الذي إذا قتل لا يخرج منه دم يسيل, فمثلاً: الجراد ليس له نفس سائلة فإذا مات الجراد فإنه يصح بيعه .الاستثناء الثاني: ميتة البحر، وهذه يصح بيعها؛ لقول الله عز وجل: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَة ِ [المائدة:96] . قال ابن عباس رضي الله عنهما: صيده ما أخذ حياً، وطعامه ما أخذ ميتاً, هذا ما يتعلق بأعيان الميتات, فميتة البحر: السمك والحوت.. حيوان البحر أنواعه كثيرة جداً, فإذا مات فإنه يصح بيعه.الاستثناء الثاني: ما يتعلق بأجزاء الميتة، ويستثنى من ذلك أولاً ما لا تحله الحياة، فهذا يصح بيعه من الميتة، يعني: لا يكون فيه دم يسيل مثل: الصوف والشعر والوبر والريش والأظلاف والقرون, هذه الستة الأشياء, فلو مات عندنا شاة أو بقر أو عنز يصح أن نأخذ الصوف الشعر.. إلخ، أو دجاجة يصح أن نأخذ ريشها وأن نبيعه هذا الأمر الأول.الأمر الثاني: عظام الميتة, وهذا قال به شيخ الإسلام وأبو حنيفة أنها مستثناة؛ لأن عظام الميتة لا تحلها الحياة.الأمر الثالث: لبن الميتة، وعند شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المائع لا ينجس إلا بالتغير، فلبن الميتة ينظر إذا حلب من الشاة أو من البقرة أو من الناقة إن كان قد تغير بالنجاسة، لأن هذه الحيوانات التي ماتت تنجست ينظر إن كانت تغيرت هذه الأشياء بالنجاسة فإنه لا يصح بيعها وإلا صح بيعها. والأقرب رأي جمهور أهل العلم رحمهم الله, وأن اللبن لا يصح بيعه؛ لأن النجاسة محيطة به من كل جانب؛ لأن هذا الحيوان لما مات فإنه يكون نجساً.الأمر الرابع: البيض، فلو مات الطائر الذي يباح أكله وفي جوفه بيض فإنه يصح بيعه وهو طاهر.الأمر الخامس: الجلد إذا دبغ، وقد تقدم لنا أن الجلد يطهر بالدبغ، في باب الآنية.
    الشرط الثالث: الوجود
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته].الشرط الثالث: أن يكون موجوداً, وهذا في الجملة دليلهم على ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المعاومة) يعني: بيع ثمرة لسنتين أو ثلاث سنوات مثلاً, وهذا النهي عن بيع المعاومة ليس على الإطلاق, ولهذا بين ابن القيم رحمه الله بأن الشارع لم يحرم بيع المعدوم مطلقاً, ولهذا جاز السلم والسلم بيع معدوم، فمثلاً: تعطيه ألف ريال على أن يعطيك في العام القادم رطب، حتى الآن ما حملت النخيل, فنقول: بيع المعدوم ليس منهياً على إطلاقه كما سيأتي إن شاء الله.
    الشرط الرابع: العلم
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا مجهول].هذا الشرط الرابع: أن تكون العين المباعة معلومة, ويدل لهذا الشرط قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] . فإذا كانت السلعة مجهولة فإن هذا من الميسر؛ لأن الإنسان يدخل وهو إما غانم أو غارم.فمثلاً: تشتري الساعة وهي مجهولة يقول: بعتك هذه الساعة وهي في جيبه لا ندري هل هي كبيرة؟ هل هي صغيرة؟ ما صناعتها؟ هل هي قديمة؟ هل هي جديدة؟ لم يذكر لها رؤية صفة، ولم تر، فالمشتري الآن يدخل وهو مخاطر، يشتري وهو إما غانم أو غارم، مثلاً: يشتري هذه الساعة بخمسين ريالاً أو بمائة ريال, إن كانت تساوي ما دفعه من الثمن فهو سالم, وإن كانت تساوي أكثر فهو غانم, إن كانت تساوي أقل فهو غارم، فهو دخل الآن في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم.فنقول: هذا لا يجوز، لا بد أن يكون معلوماً، ما هو طريق العلم؟قال المؤلف رحمه الله: [الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته].وطريق العلم أحد طريقين:إما الوصف يعني: سأبيعك السيارة الفلانية التي صفتها كذا وكذا.. إلخ، أو الرؤية. والصواب: أن طريق العلم ليس منحصراً في هذين الشيئين, فقد يكون بالرؤية وقد يكون بالوصف, قد يكون باللمس، قد يكون بالشم، قد يكون بالذوق.. إلخ. المهم أن تنتفي الجهالة, فإذا انتفت الجهالة جاز, والعلم يكون بأي طريقة ليس محصوراً في الرؤية. كذلك نقول: العلم يكون بكل طريق, وذهب أبو حنيفة رحمه الله بأنه يجوز أن يشتري شيئاً لم يره ولم يوصف له وهو بالخيار بعد ذلك. يعني: يقول: عندي سيارة، بكم تبيعها؟ قال: أبيعها بعشرة آلاف، لم توصف له السيارة ولم يرها, يقال: يجوز وله خيار رؤية، وهذا اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.وفرق بين هذا ومسألة بيع المجهول, بيع المجهول قدر حال الثمن على حال هذه المجهولة وليس هناك خيار، أما هنا فليس كذلك بل يشتريها, ثم بعد ذلك يثبت له خيار الرؤية, إما أن يجوز البيع وإما أن يبرأ منه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [2]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (65)


    من حكمة الشريعة أن منعت بيع المعدوم والمجهول والمعجوز عن تسليمه، لما في هذه البيوع من مخاطرة، كما تؤدي إلى الندم والمخاصمة، ويجب أن يكون البيع عن تراض من البائع والمشتري، لذا فقد اشترطت الشريعة شروطاً يجب توافرها فيهما حتى يصح هذا العقد.
    تابع شروط صحة البيع

    حكم بيع المعدوم
    تقدم لنا شيء من أحكام البيع، وذكرنا من ذلك تعريفه في اللغة والاصطلاح، وذكرنا حكمه، وما الأصل في المعاملات، وما الدليل على ذلك، وأيضاً تطرقنا لشيء من شروط صحته، وما الذي يصح بيعه، وما الذي لا يصح بيعه.. آخره.ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا بيع معدوم كالذي تحمل أمته أو شجرته). يقول المؤلف رحمه الله: لا يصح بيع المعدوم، كما لو باعه ما تحمل أمته من الولد، عنده أمة يملكها، وولد هذه الأمة إذا لم يكن من السيد فإنه يكون رقيقاً، وعلى هذا يصح بيع الرقيق، لكن لو قال: بعتك ما تحمل أمتي. فيقول المؤلف رحمه الله: هذا غير صحيح؛ لأن ما تحمله أمته هذا مجهول لا ندري هل تحمل بذكر أو أنثى؟ وهل تحمل بواحد أو اثنين؟ وهل يكون سليماً أو معيباً؟ وهل يكون حياً أو ميتاً؟ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لا يصح). وكذلك أيضاً لو باعه ما تحمل شجرته، قال: بعتك ما تحمل الشجرة أو النخل هذا العام من الثمار، فيقول المؤلف رحمه الله: لا يصح، والعلة في ذلك أنه بيع مجهول، فنحن لا ندري ما تحمل الشجرة، هل تحمل قليلاً أو كثيراً؟ وهل يكون سليماً أو معيباً.. إلى آخره؟ويستدل لهذا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن بيع المعاومة)، وبيع المعاومة هو أن يبيعه ثمرة سنتين يعني: أن يبيعه ثمرة عامين.. إلى آخره، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المعاومة. وذكر ابن القيم رحمه الله أن بيع المعدوم لم يرد في الشريعة النهي عنه على سبيل الإطلاق، يعني: ليس كل معدوم ينهى عن بيعه؛ ولهذا يصح السلم، والسلم بيع معدوم، النبي عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال عليه الصلاة والسلام: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم ) تقول للفلاح: أعطيتك ألف ريال، على أن تعطيني بعد سنة مائة صاع من التمر، حتى الآن النخيل لم تحمل تمراً، فهذا نوع من بيع المعدوم، فنقول: بيع المعدوم لم يرد النهي عنه على سبيل الإطلاق، بل فيه تفصيل، تضمن جهالة وغرراً فإنه يمنع منه، كما مثل المؤلف: لو قال: بعتك ما تحمل شاتي، ما ندري هل تحمل شاته بواحد أو اثنين؟ وهل تحمل بذكر أو أنثى؟ وهل تحمل بمعيب أو سليم إلى آخره؟ نقول: لا يصح، وإن لم يتضمن جهالة وغرراً فنقول: بأنه صحيح كما في بيوع السلم، فيصح أن تقول لشخص: أسلفتك ألف ريال وتعطيني بعد سنة من البُر، حتى الآن ما زرعت الأرض، تقول مثلاً: من نتاج العام القادم، ألف ريال تعطيني تمراً من نتاج العام القادم، عام ألف وأربعمائة وست وعشرين، حتى الآن ما حملت الثمار ما حملت الأشجار، فيصح هذا، فنقول: بأن بيع المعدوم -كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله- لم يرد في الشرع النهي عنه مطلقاً، فنقول: بيع المعدوم هذا فيه تفصيل كما تقدم.تقدم لنا شيء من شروط صحة البيع، القدرة على التسليم، أن يكون المبيع موجوداً، والثمن معلوم، ملك للبائع، وتكلمنا عن تصرف الفضولي، وأن يكون مباحاً، ومن شروط صحة البيع: أن يكون المبيع معلوماً.قال المؤلف رحمه الله: (أو مجهول كالحمل والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته).تكلمنا على ذلك وقلنا: بأنه يشترط أن يكون المبيع معلوماً، وذكرنا الدليل على ذلك، وذكرنا كلام أهل العلم في ذلك، وخلاف الحنفية في هذه المسألة، فلا حاجة إلى إعادة التكرار، فالحمل لا يصح بيعه؛ لأنه مال مجهول لا ندري هل هو ذكر أو أنثى؟ واحد أو متعدد؟ سليم أو معيب؟ حي أو ميت.. إلى آخره؟والغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته، أيضاً إذا كانت السلعة غائبة، ولم يوصف لك، ولم ترها، كسيارة مثلاً، اشتريت سيارة زيد من الناس، لم يذكرها بالوصف، ولم تر هذه السيارة، فيقول المؤلف رحمه الله: بأنه لا يصح هذا البيع، وسبق أن ذكرنا كلام أبي حنيفة أنه يصح أن يشتري شيئاً لم يره ولم يوصف له، وله خيار الرؤية، وهذا القول صواب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه يصح أن يشتري شيئاً لم يره ولم يوصف له، مثلاً اشترى سيارة، قال زيد: بعتك سيارتي بعشرة آلاف ريال، قال: قبلت، فيصح أن يشتري هذه السيارة التي لم يرها ولم توصف له، ونقول: بأن له خيار الرؤية.
    الشرط الخامس: القدرة على تسليمه
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا معجوز عن تسليمه كالآبق والشارد والطير في الهواء والسمك في الماء].هذا الشرط الخامس من شروط صحة البيع، وهو أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، وعلى هذا لا يصح أن تبيع شيئاً وأنت لا تقدر عليه، ومثّل المؤلف رحمه الله فقال: كالآبق، يعني كالرقيق الآبق، إنسان عنده رقيق آبق، لا يصح أن يبيعه.والشارد يعني كالجمل الشارد، إنسان عنده جمل أو له جمل شارد لا يصح أن يبيعه. والطير في الهواء والسمك في الماء؛ لأن الطير في الهواء والسمك في الماء هذان غير مقدور على تسليمهما، والدليل على أنه لا يصح بيع الذي لا يُقدر على تسليمه أن الله عز وجل قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90] . وإذا كان لا يقدر على تسليم المبيع فهذا داخل في الميسر؛ لأن الإنسان يقدم على هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم، فمثلاً هذا رجل عنده جمل شارد، هذا الجمل قبل أن يشرد كم قيمته؟ نفرض أن قيمته تساوي ألف ريال، الآن شرد الجمل كم يساوي وهو شارد؟ يعني عندك الآن جملان، جمل الآن موجود عندك وجمل شارد تبغي تبيعه، الجمل الموجود عندك هذا بألف ريال، طيب الشارد هذا الذي أراد الناس أن يشترو، كم يدفعون فيه؟ لا إشكال أقل، فرق بين جمل عندك وجمل شارد، فإذا كانت قيمته وهو موجود يساوي ألف ريال، فإن قيمته وهو شارد يمكن يساوي مائة أو مائتين فقط، فالمشتري الآن يدخل وهو مخاطر، إن وجده ربح ثمانمائة، ما وجده خسر مائتين، فالمشتري الآن يدخل وهو مخاطر مقامر، هذا الميسر في المعاملات، إن تمكن منه فإنه رابح غانم، وكسب ثمانمائة، ما تمكن منه فإنه يخسر مائتين، على هذا نقول: لا يجوز بيع الشارد والآبق.
    بيع المسروق والمغصوب
    ومثل ما سبق أيضاً المسروق، إنسان له سيارة سرقت، السيارة قبل أن تسرق تساوي عشرة آلاف ريال، لكن الآن سرقت يمكن يبيعها بألفين، يقول: أنا كسبان، والمشتري الآن مغامر، إن بحث عنها ووجدها سيربح ثمانية آلاف ريال، فإن لم يجدها سيخسر ألفين.مثله أيضا المغصوب، المغصوب إنسان له أرض، جاء ظالم وغصبها، أخذ الأرض هذه، أو له مزرعة وجاء ظالم وأخذ المزرعة غصباً، المغصوب هذا يبيعها، هذه المزرعة أو هذه الأرض قبل الغصب قد تساوي مائة ألف، لكن الآن غُصبت هذه الأرض، هذه الأرض الآن غصبت، بكم تساوي وهي مغصوبة؟ بدل ما هي بمائة ألف الآن تساوي بعشرة آلاف ريال، فنقول: ما يصح؛ لأن المشتري الآن يدخل وهو مخاطر، إما غانم أو غارم، فنقول: لا يصح، هذا هو الميسر، وذكرنا الدليل على ذلك. وأيضاً من الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر)، وهذا من بيع الغرر، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. والرأي الثاني في المسألة: أنه يصح أن تبيع المسروق والمغصوب والجمل الشارد والرقيق الآبق، يصح أن تبيعهم في حالة واحدة: إذا ظن المشتري أنه يستطيع أن يخلص هذا الشيء ممن غصبه أو سرقه، أو ظن أنه يستطيع أن يجد هذه السلعة المباعة، فقالوا: بأنه يصح؛ لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، العلة هي الغرر، والغرر الآن منتفٍ هذا المشتري يستطيع أنه يذهب ويحصل هذا الرقيق الآبق، يستطيع أنه يأتي به، يستطيع بقدرته بعد قدرة الله عز وجل أنه يبحث عن هذا الجمل، عنده آلات عنده أعوان، يستطيع أنه يبحث عن هذا الجمل ويحضره، وهذا القول هو الصواب. نقول: الصحيح أنه إذا كان المشتري يستطيع أن يحصل هذا الآبق أو الشارد، فنقول: بأن البيع حكمه صحيح، ويدل لهذا قول المؤلف رحمه الله: [ولا بيع المغصوب إلا لغاصبه، أو من يقدر على أخذه منه]. هذا مما يدل لما ذكرنا من الرأي الثاني، إنسان عنده أرض، وجاء ظالم وغصب هذه الأرض، فيقول المؤلف رحمه الله: يصح إنك تبيع الأرض هذه على الغاصب، ما فيه غرر الآن، الغاصب هي تحت يده، أو من يقدر على تحصيل هذه الأرض من الغاصب، إنسان أقوى من الغاصب، يستطيع أن يأخذ هذه الأرض من الغاصب، فيصح أن تبيعها عليه. وعلى هذا الأشياء التي لا تكون تحت قدرة المالك نقول: يصح للمالك أن يبيعها في حالتين: الحالة الأولى: إذا كان المشتري عنده القدرة على تحصيلها أو تخليصها. الحالة الثانية: إذا باعها على نفس الغاصب أو السارق ونحو ذلك. إذا ظن الإنسان أنه يقدر على تحصيلها واشتراها، ثم لم يتمكن، وما الحكم؟ إنسان ظن أن هذا الذي هرب يستطيع أنه يأتي به، قال: بِعْهُ علي، أنا أستطيع أن آتي به، ثم لم يتمكن، ما الحكم هنا؟ نقول: يثبت له الخيار، نقول: لك الخيار بين الإمضاء أو الفسخ، وحينئذ لا يكون هناك ضرر أو غرر على المشتري، وفي هذا فرصة أو فرج. بعض الناس قد يكون عنده أرض ثمينة، ثم يأتي شخص ويتسلط عليها ويسرقها، أو يغصبها، إذا قلنا: ما يجوز تبيعها مشكلة؛ لأنها الآن خرجت ولا يقدر عليها. لكن إذا قلنا: يجوز تبيعها لإنسان يستطيع يخلصها، إنسان أقوى منه يستطيع أن يخلصها لك، الحمد لله، أو تبيع على السارق نفسه. هذا الظالم الذي قام بالغصب أو بالسرقة أو بالنهب تبيعها عليه، نقول: الحمد لله. هذا فيه فرج.فأصبح كما تقدم بيع الذي لا يدخل تحت قدرة المالك يصح في حالتين: الحالة الأولى: إذا باع على شخص يقدر على تحصيلها أو تخليصها. والحالة الثانية: إذا باعها على نفس الغاصب أو السارق أو نحو ذلك.
    بيع الطير في الهواء والسمك في الماء
    قال المؤلف رحمه الله: (والطير في الهواء والسمك في الماء).يقول: لا يصح بيع الطير في الهواء؛ لأن فيه غرراً قد لا يرجع، والصواب في ذلك التفصيل في المسألة، إذا كان هذا الطير يألف الرجوع فلا بأس أن تبيعه، مثلاً إنسان عنده حمام، هذا الحمام يخرج من أوكاره في الصباح ويعود في المساء، فنقول: لا بأس أن تبيعه ما دام أنه يخرج في الصباح، وألِفَ الرجوع، لا بأس أن تبيعه وهو في السماء قد خرج، تبيع ثنتين ثلاث.. إلى آخره قد خرجت؛ لأنها تألف الرجوع، فنقول: بيع الطير في الهواء إذا كان يألف الرجوع حكمه جائز ولا بأس به. السمك في الماء، أيضاً هذا فيه تفصيل، إن كان بمكان محوز بحيث نتمكن من أخذه فلا بأس، يعني عندنا بِركة فيها أسماك نتمكن من أخذها، نقول: لا بأس، أما إذا كان بمكان غير محوز ما نتمكن من أخذها، كالنهر والبحر فهذا نقول: لا يجوز.
    حكم بيع غير المعين
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا بيع غير معين كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه إلا فيما تتساوى أجزاؤه، كقفيز من صبرة].هذه المسألة بمعنى الاستثناء في البيع، ما حكم الاستثناء في البيع؟ نقول: الاستثناء في البيع ينقسم إلى أقسام:القسم الأول: أن يكون مُشاعاً، كيف مشاع؟ يقول: بعتك الأرض إلا نصفها، جزء معلوم مشاع، بعتك السيارة إلا ربعها، بعتك المزرعة إلا ثلثها، وما الحكم هنا؟ نقول: هذا بيع صحيح؛ لأنه ما فيه غرر، تشتري أنت نصف الأرض كما لو تشتري عليه نصف الأرض، ما فيه غرر، تكون شريك له في البيت.. في السيارة.. في الكتاب.. إلى آخره، فنقول: القسم الأول: أن يكون المستثنى مشاعاً معلوماً، والمشاع هو الجزء الشائع.القسم الثاني: أن يكون المستثنى معيناً، يقول مثلاً: بعتك هذه السيارات إلا هذه السيارة، أو بعتك هذه الكتب إلا هذا الكتاب، أو هذه الأقلام إلا هذا القلم، ما الحكم هنا؟ صحيح أو ليس صحيحاً؟ نقول: صحيح، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولا بيع غير معين)، يفهم منه أنه إذا كان معيناً إنه جائز، قال: بعتك هذه الكتب إلا هذا الكتاب، أو بعتك هذه الأقلام إلا هذا القلم، أو هذه السيارات إلا هذه السيارة، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به. القسم الثالث: أن يكون المستثنى غير معين، مثل لو قال: بعتك السيارات إلا سيارة، ما ندري ما هي السيارة التي استثنى، بعتك السيارات إلا سيارة، بعتك الكتب إلا كتاباً، ما ندري ما هذا الكتاب، بعتك الأثواب إلا ثوباً، بعتك الأقلام إلا قلماً، ما الحكم هنا؟ هل يصح أو لا يصح؟ كلام المؤلف أنه لا يصح، قال: (ولا بيع غير معين، كعبد من عبيده أو شاة من قطيعه إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة)، نقول: لا يصح بيع غير المعين إلا إذا كان المبيع متساوي في القيمة، أو متقارب القيمة، هذا لا بأس، إذا كان المبيع متساوي القيمة أو متقارب، فنقول: لا بأس، مثلاً عنده خمس سيارات كلها تاريخ الإنتاج واحد، والجنسية واحدة.. إلى آخره، وقال: إلا سيارة، نقول: لا بأس، ما دام أن القيم متساوية أو متقاربة، مثلاً عنده أقلام، هذه الأقلام كلها على جنس واحد، مثل هذا القلم، فقال: بعتك إلا قلماً واحداً، يصح أو لا يصح؟ يصح؛ لأنه لا غرر هنا.أو مثلاً عنده كتب طباعتها واحدة، وما تبحث فيه واحد، فقال: إلا هذا الكتاب، نقول: بأن هذا صحيح. المهم إذا كان المستثنى غير معين نقول هذا فيه تفصيل، إن كان المبيع متساوي القيم أو متقارب فهذا لا بأس، أما إذا كان غير متساوي القيم ما يصح.باعه عشر سيارات هذه بمائة ألف، وهذه بخمسين ألف، وهذه بعشرة آلاف ريال، وقال: إلا سيارة، ما ندري هل المستثنى التي بمائة أو التي بخمسين أو التي بعشرين أو التي بثلاثين أو التي بعشرة.. إلى آخره؟ لا ندري، نقول: هذا لا يصح. ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (إلا فيما تتساوى أجزاؤه كقفيز من صبرة)، القفيز معيار من معايير الكيل، والصبرة يعني الكوم من الطعام، فلو مثلاً قال: بعتك هذا الطعام البر والرز إلا صاعاً، يصح أو لا يصح؟ صحيح، ما فيه غرر، أو إلا مُداً أو قفيزاً من المد أو قفيزاً من هذا الطعام، نقول: هذا صحيح ولا بأس به.
    الشرط السادس: أن يكون العاقد جائز التصرف
    الشرط السادس: أن يكون العاقد جائز التصرف، وجائز التصرف مَن جمع أربع صفات:الصفة الأولى: الحرية، والثانية: العقل، والثالثة: البلوغ، والرابعة: الرشد، الحرية والعقل والبلوغ والرشد، نأخذ هذه الصفات واحدة واحدة.الصفة الأولى: البلوغ، غير البالغ ما يصح بيعه ولا شراؤه، غير البالغ الصبي، هذا لا يصح بيعه ولا شراؤه، إلا أنه استثنى العلماء رحمهم الله مسألتين يصح تصرف الصبي المميز فيها:المسألة الأولى: إذا كان تصرفه في الأمور اليسيرة عرفاً، يعني بيعه وشراؤه في الأمور اليسيرة عرفاً، فهذا لا بأس، فالصبي الذي له سبع سنوات أو عشر سنوات في البقالة أو في المكتبة يبيع ويشتري، هذا بريال وهذا بريالين وهذا بثلاثة، هذه أمور يسيرة عرفاً، هذا جائز.ورد أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفوراً فأطلقه، فنقول: الأمور اليسيرة عرفاً جائز أن يتصرف فيها.المسألة الثانية التي يصح تصرف الصبي فيها: إذا راهق، يعني قارب البلوغ، فإنه لا بأس أن يؤذن له في بعض المعاملات التي لها خطر، إذا راهق يعني قارب البلوغ، لا بأس أن وليه يأذن له في بعض المعاملات التي لها خطر؛ للمصلحة، لكي ننظر هل رشد أو لم يرشد؟ فإن كان رشد دفعنا إليه ماله بعد رشده بعد بلوغه، وإن لم يرشد حبسنا المال، ويدل لهذه الحالة قول الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، ابتلوا. اختبروا، اليتامى، من هو اليتيم؟ الذي مات أبوه ولم يبلغ، فدلّ ذلك على أنه يُختبر ويدفع له، وهو حتى الآن لم يبلغ، فنقول: لا بأس هنا، إذا لم يبلغ نختبره بأن ندفع إليه معاملة أو معاملتين يبيع حتى لو كان له خطر، يبيع ويشتري ننظر هل رشد أو لم يرشد؟ الإذن له هنا للمصلحة، فإذا تبين أنه رشيد يحسن التصرف في ماله دفعنا إليه ماله بعد البلوغ، كما قال الله عز وجل: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6].الصفة الثانية: الحرية، الرقيق لا يصح تصرفه؛ لأنه مال، الرقيق المملوك هذا لا يصح تصرفه؛ لأنه مال، فلا يصح تصرفه إلا بالإذن، لا يصح أن يتصرف في قليل ولا كثير إلا إذا أذن له سيده، فإن أذن له سيده بالتصرف صح في القليل وفي الكثير؛ لأنه بالغ عاقل وهو مكلف، ما يبقى إلا الإذن، فإذا أذن له سيده صح.الصفة الثالثة: العقل، يخرج المجنون، المجنون فاقد العقل، أيضاً المجنون ما يصح تصرفه، المعتوه ناقص العقل، الفرق بين المجنون والمعتوه: المعتوه ناقص عقله فيه نقص، المجنون فاقد العقل، المجنون هذا العلماء رحمهم الله يقولون: إذا كان معه إدراك فحكمه حكم الصبي المميز. الصفة الرابعة: الرشد، الرشيد هو الذي يحسن التصرف في ماله، غير الرشيد هو الذي لا يحسن التصرف في ماله، وهذا سيأتينا في باب الحجر وبيان ضابطه.المهم الذي لا يحسن التصرف في ماله هذا يسمى عند العلماء سفيه يحجر عليه، لا يحسن التصرف في ماله، هذا سفيه يحجر عليه، هذا لا يصح تصرفه، لا بيعه ولا شراؤه، اللهم إلا الأمور اليسيرة، الأمور اليسيرة هذه لا بأس، ما عداه فإنه لا يصح.
    الشرط السابع: التراضي
    الشرط السابع: التراضي، الرضا شرط في كل العقود ليس خاصاً في عقد البيع، بل نقول: بأنه شرط في كل العقود، ودليل ذلك قول الله عز وجل: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [النساء:29] ، وأيضا قول الله عز وجل: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29]، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما البيع عن تراض)، وأيضا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحلبن أحد شاة أحد إلا بإذنه)، وأيضاً: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)، إلا إذا كان الإكراه بحق، إذا كان الإكراه بحق فإنه لا يشترط الرضا، فمثلاً هذا الرجل عليه دين فأكرهه القاضي على أن يبيع ماله لكي يوفي الدين الذي عليه، مثلاً عنده سيارتان، يجب أن يبيع إحدى السيارتين لكي يوفي الدين الذي عليه، أو أكرهه القاضي لكي ينفق على زوجته وأولاده، ما الحكم هنا؟ جائز، ونقول: هذا إكراه بحق.
    البيوع المنهي عنها

    بيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة
    قال المؤلف رحمه الله: [فصل: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الملامسة وعن المنابذة وعن بيع الحصاة وعن بيع الرجل على بيع أخيه].الملامسة والمنابذة من بيوع الجاهلية، كانت موجودة في الجاهلية قبل البعثة، فجاء الإسلام وأبطلها، ويدل لهذا ما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة).وما هي الملامسة؟ وما هي المنابذة؟ الملامسة ذكر العلماء رحمهم الله لها تفاسير، من هذه التفاسير أن يقول: أي ثوب لمسته فهو عليك بكذا، يعني بمائة ريال مثلاً، هذا لا يصح، لماذا؟ لأن فيه غرراً، قد يلمس ثوباً كبيراً، قد يلمس ثوباً صغيراً، قد يلمس ثوباً معيباً، المهم نحن لا يعنينا المثال، يعنينا الضابط، ما هو الضابط؟ النهي عن الغرر، هذا الضابط، البعد عن الغرر، فليس المقصود النهي عن الملامسة لذات الملامسة، لا، المقصود كما في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر).أيضاً المنابذة، ما هي المنابذة؟ يقول: أي ثوب نبذته إليك فهو عليك بكذا وكذا، قد ينبذ ثوباً كبيراً، قد ينبذ ثوباً صغيراً.. إلى آخره، أيضاً هذا ليس المقصود هنا المثال، المقصود الضابط، وأن المقصود بذلك الغرر، فإذا تضمن غرراً فنقول: لا يجوز، وأيضاً هذا من الميسر؛ لأن الإنسان يدخل وهو إما غانم أو غارم في مثل هذه المعاملات.قال: (وعن بيع الحصاة) أيضاً بيع الحصاة هذا من بيوع الجاهلية، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة)، واختلف العلماء رحمهم الله في تفسير ذلك، ما هو بيع الحصاة؟ قال بعض العلماء: أن يقول: أي ثوب ضربته بهذه الحصاة فهو عليك بكذا، يرمي الحصاة، وأي ثوب وقعت عليه هذه الحصاة فهو عليك بكذا، قد تقع على هذا الذي يساوي مائة، وقد تقع على هذا الذي يساوي عشرة، هذا أيضاً غرر وميسر.أو يقول: بعت عليك من الأرض بمقدار ما تصل إليه هذه الحصاة التي رميت بها، مثلاً يقول: لك من هذه الأرض بمقدار ما تصل إليه هذه الحصاة التي ضربت بها بألف ريال، أو بألفين.. إلى آخره، هذا أيضاً فيه غرر، قد تكون الرمية قوية، قد تكون ضعيفة، قد يقصر في الرمية، قد يصير فيها غش تدليس، المهم فيه غرر هنا، ما ندري هل تصل إلى مائة متر إلى مائة وخمسين متراً إلى أقل إلى أكثر فنقول: بأن هذا حكمه غير صحيح، فلابد من انتفاء الغرر، أما مع وجود الغرر فنقول: بأن هذا غير صحيح.
    بيع الرجل على بيع أخيه
    قال المؤلف رحمه الله: [وعن بيع الرجل على بيع أخيه]. وهذا دليله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض)، وهذا في الصحيحين، وبيع الرجل على بيع أخيه له صورتان: الصورة الأولى: في الكمية، كأن يقول شخص لشخص آخر: بعتك السيارة بعشرة فيأتي شخص ويقول: أبيعك مثلها بثمانية، هذا في الكمية، هذا ما يجوز. في الكيفية يقول: أبيعك سيارة قيمتها عشرة تاريخ الإنتاج عام ألف وأربعمائة وخمس وعشرين، يأتي شخص ويقول: أبيعك سيارة مثلها بعشرة تاريخ إنتاجها ألف وأربعمائة وست وعشرون، هذه جديدة، وهذه أقل منها جودة، أو مثلاً يقول: بعتك هذا البر هذا الصاع من البر بعشرة ريالات، وهو متوسط، فيأتي شخص ويقول: أبيعك صاعاً من البر بعشرة وهو جيد، هذا في الكيفية، المهم إذا كان في الكمية أو في الكيفية لا يجوز.متى يكون التحريم؟ المشهور من المذهب أن التحريم يكون في زمن الخيارين، وهما: خيار المجلس وخيار الشرط؛ لأنه في زمن الخيارين يتمكن من الفسخ، أما بعد زمن الخيارين ما يتمكن من الفسخ.نقول: التحريم في زمن الخيارين، لماذا؟ لأنه في زمن الخيارين: خيار المجلس وخيار الشرط، يتمكن من الفسخ، ماعدا ذلك ما يتمكن من الفسخ. ففي خيار المجلس هم الآن في المجلس قال: بعتك السيارة بعشرة، قال واحد للمشتري: أبيعك مثلها بتسعة، تم البيع الآن، قال: بعتك السيارة بعشرة، قال: قبلت، وانتهوا، ثم جاء شخص باع على بيعه بعد أن تم العقد، قال: أبيعك مثل السيارة بتسعة، يمكن يفسخ مع الأول وإلا ما يفسخ مع الأول؟ ما دام أنه في خيار المجلس يتمكن من الفسخ مع الأول ويعقد مع الثاني الذي باعه بتسعة. ولا بد أن نفرق بين البيع على البيع، والسوم على سومه، هنا تم البيع، قال: بعتك السيارة بعشرة، قال: قبلت وانتهوا، ثم جاء شخص وهم في المجلس قال: أبيعك مثلها بتسعة، فيذهب ويفسخ مع الأول ويعقد مع الثاني.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [3]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (66)


    إن من الضرورات التي حرصت الشريعة على حفظها مال المسلم، فلا يؤخذ منه شيء بغير وجه حق أو طيب نفس منه، وعليه فقد نهت عن بعض البيوع القائمة على الغرر والظلم والغش، ومن ذلك تلقي الركبان لشراء سلع أهل البادية بغية رفع أسعارها على أهل البلد، ومن ذلك بيع النجش وا
    تابع البيوع المنهي عنها
    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعن بيع حاضر لباد؛ وهو أن يكون له سمساراً، وعن النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، وعن بيعتين في بيعة وهو أن يقول: بعتك هذا بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة، أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا أو تشتري مني هذا، وقال: ( لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق )، وقال: ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه ) ]. ‏
    مجمل ما ذكر من البيوع المنهي عنها
    تقدم لنا في الدرس السابق جملة من شروط صحة البيع، وذكرنا من هذه الشروط: أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون المثمن معلوماً، وأن يكون المثمن مقدوراً على تسليمه، وأن يكون العاقد جائز التصرف، وأن يكون هناك رضا، وأن يكون المبيع مما يحل الانتفاع به، إلى آخر ما تقدم أن ذكرناه.ثم بعد ذلك تكلم المؤلف رحمه الله عن بيع الملامسة والمنابذة إلى آخره، وذكرنا الدليل على تحريم هذين البيعين، وما المراد بهما.ثم تكلم المؤلف رحمه الله عن بيع الحصاة، وذكر أنه من البيوع المنهي عنها، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الحصاة )، وهذا أخرجه مسلم في صحيحه. وقد ذكر العلماء رحمهم الله تفسيرين لبيع الحصاة: التفسير الأول: أن يقول: ارم بهذه الحصاة، فعلى أي ثوب وقعت فهو عليك بكذا وكذا.والتفسير الثاني: أن يقول: بعتك من الأرض بقدر ما تبلغ هذه الحصاة بكذا وكذا، ثم يرمي.فهذان تفسيران على سبيل المثال، وإلا المراد بذلك النهي عن بيع الغرر، وإلا فإن هاتين الصورتين على سبيل المثال.فبيوع الملامسة والمنابذة والحصاة هذه كلها يجمعها حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ).
    النهي عن بيع حاضر لباد
    قال المؤلف رحمه الله: [ وعن بيع حاضر لباد ].الحاضر: هو الحضري الذي يقيم في المدن، والباد: هو البدوي الذي يقيم في البراري والصحاري ونحو ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد.قال: [ وهو أن يكون له سمساراً ].ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد )، قيل لـابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما قوله: حاضر لباد؟ قال: لا يكون له سمساراً، وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم .والنبي صلى الله عليه وسلم بين العلة كما في صحيح مسلم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض )، فالعلة في ذلك أنه لا يكون الحضري سمساراً للبدوي، يعني: يتولى عنه بيع البضاعة، وإنما البدوي هو الذي يتولى الأمر بنفسه، والعلة كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض )، فإذا ترك البدوي يبيع سلعته فإن الناس يشترونها برخص، وإذا باعها له الحضري فإن الحضري يبيعها بأغلى، لا يبيعها إلا بسعر البلد، فيضيق على أهل البلد.واشترط العلماء رحمهم الله للنهي عن بيع الحاضر للباد شروطاً: الشرط الأول: أن يقصد الحاضر البادي، يعني البادي يقصده الحاضر، ولا يقصد البادي الحاضر، فيكون الحاضر يقصد البادي، فهذا هو موضع النهي، أما إذا كان العكس وأن البادي هو الذي قصد الحاضر وطلب منه أن يبيع سلعته، فإن هذا جائز لا بأس به.الشرط الثاني: أن يحضر البادي لبيع سلعته، أما إن جاء ليهبها أو ليأكلها أو ليخزنها ونحو ذلك فإنه لا نهي، فالأقرب في ذلك عموم الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبيع الحاضر للبادي، ولو قصد البادي بالسلعة عدم البيع عندما أتى بها، لكن أتى بها لكي يأكلها أو لكي يهديها أو لكي يخزنها، ولم يقصد بيعها ابتداء، فالصواب في ذلك العموم، وأنه وإن لم يقصد بيعها عندما أتى بها، فنقول الصواب في ذلك: أنه ينهى لعموم الحديث.الشرط الثالث: أن يكون البادي جاهلاً بالسعر، أما إذا كان عالماً بالسعر فإنه لا فائدة من تركه يتولى بيعها بنفسه، لأنه عارف بالسعر، ولم يحصل للناس توسعة، فكونه يبيعها بنفسه أو يبيعها الحاضر لا فرق؛ لأن الرخصة والتوسعة إنما تحصل فيما إذا كان جاهلاً بسعرها، أما إذا كان يعلم السعر فإن التوسعة لا تحصل للناس، ولهذا اشترط العلماء رحمهم الله أن يكون جاهلاً بالسعر.الشرط الرابع: أن يكون بالناس حاجة إلى هذه السلعة، كالأقوات ونحو ذلك، يعني الأشياء التي يحتاجها الناس، والصواب في ذلك: العموم، يعني نقول: الصحيح في هذه المسألة أن الحاضر منهي عن بيع سلع البادي وإن كانت هذه السلع لا تتعلق بها حاجة الناس، هذا هو الصواب، والدليل على ذلك عموم الحديث. الشرط الخامس: أن يحضر لكي يبيعها بسعر يومها، أما إن حضر البادي وفي نفسه ألا يبيعها رخيصة، وإنما يبيعها غالية، فكون الحاضر هنا يتولى بيعها له ليس فيه تضييق، فنقول: الشرط الأخير أن يحضر لكي يبيعها بسعر يومها، أما إن حضر وفي نفسه ألا يبيعها رخيصة وإنما يبيعها غالية، فهذا كون الحاضر يبيعها له ليس فيه تضييق. طيب، هل هذا خاص بالبادي الذي يأتي بالسلع من البادية، أو حتى لو أتى بها من القرية إلى المدينة؟ يعني قد تكون هناك قرى يأتي بها أصحاب القرى وأصحاب المزارع التي تكون خارج المدن، هل كون الحاضر يتولى البيع لهم داخل في النهي أو ليس داخلاً في النهي؟ نقول: نعم، هذا داخل في النهي. فسواء أتى بها من البادية، أو أتى بها من قرية غير البادية، أو أتى بها من مدينة إلى مدينة لأن العلة واحدة، فيكون كله داخل في النهي عن أن يتولى الحاضر البيع.
    النهي عن بيع النجش
    قال المؤلف رحمه الله: [ وعن النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ].النجش في اللغة: الإثارة، ومنه قولهم: نجشت الصيد إذا أثرته.وأما في الاصطلاح فهو: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، ونقول: هذا نجش؛ لأنه أثار السعر وهو لا يريد الشراء.والنجش حكمه محرم ولا يجوز، سواء كان ذلك باتفاق بين البائع والناجش، أو كان ذلك بلا اتفاق وإنما أراد الناجش أن يضر المشتري، أو أن ينفع البائع، أو أراد ذلك كله، المهم النجش محرم ولا يجوز لما فيه من الظلم والغش.والدليل على ذلك: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش )، كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهو في الصحيحين، وأيضاً في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد )، وهذا في الصحيحين.
    صور النجش في البيع
    والنجش له صور: الصورة الأولى من صور النجش: أن يزيد في السلعة من لا يريد الشراء، وهذا مطلقاً كما تقدم، سواء كان ذلك باتفاق بين البائع والناجش أو لم يكن هناك اتفاق، وسواء قصد منفعة هذا أو مضرة ذاك إلى آخره، المهم نقول: بأن هذا محرم ولا يجوز.الصورة الثانية من صور النجش: أن يقول البائع: سيمت مني بكذا وكذا، أو أعطيت بها كذا وكذا، وهو كاذب، يأتي شخص ويقول: السيارة هذه سيمت مني بعشرة آلاف ريال وهو كاذب؛ لأنه رفع السعر الآن، أو يقول: أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، فنقول: بأن هذا داخل في النجش المحرم غير الجائز. الصورة الثالثة: أن يبذل كثيراً ليعطيه قريباً منه، يعني يأتيه ويسأله: كم سعر الكتاب؟ فيقول: الكتاب بخمسة عشر، فيقول المشتري: ثلاثة عشر، ثم يبيع عليه، يعني يرفع عليه السعر لكي يبذل المشتري قريباً من ذلك، فإذا رفع عليه السعر لكي يبذل المشتري قريباً من ذلك قالوا بأن هذا من تغرير البائع كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فيقول مثلاً: الثوب بثمانين ريالاً، فيقول لك: الثوب بمائة ريال، ثم يقول المشتري أعطني إياه بثمانين، فهو سعره ثمانون، فيظن المشتري أنه اكتسب وأنه رخص له في ذلك وإذا هو بالسعر، ما استفاد شيئاً، فهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنه محرم؛ لأنه من تغرير البائع، اللهم إلا إذا كانت الزيادة يسيرة، يعني: شيخ الإسلام يقول: ويحرم أن يسومه كثيراً لكي يبذل قريباً منه، فيزيد لكي يبذل المشتري قريباً من هذه الزيادة إلى آخره، فهذا من تغرير البائع كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. لكن لو أنه زاده شيئاً يسيراً لأن الناس يماكسون، مثلاً الكتاب بعشرة فيقول: بأحد عشر لكي يكون بعشرة، أو بتسعة أو نحو ذلك، فهذا يظهر أنه لا بأس به، لكن أن يسومه كثيراً لكي يبذل قريباً منه هذا من تغرير البائع.
    النهي عن بيعتين في بيعة
    قال المؤلف رحمه الله: [ وعن بيعتين في بيعة ].ودليل ذلك حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيعتين في بيعة )، وحديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ).وقد اختلف العلماء رحمهم الله في تفسير البيعتين في بيعة التي نهى عنها النبي على أقوال: الرأي الأول: ما ذكره المؤلف رحمه الله قال: أن يقول: بعتك هذه بعشرة صحاح أو عشرين مكسرة، الصحاح غير المكسرة، يعني مثلاً يقول لك: بعتك هذا الكتاب بعشرة دنانير صحاح، أو بعشرين مكسرة، والمكسرة هذه أجزاء. وكانوا في الزمن السابق يقولون: نقود، ويقصدون بها الدراهم والدنانير، الدرهم يكون من الفضة، والدينار يكون من الذهب، هذه تسمى نقوداً. وعندهم أيضاً مكسرة وهي أجزاء مقطعة من الدينار والدرهم، قطعة من الدينار، قطعة من الذهب، قطعة من الفضة إلى آخره، هذه تسمى مكسرة.والأمر الثالث: فلوس، والفلوس هذه التي تستخدم ثمن للأشياء من الحديد أو من المعدن، وكذلك أيضاً من الورق، فعندنا نقود، وعندنا مكسرة، وعندنا فلوس، وهو هنا قال: بعتك هذه السلعة بعشرة صحاح -عشرة دنانير صحيحة، أو عشرة دراهم صحيحة من الذهب والفضة- أو عشرين مكسرة (قطع). يقول المؤلف رحمه الله: هذه بيعتان في بيعة لا تصح، فلابد أن نفهم مسألة أنه لابد من الجزم بالسعر، إذا تفرقا ولم يجزم بالسعر فلا يصح أصلاً.الرأي الثاني: أن بيعتين في بيعة هو اشتراط عقد في عقد، بأن يقول: بعتك هذا الكتاب على أن تبيعني كتابك، أو بعتك هذا الكتاب على أن تؤجرني سيارتك، أو على أن تعقد معي عقد شركة ونحو ذلك، فقالوا: هذه بيعتان في بيعة وهي التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، هكذا يفسرون البيعتين في بيعة، وعلى هذا؛ ما ذهب إليه المؤلف رحمه من هذا التفسير هو خلاف المذهب، المذهب يقولون بأن بيعتين في بيعة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: بعتك هذا الكتاب على أن تبيعني، أو على أن تؤجرني، يعني يشترط عقداً آخر.والرأي الثاني: رأي مالك وغيره، وهو أن اشتراط عقد في عقد ليس داخلاً في بيعتين في بيعة، يعني كون الإنسان يقول: بعتك بشرط أن تبيعني.. بشرط أن تؤجرني.. بشرط أن تعقد معي عقد مساقات.. عقد مزارعة، قالوا: إن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن الأصل في المعاملات الحل.وهذا القول هو الصواب: أن اشتراط عقد في عقد آخر لا بأس به، إلا إذا تضمن ذلك محظوراً شرعياً، بأن يقول مثلاً: أقرضتك على أن تبيعني، يقول مثلاً: أقرضتك كذا وكذا على أن تبيعني، نقول: هذا لا يجوز؛ لأن القرض يراد به الإرفاق والإحسان، فإذا اشترط فيه شرطاً جر منفعةً، والقرض إذا جر منفعة فهو من الربا، كما ورد عن الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحل سلف وبيع ).أو مثلاً يقول: بعتك على أن تزوجني ابنتك، نقول: هذا لا يجوز، هذا نظير الشغار الذي صفته أن يزوجه موليته على أن يزوجه الآخر موليته، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار.لأننا إذا جوزنا مثل هذا ما ينظر الولي إلى مصلحة موليته وإنما ينظر إلى مصلحته هو، فالذي يعطيه أكثر أو الذي يبيعه يزوجه، والذي ما يبيعه لا يزوجه.المهم نأخذ من هذا الخلاصة: أن اشتراط عقد في عقد حكمه جائز؛ لأن الأصل في المعاملات الحل، إلا إذا تضمن ذلك محذوراً شرعياً، كما مثلنا.التفسير الثالث لبيعتين في بيعة الذي ذهب إليه ابن القيم رحمه الله، قال: بأن المراد به بيع العينة، قال: فبيع العينة هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اشتمل على بيعتين؛ بيعة نسيئة، وبيعة حاضرة والمبيع واحد.ضابط بيع العينة: أن يشتري منه سلعة بثمن مؤجل، ثم يبيعها عليه بأقل من ثمنها نقداً، يشتري منه السيارة بثمانين ألفاً مؤجلة لمدة سنة، ثم يذهب نفس المشتري ويبيعها على البائع بستين ألفاً نقداً، فالسيارة الآن رجعت للبائع، والمشتري تحصل على ستين، والبائع يطالبه بثمانين، فهذا الربا، ستون بثمانين دخلت بينهما السيارة، الآن عندنا بيعتان في بيعة؛ بيعة نسيئة وبيعة حاضرة، والمبيع واحد وهو السيارة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو : ( من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا )، يعني: إذا حل الأجل نقول البائع بذل ستين، ويطالب الآن بثمانين، فنقول له: إذا حل الأجل إن أخذت ستين أخذت بالناقص -فله أوكسهما- وإن أخذت ثمانين وقعت في الربا، فله الناقص أو الربا، وهذا تفسير ابن القيم رحمه الله وهو الأقرب: أن المراد ببيعتين في بيعة بيع العينة.قال: [ أو يقول: بعتك هذا على أن تبيعني هذا وتشتري مني هذا... ] إلى آخره.نحن قلنا هذا اشتراط عقد في عقد، وذكرنا الخلاف في هذه المسألة، وقلنا: الصواب أن اشتراط عقد في عقد جائز ولا بأس به، إلا إذا تضمن ذلك محذوراً شرعياً فإن هذا غير جائز.قال: [ وقال: ( لا تلقوا السلع حتى يهبط بها الأسواق ) ].وهذا من تلقي الركبان وقد تقدم، وذكرنا الدليل على ذلك وهو حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تلقوا الركبان، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تناجشوا، ولا يبع حاضر لباد )، وهذا الحديث في الصحيحين، فتلقي الركبان محرم.
    صور تلقي الركبان
    وتلقي الركبان هذا له صور:الصورة الأولى: أن يخرج ويتلقاها خارج البلد، فهذا داخل في النهي عن تلقي الركبان؛ لأنه يتضمن الغرر والخديعة لهذا الراكب؛ لأنه يكون جاهلاً بالسعر، فنقول: بأن هذا محرم ولا يجوز.الصورة الثانية: أن يخرج خارج البلد لا لقصد التلقي وإنما لنزهة أو لغرض وغير ذلك، ثم يلقى أهل السلع، فهذا موضع خلاف، والأحوط أنه لا يشتري منهم.الصورة الثالثة: أن يلقاهم خارج البلد لكنهم لا يقصدون بلده وإنما يقصدون بلداً آخر، يعني هو وجدهم خارج البلد ومعهم الحمولة ولا يقصدون بلده وإنما يقصدون بلداً آخر فتلقاهم، فنقول: بأن هذا شراء من مسافر، والشراء من المسافر جائز.الصورة الرابعة: أن يتلقاهم داخل البلد لكن قبل أن يصلوا إلى السوق، فنقول أيضاً: هذا داخل في النهي.والصورة الخامسة: ألا يتلقاهم وإنما يقصدونه هم بأنفسهم كي يبيعوا له، فهذا جائز ولا بأس به.الصورة السادسة: أن يعرضوا سلعهم خارج البلد، ولا يقصدون الدخول إلى أسواق المدينة، فتجد بعضهم يعرض سلعه خارج البلد، أو حتى في الصحراء، فنقول بأن هذا جائز ولا بأس به.وقوله: [ الركبان ].الركبان: جمع راكب، وهو في الأصل راكب البعير، والمراد به: كل من أتى بسلع إلى البلد، سواء كان راكباً أو راجلاً.
    النهي عن بيع السلعة حتى يقبضها
    قال: [ وقال: ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه ) ].(يستوفيه) أي: يقبضه، في هذا الحديث النهي عن بيع السلع حتى يقبضها المشتري، فليس لك أن تبيعها حتى تقبضها إذا كنت مشترياً، وهل هذا خاص بأشياء معينة، أو أنه عام؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله.فالرأي الأول: أن هذا عام يشمل كل السلع، ويدل لهذا حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ( رأيت الذين يشترون الطعام مجازفةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضربون حتى يؤووه إلى رحالهم )، وهذا في الصحيحين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في الصحيحين: ( من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه )، وأيضاً حديث ابن عمر قال: ( كنا نشتري من الركبان جزافاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه )، فهل هذا عام أو ليس عاماً؟الرأي الأول: أن هذا عام، ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وأحسب أن كل شيءٍ مثله، أي: مثل الطعام، أي: إذا اشترى الإنسان سيارة ليس له أن يبيعها حتى يقبضها، اشترى كتاباً ليس له أن يبيعه حتى يقبضه، اشترى طعاماً.. رزاً.. براً.. ثياباً.. إلى آخره ليس له أن يبيعه حتى يقبضه، هذا هو الرأي الأول.الرأي الثاني: أن هذا خاص بالطعام، لقوله في الحديث: ( رأيت الذين يشترون الطعام )، ( من اشترى طعاماً )، إلى آخره: أن هذا خاص في الطعام، وهذا قال به الإمام مالك رحمه الله، أما ما عدا الطعام فله أن يبيعه قبل أن يقبضه، فمثلاً: إذا اشترى كتاباً وهو لم يقبضه فله أن يبيعه، أو إذا اشترى سيارة فله أن يبيعها قبل أن يقبضها.. إلى آخره.الرأي الثالث: فيه تفصيل، فقالوا: إن بيع بتقدير فله أربع صور: الموزون -يعني: ما بيع بالوزن- أن يبيعك هذا اللحم كل كيلو بكذا، أو السكر كل كيلو بكذا، ما بيع بوزن أو كيل، يبيعك هذا الرز كل صاع أو كل مد بكذا، أو عدّ؛ فيبيعك هذه السلعة كل حبة بكذا، أو ذرع؛ فيبيعك هذا القماش كل متر أو كل ذراع بكذا، قالوا: ما بيع بتقدير، وما بيع برؤية سابقة، أو بوصف، لا يجوز بيعه قبل قبضه.وما بيع جزافاً بدون تقدير، مثلاً: اشتريت منك هذه السلعة، أو هذا البطيخ، أو هذه الخضار.. هكذا، أو برؤية حاضرة، مثل: اشتريت منك هذه السيارة الموجودة الآن... إلى آخره، قالوا في هذا: يجوز أن تبيعه قبل أن تقبضه، وهذا هو المذهب.والراجح في هذه المسألة ما ذهب إليه أهل القول الأول، وأن كل مبيع لا يجوز بيعه قبل قبضه، لعموم الأحاديث، لهذا قال ابن عباس : وأحسب أن كل شيء مثله.وورد في بعض الأحاديث لفظ السلع، وهذا يشمل الطعام وغير الطعام، فالصواب أنه ليس خاصاً بالطعام، أو أنه خاص بصور معينة كما هو مذهب الحنابلة رحمهم الله.
    ما استثناه ابن تيمية مما ينهى عنه من بيع السلعة قبل قبضها
    شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله استثنى مسألتين: المسألة الأولى: قال: إذا باعه على بائعه فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه، مثلاً: اشتريت منك السيارة بعشرة آلاف ريال ثم بعتها عليك بأحد عشر ألفاً أو بتسعة آلاف قبل أن أقبضها منك، فيقول شيخ الإسلام : إذا باعه على بائعه فإن هذا جائز ولا بأس به، هذه الصورة الأولى التي استثناها.الصورة الثانية: إذا باعه تولية هذا سيأتينا إن شاء الله في أقسام الخيارات، إذا باعه تولية، بمعنى أنه باعه برأس ماله، يعني: السيارة هذه اشتراها بعشرة آلاف ريال ثم ذهب وباعها بعشرة ما كسب فيها، باعها برأس مالها، يقول: يجوز أن يبيعها قبل قبضها من البائع، والصواب في ذلك العموم، وأنه حتى ولو باعها برأس المال فإن هذا لا يجوز.وهل النهي خاص بالبيع قبل القبض، أو أنه ليس خاصاً بالبيع؟ يعني أنت مثلاً اشتريت السيارة والشارع منعك من البيع، لكن لو جعلتها صداق لزوجة تزوجتها.. جعلتها هبة.. جعلتها وقفاً... إلى آخره، أو نقول: بأن هذا خاص بالبيع؟هذا موضع خلاف، والصحيح أن هذا خاص بالبيع، أما ما عدا البيع ومعناه، ما عدا ذلك فإنه جائز، مثلاً: الإنسان اشترى سيارة وقبل أن يقبضها ذهب ووهبها.. اشترى سيارة وقبل أن يقبضها وقفها لله عز وجل.. ذهب وأجرها.. أجر البيت قبل أن يقبضها.. رهنها.. الأرض عقد عليها عقد مساقات.. عقد مزارعة قبل أن يقبضها، نقول: هذه التصرفات جائزة. الذي ينهى عنه هو البيع، وما عدا ذلك فإنه لا ينهى عنه، وهذا هو الصواب في هذه المسألة.قبل أن ننتهي بقي عندنا مسألة، وهي: ما هي الحكمة في النهي عن بيع السلعة قبل قبضها؟ هذه اختلف فيها العلماء رحمهم الله، وأقرب شيء هو ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن الحكمة هو أنه قد يعجز المشتري من تخليص السلعة من البائع؛ لأنه إذا ربح فيها البائع قد يعجز المشتري من تخليصها منه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [4]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (67)


