تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر









فضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ







إذا أردت أن تتنبأ بمستقبل وهوية مجتمع ما فانظر إلى حال أفراده، ولعل ما ينبئ بشكل أدق عن أي مجتمع هو حال المرأة فيه، خاصة وأنها تمثّل نصف المجتمع الإنساني الذي يلد النصف الآخر، وهي المربية للأجيال والصانعة للرجال، ولذلك لا غرابة يوم أن سلّطت عليها الأضواء ودارت حولها مخططات الأعداء ومكرهم لإفسادها وإخراجها إلى ميدان الفتنة والابتذال ليفقد بذلك المجتمع توازنه وأمنه وسعادته.

من أجل ذلك ومن خلال تجربة طويلة لمربٍ فاضل فقد أطلق عبر إذاعة الرياض فضيلة الشيخ محمد لطفي الصباغ رسالته ناصحاً - والتي طُبعت ونُشرت فيما بعد - مخلصاً لبناته وأخواته المسلمات يحذرهنّ فيها من الخطر الماحق والمكر الكُبّار من فئة لا تخشى الله ولا العار تسعى لإسقاط المرأة المسلمة وجرّها للابتذال والرذيلة ، فكان نصحاً خالصاً محذراً، ومذكراً في الوقت نفسه بأن من مسؤولية كل غيور رجلاً كان أو امرأة أن تنطلق صيحات الخير في وجوه المفسدين والمأجورين.

جاء في البدء تحذير الشيخ من خطورة الاختلاط المستهتر والخلوة بالمرأة الأجنبية في المجتمع المسلم، وحكمة الشارع في التحريم لكونهما عاملا هدم لأخلاق الأمة الإسلامية على مستوى الأسرة والمجتمع، ولأنهما مما يفضي لغضب الرب تعالى وسخطه ونزول العقوبة، فالتحريم كان رعاية لمصالح الناس الدنيوية والأخروية وذلك صيانة لهم عن الوقوع في الحرام.

ثم ضرب الأستاذ صوراً محرمة للخلوة والاختلاط شاعت لدى فئة من الناس من الموسرين دون تأمل لخطورة الأمر، وشاعت أيضاً لدى فئة من أتباع الغرب، ومثله ما يفعله بعض الناس جهلاً بعواقب الأمور.

وكلها صور تقوّض علاقات الودّ والتراحم الأسري والانسجام العائلي فتتحول إلى أجواء خصام واتهامات وربما تنتهي بنتائج مدمرة تُنهي الحياة المشتركة إلى طلاق وتشتيت للأسر.

ثم أورد كلاماً ذكره الأستاذ الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله حيث ساق أقوالاً لبعض الدارسين الأوروبيين وعقلاء الغرب فيها عظة لمن كان له قلب، وذلك حين بدؤوا يحذرون قومهم من المصير الذي انتهى إليه الرومان واليونان حين كانت المرأة في أول حضارتهم مصونة محتشمة وبعد فتوح وتوطيد لإمبراطوريتهم تبرجت النساء وارتادت المجالس العامة وخالطت الرجال ففسدت الأخلاق وضعفت ممالكهم ثم انهارت سريعاً.

ثم ذكّر المؤلف بأن الإسلام حظر الجريمة ومنع أسبابها المؤدية إليها، وأنه من فرّط في الأسباب وقع في الجريمة ومن حام حول الحمى أوشك أن يرتع فيها؛ لذلك كان من حماية الإسلام للمجتمع المسلم أن أوجب على المرأة الحجاب صيانة لها من الابتذال والتعرض للريبة والفحش وعن الوقوع في الجريمة، ومخالفتها لذلك تعريض للمجتمع للانهيار.

ثم عرض الشيخ لنوعين من الاختلاط الحاصل في مجتمعات مسلمة تهاون فيهما كثير من الناس بل حتى من الصالحين، وأشار بأنهما معولا هدم في كيان المجتمع المسلم وهو ما كان في التعليم، وفي مجالات العمل.

وإن من أضراره ما هو ملموس في الواقع من هبوط بالتعليم وصرف للطاقات في غير مجال الدرس والتعليم

وباتساع نطاق التعليم والعمل لم يعد ضرورة يتعيّن اللجوء إليها، كما طالب المؤلف باتخاذ خطوة إيجابية تأخذ طريقها للتنفيذ بمنع الاختلاط، وهذا لا يعني منع المرأة من حقها في التعلم والعمل، وإن كان ولابد من الاختلاط فلابد من توفير الجو الصحي المناسب لنهضة ورقي المجتمعات المسلمة. ولذلك ذكّر الشيخ بحق المرأة في التعليم والعمل إلا أنه قرن ذلك بضوابط وشروط ضمن حدود الشريعة الإسلامية حماية لها ولمجتمعها وحتى تسهم في النهضة عبر مجالات عمل ممتازة ذات نفع كبير لها و لبنات جنسها ولمجتمعها وأمتها.

وأشار الكاتب بعدها لآثار عمل المرأة خارج البيت على حياتها الزوجية، بالاختلال والتقصير الذي يحدثه على بيتها وتقصيرها بحق زوجها وأبنائها، فإن لم تكن له ضرورة فإن الأضرار المترتبة عليه كثيرة.

وفي اقترح للدكتور للحيلولة بين النساء ومخاطر الاختلاط في العمل، وكذا الإهمال للأسرة والبيت رأى بأن توطّن المرأة نفسها على أنه ليس كل عمل يعني ما كان خارج البيت، بل هناك الكثير من الأعمال يمكنها ممارستها والاشتغال بها ولو من بيتها.

وردّ في معرض حديثه على أباطيل المتهاونين بالخلوة والاختلاط الآثم وترديدهم لحجج واهية ودعاوى غير منطقية، مذكراً لهم بالحضيض الذي يرزح فيه الغرب.

ثم ختم الدكتور مذكراً بالعلاج الشرعي الجذري فيما يخص هذا الموضوع والذي جاء في عدة أمور، هي الالتزام بما جاء من : أمر الشارع الحكيم بغضّ البصر، والأمر بتحريم الخلوة بالمرأة ولو كان من أقارب الزوج، وأن ما ورد من خطاب الله جل وعلا لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحديد علاقتهن بأولئك الرجال الأفاضل وهنّ الطاهرات العفيفات والصحابة من هم في الخيرية والسمو ، يعطي الدروس العظيمة لمن بعدهم نساءً ورجالاً بالاقتداء والاهتداء بهم، وأنه ليس خاصاً بهم.

كتاب (تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر) للدكتور محمد لطفي الصباغ، الصادر عن المكتب الإسلامي، يقع في 27 صفحة من القطع الصغير، وهو في أصله محاضرة ألقيت عبر إذاعة الرياض ثم طُبعت ونشرت في هيئة كتاب.