    ينقسم الربا في البيع إلى قسمين: ربا فضل وربا نسيئة، وقد اختلف الفقهاء في تحديد علة الربويات المنصوص عليها في السنة، بعد اتفاق الجمهور على كون التحريم هنا معقول المعنى.
    الربا
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الربا: عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى), ولا يجوز بيع مطعوم مكيل أو موزون بجنسه إلا مثلاً بمثل.ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزون كيلاً، وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد، ولم يجز النَّساء فيه, ولا التفرق قبل القبض، إلا في الثمن بالمثمن].تقدم لنا في الدرس السابق جملة من البيوع المنهي عنها, منها: بيع الملامسة والمنابذة والحصاة، وما يتعلق بالبيع على بيع أخيه، وبالشراء على شرائه.. إلى آخر ما تكلمنا عليه.ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الربا عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل, سواءً بسواء, فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
    تعريف الربا وحكمه
    الربا في اللغة: يطلق على معانٍ منها البركة والزيادة.وأما في الاصطلاح: فهو تفاضل في أشياء ونساء في أشياء, مختص بأشياء، وهذا التعريف فيه إجمال، لكن سيتضح إن شاء الله. والربا محرم ولا يجوز, وكان في الجاهلية قبل الإسلام ثم جاء الإسلام وأبطله وحرمه لما فيه من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل. والأدلة على تحريمه ظاهرة من القرآن والسنة والإجماع في صور, واختلف العلماء رحمهم الله في صور أخرى. أما القرآن فقول الله عز وجل: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] وأيضاً قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] .وأما السنة فحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر منها أكل الربا. وأيضاً حديث جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه) أخرجه مسلم في صحيحه. والمسلمون مجمعون على تحريم الربا.
    أقسام الربا
    الربا ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: ربا الفضل، والقسم الثاني: ربا النسيئة.
    ربا الفضل
    الفضل في اللغة: الزيادة.وأما في الاصطلاح: فهو الزيادة في أحد الربويين الحالين المتحدي الجنس.وسيأتينا إن شاء الله ما هي الأموال الربوية، إذا فهمنا ما هو المال الربوي استطعنا أن نفهم الربا؛ لأنه ليس كل الأموال ربوية، ليس كل الأموال إذا بادلت بعضها ببعض بالزيادة أو مع التأخير وقعت في الربا، الربا خاص ببعض الأموال دون بعض كما سيأتي. فنقول في تعريف ربا الفضل: الزيادة في أحد الربويين المتحدي الجنس الحالين. مثال ذلك: عشرون غراماً من الذهب بعشر غرامات, الذهب من الأموال الربوية، الآن بادلت ذهباً بذهب مع الزيادة فوقعت في ربا الفضل. ومثل ذلك أيضاً: مبادلة عشرين غراماً من الفضة بعشر غرامات. مثال ثالث: مبادلة صاعين من التمر بصاع من التمر, وقعت في الربا، التمر من الأموال الربوية فبادلت ربوياً بجنسه مع الزيادة, وكل منهما حال يداً بيد: تمر بتمر يداً بيد، ذهب بذهب يداً بيد لكن زدت في أحد العوضين فوقعت في الربا.مثال رابع: خمسة ريالات بستة ريالات، صرفت مثلاً خمسمائة ريال بأربعمائة وتسعين أو بأربعمائة وتسعة وتسعين، وقعت الآن في ربا الفضل, الريالات هذه أموال ربوية, فبادلت ربوياً بجنسه مع الزيادة.أيضاً: دينارات بدينارات، جنيهات بجنيهات، حالة يداً بيد لكن مع الزيادة في أحدها نقول بأنك وقعت في ربا الفضل.ربا الفضل هل هو محرم أو ليس بمحرم؟ جماهير أهل العلم على أنه محرم, وإن كان ورد عن بعض السلف عدم التحريم، لكن جمهور أهل العلم على أنه محرم, ويدل على هذا ما أورده المصنف حديث عبادة : (الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر, يداً بيد, فمن زاد أو استزاد فقد أربى) هذا ربا الفضل، زاد أو استزاد فقد أربى, وقع في الربا، فإذا أخذ في ذلك زيادة وقع في الربا.وذهب بعض العلماء إلى أن الربا خاص بربا النسيئة فقط لحديث أسامة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الربا في النسيئة). وهذا أجاب عنه العلماء رحمهم الله بأجوبة من هذه الأجوبة: أن المراد بقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنما الربا في النسيئة) يعني: الربا الأشد والأغلظ إنما هو في النسيئة, ولا يمنع هذا من ثبوت ربا الفضل, وهناك أجوبة أخرى لا حاجة إلى سردها, لكن يكفينا هذا؛ لأن الأحاديث صريحة ثابتة صحيحة في إثبات ربا الفضل, هذا القسم الأول وهو ربا الفضل.
    ربا النسيئة
    القسم الثاني: ربا النسيئة. النسيئة في اللغة: التأخير.وأما في الاصطلاح: فهو تأخير القبض في أحد الربويين اللذين اتفقا في علة ربا الفضل, وهذا الكلام يحتاج إلى شرح يتضح فيما بعد, لكن نضرب على ذلك أمثلة.من الأمثلة: عندما تبادل بُرًا بشعير, البر مال ربوي، والشعير مال ربوي، يتحدان في علة ربا الفضل كما سيأتي إن شاء الله، وعلة ربا الفضل في البر والشعير، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الطعم مع الكيل, والطعم مع الوزن, فالبر مطعوم مكيل، والشعير مطعوم مكيل, فاتفقا في علة ربا الفضل, واختلفا في الجنس, عندما نبادل أحدهما بالآخر نشترط شرطاً واحداً وهو أن يكون يداً بيد, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فعندما تبادل بُرًا بشعير يجوز التفاضل لكن لابد أن يكون يداً بيد, فإن حصل التأخير (عدم القبض) فإنك تكون وقعت في ربا النسيئة, إذا بادلت ذهباً بذهب مع تأخير القبض عشر غرامات ذهب بعشر غرامات ذهب مع تأخير القبض هنا يتحدان في العلة, علتهما واحدة كما سيأتي، فإذا تأخر القبض في أحد العوضين فإنك تكون وقعت في ربا النسيئة، فتبادل عشر غرامات بعشر غرامات بعد يوم أو يومين تبادل ريالات بريالات تصرف ريالات بريالات, تقول بعد يومين: أعطيك بدلاً يعني تأخذ منه مائة ريال, تقول: أعطيك الصرف بعد يوم يومين وقعت في ربا النسيئة, وربا النسيئة محرم بالإجماع, ويدل له ما تقدم من الآيات. وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة في الصحيحين: (إنما الربا في النسيئة).
    الأموال الربوية
    لكي نفهم باب الربا لابد أن نفهم ما هي الأموال الربوية؟ النبي صلى الله عليه وسلم عدد ستة أصناف: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح) هذه أموال ربوية بالاتفاق، بالإجماع على أنها أموال ربوية, العلماء مجمعون عليها, والأدلة صريحة فيها, لكن هل يُقتصر على هذه الأموال الستة فقط, أو أن هذه الأموال يُلحق بها غيرها؟ أو نقول: بأن هذا مقصور على هذه الأموال الستة؟ جمهور أهل العلم ومنهم الأئمة : أن الربا ليس مقصوراً على هذه الأموال الستة بل يُلحق بها غيرها, يُلحق بهذه الأموال الستة غيرها مما يقارنها ويماثلها في العلة. والدليل على أنه لا يُقتصر على هذه الأموال الستة أن الربا جاء في غيرها, فثبت في صحيح مسلم من حديث معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل)، وثبت أيضاً الربا في العنب والزبيب, وعدم بيع العنب بالزبيب؛ كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما, فهذا يدل على أن الأمر ليس محصوراً في هذه الأصناف الستة؛ ولأن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات. والرأي الثاني: رأي الظاهرية وابن عقيل من الحنابلة وغيرهم قالوا: بأن الربا محصور في هذه الأصناف الستة فقط لا يتعداها إلى ما سواها. واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم عدد، والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم فلو كان يتعداها لقال عبارة أشمل لقال: المكيلات بالمكيلات أو الموزونات بالموزونات مثلاً بمثل, سواءً بسواء.. إلى آخره، لكن النبي عليه الصلاة والسلام عدد, والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع الكلم, فكونه عدد يدل على أن الربا محصور في هذه الأصناف. الراجح قول جمهور أهل العلم رحمهم الله أن الربا ليس خاصاً, الربا يشمل هذه الأصناف الستة وغيرها.
    علة الأموال الربوية
    الذين قالوا بأن الربا يشمل الأصناف الستة وغيرها اختلفوا ما هي العلة في هذه الأصناف الستة التي إذا وجدت ألحقنا غيرها بها؟ ما هي العلة؟فعندنا الذهب والفضة اختلف العلماء رحمهم الله فيها وعندنا أيضاً الأصناف الأربعة الباقية المطعومة: التمر والبر والشعير والملح، اختلف العلماء رحمهم الله في علتها.
    علة الذهب والفضة
    من الأصناف عندنا: الذهب والفضة.اختلف العلماء في علتهما على آراء هي:الرأي الأول: وهو مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة أن العلة في الذهب والفضة الوزن، وعلى هذا قالوا: يجري الربا في كل موزون, كل موزون يجري فيه الربا, الحديد يجري فيه الربا, النحاس الصفر الشعر الحرير القطن الكتان الصوف السكر اللحم، المهم العلة عندهم الوزن، وعلى هذا يجري الربا في كل موزون سواء كان مطعوماً أو كان غير مطعوم, هذا كما قلنا: مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد .الرأي الثاني: أن العلة هي غلبة الثمنية, وهذا مذهب مالك والشافعي ، العلة غلبة الثمنية بمعنى أن الربا لا يتعدى الذهب والفضة فقط, وعلى هذا لا يجري الربا عندهم في الحديد ولا الصفر ولا النحاس .. إلى آخره.العلة عندهم هي غلبة الثمنية, وعلى هذا لا يجري الربا عندهم في أي شيء في الموزونات: الحديد والرصاص والنحاس, هذه الموزونات لا يجري الربا عندهم فيها, أما المطعومات وإن كانت موزونة فلهم كلام فيها. والرأي الثالث: أن العلة هي الثمنية, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وعلى هذا يجري الربا في كل شيء اتخذه الناس ثمنا للأشياء، كل شيء اتخذه الناس ثمنا للأشياء فإن الربا يجري فيه, مثل الريالات الجنيهات الدينارات الدولارات إلى آخره يجري فيها الربا، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وعلى هذا نضرب أمثلة. فعندما نبادل كيلو حديد بكيلوين حديد هل هو ربا أو ليس ربا على رأي شيخ الإسلام ؟ ليس من الربا، على رأي مالك والشافعي ليس من الربا، على رأي أحمد وأبي حنيفة يقولون: بأنه ربا.عندما نبادل ريالات بريالات مع الزيادة عند شيخ الإسلام ربا؛ لأنه يقول العلة هي الثمنية, فكل ما جعله الناس ثمناً يجري فيه الربا، فعند شيخ الإسلام يري أنه ربا، عند أبي حنيفة وأحمد ليس ربا؛ لأنها ليست موزونة، عند مالك والشافعي ليست ربا؛ لأنهم يقصرون الربا على الذهب والفضة.عندما تبادل نحاساً بنحاس مع الزيادة أو مع تأخير القبض على رأي أحمد وأبي حنيفة ربا، وعلى رأي مالك والشافعي ليس ربا، وعلى رأي شيخ الإسلام ليس ربا.عندما تبادل حديداً بنحاس مع تأخير القبض على القول الأول: ربا، وعلى القول الثاني: ليس ربا، والثالث: ليس ربا.عندما تبادل حديداً بنحاس مع القبض لكن فيه تفاضل مثلاً خمسة كيلو حديد بكيلوين نحاس يداً بيد مع التقابض على رأي أحمد وأبي حنيفة ليس ربا، جائز؛ لأنه ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يداً بيد ) كما سيأتينا. إذا اتفقا في العلة واختلفا في الجنس يشترط شرطاً واحداً فقط وهو: التقابض، وإذا اتفقا في الجنس يشترط شرطين، حديد بحديد يشترط شرطين: التماثل والتقابض، إذا اختلفا نشترط شرطاً واحداً فقط وهو الحلول والتقابض، هذا بالنسبة لما يتعلق بالذهب والفضة.
    علة الربا في بقية الأصناف
    أما الأصناف الأربعة الباقية وهي: البر, الشعير, التمر, الملح, ما هي العلة فيها؟اختلف العلماء رحمهم الله في ذلك:الرأي الأول: لـأبي حنيفة وأحمد أن العلة هي الكيل، وعلى هذا يجري الربا في كل المكيلات سواء كانت مطعومة أو غير مطعومة, مطعومة مثل: البر, الشعير, التمر, الملح, سائر الحبوب: الرز العدس كل شيء يُكال الذرة الدهن الرشاد الحلبة، كل شيء يُكال يجري فيه الربا. أو غير مطعومة مما يُكال مثل: الأشنان، الأشنان هذا لا يُطعم فيقولون: يجري الربا في كل المكيلات سواء كانت مطعومة أو غير مطعومة. الرأي الثاني: رأي الشافعي ، أن العلة في الأصناف الأربعة كونها مطعومة, الرأي الأول يقولون: كونها مكيلة، أما الرأي الثاني يقول: العلة هي الطعم, وهذا أوسع يعني كل شيء يطعم يجري فيه الربا, رأي الشافعي واسع جداً, العلة عنده الطعم فيجري الربا في المطعومات سواء كانت تقتات أو لا تقتات، وهذا كما ذكرت من أوسع المذاهب. الرأي الثالث: رأي مالك ، الاقتيات والادخار, العلة كونها تقتات يعني قوت وتدخر. الرأي الرابع والأخير: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن العلة هي: الطعم مع الكيل أو الوزن, وهو رأي الشافعية إلا أنه قيده بكونه مطعوماً مكيلاً أو موزوناً.نعيد الأقوال مرة ثانية: الرأي الأول: العلة الكيل قول أبي حنيفة وأحمد .الثاني: الطعم الشافعي .الثالث: الاقتيات والادخار مالك . الرابع: الطعم مع الكيل أو الوزن، اختيار شيخ الإسلام .
    أمثلة تطبيقية
    نضرب أمثلة نستعرض المذاهب: مبادلة بيضة ببيضتين، جاء واحد يسألك يقول لك: بادلت أعطيته بيضة وأعطاك بيضتين هل وقع في الربا أو لم يقع في الربا؟ لم يقع؛ لأن البيض ما يُكال، ما تكيله بالصاع أو بالمُد، مبادلة بيضة ببيضتين على رأي أحمد وأبي حنيفة ما فيه ربا.على رأي الشافعي وقع في الربا. على رأي مالك لم يقع في الربا، لا تقتات ولا تدخر.على رأي شيخ الإسلام ما وقع، ليس مكيلاً ولا موزوناً, وإن كان مطعوماً لكن ليس مكيلاً ولا موزوناً، فأصبح عند الشافعي فقط يجري ربا في بيضة ببيضتين.موزة بموزتين عند أحمد وأبي حنيفة لا يقع لأنه ما يكال، عند الشافعي يقع الربا, عند المالكية لا يقع الربا، عند شيخ الإسلام لا يقع الربا، فأصبح عندنا الشافعي فقط.صاع من الذرة بصاعين, عند أحمد وأبي حنيفة يقع لأنه مكيل، الشافعي يقع، مالك يقع، شيخ الإسلام يقع فيه الربا؛ لأنه مطعوم مكيل، فيتفقون على الذرة بالذرة. كيلو لحم بكيلوين, عند أحمد وأبي حنيفة ما يقع؛ لأنه لا يُكال بل يوزن, الكيلو معيار للوزن, ما هو بمعيار للكيل, المعيار للكيل المُد والصاع.. إلى آخره، عندما تبادل كيلو لحم بكيلوين عند أحمد وأبي حنيفة لا يقع لكنهم يوقعونه من جهة العلة السابقة؛ لأنهم يرون الوزن يعني من جهة علة الكيل ما يرونه, لكن من جهة الوزن هم يقولون: العلة في الذهب والفضة الوزن، فيرون أنه يقع في أي شيء في الموزونات المطعومات والمكيلات كما أنه يقع عندهم الربا في المكيلات المطعومة وغير المطعومة, فالعلة عندهم الوزن والكيل مطعوم وغير مطعوم.فتبين أنه على رأي أحمد وأبي حنيفة يقع من جهة أنه موزون، وهم يرون أنه يقع في الموزونات.على رأي الشافعي يقع لأنه مطعوم، على رأي مالك لا إشكال إنه قوت, لكن إذا قلنا: بأنه يُدخر فيظهر أنه يقع، كان يُدخر اللحم ييبس ويُدخر.على رأي شيخ الإسلام يقع.مبادلة ساعة بساعتين، عند أحمد وأبي حنيفة ما يقع؛ لأن الساعات ليست مكيلة ولا موزونة، فمبادلة ساعة بساعتين لا يقع فيها الربا، عند الشافعي لا يقع؛ ليست مطعومة، وأيضاً ليست ذهباً أو فضة، على رأي مالك أيضاً لا يقع؛ ليست قوتا يُدخر وليست ذهباً أو فضة، على رأي شيخ الإسلام لا يقع، وعلى هذا فقس. نلخص المسألة: لما فهمنا الآن كلام العلماء رحمهم الله ما هو المال الربوي على الراجح؟ نقول: المال الربوي على الراجح يشمل أمرين: الأمر الأول: ما كان ثمن الأشياء، كل ثمن للأشياء، كل ثمن أو كل شيء اتخذه الناس ثمناً. الأمر الثاني: ما كان مطعوماً مكيلا أو مطعوماً موزوناً، هذه الأموال الربوية. وعلى هذا إذا قرأت في كتب الحنابلة إذا قالوا: ربوي يقصدون المكيلة والموزونة, وعلى هذا نفهم الأموال الربوية, نحن نسير على ضابط شيخ الإسلام , وقد نتعرض للمذهب؛ لأن الكتاب على المذهب، على ضابط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الأموال الربوية تشمل أمرين: الأمر الأول: ما كان ثمناً للأشياء, وكل ما اتخذه الناس ثمناً للأشياء.الأمر الثاني: المطعوم المكيل والمطعوم الموزون. نستعرض بعض الأشياء: الريالات ربوية؛ لأنها ثمن، الذهب ربوي؛ لأنه ثمن يتخذ للبس كما تشتري به كانوا في الزمن السابق ما يشترون إلا بالذهب والفضة.الكتاب ليس من الأموال الربوية، تبادل كتاب بكتابين مع القبض, مع تأخير القبض كله جائز ليس من الأموال الربوية ما نشترط شيئاً، السيارات ليست ربوية, تبادل سيارة بسيارتين.. ثلاث سيارات مع القبض مع تأخير القبض هذه ليست من الأموال الربوية. الثلاجات ليست من الأموال الربوية, الأقلام ليست ربوية, السكر مطعوم موزون ربوي، الحليب ربوي مطعوم مكيل، العلماء يقولون: كل المائعات مكيلات الحليب مطعوم مكيل، العسل ربوي لأنه مطعوم مكيل، الدهن السمن ربوي؛ لأنه مطعوم مكيل. العلماء يقولون: كل المائعات مكيلات، كل الحبوب عندهم أيضاً يعتبرونها مكيلات، الحبوب كلها مكيلات.الرز ربوي لأنه مطعوم مكيل. الأثواب ليست ربوية، ليست مطعومة ولا مكيلة ولا موزونة, القطن ليس ربوياً، الصوف ليس ربوياً، الشعر ليس ربوياً, وعلى هذا فقس، يعني: الأموال التي ليست ربوية كثيرة جداً, لكن الربوية الذي يتوفر فيها هذان الضابطان كما ذكرنا اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.
    ضوابط الربويات
    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز بيع مطعوم بمكيل أو موزون بجنسه إلا مثلاً بمثل، ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزون كيلاً، وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد، ولم يجز النَّساء فيه، ولا التفرق قبل القبض، إلا الثمن بالثمن).نأخذ ضوابط: الضابط الأول: تعريف ربا الفضل وربا النسيئة وقد تقدم. الضابط الثاني: المراد بالمال الربوي، وأن المراد به على الراجح ما اجتمع فيه أحد أمرين: الأمر الأول: الثمنية. والأمر الثاني: الطعم مع الكيل أو الطعم مع الوزن. يُشترط شرطان عند مبادلة ربوي بجنسه: الشرط الأول: التماثل. والشرط الثاني: الحلول والتقابض، ربوي بجنسه, الربوي عرفناه كما تقدم بالضابط الثاني، مثال ربوي بجنسه: شعير بشعير، بر ببر، بادلنا الآن ربوي بجنسه شعير بشعير بر ببر تمر بتمر ذهب بذهب رز برز لحم بلحم, نشترط شرطين: الشرط الأول: التماثل لابد صاع بصاع, يداً بيد, ذهب بذهب عشر غرامات بعشر غرامات, يداً بيد, لابد من توافر شرطين, فعند تخلف أحد هذين الشرطين تكون وقعت في الربا.ثم قال: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً، ولا موزون كيلاً، وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد). الضابط الرابع: إذا اختلف الجنس الربوي واتحدا في العلة نشترط شرطاً واحداً فقط وهو الحلول والتقابض. مثال: اختلفا في الجنس واتحدا في العلة: شعير ببر، الجنس هنا مختلف, والعلة التي اتحدا فيها الكيل، خذ قاعدة: كل الحبوب مكيلات، وكل المعادن موزونات، وكل المائعات مكيلات، فالمائعات: الحليب واللبن والعسل والسمن كلها مكيلات، الحبوب كلها مكيلات, المعادن كلها موزونات.قلنا: بر بشعير نشترط التقابض فقط. مثال ثاني: الذهب بالفضة اختلفا في الجنس واتحدا في العلة. الضابط الخامس: إذا اختلفا في الجنس والعلة لا نشترط شيئاً، مثل الذهب والبر، اختلفا في الجنس, واختلفا في العلة, كل منهما ربوي لكن الذهب علته الثمنية والبر علته الطعم مع الكيل.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [5]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (68)


    من أحكام بيع الربويات أنها إذا اتحدت في الجنس يشترط فيها التساوي والتقابض، ولابد في تحقيق التساوي من الأخذ بالمعيار الشرعي، بالكيل في المكيلات، وبالوزن في الموزونات، ولا يصح بيع ما يكال بالوزن، أو بيع ما يوزن بالكيل، وقد ذكر العلماء ضوابط لمعرفة المعيار ا
    من أحكام بيع الربويات
    تقدم لنا تعريف الربا في اللغة والاصطلاح، وذكرنا كلام أهل العلم رحمهم الله في علة ربا الفضل، وما هي الأموال الربوية؟ وما هي الأموال غير الربوية؟فالمشهو ر من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن المال الربوي كل مكيل وكل موزون، سواء كان مطعوماً أو غير مطعوم، هذا المال الربوي.والرأي الثاني -اختيار شيخ الإسلام -: ما هو المال الربوي؟ المكيلات المطعومة والموزونات المطعومة، أيضاً ما كان ثمناً للأشياء، هذا المال الربوي، وذكرنا رأي أبي حنيفة ومالك والشافعي .. إلى آخره، ولا حاجة لإعادة هذه الأقوال. ثم قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً، ولا موزون كيلاً). ذكرنا فيما سبق بعض الضوابط، ومنها: التعريف، وما المراد بالمال الربوي وإذا بادلنا ربوياً بجنسه، فإنه يشترط شرطان، وإذا اختلف الجنس واتحدت العلة، يشترط شرط واحد التقابض، وإذا اختلف الجنس والعلة، لا نشترط شيئاً، مثال ذلك عند مبادلة الذهب بالبر، الجنس مختلف، الذهب يختلف عن البر، لا نشترط شيئاً، لا نشترط التساوي، وكذلك أيضاً لا نشترط الحلول والتقابض، لا نشترط شيئاً.وإذا انتفت العلة من كلٍ من العوضين أو من أحدهما فإننا لا نشترط شيئاً، مثال ما انتفت العلة فيه من أحد العوضين، بيع ذهب بقماش، الذهب العلة فيه الثمنية، القماش ليس ربوباً؛ لأن علة ربا الفضل ليست موجودة فيه، ليس ثمناً للأشياء، وليس مطعوماً مكيلاً، أو مطعوماً موزوناً. مثال آخر انتفت العلة من أحد العوضين: الفضة بالطماطم، الطماطم ليس مالاً ربوياً، وإن كان مطعوماً إلا أنه ليس مكيلاً ولا موزوناً.مثال ثالث: الريالات بالسيارات، الريالات ربوية، السيارات ليست ربوية، لا يشترط التساوي، وأيضاً لا يشترط التقابض. قلنا: إذا انتفت العلة من أحد العوضين، أو انتفت من كل منهما، فإننا لا نشترط شيئاً، مثاله سيارات وأقمشة، السيارات ليست مالاً ربوياً، الأقمشة ليست مالاً ربوياً، ما نشترط شيئاً، تبيع بالتقابض، بعدم التقابض، بالتساوي، بعدم التساوي. مثال آخر انتفت فيه العلة من كل من العوضين، يعني كلاً من العوضين ليس مالاً ربوياً، بيع الخشب بالحديد، والخشب ليس مالاً ربوياً، والحديد على الصحيح ليس مالاً ربوياً، لا نشترط شيئاً، فعندما تبادل خشباً بحديد فبع كيف شئت.مثال أيضاً، أحذية بأقمشة، الأحذية ليست أموالاً ربوية، المال الربوي على كلام شيخ الإسلام ما جمع وصفين: إما أن يكون ثمناً للأشياء، ويستخدم في البيع والشراء، مثل الريالات، الجنيهات، الليرات، الدراهم، وإما أن يكون مطعوماً مكيلاً، مطعوماً موزوناً، فالأحذية والأقمشة هذه بع كيف شئت. ثلاجة بثلاجتين، الثلاجات ليست أموالاً ربوية، بع كيف شئت، ثلاجة بثلاجتين، لا يشترط التساوي، ولا التقابض، غسالة بغسالتين، قلم بقلمين، ثوب بثوبين بعشرة أثواب، كل هذا نقول: بأنه جائز، ولا بأس به، لا نشترط شيئاً مادام أنه ليس مالاً ربوياً، لا نشترط شيئاً.
    المعيار الشرعي في بيع الربويات
    قال المؤلف رحمه الله: (ولا يجوز بيع مكيل من ذلك بشيء من جنسه وزناً ولا موزوناً كيلاً). إذا اتحد الجنس الربوي فلا بد أن تكون المساواة بالمعيار الشرعي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات.مثال اتحاد الجنس الربوي: بر ببر، هنا اتحد الجنس الربوي، بر ببر، ذهب بذهب، فضة بفضة، إذا اتحد الجنس الربوي يشترط التساوي والتقابض أن يكون يداً بيد، هذا التساوي لابد أن يكون بمعياره الشرعي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات، فالبر ما هو معياره الشرعي؟ الكيل، نقول: صاع بر بصاع بر، مد بر بمد بر. لكن عشرة كيلو بر بعشرة كيلو بر هذا لا يجوز؛ لأنك ما ضبطته بمعياره الشرعي، عندما تبادل البر من جنسه لابد أن يكون بمعياره الشرعي، البر معياره الشرعي الكيل، ما تضبطه بالوزن، فعندما تقول: عشرة كيلو بر بعشرة كيلو بر نقول: ما يصح هذا، لابد أن يكون بمعياره الشرعي وهو الكيل، صاع بصاع، صاعان بصاعين إلى آخره. مثل هذا الذهب، معياره الشرعي الوزن، فعندما تبادل الذهب بذهب تقول: عشرون جراماً من الذهب بعشرين جرام، كيلو ذهب بكيلو ذهب.. إلى آخره، لكن صاع ذهب بصاع ذهب نقول: لا يجوز؛ لأنك ما ضبطت الذهب بالمعيار الشرعي. عند مبادلة الجنس الربوي بمثله يشترط التساوي، والتساوي هذا شدد فيه الشارع، قال: ( مثلاً بمثل، سواء بسواء )، ولا تحصل هذه المثلية والمساواة إلا بالمعيار الشرعي، فلابد في المكيلات أن نضبطها بمعيارها الشرعي، والموزونات لابد أن نضبطها بمعيارها الشرعي، وهذا عندما نبادل الربوي بجنسه، عندما تبادل براً ببر، شعيراً بشعير، ذهباً بذهب، فضة بفضة.. إلى آخره. أما إذا بادلت بغير جنسه ما يشترط المعيار الشرعي، بادل ذهباً بفضة لا يشترط، تضبطه بالكيل، تضبطه بالوزن، كله جائز؛ لأن التساوي لا يشترط، فالتساوي هنا ليس شرطاً، فإذا كان التساوي ليس شرطاً فالمعيار الشرعي ليس شرطاً، نحن لا نشترط المعيار الشرعي إلا عند اشتراط التساوي، كيلاً في المكيلات، ووزناً في الموزونات. نحن الآن ذكرنا أن المكيل يضبط بالكيل، عندما تبادل مكيلاً بجنسه، المكيل تضبطه بالكيل، والموزون تضبطه بالوزن، كيف نعرف المكيل؟ وكيف نعرف الموزون؟ نقول: عندنا حديث ابن عمر رضي الله عنه، وضوابط ذكرها العلماء رحمهم الله. أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة)، هذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا ما كان مكيلاً عند أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبقى مكيلاً إلى يوم القيامة. ننظر إلى المكيلات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل المدينة، فتبقى مكيلة، وننظر إلى الموزونات عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتبقى موزونة. فالبر مكيل عند أهل المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والتمر مكيل، والملح مكيل، والشعير مكيل.والذهب موزون عند أهل مكة، والفضة موزونة عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فتبقى هذه الأشياء موزونة، وتلك تبقى مكيلة، فما كان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام عند أهل المدينة مكيلة فإنها تبقى مكيلة، وما كان عند أهل مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم موزونة فإنها تبقى موزونة.الأشياء التي لم توجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل مكة ولا أهل المدينة، فما الحكم فيها؟ إذا كان عندنا أشياء لم توجد عند أهل مكة، أو عند أهل المدينة، فما الحكم فيها؟ هذا موضع خلاف: بعض العلماء يقول بالقياس مثل ما ذكرت، يعني أنها تلحق بما يشابهها عند أهل مكة أو أهل المدينة.والقول الثاني: أنه يرجع إلى عرف البلد، فننظر أعراف الناس، هل هذا مكيل عندهم أو هذا موزون؟ وقد ذكر العلماء رحمهم الله ضوابط للمكيلات والموزونات، من هذه الضوابط: الضابط الأول: قالوا: كل الحبوب مكيلات، هذا ضابط يشمل كثيراً من الحبوب، هذا يدخل فيها الرز، يدخل فيها الذرة، يدخل فيها الدخن، يدخل فيها السمسم، وأشياء كثيرة، هذه كلها مكيلات، فعندما تبادل رزاً برز يشترط الكيل، عندما تبادل سمسماً بسمسم يشترط الكيل، ذرة بذرة يشترط الكيل، معياره الشرعي هو الكيل. الضابط الثاني: قالوا: كل المائعات مكيلات، يشمل هذا الدهن، يشمل العسل، يشمل الحليب، يشمل اللبن، فعندما تبادل حليباً بحليب، حليب بقرة بحليب بقرة، يشترط أن يكون بالكيل، بادل عسلاً بعسل يشترط الكيل، عندما تبادل دهناً بدهن يشترط الكيل، لبناً بلبن يشترط الكيل.. إلى آخره، كل المائعات مكيلات. الضابط الثالث: قالوا: كل المعادن موزونات، فعندك الذهب موزون، الفضة موزونة، الحديد إذا قلنا: يجري فيه الربا موزون، الرصاص موزون، النحاس موزون.. إلى آخره. فعندما تبادل حديداً بحديد تضبطه بالوزن، ما تضبطه بالكيل، لكن الصواب أن الحديد ليس ربوياً، تبيع حديداً بحديد مع القبض أو دون قبض، هذا كله جائز ولا بأس به. الضابط الرابع: قالوا: بأن الشعر والقطن والحرير والصوف والوبر، هذه كله موزونة، فالصوف بالصوف تضبطه بالوزن، القطن بالقطن تضبطه بالوزن، هذا إذا قلنا: بأنها ربوية على قول الحنابلة والحنفية، لكن إذا قلنا بما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فالقطن ليس ربوياً.. إلى آخره.أيضاً الثمار مكيلات، مثل: الزبيب، العنب، التمر.. إلى آخره، هذه مكيلات، عندما تبادل زبيباً بزبيب، تمراً بتمر تضبطه بالكيل، وليس بالوزن، عنب بعنب تضبطه بالكيل، وليس بالوزن.
    حكم اختلاف النوع والجودة في بيع الربويات بجنسها
    الضابط الأخير: عند مبادلة ربوي بجنسه يشترط التساوي مع التقابض، ولو اختلف في النوع أو الجودة أو الرداءة أو الحداثة أو القدم، لا ننظر إلى هذا الاختلاف، لا ينظر لخلاف النوع، أو القدم، أو الحداثة، أو الجودة، أو الرداءة.وعلى هذا إذا بادلت ذهباً عياره أربعة وعشرين بذهب عياره ثمانية عشر، ماذا يشترط؟ التساوي، أن يكون مثلاً بمثل، لا نجعل الرديء زائداً على الجيد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل، سواء بسواء). تمر جيد بتمر رديء لابد صاع بصاع، واختلاف الجودة والرداءة لا ينظر له. اختلاف النوع أيضاً لا ينظر، التمر أنواع كثيرة، السكري والبرحي.. إلى آخره، فعندما تبادل صاع تمر بصاع تمر، ولو اختلفا في النوع، لابد أن يكون يداً بيد، مثلاً بمثل، وهكذا قلت: الذهب بالذهب، الفضة بالفضة، لا ننظر للجودة لا ننظر للرداءة، لابد أن يكون متساوياً.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [6]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (69)


    إذا بيع الربوي بمثله واتحدا جنساً اشترط التماثل والتقابض، وإذا اختلفا جنساً اشترط التقابض فقط، وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس، ولا يجوز بيع رطب بيابس إلا العرايا.
    تابع ضوابط الربويات
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد، ولم يجز النَّساء فيه، ولا التفرق قبل القبض إلا الثمن بالثمن. وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد، إلا أن يكونا من أصلين مختلفين، فإن فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان، ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه, ولا خالصه بمشوبه، ولا نيئه بمطبوخه.وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة، وهو شراء التمر في رءوس النخل، ورخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق، أن تباع بخرصها يأكلها أهلها رطباً].تقدم لنا شيء من الضوابط في باب الربا، وذكرنا من الضوابط تعريف الربا، وذكرنا أيضاً ما هو المال الربوي.. إلى آخره، وتعرضنا لكلام أهل العلم رحمهم الله، وذكرنا الراجح في هذه المسألة، وذكرنا أيضاً من الضوابط أنه عند مبادلة مال ربوي بجنسه فإنه يشترط شرطان: الشرط الأول: التساوي، والشرط الثاني: الحلول والتقابض.وأنه إذا اتفق عند مبادلة مال ربوي بمال ربوي آخر يوافقه في العلة فيشترط التقابض فقط. وذكرنا أيضاً من الضوابط أنهما إذا اختلفا في العلة فإنه لا يشترط شيء، وتكلمنا عن المعيار الشرعي متى يشترط المعيار الشرعي ومتى لا يشترط، أيضاً تكلمنا أنه عند مبادلة المال الربوي بجنسه لا ينظر إلى اختلاف النوع ولا الرداءة أو الجودة.
    بيع الربويات عند اختلاف أجناسها
    قال المؤلف رحمه الله: (وإن اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد ولم يجز النساء فيه).إذا اختلف الجنسان الربويان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد.مثال ذلك: البر بالشعير، فبع كيف شئت، لا يشترط التساوي، فلا بأس أن تبيع مائة صاع من الشعير بخمسين صاعاً من البر، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (إذا اختلف الجنسان جاز بيعه كيف شاء يداً بيد ولم يجز النساء). فإذا اتفق المالان الربويان في العلة واختلفا في الجنس فإنه يجب أن يكونا يداً بيد، إن اتفقا في الجنس والعلة فإنه يشترط مع التقابض التساوي, لكن إن اتفقا في العلة فقط فإنه يجب أن يكونا يداً بيد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (يداً بيد ولم يجز النساء). ما هي العلة؟ سلف عند شيخ الإسلام أن العلة الثمنية أو الطعم مع الكيل أو الطعم مع الوزن. لابد أن يكون يداً بيد ولم يجز النساء: دينارات كويتية بريالات سعودية هنا العلة واحدة: الثمنية، كل منهما ثمن للأشياء والجنس مختلف, الدينارات الكويتية جنس, والريالات السعودية جنس، فعندما تبادل هذه الريالات بالدينارات نشترط شرطاً واحداً وهو التقابض، أن يكون يداً بيد، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولم يجز النساء فيه) أما التماثل فهذا ليس شرطا، يجوز كيف شئت، تبيع عشرة دنانير بمائة ريال هذا لا بأس به. أيضاً: بر بشعير، العلة في البر الطعم مع الكيل والشعير الطعم مع الكيل، اتفقا في العلة واختلفا في الجنس نقول: يشترط شرط واحد فقط أن يكونا يداً بيد، وأما التماثل فإنه لا يشترط فبع كيف شئت.حليب بقر وحليب إبل: العلة في حليب البقر الطعم مع الكيل، حليب الإبل الطعم مع الكيل، نشترط هنا شرطاً واحداً فقط وهو التقابض, أما التساوي ليس شرطاً لأن الجنس مختلف, هذا حليب بقر وهذا حليب إبل فلا يشترط التساوي، فبع كيف شئت. أيضاً: لحم مع سكر, اللحم العلة فيه الطعم مع الوزن, السكر الطعم مع الوزن, بع كيف شئت لكن يشترط أن يكونا يداً بيد. أيضاً: الشحم مع اللحم شحم البقر مع لحم الإبل، العلة في الشحم الطعم والوزن، والعلة في اللحم الطعم والوزن، فبع كيف شئت لكن يشترط أن يكونا يداً بيد؛ لأن العلة واحدة وهي الطعم مع الوزن في كل منهما. فتلخص: أنه إذا اتفق الجنسان لابد من شرطين، إذا اختلف الجنس واتحدا في العلة لابد من شرط واحد، إذا اختلفا في الجنس والعلة لا يشترط شيء أو انتفت العلة من أحدهما فإننا لا نشترط شيئاً .قال: (ولم يجز النساء فيه ولا التفرق قبل القبض إلا في الثمن بالمثمن). هذا ظاهر لأن العلة هنا منتفية، فأنت تشتري بالريالات السعودية بر, البر ربوي, والعلة فيه الطعم مع الكيل, والريالات ربوية, والعلة فيها الثمنية, هنا الجنس مختلف, والعلة مختلفة, لا نشترط شيئاً.أيضاً: نشتري بالذهب شعيراً فالذهب العلة فيه الثمنية, والشعير العلة فيه الطعم مع الكيل، لا نشترط لا التساوي ولا التقابض، لا يشترط شيء؛ لأنه انتفت العلة واختلف الجنس.
    ضابط الجنس الربوي
    قال: (وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس واحد إلا أن يكونا من أصلين مختلفين, فإن فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان). هذا الضابط العاشر وهو: الجنس والنوع. عندنا جنس، وعندنا نوع, الجنس هو اسم خاص شامل لأشياء مختلفة بأنواعها، والنوع اسم خاص شامل لأشياء مختلفة بأشخاصها. فمثلاً: البر جنس شامل لأشياء مختلفة بأنواعها, فالبر تحته أنواع تحته الحنطة تحته الجيمي تحته أمعيه.. إلى آخره, البر هذا يسمى جنساً, التمر نسميه جنساً؛ لأن تحته أنواعاً, والأنواع السكري البرحي الشقر.. إلى آخره، هذا جنس. المهم الجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، النوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها. كما قلنا: التمر جنس تحته أنواع: السكري نسميه نوعاً، عندنا كيس من السكري وكيس ثان من السكري، وكيس ثالث من السكري، هذه الأكياس نسميها أنواعاً ما نسميها أجناساً؛ لأنها مختلفة بأشخاصها؛ لأن النوع واحد فلا نقول بأنها أجناس نقول بأنها أنواع، السكري نوع من التمر، فالنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها, ذات هذا مخالفة لذات هذا مخالفة لذات هذا، ونوعها واحد أيضاً. البر كما قلنا تحته أنواع: الحنطة، الجيمي.. إلى آخره، فمثلاً عندي كيس من الحنطة، وكيس آخر من الحنطة، وكيس آخر من الحنطة، نقول: هذه أشياء مختلفة بأشخاصها, فهذا ضابط النوع وضابط الجنس، وكما تقدم لنا عند مبادلة جنس بنقود لا ننظر للنوع، ننظر للجودة والرداءة، عندما تبادل جنساً ربوياً بآخر لا ننظر للنوع, تمر بتمر لابد أن يكونا مثلاً بمثل يداً بيد، سكري مثلاً بمثل، يداً بيد لا ننظر لاختلاف النوع. قال المؤلف: (وكل شيئين جمعهما اسم خاص فهما جنس). كما قلنا: السكري والبرحي جمعهما اسم خاص وهو التمر فهما جنس واحد إلا أن يكونا من أصلين مختلفين, فإن فروع الأجناس أجناس. يقول المؤلف رحمه الله: (فروع الأجناس أجناس وإن اتفقت أسماؤها كالأدقة والأدهان). فروع الأجناس أجناس، البر كما تقدم لنا جنس، طحين البر جنس، الشعير جنس, طحين الشعير جنس، وعلى هذا إذا بادلت طحين بر بطحين شعير يشترط التقابض فقط، البر جنس طحناه فأصبح دقيقاً, جنس الشعير جنس طحناه أصبح دقيقاً فدقيقه أصبح جنساً, فعندما تبادل طحين بر بطحين شعير يشترط التقابض فقط، أما التساوي فبع كيف شئت.عندما تبادل طحين بر بطحين بر يشترط التقابض والتساوي، طحين شعير بطحين شعير يشترط التقابض والتساوي. قال: (والأدهان). أيضاً دهن الإبل جنس ودهن البقر جنس، فعندما تبادل دهن البقر بدهن الإبل يشترط التقابض, وأما التساوي فليس شرطاً؛ لأن الجنس هنا مختلف، كل منهما جنس مستقل.
    بيع الرطب باليابس من جنسه
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يجوز بيع رطب منها بيابس من جنسه، ولا خالصه بمشوبه، ولا نيئه بمطبوخه]. عند مبادلة الجنس الربوي بمثله يشترط التقابض والتساوي، التساوي كما ذكرنا لابد أن يكون بالمعيار الشرعي، ولابد أن يحصل التساوي بالرطوبة واليبوسة، ما يصح أن تبادل صاعاً من التمر رطب بصاع من التمر يابس؛ لأن الرطب إذا جف ينقص. وفي حديث سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ( سئل عن بيع الرطب باليابس فقال: أينقص الرطب إذا جف؟ قالوا: نعم، قال: لا ) لأنك عندما تبادل ربوياً بجنسه. قال الشارع: مثلاً بمثل سواء بسواء، فلابد من المساواة، ولا تحصل المساواة إلا إذا اتفقا في الرطوبة, بع صاعاً من التمر رطب بصاع من التمر رطب, صاعاً من التمر يابس بصاع من التمر يابس, صاعاً من الزبيب يابس بصاع من الزبيب يابس, صاع من الزبيب بصاع من العنب ما يجوز؛ لأنهما اختلفا في الرطوبة واليبوسة.قال: (ولا خالصه بمشوبه) يعني عندنا بر مخلوط بشعير وعندنا بر خالص هل يجوز أن تبيع صاعاً من هذا بصاع من هذا؟ نقول: لا يجوز؛ لأنه ما يتحقق التساوي؛ لأنك لو أبعدت الشعير عنه نقص، كما لو بعت رطباً بيابس فنقول: لا يجوز. قال: (ولا نيئه بمطبوخه)؛ لأن النار تذهب برطوبته وتعقد أجزاءه فيمتنع التساوي, النيئ بالمطبوخ هذا لا يصح، مثلاً: عندك عنب طبخ مع عنب لم يطبخ نقول: لا يجوز، عندك بر طبخناه وبر لم يطبخ هنا لا يجوز لابد من التساوي.
    المزابنة والعرايا

    تعريف المزابنة وحكمها
    قال المؤلف رحمه الله: [ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المزابنه, وهو اشتراء التمر بالتمر في رءوس النخل].النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيحين ( نهى عن المزابنة ). والمزابنة مأخوذة من الزبن وهو الدفع، وسمي بذلك؛ لأن هذه المعاملة يحصل فيها شيء من اللغط فيحصل التدافع بين البائع والمشتري. وأما في الاصطلاح: فهي بيع التمر اليابس بالرطب على رءوس النخل. هذه المزابنة محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها. وأيضاً: كما تقدم لنا عندما تبادل ربويا بجنسه يشترط التقابض والتساوي، التساوي هنا غير متحقق؛ لأنك الآن تبيع رطباً بيابس، هذا لا يجوز, فالمزابنة هذه صورتها.
    تعريف العرايا وشروط جوازها
    يستثنى من المزابنة العرايا, فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا. والعرايا مأخوذة من العري.وأما في الاصطلاح: فهي بيع التمر اليابس بالتمر الرطب على رءوس النخل لكن بشروط خاصة, فالعرايا صورة من المزابنة إلا أن العرايا تجوز بشروط، نقول: العرايا صورة من المزابنة؛ لأن المزابنة هي بيع التمر اليابس بالرطب على رءوس النخل, يستثنى من ذلك العرايا, العرايا هي نفسها بيع التمر اليابس بالرطب على رءوس النخل، لكن العرايا رخص فيها النبي صلى الله عليه وسلم، ويشترط لها شروط: الشرط الأول: أن تكون في أقل من خمسة أوسق. الشرط الثاني: أن يكون المشتري ليس معه دراهم يشتري بها رطباً, وإنما عنده تمر يابس يريد أن يشتري بالتمر اليابس ما عنده دراهم، رخص فيها لحالة الفقراء. الشرط الثالث: أن يكون بحاجة إلى أكلها رطباً، بحاجة إلى أن يتفكه مع الناس, وأن يأكل رطباً، أما إذا كان لا يهمه يأكل رطباً أو تمراً يابساً ما يسلك هذه الطريقة. الشرط الرابع: التساوي، وذلك بأن يكال التمر اليابس ثم يعطى مثله من التمر الرطب إذا جف يعني هذا التمر الرطب إذا جف كم يساوي وسقاً؟ قالوا مثلاً: يساوي وسقين, الوسق ستون صاعاً يعني مائة وعشرين صاعاً يأخذ من التمر اليابس مائة وعشرين صاعاً، هذا التساوي، يكيل له مائة وعشرين صاعاً ويأخذ من الرطب مائة وعشرين صاعاً، الآن قد يساوي مائة وخمسين صاعاً لكن إذا جف يساوي مائة وعشرين صاعاً، يعطيه مائة وعشرين صاعاً. الشرط الخامس: التقابض، فقبض التمر اليابس بكيله، يكيل له التمر اليابس، وقبض الرطب يكون بأن يخلى بين المشتري وبين النخل يأخذ منه الرطب. الشرط السادس: أن يكون الرطب على رءوس النخل. السابع: أن يأكلها رطباً.
    حكم العرايا في غير النخل
    إذا توفرت الشروط السابقة جازت هذه المعاملة.وهل هذه المعاملة خاصة في ثمر النخيل أو أنها تشمل بقية الثمار؟ هذا موضع خلاف، فالمشهور من المذهب أنها خاصة في ثمر النخل. والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنها تشمل بقية الثمار فمثلاً: العنب مع الزبيب، إنسان عنده زبيب ما عنده دراهم يشتري عنباً، لا بأس أن يشتري بالزبيب اليابس عنباً، وهكذا بقية الثمار، مثلاً عنده تين يابس يشتري به تيناً رطباً؛ لأن هذا جائز بالشروط، هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. قال المؤلف رحمه الله: (وأرخص في بيع العرايا فيما دون خمسة أوسق). في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: (رخص في العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق أن تباع بخرصها يأكلها أهلها).
    مسألة مد عجوة ودرهم
    هناك بعض المسائل متعلقة بالربا، من هذه المسائل: مسألة مد عجوة ودرهم، العجوة نوع من أنواع التمر معروف في المدينة، مسألة مد عجوة ودرهم هي مبادلة ربوي بجنسه ومع أحدهما أو مع كل منهما من غير جنسهما، لابد أن يكون ربوياً، ولابد أن يكون بجنسه، لو كان بغير جنسه كان الأمر سهلاً، ولكن لابد أن يكون بجنسه ومع أحدهما أو مع كل منهما من غير جنسهما. وعلى هذا مد عجوة هذه لها صورتان: الصورة الأولى: مع أحدهما من غير جنسهما مثالها: مد عجوة ودرهم مقابل مدين من العجوة، فلأن تبادل تمراً بتمر مع أحدهما من غير جنسهما هذه موضع خلاف هل هي جائزة أو ليست جائزة؟ أكثر أهل العلم أنها غير جائزة. والرأي الثاني: اختيار شيخ الإسلام أنها جائزة؛ لأنه يقول: المد مقابل المد، والمد الثاني مقابل درهم، هذه الصورة الأولى.الصورة الثانية: مد عجوة ودرهم مع مد عجوة ودرهم, المد الأول يقابل المد الثاني، والدرهم يقابل الدرهم، موضع خلاف كما تقدم.ومن صورها في الوقت الحاضر الذي يقع فيه كثير من الصاغة يعطيه ذهباً قديماً ويأخذ ذهباً جديداً ويوفيه دراهم، هذا الآن داخل في مسألة مد عجوة ودرهم، الآن ذهب قديم كم وزنه؟ قالوا: وزنه خمسون جراماً، أريد ذهباً جديداً مثلا ستين جراماً، ويوفيه دراهم، هو الآن يعطيه ذهباً بذهب، ربوي بجنسه ومع أحدهما من غير جنسهما، هو يوفي الدراهم هذه إما أنها مقابل الزيادة في الذهب الجديد أو أنها مقابل الصنعة. قال الجمهور: هذا محرم ولا يجوز, شيخ الإسلام يرى جوازه، إذا كان مقابل الصنعة يرى أن هذا جائز. أو مثلاً الدراهم التي زدتها نقول: خمسين مقابل خمسين يبقى عشرة جرامات مقابل -مثلاً- ثلاثمائة ريال.الأقرب في هذا ما ذهب إليه الجمهور، وأن الإنسان إذا بادل ربوياً بجنسه أنه لا يجوز أن يزيد، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول: (الذهب بالذهب مثلاً بمثل سواءً بسواء).هنا ما حصل مثلاً بمثل؛ لأنه بادل ستين جراماً بخمسين جراماً ووفاه دراهم فما حصل مثلاً بمثل.أيضاً: مقابل الصنعة ما حصل، كلام النبي صلى الله عليه وسلم عام (الذهب بالذهب) قديم بجديد لابد خمسين بخمسين، ولا ينظر لاختلاف النوع، ولا للجودة والرداءة, ولا للقدم والحداثة.. إلى آخره, لابد أن يكون مثلاً بمثل.وعلى هذا نقول: بأن هذه الطريقة محرمة ولا تجوز، وهذا هو الأقرب، ويدل لهذا أيضاً حديث ابن عبيد : (أنه اشترى قلادة بسبعة دنانير أو تسعة دنانير وفيها خرز، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حتى تفصل بينهما).مع أنه مبادلة ذهب بذهب ومع الآخر من غير جنسه خرز قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حتى تفصل بينهما)، نقول: بأن هذا غير جائز، لابد أن يكون مثلاً بمثل. وعلى هذا الطريق الصحيح كما ذكر الإمام أحمد رحمه الله: أن يبيع الذهب القديم يتخلص منه ثم يبحث، يقول الإمام رحمه الله: ما يشتري من الشخص الذي باع له بعداً عن شبهة الربا، يبحث عن شخص آخر ويشتري منه لكن إذا كان لا يجد حاجته إلا عند هذا الرجل فإنه يشتري منه، فإن هذا لا بأس به, أما إذا كان يجد حاجته عند غيره فإنه يشتري من غيره.عندما تبادل ربوياً بجنسه إذا خرج الربوي بالصنعة يعني عندنا بر خبزناه جعلناه خبزة فهل يجوز أن نبادل هذه الخبزة ببر؟ عندنا صاعان، صاع من البر خبزناه أو جعلناه كيكاً ونحو ذلك, فهل يجوز أن نبادل هذا الخبز بهذا البر؟لو بادلنا الخبز من البر بشعير يجوز هذا ما فيه إشكال، ما يشترط عندنا التساوي, لكن المشكلة الآن لو بادلنا خبزاً من البر بخبز من الشعير، هل نقول بأن هذا الخبز الآن خرج عن كونه ربوياً أو لا نقول ذلك؟ هذا موضع خلاف، بعض العلماء يقول: خرج عن كونه ربوياً، ما في بأس تبادل خبزتين بصاع من البر، بادل خبزتين بخبزة هذا لا بأس, والمذهب أن هذا غير جائز, لابد أن يتساويا، إذا بادل: نيء بنيء, بر ببر, مخبوز بمخبوز, خبزة بخبزة, خبزتين بخبزتين.وأيضاً هذا المطبوخ المخبوز لابد أن يتساويا في النشاف والرطوبة.
    بيع الأصول والثمار
    قال المؤلف رحمه الله: [باب بيع الأصول والثمار].الأصول جمع أصل وهو: ما يبنى عليه غيره وما يتفرع منه غيره، والمراد هنا بالأصول: بيع الأراضي والدور والأشجار والثمار والعقارات. والثمار جمع ثمرة وهو ما يجنى من الأشجار.والفقها رحمهم الله يفردون هذه الأحكام في باب مستقل لأنها تنفرد ببعض الأحكام فيفردونها في باب مستقل وإلا فإن بيع الأصول والثمار نوع من أنواع البيع لكنهم يفردونها بباب مستقل لأنها تستقل ببعض الأحكام.قال المؤلف رحمه الله: [روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع), وكذلك سائر الشجر إذا كان ثمره بادياً]. بيع الأصول ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: بيع الأشجار مثلاً باع النخيل أو باع أشجار التفاح أو البرتقال أو الزيتون أو غير ذلك من الأشجار، ما الذي يشمله البيع وما الذي لا يشمله؟ نقول: أولاً: إذا باع هذه الشجرة أو هذه الأشجار يشمل ذات الشجرة وما يتفرع عنها من أغصان وجريد ونحو ذلك. ثانيا: هل يشمل البقعة أو لا يشمل البقعة؟ نقول: لا يشمل البقعة، ويترتب على هذا لو أن الشجرة تلفت احترقت ونحو ذلك فهل يملك المشتري أن يغرس غيرها مكانها أو لا يملك؟ نقول: لا يملك. ثالثا: الثمرة الموجودة في الشجرة لمن تكون هل هي للبائع أم المشتري؟ نقول: حكم فيها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع), وكذا بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً، إن كانت قد أبرت هذه النخلة أي لقحت فالثمرة للبائع, وإن كانت لم تلقح فالثمرة للمشتري, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، العبرة بالتلقيح كما في الحديث الذي ورد عند الإمام أحمد رحمه الله. والرأي الثاني: رأي أحمد والشافعي أن العبرة بتشقق الطلع فما تشقق فهو للبائع وما لم يتشقق فهو للمشتري. والصواب: ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله فإن التأبير هو التلقيح, فعلى هذا نقول بأن الأشجار تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أشجار النخيل, فالعبرة بالتلقيح، فما لقح فهو للبائع وما لم يلقح فهو للمشتري إلا إذا اشترط البائع أو اشترط المشتري, فالمسلمون على شروطهم، لو أنه لم يلقح وقال البائع: بشرط أنه لي، المسلمون على شروطهم أو أنه لقحه البائع ثم قال المشتري: بشرط أنه لي نقول للمشتري: المسلمون على شروطهم. القسم الثاني: ما عدا النخيل مثل البرتقال والتفاح فالعبرة بظهور الثمرة، ما ظهر للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري. هذا القسم الأول, وهو بيع الأشجار. القسم الثاني: بيع الأراضي والدور ونحو ذلك, يعني: إذا باعها أو وهبها أو وقفها أو أوصى بها ونحو ذلك فما الذي يشمله هذا البيع أو هذا الوقف؟ نقول: يشمل أموراً: الأمر الأول منها: القرار فيشمل قرار الأرض حتى الأرض السابعة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #72
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [7]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (70)

    جاءت الشريعة بما يصلح العباد والبلاد, وبما يدفع الشر والفساد, ومن ذلك أنها بينت أحكام بيع الأصول والثمار, وفصّلت لمن تكون الثمرة عند البيع, ونهت عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إلا في مسائل مستثناة للمصلحة والحاجة, وأمرت بوضع الجوائح.
    تابع بيع الأصول والثمار
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب بيع الأصول والثمار. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع )، وكذلك بيع الشجر إذا كان ثمره بادياً].تقدم لنا ما يتعلق أو بدأنا بما يتعلق ببيع الأصول الثمار، وذكرنا تعريف الأصل، وأن الأصول جمع أصل وهو ما يبنى عليه غيره وما يتفرع منه غيره، وأن المراد ببيع الأصول: بيع الأراضي والمزارع والأشجار ونحو ذلك. وقوله: الثمار جمع ثمرة وهو ما يجنى من الأشجار، وتكلمنا على القسم الأول: بيع الأصول والثمار ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: بيع الأشجار، وذكرنا أنه إذا باع الأشجار كأشجار النخيل أو أشجار البرتقال أو أشجار التفاح أو الزيتون ونحو ذلك، أو وقفها أو وهبها أو أوصى بها يتضمن أموراً:الأمر الأول: ذات الشجرة وما يتعلق بها ويلحق بها من الجريد والأغصان .. إلى آخره، هذه تكون داخلة في البيع, تكون للبائع.الأمر الثاني: البقعة الأرض، هل هي تكون داخلة في البيع أو داخلة في الوقف أو نحو ذلك أو ليست داخلة؟ نقول: ليست داخلة، وعلى هذا لو أن هذه الشجرة هلكت وبادت فإن المشتري لا يملك أن يغرس مكانها شيئاً.الأمر الثالث: الثمرة، هل الثمار داخلة في البيع أو ليست داخلة؟ذكرنا أن الثمار تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ثمرة النخيل وهذه بين النبي صلى الله عليه وسلم أمرها فقال عليه الصلاة والسلام: ( من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع ).فيؤخذ من الحديث: أن الثمرة إن أبرت إن كان البائع قام بتلقيحها فالثمرة له، وإن كانت لم تؤبر لم تلقح فإن الثمرة للمشتري، هذا إذا كان المبيع نخلاً. القسم الثاني: إذا كان المبيع غير نخل، كأشجار التفاح وأشجار الزيتون والموز والبرتقال والليمون وغير ذلك من الأشجار، فنقول: بالنسبة للثمرة ما بدا يكون للبائع، وما لم يبدُ فإنه يكون للمشتري، هذا ما يتعلق بالقسم الأول وهو بيع الأشجار.
    لمن تكون الثمرة عند البيع؟
    قال المؤلف رحمه الله: [فإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة فهو للبائع مالم يشترطه المبتاع، وإن كان يجز مرة بعد مرة فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع].هذا القسم الثاني: إذا باع الأرض، إذا باع المزرعة، إذا باع الدار، ومثل ذلك أيضاً لو وقف هذا الشيء أو وهبها أو أوصى بها، ما الذي يدخل في هذا الشيء، وما الذي لا يدخل؟نقول: هذا يشتمل على أمور: الأمر الأول: القرار، فإذا اشترى الأرض فإنه يملك قرارها إلى الأرض السابعة، ويترتب على هذا لو أن أحداً أراد أن يجري مواسير تحت أرضك أو أراد أن يفتح نفقاً تحت الأرض هل يملك ذلك أو لا يملك ذلك؟لا يملك ذلك، وتكلم الفقهاء رحمهم الله عن جذور الأشجار إذا امتدت تحت الأرض.فنقول: الأمر الأول مما يتعلق ببيع الأراضي ونحوه من العقارات: القرار. الأمر الثاني: الهواء، فإذا اشترى هذه الأرض أو هذه المزرعة فإنه يملك الهواء إلى السماء الدنيا، وعلى هذا لو أراد شخص أن يبني جسراً فوق هذه الأرض أو أن يمد بناءه أن يخرج ما يسمى بالبلكونة على هذا البيت أو هذه الأرض هل يملك ذلك أو لا يملك ذلك؟نقول: لا يملك ذلك؛ لأن الهواء تابع للقرار والآن قد ملك القرار. الأمر الثالث: إذا كان هذه الأرض فيها بناء ونحو ذلك، فنقول: البناء داخل في البيع وحينئذٍ يكون للمشتري. الأمر الرابع: إذا كان المشترى داراً أو بيتاً وهذه الدار فيها متاع وأثاث، هل يدخل المتاع في البيع أو لا يدخل؟ مثلاً: أنت اشتريت عمارةً أو بيتاً، وهذا البيت فيه مراوح ومكيفات ومفارش وأثاث وفيها ثلاجة، فيها غسالة، فيها أدوات مكتبية, فيها كتب... إلى آخره، ما الذي يدخل في البيع وما الذي لا يدخل؟العلماء قالوا: هذه الأمور لا تخلو من أمرين: الأمر الأول: أن تكون متصلة، فهذه داخلة في البيع، وحينئذٍ تكون للمشتري، فمثلاً المراوح تكون داخلة في البيع مالم يكن هناك عرف أو شرط، مثل المكيفات، لو أنه باع البيت وفيه مكيفات ثم قام البائع ونزع المكيفات فإنه لا يملك ذلك، المتصل تابع للعقار, ما دام أنه متصل فإنه يكون داخلاً في البيع، يكون للمشتري، المطبخ إذا كان فيها مطبخ يكون للمشتري لأنه متصل، وعلى هذا فقس، الأشياء المتصلة تكون داخلة في البيع وللمشتري إلا إذا كان هناك شرط لفظي أو عرفي، تعارف الناس على أن المكيفات أو أن المطبخ للبائع، لكن إذا لم يكن هناك عرف فإنه يكون للمشتري.أو إذا كان هناك شرط لفظي، قال: نبيع لك البيت لكن لي المكيفات أو لي المراوح أو لي الأنوار، إذا لم يكن هناك شرط لفظي أو عرفي نقول: بأنها داخلة في البيع وتكون للمشتري، ومثل ذلك أيضاً الفرش هذه التي تكون ملصقة في الأرض هذه تكون للمشتري وعلى هذا فقس. القسم الثاني: الأشياء المنفصلة، مثل الثلاجة، الغسالة، أواني المطبخ، الكتب، الثياب، الفرش، فهذه تكون للبائع, هذه لا تكون داخلة في البيع إلا إذا كان هناك شرط عرفي أو لفظي، فالمسلمون على شروطهم، فلو أنه اشترط المشتري, قال: بشرط أن الأثاث الموجود في البيت لي، أو اشترط المشتري أن الكتب الموجودة في البيت له، أو الثلاجة له، فنقول: المسلمون على شروطهم. فأصبح عندنا ما يتعلق بالأثاث ينقسم إلى هذين القسمين. الأمر الخامس: إذا كان فيها أشجار، لمن تكون هذه الأشجار؟مثلاً باع الأرض وبها أشجار نخيل أو البيت باعه فيه أشجار تفاح أو برتقال... إلى آخره، نقول: الأشجار تكون للمشتري، تكون تابعة للبيت.وما عليها من الثمار تقدم لنا ما يتعلق بالثمار أنها تنقسم إلى قسمين: ما يتعلق بثمار النخيل: ما أبر فإنه يكون للبائع، وما لم يؤبر فإنه للمشتري, وغير ثمار النخيل كثمر البرتقال وغير ذلك ما ظهر فإنه يكون للبائع, وما لم يظهر فإنه يكون للمشتري، فنقول: إذا كان فيها أشجار فإنها تكون للمشتري وكذلك أيضاً الثمرة تكون للمشتري إلا كما تقدم وسبق ذكره. الأمر السادس: إذا كان فيها زرع، قال المؤلف رحمه الله: (فإن باع الأرض وفيها زرع).ما الفرق بين الشجر والزرع؟ الشجر تطول مدته، بخلاف الزروع فإن مدتها قصيرة، قد تكون مدتها سنة نصف سنة, الأشجار مدتها طويلة وأما الزروع مدتها قصيرة.أيضاً الشجر له ساق والزرع ليس له ساق.الأشجار تكلمنا عليها وقلنا بأن الأشجار تكون للمشتري إذا باع الأرض يملكها إلا ما يتعلق بالثمرة فذكرنا التفصيل فيها.القسم السادس إذا باع الأرض وفيها زروع ، هذه الزروع تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: قال: (وفيها زرع لا يحصد إلا مرة)، وهذا مثل القمح تزرعه وتحصده مرة واحدة ، ومثل أيضاً الشعير تزرعه وتحصده مرة واحدة، إذا كان الزرع لا يحصد إلا مرة واحدة فهو للبائع، باع الأرض أو باع المزرعة وفيها قمح أو غير ذلك مما يحصد مرة واحدة يكون الزرع هنا للبائع، وله أن يبقيه إلى وقت الحصاد إلا إذا اشترط المشتري، قال: بشرط أن الزرع يكون لي فالمسلمون على شروطهم، لكن إذا لم يكن هناك شرط فنقول: بأن الزرع يكون للبائع وليس للمشتري هذا القسم الأول. القسم الثاني: أن يكون الزرع يجز مراراً، تجزه ثم يأتي مرة أخرى، ثم تجزه، ثم يأتي، ثم تجزه، ثم يأتي، أو تأخذ الثمرة ثم تأخذ الثمرة مرة ثانية، فالذي يجز مراراً مثل البرسيم, أصوله تكون في الأرض يجز ثم يخرج مرة ثانية، ومثل الكراث يجز ثم يخرج مرة ثانية وهكذا، والذي يلقط مثل الكوسة تلقطها ثم تأتي مرة ثانية، مثل الطماطم، والباذنجان تلقطه ثم يأتي مرة ثانية وهكذا، يلقط مراراً، فلمن يكون هذا الذي يجز مراراً أو يلقط مراراً؟ قال المؤلف رحمه الله: (وإن كان يجز مرة بعد أخرى فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة عند البيع للبائع).نقول: الأصول التي في الأرض تكون للمشتري، الجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة هذه للبائع إلا إذا اشترط المشتري، فالمسلمون على شروطهم.الأمر السابع: إذا كان في هذا البيت أو هذه الأرض مال مودع، فهل يدخل في البيع أو نقول: لا يدخل في البيع؟نقول: لا يدخل في البيع، هذا فيما يتعلق ببيع الأراضي والدور والمزارع وغير ذلك.
    بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
    قال المؤلف رحمه الله: [فصل: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها].هذا القسم الثالث: وهو ما يتعلق ببيع الثمرة، فعندنا تكلمنا عن بيع الأراضي وما يتعلق ببيعها، ثم القسم الثاني بيع الأشجار فقط، ثم القسم الثالث وهو بيع الثمرة، الآن أراد أنه يبيع الثمرة فقط، عنده نخيل أو عنده أشجار تفاح أو أشجار موز أو أشجار زيتون أو غير ذلك، أراد أن يبيعك الثمرة، ما حكم بيع الثمار؟ بيع الثمار جائز بشرط أن يبدو صلاحه، والدليل على هذا حديث ابن عمر في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ). وقد استثنى العلماء رحمهم الله ثلاث مسائل: قالوا: يجوز أن تبيع الثمار قبل بدو الصلاح. المسألة الأولى: إذا باعه الثمرة بشرط القطع في الحال، يعني حتى الآن التمر أخضر ما بدا صلاحه, هل يجوز بيعه أو ما يجوز؟ نقول: ما يجوز، لكنه اشتراه بشرط أن يقطعه الآن وينتفع به مثلاً كعلف أو نحو ذلك، هذا جائز ولا بأس به؛ لأنه منع من بيعه قبل بدو صلاحه خشية العاهة، الجائحة وهنا انتفت، سيقطعه الآن، هذا قالوا: إنه جائز. المسألة الثانية: إذا باعه مع الأصل، يعني باع أشجار النخيل وفيها ثمر أخضر ما بدا صلاحه، يجوز أو لا يجوز؟نقول: جائز, الممنوع إذا اشترى ثمرة النخل فقط، أما إذا باعه الأشجار أو باعه المزرعة وفيها أشجار، والأشجار حملت الثمار لكنه ما بدا صلاحه، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به، والقاعدة: أنه يثبت تبعاً ما لم يثبت استقلالاً، هنا لم يبع الثمرة مستقلة وإنما باع الثمرة تبعاً للشجرة أو تبعاً للأصل العقار الأرض أو المزرعة ونحو ذلك، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به. المسألة الثالثة: إذا باعه الثمرة قبل بدو صلاحها لمالك أصلها، يعني هذا رجل يملك الثمرة, وهذا رجل يملك الأشجار أو يملك المزرعة، صورة ذلك مثلاً: رجل أوصى قال: ثمرة البستان لزيد ثم مات، المزرعة الآن تكون للورثة، والثمرة تكون لزيد، زيد باع الثمرة على الورثة، الفقهاء يقولون: يصح إذا باع الثمرة على مالك الأصل وهم الورثة وإن لم يبدُ صلاحها، هذا ما ذهب إليه الفقهاء رحمهم الله، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله. والرأي الثاني: أنه لا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها حتى ولو باعه لمالك الأصل؛ لعموم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها )، والصواب أنه لا يصح.
    كيفية معرفة صلاح الثمرة
    كيف نعرف صلاح الثمرة؟ نقول: بأن الثمرة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ثمرة النخلة، وضابط الصلاح فيها أن تحمار أو تصفار، النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الثمار حتى تزهو وسئل عن زهوها؟ فقال: أن تحمار أو تصفار ) فالنبي عليه الصلاة والسلام فسر ذلك بأنها تحمار أو تصفار، فإذا احمرت أو اصفرت جاز البيع، قال العلماء: ولو احمرت بسرة واحدة أو اصفرت بسرة واحدة، يعني لو كان عنده ألف نخلة يريد أن يبيعها فيقولون: إن صلاح بعض الشجرة صلاح لها ولسائر الجنس، فهنا جائز بيعها، هذا القول الصواب في هذه المسألة، يعني هل صلاح الشجرة صلاح لسائر الأشجار أو للنوع أو للجنس؟هذا موضع خلاف فبعض العلماء يقول: صلاح لها ولسائر النوع، بمعنى إذا كان المزرعة فيها سكري و... إلى آخره، فاصفرت نخلة من السكري، على القول بأنه صلاح لها ولسائر النوع هل يبيع الشجر أو ما يبيع الشجر؟ ما يبيع الشجر، صلاح لها وللسكري للنوع فقط.والقول الثاني: قالوا: صلاح لها ولسائر الجنس, هل يبيع الشجر أو ما يبيعه؟ يبيعه؛ لأنه صلاح لها ولسائر الجنس، يشمل كل التمر. القول الثالث: أعم من هذا، يقول: صلاح لها ولسائر الأشجار حتى من غير الجنس، حتى لو كان هناك أشجار برتقال أو أشجار ليمون أو نحو ذلك, وهذا ضعيف.الصحيح أنه صلاح لها ولسائر الجنس دون النوع. قلنا: إذا بدا الصلاح بنخلة واحدة بسرة واحدة جاز أن تبيع كل النخيل ولو كان في المزرعة ألف نخلة أو أكثر، هذا إذا باع كل النخيل، لكن لو قال أنا سأبيع مائة نخلة فقط، فهذا لابد من بدو الصلاح في كل نخلة، إن قال: سأبيع النخيل كله في المزرعة فيكفي صلاح بسرة واحدة، إن قال: لن أبيع كل النخيل سأبيع مائة سأبيع عشرة, فنقول: لابد من أن يبدو الصلاح في كل شجرة.هذا القسم الأول وهو ما يتعلق بصلاح النخيل، لما تكلمنا على بدو الصلاح. قلنا: ضابط ذلك أن الأشجار لا تخلو من أمرين:الأمر الأول: أن تكون نخلاً فضابط بدو الصلاح فيها أن تحمار أو تصفار كما تقدم . الأمر الثاني: أن تكون الأشجار التي يراد بيعها غير النخل مثل أشجار البرتقال أشجار التفاح أشجار الموز ونحو ذلك، فهذه ضابط الصلاح فيها أن تنضج ويطيب أكلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: ( نهى عن بيع الثمار حتى تطعم )، فدل ذلك على أنه لابد أن تنضج وأن يطيب أكلها.كلام النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الثمر على الشجر، أما لو قطعته ما في بأس تبيعه وهو أخضر، أنت لو أخذت عوداً من السوق وبعته ما أحد قال لك: لا، لو كان عندك ثمار موز أخضر قطعته ورحت السوق وبعته ما أحد يقول لك: لا، أو ثمر برتقال أخضر ... ونحو ذلك. المقصود أنك ما تبيعه وهو على الشجر؛ لأنه عرضة للآفة، وأيضاً لو اشتريت الجريد أخضر أو بعته ما أحد قال لك: لا، لكن تشتريه وهو على الشجر أخضر لا يجوز، لابد أن يقطعه صاحب المزرعة ثم يبيعه، فالمقصود الثمار التي على الأشجار، أما إذا قطعها المالك وباعها ما أحد يقول له: لا. فيتلخص لنا أن بيع الثمار لا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها، وذكرنا ضابط الصلاح في النخيل، وضابط الصلاح في غير النخيل، وذكرنا أن العلماء رحمهم الله استثنوا ثلاث مسائل.
    بيع الزرع قبل أن يشتد
    القسم الرابع: بيع الزروع، تكلمنا عن بيع الأشجار والثمار والأراضي والبساتين إلى آخره، بقينا في القسم الرابع: وهو بيع الزروع مثل بيع زرع البر أو البرسيم أو الكراث أو البصل أو الفجل أو غير ذلك، فنقول: النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الزرع حتى يشتد )، نقول: لا يجوز بيع الزرع حتى يبدو صلاحه، وصلاح الحبوب بأن تشتد، وكيف تشتد؟ يعني تقوى وتصلب، الحبة إذا أخذتها تجدها قوية صلبة، إذا ضغطها لا تنضغط ما عدا الحبوب مثل: ثمرة الطماطم الباذنجان وغير ذلك من البقول... إلى آخره، فهذه أن تطيب وتنضج، كذلك أيضاً كما قلنا في الثمار نقول في الزروع النبي صلى الله عليه وسلم: ( نهى عن بيع الزرع حتى يشتد )، لكن العلماء رحمهم الله استثنوا ثلاث مسائل قالوا: يجوز بيع الزرع قبل اشتداده: المسألة الأولى: إذا اشتراه بشرط القطع في الحال، يعني اشترى مثلاً زرع البرسيم بشرط أن يقطعه في الحال قالوا: هذا جائز. المسألة الثانية: إذا اشتراه مع الأصل، اشترى الأرض وفيها زرع حتى الآن لم يشتد، فقالوا أيضاً بأن هذا جائز ولا بأس به. المسألة الثالثة: إذا باعه على مالك الأصل، وقلنا بأنه يصح في مسألتين ولا يصح في المسألة الثالثة.بقي عندنا مسألتان تتعلقان ببيع الزروع: المسألة الأولى: الزروع التي ثمارها مستترة في الأرض: مثل البطاطس والفجل والبصل والجزر إلى آخره، هذه تكون مستترة في الأرض، هل يشترط أن تنبش وتخرج عند البيع؟هذا موضع خلاف, المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يشترط أن تنبش, إذا كان عندك أحواض من البصل أو أحواض من الجزر أو نحو ذلك، إذا أردت أن تبيعه فقم بنبشها أول شيء ثم إذا نبشتها فقم ببيعها، هذا المذهب، والرأي الثاني يرى ابن القيم رحمه الله أنه ليس شرطاً أن تنبش، قال الإمام مالك: ليس شرطاً أن تنبش، وأهل الخبرة يستدلون بما ظهر على ما بطن، فما ظهر يستدل به على ما بطن, وهذا القول الصواب, ونبشها يؤدي إلى فسادها. المسألة الثانية: ما يجز مراراً ويقطف ثمرته مراراً مثل: البرسيم والكراث والكوسة أو يقطف مثل الطماطم والباذنجان هذه الأشياء التي تجز مراراً وتقطف مراراً، الفقهاء وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله يقولون: لابد أن تكون الجزة ظاهرة يعني: ما يجوز أن تبيع جزة معدومة، لابد أن تبيع جزة ظاهرة أو لقطة ظاهرة ما عدا ذلك غير جائز، لو قال: أبيعك لقطتين أو ثلاثة من الطماطم أو يبيع جزتين من البرسيم قالوا: بأن هذا غير جائز. والرأي الثاني: مذهب الإمام مالك رحمه الله واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية أنه لا باس أن تبيع جزتين، ثلاث جزات من البرسيم ومن الكراث ومن الطماطم ونحو ذلك، قالوا: بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك.
    وضع الجوائح
    قال المؤلف رحمه الله: [ولو باع الثمرة بعد بدو صلاحها على الترك إلى الجذاذ جاز، فإن أصابتها جائحة رجع بها على البائع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا, بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ )، وصلاح ثمر النخيل أن يحمر أو يصفر, والعنب أن يتموه, وسائر الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله].تكلمنا عليه، لكن بقينا في مسألة تكلم عليها المؤلف رحمه الله وهي: ما يتعلق بوضع الجوائح ،كما تقدم بيع الثمار بعد بدو صلاحها وأن حكمه جائز ولا بأس به، وثمر النخيل بدو صلاحه أن يحمر ويصفر، وحتى يحمر ويصفر يحتاج إلى وقت حتى يطيب وينضج، قد يتأخر إلى شهر شهرين ثلاثة أشهر إلى آخره، لو أنه أصابته جائحة ما بين بدو الصلاح والجذاذ، هل هذه الجائحة تكون من ضمان البائع أم من ضمان المشتري؟هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام مالك رحمه الله: أنها تكون من ضمان البائع ولا تكون من ضمان المشتري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أمر بوضع الجوائح. حديث جابر رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم : ( من باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يأخذ من مال أخيه شيئاً علام يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ ) فظاهر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن الضمان يكون على البائع، وأنه لا يجوز له أن يأخذ من المشتري شيئاً، وإن أخذ يجب عليه أن يرده ولو شرط، قال البائع: بشرط فإن أصابته جائحة فهو من ضمانك أيها المشتري، وحكم الشرط هذا أنه شرط باطل؛ لأنه مخالف للشرع. المهم إذا أصابته الجائحة يكون من ضمان البائع وليس من ضمان المشتري، هذا مذهب الحنابلة والمالكية.وعند الحنفية والشافعية أنه إذا أصابته جائحة من ضمان المشتري، ويرون أن الجوائح لا توضع، واستدلوا أيضاً بحديث أبي سعيد في صحيح مسلم : ( أن رجلاً أصابه دين بسبب ثمار ابتاعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بوضع الجائحة، وكيف الجواب عن هذا الحديث؟هذا الحديث الجواب عنه سهل، فليس في الحديث تصريح أن الدين بسبب الجائحة، ربما أن الأسعار نقصت ونحو ذلك، أو أنه فرط في أخذ الثمار حتى تلفت.وعلى هذا فالصواب في هذه المسألة القول الأول: بأنها من ضمان البائع، وما المراد بالجائحة؟المراد بها آفة تصيب الثمار والزروع فتؤدي إلى إتلافها كلها أو بعضها مثل الأمطار، الرياح، الثلوج، الجراد، العطش، وغير ذلك.وضع الجائحة هذا يشترط له شروط: الشرط الأول: اشترطه المالكية، وهو أن يكون التالف الثلث فأكثر من الثمار والزروع، وعلى هذا لو تلف أقل من الثلث فما الحكم؟ قالوا: لا يوضع وإنما يكون من ضمان المشتري، والمذهب أنه يوضع القليل والكثير، وهذا الصواب، الصحيح أنه لا يتقيد بالثلث؛ لأن الحديث عام، فنقول: إن الصواب في هذه المسألة أن الجائحة توضع، اللهم إلا إذا كانت أشياء يسيرة عرفاً، هناك أمور يسيرة يتسامح فيها الناس, لكن ما خرج عن اليسير الذي يتسامح فيه فهذا يكون من ضمان البائع ويجب عليه أن يضعه. الشرط الثاني: أن يكون ذلك ما بين بدو الصلاح والجذاذ، فلو كان ذلك بعد وقت الجذاذ يكون من ضمان المشتري، لكن لو أن المشتري تأخر شيئاً يسيراً لكي يقوم بالجذ أو نحو ذلك يوماً يومين ثم تلفت, هذا يكون من ضمان البائع, لكنه لو فرط في أخذها مر أسبوع أسبوعان ولم يأخذها حتى هلكت وأصابتها الجوائح، فنقول: هذا من ضمان المشتري.هل يقاس على الزروع والثمار غيرها في وضع الجائحة أو لا يقاس أو نقول: بأن هذا خاص بالزروع والثمار؟هذا موضع خلاف، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يختار بأنه ليس خاصاً، وإنما يقاس على الثمار والزروع غيرها في وضع الجائحة، فمثلاً: في الإجارة لو أنه أصابته جائحة، استأجر الدكان بعشرين ألف ريال، ثم بعد ذلك احترق المحل، شيخ الإسلام يرى أنه يفسخ العقد؛ لأن ماله قد احترق، أو مثلاً الدكان استأجره بعشرين ألف ريال، ثم بعد ذلك انصرف الناس عن هذه الجهة لسبب أو لآخر ونزلت الأسعار، أصبح الآن هذا المحل لا يأتيه أحد بسبب انصراف الناس أو بسبب تعديل شوارع أو بناء جسور أو غير ذلك، شيخ الإسلام يرى أنه توضع الجائحة، ومثل ذلك أيضاً ما يحصل الآن للمصانع من الحرائق والإتلافات وغير ذلك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #73
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [8]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (71)


    المتبايعان قد يحصل من أحدهما استعجال في العقد ثم يحصل له الندم، أو قد يظهر له ما يدعوه إلى الفسخ, لذا فقد جعل له الشرع حق الفسخ, فأثبت له خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب, وقد تكلم الفقهاء على أحكام الخيار بأنواعه, وذكروا ما يثبت فيه الخيار من العقود و
    الخيار

    تعريف الخيار والحكمة منه
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الخيار].قال المؤلف رحمه الله: (باب الخيار) مناسبة هذا الباب لما قبله أن الإنسان قبل حصول الشيء في يده يكون له فيه رغبة، ثم بعد تمكنه منه قد تقل رغبته فيه، وقد يلحقه ندم على المعاوضة على هذا الشيء؛ لأن الشخص قبل أن يتمكن من الشيء نفسه راغبة فيه، وقد لا يكون عنده تروي واستشارة، فيعقد ويعاوض، ثم بعد أن يعاوض ويعقد قد تقل رغبته، وقد يندم، فشُرع له الخيار، شُرع له أن يفسخ أو أن يشترط الفسخ؛ لئلا يلحقه بعد ذلك ندم وأسف وحزن، فإذا كان في مجلس العقد له أن يفسخ، وإذا شرط أن له الخيار مدة معلومة له أن يفسخ، هذا الحكمة منه, لما ذكر البيع ذكر الخيار، الخيار فيه فسخ, وعقد البيع عقد لازم من الطرفين لا يتمكن أحدهما من فسخه إلا برضا الآخر في الإقالة كما سيأتي. فمناسبته لما قبله أنه لما ذكر البيع وهو عقد لازم، قد يُقدم الإنسان على البيع بلا تروي ولا استشارة لكونه راغباً في الشيء، ثم بعد ذلك قد تقل رغبته، قد يندم، فشُرع له الخيار الذي يتمكن من خلاله من فسخ هذا العقد اللازم الذي هو عقد البيع. قال المؤلف رحمه الله: (باب الخيار).الخيار اسم مصدر اختار، وفي اللغة: طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ.وأما في الاصطلاح: فهو طلب خير الأمرين من إمضاء العقد أو فسخه.
    مشروعية الخيار
    والأصل في الخيار السنة وإجماع العلماء في الجملة، أما السنة فحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، وسيأتينا إن شاء الله. وأما الإجماع، فالعلماء رحمهم الله مجمعون على الخيار في الجملة وإن كانوا يختلفون في التفاصيل وما يثبت من أقسامه وما لا يثبت كما سيأتي إن شاء الله.
    خيار المجلس
    قال المؤلف رحمه الله: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما].القسم الأول من أقسام الخيار: خيار المجلس, يسميه العلماء رحمهم الله بخيار المجلس، وإضافته إلى المجلس من باب إضافة الشيء إلى محله الغالب، يعني الخيار الذي سببه مجلس العقد، وهذا بناء على الغالب، وإلا هو كما قال المؤلف رحمه الله: ما لم يتفرقا بأبدانهما، يعني أن الخيار ثابت لكل واحد من المتبايعين ما داما لم يتفرقا بأبدانهما، وإن تفرقا من المجلس، وإنما قال العلماء رحمهم الله: خيار المجلس لأن الغالب أنهما إذا تفرقا من المجلس فإنهما يتفرقان بأبدانهما، الغالب أنهما إذا تفرقا من المجلس فإنهما يتفرقان بأبدانهما، ولهذا العلماء رحمهم الله يقولون: خيار المجلس، وهذا كما قلنا على سبيل الغالب، وإلا فلو خرجا من المجلس بأبدانهما فإن الخيار لكل واحد منهما، ما دام أنهما متلازمان بأبدانهما ولو انتقلا من مجلس إلى مجلس آخر فنقول: بأن الخيار ثابت لكل منهما.
    مشروعية خيار المجلس
    وخيار المجلس ثابت في السنة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا). وذهب إليه الإمام أحمد والشافعي رحمهم الله، ذهبا إلى إثبات خيار المجلس، وأن كل واحد من المتبايعين بالخيار ما دام في المجلس أو نقول: مادام أنهما لم يتفرقا بأبدانهما، ولو خرجا من المجلس من مجلس العقد.وذهب الإمام أبو حنيفة ومالك إلى عدم إثبات خيار المجلس، وأنه إذا تم الإيجاب والقبول فإن عقد البيع لازم لا يتمكن أحدهما من فسخه. والصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الإمام أحمد والشافعي رحمهم الله؛ لأن الحديث ثابت في ذلك، والسنة ثابتة في ذلك ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا), وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا, وكانا جميعاً, أو يخير أحدهما الآخر, فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع)، وهذا في الصحيحين.قوله: (ما لم يتفرقا)، عند الإمام أحمد والشافعي ما لم يتفرقا بأبدانهما، وعند مالك وأبي حنيفة ما لم يتفرقا بأقوالهما. ولكن كما قلنا الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي وأحمد ، وأما القول بأنهما ما لم يتفرقا بأقوالهما هذا غير صواب؛ لأنه إذا تفرقا بأقوالهما أصلاً ما تم البيع، يعني إذا اختلفا في الإيجاب والقبول أصلاً ما تم البيع، وهنا تم البيع اتفقا في أقوالهما، تم الإيجاب والقبول، فنقول: لكل واحد منهما الخيار ما لم يفسخ أحدهما إذا كان في المجلس، فإذا كان في المجلس فإن له حق الفسخ، إذا تفرقا بأبدانهما فإن حق الفسخ يسقط, حق الخيار يسقط، ويدل على هذا أيضاً فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ولهذا ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان إذا أراد أن يُلزم بالعقد مشى خطوات، مما يدل على أن المراد التفرق بالأبدان.
    ضابط التفرق بالأبدان
    وقول المؤلف رحمه الله: (ما لم يتفرقا بأبدانهما).ما هو ضابط التفرق بالأبدان؟نقول: هذا لم يرد تحديده في الشرع فيُرجع إلى تحديده في العُرف، في الشرع لم يرد حده فيُرجع في تحديده إلى أعراف الناس، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان, فمثلاً إذا كان في المحل التجاري فالتفرق بالأبدان أن يخرج أحدهما من المحل التجاري، فإذا اشترى منه السلعة ثم بعد ذلك خرج من المحل التجاري نقول: الآن تفرقا بأبدانهما، إذا كانا في المنزل وباع عليه واشترى منه فنقول: إذا خرج من هذا المكان إلى مكان آخر, مثلاً إذا كان في غرفة ثم خرج أحدهما إلى غرفة أخرى، نقول: الآن تفرقا بأبدانهما، وعلى هذا فقس، إذا كان في الصحراء، فقال العلماء: أن يبتعد عنه، يعني إذا مشى عنه خطوات وابتعد عنه عُرفاً فإنهما تفرقا بأبدانهما. المهم خيار المجلس ثابت ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإذا تفرقا بأبدانهما فإن خيار المجلس ينقطع، وضابط التفرق بالأبدان يُرجع فيه إلى أعراف الناس، وهذا يختلف باختلاف المكان واختلاف الزمان.قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع].إن تفرقا ولم يفسخ أحدهما البيع فنقول: بأن البيع يكون واجباً لازماً، إذا ذهب أحدهما وخرج ولم يفسخ، فنقول: بأن العقد يكون لازماً للآخر.وهل يجوز أن يخرج لكي يُلزم بالعقد أو لا يجوز له ذلك؟نقول: لا يجوز له ذلك، يعني التحيل على إسقاط خيار المجلس وإلزام الآخر بالبيع محرم ولا يجوز، ولو فعل فإن حقه لا يسقط؛ لأن الحيل لا تُسقط الواجبات ولا تُبيح المحرمات، وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان إذا أراد أن يلزم بالبيع مشى خطوات فنقول: هذا اجتهاد من ابن عمر رضي الله تعالى عنهما. والصواب في ذلك أنه ما يسقط حق الآخر، فلو أنه خرج وأراد أن يلزم بالبيع نقول: حق الآخر لا يزال باقياً، له الخيار ما لم يفارق المجلس، فإن فارق المجلس ولم يفسخ نقول: لا خيار له.
    العقود التي يثبت فيها خيار المجلس
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع إلا أن يشترطا الخيار لهما].بأي شيء يثبت خيار المجلس؟ هل يثبت خيار المجلس في كل العقود أو نقول: بأنه خاص في عقد البيع وما في معناه؟هذه المسألة موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، وهل ما يثبت به خيار المجلس محدود أو أنه معدود؟هذه موضع خلاف، فمن أثبت خيار المجلس وهم الشافعية والحنابلة يرون أن الذي يثبت فيه خيار المجلس معدود، يعددون يثبت خيار المجلس في كذا وفي كذا وفي كذا إلى آخره.والصواب أنه محدود ومضبوط بضابط، والضابط هو أن خيار المجلس يثبت في البيع وما كان في معنى البيع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار).فالقاعد ة في ذلك والضابط: أن ما كان بيعاً أو في معنى البيع يثبت فيه خيار المجلس، ماعدا ذلك لا يثبت فيه خيار المجلس، فالعقود على صنفين بالنسبة لخيار المجلس:ما كان بيعاً أو في معناه، ثبت فيه خيار المجلس, ما لم يكن كذلك لا يثبت فيه خيار المجلس، ونتأمل العقود، عقد البيع يثبت فيه خيار المجلس, الصرف يثبت فيه خيار المجلس؛ لأن الصرف بيع نقد بنقد، فإذا صرفت دراهم بدراهم، مثلاً صرفت جنيهات بريالات، أو صرفت ريالات سعودية بريالات سعودية ... إلى آخره، نقول: بيع الصرف هو بيع نقد بنقد، فإذا صرف وأراد أن يفسخ وهو في مجلس العقد نقول: يثبت به خيار المجلس, السلم يثبت فيه خيار المجلس؛ لأن السلم تقديم الثمن وتأخير المثمن، تعطيه ألف ريال على أن يعطيك بعد سنة مائة صاع من البر، مائة صاع من البر، مائة صاع من التمر، يعطيك كذا وكذا من الكتب، يعطيك كذا وكذا من الأقلام، يعطيك كذا وكذا من الأثواب... إلى آخره، هذا السلم، السلم يصح في كل شيء يمكن ضبطه، كل موصوف يمكن ضبطه بالصفة فإن السلم يصح فيه، فنقول: يصح خيار المجلس في السلم يصح خيار المجلس في الإجارة؛ لأن الإجارة بيع للمنافع، فإذا استأجر البيت مثلاً بعشرة آلاف ريال، ثم بدا له أن يفسخ المستأجر أو المؤجر أو أجره محله ثم بدا له أن يفسخ المستأجر أو المؤجر، نقول: نعم له أن يفسخ؛ لأن الإجارة نوع من البيع.عقد المساقاة وعقد المزارعة, المساقاة هي أن تدفع الشجر لمن يقوم عليه بجزء معلوم من الثمرة، عندك نخيل تدفع النخيل لمن يعمل عليها بجزء معلوم من الثمرة، نقول: يثبت فيها خيار المجلس؛ لأن المساقاة عقد لازم على الصحيح وليست عقداً جائزاً، فللمساقي أو المساقى أن يفسخ. أيضاً المزارعة، المزارعة هي دفع الأرض لمن يقوم عليها بجزء مشاع معلوم من الزرع، نقول أيضاً: يثبت فيها خيار المجلس؛ لأن الصواب أن المزارعة عقد لازم، فإذا أراد العامل أن يفسخ وهو في مجلس العقد، أو أراد المالك أن يفسخ وهو في مجلس العقد نقول: له ذلك، فالمزارعة والمساقاة يثبت فيها خيار المجلس.هذه العقود التي يثبت فيها خيار المجلس، ماعدا ذلك ما يثبت فيها خيار المجلس، مثلاً عقد الشركة ما يثبت فيه خيار المجلس؛ لأن عقد الشركة أصله عقد جائز, لكنك تفسخ الآن ولك أن تفسخ بعد ذلك، فلو أنه أعطى دراهمه شخصاً يقوم عليها مضاربة بجزء معلوم مشاع من الربح، قال: خذ هذه مائة ألف ريال وتعمل عليها ولك نصف الربح ولي نصف الربح، نقول: هذا عقد جائز، له أنه يفسخ في المجلس، وله أن يفسخ بعد أن يتفرقا.الوكالة أيضاً عقد جائز, وليست بيعاً ولا في معنى البيع.الضمان أيضاً ليس بيعاً ولا في معنى البيع، لا يثبت فيه خيار المجلس، لو أنه قال: أقرض هذا الرجل وأنا أضمنه، فأقرضه وتم الضمان إلى آخره، لا يملك أن يفسخ؛ لأن هذا ليس بيعاً ولا في معنى البيع.الكفالة أيضاً لو قال: أقرضه وأنا أكفله, نقول: لا يثبت فيها خيار المجلس؛ لأنها ليست بيعاً ولا في معنى البيع.الوقف أيضاً, لو وقف بيته قال: بيتي هذا وقف لله عز وجل، ثم قال: فسخت في المجلس، نقول: ما تملك الفسخ، خلاص هذا شيء أخرجته لله عز وجل، هذا ليس بيعاً ولا في معنى البيع، هذا تبرع لله عز وجل.الهبة، لو وهبه مثلاً هذا الكتاب أو هذا القلم، ثم قال: فسخت رجعت لا يملك ذلك؛ لأن الهبة ليست بيعاً ولا في معنى البيع.المهم نقول: خيار المجلس يثبت في البيع وما في معنى البيع.هناك أمور ذكرها العلماء رحمهم الله جعلوها في معنى البيع مثل هبة الثواب، لو قال: وهبتك الكتاب بشرط أن تعطيني عشرين ريالاً، قالوا: هذا في معنى البيع، هذا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأنه في الحقيقة بيع.صلح الإقرار أيضاً قالوا: هذا في معنى البيع، لو أنه ادعى عليه، قال: أنا أريد منك ألف ريال، قال: صح أنت تريد مني ألف ريال لا أنكر، لكن ما عندي ألف ريال، عندي هذه الكتب خذها عن الألف، فهذا في معنى البيع، يثبت فيه خيار المجلس. فتلخص لنا: أن البيع وما في معناه يثبت فيه خيار المجلس، وذكرنا الصرف والسلم وكذلك أيضاً الإجارة وكذلك أيضاً المساقاة والمزارعة ... إلى آخره، هذه كلها يثبت فيها خيار المجلس، ماعدا ذلك من العقود مثل عقد القرض، لو أقرضه ألف ريال ثم قال: أريد أن أرجع، أعطني الألف، نقول: ما تملك ذلك، الذي لا يثبت فيه خيار المجلس: القرض الضمان الكفالة الشركة الوكالة أيضاً، الوقف، عقد النكاح أيضاً، عقد النكاح لا يثبت فيه خيار المجلس، فلو عقد على ابنته لشخص ثم قال: فسخت، أو قال الزوج: فسخت نقول: ما تملك، الزوج يملك الطلاق، لكن هنا لا يثبت خيار المجلس.
    خيار الشرط
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن يشترطا الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة].هذا القسم الثاني من أقسام الخيار، وهو خيار الشرط، وخيار الشرط هذا متفق عليه بين الأئمة، الأئمة كلهم يتفقون عليه، وإن كانوا يختلفون في شيء من تفاصيله، إلا أنهم يتفقون عليه، بخلاف خيار المجلس كما سلف، فإن الحنفية والمالكية لا يرون إثباتها، لكن خيار الشرط هذا يتفق عليه العلماء رحمهم الله. ودليل خيار الشرط قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه، فإذا شرط أحدهما أن له الخيار فإن هذا جائز ولا بأس به، ويدل ذلك أيضاً من السنة حديث أبي هريرة في صحيح البخاري معلقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم).
    مدة خيار الشرط
    قال: (إلا أن يشترطا الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة).فيفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن خيار الشرط لا يتقيد بمدة ما دامت أنها معلومة، سواء كانت هذه المدة قليلة أو كثيرة، خيار الشرط يثبت في المدة سواء كانت قليلة أو كانت كثيرة بشرط أن تكون معلومة، لو قال: لي الخيار لمدة يوم يومين ثلاثة أيام عشرة أيام شهر شهرين، هذا كله جائز ولا بأس به, ولهذا قال: مدة معلومة. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.والرأي الثاني وعليه أكثر أهل العلم أن خيار الشرط يتقيد بثلاثة أيام، ولا يزيد عن ذلك، يعني لي الخيار لمدة يوم يومين ثلاثة أيام، ما زاد على ذلك قالوا: لا يجوز.واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت الخيار ثلاثة أيام في المصراة، والتصرية هي أن تُربط ضروع بهائم الأنعام حتى يجتمع فيها اللبن فيظن المشتري أن هذا عادة لها، ثم بعد الحلب يتبين أنه ليس عادة، ويكون اللبن ناقصاً، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم لمن دُلس عليه في المصراة الخيار مدة ثلاثة أيام، قالوا: وهذا دليل على أن الخيار يكون لمدة ثلاثة أيام. وكذلك أيضاً استدلوا بحديث منقذ بن حبان وكان يُخدع في البيوع، فأثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار ثلاثة أيام، وهذا غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبت له الخيار لمدة ثلاثة أيام، وأما بالنسبة للمصراة فنقول: المصراة أمرها يظهر خلال ثلاثة أيام, يتبين ذلك للمشتري بالنسبة للبن ونقص اللبن، فالنبي عليه الصلاة والسلام أثبت فيها ثلاثة أيام؛ لأن هذه المدة يتبين فيها. فالصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله، وأن خيار الشرط لا يتقيد بمدة، بل ما اتفق عليه من المدة، قد يتفقان على يوم أو يومين أو ثلاثة أو أسبوع، قد يحتاج إلى مدة أسبوع لكي ينظر، كما لو كان أراد أن يشتري عقاراً كبيراً, المهم بشرط أن تكون هذه المدة معلومة، هذا هو الصواب.
    اشتراط قطع الخيار
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فيكونان على شرطهما وإن طالت المدة إلا أن يقطعاها].لكل واحد من المتعاقدين أن يبطل الخيار إذا كان له، ولكل واحد منهما أن يشترط عدم خيار الآخر، في خيار المجلس وفي خيار الشرط؛ لأن الخيار جعله الشارع حقاً لكل واحد منهما، فلهما أن يبطلاه ولهما أن يقطعاه، ولكل واحد منهما أن يشترط على الآخر أنه لا خيار له، فنقول: لهما أن يبطلاه، لو قال: أنا أبيعك، لكن بشرط ليس لك خيار مجلس وليس لك خيار شرط، أنا أبيعك السيارة، لكن بشرط أنه لا خيار مجلس ولا خيار شرط، فنقول: هذا حكمه صحيح، الحق له وقد أسقطه، إذا رضي بذلك نقول: هذا حق له، الشارع جعله حقاً له وقد أسقطه. أيضاً لو قال: أنا لي خيار المجلس وأنت ما لك خيار مجلس، نقول أيضاً: هذا صحيح، المسلمون على شروطهم.ولو قال: لي خيار الشرط لمدة يومين وأنت ليس لك خيار شرط، نقول أيضاً: هذا صحيح ولا بأس به، والمسلمون على شروطهم.ولو قال: لي الخيار لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وبعد أن مضى يوم قطع، قال: خلاص، أنا قطعت الخيار والعقد لازم، نقول: هذا صحيح ولا بأس به.المهم إذا أسقطاه أحدهما أو كلاهما أو اشترطا ألا خيار، نقول: بأن هذا حكمه كله جائز ولا بأس به.
    العقود التي يثبت فيها خيار الشرط
    ما يثبت به خيار الشرط من العقود؟ في أي العقود يثبت خيار الشرط؟ هل هذا معدود أو محدود؟أيضاً هذا موضع خلاف، فأكثر العلماء على أنه معدود، يعني العقود التي يثبت فيها خيار الشرط أكثر العلماء على أنها معدودة يعددون.يقولون: يثبت خيار الشرط في كذا وكذا، لكن إذا ذهبت إلى المطولات تجد أنهم يقولون: يثبت خيار الشرط في كذا وفي كذا وفي كذا من العقود إلى آخره. شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختصر هذا كله فقال: يثبت خيار الشرط في كل العقود، وهذا يريح طالب العلم، تقول: بأن خيار الشرط يثبت في كل العقود، ودليله عموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: (المسلمون على شروطهم)، فيقول: يثبت في كل العقود، يثبت في عقد البيع, لو أنه باعه ثم قال: لي الخيار لمدة يومين، يثبت في عقد الإجارة، لو أنه أجره ثم قال: لي الخيار لمدة يومين أو ثلاثة أيام، يثبت أيضاً في الصرف، لو صرفه دراهم بدراهم وقال: لي الخيار لمدة يومين، صحيح، ومثل ذلك اليوم شراء الذهب، لابد أن يكون يداً بيد، فيصح أنك تشتري الذهب من الصائغ مثلاً بألف ريال أو خمسمائة ألف ريال، تقول: لي الخيار، إن صلح وإلا رديته، على كلام شيخ الإسلام هذا صحيح ولا بأس به.ويثبت أيضاً في عقد السلم، مع أن عقد السلم يجب قبض المال في المجلس، ويثبت أيضاً في الوقف, على كلام شيخ الإسلام يثبت حتى في الوقف، لو قال: بيتي هذا وقف، لكن لي الخيار لمدة يومين أو ثلاثة أيام، لي الخيار لمدة أسبوع، الأرض هذه أوقفها مسجداً، لكن لي الخيار لمدة ثلاثة أيام قد أرجع.ويثبت في عقد النكاح، المرأة تقول مثلا: أنا أقبل هذا الرجل، لكن لي الخيار لمدة يومين أو ثلاثة أيام، يعني أنا أتزوج من هذا الرجل، لكن قد لا تكون أخلاقه حسنة فلي الخيار لمدة يومين ثلاثة أيام، لي الخيار لمدة أسبوع، فيثبت خيار المجلس في كل العقود، وهذا كما ذكرت يريح، يعني خيار الشرط يثبت في كل العقود، ومثله أيضاً المساقاة والمزارعة والشركات... إلى آخره.والهبة، لو قال: أنا أهبه مثلا هذه الدراهم، أو أهبه هذه الأرض، لكن لي الخيار لمدة يومين لمدة ثلاثة أيام لمدة أربعة أيام، نقول: هذا صحيح، فنقول: بأن خيار الشرط يثبت في كل العقود، وهذا يريح، أما الفقهاء رحمهم الله لو رجعت إلى الشروح المطولة تجد أنه يقول: يثبت في هذا العقد ولا يثبت في هذا العقد ... إلى آخره، وهذا التفريق يحتاج إلى دليل، حتى العتق، لو قال: هو حر لوجه الله عز وجل، لكن لي الخيار لمدة ثلاثة أيام، نقول: هذا صحيح ولا بأس به. المهم كما ذكرنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مطرد، وأنه يثبت الخيار في كل العقود.
    خيار العيب
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب].القسم الثالث من أقسام الخيار ما يسمى بخيار العيب.العيب في اللغة: النقص، أما في الاصطلاح فهو أن يجد أحد المتعاقدين في السلعة عيباً ينقص القيمة، أو نقول: أن يجد أحد المتعاقدين في المال عيباً ينقص القيمة، فإذا كان هذا ينقص القيمة عُرفاً فإنه يثبت به خيار العيب. المؤلف رحمه الله قال: (وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه فله رده).
    ضابط العيب
    لم يذكر المؤلف رحمه الله ما هو ضابط العيب الذي يوجب الرد، نقول: ضابط العيب الذي يوجب الرد هو ما تنقص به القيمة عُرفاً عند التجار، وهذا متعارف عليه عند التجار، فمثلاً إذا اشترى السيارة وفيها عيب، قد يكون العيب يسيراً فهذا لا عِبرة به، لكن إذا كان العيب يُنقص القيمة نقصاً معتبراً عند التجار، فنقول: بأنه عيب يثبت به خيار العيب، قد يجد مثلاً في الماكينة خللاً، قد يجد مثلا في الكتاب طمس صفحات، إذا كان العيب يسيراً عُرفاً هذا لا عِبرة به، هذا مما يتسامح به في العادة، فلا يوجب الفسخ، لكن إذا كان العيب ليس يسيراً، في عُرف التجار يُنقص القيمة، فنقول: بأنه يثبت به العيب.ويدل لهذا أن الأصل في المال السلامة، ووجود العيب هذا يُنقص هذا المال؛ لأن الجزء المعيب كالجزء الفائت، وثبت أيضاً في صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أتى على صاحب طعام فأدخل النبي عليه الصلاة والسلام يده في الطعام فوجد بللاً فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا جعلته فوق لكي يراه الناس، من غشنا فليس منا). قال المؤلف رحمه الله: (لم يكن علمه).يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا كان عالماً بالعيب فليس له حق الفسخ، فلو أنه علم أن هذا الكتاب فيه طمس صفحات، أو أن هذه السيارة فيها خلل كذا وكذا، أو أن هذه الآلة فيها كذا وكذا إلى آخره، فنقول: دخل على بصيرة وليس له حق الفسخ.
    كيفية أخذ أرش العيب
    قال: ( أو أخذ أرش العيب).من وجد في ماله عيباً نقول: بأنه بالخيار، إما أن يفسخ ويرد المعيب ويأخذ حقه، وإما أن يُمسك ويأخذ أرش العيب، وما هو أرش العيب؟ أرش العيب هو قسط ما بين قيمته صحيحاً ومعيباً من الثمن، الأرش تقدير, نقول: الأرش هو قسط ما بين قيمته صحيحاً ومعيباً من ثمنه، يعني عندنا ثمن وعندنا قيمة، الثمن هو ما اتفق عليه المتعاقدان، القيمة ما تساويه السلعة عند التجار، فمثلاً اشترى السيارة بعشرة آلاف ريال، هذه العشرة نسميها ثمناً، اتفق عليه المتعاقدان نسميها ثمناً، وهذه السيارة لها قيمة عند التجار، قد تكون قيمتها عند التجار إحدى عشر، لكن هما اتفقا الآن على عشرة، قد تكون قيمة السيارة اثني عشر ألف، لكن هما الآن اتفقا على عشرة، فنقول: الأرش هو قسط ما بين قيمة الصحة وبين قيمة العيب من الثمن.وعلى هذا نحتاج ننظر إلى الثمن وننظر إلى قيمة الصحة وقيمته معيباً، ثم نُخرج الأرش، فالثمن الآن عندنا عشرة آلاف ريال، ننظر إلى السيارة الآن المعيبة كم تساوي عند التجار؟ قال التجار: هذه السيارة تساوي صحيحة خمسة عشر ألف ريال، وكم تساوي معيبة؟ قالوا: تساوي معيبة اثني عشر ألف ريال، كم فرق ما بين الصحة والفساد؟ ثلاثة آلاف, ثلاثة آلاف انسبها إلى قيمة الصحة، ثلاثة آلاف إلى الصحة خمُس، خذ الخُمس من الثمن، كم يكون العيب؟ خُمس الثمن يكون ألفين، يكون الأرش الآن ألفين، يعني هذه كيفية تقدير الأرش، عندنا ثمن أو عندنا قيمة، قيمة صحة وقيمة فساد.الخطوة الأولى: ننظر إلى قيمة الصحة، ثم ننظر إلى قيمة الفساد المعيب، كم تساوي قيمته معيباً؟ثم بعد ذلك ننظر الفرق بين قيمته صحيحاً وبين قيمته معيباً.ثم بعد ذلك ثالثاً: ننسب هذا الفرق إلى قيمته، وهذه النسبة هي الأرش من الثمن.مثال ذلك كما مثلنا: السيارة ثمنها عشرة آلاف ريال، قيمتها صحيحة خمسة عشر ألفاً، قيمتها معيبة اثنا عشر ألفاً، الفرق بين قيمة الصحة وقيمة الفساد ثلاثة آلاف، ننسب ثلاثة آلاف إلى قيمة الصحة، فالثلاثة إلى الخمسة عشر الخُمس، يكون الأرش خُمس الثمن الذي هو عشرة يساوي ألفين، هذا تقدير الأرش.فنقول لمن وجد في سلعته عيباً: أنت بالخيار، إما أن تفسخ وتأخذ مالك، وإما أن تُمسك وتأخذ الأرش، إذا قال: أنا أريد الأرش, تقدير الأرش كما ذكرنا، ننظر إلى قيمة الصحة ثم قيمة الفساد المعيب، ثم نخرج الفرق بينهما، ثم حاصل الفرق ننسبه إلى قيمة الصحة، ثم بعد ذلك نأخذه من الثمن، نقول: حاصل هذه النسبة تؤخذ من الثمن.وبعض العلماء يرى أن من وجد في سلعته عيباً أنه ليس له حق الأرش إلا برضا الآخر، لكن المشهور من المذهب أن له الأرش، أو أن يُمسك, إما أن يفسخ ويأخذ ماله، أو يأخذ الأرش مع الإمساك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #74
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [9]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (72)


    من القواعد الفقهية: الخراج بالضمان, فللمشتري ما استفاده من غلة المبيع إذا رده لعيب أو تدليس؛ لأنه كان عليه ضمانه لو هلك عنده, فالغنم بالغرم, ومن صور التدليس: تصرية الإبل والغنم, وعلى من وجد عيباً في السلعة أن يبادر إلى ردها بلا تراضي, وقد تكلم الفقهاء عن
    تابع خيار العيب
    قال المؤلف رحمه الله: (وإن وجد أحدهما بما اشترى عيباً لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب).تقدم هذا، وهو القسم الثالث من أقسام الخيارات، وهو خيار العيب، وذكرنا أن العيب في اللغة: النقص، وأما في الاصطلاح: فهو ما ينقص قيمة المبيع في عرف التجار، وقال بعض العلماء في تعريفه: هو ما ينقص قيمة المبيع عند التجار أو يفوت غرضاً صحيحاً، وهذا تعريف الشافعية رحمهم الله.وذكرنا أن من وجد عيباً في السلعة فهو بين أمرين: إما أن يفسخ ويرد السلعة ويأخذ ما دفعه، وإما أن يمسك ويأخذ الأرش، وتكلمنا عن تقدير الأرش فيما تقدم، وذكرنا أن بعض العلماء أيضاً قال: ليس لمن وجد عيباً أن يأخذ الأرش إلا برضا الآخر الذي سيدفع الأرش.
    ملكية النماء في فترة خيار العيب
    ثم قال المؤلف رحمه الله: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له].ما حصل من نماء في العين المبيعة إذا تبين بها عيب، فإن كان ذلك قبل علمه بالعيب فالنماء لمالك العين، لمن اشتراها، يعني إذا وجد المشتري في السلعة عيباً، ولم يكن علمه قبل، وحصل كسب بهذه السلعة، مثلاً نفرض أن هذه السلعة سيارة، وعمل عليها المشتري واكتسب، فنقول: بأن الكسب هنا يكون للمشتري؛ لأنه كسب ملكه، فالسيارة ملك له.وكذلك أيضاً: لو أن المبيع كان حيواناً ثم ولد هذا الحيوان، حمل وولد عند المشتري، ثم تبين أن فيه عيباً فنقول: بأن الولد يكون للمشتري؛ لأنه نماء ملكه؛ لأنه بالعقد ينتقل الملك للمشتري، ملك السلعة ينتقل للمشتري، وملك الثمن يكون للبائع، ويدل لهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن مال هذا الرقيق يكون للبائع، دل ذلك على أن الرقيق أصبح الآن للمشتري، (من باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع).وإذا كانت السلعة المباعة انتقلت إلى ملك المشتري، فما حصل فيها من نماء فإنه يكون للمشتري، حتى ولو فسخ المشتري لوجود عيب نقول: النماء له لأن الملك ملكه، كما أنه لو حصل فيها نقص يكون الضمان على المشتري، الخراج بالضمان، والنفقة تكون على المشتري، الخراج بالضمان، الغنم بالغرم، وعلى هذا فقس.وقول المؤلف رحمه الله: (أو حدث فيها من نماء منفصل قبل علمه بالعيب).قوله: نماء منفصل يفهم من كلامه أنه إذا كان النماء متصلاً يكون للبائع، يكون للمالك الأول، والصحيح أنه لا فرق بين النماء المنفصل والنماء المتصل، وأن الجميع يكون لمن انتقلت إليه العين، فالسلعة انتقلت الآن للمشتري فنقول: إذا حصل فيها نماء هذا النماء سواء كان متصلاً أو كان منفصلاً فإنه يكون للمشتري، هذا الصواب، ولا فرق. وقول المؤلف رحمه الله: (قبل علمه).يفهم منه أنه إذا علم بالعيب وأراد أن يفسخ فإن النماء يكون للبائع.قال: [فهو له لأن الخراج بالضمان].هذا لفظ حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الخراج بالضمان)، ما معنى الخراج بالضمان؟يعني أن من له خراج شيء فعليه ضمانه، ومن عليه ضمانه فله خراجه، الغنم بالغنم، والخراج هو ما يكون من العين، مثل الكسب، مثل الأجرة، مثل اللبن، مثل الصوف، مثل الشعر، مثل الولد... إلى آخره.فخراج الشاة مثلا ما يحصل من الولد واللبن والصوف ونحو ذلك، وخراج السيارة ما يحصل من الانتفاع بها والكسب, وهكذا الخراج بالضمان، هذا الرجل الآن الذي اشترى هذه السلعة ثم تبين فيها عيب نقول: لك الخراج لأن عليك الضمان، فهذا الرجل مثلاً الذي اشترى هذه الشاة ثم بعد ذلك حلبها أو حملت وولدت عنده نقول: هذا الولد للمشتري، لك هذا الخراج لأن عليك الضمان، لو ماتت هذه الشاة وهي عنده الضمان يكون على المشتري, لو تعيبت عيباً آخر نقول: العيب هنا من ضمان المشتري، فكما أن عليك الضمان لك الخراج، وهذا هو مقتضى العدل، مقتضى العدل الخراج بالضمان، فمن له خراج شيء عليه ضمانه.
    متى يتعين أرش العيب
    قال: [وإن تلفت السلعة أو أعتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب].ذكر المؤلف أن من وجد فيما انتقل إليه عيباً أنه مخير بين أمرين: إما أن يمسك ويأخذ الأرش، وإما أن يفسخ ويأخذ الثمن.هنا ذكر مسائل يتعين فيها الأرش، ما فيه رد وأخذ الثمن، وإنما الرد هنا يتعذر ويتعين الأرش .قال: (وإن تلفت السلعة)، تلفت السلعة سواء كان بإتلاف المشتري، أو بتلف من أجنبي، أو من قبل الله عز وجل, فنقول: هنا يتعين الأرش، مثال ذلك: رجل اشترى أرزاً، اشترى الأرز وأكله، لما أكل الأرز تبين أن فيه عيباً، هنا هل يتمكن من رد الرز أو ما يتمكن؟ ما يتمكن من رده؛ لأنه تلف الآن، ما نقول له؟ نقول: الآن لك الأرش، تعين لك الأرش.اشترى سيارة ثم بعد ذلك احترقت السيارة، أو صار عليها حادث وتلفت ثم تبين أن فيها عيباً، نقول: للمشتري الأرش؛ لأنه يتعذر الآن أن ترد، فهذه المسألة الأولى إذا تلفت السلعة، سواء كان التلف من قبل آدمي، أو مما لا صنع للآدمي فيه.قال: (أو أعتق العبد).هذه المسألة الثانية، إذا انتقل الملك عن المشتري نقول الآن: ليس لك إلا الأرش، هذا رجل اشترى سيارة، فلما اشترى السيارة ذهب وباعها، أو ذهب وأوقفها، قال: هذه في سبيل الله لطلبة العلم أو لمن يحفظ القرآن ونحو ذلك، الآن انتقل الملك أو وهبها، ثم بعد ذلك تبين أن فيها عيباً، نقول هنا: له الأرش، ما يتمكن الآن من الفسخ. ومثله أيضاً إذا كان عنده رقيق ثم أعتقه، اشترى من زيد رقيقاً، وهو لا يدري أن فيه عيباً، ثم بعد ذلك أعتق الرقيق، لما أعتق الرقيق تبين أن فيه العيب، نقول له: لك الأرش، المهم المسألة الثانية: إذا انتقل الملك عن المشتري فإنه يتعين له الأرش. المسألة الثالثة قال: (أو تعذر رده).هذه هي المسألة الثالثة التي يتعين فيها الأرش، إذا تعذر رده، كما لو لم يتمكن من الرد، مثلا اشترى سيارة، وهذه السيارة سُرقت، ثم تبين أن فيها عيباً، ما يتمكن الآن أنه يرد السيارة، أو مثلاً الحيوان هرب، وتبين أن فيه عيباً، ما يتمكن الآن من الرد، فنقول: لك الأرش.
    خيار التدليس
    قال المؤلف رحمه الله: [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)].هذا القسم الرابع من أقسام الخيارات، وهو خيار التدليس، والتدليس في اللغة: مأخوذ من الدُّلْسة وهي الظلمة، وأما في الاصطلاح فهو أن يظهر البائع السلعة الرديئة بصورة جيدة، أو يظهر الجيد بصورة أجود ليزيد في الثمن، فنقول: هذا تدليس، والتدليس هذا محرم؛ لأنه كالعيب ما يجوز؛ لأن الله عز وجل يقول: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ [البقرة:188]، وهذا من أكل أموال الناس بالباطل، وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من غشنا فليس منا)، وهذا من الغش. التدليس نوعان:النوع الأول: أن يظهر الرديء بصورة الجيد، والنوع الثاني: أن يظهر الجيد بصورة الأجود لكي يزيد في الثمن، واليوم التدليس كثير، كما أن العيوب أيضاً تكثر, اليوم التدليس كثير، وخصوصاً في الصناعات والمنتجات ونحو ذلك، فتجد أن هذه الآلة من صناعة البلد الفلاني، فيكتب عليها صنعت في البلد الفلاني؛ لأن المشتري إذا رأى أنها صنعت في البلد الفلاني زاد في الثمن وأقدم على الشراء، وهذا كما ذكرنا كثير، أو أنها من إنتاج الماركة الفلانية أو الشركة الفلانية إلى آخره، يكتب عليها أنها من إنتاج الشركة الفلانية بحيث يزيد في الثمن، وهذا محرم لما في ذلك من الغش.
    تصرية الإبل والغنم
    من صور التدليس: ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل)، تصرية الإبل هي أن تربط ضروع بهائم الأنعام حتى يجتمع الحليب، فيظن المشتري أن هذا عادة، فإذا حلبها وجد النقص في الحليب، هذا من التدليس، هو أظهر السلعة بصورة غير الحقيقة لكي يزيد في الثمن، إذا جاء المشتري وجد أن هذا الضرع قد امتلأ وكبر، فيظن أن هذا عادة لها، ثم بعد ذلك إذا حلبها وجد النقص، فنقول: هذا محرم ولا يجوز .قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن ابتاعها- يعني اشتراها- فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر)، إذا حلبها المشتري، حلب اللبن الموجود فيها، ثم بعد ذلك تبين النقص في الحليب، فنقول له: أنت بالخيار بين أمرين:إما أن تردها وترد معها صاعاً من التمر، وإما أن تمسك، إما أن ترضى وإما أن تردها وترد صاعاً من تمر، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها ورد صاعاً من تمر، صاع التمر هذا مقابل الحليب، وهل التمر متعين أو ليس متعيناً؟قول النبي عليه السلام: (أو صاعاً من تمر)، هذا ذكر شُرَّاح الحديث فيه مسائل، ورتبوا عليه مسائل:أولاً: هل التمر متعين أو نقول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكره على سبيل التعيين، وإنما ذكره لأنه غالب القوت في ذلك الوقت؟هذا موضع خلاف، فكثير من العلماء يقول: بأنه على سبيل التعيين، وأن النبي عليه الصلاة والسلام عين التمر فيتعين.والرأي الثاني: أن التمر لا يتعين، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صاعاً من تمر)؛ لأن التمر هو القوت في ذلك الوقت، فيرد هذه البهيمة وصاعاً من غالب قوت البلد، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.والصواب في هذه المسألة أنه على سبيل التعيين، إلا إذا اتفقا فالأمر إليهما راجع، فنقول: النبي صلى الله عليه وسلم عين صاعا من تمر درءاً للنزاع والخلاف والشقاق فيتعين؛ لأنه قد يأتيه بصاع من غالب قوت البلد، ثم يحصل النزاع والشقاق، فالصواب أنه يتعين صاعاً من تمر، والتمر غالب ما يأكله الناس، فغالب ما يأكله الناس يعطيه صاعاً من تمر .لو رد عليه اللبن، هو حلب اللبن ثم رد البهيمة معها اللبن، هل يلزم البائع به، أو نقول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالتمر، لابد أن ترد تمراً؟نقول: إن اتفقا الحمد لله، إن رضي البائع أن يأخذ البهيمة مع اللبن فالحمد لله، لكن إن رد اللبن فنقول: نرجع إلى حكم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يلزم باللبن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم لدرء النزاع والخلاف، فالصواب في ذلك أنه يرجع إلى حكم النبي عليه الصلاة والسلام .أيضاً لو اتفقا على القيمة، نقول: الأمر إليهما راجع، إذا اتفقا على القيمة نقول: هذا لا بأس به، لكن لو اختلفا فنقول: يرجع إلى حكم النبي عليه الصلاة والسلام.قال المؤلف رحمه الله: [فأما إن علم تصريتها قبل حلبها ردها ولا شيء معها].إذا علم بالتصرية والتدليس فإنه لا شيء له؛ لأنه دخل على بصيرة وقد أسقط حقه.
    حكم التراخي في طلب الفسخ للعيب والتدليس
    قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مُدَلَّسٍ لم يُعلم تدليسه له رده].وهل خيار التدليس على التراخي أو على الفور؟ وقبل ذلك خيار العيب هل هو على التراخي أو على الفور؟خيار العيب ينقسم إلى قسمين، ومثله أيضاً خيار التدليس، نقول: خيار العيب وخيار التدليس ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: إثبات الحق في الخيار، فنقول: متى علم بالعيب أو علم بالتدليس فله حق الخيار حتى لو علم بالعيب بعد سنة، نقول: له حق الخيار، مثلاً هذا رجل اشترى كتاباً، وبعد سنة شرع في القراءة في الكتاب، فوجد أن الكتاب بداخله طمس صفحات، هل يثبت له الحق أو ما يثبت؟نقول: يثبت له الحق، أو اشترى كتاباً ثم تبين أنه قد دلس عليه، كُتب أنه من طباعة كذا وإذا ليس كذلك، أو أنه أشرف على طبعه أو خدمته كذا وليس كذلك، دُلس عليه، نقول: يثبت له حق الخيار ولو طالت المدة، هذا القسم الأول. القسم الثاني: حق طلب الفسخ، هل هذا على الفور؟ يعني حق طلب الفسخ بعد العلم بالعيب أو التدليس، القسم الأول: قبل العلم، القسم الثاني: بعد العلم، حق طلب الفسخ بعد العلم، فنقول: المذهب أنه أيضاً على التراخي، يعني أنت إذا علمت أن السيارة فيها عيب، فلك أن تتراخى في الفسخ، إذا علمت أن السيارة فيها عيب لك أن تفسخ اليوم غدا بعد أسبوع إلى آخره، لكن تبقى أمانة عندك، تحتفظ بها حتى تذهب وتفسخ، إذا علمت أن فيها تدليساً لك أن تتراخى في الفسخ، هذا ما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله.والرأي الثاني: وهو قول الشافعية، أنه يجب المبادرة بالفسخ إذا علم العيب أو علم التدليس، وهذا القول هو الصواب؛ لأن كون الإنسان يؤخر يؤدي إلى ضرر البائع، البائع يتضرر بدلاً من أن يبيع ويستفيد يتضرر، وقد تكسد السلعة يعني يذهب وقتها, فالصواب في ذلك أنه إذا علم العيب أو التدليس يجب عليه أن يبادر بالفسخ، نقول: يجب عليك أن تبادر بالفسخ، ولا يجوز لك أن تتراخى، اللهم إلا إذا كان شيئاً يسيراً، مثل يوم يوماً ونصف ونحو ذلك، لكي يتخفف من العمل الذي عنده، لكي ينتظر الصباح، المهم إذا كان شيئاً يسيراً فلا بأس، أما إذا كان كثيراً فإن هذا غير جائز.
    من صور التدليس في البيع
    قال المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لم يعلم تدليسه له رده، كجارية حَمَّر وجهها].جارية حمر وجهها، هذا تدليس، يعني صبغه بالألوان... إلى آخره، هذا نوع من التدليس، فهو دلس على المشتري.[أو سَوَّد شعرها].قد تكون كبيرة، أو قد تكون شابة، لكن الشعر ليس أسود، فيقوم بصبغه بالأسود ثم يتبين.[أو جعده].يعني بدلاً من أن يكون سبطاً، جعله جعدا؛ لأنه إذا كان جعداً يدل على القوة.قال: (أو رحىً ضم الماء وأرسله عند عرضها على المشتري).الرحى هي التي يطحن بها الحب، وهذه الرحى تدور على الماء، يعني لها سير يكون مرتبط بمكان فيه ماء، فيأتي البائع ويجمع الماء، ثم إذا جاء المشتري أرسل الماء، فإذا كان الماء مجتمعاً ثم أرسل فإنها تدور بسرعة، فيظن المشتري أن هذا عادة، ثم بعد ذلك يتبين خلاف ذلك، فنقول: يثبت له حق الخيار.المهم كما قلنا: القاعدة في التدليس هو أن يظهر الرديء بصورة الجيد، أو الجيد بصورة الأجود.قال: [وكذا لو وصف المبيع بصفة يزيد بها في ثمنه فلم يجدها، كصناعة في العبد، أو كتابة أو أن الدابة هملاجة].الهملاجة هي حسنة السير.[والفهدَ صيود أو معلم أو أن الطير مصوت ونحوه].يعني إذا وصف السلعة بصفة، ثم بعد ذلك لم يجدها المشتري، فنقول: له حق الخيار.
    حكم من علم بالتدليس قبل البيع
    وقول المؤلف رحمه الله: [وكذلك كل مدلس لم يَعلم تدليسه له رده].ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا تبين للمشتري أنه قد دلس عليه، أنه يرد السلعة وليس له أرش، لو قال المشتري: أنا أمسك السلعة، هو دلس علي يعني هذه السلعة رديئة وأظهرها بصورة الجيدة، رديئة مثلاً بكذا، وجيدة بكذا، أنا أريد أن آخذ الأرش، هل له حق الأرش أو ليس له حق الأرش؟ هه؟ على كلام المؤلف ليس له ذلك.والرأي الثاني في هذه المسألة: إن كان البائع قد غش ودلس فإنه يعامل بأضيق الأمرين، وعلى هذا نقول للمشتري: أنت بالخيار، إن شئت أن ترد، وإن شئت أن تمسك وتأخذ الأرش، هذا الأقرب في هذه المسألة.
    خيار التخبير بالثمن
    قال المؤلف رحمه الله: [ولو أخبره بثمن المبيع فزاد عليه رجع بالزيادة وحظها من الربح إن كانت مرابحة، وإن بان أنه غلط على نفسه خُيِّرَ المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به].هذا القسم الخامس من أقسام الخيارات، وهو خيار التخبير بالثمن، وقد ذكر العلماء رحمهم الله له أربع صور:الصورة الأولى: التورية، والتورية هي أن يبيعه برأس ماله، كيف يبيعه برأس ماله؟ تأتي إليه: بكم السلعة؟ قال لك :بعت السلعة برأس مالي، إذا قال: برأس مالي, يشتري المشتري، يقدم على هذا؛ لأنه يعرف الآن أن البائع ما ربح عليه، وأنه هو الغانم ما دام برأس ماله، قال: أنا برأس مالي أبيع عليك، هذه التورية.ثم بعد ذلك يتبين أن رأس ماله أقل، برأس مالك تبيع عليَّ السيارة؟ قال: نعم برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف ريال، ثم بعد ذلك يتبين أن رأس ماله تسعة آلاف ريال، كذب، فيقول المؤلف رحمه الله: خُيِّرَ المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به. الصورة الثانية: المرابحة، وأشار إليها بقوله: وحظها من الربح إن كان مرابحة، قال: أنا أبيعك برأس مالي، ولي ربح كذا وكذا، لي ربح ألف أو لي ربح خمسمائة ونحو ذلك، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف ريال، يكون الثمن بكم؟ قال: لي ربح ألف يكون الثمن أحد عشر ألفاً، ثم بعد ذلك يتبين أن رأس المال تسعة آلاف، هو قال: أبيعك برأس مالي، ولي ربح ألف, هذه تسمى مرابحة. الصورة الثالثة: الشركة، قال: أبيعك نصف السلعة، نصف رأس مالي، كم رأس مالك؟ رأس مالي عشرة، ثم يتبين أن رأس ماله تسعة، نقول: يثبت له الخيار .الصورة الرابعة: المواضعة، والمواضعة أن يقول: بعتك برأس مالي وخسارة ألف، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة ليس تسعة، أعطني تسعة، ثم يتبين أن رأس ماله تسعة.هذه أربع صور للتخبير بالثمن، الآن تبين للمشتري أن البائع قد كذب عليه، فاختلف العلماء رحمهم الله في ذلك على قولين:القول الأول: أن المشتري مخير بين أمرين: إما أن يفسخ ويأخذ ما دفعه، وإما أن يمسك ولا شيء له، يعني ما يتعلق بالزيادة التي زادها ليس له، لو قال: هو قال لي: رأس مالي عشرة، ثم تبين أن رأس ماله تسعة، يرد عليه ألف ريال ولا يمسك السلعة، هل له ذلك أو ليس له ذلك؟ على هذا الرأي ليس له ذلك، هو مخير بين أن يمسك ولا شيء له، أو أن يفسخ ويأخذ ما دفعه من الثمن .والرأي الثاني: أنه أيضاً مخير، له أن يطالب بما زاده البائع عليه، فنقول: أنت مخير بين أن تفسخ وتأخذ ما دفعت، وبين أن يأخذ ما زاد عليه؛ لأن كل من غش أو دلس يعامل بأضيق الأمرين، وهذا فيما إذا غش أو دلس، أما إذا قال: غلطت، أنا قلت: برأس مالي، ورأس مالي كذا، ثم تبين أنه ليس كذا فنقول: بأنه ليس للمشتري إلا أن يمسك أو يفسخ ويأخذ ما دفعه .والأقرب في هذه المسألة أنه إن كان البائع قد غش ودلس نعامله بأضيق الأمرين، وأما إن كان لم يغش ولم يدلس فهذا نقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن تمسك ولا شيء لك، أو تفسخ وتأخذ ما دفعت.قال: [وإن بان أنه غلط على نفسه خُيِّرَ المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به].يقول المؤلف رحمه الله: وإن بان أنه غلط على نفسه، خُيِّرَ المشتري بين رده وإعطائه ما غلط به، يعني قال البائع: بعتك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي تسعة، ثم بعد ذلك تبين أن رأس ماله عشرة، فيقول المؤلف رحمه الله: بأنه يخير المشتري بين رده أو إعطائه ما غلط به، نقول: أنت مخير أيها المشتري ما دام أنه غلط بين أن ترده وتأخذ ما دفعت، أو تعطيه ما غلط به، يعني هو قال الآن: بعتك برأس مالي، كم رأس مالك؟قال: رأس مالي تسعة، ثم يتبين أنه غلط، وأن رأس ماله عشرة، فنقول للمشتري: أنت بالخيار، إما أن تعطيه الألف، وإما أن تفسخ وتأخذ ما دفعت. قال المؤلف رحمه الله: [وإن بان أنه مؤجل ولم يخبره بتأجيله فله الخيار بين رده وإمساكه].يعني قال البائع: بعتك برأس مالي. كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة، وهو صادق أن رأس ماله عشرة، لكن تبين للمشتري أنه اشتراه بثمن مؤجل، وإذا كان اشتراه بثمن مؤجل سيزيد, فلابد أن تخبر المشتري؛ لأنه إذا قال: برأس مالي سيقدم المشتري، لابد أن يبين للمشتري أنه اشتراه برأس ماله؛ لأنه بثمن مؤجل، يعني إذا كان بثمن مؤجل سيزيد في السلعة، في هذا ضرر على المشتري، لابد أن يخبر, ولهذا قال لك: إذا تبين للمشتري أن البائع قد اشتراه بثمن مؤجل فله الخيار بين رده وإمساكه، يعني يكون مخيراً بين الرد وبين الإمساك بالثمن حالّاًهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، نقول للمشتري: أنت مخير بين أن ترده وتأخذ الثمن، وبين أن تمسك، والرأي الثاني في هذه المسألة: أنه لا خيار للمشتري، وإنما يكون الثمن مؤجلاً عليه، فكما أن البائع اشتراه بثمن مؤجل، أيضاً نقول للمشتري: يكون الثمن مؤجلاً عليك للبائع. فالرأي الأول الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن المشتري مخير بين أن يمسك السلعة، وبين أن يردها ويأخذ ما دفع. والرأي الثاني: أنه لا خيار له، وإنما يكون مؤجلاً على البائع، كما أن البائع قد اشتراه بثمن مؤجل.العلماء رحمهم الله يشددون في هذه المسألة؛ لأن المشتري سيقدم، لو ما قال: بعتك برأس مالي، ثم تبين أنه شرى بثمن مؤجل، هل المشتري له الفسخ أو ليس له الفسخ؟ ليس له الفسخ، لكن المشكل إذا قال: بعتك برأس مالي.العلماء يذكرون صوراً كثيرة، مثل ذلك أيضاً لو قال: بعتك برأس مالي، كم رأس مالك؟ قال: رأس مالي عشرة آلاف ريال، وصحيح أن رأس ماله عشرة آلاف ريال، لكن تبين أنه قد اشتراه من أبيه، قال العلماء: يثبت الخيار؛ لأنه قد يحابي أباه، قد يتبين أنه اشتراه من ابنه، قد يحابي ابنه، قد يتبين أنه اشتراه لحاجة، لغرض، يثبت له الخيار.المهم أنه متى تبين أنه قد حصل ضرر على البائع بسبب قول البائع: بعتك برأس مالي يثبت له الخيار.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #75
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [10]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (73)


    السلم من الأحكام الشرعية التي فيها تسهيل للمعاملات المالية، وفيه سد لباب الربا، وتنفيس للمحتاجين، وتعاون بين المسلمين، وله شروط وأحكام يجب على من يريد التعامل به أن يعرفها، حتى تصح معاملته ويوفق في تجارته.
    اختلاف المتبايعين

    الاختلاف في قدر الثمن
    تقدم لنا شيء من أقسام الخيار، فذكرنا من ذلك خيار بيع العيب, وكذلك أيضاً خيار التدليس, وكذلك أيضاً خيار التخبير بالثمن, وبينا في الدرس السابق صوره الأربع: المرابحة, والتولية, والمواضعة, والشركة، ثم بعد ذلك شرع المؤلف رحمه الله فيما إذا اختلفا البيعان في قدر الثمن.قال المؤلف رحمه الله: [وإن اختلف البيعان في قدر الثمن تحالفا, ولكل واحد منهما الفسخ إلا أن يرضي صاحبه]. الاختلاف بين المتبايعين له صور، من صوره: أن يختلفا في قدر الثمن. مثال ذلك: يقول البائع: بعت بمائة, ويقول المشتري: اشتريت بثمانين، هنا اختلفا في قدر الثمن، فمن القول قوله؟ هل نقول: بأن القول قول البائع ويُلزَم المشتري بأن يدفع مائة أو نقول: بأن القول قول المشتري ويُلزَم البائع بأن يأخذ ثمنه؟ يقول المؤلف رحمه الله: (تحالفا) نقول للبائع: احلف، وللمشتري: احلف، ولابد لهذا التحالف على ما يذكره الحنابلة من أمرين: الأمر الأول: أن يبدأ البائع قبل المشتري. والأمر الثاني: أن يجمع كل واحد منهما في حلفه بين الإثبات والنفي.فنقول أولاً للبائع: احلف واجمع في حلفك بين الإثبات والنفي, فيقول البائع: والله ما بعته بثمانين وإنما بعته بمائة، فهنا بدأ البائع, وجمع في يمينه بين الإثبات والنفي, إثبات المائة ونفي الثمانين, ثم بعد ذلك نقول للمشتري: احلف، وأيضاً لابد أن يجمع في حلفه بين الإثبات والنفي, فيقول المشتري: والله ما اشتريته بمائة, وإنما اشتريته بثمانين.قال المؤلف رحمه الله: (ولكل واحد منهما الفسخ). إذا تم التحالف نقول: كل واحد منهما له أن يفسخ إلا أن رضي أحدهما بقول الآخر، فقال البائع: أنا أرضى أن يعطينا ثمانين، أو قال المشتري: أنا أرضى أعطيه مائة، فنقول: إذا رضي أحدهما بقول الآخر لا حاجة إلى الفسخ، بل لا حاجة إلى التحالف أصلاً، لو رضي كل واحد منهما بقول الآخر نقول: أصلا لا حاجة إلى التحالف, لكن لو حصل التحالف, ثم رضي أحدهما بقول الآخر, فنقول: لا فسخ ويُلزَم الآخر. كذلك أيضاً نصير إلى التحالف إذا لم يكن هناك بينة إن كان هناك بينة، فإنا نرجع إلى البينة, لكن ما عندنا بينة ولم يرض أحدهما بقول الآخر نقول: يتحالفان ثم بعد ذلك كل واحد منهما له الفسخ, ثم بعد الفسخ إن رضي أحدهم بقول الآخر ألزمنا البيع وإن لم يرض أحدهما بقول الآخر فلكل واحد منهما الفسخ, فالبائع يأخذ سلعته والمشتري يأخذ ثمنه, هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. والرأي الثاني في المسألة: أن نقول: القول قول البائع بيمينه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا اختلفا المتبايعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول رب السلعة). هذا الحديث في السنن وإسناده صحيح, فنقول: احلف أيها البائع أنك إنما بعته بمائة فيحلف, فبعد أن يحلف نقول للمشتري: إما أن ترضى بكلامه وإلا فإنك تفسخ, لك حق الفسخ, قال: نعم.هذه صورة من صور الاختلاف بين المتبايعين وهي الاختلاف في قدر الثمن.
    الاختلاف في الأجل أو الشرط
    كذلك أيضاً من صور الاختلاف إذا اختلفا في أجل أو شرط: إذا اختلفا في الشرط مثاله: قال البائع: أنا بعته السيارة بشرط أن أستعملها لمدة يوم أو يومين, أو بعته البيت بشرط أن أسكنه لمدة شهر, أو قال المشتري: أنا اشتريت بشرط أن يصلح في السلعة كذا وكذا، وأنكر الآخر, فنقول: بأن القول قول المشتري, القول قول من ينكر؛ لأن الأصل عدم الشرط. أيضاً: إذا اختلفا في أجل، قال المشتري: أنا اشتريت السيارة لكن الثمن مؤجل, قال البائع: لا, الثمن ليس مؤجلاً, فنقول: القول قول من يُنكر الأجل, ومن هو الذي يُنكر الأجل, هنا؟ البائع هو الذي ينكر الأجل، نقول: القول قول من ينكر الأجل؛ لأن الأصل عدم الأجل، الأصل أن يكون الثمن حالاً، هذا هو الأصل, فإذا لم يكن هناك بينات تدل لقول أحدهما نرجع إلى الأصل, والأصل: أن القول قول من ينكر الأجل أو الشرط.
    الاختلاف في عين المبيع
    أيضاً: من صور الاختلاف بين المتبايعين إذا اختلفا في عين السلعة، فقال البائع مثلاً: بعته هذا الكتاب, قال المشتري: لا، اشتريت منه هذا الكتاب أو قال: بعته هذه السيارة التي صُنعت في عام كذا وكذا, وجنسها كذا وكذا، قال المشتري: لا، أنا اشتريت هذه السيارة التي صُنعت عام كذا وكذا.. إلى آخره, هنا اختلف المتبايعان, العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك, فقيل: بأنهما يتحالفان، وقيل: بأن القول قول المشتري، والذي يظهر أن الاختلاف هنا كالاختلاف في قدر الثمن, فنقول: بأن القول قول البائع بيمينه، نقول للبائع: احلف أنك إنما بعته هذه السلعة, ثم نقول للمشتري: أنت بالخيار إما أن ترضى بكلامه أو تفسخ. هذه ثلاث صور للاختلاف بين المتبايعين:الصو ة الأولى: في قدر الثمن. الصورة الثانية: في أجل أو شرط. الصورة الثالثة: في عين المبيع.
    السلم

    تعريف السلم
    قال المؤلف رحمه الله: [باب السلم: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين, فقال: من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم إلى أجل معلوم)].السلم في اللغة: مأخوذ من الإسلام وهو التقديم. وأما في الاصطلاح فهو: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، وهو باختصار: تعجيل الثمن وتأخير المثمن. مثاله أن يقول له: هذه ألف ريال تعطيه بعد سنة بعد سنتين ألف صاع من التمر، ألف صاع من البر، ألف كتاب صفته كذا وكذا، ألف قلم صفته كذا وكذا، ألف ثوب صفته كذا وكذا.. إلى آخره. المهم يلتزم المسلم أن يعطي الدراهم والمسلم إليه يلتزم بإحضار سلع، وهذه السلع موصوفة في الذمة ليست معينة, ما يقول: من هذه الآلات أو من هذه الأقلام, أقلام صفتها كذا، ثلاجات صفتها كذا, غسالات صفتها كذا وكذا.. إلى آخره كما سيأتينا. كل شيء ينضبط بالصفة يصح السلم فيه، موصوف في الذمة يعني غير معين ما يقول: هذه عشرة آلاف ريال تعطيني من هذا البر العام القادم لا، هذا خطأ، السلم إنما يكون للشيء الموصوف في الذمة: بُر صفته كذا وكذا، أقلام صفتها كذا وكذا، سيارات صفتها كذا وكذا، هذا سلم, عقد على موصوف في الذمة.قولنا: الموصوف في الذمة يعني غير معين، مؤجل غير حال, وسيأتينا إن شاء الله حكم السلم في الحال بثمن مقبوض في مجلس العقد.أيضاً: لابد أن يكون الثمن مقبوضاً في مجلس العقد يقول: هذه مائة ألف ريال تعطيني مثلاً عشر ثلاجات أو تعطيني مثلاً ثلاث سيارات بعد سنة سنتين خمسة أشهر سبعة أشهر.. إلى آخره، هذا يسمى السلم.
    حكم السلم
    السلم دل على جوازه القرآن والسنة والنظر الصحيح, أما القرآن فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282].قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أشهد أن الدين المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه, ثم قرأ هذه الآية. وأيضاً من السنة: حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يُسلفون في الثمار السنة والسنتين, فقال عليه الصلاة والسلام: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم). والنظر الصحيح يقتضي ذلك, فإن فيه فائدة لأهل الصناعات والحرف والمزارعين, المزارع ما عنده دراهم، يحتاج إلى دراهم، فيأتي التاجر ويعطيه التاجر الدراهم ويستفيد من هذه الدراهم؛ لأن المزرعة تحتاج إلى أن يحرك مزرعته بهذه الدراهم, التاجر الآن دفع دراهمه أعطى هذا الفلاح عشرة آلاف ريال لكي يقوم بالزراعة, ويشتري الآلات, ويستخرج الماء, ماذا يستفيد التاجر؟ يستفيد الرخص؛ لأنه مثلاً الآن دفع عشرة آلاف ريال، لو أراد يشتري براً أو يشتري ثمراً أو يشتري تفاحاً أو برتقالاً.. إلى آخره تأتي مثلاً بألف صاع الآن, لكن إذا كان مؤخراً له ألف ومائتي صاع، يستفيد بمائتي صاع زيادة، ففيه فائدة للفلاح، وفيه فائدة للتاجر. أيضاً: صاحب المصنع الذي عنده مصنع، صاحب المصنع يحتاج إلى أموال لكي يدير المصنع، يشتري الآلات، يشتري المواد الخام، يدفع أجور العمال.. إلى آخره، فصاحب المصنع يستفيد. وأيضاً: التاجر صاحب الأموال يستفيد رخص السلع، تكون السلع رخيصة، مثلاً يأخذ صاحب المصنع كذا وكذا، ويتفق هو وإياه إذا كان مثلاً المصنع مصنع ثياب يقول: أعطيك ألفين ثوب.. عشرة آلاف ثوب.. إلى آخره, حسب ما يتفقان, وعلى هذا فقس، أصحاب الحرف والمزارع والصناعات.. إلى آخره. أيضاً التجار الذين يشتغلون في تجارات السلع يأخذون هذه الدراهم ويشترون السلع وصاحب الأموال يأخذ منهم السلع بسعر نازل؛ لأنه سيكون مؤجل عليه مقابل الأجل هذا سينزل, وهذا طريق من طرق سد باب الربا. يعني: لو سُلك مثل هذا الطريق ما احتجنا إلى أن يذهب الناس للبنوك ويقترضون بقروض مؤجلة بفوائد ربوية، ما فيه حاجة إلى مثل هذه الأشياء, أو مثلاً مسألة التورق التي انشغل فيها كثير من الناس اليوم، لا حاجة إلى مثل ذلك، لو سُلك سبيل السلم وفُعل بشروطه الشرعية لاستفاد التاجر الذي يذهب الآن ليكون تجارة إلى البنك ويقترض منه قروضاً بفوائد ربوية، هو يحتاج إلى ضمانات وكفالات بنكية ومشاكل، هذا مع لو أنه ذهب إلى التجار الكبار والتجار الكبار صار عندهم تفعيل لهذه المسائل الشرعية, وأعطوه ويأخذون منه سلعاً ويبيعون السلع بعد ذلك, ويستفيدون, رخص الثمن، وانسد هذا الباب.

    الشرط الأول: إمكان ضبطه بالوصف

    قال المؤلف رحمه الله: [ويصح السلم في كل ما يضبط بالصفات إذا ضبطه بها].هذا ضابط في باب السلم، وهو كل ما أمكن ضبطه بالوصف فإنه يصح السلم فيه, وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة وخصوصاً في يومنا هذا، لماذا؟ الآن السلع تصنع بالآلات فلا تكاد تُفرق، الآن لا تكاد تُفرق بين هذه السلع وبين هذه السلع, بين هذا الإناء وبين هذا الإناء، بين هذه الآلة وبين هذه الآلة, هذه كلها يمكن ضبطها بالوصف, في الزمن السابق الأشياء تصنع الأيدي، وصناعة الأيدي هذه قد تختلف.ولهذا العلماء رحمهم الله بعض الأشياء يمنعونها وبعض الأشياء يجوزونها؛ لأنها كما سلف كانت في زمنهم تُصنع بالأيدي, وهذا قد يتعذر فيه ضبط الوصف، لكن اليوم هذه الأشياء تُصنع عن طريق المكائن والآلات وتخرج السلعتان ولا تكاد تُفرق بينها.فنقول: هذه كلها تضبط بالوصف، فعندنا الضابط في ذلك: أن كل ما أمكن ضبطه بالوصف فإنه يصح السلم فيه, وهذا هو الشرط الأول من شروط صحة السلم أن يكون مما يمكن ضبطه بالوصف, وكما ذكرنا اليوم أغلب السلع يمكن ضبطها بالوصف, الثياب تضبط بالوصف, الآلات, الثلاجات, الغسالات, الأقلام, الكتب, أدوات الكتابة، أشياء كثيرة, وعلى هذا فقس، هذه كلها تضبط بالوصف فنقول: بأن السلم يصح فيها، أيضاً بالنسبة للحبوب تضبط بالوصف البر الثمار التمر ونحو ذلك تضبط بالوصف، قد يكون هناك أشياء تختلف بالصغر والكبر.. إلى آخره، فهذه تضبط بالوزن، هذه نقول تُضبط بالوزن, ومثل البقول والخضراوات التي قد تختلف في حجمها ونحو ذلك تضبط بالحزم. المهم أنه إذا أمكن ضبطها بأي طريق سواء كان عن طريق الوزن, سواء كان عن طريق الوصف, سواء كان عن طريق الحزم.. إلى آخره, نقول: يصح السلم فيها, وعلى هذا لا يكاد يوجد شيء لا يمكن ضبطه, ويترتب على ذلك أن أغلب الأشياء يصح فيها السلم, لا يكاد يوجد شيء لا يصح فيه السلم, فيه أشياء قد لا يمكن ضبطها, مثل: الأحجار الكريمة، الأحجار الكريمة هذه أمور نادرة, وما يمكن ضبطها؛ لأنها تختلف في الصغر والكبر والحسن ونحو ذلك، يعني الأشياء الطبيعية مثل هذه الأحجار الكريمة الطبيعية، قد يكون هناك شيء من اللؤلؤ أيضاً ما يمكن ضبطه، هذه الأمور النادرة التي قد لا يتعامل فيها إلا فئة معينة من التجار، هذه نقول: لا يصح السلم فيها، لكن الغالب على الأشياء: الصناعات والزراعات وأموال التجارات يمكن ضبطها, وعلى هذا يصح السلم فيها. ودليل ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم).
    الشرط الثاني: بيان قدر المسلم فيه
    قال: [وذكر قدره بما يُقدر به من كيل أو وزن أو ذرع أو عد]. هذا الشرط الثاني، يعني: الشرط الثاني من شروط صحة السلم: أن يذكر القدر بعد أن يذكر الصفة, مثلاً أسلفه في أقلام كم من قلم أسلفه؟ في بر كم من صاع أسلفه؟ في شعير كم من صاع؟ أسلفه في برسيم.. إلى آخره، لابد أن يضبط قدره. قال المؤلف: (من كيل) مثل التمر، مائة صاع من التمر، البر مائة صاع من البر، ألف صاع من البر. (أو وزن) كما قلنا، لو أنه مثلاً أسلفه في لحم على أن يعطيه كذا وكذا من اللحم، وزنة كذا وكذا. (أو ذرع) الثياب كم من متر؟ ونحو ذلك. (أو عد) كم من ثوب إلى آخره.
    الشرط الثالث: أن يكون لأجل معلوم
    قال: [وجعل له أجلاً معلوماً]. هذا الشرط الثالث: أن يكون مؤجلاً بأجل معلوم، وهذا الشرط يتضمن مسألتين: المسألة الأولى: أن يكون مؤجلاً, هل يشترط التأجيل أو لا يشترط التأجيل؟ هذا موضع خلاف، فأكثر العلماء على أنه يشترط أن يكون مؤجلاً؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (من أسلف في شيء فليسلف في وزن معلوم وكيل معلوم إلى أجل معلوم)، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إلى أجل معلوم) . الرأي الثاني: أنه يصح حالاً يعني: ما يشترط أن يكون مؤجلاً, وإنما يصح أن يكون حالاً, وهذا مذهب الشافعية, واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا جاز أن يكون حالاً فإنه يشترط ألا يكون معدوماً يعني: تكون السلع موجودة. واستدلوا على ذلك بأنه إذا جاز السلم مع التأجيل فجوازه مع الحلول أولى؛ لأنه أقل ضرراً، فيصح أن يكون حالاً يعني: ما يشترط أن يكون مؤجلاً على مذهب الشافعية. فيقول مثلاً: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من البر, أو أن تعطيني كذا وكذا من الثمر, أو تعطيني كذا وكذا من الثياب أو من الأقلام ونحو ذلك, قالوا: بأن هذا جائز ولا بأس به, وهذا القول الذي لا يشترط أن يكون مؤجلاً قول قوي، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم, ووزن معلوم, إلى أجل معلوم) قالوا: لا يدل على اشتراط الأجل بل يدل على أنه إذا كان مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً. وكما ذكرنا هذا القول قوي لكن إذا كان كذلك فإنه يعقد عليه عقد بيع، لا حاجة إلى السلم خروجاً من الخلاف, اعقد عليه عقد بيع لكن لو تم عقد سلم فيظهر -والله أعلم- أنه عقد صحيح. المسألة الثانية: لابد أن يكون الأجل معلوماً لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)، فلابد أن يكون الأجل معلوماً؛ لأنه إذا قال مثلاً: أعطيتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من البر أو من التمر أو من البرسيم أو من التفاح أو من البرتقال إلى متى؟ لابد أن يبين. وجوز بعض العلماء أن يقيد بوقت الحصاد والجذاذ, وهذا أخف من غيره، مثلاً: لو قال: أسلفتك ألف ريال تعطيني وقت حصاد البر كذا وكذا من البر أو وقت جذاذ التمر كذا وكذا, هذا جوزه بعض العلماء, وهذا الغرر فيه والجهالة ليست كغيره, لكن الأحسن أن يضبط، يُنظر متى وقت الجذاذ ويقول مثلاً: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني في وقت كذا وكذا عندما يحصد الناس البر، متى يجد الناس التمر.. إلى آخره.
    الشرط الرابع: تسليم الثمن قبل التفرق
    قال المؤلف رحمه الله: [وأعطاه الثمن قبل تفرقهما].هذا الشرط الرابع من شروط صحة السلم, أن يدفع له الثمن قبل التفرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أسلف في شيء فليسلف) .قال الشافعي : يُسلف يعني يقدم, وهذا البيع على اشتراط تقديم الثمن فليُسلف يعني يُقدم؛ ولأنه إذا كان الثمن مؤجلاً فإنه يكون داخلاً في بيع الدين بالدين, فلابد أن يكون الثمن مقبوضاً في مجلس العقد. وعلى هذا إذا تفرقا قبل قبض الثمن فنقول: بأن عقد السلم هنا باطل ولا يصح, لابد أن يكون مقبوضاً في مجلس العقد, والمالكية يجوزون التأخير لمدة يسيرة, لكن الأظهر في ذلك -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله لما ذكرنا من التعليل.
    الشرط الخامس: كون المسلم فيه موجوداً غالباً في محله
    الشرط الخامس من شروط صحة السلم: أن يكون المُسلَم فيه موجوداً غالباً في محله يعني في وقت حلوله, فلا يصح مثلاً أن يُسلمه دراهم على أن يعطيه رطباً في الشتاء؛ لأن الشتاء ليس وقت خراف الرطب أو يعطيه عنباً في الشتاء نقول: هذا غير صحيح؛ لأن العنب لا يكون نتاجه في وقت الشتاء, وإنما هو في وقت الصيف.
    الشرط السادس: أن يكون في الذمة
    الشرط الأخير: أن يُسلف في الذمة فلا يصح في معين, يعني أن يقول: أسلفتك كذا وكذا من الدراهم بكذا وكذا، صفته كذا وكذا، ما يقول من هذا الشيء, لو قال: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني من هذا البر أو من هذا التمر أو من هذه الأثواب أو من هذه الأقلام ونحو ذلك, نقول: هذا لا يصح؛ لأن السلم إنما هو للموصوف في الذمة, والبيع إنما هو للمعين, فنقول: إذا كان معيناً اعقد عليه عقد بيع، لكن لو قال: من نتاج المصنع الفلاني أريد مثلا ثياباً من نتاج المصنع الفلاني أو أقلاماً من نتاج المصنع الفلاني ونحو ذلك, أو مثلاً قال: أريد التمر من القرية الفلانية أو من مزرعة فلان، هل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ الصواب: أن هذا جائز ولا بأس به، فإذا قال مثلا:ً أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني كذا وكذا من مزرعة فلان فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله.أو مثلاً: أسلفتك ألف ريال أو مائة ألف ريال على أن تعطيني من المصنع الفلاني من الأثواب التي ينتجها المصنع الفلاني، نقول: الصواب أن هذا جائز ولا بأس به؛ لأنه موصوف في الذمة وليس معيناً, المعين هو أن يقول: أسلفتك كذا وكذا على أن تعطيني من هذا البر أو من هذا التمر أو من هذه الأثواب، هذه هي التي لا تجوز.
    قبض المسلم فيه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة
    قال المؤلف رحمه الله: [ويجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة].يقول المؤلف رحمه الله: يجوز السلم في شيء يقبضه أجزاء متفرقة في أوقات معلومة, وهذا يكون في الأشياء التي يحتاجها الإنسان كل يوم مثل اللبن مثل الخبز مثل اللحم, وفي وقتنا الآن البنزين للسيارة ونحو ذلك, مثل العلف للبهيمة.. إلى آخره, فيصح أن تُسلم مثلاً صاحب المخبز تعطي الخباز مثلاً ألف ريال مقدمة على أن يعطيك خمسمائة خبزة، كل يوم تأخذ خبزة أو خبزتين، فهذا جائز ولا بأس به. وإنما نص المؤلف رحمه الله على هذه المسألة؛ لأنهم يرون أنه يشترط أن يكون السلم فيه مؤجلاً.
    السلم في ثمن واحد في شيئين
    قال المؤلف رحمه الله: [وإن أسلم ثمناً واحداً في شيئين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس منهما]. أسلم ثمناً واحدا قال مثلاً: هذه ألف ريال في شيئين مختلفين في بر وشعير, يقول المؤلف رحمه الله: لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس منهما، أعطاه ألف ريال، قال: أسلفتك ألف ريال على أن تعطيني مائة صاع من البر والشعير، يقول المؤلف رحمه الله: لا يجوز حتى يبين ثمن كل جنس منهما، يقول: هذه ألف ريال لمائة صاع من البر والشعير خمسمائة للبر وخمسمائة للشعير، لابد أن يبين ثمن كل واحد منهما، أو يقول مثلا: ستمائة للبر وأربعمائة للشعير. قال: (وإن أسلم ثمناً واحداً) كما قلنا: ألف ريال مثلاً في شيئين مختلفين كـبر وشعير لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس منهما، فلابد أن يقول: هذه الألف: ستمائة مثلاً للبر وأربعمائة للشعير, البر قدره كذا والشعير قدره كذا.
    بيع دين السلم
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره]. يعني: من أسلف في شيء لا يصرفه إلى غيره, ويستدلون على هذا بما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) وهذا الحديث ضعيف. صورة المسألة: أعطيته ألف ريال يعطيك مثلاً ألف صاع من التمر السكري اتفقت معه على ذلك, جاء وقت الجذاذ وإذا النخيل قد أصابتها الآفة، فقال: بدل ما أعطيك التمر السكري أعطيك بدلاً منه شعيراً، أنت أعطيتني ألف ريال فتريد مني ألف صاع من السكري ما فيه سكري, الآن أعطيك شعيراً أو أعطيك براً ونحو ذلك, هل يجوز هذا أو لا يجوز هذا؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا يجوز؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره) والصواب: أن هذا جائز ولا بأس به, والحديث ضعيف, إذا اتفقا على تمر مثلاً ولم يتمكن المُسلم إليه من أن يدفع تمراً إلى المسلم, وعنده مثلاً شعير أو عنده بر فنقول: الصواب أن هذا جائز ولا بأس به بشرط أن يكون بسعر يومه, ما يربح عليه، يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: التقابض، إذا كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة. نقول: يجوز بشرطين: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه. والشرط الثاني: التقابض. إذا كان يجري بينهما ربا النسيئة فهو يريد منه الآن ألف صاع من التمر، ما عنده تمر لكن عنده بر ننظر التمر هذا كم يساوي بالنسبة للبر؟ قالوا مثلاً: ألف صاع من التمر يساوي خمسمائة صاع من البر, نقول: أعطه خمسمائة صاع من البر, ولابد أن يكون يداً بيد؛ لأنك إذا بدلت تمر ببر يشترط التقابض؛ لأنهما يتحدان في العلة، يتحدان كل منهما مكيل مطعوم, هنا يشترط التقابض. لكن لو كان يريد منه تمراً قال: ما عندي تمر، أعطيك ثياباً بدلاً من التمر, هل يشترط التقابض أو لا يشترط التقابض؟ نقول: هنا ما يشترط تقابض، لكن هو يريد منه الآن خمسمائة ألف صاع من التمر كم تجيب من الثياب؟ تجيب مائة ثوب مثلاً، ونقول: بأن التقابض هنا ليس شرطاً؛ لأنه لا يجري الربا بين الثياب والتمر.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #76
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [11]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (74)



    لا يجوز بيع دين السلم على من هو عليه, وعلى غير من هو عليه, ولا الحوالة بدين السلم.ومن الأبواب الفقهية المهمة باب القرض, حيث يذكر العلماء حكمه والحكمة من تشريعه، وكيفية رد القرض سواء كان مثلياً أو قيمياً، وحكم الرد بأفضل منه في الكيفية والكمية، وحكم تأجيل
    تابع بيع دين السلم

    بيع دين السلم على من هو عليه

    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن أسلف في شيء لم يصرفه إلى غيره ولم يجز بيعه قبل قبضه].بيع دين السلم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: بيع دين السلم على من هو عليه.والقسم الثاني: بيع دين السلم على غير من هو عليه. القسم الأول: بيع دين السلم على من هو عليه، أعطيت زيداً من الناس مثلاً ألف ريال على أن يعطيك بعد شهر أو شهرين مائة قلم أو مائة كتاب أو مائة ثوب صفته كذا وكذا، الآن أنت تريد من زيد مائة ثوب، أعطيته ألف ريال على أن يعطيك مائة ثوب، لما حل الأجل أتيته وطلبت منه الثياب، قال: ما عندي ثياب، لكن أعطيك بدل الثياب شعيراً، أو أعطيك بُرْا، أو أعطيك بدل الثياب أقلاماً ونحو ذلك، فقبلت ذلك، وأخذت بدل الثياب أقلاماً، فهنا حصل البيع؛ لأن البيع مبادلة مال بمال، هنا الآن حصل البيع، أنت تريد منه أثواباً وأخذت بدل الأثواب أقلاماً، الأثواب مال، والأقلام مال، فهذا الآن بيع مال بمال، هذا بيع، فأنت الآن بعت الدين على من هو عليه، الدين على زيد، وبعت الأثواب هذه على زيد, وأعطاك الثمن أقلاماً، فنقول: بيع دين السلم على من هو عليه صحيح بشرطين:الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه.والشرط الثاني: التقابض، إذا كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة.فنقول: شرطان: الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه، أنت تريد منه مائة ثوب، هذه الأثواب كم تساوي من الأقلام؟ فقالوا: مائة ثوب تساوي من الأقلام كذا وكذا تساوي مثلاً مائة قلم أو مائتي قلم نقول: أعطه مائتي قلم بسعر يومه.الشرط الثاني: التقابض إذا كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة، هنا الآن الأقلام والثياب هل يجري بينهما ربا النسيئة أو لا يجري؟ ما يجري، يصح أن تبادل الأقلام والثياب وإن لم يحصل القبض، ما يشترط القبض، لكن لو كنت تريد منه بُرَّاً، قال: ما عندي بر سأعطيك تمراً، قلتَ: أعطني تمراً، هل يشترط القبض هنا أو لا يشترط القبض؟نقول: هنا يشترط القبض؛ لأن العوضين البر والتمر عندما تبادل بعضهما البعض لابد أن يكون يداً بيد قبل التفرق.فتلخص لنا: بيع دين السلم على من هو عليه يشترط فيه شرطان:الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه، والشرط الثاني: التقابض إذا كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة.صورة أخرى أعطيته ألف ريال على أن يعطيك صاحب المصنع مثلاً مائة قلم، لما حلّ الأجل المصنع ما أنتج أقلاماً، قال: سأعطيك بدلاً من ذلك تمراً أو شعيراً أو سأعطيك دراهمك، نقول: هذا جائز بالشرطين السابقين. هذا القسم الأول، وهو بيع دين السلم على من هو عليه.
    بيع دين السلم على غير من هو عليه
    القسم الثاني: بيع دين السلم على غير من هو عليه، أعطيت زيداً ألف ريال على أن يعطيك مائة صاع من البُر بعد ستة أشهر، أعطيته ألف ريال على أن يعطيك مائة صاع من البُر بعد ستة أشهر، أنت تريد من زيد مائة صاع من البُر، جاء صالح إليك وقال: أنت تريد من زيد مائة صاع من البُر بعد ستة أشهر، بِعني لي هذه المائة، تريد منه الآن مائة صاع من البر، كم ثمنها؟ وأعطيك ثمنها، الآن بعت دين السلم عند زيد على صالح، بعت الدين دين السلم على غير من هو عليه، ما بعته على زيد كما في الصورة الأولى، وإنما بعته على صالح، فهنا بعت دين السلم على غير من هو عليه، فنقول: هذا موضع خلاف، والصواب أنه يصح بشروط:الشرط الأول: أن يكون بسعر يومه، أنت تريد من زيد الآن مائة صاع من البُر, جاء صالح قال: بعها عليّ بخمسمائة ريال، مائة صاع من البر بكم تساوي؟ خمسمائة .. ستمائة .. إلى آخره بسعر يومه, هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يكون المشتري قادراً على تحصيل الدين ممن هو عليه، يعني صالح إذا حل الأجل يقدر على أن يأخذ هذا الدين الذي اشتراه من زيد، يعني من المسلم إليه الذي هو زيد، بحيث إذا حل الأجل يذهب صالح ويأخذ حقه بلا مماطلة أو ممانعة. الشرط الثالث: ألا يكون العوضان مما يجري بينهما ربا النسيئة، فإذا كان العوضان يجري بينهما ربا النسيئة ما يصح؛ لأن القبض هنا متعذر، فمثلاً إذا كنت تريد من زيد مائة صاع من البر وجاء صالح قال: بعها علي, بم تشتريها؟ قال: سأعطيك تمراً، نقول: لا يجوز؛ لأن التمر والبر لابد أن يكونا يداً بيد، وهنا ما فيه يداً بيد، ما فيه تقابض الآن، تقبض التمر، لكن البر متى يقبض؟ سيقبض بعد فترة، نقول: هذا لا يصح.أو مثلاً تريد منه شعيراً وبعته البر لا يصح، أو تريد منه لحماً وبعت اللحم بشحم شيء موزون، نقول: لا يصح؛ لأن العوضين يتفقان في علة ربا النسيئة، لابد من التقابض، والتقابض هنا متعذر، نقول: هذا لا يصح. لكن إذا كان العوضان لا يشترط بينهما التقابض، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به، مثلاً تريد منه أثواباً بعته بشعير، تريد منه أثواباً بعته بحديد، تريد منه سيارات بعته بثلاجات ونحو ذلك، هذا جائز ولا بأس به، لكن إذا كان العوضان يشترط بينهما التقابض، نقول: لا يصح، بر بشعير، أو تمر بملح أو بشعير ونحو ذلك كما تقدم لنا في باب الربا.
    الحوالة في دين السلم
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا الحوالة به].أنت تريد مثلاً من زيد مائة صاع من البر، أعطيته ألف ريال على أن يعطيك مائة صاع من البر، أو يعطيك مائة صاع من الشعير، أتيت إليه أعطني البر الذي أريده منك، قال: ما عندي الآن شيء، لكن أحيلك على بكر أنا أريد منه براً، اذهب وخذه منه، يصح أو لا يصح؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا تصح الحوالة به يقول.يستدلون بحديث أبي داود : (من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، وهذا الحديث كما سبق لنا حديث ضعيف، وعلى هذا الصواب أن المسلم لو جاء للمسلم إليه وقال: أعطني حقي من البر أو من الشعير أو نحو ذلك، وقال: أحيلك على فلان خذ منه حقك من البر أو من الشعير، أنا أريد منه كذا وكذا، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لأن الأصل في المعاملات الحِلْ، ولا دليل على المنع.
    حكم الإقالة في السلم
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وتجوز الإقالة فيه وفي بعضه؛ لأنها فسخ].أنت أسلمت زيداً مائة ألف ريال على أن يعطيك مائة صاع من البر، ولما تم السلم جاء قال: أقلني، أقلني في النصف، خذ خمسمائة ريال واطرح نصف البر، يكون خمسمائة بمائتين وخمسين، يصح ذلك أو لا يصح؟يقول المؤلف رحمه الله: يصح، قال: إن هذا جائز ولا بأس به، هذا في بعضه.(أو في كله) قال: أنت أعطيتني ألف ريال على أن تأخذ مني كذا وكذا من الثياب أو من الأقلام أو من الآلات، أقلني، خذ دراهمك، فأقاله، يجوز ذلك ولا بأس به.
    القرض

    تعريف القرض وحكمه
    قال المؤلف رحمه الله: [باب القرض].القرض في اللغة: القطع، ومنه المقراض الذي ما تقطع به الأشياء.وأما في الاصطلاح: فهو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله.والأصل فيه القرآن والسنة والإجماع، أما القرآن فقول الله عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ [البقرة:245].والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكراً ورد خيراً منه رباعياً.وقال عليه الصلاة والسلام: (أحسنكم أحسنكم قضاء) أخرجه مسلم في صحيحه.والإجماع منعقد على جوازه في الجملة، والنظر الصحيح يقتضي ذلك؛ لما فيه من تفريج الكربة وتنفيس العسرة ونحو ذلك .قال المؤلف رحمه الله: [عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (استسلف من رجل بكراً, فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، رجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً، فقال: أعطوه إياه؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاء)].هل القرض من المسألة المكروهة أو أنه ليس من المسألة المكروهة؟القرض ليس من المسألة المكروهة، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض، وتوفي النبي عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير، لكن لا ينبغي للمسلم أن يحمل ذمته، بحيث لا يقدم على القرض إلا مع الحاجة؛ لأن الإنسان لا يدري ما يحدث له.
    كيفية القرض
    قال المؤلف رحمه الله: [ومن اقترض شيئاً فعليه رد مثله إن كان مثلياً].ما هو الواجب في القرض؟ الواجب في القرض رد المثل في المثليات، ورد القيمة في المتقومات، يعني يجب رد بدل العين المقرضة، العين المقرضة لا يجب ردها، مثلاً لو أقرضت زيدا كتاباً ثم قلت: رد علي كتابي لا يلزمه ذلك؛ لأنه بالقرض ملكه، لكن يجب عليه أن يرد بدله، إن كان مثلياً رد المثل، وإن كان قيمياً رد القيمة، وما هو المثلي والقيمي؟ المثلي اختلف في ضابطه، المشهور من مذهب الشافعية أن المثلي هو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه، وماعدا ذلك قيمي، وعلى هذا تكون المثليات قليلة؛ لأنهم حصروا المثليات في المكيل والموزون، أيضاً المكيل والموزون الذي لم تدخله الصناعة المباحة، ويصح السلم فيه, ماعدا ذلك قيميات.مثال المثلي: البر الشعير الذي ما فيه صناعة، لو أن البر صُنِّع وجعل خبزاً ونحو ذلك، فهل هو مثلي أو قيمي؟ قيمي، إذا دخلته الصناعة أصبح قيمياً.أيضاً المكيل إذا كان ما ينضبط بالوصف يكون قيمياً، الموزون من الحديد والصفر والنحاس هذه مثلية، لكن لو أنها دخلتها الصناعة المباحة أصبحت قيمية، ماعدا ذلك قيمي، يعني ماعدا المكيل والموزون قيمي، فمثلاً الكتب قيمية، هي ليست مكيلة ولا موزونة، الثلاجات الآلات السيارات الأقلام الثياب، أشياء كثيرة، الخضراوات الفواكه، هذه كلها ليست مكيلة ولا موزونة، فتكون قيمية. نضرب لهذا أمثلة: أقرضه ثوباً، فما الذي يجب على المقترض أن يرده؟ زيد اقترض من عمرو ثوباً، عمرو هو المقرض وزيد هو المقترض، ما يجب على زيد أن يرد القيمة أو المثل؟القيمة، هذا الذي يجب عليه، إذا اتفقا على المثل الأمر إليهما، إذا أتاه بثوب ورضي الأمر إليهما، لكن لو قال: أنا ما أرضى الثوب، أنا أعطيتك ثوباً والثوب قيمة أعطني القيمة، مَنْ القول قوله؟ القول قول المقرض، يعني إذا اتفقا على شيء فالأمر إليهما راجع، إذا اختلفا فإن كان قيمياً وجبت القيمة، وإن كان مثلياً وجب المثل، وعلى هذا فقس.أقرضه شعيراً، ما يجب عليه أن يرد؟ مثله شعير، لو أعطاه دراهم قال: خذ دراهم, أنت أقرضتني عشرين صاعاً من الشعير قيمتها تساوي مثلاً أربعين ريالاً، خذ هذه القيمة، قال: ما أقبل، ما يجب عليه المثلي أو القيمي؟ وجب عليه المثلي.أقرضه قلماً، ما يجب عليه؟ القيمة، لو أتاه بمثله وقال: أنا أقرضتك قلماً، خذ، فقال: أنا أقرضتك قلماً أعطني قلماً مثل القلم الذي أقرضتك، قال: لا, أعطيك القيمة، مَن يؤخذ بقوله؟ المقرض, يكون له القيمة، والمقترض هو يعطيك القلم ما يعطيني مثل القلم، هل نأخذ بكلام المقرض وإلا المقترض؟ المقرض؛ لأننا نقول: القاعدة عندنا أنهما إن اتفقا على شيء فالأمر إليهما، إن اختلفا فالقول قول من يوافق، المثلي إن كان قرضه مثلياً، والقيمي إن كان القرض قيمياً.وكما ذكرنا لكم أنهم يضيقون المثلي، يجعلونه خاصاً في المكيلات والموزونات، أقرضه خبزاً، ماذا يجب عليه أن يرد؟ القيمة، لأنه دخلته الصناعة، أقرضه تمثالاً من الحديد، هل يرد القيمة لأنه دخلته الصناعة؟ هذا خطأ، نحن قلنا: الصناعة المباحة، والتمثال صناعة محرمة، ما نقول هنا: قيمي، نقول: المحرم شرعاً كالمعدوم حساً، فنقول: الصناعة هنا محرمة لا أثر لها. هذا كلام المؤلف رحمه الله في كلام الحنابلة والشافعية في تفسير المثلي والقيمي. الرأي الثاني في تفسير المثلي والقيمي: أن المثلي ما له مثل في الأسواق، والقيمي ما ليس له مثل في الأسواق، وعلى هذا يكون أكثر الأشياء لها مثل في الأسواق، إذا أقرضه ثوباً نقول: يجب عليه أن يرد ثوباً؛ لأنه مثلي، لكن على الرأي الأول يجب عليه أن يرد القيمة؛ لأنه ليس مكيلاً ولا موزوناً. أقرضه سيارة يجب عليه أن يرد سيارة، وعلى الرأي الأول يجب عليه أن يرد القيمة؛ لأن السيارة عندهم ليست مثلية، المثلي هو المكيل والموزون فقط، هذه وإن كانت موزونة في الأصل، لكن دخلتها الصناعة.أقرضه كتاباً على هذا الرأي يجب عليه أن يرد كتاباً مثله، ما دام أن له مثلاً في الأسواق يجب عليه أن يرده، لكن على الرأي الأول يجب عليه أن يرد القيمة، وعلى هذا فقس. والصواب هو الرأي الثاني، وأن المثلي ما له مثل في الأسواق، والقيمي ما ليس له مثل في الأسواق، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند عائشة فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم بطعام، فضربت عائشة يد الخادم فسقط الإناء وانكسر وانتثر الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إناء بإناء, وطعام بطعام)، وعلى رأي الحنابلة والشافعية الطعام مثلي أو قيمي؟ الطعام على رأي الحنابلة والشافعية قيمي؛ لأنه دخلته الصناعة، والنبي صلى الله عليه وسلم أثبت المثل، فدل على أن المثلي ما له مثل، الإناء على رأي الحنابلة والشافعية قيمي، والنبي أثبت المثل, فدل على أن المثلي ما له مثل، وأن القيمي ما ليس له مثل.
    رد القرض بأفضل منه
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجوز أن يرد خيراً منه].ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن يرد خيراً منه، سواء كان ذلك في الكمية أو في الكيفية، وهذا هو الصواب.فمثلاً اقترضت أنت من زيد ألف ريال، ثم ذهبت تريد أن توفيه الألف، فقلت: هذه ألف ومائة أضفت مائة ريال، هل يجوز هذا أو لا يجوز؟نقول: هذا جائز، المؤلف يقول: (ويجوز أن يرد خيراً منه) هذا في الكمية، أنت اقترضت منه ألف ريال، أعطيته ألفاً ومائة, ألفاً ومائتين مكافئة له، أو هو اقترض منك ألفاً ثم جاب لك ألفاً ومائة، نقول: هذا جائز، هذا في الكمية، كذلك أيضاً في الكيفية، اقترض منك براً متوسطاً، وجاب لك براً جيداً، أو اقترض منك تمراً رديئاً مثلاً، نوعه أقل، مثلاً تمر شقر وجاب لك تمراً سكرياً، هذا لا بأس به، سواء كان في الكمية أو في الكيفية، هذا كله جائز ولا بأس به، والنبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكراً ورد خياراً رباعياً خيراً منه، وقال: (أحسنكم أحسنكم قضاء)، فنقول: لا بأس أن المقترض يرد القرض ويزيد، يرد خيراً منه في الكمية أو يرد خيراً منه في الكيفية، نقول: هذا جائز ولا بأس به. بل إن بعض العلماء قال: إنه لا بأس أن يقرضه ولو كان يرجو الزيادة، فإذا كان هذا الشخص معروف أنه من أقرضه ألفاً أعطاه ألفين، قالوا: إذا كان هذا الشخص يرجو أن يزيده هذا جائز ولا بأس به.
    رد التفاريق جملة
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأن يقترض تفاريق ويرد جملة].هذا أيضا لا بأس، كان في الزمن الأول فيه دينار من ذهب أو درهم من فضة، يقترض تفاريق مكسرة من الذهب، يقترض هذه المكسرة، ثم بعد ذلك يرد الدينار كاملاً، أو يقترض مكسرة من الفضة قطعاً، ثم بعد ذلك يرد درهماً كاملاً، هذا جائز ولا بأس به. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إذا لم يكن بشرط].إذا لم يكن بشرط؛ لأنه كما سيأتينا إن شاء الله أن كل شرط جرّ منفعة في القرض فهو ربا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل سلف وبيع).
    تأجيل القرض
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أَجَّلَه لم يتأجل].إن أجل القرض لا يتأجل، يعني جاء إليك رجل قال: أقرضني عشرة آلاف ريال أريد أن أتزوج لمدة سنة، وأقرضته عشرة آلاف ريال يتزوج بها لمدة سنة، يقول المؤلف رحمه الله: القرض ما يتأجل، لك أن تذهب وتطالبه الآن، أنت أقرضته الآن وأعطيته عشرة آلاف ريال، فيقول المؤلف رحمه الله: بأن القرض لا يتأجل بالتأجيل، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، فيملك المقرض الآن أن يذهب إلى المقترض وأن يطالبه، أنا أقرضتك عشرة آلاف ريال أعطني إياها، قال: أنت, أجلت اتفقنا على سنة، العلماء يقولون: ما يتأجل بالتأجيل، أعطه العشرة الآن، والقاضي يحكم عليك إن تعطيه العشرة الآن, لماذا القرض لا يتأجل بالتأجيل؟قالوا: بأن القرض منع فيه من الفضل من الزيادة، فكذلك أيضاً يمنع فيه من التأجيل ما دام أنه لا توجد زيادة، يعني ما يجوز تقول: هذه عشرة آلاف ريال بإحدى عشر ألفاً، أيضاً المقرض كما أننا نمنعه من أخذ الزيادة أيضاً ما نحمل عليه الأجل، ما نحمل عليه أمرين، نحن الآن منعناه من أخذ الزيادة، ما يصح أن يقول: عشرة آلاف بإحدى عشر ألفاً، كذلك أيضاً ما نحمله أمراً آخراً وهو التأجيل, فيقولون: هذا منع فيه من الفضل فيمنع فيه من التأجيل، ما يحمل أمرين، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. والقول الثاني: قول الإمام مالك رحمه الله، واختاره ابن القيم أنه يتأجل بالتأجيل، وأنه إذا أجله هذه الدراهم لمدة سنة أو سنتين يجب عليه أن يتقيد بذلك، ولا يحق له أن يطالبه، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [البقرة:40] ، الله عز وجل أمر بالوفاء بالعقد، والعقد تم على أنه مؤجل، فيجب عليه أن يوفي به، وأيضاً الله عز وجل يقول: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِم ْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المسلمون على شروطهم)، فالصواب أنه يتأجل بالتأجيل.
    اشتراط المنفعة
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز شرط شيء ينتفع به المقرض].لا يجوز أن يشترط شيئاً ينتفع به المقرض، وهذا يشمل المنافع والأعيان، لا يجوز للمقرض أن يشترط شيئاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل سلف وبيع)، فنقول: يشمل المنافع والأعيان والعقود، ما يجوز أن يشترط شيئاً ينتفع به .الدليل على ذلك: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل سلف وبيع).ثانياً: أن القرض مما يراد به وجه الله عز وجل والإحسان والإرفاق، فإذا شرط فيه منفعة فإنه يخرجه عن موضوعه، وموضوعه هو الإرفاق والإحسان، هذا موضوعه، إذا اشترط أخرجه عن موضوعه إلى شيء آخر وهو المعاوضة. ويدل على أنه مبني على الإرفاق والإحسان أن القرض صورته صورة ربا النسيئة؛ لأنك تعطيه ألف ريال وتأخذ منه بعد شهر ألف ريال، الأصل عندما تبادل ألفاً بألف يكون يداً بيد، مثلاً بمثل، تعطيه ذهباً قرضاً وتأخذ بعد شهر الذهب هذا، عندما تبادل ذهباً بذهب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب هاء وهاء، يداً بيد، لا تبيعوا غائباً بناجز)، عندما تبادل ذهباً بذهب بيعاً، لكن في القرض جوزنا ذلك، مع أنه صورة من صور ربا النسيئة، تعطيه الذهب وتأخذه بعد شهر، تعطيه الفضة وتأخذها بعد شهر، تعطيه الدراهم وتأخذها بعد شهر، لماذا جوز في هذه صورة الربا؟ لأنه يراد به الإحسان والإرفاق، ما يراد به المعاوضة، ولذلك يمنع فيه من أن يشترط شيئاً ينتفع به، سواء كان عقداً، مثل لو قال: أقرضك بشرط أن تبيع عليّ هذا شرط باطل، أو قال: أقرضك بشرط أنك تعطيني كذا.. أن تنكحني ابنتك، هذا شرط باطل، أو تعقد معي عقد شركة، أو تصرف لي هذه الدراهم، المهم أنه اشترط عليه عقداً، أو اشترط عليه منفعة، مثال اشتراط منفعة، قال: أقرضك بشرط أن تعطيني السيارة لمدة يوم .. يومين، أو تجعلني أسكن بيتك لمدة يوم أو يومين، أو تعمل لي كذا وكذا، فنقول: بأن هذه كلها محرمة ولا تجوز. أو عين من الأعيان قال: أقرضك على أن تعطيني هذا الكتاب، أو هذا البر، أو هذا الشعير، أو هذا الطعام، نقول: بأن هذا محرم ولا يجوز.قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إلا أن يشترط رهناً أو كفيلاً].إذا اشترط رهناً أو كفيلاً هذا جائز ولا بأس به؛ لأن السنة جاءت به، فالنبي عليه الصلاة والسلام ( اقترض من يهودي شعيراً ورهن درعه عنده ), فنقول: والكفيل بمعنى الرهن توثقة، هذه عقود توثقة، فإذا قال: أقرضني، قال: أقرضك بشرط أن تعطيني رهناً تعطيني السيارة رهناً، أو تعطيني البيت رهناً، نقول: هذا جائز ولا بأس به، أو قال: أقرضك بشرط أن تعطيني كفيلاً أو ضميناً، نقول: بأن هذا جائز ولا بأس به.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #77
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب البيع [12]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (75)


    حرم الإسلام الربا ورغب في الدَّين إعانة للمحتاجين وتنفيساً عن المكروبين, وأحكام الدين كثيرة تتعلق بحلوله وتأجيله, وحكم المدين إذا كان معسراً أو موسراً, وحكم مطل الغني والحجر عليه حتى يوفي ما عليه.
    الهدية للمقرض
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا تقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة قبل القرض].الهدية من المقترض للمقرض لا تخلو من أمرين:الأمر الأول: أن يكون ذلك بعد الوفاء، فإن هذا جائز، سواء كانت الزيادة والهدية في الكمية أو كان ذلك في الكيفية، مثاله في الكمية: اقترض منه ألف ريال، ثم بعد ذلك عند الوفاء رد ألفاً ومائة، في الكيفية اقترض منه مثلاً بُرَّاً متوسطاً فرد براً جيداً، ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم (استسلف بكراً ورد خيراً منه رباعياً، وقال عليه الصلاة والسلام: خيركم أحسنكم قضاء).فنقول: الهدية من المقترض للمقرض إذا كان ذلك بعد الوفاء أو مع الوفاء، أتاه بالدراهم وزادها، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به؛ لما ذكرنا من الدليل على ذلك.الأمر الثاني: أن تكون الهدية قبل الوفاء، فيأتي المقترض ويهدي للمقرض، فهذا غير جائز سواء كان ذلك بشرط، أو كان ذلك بغير شرط، وسواء كان ذلك في الأعيان، أو كان ذلك في المنافع، مثاله بشرط: أن يقول: أقرضتك عشرة آلاف ريال بشرط أن تعطيني كتاباً، هذه هبة عين، نقول: بأن هذا لا يجوز، أو يقول: بشرط أن تعيرني سيارتك أركبها لمدة يوم أو يومين، هذه هبة منفعة، نقول: هذه غير جائزة.وذكرنا الدليل على ذلك، وهو قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يحل سلف وبيع)، وأيضاً ما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن كل قرض جر نفعاً فهو رِبا.مثاله إذا كان بغير شرط: أهداه مثلا كتاباً، أو أهداه قلماً أو ثوباً أو طعاماً أو نحو ذلك من الهدايا، فهل هذا جائز أو ليس جائزاً؟ أو المنافع، أهداه مثلاً أن يسكن بيته، أن يستعمل سيارته قبل تمام الوفاء. قال المؤلف رحمه الله: (ولا تقبل هدية المقترض إلا أن يكون بينهما عادة قبل القرض).نقول: حالات الأصل أن الهدية للمقرض من قبل المقترض أنها محرمة ولا تجوز؛ لما ذكرنا من الدليل على ذلك، يستثنى من ذلك:الحالة الأولى: إذا كان بينهما عادة بالتهادي، يعني هذان قريبان، أو متجاوران وبينهما عادة في التهادي، هذا يهدي إلى هذا وهذا يهدي إلى هذا، فهنا الهدية ليست بسبب القرض، وإنما بسبب ما بينهما من قرابة أو من جوار وتهادي، فنفهم أن الهدية هنا ليست بسبب القرض، فنقول: بأن هذا جائز، هذه الحالة الأولى. الحالة الثانية: إذا كان سيحتسب هذه الهدية من الدين، كما ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فنقول: بأن هذا حكمه جائز، مثلاً هذا رجل اقترض من زيد، فجاء المقترض وأعطى المقرض كتاباً أو أعطاه قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك من الهدايا من الأعيان أو المنافع، فنقول: إذا كان المقرض سيحتسب ذلك من الدين، مثلاً أقرضه ألف ريال، هذا الكتاب قيمته تساوي عشرين ريالاً، أو تساوي ثلاثين ريالاً، وسيحسب هذا من الدين، يطرح عشرين ريالاً قيمة الكتاب، فنقول: بأن هذا جائز ولا بأس به إن شاء الله، ما دام أن المقرض سيحسب هذا من الدين.ويدل على ذلك أن هذا وارد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فإن رجلاً اقترض منه سماك، يعني رجل يبيع السمك، فكان السماك يعطيه من السمك، فسأل هذا الرجل الذي أقرض هذا السماك ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن هذا السمك الذي يأخذه منه؟ فقال: إن كنت تريد أن تحسبه من دينه وإلا فرده عليه، فنقول: بأن هذا جائز إذا كان يريد أن يحسبه من دينه.الحالة الثالثة: إذا كان هذا الشيء مما جرت به عادة الناس، وهذا يكون في الدعوات، يعني لو أن المقترض أضاف المقرض في بيته، يعني دعاه إلى البيت وأدخله البيت وأطعمه، أحضر له مثلا تمراً أو أحضر له مشروباً ونحو ذلك، هل يحسب هذا التمر الذي يأكله؟ المقرض الآن أكل هذا التمر في بيت المقترض، أو شرب هذا الشراب في بيت المقترض، هل يحسب ذلك أو لا يحسب ذلك؟هذا موضع خلاف، قال بعض العلماء: يحسب مثل هذه الأشياء، فإذا أكل عنده تمراً يحسب قيمة التمر، وإذا شرب عنده شيئاً يحسب قيمة هذا الشراب، فهذه الأشياء يقوم بحسبانها .والرأي الثاني: أن هذا يرجع إلى العادة، إذا كانت مثل هذه الأشياء تبذل، يعني إذا كان هذا المقترض بذل هذا الشيء للمقرض، ولو لم يقرضه لبذل له ذلك، هذه أمور جرت بها العادة، فنقول: بأن هذه لا تحتسب، أما إذا كانت خارجة عن العادة فإنه يقوم بحسابها, إذا تكلف له شيئاً خارجاً عن العادة، فنقول: بأن المقرض يقوم بحساب هذا الشيء الذي أكله عند المقترض ويخصمه من الدين.فتلخص لنا أن الهدية إذا كانت قبل الوفاء فالأصل أنها لا تجوز، وذكرنا الدليل على ذلك إلا في ثلاثة مواضع:الموضع الأول: إذا كان بينهما تهادي.الموضع الثاني: إذا كان يريد أن يحسبه من الدين.الموضع الثالث: فيما يتعلق بالدعوات والإضافة، هذا نقول: فيه تفصيل، إن كان هذا الشيء مما جرت به العادة، فإن المقرض لا يحسبه، وإن كان هذا الشيء خارج عن العادة فإنه يحسبه.
    أحكام الدَّين

    تعريف الدين
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب أحكام الديْن]. الدين هو كل ما وجب في الذمة، سواء كان بمقابل أو بغير مقابل، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله. والرأي الثاني رأي الحنفية قالوا: بأن الدين هو ما ثبت في الذمة إذا كان بمقابل. والصواب في ذلك ما ذكره جمهور أهل العلم، فنقول: الدين هو كل ما ثبت في الذمة، سواء كان بمقابل أو كان بغير مقابل. مثال الذي بمقابل: ثمن المبيع، إذا اشتريت شيئا بثمن مؤجل، فهذا الثمن في ذمتك يكون ديناً، إذا اشتريت شيئاً بثمن مؤجل فنقول: هذا الثمن في ذمتك يسمى ديناً، أيضاً إذا اقترض منه قرضاً نقول: هذا يسمى ديناً، أيضاً إذا تزوج امرأة على صداق مؤجل، فهذا الصداق في ذمة الزوج يسمى ديناً، أيضاً قيم المتلفات أروش الجنايات هذه كلها تسمى ديوناً، فمثلاً لو أنه أتلف سيارته وتحتاج إلى ألف ريال، فهذه الألف في ذمة المتلف تسمى ديناً، أيضاً أروش الجنايات، لو أنه جنى عليه جناية وهذه الجناية قدرها كذا وكذا فنقول: بأن ذلك يسمى ديناً.المهم نفهم من ذلك أن الدين هو ما ثبت في الذمة سواء كان بمقابل أو بغير مقابل، مثل الزكاة، فمثلاً إذا حال الحول وجب على التاجر أن يخرج الزكاة، زكاته مثلاً تساوي ألف ريال، أو تساوي ألفي ريال، فنقول: هذه الألف في ذمة التاجر تسمى ديناً، وإن كانت بغير مقابل.
    مطالبة المدين بالدين قبل أجله
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله، ولم يحجر عليه من أجله، ولم يحل بتفليسه]. الدين ينقسم إلى قسمين:ديون مؤجلة، وديون حالّة، والمدين ينقسم إلى أربعة أقسام:القسم الأول: المعسر، والقسم الثاني: الواجد، والواجد تحته صورتان، والقسم الثالث: المفلس الذي يحجر عليه القاضي كما سيأتي بيانه إن شاء الله.هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان حكم الدين المؤجل فقال: (من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله).من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله، ودليل ذلك قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، والأمر بإيفاء العقد يتضمن الأمر بإيفاء أصله ووصفه، ومن وصفه الشرط فيه، فإذا اشترط التأجيل مثلاً في ثمن المبيع، فنقول: يجب أن يكون مؤجلاً ،ولا يجوز أن يطالب المشتري، يدل على ذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم).وأيضاً التأجيل حق مالي، وإذا كان كذلك فإنه لا يملك مَنْ له الدين أن يطالب من عليه الدين؛ لأنه يستحق هذا التأجيل.وظاهر كلام المؤلف رحمه الله في قوله: من لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل أجله، أن ذلك يشمل القرض وغيره, فالقرض ما يطالب به المقترض قبل أجله، وثمن المبيع إذا كان مؤجلاً لا يطالب به المشتري، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن هذا يشمل القرض وغيره.وسبق لنا أن المؤلف رحمه الله يرى أن القرض لا يتأجل بالتأجيل، وهذا هو المذهب، وعلى هذا لو أقرضه ألف ريال لمدة سنة، فإن المقرض يملك مطالبة المقترض حالّاً، ولا يتأجل بالتأجيل، وسبق أن ذكرنا رأي الإمام مالك رحمه الله، وأن القرض يتأجل بالتأجيل، والصواب في هذه المسألة أن القرض يتأجل بالتأجيل، وعلى هذا لا فرق بين القرض وغيره من الديون، وأنها إذا كانت مؤجلة فإن صاحب الدين لا يملك مطالبة المدين قبل حلول الأجل، كما هو ظاهر كلام المؤلف رحمه الله هنا. قال: (ولم يحجر عليه من أجله).لم يحجر عليه من أجله؛ لأنه لا يستحق المطالبة به قبل أجْله، قبل أجَله، يعني القاضي لا يحجر على هذا المدين الذي عليه دين مؤجل؛ لأنه لا يطالب به قبل حلول الأجل، وإذا كان كذلك فإنه لا يحجر عليه، مثال ذلك: هذا زيد عليه مليون ريال مؤجل لمدة سنة، فجاء صاحب الدين وقال للقاضي: أنا أريد من زيد مليون ريال، أحجر عليه، هل يحجر عليه القاضي أو نقول: بأن القاضي لا يحجر عليه؟نقول: لا يحجر عليه القاضي، لماذا؟ لأنك أنت ما تملك أن تطالبه بوفاء الدين؛ لأنه مؤجل، لا يجوز أن تطالب ما دام أنه مؤجل، وهو يستحق أن يؤخر، إذا كان كذلك فإنك ما تملك أن تطالبه.
    مدى حلول الدين المؤجَّل إذا أفلس المدين أو توفي
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولم يحل بتفليسه ولا بموته].يقول المؤلف رحمه الله: إذا فُلِّس لا يحل, مثال ذلك : هذا رجل عليه دين، وعنده مال، الدين الذي عليه مائة ألف، والمال الذي عنده يساوي خمسين ألفاً، هذا له مال وعليه دين، هذا المدين الذي له مال وعليه دين يحجر عليه بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم، لكن لو كان هذا الدين الذي عليه -وهو مائة ألف ريال- بعضه مؤجل، وحجر القاضي على هذا الشخص كما سيأتينا، هل الدين المؤجل يحل بتفليس القاضي للمدين أو لا يحل؟ نقول: بأنه لا يحل؛ لأن التأجيل كما سلف حق.نعيد صورة المسألة، هذا رجل عليه دين قدره مائة ألف ريال، وله مال قدره خمسون ألف ريال، هذا الذي يحجر عليه عند العلماء، مدين عليه ديون، وعنده أموال، لكن الأموال لا تفي الديون، أقل من الديون، فهذا يحجر عليه بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم. هذه المائة التي هي دين بعضها مؤجل، تسعون ألف حالّة، وعشرة مؤجلة، فحجر القاضي عليه، لما حجر عليه, الدين المؤجل هل يحل بحجر القاضي أو نقول: بأنه لا يحل؟ يقول المؤلف رحمه الله: لا يحل، فيبقى المؤجل مؤجلاً، ولا يملك صاحبه أن يطالب به حتى يحل.قال المؤلف رحمه الله: (ولا بموته).هل يحل بالموت أو لا يحل بالموت؟ هذا رجل اشترى من زيد سيارة بعشرة آلاف مؤجلة، زيد يملك العشرة لكنها مؤجلة، مات المشتري بعد أن مضى شهر، بقي لكي يحل الثمن أحد عشر شهراً، هل نقول بأنه بموت المدين الذي هو المشتري حلّ الدين الذي في ذمته، أو نقول: يبقى مؤجلاً؟قال المؤلف رحمه الله: [إذا وثقه الورثة برهن أو كفيل].فنقول: إن قام الورثة وأعطوا الدائن رهناً؛ لأنهم ربما يقتسمون التركة ويضيع حق الدائن، إذا أعطوه رهناً أو كفيلاً أو ضميناً، هل يحل أو لا يحل؟ نقول: بأنه لا يحل، أما إذا لم يفعلوا ذلك لم يوثقوا لا برهن ولا بضمين ولا كفيل فنقول: بأنه يحل, لماذا؟ نحافظ على حق الدائن، وأيضاً إبراء لذمة الميت؛ لأن الورثة إذا قلنا: بأن هذا الدين حتى الآن لم يحل، ربما اقتسموا التركة، ثم إذا حل الدين وجاء صاحب الدين يطالب لم يجد شيئاً، فنقول: لابد أن الورثة يوثقون برهن أو بضمين أو كفيل، لابد أن يوثقوا بذلك.
    سفر المدين قبل حلول الدين
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإذا أراد سفرا يحل الدين قبل مدته أو الغزو تطوعاً فلغريمه منعه إلا أن يوثقه بذلك].هذا يدل على خطر الدين، ومع ذلك اليوم كثير من الناس يتهاونون بالدين، كثير من الفقهاء يقولون: إذا أراد سفراً له أنه يمنعه منه، إذا أراد أن يذهب إلى الجهاد التطوع له أن يمنعه، فإذا أراد سفراً يحل الدين قبل مدته، يعني قبل مدة السفر، أراد مثلاً الذهاب إلى مكة، الذهاب إلى مكة يستغرق عشرين يوماً، والدين يحل بعد عشرة أيام، يملك صاحب الدين أن يمنع المدين من السفر ما دام أنه سيحل قبل أن يقدم، إلا إن وثقه برهن أو كفيل أو ضمين، إن وثقه برهن أو كفيل أو ضمين فإن هذا لا بأس به، لكن إذا لم يوثق نقول: ليس له أن يسافر إذا لم يوثق. ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن الدين إذا كان يحل بعد قدومه ليس له أن يمنعه.إذا أراد المدين السفر له حالتان:الحالة الأولى: أن يحل قبل قدومه، فله أن يمنعه إلا أن يوثقه.الحالة الثانية: أن يقدم قبل أن يحل الدين، فهذا لا يملك أن يمنعه.مثله أيضاً الغزو تطوعاً، يعني إذا أراد أن يذهب للغزو التطوع، لا يملك صاحب الدين أن يمنعه إلا أن يوثق ذلك برهن أو بكفيل أو ضمين، حتى إذا كان سيقدم قبل حلوله، لأن الغزو موضع خطر، فما يملك أن يسافر للغزو إذا كان تطوعاً إلا بعد إلا أن يوثق برهن أو ضمين أو كفيل. ويفهم من قول المؤلف رحمه الله: الغزو تطوعاً، أن الغزو إذا كان واجباً لا يملك أن يمنعه.
    إنظار المدين المعسر
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن كان الدين حالّاً على معسر وجب إنظاره].هذا القسم الثاني من أقسام الديون، القسم الأول: المؤجل، تقدم الكلام عليه، وذكر المؤلف رحمه الله من أحكام المؤجل.الحكم الأول: أنه لا يطالب المدين قبل الأجل، والثاني: أنه لا يحجر عليه من أجل المؤجل، لا يحجر عليه إلا من أجل الحال، وأنه لا يحل بفلسه ولا بموته، هذه أربعة أحكام، وإذا أراد السفر أو الغزو, فذكر المؤلف رحمه الله للدين المؤجل ستة أحكام، ثم بعد ذلك شرع في الدين الحال.الذي عليه دين حال لا يخلو من أمور، عليه دين حال، عليه مائة ألف ريال حالة، خمسون ألفاً ... إلى آخره، نقول: من عليه دين حال لا يخلو من أمور: الأمر الأول قال المؤلف: (وإن كان حالّاً على معسر وجب إنظاره)، الأمر الأول: أن يكون المدين معسراً، مَن هو المعسر؟ المعسر هو الذي لا يقدر على الوفاء، فما الحكم بالنسبة للمعسر؟نقول: تحته أحكام: الحكم الأول: يجب إنظاره؛ لأن الله عز وجل قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، لا يجوز لك أن تطالبه، يجب عليك أن تنظره، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280] وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:185]، أي: الواجب نظرة إلى ميسرة، ينظر إلى أن تتيسر أموره. الحكم الثاني: يُسن إبراؤه، يسن أن تبرئه ما دام أنه فقير ومعسر؛ لأن هذا من تفريج كربة المسلم كما ثبت في الحديث: (من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)، فنقول: يسن لك أن تبرئه من هذا الدين، هذا الحكم الثاني. الحكم الثالث: أنه يحرم الحجر عليه، القاضي ما يحجر عليه؛ لأنه ما الفائدة أن يحجر عليه؟ ليس هناك مال حتى يحجر عليه ويمنع من التصرف.الحكم الرابع: أنه لا يجوز طلبه ولا مطالبته، ما يجوز أن تذهب إليه تطرق عليه الباب إذا كان فقيراً، تعرف أنه فقير وتقول: أعطني المال، هذا طلبه، ومطالبته أن تذهب إلى القاضي في المحكمة تطالبه بالدين وهو معسر، هذا ما يجوز، فلا يطالب ولا يطلب منه، ويجب إنظاره، ويسن إبراؤه، ولا يحجر عليه.
    تحليف من ادعى الإعسار
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن ادعى الإعسار حلف وخُلِّي سبيله، إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة].هذا الحكم الخامس، إذا ادعى الإعسار قال: أنا معسر، نقول: احلف، فإذا حلف خلينا سبيله، ما الفائدة أن نحبسه؟ ليس هناك فائدة، فنقول: إذا ادعى الإعسار فإنه يحلف ويخلى سبيله.قال المؤلف: (إلا أن يعرف له مال قبل ذلك فلا يقبل قوله إلا ببينة).يعني نعرف أن هذا الرجل كان صاحب مال، فكيف يدعي الإعسار الآن؟! فلابد من بينة، قد يقول: أنا عندي مال، لكن المال احترق، تأتي ببينة، قد يقول: بأن المال كان في تجارة وخسر، أو في زراعة وهلكت أصابتها الآفات ونحو ذلك، فنقول: لابد أن يأتي ببينة تشهد على ما قال، أن يأتي ببينة تبين صدق قوله.
    مطل الغني
    قال: [وإن كان موسراً لزمه وفاؤه].هذا القسم الثاني: أن يكون موسراً، والموسر هو الذي يقدر على الوفاء، ماله أكثر من دينه، فعنده مائة ألف وعليه دين يساوي ثمانين ألفاً، فهذا نقول: بأنه موسر.الموسر تحته أحكام: الحكم الأول: قال: (لزمه الوفاء), يجب عليه أن يوفي الناس حقوقهم، الدين حال وأنت موسر يجب عليك أن توفي الناس حقوقهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليُّ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته)، وفي لفظ: (مطل الغني ظلم)، المطل هو التأخير في القضاء، سماه النبي صلى الله عليه وسلم ظلماً، والظلم محرم يحل عرضه وعقوبته.نقول: إذا كان واجداً موسراً، والواجد هو الذي ماله أكثر من دينه, يترتب عليه أحكام:الحكم الأول: أنه يجب عليه الوفاء، ويحرم عليه المطل.الحكم الثاني: أنه يحل عرضه وعقوبته، عرضه بأن تقول للقاضي: فلان ظلمني، فلان مطلني حقي، سَوَّفْ في التأخير... إلى آخره، عقوبته أن القاضي يعزره بما يردعه، القاضي يعزره بما يردعه.قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإن أبى حبس حتى يوفيه].هذا من العقوبة، إذا أبى أن يوفي فإن القاضي يحبسه حتى يوفي.الحكم الثالث: أنه إذا امتنع بالكلية من الوفاء، فإن القاضي يبيع ماله ويوفي الدين الذي عليه. بقينا في القسم الثالث: من كان ماله مساوياً لدينه، مثال ذلك عنده مائة ألف، وعليه مائة ألف، فهذا حكمه حكم القسم الثاني، نقول: بأن هذا واجد، ويكون حكمه حكم القسم الثاني.
    الحجر على المدين
    القسم الرابع بينه المؤلف رحمه الله بقوله: [فإن كان ماله لا يفي بدينه كله فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم].هذا القسم الرابع، وهو الذي ماله أقل من دينه، دينه أكثر من ماله، هذا الرجل عنده مال وعليه دين، الدين الذي عليه يساوي مائة ألف، أو يساوي مليون، وعنده مال يساوي مائة ألف أو مائتي ألف، فهذا هو الذي يحجر عليه، هذا القسم هو الذي يحجر عليه.وسيتكلم المؤلف رحمه الله عن أحكام الحجر، فنقول: هذا هو الذي يحجر عليه القاضي بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم، إذا طلب الغرماء الحجر عليه كلهم أو بعضهم فإنه يحجر عليه، ويسمى عند الفقهاء بالمفَلَّسْ، المعسر يسمى المُفْلِسْ، الذي ما عنده شيء يسمى المُفْلِسْ، أما هذا الذي عنده مال، لكنه ما يوفي الدين الذي عليه يسمى بالمُفَلَّسْ. فالحكم الأول: أنه يحجر عليه القاضي بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم، وهذا ما عليه ابن حجر ، وهو موضع خلاف، فجمهور أهل العلم يرون الحجر، واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله، وقالوا أيضاً: إن وفاء الدين حكمه واجب، والحجر من طرق وفاء الدين، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.وعند الحنفية أنه لا يحجر عليه، قالوا: لأن الحجر عليه إهدار لأهليته، وإلحاق له بالبهائم! وهذا لا يُسَلَّم، فنقول: الصواب أنه يحجر عليه, نحن حجرنا على ماله، فلا يتصرف في هذا المال؛ لأنه تعلق به حق الناس، فلابد أن نعطي الناس حقوقهم، ولا يلزم من كوننا نستولي على ماله ونمنعه من التصرف فيه لكي يقسمه على الغرماء أن نكون قد أهدرنا أهليته وكرامته وألحقناه بالبهائم، هذا غير مُسَلَّم.هذا الحكم الأول: أنه يحجر عليه بطلب الغرماء كلهم أو بعضهم.قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم، فإذا حجر عليه لم يجز تصرفه في ماله، ولم يقبل إقراره عليه].هذا الحكم الثاني: أن الحجر يتعلق بأعيان ماله دون ذمته، فمثلاً هذا الرجل عليه دين وعنده سيارتان، وعنده قطعة أرض، وعنده مثلاً عشرة آلاف, عليه مائة ألف أو مليون فرضاً وعنده سيارتان ... إلى آخره، سيأتينا أن الذي يُحجر عليه يُترك له ما يحتاجه كما سيأتي بيانه إن شاء الله، فعنده سيارتان، السيارة الثانية لا يحتاجها نستولي عليها، عنده قطعة أرض زائدة نستولي عليها، حتى قال العلماء: إذا كانت بيته واسعاً نبيع البيت هذا، ونشتري له بيتاً بقدره. فالمهم أن الذي لا يتعلق بحاجته يحجر عليه القاضي، ثم بعد ذلك يمنع من التصرف فيه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #78
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )




    شرح عمدة الفقه
    - كتاب النكاح [1]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (76)

    النكاح له فضل عظيم وفوائد عديدة، ومن مقاصده تكثير سواد المسلمين، وإنشاء الأسرة الصالحة، وعلى الرجل أن يحرص على أن تكون زوجته ولوداً ذات دين، وقد أبيح النظر إلى المخطوبة ولذلك أحكام ذكرها أهل العلم.
    النكاح

    مناسبة جعل الفقهاء لأبواب النكاح بعد العبادات والمعاملات
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [كتاب النكاح].يبدأ العلماء والفقهاء في تآليفهم بأحكام العبادات، ثم بعد ذلك يثنون بأحكام المعاملات، والمعاملات تشتمل على أحكام المعاوضات والتبرعات, ثم بعد ذلك يثلثون بأحكام الأنكحة, ثم يربعون بعد أحكام الأنكحة بأحكام الحدود والقصاص، ثم يختمون بأحكام القضاء. وإنما يبدأ العلماء رحمهم الله بأحكام العبادات لأمور, منها:أن العبادات مبناها على التوقيف, والأصل فيها المنع والحظر، فلا يتعبد لمسلم بعبادة من العبادات إلا بعبادة جاءت في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فالأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم الدليل على شرعية هذه العبادة. وأيضاً حاجة الإنسان إلى العبادة أشد من حاجته إلى المعاملة, إذ إن الإنسان تصح منه العبادة إذا بلغ التمييز إلا الحج والعمرة, الحج والعمرة لا يشترط في ذلك التمييز, فالوضوء يصح من الصبي إذا ميز وفهم الخطاب ورد الجواب, يصح منه الوضوء، ويصح منه العسل، ويصح منه التيمم، وتصح صلاته وصيامه, الحج والعمرة لا يشترط في ذلك التمييز؛ ولهذا بدأ العلماء بأحكام العبادات. ويبدءون من أحكام العبادات بالصلاة ويفتتحون الصلاة ويقدمون لها بأحكام الطهارة, وإنما قدموا أحكام الطهارة؛ لأن الطهارة مفتاح الصلاة, كما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )؛ لأن التخلي قبل التحلي, فالإنسان يتخلى من الحدث، ومن الخبث ثم بعد ذلك يتحلى بالوقوف بين يدي الله عز وجل. ويبدءون بالصلاة؛ لأن الصلاة أهم العبادات, فهي الركن الثاني من أركان الإسلام.وأيضاً اتباعاً لترتيب أركان الإسلام كما ورد في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ).فيبدءون بالصلاة ويفتتحون الصلاة ويقدمون لها بأحكام الطهارة ثم بعد ذلك يثنون بالزكاة؛ لأن الزكاة حولية؛ ولأنها قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل فيما يقرب من ثلاثة وثمانين موضعاً. ثم بعد ذلك يثلثون بأحكام الصيام، ثم بعد ذلك يربعون بأحكام الحج؛ لأن الحج عمري، وأما الصيام فهو حولي. ثم بعد أحكام العبادات يشرعون بأحكام المعاملات, ويبدءون من أحكام المعاملات بأحكام المعاوضات كالبيع وشروط البيع والشروط في البيع وأحكام الخيارات، وما يتعلق أيضاً بأحكام التوثقات أو عقود التوثقات, كعقد الرهن وعقد الضمان وعقد الكفالة, وأيضاً أحكام الشركات وما يتعلق بذلك, أو ما يلحق بذلك من أحكام المعاوضات، ثم بعد أن يتكلموا عن أحكام المعاوضات يتكلمون عن أحكام التبرعات.وإنما قدموا أحكام المعاوضات على أحكام التبرعات؛ لأن أحكام المعاوضات يحتاج إليها الإنسان أكثر من أحكام التبرعات, فلا يمر على الإنسان يوم إلا وهو يحتاج إلى البيع والشراء، فهو محتاج إلى السلع التي بيد الآخرين, والآخرون محتاجون إلى ما بيده من الأثمان. وبعد أن يتكلموا على أحكام المعاوضات يشرعون في أحكام التبرعات كأحكام الهبة والعطية وأحكام الوصايا وأحكام العتق، وأيضاً أحكام الوقف وما يلحق بذلك من أحكام الإرث. ثم بعد أن يتكلموا عن أحكام المعاملات سواء كان ما يتعلق بأحكام المعاوضات أو أحكام التبرعات يشرعون بأحكام الأنكحة, وإنما أخروا أحكام الأنكحة بعد أحكام المعوضات؛ لأن النكاح لا يحتاج إليه الإنسان إلا في زمن معين, وهو ما بعد البلوغ بخلاف أحكام المعاوضات والتبرعات، فيحتاج إليها الإنسان قبل البلوغ, فيشرعون في أحكام الأنكحة، وما يتعلق بحكم النكاح وأركانه وشروطه وأحكام الصداق، وأيضاً ما يتعلق بذلك أو ما يلحق به من أحكام الشروط في النكاح, وأحكام العيوب وأحكام وليمة العرس.. إلخ.ثم بعد ذلك يشرعون بأحكام الفسوخات: ما يتعلق بفسخ النكاح وإبطاله كأحكام الطلاق وأحكام الخلع.. إلخ.ثم بعد ذلك يربعون بأحكام الحدود والقصاص, وإنما أخروا أحكام الحدود والقصاص لأمرين:الأمر الأول: أن الإنسان إذا حصلت له شهوة البطن، وحصلت له شهوة الفرج قد يحمله ذلك على الأشر والبطر فيعتدي, فشرع ما يتعلق بأحكام الحدود والقصاص؛ لأن الإنسان إذا باع واشترى فإنه سيحصل له شهوة البطن, وإذا نكح ستحصل له شهوة الفرج، فقد يحمله ذلك على شيء من الأشر والبطر والتعدي والظلم فشرع ما يتعلق بأحكام الحدود والقصاص.الأمر الثاني: الأصل في هذه الأشياء ألا تقع من المسلم, يعني: ما يتعلق بأحكام القصاص والحدود الأصل أن المسلم لا تقع منه هذه الأشياء, فأخر الكلام عليها.ويبدءون بأحكام القصاص -فيما يتعلق بالجناية على النفس، وفيما يتعلق على ما دون النفس- قبل أحكام الحدود؛ لأن أحكام القصاص متعلقة بحق الآدمي وأما أحكام الحدود فهي متعلقة بحق الله عز وجل.ثم بعد ذلك يختمون بأحكام القضاء؛ لأن أحكام القضاء لا يحتاج إليه في الغالب إلا شخص واحد وهو القاضي.
    تعريف النكاح وبيان حكمه
    النكاح في اللغة: يطلق على معانٍ منها الضم والتداخل, ويقال: تناكحت الأشجار إذا حصل بينها شيء من الضم والتداخل.وأما في الاصطلاح: فهو عقد يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر. والأصل في النكاح من حيث الدليل الكتاب والسنة والإجماع.أما الكتاب فالآيات في ذلك كثيرة من ذلك قوله سبحانه وتعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، ومن ذلك أيضاً قول الله عز وجل: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].وأما السنة أيضاً فالأحاديث في ذلك كثيرة، وسيأتي إن شاء الله طرف منها, فمن ذلك ما أورده المؤلف رحمه الله من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )، وقال: النبي صلى الله عليه وسلم, في حديث أنس وفي حديث معقل رضي الله تعالى عنهما: ( تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ).والإجماع قائم على شرعية النكاح. واختلف العلماء رحمهم الله في أصل النكاح, هل الأصل في النكاح الوجوب يعني: يجب على الإنسان أن يتزوج, أو الأصل في ذلك السنية وقد يخرج إلى الوجوب؟ اختلفوا في ذلك على رأيين: الرأي الأول: وهو ما يفيده كلام المؤلف رحمه الله وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد وهو قول جمهور أهل العلم: أن الأصل في النكاح السنية, وأنه ليس واجباً، لكن قد يخرج ذلك إلى الوجوب كما سنشير إلى ذلك إن شاء الله تعالى.والرأي الثاني: رأي الظاهرية أن الأصل في النكاح الوجوب. ولكل من هذين القولين دليل:أما الذين قالوا: بأن الأصل في النكاح السنية وليس واجباً لكن قد يخرج إلى الوجوب استدلوا على ذلك بأدلة، منها: قول الله عز وجل: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]. قالوا: بأن الله عز وجل علق النكاح على الاستطابة، ولو كان واجباً لم يعلق على استطابة الإنسان.وكذلك أيضاً استدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم )، فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل الصوم بديلاً عن النكاح, والإجماع قائم على أن الصوم غير واجب في غير شهر رمضان, فكذلك أيضاً المبدل منه الذي هو النكاح من باب أولى أن لا يكون واجباً.وكذلك أيضاً استدلوا بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـمعاذ : ( إنك تأتي قوماً من أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الفرائض ما يتعلق بالنكاح. وكذلك أيضاً ما ثبت في الصحيح من حديث أنس وحديث طلحة بن عبيد الله في قصة الرجل الذي جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فرائض الإسلام، فذكر له النبي عليه الصلاة والسلام فرائض الإسلام، ومع ذلك لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفرائض النكاح، وإنما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة، الزكاة..الخ, ولم يذكر النبي عليه الصلاة والسلام النكاح. أما الذين قالوا: الأصل في النكاح الوجوب، استدلوا على ذلك بأدلة، منها:الأوامر الواردة في النكاح كقول الله عز وجل: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32] . وأيضاً حديث ابن مسعود : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج )، قالوا: هذه الأوامر تدل على الوجوب. والأقرب في ذلك هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله، وهو أن الأصل في النكاح السنية, وأنه سنة وليس واجباً، بمعنى: لو أن الإنسان ترك هذا النكاح ولم يتزوج فإننا لا نقول بتأثيمه، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه أنه ألزم أحداً من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالنكاح.فالأقرب في ذلك أنه سنة، لكن يخرج عن هذه السنة إلى الوجوب إذا خاف الزنا بتركه, قال العلماء رحمهم الله: إذا خاف الإنسان على نفسه الزنا إذا ترك النكاح فإنه يكون واجباً؛ لأن ترك الزنا واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.وقال ابن قدامة رحمه الله: إذا خاف على نفسه فعل المحظور، وعنده القدرة على النكاح فإنه يجب عليه أن يتزوج, فقوله رحمه الله: إذا خاف على نفسه فعل المحظور، هذا أشمل وأعم من قول من قال: إذا خاف على نفسه الزنا, مثل: الاستمناء إذا خاف على نفسه أنه إذا لم يتزوج يؤدي به ذلك إلى فعل المحرم كالاستمناء أو النظر إلى النساء الأجنبيات, فإنه في هذه الحالة يجب عليه أن يتزوج. فأصبح عندنا النكاح سنة، ويجب قيل: إذا خاف على نفسه الزنا بتركه, والرأي الثاني أعم من ذلك: أنه إذا خاف على نفسه فعل المحظور فإنه يجب عليه أن يتزوج.
    فضل النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [النكاح من سنن المرسلين].وهذا ظاهر، النكاح من سنن المرسلين، وقد دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما القرآن فقول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] . وأما السنة فحديث أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لكني أقوم وأنام، وأصوم وأفطر، وآكل اللحم وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).قال المؤلف رحمه الله: [وهو أفضل من التخلي منه لنفل العبادة]. يعني: إذا كان الإنسان بين أمرين: إما أن يتزوج ويشتغل بأمر الزوجة وأمر الأولاد, وإما أن يخلي نفسه للعبادة, لقراءة القرآن والصيام وقيام الليل؟ هل الأفضل أن يخلي نفسه للعبادة فيما يتعلق بقراءة القرآن والصيام وقيام الليل والجهاد ونحو ذلك أو أن نقول: أن الأفضل له أن يتزوج ولو شغله هذا الزواج عن نوافل العبادات؟يقول المؤلف رحمه الله: الأفضل أن يتزوج، وأن هذا الزواج أفضل من أن يخلي نفسه ويفرغها من الزواج لنوافل العبادات, وهذا ما ذكره المؤلف رحمه الله ظاهر؛ لأن الزواج يترتب عليه مصالح كثيرة, فمن ذلك: الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك أيضاً ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود : غض الأبصار وحفظ الفروج. ومن ذلك أيضاً تكثير نسل هذه الأمة وفي ذلك عزتها. ومن ذلك أيضاً تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم, فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ). ومن ذلك أيضاً القيام على المرأة وكفايتها وغض بصرها، والإنفاق عليها، وحفظ فرجها وغير ذلك.فالصواب ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله: أن النكاح أفضل من نوافل العبادات, فكون الإنسان يتزوج أفضل له من أن يخلي نفسه من الزواج لكي يشتغل بنوافل العبادات لما يترتب على هذا النكاح من مصالح عظيمة.
    الأصل في النكاح من حيث التعدد
    اختلف العلماء هل الأصل في سنية النكاح التعدد أو الأصل أن الإنسان يقتصر على واحدة؟ يعني: هل السنية تكفي في زواج امرأة واحدة أو أن الإنسان كلما تزوج فهذا هو أفضل؟ في ذلك رأيين لأهل العلم:المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الأصل في النكاح عدم التعدد، وأن السنة أن الإنسان يقتصر على زوجة واحدة, ويباح له أن يتزوج أكثر من ذلك.والرأي الثاني: أن الأصل هو التعدد، وأن الإنسان كلما عدد من الزوجات -إذا كان عنده القدرة المالية والبدنية- فإن هذا هو الأفضل لما يترتب على ذلك من مصالح النكاح العظيمة, فكلما أكثر الإنسان من الزوج حصل إكثار لهذه المصالح العظيمة، حصل الإكثار من غض الأبصار، وحصل الإكثار من تحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً من تكثير نسل الأمة، ومن القيام على النساء وكفايتهن وكفالتهن.. الخ, ولهذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: خير هذه الأمة أكثرها نساءً. وهذا القول: هو الصواب, وأن الأصل في ذلك التعدد، وأن الإنسان كلما أكثر من الزواج فإن هذا هو الأفضل, لكن بشرط أن يكون عنده القدرة المالية والبدينة على الزواج، وأيضاً يعرف من نفسه العدل؛ لأن الله عز وجل قال: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، فنقول: الأفضل هو التعدد بهذين الشرطين: القدرة وأيضاً أن يعرف من نفسه العدل.قال المؤلف رحمه الله: [لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد على عثمان بن مظعون التبتل]. التبتل: هو عدم النكاح.
    الخطبة

    حكم النظر إلى المخطوبة
    قال المؤلف رحمه الله: [ومن أراد خطبة امرأة فله النظر منها إلى ما يظهر عادة كوجهها وكفيها وقدميها].هنا شرع المؤلف رحمه الله في مسألة النظر إلى المخطوبة, والنظر إلى المخطوبة هذا يترتب عليه أحكام:المسألة الأولى فيما يتعلق بالنظر إلى المخطوبة: حكم النظر إلى المخطوبة, هل النظر إلى المخطوبة مباح أو سنة؟في ذلك رأيان لأهل العلم رحمهم الله: الرأي الأول: وهو ما أفاده كلام المؤلف رحمه الله أن ذلك مباح؛ ولهذا قال: (ومن أراد خطبة امرأة فله النظر), اللام للإباحة، فأفاد أن النظر إلى المخطوبة مباح، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.واستدلوا على ذلك بحديث محمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئٍ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها )، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا بأس أن ينظر إليها )، هذا يدل على الإباحة.وكذلك أيضاً ورد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها )، فقوله: ( فلا جناح عليه أن ينظر إليها ) هذا يدل على الإباحة.الرأي الثاني: أن النظر إلى المخطوبة سنة ومستحب, وليس مباحاً فقط لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث المغيرة بن شعبة : ( انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( انظر ) هذا أمر، وأيضاً قوله: ( أحرى أن يؤدم بينكما ) هذا يدل على أن هذا الأمر للاستحباب؛ لأن النظر ما دام أنه يترتب عليه هذه المصلحة العظيمة أنه يؤدم بين الزوجين, يعني: يؤلف بين قلبيهما, وأن هذا داع إلى بقاء النكاح واستمراره وعدم انقطاعه, لا شك أن هذه مصلحة عظيمة لا يقال بمجرد الإباحة، وإنما هو مستحب, وهذا القول: هو الأظهر.نقول: النظر إلى المخطوبة الصواب أنه مستحب, وأنه لا يكتفى فيه بمجرد القول بالإباحة؛ لأن النبي علية الصلاة والسلام قال: ( انظر إليها؛ فإنها أحرى أن يؤدم ). يعني: يؤلف بين قلبيكما.
    شروط النظر إلى المخطوبة
    قال المؤلف رحمه الله: (فله النظر منها إلى ما يظهر عادة).المسألة الثانية ما يشترط للنظر إلى المخطوبة: أشار المؤلف رحمه الله إلى الشرط الأول: وهو أن ينظر إلى ما يظهر عادة, هذا الشرط الأول, ينظر الخاطب من مخطوبته إلى ما يظهر عادة، وما هو الذي يظهر عادة؟ الذي يظهر عادة هو القدمان والكفان والوجه والرقبة والرأس, هذه هي التي ينظر الإنسان إلى محرمه منها, يعني: كأمه وابنته وأخته..الخ, فلا بأس أن الإنسان ينظر إلى قدمي المخطوبة، وينظر أيضاً إلى كفيها، وينظر أيضاً إلى وجهها وإلى رقبتها وإلى رأسها, هذا هو الشرط الأول: أن ينظر إلى ما يظهر عادة.الشرط الثاني: أن لا يكون هناك خلوة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة الأجنبية, وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ).الشرط الثالث: أن يكون النظر بقدر الحاجة؛ لأن الأصل في ذلك التحريم, وأن هذه المرأة أجنبية من هذا الشخص, وأبيح له أن ينظر فيكون النظر مقدر بمقدار الحاجة, فإذا احتاج أن يكرر النظر ويعيده مرة أخرى فلا بأس, فإذا نظر إليها ووقعت في قلبه فلا يجوز له أن يكرر النظر مرة أحرى, فنقول: ينظر إليها حتى يعرف من نفسه إما أنه سيقبلها وإما أنه لا يريدها ولا يقبلها.الشرط الرابع: أن لا يكون هذا النظر بشهوة؛ لأن هذه المرأة أجنبية منه, ما دام أنه لم يحصل عقد النكاح فهذه المرأة أجنبية منه, فينظر إليها ولكن لا يكون نظره بشهوة؛ لأنه إذا نظر بشهوة فإنه يكون تلذذ بامرأة لا تحل له, لكن يرد على ذلك أن الإنسان إذا نظر لا يملك الشهوة وستتطرق إليه حين النظر, فنقول: مع ذلك يقوم بمدافعتها, فإذا دافعها فإنها لا تضره.الشرط الخامس: أن تكون المرأة بهيئتها العادية, بحيث إنها لا تخرج عن هيئتها العادية، فلا تتطيب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن تتطيب المرأة بحضرة الرجال، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أيما امرأة مست بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة )، وأيضاً لا تستعمل ما يتعلق بالتحمير والتصفير.. ونحو ذلك, وليس المعنى: أن المرأة تأتي شعثة متبذلة، لكن تكون بهيئتها العادية، تلبس ثياباً نظيفة ولا بأس أن تسكن شعرها ونحو ذلك، أما أن تختضب وأن تحمر وأن تصفر ونحو ذلك فإن هذا لا يجوز؛ لأنها لا تزال امرأة أجنبية.الشرط السادس: أن يكون النظر مباشرة لهذه المرأة, فإن كان النظر عن طريق الصور فهذا منع منه بعض العلماء المتأخرين, وممن منع منه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله، فإن النظر إلى الصورة لا يحكي الواقع, فقد يرى الإنسان الصورة ثم بعد ذلك عندما يتزوج ويدخل يختلف عليه الحال, فقد يحصل في هذه الصورة شيء من التدليس أو شيء من عدم الحقيقة فيتغير عليه الحال. وهل له أن يسمع كلامها؟ هل يطلب منها أن تتكلم؟ هذا لا بأس به، رخص فيه أهل العلم, يعني: لو أراد أن ينظر إلى منطقها أو إلى حديثها، وما يتعلق بكلامها هل عليها شيء، يلحظ لسانها أو يريد أن ينظر إلى ما يتعلق برأيها وعقلها، فإن هذا لا بأس به ورخص فيه أهل العلم رحمهم الله, أما الحديث عن طريق الهاتف ونحو ذلك فإن هذا ممنوع؛ لأنه كما سلف هذه المرأة أجنبية من هذا الشخص, وهذه الأشياء إنما تباح بقدر الحاجة.
    وقت النظر إلى المخطوبة
    المسألة الثالثة فيما يتعلق بالنظر: اختلف أهل العلم رحمهم الله هل النظر يكون قبل الخطبة أو النظر يكون بعد الخطبة؟ اختلف أهل العلم رحمهم الله في ذلك على رأيين:الرأي الأول: النظر يكون بعد الخطبة يعني: يخطب ثم بعد ذلك ينظر, لحديث جابر رضي الله تعالى عنه أنه خطب امرأة من الأنصار فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ). الرأي الثاني: النظر يكون قبل الخطبة، ينظر أولاً ثم بعد ذلك يخطب ثانياً, واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث محمد بن مسلمة وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا ألقى الله عز وجل في قلب امرئٍ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ).والأقرب في ذلك أن النظر يكون حسب الحاجة, فقد يحتاج الإنسان أن يخطب ثم ينظر, وقد يحتاج أن ينظر ثم بعد ذلك يخطب, فالنظر: راجع إلى الحاجة وإلى أعراف الناس.
    خطبة الرجل على خطبة أخيه
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه إلا أن لا يسكن إليه].لا يخطب الرجل على خطبة أخيه, يحرم على الرجل أن يخطب على خطبة أخيه, ودليل ذلك حديث أبي هريرة في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ).فيحرم على المسلم أن يخطب على خطبة أخيه, وقول المؤلف رحمه الله: (على خطبة أخيه)، يفيد أنه لا بأس أن يخطب الرجل على خطبة غير أخيه, يعني: يخطب المسلم على خطبة الكافر, لا بأس أن تخطب على خطبة اليهودي، ولا بأس أن تخطب على خطبة النصراني, يعني: يفيد كلام المؤلف رحمه الله أنه يحرم عليك أن تخطب على خطبة المسلم، لكن لا بأس عليك أن تخطب على خطبة النصراني أو على خطبة اليهودي, فالمسلم يباح له أن ينكح النصرانية ويباح له أن ينكح اليهودية كما سيأتينا إن شاء الله ذلك وبيان شروط ذلك, ودليل ذلك قول الله عز وجل: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5]، فقال الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5]، فأفادت هذه الآية أنه لا بأس للمسلم أن يتزوج النصرانية, فلو كان هناك نصراني خطب نصرانية فلا بأس للمسلم -على كلام المؤلف رحمه الله- أن يخطب على خطبة هذا النصراني، أو أن يهودياً خطب يهودية فلا بأس للمسلم أن يخطب على خطبة هذا اليهودي, واستدلوا على ذلك بما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ), والأخوة إنما هي أخوة الإسلام فيفهم من ذلك أنه لا بأس أن يخطب الرجل على خطبة الكافر؛ لأن الكافر ليس أخاً للمسلم, فلا بأس أن يخطب على خطبة النصراني أو خطبة اليهودي, ومن باب أولى غير اليهودي وغير النصراني، لا بأس أن يخطب على خطبته, هذا هو المشهور من المذهب.والرأي الثاني: أنه لا يجوز، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ). خرج مخرج الغالب, والقاعدة عند الأصوليين: أن ما كان قيداً أغلبياً فإنه لا مفهوم له. وهذا القول هو الصواب: وأنه لا يجوز للمسلم أن يخطب على خطبة الخاطب مطلقاً لعموم حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة الرجل )، وهذا حديث عام, وأيضاً لما في الخطبة على خطبة الرجل -حتى وإن كان يهودياً أو كان نصرانياً- من الظلم والاعتداء، والظلم حرمه الله على نفسه وحرمه الله عز وجل على عباده, ففي حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قال الله عز وجل: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ). فالصواب في ذلك ما دل عليه حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة الرجل )، وهذا يشمل اليهودي والنصراني, ولما في ذلك من الاعتداء والظلم, والظلم محرم ولا يجوز.
    الأسئلة

    استخدام المنبه للقيام لصلاة الفجر
    السؤال: شخص لا يأتي إلى صلاة الفجر إلا بعد إقامتها يومياً، فنصحه شخص باستخدام الساعة المنبه من أجل الاستيقاظ, وقال له: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, هل هذا استدلال صحيح في بهذه القاعدة؟ الجواب: هذا صحيح؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فكون الإنسان لا يستيقظ إلا بمنبه أو بموقظ يوقظه لصلاة الفجر فاستخدام مثل هذه الأشياء واجب لوجوب صلاة الجماعة, ويجب من صلاة الجماعة إدراك ركعة، فإذا كان هذا الشخص لا يستيقظ إلا بعد الإقامة ويفوت الركعة الأولى فهذا فاته خير كثير, لكنه إذا كان يستيقظ بدون منبه ويدرك ركعة واحدة فاستخدام المنبه هنا غير واجب، وإنما هو مشروع وسنة مؤكدة لكي يدرك الصلاة من أولها. المهم أن استخدام المنبه لإدراك ركعة من صلاة الجماعة واجب؛ لأن الجماعة واجبة ويجب من الجماعة أدراك ركعة؛ لأنه إذا أدرك ركعة فقد أدرك الجماعة لحديث أبي هريرة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ).
    الجلوس مع المخطوبة مع وجود محرم أو وجود نساء
    السؤال: هل للخاطب الكلام مع المخطوبة والجلوس معها مع وجود محرم؟ وهل يجوز ما يفعله بعض الناس من كونه يجلس مع المخطوبة بوجود النساء دون الرجال؟ الجواب: تكلمنا عن الكلام مع المخطوبة وقلنا: بأن هذا راجع إلى المصلحة، وأنه إذا احتاج إلى ذلك فلا بأس, وأما الجلوس وإطالة الجلوس مع المخطوبة فإن هذا محرم ولا يجوز؛ لأن الأصل في ذلك التحريم، وإنما هو ينظر إليها بقدر الحاجة، ولا بأس أن يكرر النظر حتى يعرف من قلبه أنه يريد نكاح هذه المرأة أو أنه لا يريد نكاح هذه المرأة.
    خلاف العلماء في صحة نكاح من خطب على خطبة أخيه
    السؤال: إذا خطب الرجل على خطبة أخيه هل تنعقد الخطبة الثانية؟الجواب: إذا خطب على خطبة أخيه هل يصلح العقد أو لا يصح العقد؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم, يعني: لو أن رجلاً خطب على خطبة أخيه المسلم ثم عقد للثاني فهل يصح العقد أو لا يصح العقد؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله سيأتي بيانه بإذن الله، ففيه رأيان:جمهور أهل العلم أن العقد صحيح.والرأي الثاني قول الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه، وهو قول الظاهرية: أن عقد النكاح باطل ولا يجوز.
    طلاق الزوجة الممتنعة من الجماع
    السؤال: ما حكم طلاق المرأة التي ترفض الجماع؟الجواب: الأصل في الطلاق أنه مكروه لقول الله عز وجل: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]، فقال الله عز وجل في الطلاق: فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:227] وفي هذا نوع من التهديد، فالأصل في الطلاق أنه مكروه، ولما يترتب على ذلك من تفويت تلك المصالح العظيمة المتعلقة بالنكاح, لكن إذا احتاج الزوج إلى ذلك فإنه لا بأس كما إذا نشزت المرأة وامتنعت مما يجب عليها من حق الزوج فيما يتعلق بالاستمتاع، فإنه لا بأس له أن يطلقها.
    النظر إلى شعر المخطوبة
    السؤال: هل يجوز النظر إلى شعر المخطوبة؟الجواب : هذا تكلمنا عليه وقلنا: هذا جائز, يجوز للخاطب أن ينظر إلى شعر المخطوبة، يجوز له أن ينظر إلى رأسها, حتى ولو كانت حاسرة لا بأس؛ لأن الشعر مما يقصد في النكاح، وأيضاً مما يرغّب الأزواج في نكاح هذه المرأة.
    معنى قوله في الحديث (فإنه له وجاء)
    السؤال: ما معنى: (فإنه له وجاء)؟ الجواب: الوجأ في اللغة هو القطع، فالصوم يقطع الشهوة ويخفف غلمة الرجل، هذا قوله عليه الصلاة والسلام: ( فإنه له وجاء ).
    حمل حديث: (على خطبة أخيه) على حديث: (على خطبة الرجل)
    السؤال: ألا يمكن أن نقول: إن حديث أبي هريرة ( على خطبة أخيه ), خاص وحديث ابن عمر ( على خطبة الرجل ) عام, والخاص يقضي على العام؟الجواب: نقول: لا، نحن نقول: أصلاً قوله: ( على أخيه ) قيد أغلبي ليس مقصوداً للشارع, فأصلاً قوله ليس مقصوداً حتى نقول: بأن الخاص يقضي على العام.
    مذهب الظاهرية
    السؤال: ما معنى: قول الظاهرية؟الجواب : الظاهرية مذهب من المذهب الفقهية التي تأخذ بظواهر النصوص, يعني: ما دل عليه الظاهر دون النظر إلى المعنى، فهم يأخذون بظاهر النص ويجمدون على ظاهر النص دون النظر إلى معاني الشريعة, ولهم كتب ومؤلفات وعلماء، ومن أشهر كتبهم الموجودة الآن كتاب المحلى لـابن حزم رحمه الله تعالى، ومن أئمتهم داود الظاهري رحمه الله.فهم سموا الظاهرية نسبة إلى أهل الظاهر الذين يأخذون بظواهر النصوص دون النظر إلى المعاني، وأيضاً ينكرون القياس فلا يستدلون به.
    النظر إلى قدم المخطوبة
    السؤال: النظر لقدم المرأة هل هو جائز؟الجواب: نعم، تكلمنا على هذا وقلنا: لا بأس أن ينظر إلى يديها وكفيها ووجهها ورقبتها ورأسها.
    الخطبة على خطبة تارك الصلاة
    السؤال: ما حكم الخطبة على خطبة تارك الصلاة؟الجواب: تارك الصلاة لا يصح تزوجه كما سيأتينا إن شاء الله في الكفاءة, وإذا كان لا يصح تزوجه لا بأس أن تخطب على خطبته, إذا كان فعلاً تاركاً للصلاة فإنه لا يصح تزويجه كما سيأتي إن شاء الله في أحكام الكفاءة, وإذا كان كذلك فلا بأس أن يخطب على خطبته.
    النظر إلى المخطوبة بعد الخطبة
    السؤال: ما الدليل على قول بعض العلماء: إن النظر للمرأة يكون بعد الخطبة؟الجواب: الدليل على ذلك حديث جابر رضي الله تعالى عنه, فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له جابر أنه خطب امرأة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( انظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئاً )، قال العلماء: في أعين الأنصار شيء من الصغر.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #79
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب النكاح [2]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (77)


    التصريح والتعريض في الخطبة يختلف بحسب اختلاف حال المرأة، والنكاح الصحيح له شروط لا بد من وجودها، منها: الولي، وشاهدي عدل.
    تابع الخطبة
    أيها الأحبة تقدم لنا طرف من أحكام النكاح, وذكرنا من ذلك تعريف النكاح في اللغة والاصطلاح, وما هو الأصل فيه من حيث الدليل, وما هو الأصل فيه من حيث الحكم الشرعي, وذكرنا رأيين في ذلك: هل الأصل فيه الوجوب أو الاستحباب؟ وتطرقنا أيضاً لما يتعلق بأحكام النظر إلى المخطوبة، وشروط النظر إليها، وحكم النظر هل هو مباح أو مستحب، وذكرنا في ذلك رأيين, وذكرنا أيضاً هل النظر يكون قبل الخطبة أو يكون بعد الخطبة، وذكرنا في ذلك رأيين لأهل العلم رحمهم الله، وأن الأقرب في هذه المسألة أن ذلك يرجع إلى حاجة الخاطب, ثم بعد ذلك تعرضنا لحكم الخطبة على خطبة المسلم، وأن الخطبة على خطبة المسلم محرمة ولا تجوز, والدليل على ذلك حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم اللذين أوردناهما في الدرس السابق, وتكلمنا أيضاً عن حكم الخطبة على خطبة غير المسلم كأن يخطب المسلم على خطبة النصراني أو خطبة اليهودي، وأن المؤلف يفهم من كلامه أن هذا لا بأس به يعني: لا بأس أن يخطب المسلم على خطبة اليهودي أو خطبة النصراني, وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة: أن هذا محرم ولا يجوز لما في ذلك من الظلم والاعتداء.
    حالات جواز خطبة المسلم على خطبة أخيه
    قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن لا يسكن إليه]. الأصل أنه لا يجوز للمسلم أن يخطب على خطبة الرجل إلا أنه يستثنى من ذلك مسائل يجوز فيها أن يخطب المسلم على خطبة الرجل:الحالة الأولى: إذا لم يسكن للخاطب الأول فلا بأس أن يخطب المسلم على خطبته, فلو أن رجلاً خطب امرأة ثم بعد ذلك رد ولم تقبل خطبته فإنه لا بأس أن يخطب أحد على خطبته، والدليل على ذلك أنه إذا رد ولم يسكن إليه فإنه ليس له حق في هذه الخطبة؛ لأن خطبته قد ردت، وحينئذ إذا خطب المسلم على خطبته فليس بذلك ظلم ولا اعتداء.الحالة الثانية: أن يترك الخطبة, إذا خطب هذه المرأة ثم بعد ذلك ترك خطبتها فلا بأس للخاطب الثاني أن يخطب على خطبته, ويدل لذلك حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك )، فدل قوله: ( حتى ينكح أو يترك ) أن الخاطب الأول إذا ترك الخطبة فلا بأس أن نخطب على خطبته؛ ولأنه أيضاً لا حق له في ذلك حينئذ؛ لأنه تنازل عن حقه.الحالة الثالثة: أن يستأذن الخاطب الثاني الخاطب الأول في أن يخطب على خطبته, فإذا استأذن الخاطب الثاني الخاطب الأول في أن يخطب على خطبته فإن هذا لا بأس به , يدل لذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن )، فدل ذلك على أن الخاطب الثاني إذا استأذن الخاطب الأول في أن يخطب على خطبته أن هذا لا بأس به, لكن يشترط للإذن أن لا يكون إذنه عن حياء، فإن كان إذنه عن حياء فإنه لا يجوز؛ لأنه قد يستأذنه في أن يخطب على خطبته فيستحي من أن يرده فيأذن له، فإذا علمنا أنه قد أذن له عن حياء فلا يجوز أن نخطب على خطبته؛ لأنه وإن رضي في الظاهر فإنه لم يرض في الباطن, وهذه قاعدة في سائر الهبات, سواء كانت هذه الهبات تتعلق بالأعيان أو تتعلق بالمعاني, كل إنسان وهب هبة إذا علمت أنه وهب هذه الهبة عن حياء وخجل فإنه لا يجوز لك أن تقبل.الحالة الأخيرة: إذا جهل الأمر, يعني: لو أن هذا الرجل خطب وجهلنا الأمر، لا ندري هل يعطوه أو لا يعطوه, هل يجوز أن نخطب على خطبته أو لا؟ في ذلك رأيان لأهل العلم رحمهم الله.الرأي الأول: أنه يجوز أن نخطب على خطبته, فلو أن زيداً من الناس خطب هذه المرأة وحتى الآن الولي لم يعطه ولم يرده وهو لم يترك الخطبة، فهل يجوز أن نخطب على خطبته أو لا يجوز أن نخطب على خطبته؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لا بأس أن نخطب على خطبته، والمحرم عندهم أن لا تخطب على خطبته إذا أعطي, لو أنه قبل لكنه لم يعقد له عقد النكاح فهذا هو الذي لا يجوز لك أن تخطب على خطبته, أما لو أنه خطب وحتى الآن لم يعطه الولي، قد يعطه الولي وقد يرده الولي، فهل لك أن تخطب على خطبته؟ المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن لك أن تخطب على خطبته، واستدلوا على ذلك بأن فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها خطبها ثلاثة أسامة بن زيد ومعاوية بن أبي سفيان وأبو الجهم , فاستشارت النبي صلى الله عليه وسلم, فأشار عليها أن تنكح أسامة , فقالوا: بأن فاطمة رضي الله تعالى عنها خطبها ثلاثة، فدل ذلك على أنه إذا خطب الرجل وجهلنا الأمر هل يعطيه الولي؟ هل تقبله المرأة أو لا تقبله المرأة؟ أنه لا بأس أن تخطب على خطبته. والرأي الثاني: أن هذا لا يجوز؛ لأنه إذا خطب أصبح له حق في هذه الخطبة, وكونك تخطب على خطبته هذا في اعتداء وظلم. وهذا القول: هو الصوب, فالصواب في هذه المسألة أن الإنسان إذا خطب امرأة لا يجوز لك أن تخطب على خطبته حتى وإن لم يعط، ما دام أنه لم يرد فلا تخطب على خطبته حتى يترك الخطبة أو يرد أو يأذن لك لا عن حياء وخجل, فالصواب في ذلك أنه إذا خطب رجل امرأة وجهل الأمر هل يعطيه الولي أو لا يعطيه الولي فإنه لا يجوز لك أن تخطب على خطبته حتى يرد أو يعطى أو يأذن لك في الخطبة. هذا هو الصواب؛ لأنه ربما أن هذا الشخص الذي خطب قد يكون الولي ركن إليه ويريد أن يعطيه لكن احتاج أن يستشير أو يستخير أو غير ذلك, فله شيء من الحق، فكونك تأتي وتخطب على خطبته هذا فيه نوع من الظلم والاعتداء. وأما قصة فاطمة بنت قيس رضي الله تعالى عنها, وكونه خطبها ثلاثة فهذا لا يدل على الجواز؛ لأن كلاً من هؤلاء الثلاثة جهل أن فلاناً قد خطب, يعني: معاوية خطب وأسامة خطب وأبو الجهم خطب وكل منهم لا يدري أن الآخر قد خطب قبله, فهم معذورون في هذه الحال.
    خطبة المعتدة والبائن
    قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولا يجوز التصريح بخطبة معتدة، ويجوز التعريض بخطبة البائن خاصة]. التصريح: هو ما لا يحتمل إلا النكاح, كأن يقول: أريد أن أتزوجك. والتعريض بالخطبة هو الذي يحتمل النكاح وغيره, كأن يقول: أنت امرأة صالحة, أو أنا محتاج إلى امرأة صالحة, أو كما مثل المؤلف رحمه الله قال: لا تفوتيني بنفسك أو أنا في مثلك لراغب, أو أنا راغب في زوجة مثلك.. إلخ. المهم الضابط في التصريح في الخطبة أن التصريح في الخطبة هو الذي لا يحتمل إلا النكاح، وأما التعريض فهو الذي يحتمل النكاح وغيره. المرأة لا تخلو من أمرين:الأمر الأول: أن تكون غير معتدة, ليست متعلقة بعدة بسبب طلاق أو وفاة أو فسخ أو خلع أو غير ذلك, فهذه يجوز للمسلم أن يخطبها ما لم تكن محرمة بحج أو عمرة, المحرمة بحج أو عمرة لا يجوز خطبتها.الأمر الثاني: المرأة المعتدة, فما حكم خطبة المرأة المعتدة؟نقول: المعتدات ينقسمن إلى ثلاثة أقسام:القسم الأول: المعتدة الرجعية: وهي التي طلقها زوجها دون ما يملك من عدد الطلقات بلا عوض, يعني: طلقها طلقة واحدة أو طلقتين, فإذا طلقت طلقة واحدة أو طلقت طليقتين فإنها تلحقها العدة ثلاثة قروء كما قال الله عز وجل: وَالْمُطَلَّقَا تُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ، فهي الآن في أثناء العدة, هل يجوز لك إذا طلقها زوجها طلقة أو طلقها طلقتين أن تخطبها أو لا يجوز لك أن تخطبها؟نقول: المعتدة الرجعية لا يجوز أن تخطب مطلقاً, لا تصريحاً ولا تعريضاً؛ لأن الرجعية زوجة كسائر الزوجات؛ ولهذا قال الله عز وجل: وَبُعُولَتُهُنّ َ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ [البقرة:228] أي في العدة إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا [البقرة:228]، فسمى الله عز وجل الزوج المطلق بعلاً, فدل ذلك على أن الرجعية زوجة كسائر الزوجات, لا تفارق سائر الزوجات إلا في بعض المسائل ذكرها ابن رجب رحمه الله في قواعده, وإلا فالأصل أن الرجعية التي طلقت طلقة أو طلقتين زوجة لها حق النفقة، لها حق الكسوة، لها حق السكن، لا تخرج من البيت إلا بإذن الزوج, هي مباحة للزوج أن ينظر إليها، له أن يخلو بها, لها أن تتجمل له.. إلخ, فهي زوجة كسائر الزوجات, وإذا كانت زوجة كسائر الزوجات فما دامت في العدة فإنه لا يجوز لغير الزوج أن يخطبها لا تعريضاً ولا تصريحاً, هذا القسم الأول المعتدة الرجعية.القسم الثاني: المبانة بدون الثلاث, يعني: المعتدة التي أبينت بدون الثلاث, وهذه كالتي طلقت على عوض, يعني: امرأة طلقت طلقه واحدة بعوض أو خلعت خلعاً, فالطلاق بعوض هذا خلع أو خلعها زوجها بعوض, أو فسخت بعوض, أو فسخت لفوات شرط أو لوجود مانع لوجود عيب, فالمفسوخة والمختلعة بانت بينونة صغرى، فما دامت في العدة يجوز لزوجها أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً, فلو أن رجلاً طلق زوجته على عوض خلعها أو أنها فسخت منه لفوات شرط أو لوجود عيب, فما دامت في العدة يجوز لزوجها أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً؛ لأن الزوج يجوز له أن يعقد عليها في العدة, وأما غير الزوج فله أن يخطبها في عدتها تعريضاً لا تصريحاً بأن يعرض بحيث يذكر ألفاظاً تحتمل النكاح وغيره كما سبق تمثيله، وأما التصريح فإنه لا يجوز, التصريح هذا لا يجوز لقول الله عز وجل: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ [البقرة:235] ، هذا القسم الثاني من أقسام المعتدات وهي التي المبانة بدون الثلاث, التي أبينت بينونة صغرى بحيث إن الزوج خلعها أو طلقها على عوض وهو الخلع, أو فسخت لفوات شرط أو لوجود عيب, فهذه قلنا: للزوج أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً, وأما غير الزوج فله أن يخطبها تعريضاً وأما التصريح فليس له ذلك.القسم الثالث: المبانة بينونة كبرى, أو التي توفي عنها زوجها، فالمبانة بينونة كبرى, وهي التي طلقها زوجها نهاية ما يملك من عدد الطلقات, فهذه التي أبانها زوجها بينونة كبرى طلقها آخر الطلقات الثلاث لا يجوز لزوجها أن يخطبها لا تعريضاً ولا تصريحاً؛ لأنها لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره, وأما غير الزوج فيجوز له أن يخطبها تعريضاً لا تصريحاً, لما تقدم من الآية؛ ولأن النبي عليه الصلاة والسلام عرض بـأم سلمة رضي الله تعالى عنها. مثل ذلك أيضاً: المتوفى عنها زوجها, الزوج أمره ظاهر قد مات, لكن غير الزوج له أن يعرض في خطبتها ما دامت في العدة وأما التصريح فإنه لا يجوز. فأصبح عندنا المعتدات ينقسمن إلى ثلاثة أقسام:القسم الأول: المعتدة الرجعية هذه لا يجوز أن تخطب لا تعريضاً ولا تصريحاً؛ لأنها زوجة، وزوجها له أن يراجعها في عدتها. القسم الثاني: المبانة بدون الثلاث وهي التي خلعت أو فسخت بفوات شرط أو وجود عيب, هذه يجوز لزوجها أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً, وأما غير الزوج فإنه يجوز له أن يخطبها تعريضاً لا تصريحاً. القسم الثالث: المبانة بالثلاث، المبانة بينونة كبرى التي طلقها زوجها نهاية ما يملك من العدد، فهذه لا يجوز لزوجها أن يخطبها لا تعريضاً ولا تصريحاً, وأما غير الزوج فإنه يخطبها تعريضاً لا تصريحاً, كذلك أيضاً المتوفى عنها تخطب تعريضاً لا تصريحاً.
    أركان النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا ينعقد النكاح إلا بإيجاب من الولي أو نائبه فيقول: أنكحتك أو زوجتك، وقبول من الزوج أو نائبه فيقول: قبلت أو تزوجت]. الآن شرع المؤلف رحمه الله في بيان أركان النكاح، فأركان النكاح ركنان:الركن الأول: الإيجاب والقبول.والركن الثاني: الزوجان.الإيجاب: هو اللفظ الصادر من الولي أو من يقوم مقامه كالوكيل.والقبول: هو اللفظ الصادر من الزوج أو من يقوم مقامه ****ل الزوج.
    شروط الإيجاب والقبول
    الإيجاب والقبول يشترط له شروط:الشرط الأول: أن يكون الإيجاب بلفظ الإنكاح أو التزوج، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وكذلك أيضاً مذهب الشافعي .يعني: الولي إذا أراد أن يزوج فإنه يقول: زوجتك أو يقول: أنكحتك, لو قال: ملكتك ابنتي, ما يجزئ عند الشافعية والحنابلة، لو قال: جوزتك ابنتي هذا لا يجزئ, لا بد من لفظ: زوجت أو أنكحت, لو قال: ملكت أو قال: وهبت أو قال: جوزت، هذا لا يجزئ، لا بد من لفظ التزويج: زوجت أو لفظ الإنكاح: أنكحت.هذا بالنسبة للإيجاب, قالوا: لا بد أن يكون الإيجاب بهذين اللفظين فقط ولا يتعداهما, وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله ومذهب الشافعي , وأما القبول فيصح بأي لفظ، لو قال الزوج: قبلت أو قال: رضيت أو قال:لا بأس أو قال: تزوجت.. إلخ, فيصح بأي لفظ, أما الإيجاب فلا بد أن يكون بهذين اللفظين. دليلهم على ذلك قالوا: إن هذا هو الذي ورد في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, فالذي ورد هو لفظ الإنكاح أو لفظ التزويج, كما قال الله عز وجل: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]. وأيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج..إلخ )، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ومذهب الشافعي . وعند الإمام أبي حنيفة أن هذا ليس شرطاً، فيصح أن ينعقد الإيجاب بكل ما دل عليه العرف, وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, فإذا قال: زوجتك ابنتي أو قال: جوزتك ابنتي, أو قال: أنكحتك ابنتي أو قال: ملكتك ابنتي, فإن هذا جائز ولا بأس به.يدل على ذلك أدلة من ذلك: حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه في قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يرَ فيها النبي حاجة فقال: رجل من أصحابه زوجنيها يا رسول الله..الخ, وفي الحديث قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ملكتكها بما معك من القرآن ), والله عز وجل قال: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ [الأحزاب:50]، وأيضاً النبي عليه الصلاة والسلام أعتق صفية وجعل عتقها صداقها, قال: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك, فهذا يدل على أن النكاح ينعقد بغير لفظ الإنكاح أو التزويج, وهذا القول هو الصواب, فالشرط الأول أن يكون الإيجاب بلفظ التزوج أو الإنكاح هذا فيه نظر.الشرط الثاني: الاتصال بين الإيجاب والقبول, فلا بد من الاتصال بينهما, فإذا قال: زوجتك لا بد أن يكون القبول متصلاً بالإيجاب حقيقة أو حكماً, حقيقة: أن يقول الزوج مباشرة: قبلت, أو حكماً يحصل شيء من السعال أو العطاس أو التثاؤب ثم بعد ذلك يقول الزوج: قبلت. والصواب في ذلك أنه لا يشترط الاتصال إذا كان الفاصل يسيراً عرفاً من كلام أو سكوت يسيرين, فإن هذا لا بأس به, فلو قال: زوجتك، واحتاج الزوج إلى أن يتأمل أو أن يسأل عن هذه المرأة، وكان الفاصل من الكلام يسيراً عرفاً فإن هذا لا بأس به؛ لأن اليسير ملحق بالعدم، وهذا هو الصواب.الشرط الثالث: أن يوافق القبول الإيجاب, أما إذا خالفه فلا ينعقد النكاح، فلو مثلاً قال: زوجتك فقال:لم أقبل, فإن النكاح لا ينعقد, لا بد أن يوافق القبول الإيجاب, هذه شروط الإيجاب والقبول. وهل يشترط في حال الإيجاب أن تكون المرأة طاهرة من دورتها الشهرية من الحيض أو يصح العقد عليها حتى وإن كان عليها الحيض عليها الدورة الشهرية؟ نقول: يصح أن يعقد عليها حتى ولو كانت غير طاهر, وهذه تلتبس على كثير من الناس يظن أنه لا بد أن تكون المرأة طاهرة من دورتها الشهرية, فنقول: يصح العقد على المرأة حتى وإن كان عليها حدث الحيض.
    خطبة عقد النكاح وإعلانه

    خطبة عقد النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ( علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الحاجة: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ... إلخ )].هذه الخطبة ليست خاصة في عقد النكاح بل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تستعمل هذه الخطبة في مخاطبة الناس بالعلم, في تعليم الناس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وموعظتهم ومجادلتهم في بدء الخطب.. إلخ, فليست خاصة بعقد النكاح, لكن يستحب فيه؛ لأن عقد النكاح من الأمور التي يحتاج إليها، فيستحسن أن يبدأ العاقد الذي يقوم بالعقد بقراءة هذه الخطبة، وهذه الخطبة سواء قرأها الولي أو قرأها الزوج أو قرأها أحد الحاضرين من الشهود أو غيرهم, المهم أن تقرأ هذه الخطبة.قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب أن يخطب قبل العقد بخطبة ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم )].قوله: (ونتوب إليه) هذه ليست واردة في الحديث, فإدخال المؤلف رحمه الله هذه اللفظة في هذه الخطبة مع أنها ليست واردة في الحديث فيه نظر، وفيه نوع من التساهل، وألفاظ الأذكار توقيفية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول: بأن لفظة: (ونتوب إليه) ليست واردة في الحديث، فلا تذكر عند إيراد هذه الخطبة.قال: (ثم يذكر الآيات الثلاث الآية الأولى في سورة آل عمران) أشار إليها بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، ثم بعد ذلك الآية الثانية في أول سورة النساء, والآية الثالثة في آخر سورة الأحزاب كما هي معروفة.أيضاً استحب طائفة من أهل العلم إذا خطب بخطبة النكاح أن يذكر بعض الأدلة الواردة في النكاح والتي ترغب في النكاح، ويذكر أيضاً العاقد شيئاً من ثمرات النكاح وفوائده, وشيئاً من الحقوق الزوجية ويوصي الزوج بهذه الحقوق.. إلخ.
    إعلان النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب إعلان النكاح]. يستحب إعلان النكاح، هذا هو المشهور من المذهب. والرأي الثاني:أن إعلان النكاح واجب, وهذا القول هو الصواب, الصواب أن إعلان النكاح واجب ولا يجوز كتمانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح )، وهذا حديث حسن؛ ولأن التواصي بكتمان النكاح يلحقه بنكاح السر الذي هو الزنا, ففيه تشبه بفاحشة الزنا؛ لأن الزنا هو الذي يكون عن طريق السر؛ ولأن إعلان النكاح فيه فائدة وفيه ثمرة، فقد يكون شيء من الرضاع أو نحو ذلك, فيعلمه الناس وينتشر بين الناس..إلخ. فالصواب في ذلك أن إعلان النكاح واجب, وأما قول المؤلف: يستحب إعلانه فهذا فيه نظر, وإعلان النكاح يرجع فيه إلى العرف, يعني: كيفية الإعلان يرجع فيه إلى العرف, فمثلاً: كون الزوج يفتح بابه أو يدعو طائفة من أصحابه إلى وليمة العرس، ويفتح شيئاً من أنواره..الخ, فهذه كله داخلة في إعلان النكاح ونشره, المهم أنه لا يتواصى بكتمان النكاح؛ لأنه إذا توصي بكتمان النكاح فإن هذا يلحقه بنكاح السر الذي هو الزنا.
    الضرب بالدف في النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [والضرب عليه بالدف للنساء].أفاد رحمه الله أن الضرب بالدف خاص بالنساء، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم خلافاً لمذهب الإمام مالك رحمه الله، فإن مذهب المالكية يعممون الضرب بالدف للرجال والنساء, والصواب في ذلك ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح )، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لما زفوا امرأة من الأنصار إلى زوجها: ( هل بعثتم معها بلهو فإنا لأنصار قوم يعجبهم اللهو؟ ), فنقول: لا بأس للنساء أن تضرب بالدف في العرس، وهذا خاص بالنساء، والضرب بالدف من إعلان النكاح, ويشترط له شروط:الشرط الأول: أن يكون للنساء خاصة على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ؛ لأن هذا هو الذي ورد, ولم يرد أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ضربوا بالدف في الأعراس، وإنما كان يضرب به النساء، هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: أن لا يكون في ذلك إطالة, وإنما يضرب بالدف بحسب ما يحتاج إليه من إعلان النكاح، وأن لا يكون هناك شيء من الإطالة.الشرط الثالث: أن يكون الدف خاصة دون بقية آلات اللهو كطبل وغيره، فإن الأصل في هذه الأشياء المنع والتحريم.
    ولاية النكاح

    شروط النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [باب ولاية النكاح].هنا ترجم المؤلف رحمه الله بشرط من شروط النكاح, ولو قال المؤلف رحمه الله: باب شروط النكاح لكان أحسن؛ لأن هذا الباب ذكر فيه المؤلف رحمه الله ولاية النكاح، وذكر فيه أيضاً شروط النكاح, فالمؤلف رحمه الله ترجم بشرط من شروط النكاح, ولو أنه عنون بشروط النكاح كلها كما فعل غيره لكان أحسن.
    الولي
    قال المؤلف رحمه الله: [لا نكاح إلا بولي]. هذا هو الشرط الأول من شروط صحة النكاح: أن يكون هناك ولي للمرأة يتولى عقد النكاح لها, ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه وإسناده ثابت. وكذلك أيضاً حديث أبي موسى وحديث عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل )، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الإمام أحمد وصححه أيضاً الترمذي وصححه يحيى بن معين ..إلخ. وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها )، وهذا أخرجه الدارقطني ، وصححه طائفة من أهل العلم.فالشرط الأول أن يكون هناك ولي للمرأة, الدليل عليه ما سمعتم من هذه الأدلة, وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله. وعند الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى أن المرأة إذا كانت بالغة عاقلة حرة, لها أن تزوج نفسها يعني: يشترط أن تكون حرة ليست أمة، وأن تكون بالغة, ليست صغيرة لم تبلغ, وأن تكون عاقلة، فإذا توافرت هذه الشروط الثلاثة فلها أن تزوج نفسها, واستدلوا على ذلك بدليلين: أما الدليل الأول فقول الله عز وجل: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ [البقرة:232].وأما الدليل الثاني: فالقياس على المال, فكما أن المرأة لها أن تبيع بيتها وأن تشتري عقاراً وأن تتاجر بأموالها, كذلك أيضاً لها أن تعقد على بضعها، فما دام أن لها أن تعقد على مالها كذلك أيضاً لها أن تعقد على بضعها, هذا هو المشهور من مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله. والصواب في ذلك ما ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل ).وأما قوله سبحانه وتعالى: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ [البقرة:232] فهذا خطاب للولي, نزلت في معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه حينما طلق زوج أخته أخته، فأبى معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه أن يرد هذه الأخت على زوجها..الخ, فنزلت هذه الآية، والخطاب هنا للولي، فهذا فيه دليل للجمهور أن الخطاب الوارد في الكتاب أو السنة إنما هو موجه للأولياء, فدل ذلك على اعتبار الولاية. وأما القياس على المال فهذا القياس مع الفارق؛ لأن الأبعاض يحتاط لها ما لا يحتاط للأموال، فرق بين العقد على البضع والعقد على المال.فالصواب في ذلك أنه تشترط الولاية.
    شاهدا عدل
    قال المؤلف رحمه الله: [وشاهدين من المسلمين]. هذا هو المشهور من المذهب أنه تشترط الشهادة، وهذا أيضاً مذهب الشافعي رحمه الله تعالى أنه لا بد من الشهادة، وهو قول جمهور أهل العلم تشترط الشهادة, يدل لذلك ما تقدم من حديث أبي موسى وحديث عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ).وكذلك أيضاً من الأدلة على ذلك ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا بد في النكاح من أربعة: من الزوج والولي والشاهدين )، وهذا الحديث ضعيف لا يثبت, لكن يستدل لذلك بقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ).والرأي الثاني: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وقول للإمام مالك أن الشهادة في النكاح ليست شرطاً؛ لأن كثيراً من الأنكحة وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أحضر لها شهوداً, ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد في قصة المرأة التي وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام فلم يرَ فيها النبي عليه الصلاة والسلام حاجة فقال رجل من أصحابه: زوجنيها يا رسول الله ..إلخ, وفي الحديث قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ملكتكها بما معك من القرآن ). ومن أدلة الجمهور الذي اشترطوا الشهادة أن الله عز وجل قال في الرجعة: وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]، وهذا في مراجعة المرأة, فالله عز وجل أمر بالإشهاد في مراجعة المرأة، ففي ابتداء نكاحها من باب أولى أن يشهد. الذين قالوا: لا يجب الإشهاد قالوا: بأن اشتراط الشهادة يدل عليه أن كثيراً من الأنكحة وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام, ولم يشترط له الشهادة, ولم ينقل إحضار الشهود أو الاعتناء بهذا الأمر, ومن ذلك حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه. الرأي الثالث: رأي الإمام مالك قال: بأن الشهادة ليست شرطاً، هذا الراجح من مذهب الإمام مالك أن الشهادة ليست شرطاً في عقد النكاح, لكن يشترط الإشهاد قبل الدخول, يعني: لو أنه عقد بلا شهادة فالعقد صحيح لكن يشترط الإشهاد قبل الدخول على المرأة, فإذا حصل الإشهاد قبل الدخول على المرأة فإن العقد صحيح, فلو أنه لم يشهد في حال العقد واكتفي بالشهادة عن الدخول فإن هذا كاف, هذا هو الراجح من مذهب الإمام مالك رحمه الله، وله رواية أخرى -كما تقدم- أن الشهادة ليست شرطاً مطلقاً. والأقرب في ذلك والأحوط هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم, وأن الشهادة تشترط. الذين قالوا بأن الشهادة ليست شرطاً قالوا: بأن هذا لو كان شرطاً لتوافرت الدواعي على نقله واشتهر, ولم ينقل مثل ذلك. فنقول: هذا فيه نظر, وأما حديث سهل بن سعد فالنبي عليه الصلاة والسلام زوجها بمحضر من الصحابة، وهذه شهادة، وأيضاً يدل لذلك حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه, وهذا الحديث صححه جمع من الأئمة رحمهم الله، وهذا هو أحوط وأبرأ للذمة وخصوصاً فيما يتعلق بعقد النكاح، فإنه يحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره. الذين قالوا بعدم اشتراط الشهادة استدلوا بالقياس على سائر العقود, فقالوا: كما أن عقد البيع لا يشترط فيه الشهادة فلو أن الإنسان باع أو اشترى وكذلك عقد الرهن وعقد الشركة..إلخ فكذلك أيضاً عقد النكاح, لكن يفرق كما تقدم لنا بين هذه العقود المالية وبين عقد النكاح؛ لأن عقد النكاح يحتاط فيه ما لا يحتاط في مثل هذه العقود المالية. قال: (وشاهدين من المسلمين), اشترط المؤلف رحمه الله بالنسبة للشاهدين أن يكونا مسلمين.
    ترتيب الأولياء
    قال المؤلف رحمه الله: [وأولى الناس بتزوج الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها ثم ابنه وإن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من عصبتها ثم معتقها، ثم الأقرب فالأقرب من عصبته، ثم السلطان]. نلخص الولاية في النكاح: أولاً: الأصول، ثم بعد ذلك: الفروع، ثم بعد ذلك: الحواشي, ثم بعد ذلك: العصبة بالسبب، ثم بعد ذلك: السلطان. فالأصول في ولاية المرأة: الأب ثم بعد ذلك: الجد وإن علا، ثم بعد ذلك إذا لم يكن هناك شيء من الأصول ننزل إلى الفروع: الابن ثم ابن الابن ثم ابنه وإن نزل, ثم بعد الفروع الحواشي: الإخوة: الأخ الشقيق، ثم بعد ذلك الأخ لأب، ثم أبناؤهم: ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ لأب, إذا لم يكن هناك شيء من الإخوة ولا من بنيهم نرجع إلى الأعمام: العم الشقيق ثم بعد ذلك العم لأب ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب, فإن لم يكن هناك شيء من الحواشي, وكان هناك عصبة بالسبب وهو المعتق, لو كان هناك معتق أعتق هذه المرأة, لو أن هذه المرأة أعتقها زيد من الناس، ولم نجد لها أصولاً ولا فروعاً ولا حواشي, فإن الذي يقوم بالعقد عليها معتقها؛ لأنه يرثها, فإن لم يكن المعتق موجوداً فإن عصبته يقومون مقامه, وبالنسبة لعصبة المعتق نبدأ بالفروع ثم الأصول ثم الحواشي, يعني: أبناؤه وأبناء أبنائه، فإن لم يكن فآباؤه فآباء أبائه، فإن لم يكن نرجع إلى الحواشي, إلى إخوانه وبنيهم ثم أعمامه وبنيهم..إلخ, وإن نزل هؤلاء الأبناء, يعني: أبناء الإخوة وأبناء الأعمام, فالترتيب في ولاية المرأة: الأصول ثم الفروع ثم الحواشي ثم العصبة بالنسب ثم العصبة بالسبب (المعتق), فإن لم يكن المعتق موجوداً فروعه ثم أصوله ثم بعد ذلك حواشيه, فإذا لم يكن شيء من ذلك فالسلطان.وقوله: (ثم السلطان) الآن الذي ينوب عن السلطان هو قاضي الأنكحة في المحاكم الشرعية, هذا الذي يتولى العقد على هذه المرأة.ويفهم من قوله: (السلطان) أن ذوي الأرحام لا دخل لهم في ولاية النكاح, يعني: المرأة لا يتولى العقد لها خالها, ولا يتولى العقد لها جدها من قبل الأم، ولا يتولى العقد لها أخوها من قبل الأم, فذوي الأرحام هؤلاء لا يتولون العقد لها, إن كان هناك أصول لها أو فروع أو حواشي أو عصبة بالسبب فإن لم يوجد فالذي يتولى إنكاحها هو القاضي الشرعي أو يوكل القاضي الشرعي من يقوم بالعقد عليها.قال: (ثم ابنه ثم الأقرب فالأقرب من عصبتها), قلنا: بعد الفروع يُبدأ بالإخوة: الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم ابن الأخ الشقيق وإن نزل، ثم ابن الأخ لأب ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن العم الشقيق ثم ابن العم لأب. قال المؤلف رحمه الله: [ثم معتقها, إن لم يكن هناك معتق فروعه ثم أصوله ثم حواشيه ثم الأقرب فالأقرب من عصباته]. هذا فسرناه وقلنا: المعتق إذا لم يوجد نبدأ بفروعه ثم بعد ذلك نبدأ بأصوله ثم بعد ذلك نبدأ بحواشيه ثم السلطان. قال المؤلف رحمه الله: [ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه]. أفاد المؤلف رحمه الله أن الوكالة تصح في عقد النكاح, فالولي له أن يوكل، الأب له أن يوكل أحد أبنائه بالعقد على بناته, وله أن يوكل رجلاً أجنبياً في أن يعقد على ابنته، كذلك أيضاً الزوج له أن يوكل من يقبل له عقد النكاح. والوكالة هذه ورد ما يدل لها في توكيل النبي عليه الصلاة والسلام عمرو بن أمية الضمري لكنه لا يثبت, وقد ورد الوكالة هذه عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم, وأيضاً الأصل في مثل ذلك الحل، فنقول: الوكالة في عقد النكاح سواء كانت من قبل الولي أو كانت من قبل الزوج صحيحة. قال المؤلف رحمه الله: [ولا يصح تزويج أبعد مع وجود أقرب إلا أن يكون صبياً..إلخ]. فلا يصح تزويج الابن مع وجود الأب, ولا يصح تزويج الابن مع وجود الجد وهكذا, يعني: ما دام هناك أحد من الأصول فإن تزويج الفرع هذا لا يصح, كذلك أيضاً لا يصح تزويج الأخ مع وجود الابن أو ابن الابن, ولا يصح تزويج ابن الأخ مع وجود الأخ وهكذا, تزويج الأبعد مع وجود الأقرب لا يصح إلا إذا وجد مسقط من مسقطات ولاية النكاح, فإذا وجد مسقط من مسقطات ولاية النكاح فإن هذه الولاية تنتقل إلى من بعده. ويفهم من كلام المؤلف رحمه الله أن تزويج الأبعد لا يصح حتى ولو أذن الأقرب فإنه لا يصح, فلا يجري ما يسمى بتصرف الفضولي في عقد النكاح, وهذا هو المشهور من المذهب، والصواب في ذلك أن تزويج الأبعد صحيح إذا أذن في ذلك الأقرب, فلو أن الابن زوج ثم بعد ذلك جاء الأب وقال: أجزت هذا النكاح أو أن الأخ زوج وأبو المرأة موجود وقال: أذنت في هذا التزويج أو ابن الأخ زوج مع وجود الأخ, أو العم زوج مع وجود أخ المرأة فأجاز هذا التصرف نقول: بأن هذا التصرف صحيح.فالصواب في ذلك أن تصرف الفضولي ينفذ في عقد النكاح, فلو أن أحداً تصرف تصرفاً فضولياً فإن هذا التصرف جائز ولا بأس به خلافاً لما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.
    مسقطات ولاية النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [إلا أن يكون صبياً أو زائل العقل أو مخالفاً لدينها أو عاضلاً].شرع المؤلف رحمه الله في بيان مسقطات ولاية النكاح:المسقط الأول: أن يكون الأقرب غير أهل للتزويج, غير أهل للولاية, بأن يكون صبياً أو يكون مجنوناً, فإذا كان صغير غيراً بالغ, لو كان لهذه المرأة ابن لكن هذا الابن صغير غير بالغ, فنقول: تنتقل الولاية إلى ما بعد البنوة, ما بعد البنوة الأخوة, يقوم بتزويجها أخوها, لم يكن هناك إخوان يقوم بتزويجها أبناء أخوها, وهكذا, أو كان الأقرب مجنوناً زائل العقل أو معتوهاً لا يعرف مصالح النكاح فإن الذي يزوج من بعده, فلو كان أبوها مجنوناً أو معتوهاً أو مخرفاً فابنها إن كان موجوداً أو أخوها إن كان موجوداً، هذا المسقط الأول.المسقط الثاني: المخالفة للدين, أن يكون الأقرب مخالفاً لدينها، فلو كانت مسلمة وكان ابنها غير مسلم أو كان أبوها غير مسلم.. إلخ فإن ولايته تسقط إلى من بعده لقول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وأيضاً حديث: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ).المسقط الثالث: العضل، فإذا عضل الأقرب فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, ومتى يكون عاضلاً؟ إذا منع كفئاً رضيته المرأة وبذل ما يصح مهراً, يعني: إذا جاء كفء للمرأة وبذل ما يصح مهراً, وهو كل ما صح أن يكون ثمناً أو أجرة, يعني: حتى لو بذل ريالاً واحداً؛ لأن الريال يصح أن يكون ثمناً أو أجرة, المهم كفء رضيته المرأة, وهذا الكفء بذل ما يصح مهراً، يعني: أعطى ما يصح مهراً حتى ولو كان قليلاً؛ أصبح الآن عاضلاً تسقط ولايته, وبهذا نعرف خطأ أولئك الأولياء الذين يعضلون مولياتهم، يعني: كثير من الناس لا يتقون الله عز وجل في مولياتهم، تجد أنه يأتيه الكفء ذو الخلق والدين ويبذل ما يصح مهراً, وترضاه المرأة لنفسها، حتى لو بذل شيئاً يسيراً من المال فإنه يصح أن يكون مهراً, المهم لا بد من مهر حتى لو كان ريالاً واحداً، ومع ذلك تجده يعضل هذه المرأة، إذا عضل هذه المرأة تسقط ولايته وتنتقل ولايته إلى من بعده, فيصح له أن يعقد على هذه المرأة؛ لأن مبنى الولاية في النكاح هو مصلحة المرأة، وإلا فالمرأة العاقلة تستطيع أن تعقد على نفسها كما أنها تستطيع أن تبيع بيتها الذي يساوي مليون ريال, كما أنها تستطيع أن تعقد عقد الشركة, وعقد البيع وعقد الرهن وأن توقف وأن تهب..إلخ, فأيضاً لها أن تعقد على نفسها لكن اشترطت الولاية في عقد النكاح؛ لأنه يحتاط للأبضاع ما لا يحتاط لغير الأبضاع, فمبنى الولاية هو مصلحة المرأة, فإذا انتفت فهذه المصلحة بحيث كان الولي عضل هذه المرأة انتفت الآن المصلحة, انتفت الحكمة التي من أجلها شرعت الولاية على هذه المرأة فتسقط ولايته.وقد ذكر العلماء رحمهم الله أنه إذا تكرر عضل الولي لهذه المولية يكون فاسقاً, يعني: لو عضل مرتين فإنه يكون فاسقاً مردود الشهادة. وخيار الولي في باب النكاح ليس خيار تشهي وإنما خيار مصلحة، وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن من اختار لنفسه فإن خياره خيار تشهي له أن يأخذ هذا وله أن يرد هذا, لكن إذا اختار لغيره فإن خياره خيار مصلحة, لابد أن ينظر إلى المصلحة وهذا يدخل فيه سائر الأولياء, كل من يتصرف لغيره من الأولياء والنظراء والأوصياء والوكلاء.. إلخ فإن خيارهم خيار مصلحة, فالولي لا يجوز له أن يعضل, إذا عضل مرة واحدة رد هذا الكفء فإنه تسقط ولايته.
    الأسئلة

    خطبة المطلقة الرجعية بعد انتهاء العدة
    السؤال: إذا طلق رجل زوجته طلقه واحدة ثم انتهت عدة الرجعية فكيف يكون الحكم لمن أراد خطبتها؟الجواب: خلاص الآن ليست معتدة، لو أن رجلاً طلق زوجته طلقة واحدة ثم انتهت عدتها يجوز لغير الزوج أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً, وزوجها أيضاً يجوز له أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً؛ لأن هذه ليست بمعتدة الآن، كلامنا في المعتدة، أما هذه التي انتهت عدتها فقد خرجت من العدة فيجوز لغير الزوج أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً، ويجوز للزوج أن يخطبها تعريضاً وتصريحاً, ولا فرق في ذلك, الكلام في منع التعريض والتصريح هو في المعتدة التي لا تزال في عدة، أما هذه فقد انتهت من عدتها.
    حكم النكاح الذي لم يعلن
    السؤال: ما أثر عدم إعلان النكاح على صحة النكاح؟الجواب: حكم هذا النكاح صحيح يعني: لو أنه لم يعلن هذا النكاح فهو صحيح؛ لأن شروطه وأركانه موجودة فيه, لكن التواصي بكتمانه هذا محرم ولا يجوز, ويجب إعلانه وإفشاؤه.
    معنى الحواشي في النسب
    السؤال: ما هي الحواشي؟الجواب: الحواشي غير الأصول والفروع يعني:يشمل الإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم, هؤلاء هم المراد بالحواشي, فروع الأصول هم الحواشي وهو شامل للإخوة وبنيهم والأعمام وبنيهم.
    حكم ضرب الدف في غير النكاح
    السؤال: ما حكم ضرب الدف في حفلات غير النكاح مثل: حفل المركز..إلخ؟الجو اب: ضرب الدف يجوز في أربعة مواضع على الراجح؛ لأن الأصل في الدف -كما ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم- أنه من آلات اللهو، لكن ورد جوازه في أربعة مواضع: الموضع الأول: في العرس كما ورد ذلك في السنة. الموضع الثاني: عند قدوم الغائب, فإن هذا لا بأس به، ويدل على ذلك قصة المرأة التي جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: إني نذرت إن قدمت سالماً أن أضرب عند رأسك بالدف, فأقرها النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك. الموضع الثالث: في الأعياد, أيضاً كما أقر النبي عليه الصلاة والسلام الجاريتين. الموضع الرابع: ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه عند الختان. ففي هذه المواضع الأربعة يستثنى الدف، ما عدا ذلك الصواب أن لا يستثنى فيه, فيستثنى في هذه المواضع الأربعة, ومثل ذلك أيضاً وجود بعض الأشرطة التي يوجد فيها الضرب بالدف فنقول: استعمال هذه الأشرطة يصح في هذه المواضع الأربعة: في العرس، في العيد، عند قدوم الغائب، أيضاً في الختان كما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه.
    الصوت في النكاح
    السؤال: ما معنى: حديث: ( فصل ما بين الحلال والحرام الصوت في النكاح )؟الجواب: الصوت في النكاح يعني: أن يلقى بعض الشعر كما ورد قول النبي عليه الصلاة والسلام لـعائشة رضي الله تعالى عنها: ( هل بعثتم معها من اللهو؟ ) يعني: بعض الغناء التي تغنيه النساء أو الجواري.. إلخ.
    التوكيل في الزواج عن طريق الهاتف
    السؤال: هل يجوز الوكالة عن طريق الهاتف، مثلاً: الأب في بلد وبنته وأهله في بلد آخر، هل يوكل بالهاتف؟الجواب: لو أن الأب في بلد ووكّل من يعقد على ابنته فإن هذا جائز، سواء كانت الوكالة عن طريق المكاتبة أو كانت عن طريق الهاتف، المهم أنه إذا حصلت الوكالة فإن هذا جائز ولا بأس به.
    شهادة من لا يصلي في عقد النكاح
    السؤال: أثناء عقد نكاح عند القاضي شهد في العقد شاهدان أحدهما لا يصلي, ولكن في مكان العقد يوجد من يصلي مثل: والدي وجدها وأبيها, فهل هذا العقد صحيح؟الجواب: هذا العقد صحيح، أما كون الشاهد لا يصلي فكما تقدم أن المؤلف رحمه الله قال: من المسلمين, فيشترط أن يكون مسلماً, لكن ما دام أنه يوجد غير هذا الشاهد يكفي هذا.
    حكم العقد من غير مأذون الأنكحة
    السؤال: هل لأي شخص شاء أن يعقد بين الزوج وولي المرأة؟الجواب: نعم يعني: المأذون في الأنكحة ليس شرطاً, يعني: يكفي أن يوجد الولي والزوج والشاهدين, يعني: إذا وجد ولي وزوج وشاهدان على رأي جمهور أهل العلم يكفي، فلو أن الولي قال للزوج: زوجتك, فقال: قبلت، خلاص تم عقد النكاح, وأما اشتراط الآن مبنى الأنكحة والكتابات فهذه كلها مسائل تنظيمية، وجدت الآن من أجل تنظيم هذه الأمور وضبطها وحفظها..إلخ, حتى لا تكون مدعاة إلى أمور أخرى يترتب عليها مفاسد, فيحتاج الناس إلى وجود هذه التنظيمات، أما الأصل في ذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( زوجتكها بما معك من القرآن فقال: قبلت ), حتى الولي لو كان مأذون الأنكحة أو هو الذي تولى عقد قراءة الخطبة فإن ذلك يصح, المهم ما دام أن الولي موجود والزوج موجود، وأيضاً الشاهدان عند جمهور أهل العلم فإن ذلك كافٍ.
    ولي من أسلمت وأهلها كفار
    السؤال: إذا أسلمت امرأة وبقية أهلها كفار وهي في بلد الكفر فمن وليها؟الجواب: المراكز الإسلامية الآن التي توجد في الخارج، إذا أسلمت امرأة في تلك البلاد فالقائم على المركز الإسلامي أو رئيس المركز الإسلامي هو الذي يتولى نكاح هذه المرأة, وقد نص العلماء رحمهم الله على مثل ذلك فقالوا: بأن المرأة في بلاد الكفار يتولى نكاحها القائم على أمور المسلمين في ذلك البلد.
    تحري عقد النكاح في آخر ساعة يوم الجمعة
    السؤال: ما صحة أن العقد يستحب في آخر ساعة في يوم الجمعة؟الجواب: هذا ما ورد فيه دليل يعني: العلماء رحمهم الله استحبوا أن يكون العقد في آخر ساعة من يوم الجمعة, وهذا ليس فيه دليل,لكن وجه الاستحباب في ذلك ورود حديث ضعيف:( أمسوا بالإملاك )، واستحباب العلماء رحمهم الله أن يكون في يوم الجمعة بعد العصر قالوا: لأن هذه ساعة الإجابة, وإذا تم العقد فإن الناس يدعون للمتزوجين, اللهم بارك لهما، وبارك عليهما، واجمع بينها بخير وعافية, فقالوا: يرجى أن يستجاب دعاء الناس لهذين المتزوجين, فقالوا: يستحب أن يكون بعد العصر يوم الجمعة، والله أعلم.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #80
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: شرح عمدة الفقه - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )



    شرح عمدة الفقه
    - كتاب النكاح [3]
    - للشيخ : ( خالد بن علي المشيقح )
    (78)


    النكاح ميثاق غليظ، فيشترط فيه أن يكون بولي وشهود، والولي له شروط لابد أن تتوافر فيه، وقد بين الفقهاء الأولى بالولاية. ولا تنكح الثيب حتى ستتأمر، ولا البكر حتى تستأذن.
    تابع ولاية النكاح
    تقد لنا شيء من شروط صحة النكاح في الدرس السابق، فتقدم لنا شرط الولاية، وأن أهل العلم اختلفوا في اشتراط الولاية، هل الولاية شرط من شروط صحة النكاح أو ليست شرطاً؟ على رأيين، وذكرنا أن رأي جمهور العلم رحمهم الله: أن ولاية النكاح شرط من شروط صحته, وعند أبي حنيفة أن المرأة إذا كانت بالغة حرة عاقلة لها أن تزوج نفسها, وذكرنا أن الأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه الجمهور لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل ).وأيضاً تقدم لنا الشرط الثاني شرط الشهادة, وهل الشهادة شرط من شروط صحة النكاح؟ ذكرنا في ذلك ثلاثة آراء، وأن جمهور أهل العلم أن الشهادة شرط من شروط صحة النكاح، والرأي الثاني أنه ليس شرطاً كسائر العقود تصح بلا شهادة, والرأي الثالث: التفصيل أنها ليست شرطاً عند العقد لكن لا بد منها عند الدخول. أيضاً تكلمنا عن مراتب الولاية في باب النكاح, من الأولى بتزويج المرأة فذكرنا أنهم يرتبون, يبدأ بالأصول الأب ثم الجد وإن علا ثم بعد ذلك الفروع الابن ثم ابن الابن وإن نزل، ثم بعد ذلك الحواشي الإخوة وبنوهم والأعمام وبنوهم, ثم بعد ذلك العصبة بالسبب, المعتق وفروعه ثم أصوله, المعتق أولاً إن كان موجوداً ثم بعد ذلك فروعه ثم بعد ذلك أصوله ثم بعد ذلك حواشيه.
    تابع مسقطات ولاية النكاح
    تكلمنا أيضاً عن مسقطات الولاية، وذكرنا شيئاً من هذه المسقطات.قال المؤلف رحمه الله: (إلا أن يكون صبياً).المسقط الأول: أن يكون الأقرب غير أهل للولاية لكونه صغيراً أو لكونه فاقد العقل أو لكونه ناقص العقل ونحو ذلك, فإذا كان ليس أهلاً للولاية فإن الولاية تنتقل إلى من بعده.المسقط الثاني من مسقطات الولاية: المخالفة في الدين, فإذا كان مخالفاً لدين المرأة فإنه لا ولاية له عليها, وتقدم الكلام على هذه المسألة.المسقط الثالث: العضل، الولي إذا عضل المرأة, وبينا متى يكون عاضلاً وذلك إذا منع كفئاً رضيته, إذا منع الولي كفئاً رضيته المرأة فإنه في هذا الحالة يكون عاضلاً لها, فتسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده.قال المؤلف رحمه الله: [أو غاب غيبة بعيدة].هذا هو المسقط الرابع, إذا غاب الولي الأقرب غيبة بعيدة فإن الولي الأبعد يزوج, وقال المؤلف رحمه الله: (إذا غاب غيبة بعيدة), ولم يقدر هذا البعد, يعني: لم يذكر مقدار هذا البعد, وقد حده بعض العلماء بقوله: إذا كانت لا تقطع إلا بكلفة ومشقة, قالوا: إذا غاب الولي غيبة بعيدة لا تقطع إلا بكلفة ومشقة فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وكونها لا تقطع إلا بكلفة ومشقة هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة, فمثلاً: في وقتنا الحاضر يختلف عن الأزمنة فيما مضى لوجود الآن ما يتعلق بوسائل الاتصال، فيمكن أن يكون الشيء البعيد في الزمن السابق هو قريب بتقدم وسائل الاتصال في زمننا هذا. المهم الرأي الثاني: قالوا: بأن الولي إذا غاب غيبة لا تقطع إلا بمشقة وكلفة فإنه تسقط ولايته وتنتقل إلى من بعده, قالوا: إذا غاب غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء, فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده فلو مثلاً: أخو المرأة غاب غيبة بحيث لا يمكن أن يقدم إلا بعد أن يفوت الخاطب, الخاطب إذا لم يعط ولم يزوج فإنه ينتقل إلى غير هذه المرأة، فلمن بعده في الولاية كابنه أن يزوج, وهذا القول: هو الأقرب, نقول في تحديده: إذا كان الخاطب الكفء يفوت بسبب غيبة الولي فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, وتقدم لنا أن أشرنا أن الولاية في عقد النكاح إنما شرعت لمصلحة المرأة, وإلا فإن المرأة تقدر على أن تزوج نفسها, كما أنها تقدر على أن تبيع وأن تشتري وأن تعقد العقود المالية.. إلخ.وعلى هذا فإذا كان الولي غائباً فإنه ليس من مصلحة المرأة أن ننتظر هذا الولي, بل تنتقل الولاية إلى من بعده، فالصواب في ذلك نقول: إذا غاب الولي غيبة يفوت فيها الخاطب الكفء فإن ولايته تسقط وتنتقل إلى من بعده, فإذا كان هذا الخاطب قال: أنا لا أنتظر إلا يومين, ونعرف أن الولي الأقرب لا يقدم إلا بعد ثلاثة أيام أو لا يقدم إلى بعد عشرة أو بعد شهر..إلخ وقال هذا الخاطب: أنا لا أنتظر إلا يومين أو ثلاثة..إلخ فنقول: بأن ولاية الأقرب تسقط وتنتقل إلى من بعده.
    أثر المخالفة في الدين في ولاية النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة]. يقول المؤلف رحمه الله: لا ولاية لأحد على مخالف لدينه, هذه المسألة تحتها أمران:الأمر الأول: ولاية الكافر على المسلمة, فنقول: بأن الكافر ليس له ولاية على المسلمة مطلقاً, هذا هو الصواب, لقول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فلو كان عندنا نصرانية أسلمت وأبوها ليس مسلماً لم يزل نصرانياً فإنه لا ولاية له عليها في تزويج النكاح, وحينئذ يتولى تزويجها المسلمون، إن كان هناك أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها، فإن لم يكن أحد من أوليائها مسلم فإنه يتولى تزويجها سلطان المسلمين أو رئيس المسلمين أو المسئول عنهم في تلك الديار.الأمر الثاني: إذا كان العكس, إذا كان الولي مسلماً والزوجة كافرة فهل يتولى المسلم تزويجها أو لا؟ عكس المسألة السابقة, إذا كان الأب مسلماً أو الأخ مسلماً أو العم مسلماً, وموليته نصرانية تريد أن تتزوج فهل له أن يتولى عقد النكاح لها أو ليس له أن يتولى عقد النكاح لها؟ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يتولى عقد النكاح لها, ولهذا قال: ولا ولاية لأحد على مخالف لدينه, ولم يستثن من ذلك إلا مسألتين، والصواب في هذه أن المسلم يتولى على الكافرة, لما تقدم من قول الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، وقد جعل الله عز وجل للمؤمنين على الكافرين سبيلاً، وأيضاً قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الإسلام يعلو ولا يعلى عليه )، فإذا كان الإسلام يعلو فإن المسلم يتولى تزويج الكافرة.فالصواب في هذه المسألة أن المسلم إذا كان ولياً وكانت موليته كافرة فإن المسلم يتولى تزوجها؛ ولأنه مؤتمن عليها. استثنى المؤلف رحمه الله السلطان فقال: (إلا المسلم إذا كان سلطاناً أو سيد أمة), يعني: يقول: المسلم إذا كان سلطاناً فإنه يزوج الكافرة، والصواب في ذلك كما سبق لنا أن المسلم يزوج الكافرة سواء كان سلطاناً أو غير سلطان. قال: (أو سيد أمة), سيد الأمة أيضاً يقوم بتزويجها حتى ولو كان كافراً، والصواب في ذلك أن سيد الأمة إذا كان كافراً لا يملك تزويجها؛ لما تقدم أن الكافر لا يكون ولياً على مسلمة, وإذا كان سيد الأمة مسلماً والأمة كافرة فإنه يتولى تزويجها.الخلاصة في ذلك: ولاية المسلم على الكافرة صحيحة, وولاية الكافر على المسلمة غير صحيحة.
    رضا الزوجين بعقد النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [فصل: وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم].هذا هو الشرط الثالث من شروط صحة النكاح: رضا الزوجين, تقدم الشرط الأول وهو الولاية، والشرط الثاني وهو الشهادة، والشرط الثالث الآن شرع فيه المؤلف رحمه الله وهو رضا الزوجين, فهل الرضا معتبر في عقد النكاح أو ليس معتبراً في عقد النكاح؟ أفاد المؤلف رحمه الله أن رضا الزوجين ليس معتبراً دائماً في عقد النكاح, يعني: يشترط الرضا لكنه ليس معتبراً دائماً, فهناك من الأزواج من لا يعتبر رضاهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله, فنقول: الشرط الثالث من شروط صحة النكاح: رضا الزوجين, ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ). أخرجه البخاري ومسلم , فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ), الأيم: التي لا زوج لها, ويراد بها في هذا الحديث الثيب.والأدلة في ذلك كثيرة من ذلك حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه ( أن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم, فذكرت له أن أباها زوجها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، فرد النبي عليه الصلاة والسلام النكاح إليهم ), يعني: جعل الأمر موكولاً إليها. وأيضاً ثبت في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام خير الخنساء لما زوجها أبوها بغير رضاها. إذاً: الشرط الثالث من شروط صحة النكاح رضا الزوجين في الجملة, لكن ذكر المؤلف رحمه الله أن هناك من الأزواج من لا يعتبر رضاهم.
    من لا يعتبر رضاهم في النكاح
    الذين لا يعتبر رضاهم كما أشار إليهم المؤلف رحمه الله ينقسمون إلى أقسام: قال المؤلف رحمه الله: (وللأب تزويج أولاده الصغار ذكورهم وإناثهم وبناته الأبكار بغير إذنهم).ذكر المؤلف رحمه الله أقساماً من الأزواج لا يعتبر إذنهم ولا رضاهم:القسم الأول: الابن الصغير، هل لأبيه أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟ يعني: هل للأب أن يعقد لابنه الصغير على امرأة أو ليس له أن يعقد له على امرأة؟ هل له أن يزوجه أو ليس له أن يزوجه؟ الصغير الذي لم يبلغ لا يستأذن؛ لأنه لا يعرف مصالح النكاح, لا إذن له معتبر أصلاً حتى ولو استأذنه أبوه مثلاً: له خمس سنوات أو ست سنوات حتى ولو استأذنه أبوه فإن إذنه غير معتبر, هذا الإذن لا فائدة منه، لكن هل له أن يعقد له النكاح أو ليس له أن يعقد له النكاح؟ المشهور من المذهب أن له أن يعقد له النكاح, لورود ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فإن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير، فاختصموا إلى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه فأجاز زيد ذلك, وهذا أخرجه البيهقي . الرأي الثاني: ليس للأب أن يزوج ابنه الصغير؛ لأن تزويج الأب لابنه الصغير يلزم الابن ببعض التكاليف المادية, كنفقة الزوجة وما يتعلق بذلك من الكسوة والطعام والشراب وغير ذلك. الرأي الثالث: أن الأب له أن يزوج ابنه الصغير إذا كان هناك مصلحة, إذا ترتب على ذلك مصلحة فإن له أن يزوجه، فإن لم يكن له مصلحة فإنه لا يملك أن يعقد له عقد النكاح.وهذا القول: هو الأقرب, ومنشؤه كما تقدم لنا أن الولاية في عقد النكاح تدور على المصلحة, فإذا كان هذا الابن يحتاج إلى من يقوم عليه من زوجة ترعى شؤونه لكون أمه مثلاً: غير موجودة فإنه لا بأس لأبيه أن يعقد له عقد النكاح, فهذا هو القسم الأول: الصبي الصغير, ذكرنا أن إذنه غير معتبر لكن هل لأبيه أن يعقد له عقد النكاح؟ الراجح في ذلك أنه يدور على المصلحة.القسم الثاني: البنت الصغيرة, أيضاً هذه إذنها غير معتبر، فهل لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح أو ليس له أن يعقد لها عقد النكاح؟المشهور من المذهب أنه لا بأس, يعني: حتى لو كان لها شهر أو كان لها يوم واحد فلأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, هذا هو المشهور من المذهب، وهذا أيضاً مذهب الشافعية وقول أكثر أهل العلم, أن البنت الصغيرة لأبيها أن يعقد لها عقد النكاح, واستدلوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها ولها ست سنوات، ودخل بها ولها تسع سنوات.وذهب طائفة من السلف إلى أن الأب لا يملك أن يعقد على ابنته الصغيرة؛ لأنه يشترط رضاها, والصغيرة لا إذن لها معتبر, حتى لو قالت له: رضيت، قولها هذا لا عبرة به؛ لأنها لا تعرف, فقالوا: الصغيرة يشترط رضاها, لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وإذا كانت صغيرة لا يمكن أن تستأذن، فننتظر حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح ثم بعد ذلك نستأذنها في تزويجها.فعندنا العقد على البنت الصغيرة هل هو جائز أو ليس جائزاً؟المشهور من المذهب وهو قول أكثر أهل العلم أنه جائز.والرأي الثاني أنه ليس جائزاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، وهذه البنت الصغيرة لا يمكن أن تستأذن, فلا يصح أن نعقد لها عقد النكاح حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح, فإذا عرفت مصالح النكاح فإننا نستأذنها في تزويجها. والأقرب في ذلك أن نجمع بين القولين فنقول: يصح العقد على الصغيرة كما عقد النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها, لكن نثبت لهذه الصغيرة الخيار إذا بلغت مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح، فيكون تصرف الولي هنا من باب التصرف الفضولي, فإن أجازت النكاح نفذ، وإن لم تجز النكاح لا ينفذ, فنقول: يصح ولا يدخل عليها الزوج حتى تبلغ مبلغاً يصح أن تختار وأن تستأذن وأن ينظر في رأيها، ويدل لذلك كما سبق حديث ابن عباس ( أن جارية أتت النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت له أن أباها قد زوجها من ابن أخيه لكي يرفع بها خسيسته فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها ).قال المؤلف رحمه الله: (وبناته الأبكار). يعني: البكر البالغة العاقلة لأبيها أن يزوجها بمن لا ترضى ولا يعتبر إذنها, قالوا: يستحب أن يستأذنها, وهذا قول أكثر أهل العلم أن البكر البالغة لأبيها أن يزوجها بغير إذنها، واستدلوا على ذلك بما أورده المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها )، الأيم الثيب أحق بنفسها من وليها, فدل ذلك على أن البكر وليها أحق بها, فالثيب لا بد من إذنها, لا بد من رضاها, هي أحق بنفسها من وليها، فيفهم من ذلك أن غير الثيب وليها أحق بها, هذا هو المشهور من مذهب الحنابلة وهو قول أكثر أهل العلم. والرأي الثاني رأي أبي حنيفة وهو قول الأوزاعي أن البكر البالغة لا بد من إذنها، لما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ) أخرجاه في الصحيحين.والصوا في هذه المسألة أن يقال كما تقدم: إن العقد على البكر بغير إذنها صحيح، لكن يجعل الأمر إليها, كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الجارية, فإذا عقد أبوها عقد النكاح لشخص من الأشخاص ننظر إلى رأي هذه الفتاة، فإن أجازت العقد صح ذلك، ويكون تصرف الولي من باب تصرف الفضولي، وإن ردت العقد فإنه لا ينفذ, كما تقدم في حديث ابن عباس في قصة الجارية التي زوجها أبوها من ابن أخيه ليرفع بها خسيسته وهي لم ترضَ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إليها, فنقول: إذا زوج الأب ابنته البالغة العاقلة ولم يأخذ رأيها ولم يأخذ إذنها أو زوجها بغير رضاها, نقول: الأمر موكول إلى المرأة، فإن أجازت العقد نفذ، وإن لم تجزه فإنه لا ينفذ.
    الاستئذان المرأة في النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب استئذان البالغة]. هذا مبني على أن رضا البالغة ليس شرطاً ولا واجباً، لكن إذا قلنا: بأنه واجب، وأنه لا بد منه كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله فنقول: يجب استئذان البالغة ولا بد من رضاها.قال المؤلف رحمه الله: [وليس له تزويج البالغ من بنيه وبناته الثيب إلا بإذنهم]. تقدم أن الأب على المذهب له أن يعقد على ابنه الصغير، وتقدم كلام أهل العلم في هذه المسألة, لكن بالنسبة لابنه الكبير البالغ العاقل فليس له أن يعقد له إلا بإذنه, ولو عقد له على امرأة بلا إذنه فإنه ينظر إلى رأي الزوج فإن أجاز النكاح نفذ وإن رده فإنه لا ينفذ. كذلك أيضاً الثيب ليس للأب أن يزوج ابنته الثيب التي وطئت في نكاح صحيح أو بزنا مع رضا ليس له أن يزوج هذه الثيب إلا بإذنها، ودليل ذلك كما تقدم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( الأيم أحق بنفسها من وليها )، فالثيب بخلاف البكر، وتقدم كلامهم في البكر.قال المؤلف رحمه الله: [وليس لسائر الأولياء تزويج صغير ولا صغيرة ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها]. تزويج الابن الصغير هذا من خصوصيات الأب, لكن لو أن الأب متوفى فأراد الجد أن يزوج ابن ابنه الصغير الذي له سنتان أو ثلاث سنوات لا يملك ذلك, يعني: ملك تزويج الابن الصغير من خصائص الأب فقط, وتقدم الكلام على هذه المسألة, حتى الأب هناك من أهل العلم من يعارض في تزويجه. كذلك أيضاً تزويج البنت الصغيرة هذا من خصائص الأب, أما غيره لو كان الأب متوفى والجد أراد أن يزوج بنت ابنه الصغيرة فإنه لا يملك ذلك أو الأخ أراد أن يزوج أخته الصغيرة فإنه لا يملك ذلك حتى تبلغ مبلغاً تعرف فيه مصالح النكاح وتستأمر وتشاور ويؤخذ إذنها, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).قال: (ولا تزويج كبيرة إلا بإذنها). أيضاً البكر البالغة لا يعتبر رضاها بالنسبة للأب فقط, أما بالنسبة لباقي الأولياء فإنه لا بد من رضاها, وتقدم لنا أن الصحيح أنه لا فرق بين الأب وغيره, وأن الأب إذا زوج ابنته البالغة العاقلة بلا إذنها فإن هذا موكول إلى المرأة، فإن أجازت النكاح نفذ, وإن لم تجز النكاح فإنه لا ينفذ. المهم أن سائر الأولياء ليس كالأب, الجد لا يملك أن يزوج ابنة ابنه البالغة العاقلة إلا برضاها, وأيضاً الأخ لا يملك أن يزوج أخته إلا برضاها، والعم لا يملك أن يزوج أبنة أخيه إلا برضاها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اليتيمة تستأمر في نفسها ).
    ما يكون به الإذن
    قال المؤلف رحمه الله: [وإذن الثيب الكلام، وإذن البكر الصمات..الخ]. هنا الآن شرع المؤلف رحمه الله في بيان ما يكون به الإذن، فالثيب لا بد أن تتكلم فتستأمر، ويدل لذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ) يعني: تشاور من الاستئمار, يؤخذ أمرها في هذه المسألة هل تزوج أو لا تزوج, وأما بالنسبة للبكر فإذنها أن تسكت؛ لأن البكر لم تجرب الرجال فيغلب عليها الحياء, فإذا سكتت فإن ذلك علامة على الرضا في الغالب, وقد يكون السكوت ليس علامة على الرضا، ويرجع في ذلك إلى قرائن الأحوال, وإن تكلمت البكر وقالت: رضيت به، فهذا من باب أولى, خلافاً للظاهرية قالوا: بأنها لو تكلمت فهذا لا يعتبر إذناً, بل لابد أن تسكت جموداً على ظاهر النص.
    الكفاءة بين الزوجين
    قال المؤلف رحمه الله: [وليس لولي امرأة تزوجها بغير كفئها]. هنا الآن أشار المؤلف رحمه الله إلى شرط من شروط لزوم النكاح, الكفاءة بين الزوجين، هل الكفاءة بين الزوجين من شروط صحة النكاح أو من شروط لزوم النكاح؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله, والصواب أن الكفاءة بين الزوجين كما سيأتينا إن شاء الله تختلف, المهم شرط الكفاءة. الكفاءة في اللغة: المساواة, وأما في الاصطلاح: فهي المساواة بين الزوجين في أمور مخصوصة, وهذه الأمور سنبينها إن شاء الله.قال المؤلف رحمه الله: [والعرب بعضهم لبعض أكفاء]. هذا الأمر الأول مما تكون الكفاءة، وهو النسب, فالأعجمي ليس كفئاً لعربية، فلو كان عندنا امرأة عربية, يعني: لها أصل في قبائل العرب, وعندنا رجل ليس له أصل في قبائل العرب, هنا قالوا: لا كفاءة بين الزوجين, فلو أن الأب زوج ابنته العربية التي لها أصل في قبائل العرب من هذا الرجل الذي ليس له أصل في قبائل العرب فإن العقد صحيح, المذهب يقولون: الكفاءة ليست من شروط صحة النكاح, ما نقول: بأن العقد باطل, وإنما العقد صحيح، لكن يقف ذلك على إجازة المرأة وإجازة أوليائها, هذا هو المشهور من المذهب.قال المؤلف رحمه الله: [وليس العبد كفئاً لحرة]. الأمر الثاني: الحرية والرق, فلو أن الأب زوج ابنته الحرة رجلاً رقيقاً, يعني: مملوكاً يباع ويشترى، فإن المرأة إذا لم ترض أو لم يرض بعض أولياء المرأة فله أن يفسخ العقد, والعقد صحيح لكنه ليس بلازم, فإن رضيت المرأة ورضي أولياؤها نفذ, لكن إذا لم يرضوا فلمن لم يرض من المرأة والأولياء الفسخ مثل: النسب, إذا كانت المرأة نسيبة والزوج غير نسيب فلمن لم يرض من المرأة والأولياء الفسخ, هذان أمران.قال المؤلف رحمه الله: [ولا الفاجر كفئاً للعفيفة]. الأمر الثالث, ما يتعلق بالدين, فالفاجر ليس كفئاً لعفيفة, فإذا كان عندنا رجل فاسق والمرأة عدل في دينها, فهذا ليس كفئاً لهذه المرأة، فلمن لم يرض من المرأة وأوليائها الفسخ, هذه ثلاثة أشياء.الرابع: الصناعة, فإذا كان الزوج صناعته مزرية به مثل: الكساح الذي يقوم بتنظيف بيوت الخلاء أو الحجام أو الحلاق..ونحو ذلك, فقالوا: هذا صناعته مزرية, فليس كفئاً للمرأة، فإذا لم ترضَ المرأة ولم يرضَ أحد من أوليائها, فلمن لمن يرض من المرأة والأولياء أن يفسخ.الخامس مما تكون به الكفاءة: الميسرة, فإذا كان الزوج فقيراً معسراً والمرأة من بيت غنى فلمن لم يرض من المرأة والأولياء الفسخ, فإذا كان الزوج فقيراً والمرأة من ذوات الغنى أو من بيت غنى، فلمن لم يرضَ من المرأة والأولياء الفسخ, قالوا: هذه الأشياء شرط للزوم وليست شرطاً للصحة, فالعقد صحيح، فأصبحت الكفاءة تكون في الصناعة، وتكون في الميسرة، وتكون في الحرية، وتكون في الدين، وكذلك أيضاً تكون في النسب, هذه خمسة أمور, وأغلب هذه الأمور موضع اتفاق بين جمهور أهل العلم رحمهم الله.والصواب في ذلك ما ذكره الإمام مالك رحمه الله أن الكفاءة هي الدين فقط, لقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي حاتم المزني : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه )، فلو أن الأب زوج ابنته العربية أو التي لها أصل في قبائل العرب بشخص ليس له أصل في قبائل العرب، وهو ذو خلق ودين فإن العقد لازم، ولا يملك أحد -ما دام أن المرأة راضية- فسخ النكاح, كذلك أيضاً لو أنه زوجها رجلاً فقيراً, أو زوجها رجلاً رقيقاً يباع ويشترى, ورضيت المرأة بذلك؛ لأنه يشترط رضا المرأة كما تقدم من شروط صحة النكاح, فإذا رضيت نقول: بأن العقد صحيح, كذلك أيضاً لو كانت صناعته مزرية ورضيت المرأة بذلك حتى ولو كانت صناعته مزرية كحلاق أو حجام أو منظف وغير ذلك ورضيت المرأة فإن العقد صحيح، فالصحيح في ذلك أن الديانة هي التي تعتبر، هذا هو المعتبر, ويمنع من تزويج ثلاثة: الأول: من لا يصلي؛ لأنه ليس ذا دين، من لا يصلي فإنه يمنع من تزوج المرأة وليس كفئاً, وللمرأة أن تفسخ, في هذه الحالة نقول: المرأة لها أن تفسخ زواج الذي لا يصلي لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( العهد الذي بيننا وبينهم، الصلاة فمن تركها فقد كفر ).الثاني: الزاني, الزاني الذي لم يتب من زناه فإنه لا يصح العقد له, لقول الله تعالى: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3].الثالث: من تتضرر به المرأة, كإنسان عنده فسق, يعني: عنده شر وعند فسق كمن يستعمل أموراً يعود ضررها على المرأة كمخدرات..ونحو ذلك, فإنه في هذه الحالة يمنع من ذلك. فالذي يمنع من تزويجهم هؤلاء الثلاثة, إنسان لا يصلي, أو إنسان فسقه يعود بالضرر على المرأة, أو إنسان يستعمل الفواحش ولم يتب منها, لقول الله عز وجل: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]. ولنعلم أن هذه الأمور الخمسة التي ذكرها العلماء رحمهم الله إنما هي معتبرة في جانب الزوج, يعني: لابد أن يكون الزوج نسيباً كما أن الزوجة نسيبة, لابد أن يكون الزوج حراً كما أن الزوجة حرة.. إلخ, أما العكس فهذا غير معتبر, يعني: لو كانت المرأة غير نسيبة والزوج نسيباً, فالعقد صحيح, لو أن هذا العربي تزوج امرأة ليس لها أصل في قبائل العرب فالعقد صحيح, ولا اعتراض عليه، كذلك أيضاً لو أن الحر تزوج رقيقة، والحر له أن يتزوج الرقيقة بشروط فإن العقد صحيح، لو أن هذا الرجل من بيت شريف وتزوج امرأة أبوها له صناعة مزرية أو هي لها صناعة مزرية, فإن العقد صحيح, لكن بالنسبة للدين لا يصح أن يتزوج امرأة لا تصلي، أو امرأة تزني, أو فسقها يعود بالضرر على الزوج.
    تولي طرفي عقد النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ومن أراد أن ينكح امرأة هو وليها فله أن يتزوجها من نفسه بإذنها]. مثلاً: شخص ولي على ابنة عمه, وأراد أن يتزوج هذه المرأة فاستأذنها فأذنت له في ذلك, فيقول فقط: تزوجتك, هو الآن الزوج وهو الولي, فيقول: تزوجتك أو يقول: تزوجت ابنة عمي فلانة. قال المؤلف رحمه الله: [وإن زوج أمته عبده الصغير جاز أن يتولى طرفي العقد]. يعني: إذا أراد أن يزوج عبده الصغير, وقوله: عبده الصغير يخرج العبد الكبير, فالعبد الكبير هو الذي يقبل لنفسه النكاح, أما بالنسبة لعبده الصغير فالسيد هو الذي يقوم بتزويجه، فإذا أراد أن يزوج عبده الصغير من أمته فإنه يقول: زوجت عبدي فلاناً من أمتي فلانة، فقط ويتم عقد النكاح. قال المؤلف رحمه الله: [وإن قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، بحضرة شاهدين ثبت العتق والنكاح؛ لأن رسول صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها]. إذا قال لأمته: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك صح ذلك كما فعل ذلك النبي عليه الصلاة والسلام.
    تزويج السيد إماءه وعبيده الصغار
    قال المؤلف رحمه الله: [فصل: وللسيد تزويج إمائه كلهن وعبيده الصغار بغير إذنهم].أيضاً هذا من الأقسام الذين لا يعتبر إذنهم, الأمة لوليها أن يزوجها بلا إذنها, والصواب في ذلك أن الأمة كالحرة، وتقدم لنا أن الحرة البالغة العاقلة الصحيح أنه يشترط رضاها، فكذلك أيضاً بالنسبة للأمة إذا كان السيد عنده إماء فالصواب في ذلك أنه يعتبر رضاها وإذنها في الزوج لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن ). فالصواب في ذلك أن يعتبر إذنها, وكذلك أيضاً عبده الصغير له أن يزوجه؛ لأنه كما تقدم له أن يزوج ابنه الصغير فكذلك عبده الصغير له أن يزوجه من باب أولى, وتقدم الخلاف في الابن الصغير لكن بالنسبة للعبد الصغير له أن يزوجه سيده؛ لأنه وإن لحقه تكاليف مادية فإن هذه التكاليف المادية تكون في ذمة السيد.
    تزويج السيد أمة أمته التي أعتقها
    قال المؤلف رحمه الله: [وله تزوج أمة موليته بإذن سيدتها]. له تزوج أمة موليته؛ لأن المرأة لا تكون والية على عقد النكاح، وصورة هذه المسألة: أن زيداً من الناس له أمة فأعتقها، هذه الأمة لما أعتقت الآن أصبحت حرة ملكت أمة، هذه الأمة التي ملكتها أمته السابقة يقول المؤلف رحمه الله: للسيد سيد الأمة الذي أعتقها أن يزوج أمة أمته التي أعتقها, قال: (وله تزويج أمة موليته بإذن سيدتها) يعني: هذا زيد أعتق هذه الأمة، وهذه الأمة ملكت أمة بعد أن أعتقت، فسيد هذه الأمة التي أعتقها له أن يزوج أمة أمته التي أعتقها بإذن سيدتها.
    إجبار السيد عبده الكبير على النكاح
    قال المؤلف رحمه الله: [ولا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح]. يعني: لا يملك إجبار عبده الكبير على النكاح بلا رضاه؛ لعموم قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن )، فجعل النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة الإذن فكذلك أيضاً الزوج له الإذن.
    زواج العبد بغير إذن سيده
    قال المؤلف رحمه الله: [وأيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر]. يعني: إذا تزوج الرقيق بغير إذن مواليه بغير إذن سيده فهو عاهر, أي: زان, وهذا يدل على أن عقد النكاح باطل, ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ) أي: زان. فنقول: السيد لا يملك أن يجبر عبده الكبير على الزواج, لا بد من إذنه, لكن لو أراد العبد الكبير البالغ الزواج لا بد أن يستأذن سيده في هذا الزواج؛ لأن زواج هذا الرقيق يلحق السيد تكاليف مالية, يلحقه المهر ويلحقه النفقات ونفقة أولاده..إلخ؛ لأن هذا الرقيق نفقته ومهره على سيده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ). قال المؤلف رحمه الله: [فإن دخل بها فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر]. إذا تزوج الرقيق بغير إذن سيده فالعقد باطل كما تقدم لقول النبي عليه الصلاة والسلام:( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر )، فالعقد باطل, فإن دخل بهذه المرأة, يعني: دخل عليها وحصل وطء لهذه المرأة فإنه يجب المهر ويستقر بالدخول, يقول المؤلف رحمه الله: الآن المرأة لها المهر, لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ولها المهر بما استحل من فرجها ), يقول المؤلف رحمه الله: يتعلق هذا المهر برقبة هذا الرقيق المتزوج, كيف يتعلق برقبته؟ نقول للسيد: أنت بالخيار إما أن تدفع قيمة المهر للمرأة أو أننا نأخذ هذا الرقيق ونقوم ببيعه, ويوفى المهر من ثمن هذا الرقيق, إن فضل شيء يرد عليك وإن لم يفضل شيء لا تطالب به, فنبيع هذا الرقيق, مثلاً: إذا فرضنا أن المهر ألف ريال وبعنا هذا الرقيق, الرقيق قيمته ألف ومائة ريال، نعطي المرأة ألف ريال ونرد مائة على السيد, إذا كان بالعكس القيمة ألف ريال والمهر ألف ومائة فإننا نعطي هذه الألف للمرأة ولا يطالب السيد بشيء, فنقول: أنت بالخيار إما أن تفديه تدفع المهر ولا يباع الرقيق, وإما أن نبيعه ونسدد من ثمنه المهر, فإن فضل شيء رد عليك وإن نقص شيء فإنك لا تطالب به, نجعل الخيار للسيد، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (فمهرها في رقبته كجنايته إلا أن يفديه السيد بأقل من قيمته أو المهر) فنقول للسيد: أنت بالخيار إما أن تفديه بالأقل يعني: ينظر الأقل من المهر أو القيمة, ينظر إذا كانت مثلاً: قيمته ألف ومهرها ألف ومائة تدفع الألف أو أننا نقوم ببيعه ونوفي المرأة المهر، فإن فضل شيء رد عليك وإن لم يفضل شيء فإنك لا تطالب به هذا معنى قوله: (فمهرها في رقبته كجنايته).
    حكم من نكح أمة على أنها حرة
    قال المؤلف رحمه الله: [ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول، وإن أصابها فلها مهرها، وإن أولدها فولده حر يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره، ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء].يأتينا إن شاء الله ما يتعلق بدرس المحرمات في النكاح أن الحر ليس له أن يتزوج الأمة, يعني: الأمة التي تباع وتشترى الحر لا يجوز له أن يعقد عليها عقد نكاح إلا بشروط ثلاثة كما سيأتي إن شاء الله, هنا لو أن حراً تزوج أمة يظن أنها حرة, تزوج هذه المرأة على أنها حرة ثم بعد ذلك تبين أنها أمة, يقول المؤلف رحمه الله: (فله فسخ النكاح ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول).إذا تزوج الحر امرأة يظن أنها حرة ثم بعد ذلك تبين أنها أمة فإن كان هذا الشخص ممن لا يجوز له أن يتزوج الإماء؛ لأنه لم تتوافر فيه الشروط الثلاثة التي سنذكرها لاحقاً بإذن الله فهذا يجب عليه أن يفسخ عقد النكاح؛ لأن عقد النكاح هذا غير صحيح, فإن كان هذا الرجل له أن يتزوج الإماء نقول: أنت بالخيار إما أن تستمر على العقد وإما أن تفسخ.فعندنا بالنسبة لما يتعلق بفسخ العقد إن كان ممن لا يجوز له أن يتزوج الإماء العقد غير صحيح, وإن كان ممن يجوز له أن يتزوج الإماء نقول: أنت بالخيار، إما أن تفسخ وإما أن تستمر فيكون من باب تصرف الفضولي, هذا بالنسبة لعقد النكاح. بقينا في الأمر الثاني وهو بالنسبة للمهر، إن كان الفسخ قبل الدخول فلا مهر عليه, وإن فسخ بعد الدخول يعني: بعد أن دخل بالمرأة ووطئها فإن المرأة يجب لها المهر, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولها المهر بما استحل من فرجها )، والزوج يرجع على من غره وغشه, فإذا كان الولي غره يرجع ويغرمه المهر الذي أخذته منه المرأة؛ لأن الولي هو الذي باشر عقد النكاح, إذا كان الزوج جاهلاً بالوضع فإنه يرجع على المرأة, يعني: يعطي المرأة المهر بما استحل من فرجها ثم بعد ذلك يرجع على من غره من الولي أو من المرأة. بقي مسألة ثالثة ذكرها المؤلف رحمه الله: وهي ما إذا أتى بولد, ولد الأمة يكون رقيقاً؛ لأن الولد يتبع أمه, ولهذا قال المؤلف رحمه الله: [فإن كان ممن يجوز له ذلك فرضي فما ولدت بعد الرضا فهو رقيق].بالنسبة لولد هذا الشخص يكون حراً؛ لأنه مغشوش وقد غر في ذلك, لكن يقول المؤلف رحمه الله: يفديه بقيمته ويرجع بما غرم على من غره, يقول: هذا الولد الذي جاء بعد وطء هذه المرأة وتبين أنها أمة نقول: بأنه حر ولا نحكم بأنه رقيق لسيد الأمة, وعلى أبيه أن يفديه يعني: يدفع قيمته لسيد الأمة، ويرجع على من غره من الولي لهذه المرأة أو من المرأة, فبالنسبة للمهر يعطيه المرأة ويرجع على من غره إما الولي أو المرأة, أيضاً الولد إن ولدت يكون حراً ويفديه بقيمته ويرجع على من غره من الولي أو المرأة, إن رضي بنكاح هذه المرأة وهو ممن له نكاح الإماء فما ولدت بعد ذلك فهو رقيق كما سيأتينا إن شاء الله.
    الأسئلة

    تعليق الولي موافقته على الخطبة على شرط مباح
    السؤال: إذا خطب رجل صالح امرأة صالحة وشرط عليه أهل المرأة إن لم تخرج الموافقة من المحكمة خلال ثلاثة شهور سوف يقبلون من يأتي بعدك لخطبة هذه المرأة إن كان صالحاً، وذلك خوفاً من أن تربط المرأة لهذا الرجل مدة طويلة؟الجواب: هذا شرط صحيح يعني: لو أنه قيل له لما خطب: إن لم يتم الأمر خلال يومين أو خلال أسبوع أو في خلال شهر فإنه لا خطبة لك, فإن هذا شرط صحيح؛ لأن المسلمين على شروطهم.
    النظر إلى المخطوبة بلا وجود محرم عندها
    السؤال: هناك من يرى أن حضور المحرم ليس ضرورياً بالنسبة للنظر إلى المخطوبة؟ الجواب: المحرم يشترط في السفر، وفي الحضر يشترط عدم الخلوة، فلو أن الرجل نظر إلى المخطوبة وليس هناك خلوة يعني: يكون هناك أحد من أقاربها أو من قريباتها أو من قريباته هو وليس هناك محذور شرعي, فإنه لا بأس بذلك, يعني: ليس بشرط أن يكون المحرم موجوداً؛ لأن المحرم نشترطه في السفر، وفي الحضر نشترط عدم الخلوة, ولذلك نحن ذكرنا في شروط لم نشترط المحرم وإنما اشترطنا عدم الخلوة.
    عدة المختلعة
    السؤال: امرأة خالعت زوجها فما عدتها؟الجواب: المختلعة هي التي طلقت على عوض, والخلع: هو فراق المرأة على عوض، والصواب أن عدتها حيضة واحدة فقط, ويدل لذلك أن امرأة ثابت بن قيس رضي الله تعالى عنه اعتدت بحيضة واحدة، وكذلك أيضاً الربيع رضي الله تعالى عنها لما اختلعت في زمن عثمان أمرها عثمان رضي الله تعالى عنه أن تعتد بحيضة واحدة, والثلاث الحيض هذه عدة لمن لزوجها أن يراجعها لكي تطول زمن الرجعة, وما الفائدة أن نجعل عدة المرأة ثلاث حيض وزوجها لا يتمكن من مراجعتها مثل: المختلعة والمفسوخة؟ هذه لا يمكن لزوجها أن يرجع إليها إلا بعقد, فإذا كان كذلك فما الفائدة من التطويل ونجعل ذلك ثلاث حيض؟فالصواب أن المختلعة عدتها حيضة واحده كما ثبت في قصة امرأة ثابت بن قيس وأيضاً ورد عن عثمان رضي الله تعالى عنه.
    الحكمة من عدم كون ذوي الأرحام أولياء في النكاح
    السؤال: ما الحكمة من أن ذوي الأرحام لا يتولون عقد المرأة وتزويجها مع أنهم قد يكونون أحرص على المرأة من معتقها عصباته ومن السلطان؟الجواب: ذوي الأرحام ليس لهم ولاية, فمثلاً: أخ لأم ليس له ولاية على المرأة, بل نقول: العصبات الأصول، الفروع، الحواشي، لم يوجد شيء من ذلك ننتقل بعد العصبة بالنسب إلى العصبة بالسبب، لم نجد شيئاً من ذلك نرجع إلى السلطان، والسلطان يولي من يشاء، إما الخال والجد من قبل الأم وابن العمة وأيضاً ابن الأخت, وأيضاً الأخ لأم..إلخ, فسائر ذوي الأرحام ليس لهم دخل في ولاية النكاح، والعلة في ذلك أن الشارع لم يجعل لهم شيئاً من ذلك.
    دخول العريس قاعة النساء والتأخر في الزفاف والتبذير في الطعام
    السؤال: قال: ما حكم دخول العريس في قاعة النساء؟ وما حكم إطالة الزواج إلى فترة متأخرة مثل: الساعة الرابعة؟ وما رأيك في الطعام الزائد؟الجواب: هذه كلها من المحذورات والأخطاء والمنكرات التي توجد في عقود الزواج، وإذا نظرنا إلى الشريعة الإسلامية نجد أن الشريعة الإسلامية سهلة، وأنها خففت أمر النكاح, اليوم الناس يشددون على أنفسهم فيما يتعلق بالتكاليف، وفيما يتعلق بالتجهيزات وغير ذلك, فيجعلون كثيراً من العقبات أمام هذا العقد العظيم الذي ينبغي أن نكثر منه، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة )، وانظر إلى حديث سهل في الصحيحين في قصة المرأة التي جاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت: يا رسول الله وهبت نفسي لك، فلم يرَ النبي عليه الصلاة والسلام فيها حاجة فقال رجل من أصحابه: زوجنيها يا رسول الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تصدقها؟ قال: أصدقها إزاري -ما معه إلا إزاره وما عليه رداء- فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك، اذهب فالتمس ولو خاتما من حديد، فذهب ولم يجد شيئاً, فجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه لم يجد شيئاً، ثم جلس فطال به المقام فقام، فلما انصرف دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم أحفظ سورة كذا وكذا فقال: زوجتكها بما معك من القرآن ), فانتهى العقد بأمور يسيرة جداً؛ لأن الشارع يريد أن يكثر من عقد النكاح, لما يترتب عليه من المصالح العظيمة، من القيام على المرأة وكفالتها وغض الأبصار، وحفظ الفروج, والاستقرار والسكينة والطمأنينة.. إلخ, أما أن نجعل هذه العقبات الكثيرة وهذه الأمور أتى من قبل أعداء الإسلام من قبل اليهود والنصارى, مع أنك إذا تأملت العقود التي توجد عند غير أهل السنة والجماعة تجد أن عقودهم يسيرة سهلة، فمثلاً: الرافضة العقود عندهم سهلة جداً، مهر النكاح عندهم سهل جداً, حتى النصارى المهر عندهم خمسون دولاراً ما يقرب من مائة وعشرين ريالاً، أما عندنا يكلف الزوج بمبالغ باهضة ويستدين..إلخ, فعلينا أيها الأحبة أن نحاب مثل: هذه الأمور.
    اشتراط المرأة أن يكون مهرها مصحفاً
    السؤال: قال: ما الحكم إذا اشترطت المرأة أن يكون مهرها مصحف؟الجواب: هذا شرط صحيح، والعلماء رحمهم الله يقولون في ضابط الصداق: كل ما صح أن يكون أجرة أو ثمناً من الأعيان والمنافع صح أن يكون مهراً, يعني: حتى ولو ريال واحد يصح أن يكون ثمناً ويصح أن يكون أجرة, حتى المنفعة لو أنك أصدقتها منفعة أن تعلمها كتاب الطهارة صح، أو تعلمها سورة من القرآن أو تعلمها عشر صفحات من كتاب التوحيد..إلخ صح، كل ما صح أن يكون ثمناً أو أجرة من المنافع والأعيان صح أن يكون مهراً.
    المهر المؤخر
    السؤال: هل ورد في الشرع وجود المهر المؤخر للمرأة؟الجواب: هذا لا يوجد في الشرع، والأحسن أن لا يكون هناك شيء اسمه مؤخر، وإنما يكون مهر يسير يقدمه الزوج, وأما اشتراط مهر مؤخر فهذا الشرط صحيح لكنه ليس موجوداً في الشرع, ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( زوجتكها بما معك من القرآن )، ولم يقل: زوجتكها بدينار أو بدرهم يكون مؤخراً عليك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •