تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 45 من 45 الأولىالأولى ... 3536373839404142434445
النتائج 881 إلى 898 من 898

الموضوع: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

  1. #881
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (876)

    سورة الغاشية
    مكية وآياتها ست وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 558الى صــــ 564)

    سورة الغاشية
    مكية وآياتها ست وعشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هل أتاك حديث الغاشية (1) وجوه يومئذ خاشعة (2) عاملة ناصبة (3) تصلى نارا حامية (4) تسقى من عين آنية (5) ليس لهم طعام إلا من ضريع (6) لا يسمن ولا يغني من جوع (7) وجوه يومئذ ناعمة (8) لسعيها راضية (9) في جنة عالية (10) لا تسمع فيها لاغية (11) فيها عين جارية (12) فيها سرر مرفوعة (13) وأكواب موضوعة (14) ونمارق مصفوفة (15) وزرابي مبثوثة (16)

    شرح الكلمات:
    هل أتاك: أي قد جاءك.
    الغاشية: أي القيامة وسميت الغاشية لأنها تغشى الناس بأهوالها.
    وجوه يومئذ: أي يوم إذ تقوم الساعة.
    خاشعة: أي ذليلة أطلق الوجوه وأراد أصحابها.
    عاملة ناصبة: أي ذات نصب وتعب بالسلاسل والأغلال وتكليف شاق الأعمال.
    تصلى نارا حامية: ترد هذه الوجوه نارا حامية قد اشتدت حرارتها.
    تسقى من عين آنية: أي بلغت أناها من الحرارة يقال أني الحميم إذا بلغ منتهاه.
    إلا من ضريع: أي أخبث طعام وأنتنه، وضريع الدنيا نبت يقال له الشبرق لا ترعاه الدواب لخبثه.
    وجوه يومئذ ناعمة: أي حسنة نضرة.
    لسعيها راضية: أي لعملها الصالحات في الدنيا راضية في الآخرة لما رأت من ثوابها.
    لاغية: أي كلمة لاغية من اللغو والباطل.
    وأكواب: أقداح لا عرا لها موضوعة على حافة العين للشرب.
    ونمارق مصفوفة: أي ومساند جمع نمرقة مصفوفة الواحدة إلى جنب الأخرى للاستناد إليها.
    وزرابي مبثوثة: أي بسط وطنافس لها خمل وما لا خمل لها يسمى سجادة ومعنى مبثوثة مفروشة هنا وهناك مبسوطة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {هل أتاك1 حديث الغاشية2} هذا خطاب من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقول له فيه هل أتاك نبأ الغاشية وخبرها العظيم وحديثها المهيل المخيف إن لم يكن أتاك فقد أتاك الآن إنه حديث القيامة التي تغشي الناس بأهوالها وصعوبة مواقفها واشتداد أحوالها وإليك عرضا سريعا لبعض ما يجري فيها: {وجوه ي3ومئذ} تغشاهم الغاشية {خاشعة} ذليلة {ناصبة} أي
    ذات نصب وتعب من جر السلاسل والأغلال، وتكليف أشق الأعمال {تصلى نارا حامية} أي ترد نارا {تسقى} أي فيها {من عين آنية} قد بلغت أناها وانتهت إلى غايتها في حرارتها هذا هو الشراب أما الطعام فإنه ليس لهم طعام إلا من ضريع4 قبيح اللون خبيث الطعم منتن الريح، {لا يسمن} آكله ولا يغنيه من جوع. هذه حال من كفر وفجر كفر بالله وبآياتها ولقائه ورسوله، أو فجر عن طاعة الله ورسوله فترك الفرائض وغشي المحارم هذه وجوه ووجوه5 يومئذ ناعمة أي نضرة حسنة فإنها لسعيها راضية أي لسعيها في الدنيا وهو إيمانها وصبرها إيمانها وجهادها إيمانها وتقواها إيمانها وعملها الصالح أصحاب هذه الوجوه راضون بأعمالهم لما رأوا من ثوابها والجزاء عليها.
    إنهم أدخلوا في جنة عالية لا يقادر علاها، لا تسمع6 فيها لاغية أي كلمة باطلة تنغص سعادتهم ولا كلمة نابية تقلق راحتهم. فيها عين جارية من غير أخدود حفر لها، فيها سرر مرفوعة قدرا وحالا ومكانا، وأكواب أقداح لا عرا لها من ذهب وفضة موضوعة لشربهم إن شاءوا وشربوا بأيديهم أو ناولتهم غلمانهم، ذاك لون من الشراب أما الفراش فإنها سرر مرفوعة، ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة، وسائد قد صفت للراحة والاتكاء الواحدة إلى جنب الأخرى طنافس ذات خمائل مبثوثة مفروشة هنا وهناك مبسوطة. هذه لمحة خاطفة عن الدار الآخرة تعتبر ذكرى للذاكرين وعظة للمتقين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر عرض سريع لها.
    2- من أسماء القيامة الغاشية لأنها تغشى الناس بأهوالها.
    3- بيان أن في النار نصبا وتعبا. على عكس الجنة فإنها لا نصب فيها ولا تعب.
    4- من مؤلمات النفس البشرية لغو الكلام وكذبه باطله وهو ما ينزه عنه المؤمنون أنفسهم.
    __________

    1 افتتح تعالى هذه السورة بالاستفهام بهل المفيد لمعنى قد التي هي للتحقيق من أجل التشويق إلى ما يخبر به لما فيه من العلم والمعرفة وما يحوي من موعظة كبرى.
    2 الغاشية: القيامة علم لها بالغلبة واشتق لها هذا الاسم من الغشيان الذي هو التغطية إذ هي تغطي الناس بأهوالها وتذهل عقولهم وتغطيها.
    3 هذه الجملة بيان لجملة حديث الغاشية بينها بذكر أحوالها وأهوالها إذ المقصود العبرة وتقرير البعث الذي أنكرره المشركون وذكر الوجوه كناية عن أصحابها إذ يطلق الوجه ويراد به الذات.
    4 الضريع هو يابس ثمر الشبرق بكسر الشين وإسكان الباء وكسر الراء وهو نبت ذو شوك فإذا يبس يقال له ضريع ويصير مسموما أي فيه مادة السم القاتلة هذا طعام أهل النار وجائز أن يكون الضريع شجر في النار ينتج عنه عصير الغسلين.
    5 وجوه يومئذ ناعمة. هذه الجملة غير معطوفة على الوجوه الأولى، لأن المقصود من الكلام هو بيان القيامة وما يكون فيها من عذاب وشقاء للمكذبين بها. فلما تم الحديث عنها قد يتشوق السامع إلى معرفة حال المؤمنين بها فأجيب بقوله وجوه يومئذ ناعمة الخ ... فهو استئناف بياني.
    6 قرأ نافع لا تسمع بالبناء للمجهول ولاغية نائب فاعل وقرأ حفص لا تسمع بالبناء للفاعل ولاغية مفعول به.

    ****************************
    أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20) فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24) إن إلينا إيابهم (25) ثم إن علينا حسابهم (26)
    شرح الكلمات:
    أفلا ينظرون: أي أينكرون البعث فلا ينظرون نظر اعتبار.
    إلى الإبل كيف خلقت: أي خلقا بديعا معدولا به عن سنن سائر المخلوقات.
    وإلى السماء كيف رفعت: أي فوق الأرض بلا عمد ولا مستند.
    وإلى الجبال كيف نصبت: أي على وجه الأرض نصبا ثابتا لا يتزلزل.
    وإلى الأرض كيف سطحت: أي بسطت.
    فذكر: أي ذكرهم بنعم الله ودلائل توحيده.
    بمسيطر: أي بمسلط.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {أفلا ينظرون} 1 أي أينكرون البعث والجزاء وما أعد الله لأوليائه من النعيم المقيم وما أعد لأعدائه من عذاب الجحيم. أفلا ينظرون نظرة اعتبار إلى الإبل كيف خلقت2، وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فهل خلق الإبل على تلك الصورة العجيبة وذاك التسخير لها وما فيها من منافع إذ يشرب لبنها ويركب ظهرها ويؤكل لحمها لا يدل على قدرة الخالق على إحياء الموتى وهل خلق السماء بكواكبها وشمسها وقمرها ثم رفعها بغير عمد يدعمها ولا سند يسندها لا يدل على قدرة الله على بعث الموتى أحياء ليحاسبهم ويجزيهم، وهل نصب الجبال بعد خلق ترابها وإيجاد صخورها لا يدل على قدرة الله خالقها
    على بعث الرمم وإحياء الأجساد البالية كيف شاء ومتى شاء وهل خلق الأرض بكل ما فيها ثم بسطها وتسطيحها للحياة عليها والسير فوقها وتعميرها بأنواع العمران لا يدل على قدرة الله على البعث والجزاء. فما للقوم لا ينظرون3 ولا يفكرون وقوله تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر} بعد لفت أنظار المشركين إلى ما لو نظروا إليه وتفكروا فيه لاهتدوا إلى الحق وعرفوا أن الخالق لكل شيء لا يعجزه بعث عباده ولا جزاؤهم. أمر رسوله أن يقوم بالمهمة التي أنيطت به وهي التذكير دون الهداية التي هي لله وحده دون سواه فقال له {فذكر إنما أنت مذكر} أي ذكر بمظاهر قدرتنا وآياتنا في الآفاق وآلائنا على العباد إنما أنت مذكر ليس غير. وقوله {لست عليهم بمصيطر} أي بمتسلط تجبرهم على الإيمان والاستقامة وقوله {إلا من 4تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر} أي لكن من تولى عن الإيمان فكفر بآياتنا ورسولنا ولقائنا فيعذبه الله العذاب الأكبر وهو عذاب الآخرة. وقوله تعالى {إن إلينا إيابهم} أي رجوعهم إلينا لا إلى غيرنا. {ثم إن علينا} لا على غيرنا {حسابهم} ومن ثم سوف نجزيهم الجزاء اللائق بهم، ولذا فلا يضرك يا رسولنا إعراضهم ولا توليهم. وحسبك تذكيرهم فمن اهتدى نجا ونجاته لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها إذ عاقبة ضلاله وهي الخسران التام عائدة عليه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير البعث والجزاء بالدعوة إلى النظر إلى الأدلة الموجبة للإيمان به.
    2- بيان أن الداعي إلى الله تعالى مهمته الدعوة دون هداية القلوب فإنها إلى الله تعالى وحده.
    بيان أن مصير البشرية إلى الله تعالى وهي حال تقتضي الإيمان به تعالى وطاعته طلبا للنجاة من عذابه والفوز برحمته. وهو مطلب كل عاقل لو أن الناس يفكرون.
    __________

    1 هذا الكلام متفرع عما سبق إذ إنكار المشركين للبعث والجزاء وللتوحيد الناتج عن جهلهم وغفلتهم وعدم تفكرهم فلذا استحثهم على النظر والتفكر موبخا لهم على ترك ذلك.
    2 كيف خلقت بدل اشتمال من الإبل، وكيف في محل نصب على الحال والعامل فيه ما ذكر بعدها وأما وإلى السماء وما بعدها فإنها معطوفات على جملة إلى الإبل وإعراب كيف واحد والإبل اسم جمع للبعران لا مفرد لها من لفظه.
    3 من مظاهر رحمة الله ولطفه بعباده أن يوجه عباده إلى سبيل هدايتهم توجيها خاليا من العناء والمشقة فالعربي يركب بعيره في طريقه إلى حاجته فينظر إليه وهو راكبه وينظر إلى السماء فوقه وإلى الجبال حواليه وإلى الأرض تحت قدميه فيسأل أليس القادر على خلق هذا قادرا على البعث؟ فيجيب نفسه بلى إنه قادر.
    4 روي أن عليا أتى بمرتد عن الإسلام فاستتابه ثلاثة أيام فلم يتب وأصر على الردة فضرب عنقه وقرأ {إلا من تولى وكفر} .

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #882
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (877)

    سورة الفجر
    مكية وآياتها ثلاثون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 564الى صــــ 569)


    سورة الفجر
    مكية وآياتها ثلاثون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والفجر (1) وليال عشر (2) والشفع والوتر (3) والليل إذا يسر (4) هل في ذلك قسم لذي حجر (5) ألم تر كيف فعل ربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد (9) وفرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد (12) فصب عليهم ربك سوط عذاب (13) إن ربك لبالمرصاد (14)

    شرح لكلمات:
    والفجر: أي فجر كل يوم.
    وليال عشر: أي عشر ذي الحجة.
    والشفع والوتر: أي الزوج والفرد.
    والليل إذا يسر: أي مقبلا أو مدبرا.
    لذي حجر: أي حجى وعقل.
    بعاد إرم: هي عاد الأولى.
    ذات العماد: إذ كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا.
    جابوا الصخر بالواد: أي قطعوا الصخر جعلوا من الصخور بيوتا بوادي القرى.
    ذي الأوتاد: أي صاحب الأوتاد وهي أربعة أوتاد يشد إليها يدي رجلي من يعذبه.
    طغوا في البلاد: أي تجبروا فيها وظلموا العباد وأكثروا فيها الفساد.
    فأكثروا فيها الفساد: أي الشرك والقتل.
    سوط عذاب: أي نوع عذاب.
    لبالمرصاد: أي يرصد أعمال العباد ليجزيهم عليها.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والفجر وليال عشر والشفع والوتر1 والليل إذا يسر} هذه أربعة أشياء قد أقسم الله تعالى بها وهي الفجر وفي كل يوم فجر وجائز أن يكون قد أراد تعالى فجر يوم معين وجائز أن يريد فجر كل يوم {وليال عشر} وهي العشر الأول من ذي شهر الحجة وفيها عرفة والأضحى وقد أشاد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال "ما من2 أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من عشر ذي الحجة " والشفع وهو كل زوج والوتر3 وهو كل فرد فهو إقسام بالخلق كله {والليل إذا يسر} مقبلا أو مدبرا فهو بمعنى والليل إذا سار والسير يكون صاحبه ذاهبا أو آيبا وقوله تعالى {هل في ذلك قسم لذي حجر} أي لذي حجر ولب وعقل أي نعم فيه قسم عظيم وجواب القسم أو المقسم عليه جائز أن يكون قوله تعالى {إن ربك لبالمرصاد} الآتي, وجائز أن يكون مقدرا مثل لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير, وهذا لأن السورة مكية وهي تعالج العقيدة ومن أكبر ما أنكره المشركون البعث والجزاء فلذا هذا الجواب مراد ومقصود. ويدل عليه ما ذكر تعالى من مظاهر قدرته في الآيات بعد والقدرة هي التي يتأتى بها البعث والجزاء فقال عز وجل {ألم تر كيف4 فعل ربك} أي ألم تنظر بعيني قلبك كيف فعل ربك5 بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وهي عاد الأولى قوم هود الذين قالوا من أشد منا قوة, وقال لهم نبيهم هود وزادكم في الخلق بسطة فقد كان طول الرجل منهم اثنى عشر ذراعا, ولفظ إرم عطف بيان لعاد فإرم هي عاد قوم هود ووصفها بأنها ذات عماد وأنها لم يخلق مثلها في البلاد هو وصف لها بالقوة والشدة وفعلا كانوا أقوى الأمم وأشدها ولازم طول الأجسام أن تكون أعمدة المنازل كأعمدة الخيام من الطول ما يناسب سكانها في طولهم. ومع هذه القوة والشدة فقد أهلكهم الله الذي هو أشد منهم قوة وقوله تعالى {وثمود الذين6 جابوا الصخر بالواد} . أي وانظر كيف فعل ربك بثمود وهم أصحاب الحجر (مدائن صالح) شمال المدينة النبوية قوم صالح الذين كانوا أقوياء أشداء حتى
    إنهم قطعوا الصخور نحتا لها فجعلوا منها البيوت والمنازل كما قال تعالى عنهم {وتنحتون من الجبال بيوتا} والمراد بالواد واديهم الذي كان بين جبلين من جبالهم التي ينحتون منها البيوت. فمعنى جابوا الصخر بالواد أي قطعوا الصخور بواديهم وجعلوا منها مساكن لهم تقيهم برد الشتاء القارص وحر الصيف اللافح, ومع هذا فقد أهلكهم الله ذو القوة المتين وقوله {وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في7 البلاد فأكثروا فيها الفساد} وانظر يا رسولنا كيف فعل ربك بفرعون صاحب المشانق والقتل والتعذيب إذ كان له أربعة أوتاد إذا أراد قتل من كفر به وخرج عن طاعته قيد كل يد بوتد ويقتله كما هي المشانق التي وضعها الطغاة الظلمة فيما بعد. وقوله تعالى {الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد} وهو الشرك والمعاصي فأهلكهم الله أجمعين عاد إرم وثمود وفرعون وملأه إذ صب عليهم ربك سوط عذاب8 أي نوع عذاب من أنواع عذابه فأهلك عاد إرم بالريح الصرصر، وثمود بالصيحة العاتية، وفرعون بالغرق في البحر. وقوله تعالى {إن ربك لبالمرصاد} أي لكل جبار عات وطاغية ظالم أي هو تعالى يرصد أعمال العباد ليجزيهم بها في الدنيا وفي الآخرة. ولفظ المرصاد يطلق على مكان يرصد فيه تحركات الصيد الذي يصاد، أو تحركات العدو وهو كبرج المراقبة. والرب تبارك وتعالى فوق عرشه والخليقة كلها تحته يعلم ظواهرها وبواطنها ويراقب أعمالها ويجزيها بحسبها قال تعالى {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- فضل الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى العاشر منه.
    2- بيان مظاهر قدرة الله في إهلاك الأمم العاتية والشعوب الظالمة مستلزم لقدرته تعالى على البعث والجزاء والتوحيد والنبوة وهو ما أنكره أهل مكة.
    3- التحذير من عذاب الله ونقمه فإنه تعالى بالمرصاد فليحذر المنحرفون عن سبيل الله والحاكمون بغير شرعه والعاملون بغير هداه أن يصب عليهم سوط عذاب.
    __________

    1 لصلوحية الشفع والوتر لأشياء كثيرة ذكر القرطبي منها عددا كثيرا فروى عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفع والوتر الصلاة منها شفع ومنها وتر, وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال الشفع صلاة الصبح والوتر صلاة المغرب أولى ما يقال أن الله تعالى أقسم بكافة خلقه إذ كل ما عداه تعالى ما بين شفع ووتر, إذ الشفع ما يكون ثانيا لغيره, والوتر الشيء المفرد.
    2 رواه مسلم وغيره.
    3 قرأ نافع والجمهور والوتر بفتح الواو وكسرها حفص.
    4 أفلم تر إستفهام تقريري والمخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو متضمن التعريض بالمشركين المعاندين, كما هو متضمن الوعد بنصر رسوله صلى الله عليه وسلم والرؤية قلبية أو هي بمعنى ألم ينتهي إلى علمك فعل ربك بعاد الخ..
    5 عاد اسم أبي قبيلة وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
    6 وكون عاد إرم هم قوم هود عليه السلام يرجحه ذكر ثمود بعدهم في السياق كما هو في سائر قصص القرآن.
    7 جائز أن يكون الموصول مراد به عاد إرم وثمود وفرعون, وكونه عائدا إلى فرعون أولى وإن كان الجميع طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد بالشرك والظلم والفساد.
    8 السوط آلة ضرب يتخذ من جلد يضفر ظفرا فيصبح كالعصا فتضرب به الخيل لتسرع في جريها، ويطلق العرب لفظ سوط على كل عذاب يكون فيه السوط، وسوط عذاب هو من إضافة الصفة إلى الموصوف إذ كلمة سوط صفة للعذاب والعرب يطلقون لفظ سوط العذاب على كل نهاية العذاب حتى قال الشاعر:
    ألم تر أن الله أظهر دينه
    وصب على الكفار سوط عذاب

    ****************************** ****
    فأما الأنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن (15) وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن 16) كلا بل لا تكرمون اليتيم (17) ولا تحاضون على طعام المسكين (18) وتأكلون التراث أكلا لما (19)
    وتحبون المال حبا جما (20)

    شرح الكلمات:
    فأما الإنسان: أي الكافر المشرك.
    ابتلاه: أي اختبره.
    وأكرمه ونعمه: أي بالمال والجاه ونعمه بالخيرات.
    أكرمن: أي فضلني لمالي من مزايا على غيري.
    فقدر عليه رزقه: أي ضيقه ولم يوسعه عليه.
    أهانن: أي أذلني بالفقر ولم يشكر الله على ما وهبه من سلامة جوارحه والعافية في جسمه.
    كلا: أي ليس الأمر كما يرى هذا الكافر ويعتقد ويقول.
    التراث: أي الميراث.
    أكلا لما: أي أكلا كثيرا ولما شديدا إذ يلمون نصيب النساء والأطفال لما لهم فلا يورثونهم من التركة.
    حبا جما: أي حبا شديدا كثيرا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {فأما الأنسان1 إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي2 أكرمن} لقد تقدم قول الله
    تعالى {إن ربك لبالمرصاد} وهو دال على أن الله تعالى يحب من عبده أن يعبده ويشكره ليكرمه في دار كرامته يوم لقائه، وإعلام الله تعالى عباده بأنه بالمرصاد يراقب أعمالهم دلالته على أنه يخوفهم من معاصيه ويرغبهم في طاعته واضحة فتلخص من ذلك أن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر وأنه يحب لهم الشكر فأما الإنسان فماذا يحب وماذا يكره قال تعالى عنه فأما الإنسان وهو المشرك وأكثر الناس مشركون إذا ما ابتلاه ربه أي اختبره فأكرمه بالمال والولد والجاه ونعمه بالأرزاق والخيرات لينظر الله هل يشكر أو يكفر فيقول مفاخرا ربي أكرمن أي فضلني على غيري لما لي من فضائل ومزايا لم تكن لهؤلاء الفقراء وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن3 أي وأما إذا ما اختبره وضيق عليه رزقه لينظر تعالى عل يصبر العبد المختبر أو يجزع فيقول ربي أهانن أي أذلني فأفقرني.
    وقوله تعالى {كلا4 بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا 5لما وتحبون المال حبا جما6} أي ألا فارتدعوا أيها الماديون الذين تقيسون الأمور كلها بالمقاييس المادة فالله جل جلاله يوسع الرزق اختبارا للعبد هل يشكر نعم الله عليه فيذكرها ويشكرها بالإيمان والطاعة ويضيق الرزق امتحانا هل يصبر العبد لقضاء ربه أو يجزع. وإنما أنتم أيها الماديون ترون أن في التوسعة إكراما وفي التضييق إهانة كلا ليس الأمر كذلك، ونظريتكم المادية هذه أتتكم من حبكم الدنيا واغتراركم بها ويشهد بذلك إهانتكم لليتامى وعدم إكرامكم لهم لضعفهم وعجزهم أمامكم، وعدم الاستفادة المادية منهم. وشاهد آخر أنكم لا تحضرن أنفسكم ولا غيركم على إطعام المساكين وهم جياع أمامكم، وآخر أنكم تأكلون التراث أي الميراث أكلا لما شديدا تجمعون مال الورثة من الأطفال والنساء إلى أموالكم. وتحرمون الضعيفين الأطفال والنساء. وآخر {وتحبون المال حبا جما} أي قويا شديدا. كلا ألا ارتدعوا وأخرجوا من دائرة هذه النظرية المادية قبل حلول العذاب، ونزول ما تكرهون. فآمنوا بالله ورسوله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- النظرية المادية لم تكن حديثة عهد إذ عرفها الماديون في مكة من مشركي قريش قبل أربعة عشر قرنا.
    2- وجوب إكرام اليتامى والحض على إطعام الجياع من فقراء ومساكين.
    3- وجوب اعطاء المواريث لمستحقيها ذكورا أو إناثا صغارا أو كبارا.
    4- التنديد بحب المال الذي يحمل على منع الحقوق، ويزن الأمور بميزانه قوة وضعفا.
    __________

    1 الفاء للتفريع وما بعدها متفرع عما قبلها، وفي التفسير بيان ذلك وتوضيحه فليتأمل.
    2 قرأ نافع ربي في الموضعين بفتح الياء وقرأ حفص بسكون الياء ممدودة.
    3 قرأ نافع أكرمني وأهانني بياء ساكنة في الوصل وبحذفها في الوقف وقرأ حفص بدون ياء في الوصل والوقف معا. وكتابة الياء مفصولة عن النون إشارة إلى أنها تحذف في الوقف.
    4 كلا حرف زجر وردع للإنسان القائل أكرمن وأهانن إذ قوله باطل ولم يقم على علم بالإكرام ولا بالإهانة فالإكرام علته الاختبار هل يشكر العبد أو يكفر، وتقدير الرزق تضييقه علته الامتحان هل يصبر العبد أو يسخط هذه هي الحقيقة والعبد الكافر الجاهل يري أن الإكرام لشخص المكرم والإهانة كذلك.
    5 لما أي جمعا شديدا يقال لممت الطعام ألمه إذا جمعته وأكلته ومنه قول بعضهم لم الله شملك أو شعثك أي جمع ما تفرق من أمرك.
    6 جما أي كثيرا حلاله وحرامه إذ الجم الكثير يقال جم الشيء يجم جموما فهو جم وجام. ومنه جم الماء في الحوض أو البئر إذا اجتمع والجموم البئر الكثيرة الماء.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #883
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (878)

    سورة البلد
    مكية وآياتها عشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 570الى صــــ 573)

    كلا إذا دكت الأرض دكا دكا (21) وجاء ربك والملك صفا صفا (22) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الأنسان وأنى له الذكرى (23) يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد (25) ولا يوثق وثاقه أحد (26) يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي (30)

    شرح الكلمات:
    إذا دكت الأرض دكا: أي حركت حركة شديدة وزلزلت زلزالا قويا فلم يبق عليها شاخص البتة.
    والملك صفا صفا: أي والملائكة أي صفا بعد صف.
    وجيء يومئذ بجهنم: أي تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك.
    يتذكر الإنسان: أي الكافر ما قالت له الرسل من وعد الله ووعيده، يوم لقائه.
    وأنى له الذكرى: أي لا تنفعه في هذا اليوم الذكرى.
    قدمت لحياتي: أي هذه الإيمان وصالح الأعمال.
    لا يعذب عذابه أحد: أي لا يعذب مثل عذاب الله أحد أي في قوته وشدته.
    ولا يوثق وثاقه أحد: أي ولا يوثق أحد مثل وثاق الله عز وجل.
    يا أيتها النفس المطمئنة: أي المؤمنة الآمنة اليوم من العذاب لما لاح لها من بشائر النجاة.
    ارجعي إلى ربك: أي إلى جواره في دار كرامته أي الجنة.
    فادخلي في عبادي: أي في جملة عبادي المؤمنين المتقين.
    وادخلي جنتي: أي دار كرامتي لأوليائي.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} 1 هو كقوله {وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت} {وجاء ربك} أي لفصل القضاء {والملك 2صفا صفا} بعد صف, {وجيء يومئذ بجهنم} تجر بسبعين ألف زمام كل زمام بأيدي سبعين ألف ملك. هنا وفي هذا اليوم وفي هذه الساعة {يتذكر الأنسان} 3 المهمل المفرط المعرض عن دعوة الرسل، الكافر بلقاء الله والجزاء على الأعمال {وأنى له الذكرى} هنا يتذكر وماذا يتذكر؟، وكفره كان عريضا وشره كان مستطيرا، ماذا يتذكر وهل تنفعه الذكرى، اللهم لا, لا وماذا عساه أن يقول في هذا الموقف الرهيب يقول نادما متحسرا {يا ليتني قدمت لحياتي} أي هذه الحياة المماثلة بين يديه, وهل ينفعه التمني اللهم لا, لا.
    قال تعالى مخبرا عن شدة العذاب وقوة الوثاق {فيومئذ} إذ تقوم القيامة ويجيء الرب لفصل القضاء ويجاء بجهنم ويتذكر الإنسان ويأسف ويتحسر في هذا اليوم يقضي الله تعالى بعذاب أهل الكفر والشرك والفجور والفسوق فيعذبون ويوثقون بأمر الله وقضائه في السلاسل ويغلون في الأغلال ويذوقون العذاب والنكال الأمر الذي ما عرفه الناس في الدنيا أيام كانوا يعذبون المؤمنين ويوثقونهم في الحبال وهو ما أشار إليه بقوله: {فيومئذ لا يعذب4 عذابه أحد} أي لا يعذب عذاب أحد في الدنيا مهما بالغ في التعذيب عذاب الله في الآخرة {ولا يوثق وثاقه أحد} أي5 لا يوثق أحد في الدنيا وثاق الله في الآخرة هذه صورة من عذاب الله لأعدائه من أهل الشرك به والكفر بآياته ورسوله ولقائه وأما أهل الإيمان به وطاعته وهم أولياؤه الذين آمنوا في الدنيا وكانوا يتقون فهاهم ينادون فاستمع {يا أيتها النفس المطمئنة} إلى صادق وعد الله ووعيده في كتابه وعلى لسان رسوله فآمنت واتقت وتخلت عن الشرك والشر فكانت مطمئنة بالإيمان وذكر الله قريرة
    العين بحب الله ورسوله, وما وعدها الرحمن {ارجعي إلى ربك} أي إلى جواره في دار كرامته حال كونك {راضية} ثواب الله لك مرضيا عنك من قبل مولاك {فادخلي في عبادي} أي في جملة عبادي الصالحين {وادخلي جنتي} فيقال لها هذا عندما يرسل الله الأرواح إلى الأجساد يوم المعاد, فإذا دخلت تلقتها الملائكة بالسلام وتساق إلى ساحة العرض وتعطى كتابها بيمينها وثم يقال لها ادخلي في عبادي أي في جملتهم وادخلي جنتي بعد مرورها على الصراط اللهم اجعل نفسي مثل تلك النفس المطمئنة بالإيمان وذكر الله ووعد الرحمن وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.

    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير المعاد بعرض شبه تفصيلي ليوم القيامة.
    2- بيان اشتداد حسرة المفرطين اليوم في طاعة الله تعالى وطاعة رسوله يوم القيامة.
    3- بشرى النفس المطمئنة بالإيمان وذكر الله ووعده ووعيده, عند الموت وعند القيام من القبر وعند تطاير الصحف.
    __________

    1 الدلك الحطم والكسر, ودك الأرض تحطيمها وتفريق أجزائها.
    2 الملك اسم جنس المراد به الملائكة وصفا صفا أي صفا بعد صف أي خلفه ووراءه.
    3 أنى اسم استفهام بمعنى أين له الذكرى والاستفهام مستعمل في الإنكار والنفي معا والتقدير وأين له نفع الذكرى.
    4 جائز أن يعود الكلام على الإنسان الكافر ويكون معناه أنه يعذب عذابا لا يعذبه أحد غيره ويوثق وثاقا لا يوثقه غيره من الموثقين، وما في التفسير أولى.
    5 الوثاق بمعنى الإيثاق يقال أوثقته إيثاقا.

    ****************************** *****
    سورة البلد
    مكية وآياتها عشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لا أقسم بهذا البلد (1) وأنت حل بهذا البلد (2) ووالد وما ولد (3) لقد خلقنا الإنسان في كبد (4) أيحسب أن لن يقدر عليه أحد (5) يقول أهلكت مالا لبدا (6) أيحسب أن لم يره أحد (7) ألم نجعل له عينين (8) ولسانا وشفتين (9) وهديناه النجدين (10)

    شرح الكلمات:
    لا أقسم بهذا البلد: أي مكة.
    وأنت حل بهذا البلد: أي وأنت يا نبي الله محمد حلال بمكة.
    ووالد وما ولد: أي وآدم وذريته.
    في كبد: أي في نصب وشدة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة.
    أيحسب أن لن يقدر: أي أيظن وهو أبو الأشدين بن كلدة وكان قويا شديدا.
    أهلكت مالا لبدا: يقول هذا مفاخرا بعداوة الرسول وأنه أنفق فيها مالا كثيرا.
    أيحسب أن لم يره أحد: أي أيظن أنه لم يره أحد؟ بل الله رآه وعلم ما أنفقه.
    وهديناه النجدين: أي بينا له طريق الخير وطريق الشر بما فطرناه عليه من ذلك وبما أرسلنا به رسلنا
    وأنزلنا به كتابنا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {لا أقسم1 بهذا البلد وأنت حل2 بهذا البلد ووالد وما ولد} هذا قسم لله تعالى أقسم فيه بمكة بلده الأمين والرسول بها وهو حل يقاتل ويقتل فيها وذلك يوم الفتح الموعود. وقد قتل صلى الله عليه وسلم يومها ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة وأقسم بوالد وما ولد فالوالد آدم وما ولد ذريته منهم الأنبياء والأولياء وجواب القسم أو المقسم عليه قوله {لقد3 خلقنا الأنسان في كبد4} أي في نصب وتعب لا يفارقانه منذ تخلقه في بطن أمه إلى وفاته بانقضاء عمره ثم يكابد شدائد الآخرة ثم إما إلى نعيم لا نصب معه ولا تعب, وإما إلى جحيم لا يفارقه ما هو أشد من النصب والتعب عذاب الجحيم هكذا شاء الله وهو العليم الحكيم. وفي هذا الخبر الإلهي المؤكد بأجل قسم على أن الإنسان محاط منذ نشأته إلى نهاية أمره بالنصب والتعب ترويح على نفوس المؤمنين بمكة وهم
    يعانون من الحاجة والاضطهاد والتعذيب أحيانا من طغاة قريش لا سيما المستضعفين كياسر وولده عمار وبلال وصهيب وخبيب، وحتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فهو لم يسلم من أذى المشركين فإذا عرفوا طبيعة الحياة وأن السعادة فيها أن يعلم المرء أن لا سعادة بها هان عليهم الأمر وقل قلقهم وخفت آلامهم. كما هو تنبيه للطغاة وإعلام لهم بما هم عنه غافلون لعلهم يصحون من سكرتهم بحب الدنيا وما فيها وقوله عز وجل {أيحسب5} الإنسان {أن لم يره أحد} هذا الإنسان الذي قيل أنه أبو الأشدين الذي أنفق ماله في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام ويتبجح بذلك ويقول {أهلكت مالا لبدا} كثيرا بعضه فوق بعض بلى إن الله تعالى قد رآه وعلم به وعلم القدر الذي أنفقه وسوف يحاسب عليه ويجزيه به، ولن ينجيه اعتقاده الفاسد أنه لا بعث ولا جزاء قال تعالى مقررا له بقدرته ونعيمه عليه {ألم نجعل6 له عينين ولسانا وشفتين7 وهديناه النجدين8} أي أعطيناه عينين يبصر بهما ولسانا ينطق به ويفصح عن مراده وزيناه بشفتين يستر بهما فمه وأسنانه ثم هديناه النجدين أي بينا له طريق الخير والشر والسعادة والشقاء بما أودعنا في فطرته وبما أرسلنا به رسلنا وأنزلنا به كتبنا أنسي هذا كله وتعامى عنه ثم هو ينفق ما اعطيناه في حرب رسولنا وديننا.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- شرف مكة وحرمتها وعلو شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وسمو مقامه وهو فيها وقد أحلها الله تعالى له ولم يحلها لأحد سواه.
    2- شرف آدم وذريته الصالحين منهم.
    3- إعلان حقيقة وهي أن الإنسان لا يبرح يعاني من أتعاب الحياة حتى الممات ثم يستقبل شدائد الآخرة إلى أن يقرر قراره وينتهي تطوافه باستقراره في الجنة حيث يستريح نهائيا، أو في النار فيعذب ويتعب أبدا.
    __________

    1 الابتداء بالقسم للتشويق إلى ما يذكر بعد القسم, ولا مزيدة لتقوية الكلام.
    2 جملة وأنت حل بهذا البلد معترضة بين المتعاطفين وفائدتها تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ووعده بنصره على أعدائه.
    3 لقد خلقنا: هذا جواب القسم والإنسان للجنس ولا يراد به واحد بعينه وبعضهم يرى أن المراد به أبو الأشدين أسيد بن كلدة الجمحي.
    4 من مظاهر أن الإنسان مربوب وأن له ربا يسيره ويدبر حياته كونه لا يفارق النصب والتعب مدة حياته وهو لا يريد ذلك.
    5 الاستفهام إنكاري مشبع بالتوبيخ والتقريع.
    6 ألم نجعل الاستفهام تقريري وفيه معنى التوبيخ.
    7 الشفتين واحدتها شفة وأصلها شفو فقلبت الواو هاء فصارت شفة وتجمع على شفاة.
    8 النجد الأرض المرتفعة ارتفاعا دون الجبل، والمراد بالنجدين طريقا الخير والشر كما في التفسير.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #884
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (879)

    سورة الشمس
    مكية وآياتها خمس عشرة آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 574الى صــــ 578)

    فلا اقتحم العقبة (11) وما أدراك ما العقبة (12) فك رقبة (13) أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيما ذا مقربة (15) أو مسكينا ذا متربة (16) ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة (17) أولئك أصحاب الميمنة (18) والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة (19) عليهم نار مؤصدة (20)

    شرح الكلمات:
    فلا اقتحم: أي فهلا تجاوز.
    العقبة: أي الطريق الصعب في الجبل، والمراد به النجاة من النار.
    فك رقبة: أي أعتق رقبة في سبيل الله تعالى.
    في يوم ذي مسغبة أي في يوم ذي مجاعة وشدة مؤونة.
    يتيما ذا مقربة: أي أطعم يتيما من ذوي قرابته.
    مسكينا ذا متربة: أي أطعم فقيرا لاصقا بالتراب ليس له شيء.
    وتواصوا بالصبر: أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على طاعة الله.
    وتواصوا بالمرحمة: أي أوصى بعضهم بعضا برحمة الفقراء والمساكين.
    أصحاب الميمنة: أي أصحاب اليمين وهم المؤمنون المتقون.
    أصحاب المشأمة: أي أصحاب الشمال وهم الكفار الفجار.
    مؤصدة: أي مطبقة لا نافذة لها ولا كوة فلا يدخلها هواء.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {فلا اقتحم العقبة} 1 فهلا أنفق أبو الأشدين ما أنفقه في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم هلا أنفقه في سبيل الله فاقتحم بها العقبة فتجاوزها، وقوله تعالى {وما أدراك ما العقبة} 2 هذا تفخيم لشأنها وتعظيم له وقوله {فك رقبة3 أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان4 من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} بهذه الأمور الأربعة تقتحم العقبة وتجتاز فينجو صاحبها من النار والأمور الأربعة هي:
    * فك رقبة وقد ورد من اعتق رقبة مؤمنة فهي فداؤه من النار.
    * إطعام في يوم ذي مسغبة أي مجاعة5 يتيما ذا مقربة أي قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا لصوق بالأرض لحاجته وشدة فقره.
    * إيمان صادق بالله ورسوله وآيات الله ولقائه يحيا به قلبه.
    * تواصى بالصبر أي مع المؤمنين المستضعفين بالثبات على الحق ولزوم طريقه وتواصي بالمرحمة مع أهل المال أن يرحموا الفقراء والمساكين فيسدوا خلتهم ويقضوا حاجتهم.
    بهذه الأربعة تجتاز العقبة وينجو المرء من عذاب الله، وفي مثل هذا تنفق الأموال لا أن تنفق في الدسائس والمكر بالصالحين وخداع المؤمنين.
    وقوله تعالى {والذين كفروا بآياتنا} لما ذكر الإيمان والعمل الصالح وهما المنجيان من عذاب الله تعالى ذكر ضدهما وهما الكفر والمعاصي وهما المهلكان الشرك والمعاصي لأن الكفر بآيات الله لازمه البقاء على الشرك المنافي للتوحيد، والعصيان المنافي للطاعة وقوله تعالى {أولئك اأصحاب المشأمة} أي الشمال {عليهم نار مؤصدة} مغلقة الأبواب مطبقة هي جزاؤهم لأنهم كفروا بآيات الله وعصوا رسوله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التنديد بمن ينفق ماله في معصية الله ورسوله، والنصح له بالإتفاق في الخير فإنه أجدى له، وأنجى من عذاب الله.
    2- بيان أن عقبة عذاب الله يوم القيامة تقتحم وتجتاز بالإتفاق في سبيل الله وبالإيمان والعمل الصالح والتواصي به.
    3- التنديد بالكفر والوعيد الشديد لأهله.
    __________

    1 ذهب القرطبي إلى أن فلا هي بمعنى هلا التي هي للتحضيض، وهو ما قررناه في التفسير وجائز أن يكون استفهاما إنكاريا ينكر عليه إنفاق أمواله فيما يضره وعدم إنفاقها فيما ينفعه.
    2 الاستفهام للتشويق إلى معرفة حقيقة العقبة.
    3 فك رقبة وما بعدها بيان للعقبة، إذ التقدير هي فك رقبة. والمراد من فك الرقبة عتقها. وفي الحديث "من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار".
    4 هذه الجملة عطف على الجمل المسوقة للذم والتوبيخ.
    5 اليتيم: الولد الذي ليس له أب لموته وهو دون البلوغ.

    ****************************
    سورة الشمس
    مكية وآياتها خمس عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والشمس وضحاها (1) والقمر إذا تلاها (2) والنهار إذا جلاها (3) والليل إذا يغشاها (4) والسماء وما بناها (5) والأرض وما طحاها (6) ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) وقد خاب من دساها (10)

    شرح الكلمات:
    وضحاها: أي ونهارها.
    إذا تلاها: أي تلا الشمس فطلع بعد غروبها مباشرة وذلك ليلة النصف من الشهر.
    إذا جلاها: أي إذا أضاءها.
    إذا يغشاها: أي غشى الشمس حتى تظلم الآفاق.
    وما بناها: أي ومن بناها وهو الله عز وجل حيث جعل السماء كالسقف للأرض.
    وما طحاها: أي ومن بسطها وهو الله عز وجل.
    وما سواها: أي ومن سوى خلقها وعدله وهو الله عز وجل.
    فألهمها فجورها: أي فبين لها ما ينبغي لها أن تأتيه أو تتركه من الخير والشر.
    أفلح من زكاها: أي فاز بالنجاة من النار ودخول الجنة من طهر نفسه من الذنوب والآثام.
    وقد خاب: أي خسر في الآخرة نفسه وأهله يوم القيامة.
    من دساها: أي دسى نفسه إذا أخفاها وأخملها بالكفر والمعاصي واصل دسها دسسها فأبدلت إحدى السينين ياء.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والشمس1 وضحاها2} إلى قوله {وقد خاب من دساها} تضمنت هذه الآيات العشر قسما إلهيا من أعظم الأقسام ومقسما عليه وهو جواب القسم ومقسما لهم وهم سائر الناس فالقسم كان بما يلي بالشمس وضحاها وبالقمر إذا تلاها أي تلا الشمس إذا طلع بعد غروبها وذلك ليلة النصف من الشهر وبالنهار إذا جلاها إذا أضاء فكشف الظلمة أو الدنيا، وبالليل إذا يغشاها أي يغشى الشمس حتى تظلم الآفاق وبالسماء وما بناها3 على أن ما تكون غالبا لغير العالم وقد تكون للعالم
    كما هي هنا فالذي بناها هو الله سبحانه وتعالى بالأرض وما طحاها أي بسطها وهو الله تعالى وبالنفس وما سواها أي خلقها وعدل خلقها وهو الله تعالى وقوله فألهمها فجورها وتقواها أي خلقها وسوى خلقها وألهمها أي بين لها الخير والشر أي ما تعمله من الصالحات وما تتجنبه من المفسدات فأقسم تعالى بأربع من مخلوقاته العظام وبنفسه وهو العلي العظيم على ما دل عليه قوله {قد أفلح4 من زكاها وقد خاب من دساها} وهو المقسم عليه وهو أن من وفقه الله وأعانه فزكى نفسه أي طهرها بالإيمان والعمل الصالح مبعدا لها عما يدنسها من الشرك والمعاصي فقد أفلح بمعنى فاز يوم القامة وذلك بالنجاة من النار ودخول الجنة لأن معنى الفوز لغة هو السلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب وأن من خذله الله تعالى لما له من سوابق في الشر والفساد فلم يزك نفسه بالإيمان والعمل الصالح ودساها أي دسسها5 أخفاها وأخملها بما أفرغ عليها من الذنوب وما غطاها من آثار الخطايا والآثام فقد خاب بمعنى خسر في آخرته فلم يفلح فخسر نفسه وأهله وهو الخسران المبين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان مظاهر القدرة الإلهية في الآيات التي أقسم بها ارب تعالى.
    2- بيان ما يكون به الفلاح, وما يكون به الخسران.
    3- الترغيب في الإيمان والعمل الصالح والترهيب من الشرك والمعاصي.
    __________

    1 افتتحت بالقسم للتشويق إلى أخبارها ولم يقسم الله تعالى على شيء كما أقسم على جواب هذا القسم وهو حكم تقرير مصير الإنسان في الحياة الأخيرة.
    2 الضحى هو وقت ارتفاع الشمس مقدار رمح عن سطح الأرض فيما يرى الرائي إلى قبيل الزوال بربع ساعة تقريبا. وفيه تقع صلاة الضحى.
    3 جائز أن تكون (ما) في الجمل الثلاثة (وما بناها) (وما طحاها) (وما سواها) مصدرية فيكون الإقسام بالسماء وبنائها والأرض وطحوها، والنفس وتسويتها إلا أن ما في التفسير وهو اختيار ابن جرير أولى إذ هو إقسام بالرب تعالى.
    4 قد أصلها لقد أفلح لأنها جواب القسم وحذفت اللام لطول جمل القسم إذ بلغت ثمان جمل.
    5 فعل دس كان دسس فأبدلوا السين الآخرة ياء لوجود ثلاثة أحرف من نوع واحد طلبا للتخفيف, وأصل دسى دس من دس الشيء إذا أخفاه بين شيئين حتى لا يظهر ومعنى دساها هو كما في التفسير أخفاها بما صب عيها من أوضار الذنوب فتدست وتدنست.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #885
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (880)

    سورة الليل
    مكية وآياتها احدى وعشرون آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 578الى صــــ 583)

    كذبت ثمود بطغواها (11) إذ انبعث أشقاها (12) فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها (13) فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها (14) ولا يخاف عقباها (15)

    شرح الكلمات:
    ثمود: أي أصحاب الحجر كذبوا رسولهم صالحا عليه السلام.
    بطغواها: أي بسبب طغيانها في الشرك والمعاصي.
    إذ انبعث: أي انطلق مسرعا.
    أشقاها: أي أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل فيقال أشأم بن قدار.
    رسول الله: أي صالح عليه السلام.
    ناقة الله وسقياها: أي ذروها وشربها في يومها.
    فكذبوه: أي فيما اخبرهم به من شأن الناقة.
    فعقروها: أي قتلوها ليخلص لهم ماء شربها في يومها.
    فدمدم: أي اطبق عليهم العذاب فأهلكهم.
    بذنبهم: أي بسبب ذنوبهم التي هي الشرك والتكذيب وقتل الناقة.
    فسواها: أي سوى الدمدم عليهم فلم يفلت منهم أحد.
    ولا يخاف عقباها: أي ولا يخاف الرب تعالى تبعة إهلاكهم كما يخاف الإنسان عاقبة فعله إذا هو قتل
    أحد أو عذبه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {كذبت ثمود1} إلى قوله {ولا يخاف عقباها} هذه الآيات سيقت للتدليل على أمور هي أن الذنوب موجبة لعذاب الله في الدنيا والآخرة, وأن تكذيب الرسول الذي عليه كفار مكة منذر بخطر عظيم إذا استمروا عليه فقد يهلكهم الله به كما أهلك أصحاب الحجر قوم صالح, وأن محمدا رسول الله حقا وصدقا وأن إنكار قريش له لا قيمة له, وأنه لا إله إلا الله. وأن البعث والجزاء ثابتان بأدلة قدرة الله وعلمه فقوله تعالى {كذبت ثمود} إخبار منه تعالى المراد به إنذار قريش من خطر استمرارها على التكذيب وتسلية الرسول والمؤمنين وقوله {بطغواها2} أي بسبب ذنوبها التي بلغت فيها حد الطغيان الذي هو الإسراف ومجاوزة الحد في الأمر. وبين تعالى
    ظرف ذلك بقوله {إذ انبعث3} أشقى تلك القبيلة الذي هو قدار بن سالف الذي يضرب به المثل في الشقاوة فيقال أشأم من قدار وقال فيه رسول الله أشقى الأوليين والآخرين قدار بن سالف وقوله فقال لهم رسول الله أي صالح {ناقة الله} 4 أي احذروها فذورها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ذروها وسقياها أي وماء شربها إذ كان الماء قسمة بينهم لها يوم ولهم يوم. {فكذبوه} في ذلك وفي غيره من رسالته ودعوته إلى عبادة الله وحده {فعقروها5} أي فذبحوها {فدمدم عليهم ربهم} أي أطبق عليهم العذاب وعمهم به فلم ينج منهم أحد وذلك بذنبهم لا بظلم منه تعالى, {فسواها} في النقمة والعذاب {ولا يخاف6 عقباها} أي تبعة تلحقه من هلاكها إذ هو رب الكل ومالك الكل وهو القاهر فوق عباده وهو العزيز الحكيم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن نجاة العبد من النار ودخوله الجنة متوقف على زكاة نفسه وتطهيرها من أوضار الذنوب والمعاصي, وأن شقاء العبد وخسرانه سببه تدنيسه نفسه بالشرك والمعاصي وكل هذا من سنن الله تعالى في الأسباب والمسببات.
    2- التحذير من الطغيان وهو الإسراف في الشر والفساد فإنه مهلك ومدمر وموجب للهلاك والدمار في الدنيا والعذاب في الآخرة.
    3- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والتخفيف عنه إذ كذبت قبل قريش ثمود وغيرها من الأمم كأصحاب مدين وقم لوط وفرعون.
    4- إنذار كفار قريش عاقبة الشرك والتكذيب والمعاصي من الظلم والاعتداء.
    __________

    1 ثمود هي القبيلة المعروفة قوم صالح عليه السلام ومنازلهم بالحجر وهم أصحاب الحجر والجملة بيانية, لأن من سمع جواب اقسم وهو فلاح من زكى نفسه وخيبة من دساها وخسرانه تشوق إلى مثال لذلك فكان تكذيب ثمود وهلاكها.
    2 الطغو اسم مصدر وهي كالطغيان الذي هو فرط الكبر والباء سببية أي كذبت ثمود رسولها صالحا عليه السلام بسبب طغواها, لأن الكبر إذا عظم في الإنسان يحمله على الجحود والمعاندة والتكذيب.
    3 انبعث مضارع بعث أي بعثته فانبعث, إذا القوم بعثوا قدارا أي أرسلوه فالبعث إجابة لهم إذ كان عقره الناقة بموافقتهم ورضاهم. بل بتحريضهم له ودفعهم إليها.
    4 ناقة الله منصوب على التحذير كما في التفسير والإضافة إلى التشريف والسقيا اسم مصدر من سقى يسقي سقيا.
    5 فعقروها: العقر هو جرح البعير في يديه ليبرك على الأرض من الألم فإذا برك ذبح هذا الأصل ثم أصبح يطلق عقر البعير على ذبحه. والفاء في عقروها للترتيب.
    6 العقبى اسم لما يحصل عقب فعل من الأفعال من تبعة لصاحبه أو مثوبة فهي كالعاقية وهي الحال التي تعقب من خير وشر.

    ****************************** *******
    سورة الليل1
    مكية وآياتها احدى وعشرون آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والليل إذا يغشى (1) والنهار إذا تجلى (2) وما خلق الذكر والأنثى (3) إن سعيكم لشتى (4) فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى (10) وما يغني عنه ماله إذا تردى (11)

    شرح الكلمات:
    إذا يغشى: أي بظلمته كل ما بين السماء والأرض في الإقليم الذي يكون به.
    إذا تجلى: أي تكشف وظهر في الإقليم الذي هو به وإذا هنا وفي التي قبلها ظرفية وليست شرطية.
    وما خلق الذكر والأنثى: أي ومن خلق الذكر والأنثى آدم وحواء وكل ذريتهما وهو الله تعالى.
    إن سعيكم لشتى: أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنة المورثة للجنة ومنه السيئة الموجبة للنار.
    من أعطى واتقى: أي حق الله وأنفق في سبيل الله واتقى ما يسخط الله تعالى من الشرك والمعاصي.
    وصدق بالحسنى: أي بالخلف لحديث اللهم أعط منفقا خلفا.
    فسنيسره لليسرى: أي فسنيسره للخلة أي الخصلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ليوجب له به الجنة في الآخرة.
    وأما من بخل واستغنى: أي منع حق الله والإنفاق في سبيل الله واستغنى بماله عن الله فلم يسأله من فضله ولم يعمل عملا صالحا يتقرب به إليه.
    وكذب بالحسنى: أي بالخلف وما تثمره الصدقة والإيمان وهو الجنة.
    فسنيسره للعسرى: فسنهيئه للخلة العسرى وهي العمل بما يكرهه الله ولا يرضاه ليكون قائده إلى النار.
    إذا تردى: أي في جهنم فسقط فيها.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والليل} أقسم تعالى بالليل2 {إذا يغشى} بظلامه الكون، وبالنهار {إذا تجلى} 3 أي تكشف وظهر وهما آيتان من آيات الله الدالتان على ربوبيته تعالى الموجبة لألوهيته، وأقسم بنفسه جل وعز فقال {وما 4خلق الذكر والأنثى} أي والذي خلق الذكر والأنثى آدم وحواء ثم سائر الذكور وعامة الإناث من كل الحيوانات وهو مظهر لا يقل عظمة على آيتي الليل والنهار والمقسم عليه أو جواب القسم هو قوله {إن سعيكم لشتى} أي إن عملكم أيها الناس لمختلف منه الحسنات الموجبة للسعادة والكمال في الدارين ومنه السيئات الموجبة للشقاء في الدارين أي دار الدنيا والآخرة. وبناء على هذا {فأما من أعطى} حق الله في المال فأنفق وتصدق في سبيل الله {واتقى} الله تعالى فآمن به وعبده ولم يشرك به {وصدق بالحسنى5} التي هي الخلف أي العوض المضاعف الذي واعد به تعالى من ينفق في سبيله في قوله {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح6 "ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا"، فسيهيئه للخلة اليسرى وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا ويثيبه عليه في الآخرة بالجنة {وأما من بخل} بالمال فلم يعط حق الله فيه ولم يتصدق متطوعا7 {واستغنى} بماله وولده وجاهه فلم يتقرب إلى الله تعالى بطاعته في ترك معاصيه ولا في أداء فرائضه وكذب بالخلف من الله
    تعالى على من ينفق في سبيله {فسنيسره8 للعسرى} أي فسنهيئه للخلة العسرى9 وهي العمل بما يكره الله تعالى ولا يرضاه من الذنوب والآثام ليكون ذلك قائده إلى النار. وقوله تعالى {وما يغني عنه ماله إذا تردى10} يخبر تعالى بأن من بخل واستغنى وكذب بالحسنى حفاظا على ماله وشحا به وبخلا أن ينفقه في سبيل ربه هذا المال لا يغني عنه شيئا يوم القيامة إذا ألقي به في نار جهنم فتردى ساقطا فيها على أم رأسه كما قال تعالى {وأما من خفت موازينه} أي لعدم الحسنات الكافية فيها {فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان عظمة الله وقدرته وعلمه الموجبة لربوبيته المقتضية لعبادته وحده دون سواه.
    2- تقرير القضاء والقدر وهو أن كل إنسان ميسر لما خلق له من سعادة أو شقاء لحديث اعملوا فكل ميسر لما خلق له، مع تقرير أن ممن وفق للعمل بما يرضى الله تعالى كان ذلك دليلا على أنه مكتوب سعيدا إذا مات على ما وفق له من العمل الصالح. وأن من وفق للعمل المسخط لله تعالى كان دليلا على أنه مكتوب شقاوته إن هو مات على ذلك.
    3- تقرير أن التوفيق للعمل بالطاعة يتوقف حسب سنة الله تعالى على رغبة العبد وطلبه ذلك والحرص عليه واختياره على غيره وتسخير النفس والجوارح له. كما أن التوفيق للعمل الفاسد قائم على ما ذكرنا في العمل الصالح وهو اختيار العبد وطلبه وحرصه وتسخير نفسه وجوارحه لذلك هذه سنة من سنن الله تعالى في خلقه.
    __________

    1 قال صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب فقرأ (والليل إذا يغشى) فلما بلغ (فأنذرتكم نارا تلظى) وقع عليه البكاء فلم يقدر يتعداها من البكاء فتركها وقرأ سورة أخرى.
    2 من لطائف هذا الإقسام بالليل والنهار وهما ضدان الإشارة إلى تضاد الذكر والأنثى والحسن والسوء والعسر واليسر والتصديق والتكذيب وهذا محتوى هذه السورة.
    3 تجلى النهار وضوح ضوئه أقسم الله تعالى بكل من الليل وظلمته والنهار وضوءه لما في ذلك من مظاهر قدرة الله وعظمته على خلق الظلمات والنور.
    4 يرى بعضهم أن المقسم به المصدر بناء على أن (ما) مصدرية والصحيح أنها موصولة وأن الإقسام كان بالرب تبارك وتعالى فإنه أعظم إقسام.
    5 كلمة الحسنى صالحة لعدة معان وهي مؤنث الأحسن ولذا هي صفة لموصوف محذوف وتنوسي فيها ذلك فصارت اسما لما هو أحسن كالجنة والمثوبة الحسنة والنصر والعاقبة والخلف على المنفق في سبيل الله وهو الراجح هنا لاختيار ابن جرير له.
    6 رواه البخاري وغيره.
    7 في الآية دليل على أن الجود من مكارم الأخلاق والبخل من أرذلها، وليس الجواد الذي يعطى في غير موضع العطاء كما ليس البخيل الذي يمنع في موضع المنع لكن الجواد الذي يعطي في موضع العطاء والبخيل الذي يمنع في موضع العطاء.
    8 في قوله فسنيسره للعسرى تهكم به نحو فبشره بعذاب أليم.
    9 حديث صحيح.
    10 التردي السقوط من أعلى إلى أسفل المفضي بصاحبه إلى الهلاك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #886
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (881)

    سورة الضحى
    مكية وآياتها إحدى عشرة آية

    المجلد الخامس (صـــــــ 584الى صــــ 587)

    إن علينا للهدى (12) وإن لنا للآخرة والأولى (13) فأنذرتكم نارا تلظى (14) لا يصلاها إلا الأشقى (15) الذي كذب وتولى (16) وسيجنبها الأتقى (17) الذي يؤتي ماله يتزكى (18) وما لأحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى (20) ولسوف يرضى (21)

    شرح الكلمات:
    إن علينا للهدى: أي إن علينا لبيان الحق من الباطل والطاعة من المعصية.
    وإن لنا للآخرة والأولى: أي ملك ما في الدنيا والآخرة نعطي ونحرم من نشاء لا مالك غيرنا.
    فأنذرتكم: أي خوفتكم.
    نارا تلظى: أي تتوقد.
    لا يصلاها: أي لا يدخلها ويحترق بلهبها.
    إلا الأشقى: أي إلا الأشقى.
    الذي كذب وتولى: كذب النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به وتولى وأعرض عن الإيمان به وبما جاء به من التوحيد والطاعة لله ورسوله.
    وسيجنبها الأتقى: أي يبعد عنها التقي.
    يتزكى: أي يتطهر به فلذا يخليه من النظر إلى غير الله فهو لذلك خال من الرياء والسمعة.
    وما لأحد عنده من نعمة تجزى: أي ليس لأحد من الناس عليه منة فهو يكافئه بذلك.
    إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى: لكن يؤتي ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله عز وجل.
    ولسوف يرضى: أي يعطيه الله تعالى من الكرامة ما يرضي به في دار السلام.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إن علينا للهدى} الآيات ... بعد أن أعلم تعالى عباده أنه ييسر لليسرى من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، وأنه ييسر للعسرى من بخل واستغنى وكذب بالحسنى أعلم بحقيقة أخرى وهي أن بيان الطريق الموصل بالعبد لليسرى هو على الله تعالى متكفل به وقد بينه بكتابه ورسوله فمن طلب اليسرى فأولا يؤمن بالله ورسوله ويوطن نفسه على طاعتهما ويأخذ في تلك الطاعة العمل بها وثانيا ينفق في سبيل الله ما يطهر به نفسه من البخل وشح النفس ويظهر فقره وحاجته إلى الله تعالى بالتقرب إليه بالنوافل وصالح الأعمال وبذلك يكون قد يسر فعلا لليسرى وقوله تعالى {وإن لنا للآخرة والأولى} 1 أي الدنيا وعليه فمن طلبها من غيرنا فقد أخطأ ولا يحصل عليها بحال فطلب الآخرة يكون بالإيمان والتقوى، وطلب الدنيا يكون بالعمل حسب سنتنا في الكسب وحصول المال وقوله تعالى {فأنذرتكم نارا2 تلظى لا يصلاها إلا الأشقى3 الذي كذب
    وتولى} أي فبناء على ما بينا لكم فقد أنذرتكم أي خوفتكم نارا تلظى أي تتوقد التهابا لا يصلاها لا يدخلها ويصطلي بحرها خالدا فيها أبدا إلا الأشقى أي الأكثر شقاوة وهو المشرك وقد يدخلها الشقي من أهل التوحيد ويخرج منها بتوحيده، حيث لم يكذب ولم يتول، ولكن فجر وعصى، وما أشرك وما تولى، وقوله تعالى {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى} أي يعطي ماله في سبيل الله يتزكى به من مرض الشح والبخل وآثار الذنوب والإثم، وقوله {وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء 4وجه ربه الأعلى} أي فهو ينفق ما ينفقه في سبيل الله خاصة وليس ما ينفقه من أجل أن عليه لأحد من الناس فضلا أو يدا فهو يكافئه بها لالا، وإنما هو ينفق ابتغاء وجه ربه الأعلى أي يريد رضا ربه تعالى لا غير. قال تعالى {ولسوف 5يرضى} أي ما دام ينفق ابتغاء وجهنا فقط فسوف نكافئه ونعطيه عطاء يرضى به وذلك في الجنة دار السلام. هذه الآية الكريمة نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان في مكة يشتري العبيد من مواليهم الذين يعذبونهم من أجل إسلامهم فكان يشتريهم ويعتقهم لوجه الله تعالى ومنهم بلال رضي الله عنه فقال المشركون إنما فعل ذلك ليد عنده أي نعمه فهو يكافيه بها فأكذبهم الله في ذلك وأنزل قوله وسيجنبها الأتقى الآيات.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن الله تعالى متكفل بطريق الهدى فأرسل الرسل وأنزل الكتاب فأبان الطريق وأوضح السبيل.
    2- بيان أن لله تعالى وحده الدنيا والآخرة فمن أرادهما أو إحداهما فليطلب ذلك من الله تعالى فالآخرة تطلب بالإيمان والتقوى والدنيا تطلب باتباع سنن الله تعالى في الحصول عليها.
    3- بيان فضل أبي بكر الصديق وأنه مبشر بالجنة في هذه الآية الكريمة.
    __________

    1 المراد بالآخرة الجنة، وإن كان اللفظ يشمل الآخرة بكل ما فيها من نعيم وجحيم وسعادة وشقاء وفوز وخسران.
    2 تنكير (نارا) للتهويل، وجملة تلظى نعت ومعنى تلظى: تتلهب من شدة الاشتعال.
    3 يذكر بعض المفسرين أن المراد بالأشقى أمية بن خلف ونظراؤه من أكابر مجرمي قريش، واللفظ عام يشمل كل من ينطبق عليه الوصف المذكور.
    4 الابتغاء الطلب بجد فهو أبلغ من البغي.
    5 ولسوف يرضى لتحقيق الوعد في المستقبل، إذ اللام لام الابتداء لتأكيد الخبر هذه السورة تحمل معنى جوامع الكلم إذ تضمنت كل ما يرغب فيه الراغبون من الكمال والفوز والفلاح وهي آخر متوسط المفصل.

    ****************************** **
    سورة الضحى
    مكية وآياتها إحدى عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والضحى (1) والليل إذا سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى (3) وللآخرة خير لك من الأولى (4) ولسوف يعطيك ربك فترضى (5) ألم يجدك يتيما فآوى (6) ووجدك ضالا فهدى (7) ووجدك عائلا فأغنى (8) فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السائل فلا تنهر (10) وأما بنعمة ربك فحدث (11)

    شرح الكلمات:
    والضحى: أي أول النهار ما بين طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى الزوال.
    والليل إذا سجى: غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا إلى الراحة.
    ما ودعك: أي ما تركك ولا تخلى عنك.
    وما قلى: أي ما أبغضك.
    ألم يجدك يتيما: أي فاقد الأب إذ مات والده قبل ولادته.
    فآوى: أي فآواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب.
    ووجدك ضالا: أي لا تعرف دينا ولا هدى.
    ووجدك عائلا: أي فقيرا.
    فأغنى: أي بالقناعة، وبما يسر لك من مال خديجة وأبي بكر الصديق.
    فلا تقهر: أي لا تذله ولا تأخذ ماله.
    فلا تنهر: أي لا تنهره بزجر ونحوه.
    وأما بنعمة ربك فحدث: أي اذكر ما أنعم الله تعالى به عليك شكرا له على ذلك.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والضحى1 والليل إذا سجى ما ودعك2 ربك وما قلى} هذا قسم من الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أقسم له به على أنه ما تركه ولا أبغضه. وذلك أنه أبطأ عنه الوحي أياما فلما رأى ذلك المشركون فرحوا به وعيروه فجاءت امرأة وقالت3 له ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فحزن لذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله سورة الضحى يقسم له فيها بالضحى وهو أول النهار من طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح إلى ما قبل الزوال بقليل، وبالليل إذا سجى أي غطى بظلامه المعمورة وسكن فسكن الناس وخلدوا على الراحة فيه {ما ودعك ربك} يا محمد أي تركك {وما قلى} أي ما أبغضك {وللآخرة خير لك من الأولى} أي الدنيا وذلك لما أعد الله لك فيها من الملك الكبير والنعيم العظيم المقيم. وسوف يعطيك ربك من فواضل نعمه حتى ترضى في الدنيا من كمال الدين وظهور الأمر في الآخرة الشفاعة وأن لا يبقى أحد من أمته أهل التوحيد في النار والوسيلة والدرجة الرفيعة التي لا تكون لأحد سواه.
    وقوله تعالى {ألم يجدك4 يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى} هذه ثلاث منن لله تعالى على رسوله منها عليه وذكره بها ليوقن أن الله معه وله وأنه ما تركه ولن يتركه وحتى تنتهي فرحة المشركين ببطء الوحي وتأخره بضعة أيام. فالمنة الأولى أن والد النبي صلى الله عليه وسلم قد مات عقب ولادته وأمه ماتت بعيد فطامه فآواه ربه بأن ضمه إلى عمه أبي طالب فكان أبا رحيما وعما كريما له وحصنا منيعا له، ولم يتخل عن نصرته والدفاع عنه حتى وفاته والثانية منة العلم والهداية فقد كان صلى الله عليه وسلم يعيش في مكة كأحد رجالاتها لا يعرف علما ولا شرعا وإن كان معصوما من مقارفه أي ذنب أو ارتكاب أية خطيئة إلا أنه ما كان يعرف إيمانا ولا إسلاما ولا شرعا كما قال تعالى: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الأيمان} والثالثة منته عليه بالغنى بعد الحاجة فقد مات والده ولم يخلف أكثر من جارية هي بركة أم أيمن وبضعة جمال، فأغناه الله بغنى القناعة فلم يمد يده لأحد قط وكان يقول
    "ليس الغني عن كثرة العرض ولكن 5الغني غني النفس" هذه ثلاث منن إلهية وما أعظمها والمنة تتطلب شكرا ولله يزيد على الشكر ومن هنا أرشد الله تعالى رسوله إلى شكر تلك النعم ليزيده عليها فقال فأما {فأما اليتيم6 فلا تقهر} لا تقهره بأخذ ماله أو إذلاله أو أذاه ذاكرا رعاية الله تعالى لك أيام يتمك. {وأما السائل} وهو الفقير المسكين وذو الحاجة يسألك ما يسد خلته فأعطه ما وجدت عطاء أو رده بكلمة طيبة تشرح صدره وتخفف ألم نفسه ولا تنهره بزجر عنيف ولا بقول غير لطيف ذاكرا ما كنت عليه من حاجة وما كنت تشعر به من احتياج {وأما بنعمة ربك7 فحدث} أي أشكر نعمة الإيمان والإحسان والوحي والعلم والفرقان وذلك بالتحدث بها إبلاغا وتعليما وتربية وهداية فذاك شكرها والله يحب الشاكرين هكذا أدب الله جل جلاله رسوله وخليله فأكمل تأديبه وأحسه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الدنيا لا تخلو من كدر وصدق الله العظيم {لقد خلقنا الأنسان في كبد} .
    2- بيان علو المقام المحمدي وشرف مكانته.
    3- مشروعية التذكير بالنعم والنقم حملا للعبد على الصبر والشكر.
    4- وجوب شكر النعم بصرفها في مرضاة المنعم عز وجل.8
    5- تقرير معنى الحديث "إذا أنعم الله تعالى على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه".
    __________

    1 هذا القسم لتأكيد الخبر الذي حملته الآيات بعده، وكتبت (الضحى) بالألف المقصورة وأصلها الواو فكان المفروض أن تكتب بالألف الثابتة ولم تكتب بها مراعاة للمناسبة مع أكثر الكلمات: سجى وقلى والأولى.
    2 ما ودعك جواب القسم ولم يقرن باللام، لأن الجملة المنفية لا تتطلب اللام. وما قلى معطوفة على ما ودعك ومعنى ما ودعك ما تركك ومعنى وما قلاك ما أبغضك شديد البغض ولا ضعيفه.
    3 في البخاري عن جندب بن سفيان قال اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة هي أم جميل العوراء امرأة أبي لهب: فقالت يا محمد إني لأرجوا أن يكون شيطانك قد تركك ولم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثة فأنزل الله والضحى. وقيل لما سئل عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال سأخبركم غدا ولم يستثن فعوتب بانتظار الوحي خمسة عشر يوما وقال المشركون قلاه. فأنزل الله سورة الضحى.
    4 الاستفهام للتقرير وكذا الاستفهامات بعده.
    5 مخرج في الصحيحين.
    6 في الصحيح: " أنا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين".
    7 روى أو داود والترمذي وصححه قوله صلى الله عليه وسلم لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
    8 في الصحيحين: عن أنس أن المهاجرين قالوا يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله قال: لا ما دعوتم لهم وأثنيتم عليهم، هذه الأحاديث دالة على وجوب شكر المنعم عز وجل بحمده والثناء عليه، وأن شكر ذي النعمة من الناس كذلك ولو بالدعاء له والثناء عليه.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #887
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (882)

    سور(الشرح- التين)
    المجلد الخامس (صـــــــ 588الى صــــ 592)

    سورة الشرح
    مكية وآياتها ثماني آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ألم نشرح لك صدرك (1) ووضعنا عنك وزرك (2) الذي أنقض ظهرك (3) ورفعنا لك ذكرك (4) فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6) فإذا فرغت فانصب (7) وإلى ربك فارغب (8)

    شرح الكلمات:
    ألم: الاستفهام للتقرير أي إن الله تعالى يقرر رسوله بنعمه عليه.
    نشرح لك صدرك: أي بالنبوة، وبشقه وتطهيره وملئه إيمانا وحكمة.
    ووضعنا عنك وزرك: أي حططنا عنك ما سلف من تبعات أيام الجاهلية قبل نبوتك.
    الذي أنقض ظهرك: أي الذي أثقل ظهرك حيث كان يشعر صلى الله عليه وسلم بثقل السنين التي عاشها قبل النبوة لم يعبد فيها الله تعالى بفعل محابه وترك مكارهه لعدم علمه بذلك.
    ورفعنا لك ذكرك: أي أعليناه فأصبحت تذكر معي في الآذان والإقامة والتشهد.
    فإن مع العسر يسرا: أي مع الشدة سهولة.
    فإذا فرغت: أي من الصلاة.
    فانصب: أي اتعب في الدعاء.
    وإلى ربك فارغب: أي فاضرع إليه راغبا فيما عنده من الخيرات والبركات.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك} 1 هذه ثلاث منن أخرى بعد المنن الثلاث التي جاءت في السورة قبلها منها الله تعالى على رسوله بتقريره بها فالأولى بشرح صدره ليتسع2 للوحي ولما سيلقاه من قومه من سيء القول وباطل الكلام الذي يضيق به الإنسان والثانية وضع الوزر عنه فإنه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن له وزر حقيقة فإنه كان يشعر بحمل ثقيل من جراء ترك العبادة والتقرب إلى الله تعالى في وقت ما قبل النبوة ونزول الوحي عليه إذ عاش عمرا أربعين سنة لم يعرف فيها عبادة ولا طاعة لله، أما مقارفة الخطايا فقد كان محفوظا بحفظ الله تعالى له فلم يسجد لصنم ولم يشرب خمرا ولم يقل أو يفعل إثما قط. فقد شق صدره وهو طفل في الرابعة من عمره وأخرجت منه العلقة التي هي محطة الشيطان التي ينزل بها من صدر الإنسان ويوسوس بالشر للإنسان والثالثة رفع الذكر أي ذكره صلى الله عليه وسلم إذ قرن اسمه باسمه تعالى في التشهد وفي الأذان والإقامة وذلك الدهر كله وما بقيت الحياة. وقوله تعالى {فإن مع العسر
    يسرا إن مع العسر يسرا} فهذه بشرى بقرب الفرج له ولأصحابه بعد ذلك العناء الذي يعانون والشدة التي يقاسون ومن ثم بشر3 صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو يقول "لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين" وقوله {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} هذه خطة لحياة المسلم وضعت لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم ليطبقها أمام المسلمين ويطبقونها معهم حتى الفوز بالجنة والنجاة من النار وهي فإذا فرغت من عمل ديني فانصب لعمل دنيوي وإذا فرغت من عمل دنيوي فانصب لعمل ديني أخروي فمثلا فرغت من الصلاة فانصب نفسك للذكر والدعاء بعدها، فرغت من الصلاة والدعاء فانصب نفسك لدنياك، فرغت من الجهاد فانصب نفسك للحج. ومعنى هذا أن المسلم يحيا حياة الجد والتعب فلا يعرف وقتا للهو واللعب أو للكسل والبطالة قط وقوله إلى ربك فارغب ارغب بعد كل عمل تقوم به في مثوبة ربك وعطائه وما عنده من الفضل والخير إذ هو الذي تعمل له وتنصب من أجله فلا ترغب في غيره ولا تطلب سواه.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان ما أكرم الله تعالى به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من شرح صدره ومغفرة ذنوبه ورفع ذكره.
    2- بيان أن انشراح صدر4 المؤمن للدين واتساعه لتحمل الأذى في سبيل الله نعمة عظيمة.
    3- بيان أن مع العسر يسرا دائما وأبدا، ولن يغلب عسر يسرين فرجاء المؤمن في الفرح دائم.
    4- بيان أن حياة المؤمن ليس فيها لهو ولا باطل ولا فراغ لا عمل فيه أبدا ولا ساعة من الدهر قط وبرهان هذه الحقيقة أن المسلمين من يوم تركوا الجهاد والفتح وهم يتراجعون إلى الوراء في حياتهم حتى حكمهم الغرب وسامهم العذاب والخسف حتى المسخ والنسخ وقد نسخ إقليم الأندلس ومسخت أقاليم في بلاد الروس والصين حتى الأسماء غيرت.
    __________

    1 ورفعنا لك ذكرك قال مجاهد يعني التأذين، وفيه يقول حسان بن ثابت:
    أغر عليه للنبوة خاتم
    من الله مشهود يلوح ويشهد
    وضع الإله اسم النبي إلى اسمه
    إذ قال المؤذن في الخمس أشهد
    وشق له من اسمه ليجله
    فذو العرش محمود وهذا محمد
    2 في الصحيح عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن رجل من قومه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلا يقول أحد الثلاثة إذ كان معه حمزة وابن عمه جعفر فأتيت بطست من ذهب فيها ماء زمزم فشرح صدري إلى كذا وكذا. قال فاستخرج قلبي فغسل قلبي بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة. "
    3 رواه ابن جرير والحديث مرسل وقال ابن مسعود. والذي نفسي بيده لو كان العسر في حجر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه ولن يغلب عسر يسرين.
    4 روى الضحاك عن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله أيشرح الصدر؟ قال نعم وينفسح قالوا يا رسول الله وهل لذلك علامة؟ قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزول الموت.

    ****************************** ***
    سورة التين
    مكية وآياتها ثمان

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3) لقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم (4) ثم رددناه أسفل سافلين (5) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون (6) فما يكذبك بعد بالدين (7) أليس الله بأحكم الحاكمين (8)

    شرح الكلمات:
    والتين والزيتون: هما المعروفان التين فاكهة والزيتون ما يستخرج منه الزيت.
    وطور سينين: جبل الطور الذي ناجى الرب تعالى فيه موسى عليه السلام.
    وهذا البلد الأمين: مكة المكرمة لأنها بلد حرام لا يقاتل فيها فمن دخلها أمن.
    لقد خلقنا الإنسان: جنس الإنسان آدم عليه السلام وذريته.
    في أحسن تقويم: أي في أجمل صورة في اعتدال الخلق وحسن التركيب.
    أسفل سافلين: أي إلى أرذل العمر حتى يخرف ويصبح لا يعلم بعد أن كان يعلم.
    أجر غير ممنون: أي غير منقطع فالشيخ الهرم الخرف المسلم يكتب له ما كان يفعله أيام قدرته على العمل فأجره لا ينقطع إلا بموته.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والتين1 والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين} هذا قسم جليل من أقسام الرب تعالى حيث أقسم فيه بأربعة أشياء وهي التين وهو التين المعروف وهو أشبه شيء بفاكهة الجنة لخلوه من العجم.2 وما يوجد بداخل الفاكهة كالنواة ونحوها، والزيتون وهو ذو منافع يؤكل ويدهن به ويستصبح به ويداوى به كذلك، وبطور سينين وهو جبل سينا في فلسطين إذ تم عليه أكبر
    حدث في تاريخ الحياة وهو أن الله تعالى كلم موسى بن عمران نبي بني إسرائيل عليه عدة مرات وأسمعه كلامه وتجلى للجبل فصار دكا. وبمكة أم القرى التي دحيت الأرض من تحتها وفيها بيت الله وحولها حرمه هذا قسم عظيم وجوابه قوله تعالى {لقد خلقنا الأنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} ولقد تضمن هذا الجواب لذلك القسم أكبر مظاهر القدرة والعلم والرحمة وهي موجبة للإيمان بالله وتوحيده ولقائه وهو ما كذب به أهل مكة وأنكروه وبيان ذلك أن الإنسان كائن حي مخلوق فخالقه ذو قدرة قطعا وتعديل خلقه بنصب قامته وتسوية أعضائه وحسن سمته وجمال منظره دال على علم وقدرة وهي موجبة للإيمان بالله ولقائه إذ القادر على خلق الإنسان اليوم وقبل اليوم قادر على خلقه غدا كما شاء متى شاء ولا يرد هذا إلا أحمق جاهل، وقوله ثم رددناه أسفل سافلين وذلك بهرم بعض أفراده والنزول بهم إلى ما أسفل من سن الطفولة حيث يصبح الرجل فاقدا لعقله وقواه فيفقد قواه العقلية والبدنية وقوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} وهو أن ما كانوا يقومون به من الفرائض والنوافل وسائر الطاعات والقربات لا ينقطع أجرهم3 منها بكبرهم وعدم قيامهم بها في سن الشيخوخة والهرم والخرف بخلاف الكافر والفاجر والفاسق فليس لهم أعمال لا تنقطع إلا من سن منهم سنة سيئة فإن ذنبه لا ينقطع ما بقى من يعمل بتلك السنة السيئة. وقوله تعالى {فما يكذبك بعد بالدين4} أي فمن يقدر على تكذيبك يا رسولنا بعد هذه الآيات والحجج والبراهين الدالة على قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته فمن يكذب بالبعث والجزاء على الكسب الإرادي الاختياري في هذه الحياة من خير وشر فإنه وإن كذب بالدين وهو الجزاء الأخروي على عمل المكلفين في هذه الحياة الدنيا فإن هذا التكذيب قائم على أساس العناد والمكابرة إذ الحجج الدالة على يوم الدين والجزاء فيه تجعل المكذب به مكابرا أو جاحدا لا غير. وقوله تعالى {أليس الله بأحكم الحاكمين5} ؟ بلى فليس هناك أعدل من الله وأحسن حكما فكيف يظن إذا أن الناس يعملون متفاوتين في أعمالهم في هذه الدنيا ثم يموتون سواء ولا جزاء بعد بالثواب ولا بالعقاب هذا ظلم وباطل ومنكر ينزه الرب عنه سبحانه وتعالى فقضية البعث الآخر لا تقبل الجدل والمماحكة بحال من الأحوال.
    من هداية الآيات:
    1- بيان منافع التين والزيتون واستحباب غرس هاتين الشجرتين والعناية بهما.
    2- بيان شرف مكة. وحرمها.
    3- بيان فضل الله على الإنسان في خلقه في أحسن صورة وأقوم تعديل.
    4- تقرير فضل الله على الإنسان المسلم وهو أنه يطيل عمره فإذا هرم وخرف كتب له كل ما كان يعمله من الخير ويجانبه من الشر.
    5- مشروعية قول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين بعد قراءة والتين إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
    __________

    1 عامة أهل السلف ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم أن المراد من التين والزيتون هما المعروفان قال غير واحد هو نبتكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت.
    2 العجم - النوى.
    3 صح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا سافر العبد أو مرض كتب الله له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا. وعن ابن عمر: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله.
    4 وجائز أن يكون الخطاب للإنسان الكافر توبيخا له وإلزاما للحجة أي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم وأنه يردك إلى أرذل العمر فما يحملك على أن تكذب وعليه فالاستفهام توبيخي.
    5 روي أن ابن عباس وعليا رضي الله عنهما كانا إذا قرءا أليس الله بأحكم الحاكمين قالا بلى وأنا على ذلك من الشاهدين وروى الترمذي عن أبي هريرة من قرأ سورة والتين والزيتون فقرأ أليس الله بأحكم الحاكمين فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #888
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (883)

    سور(العلق- القدر)
    المجلد الخامس (صـــــــ 593الى صــــ 596)

    سورة العلق
    مكية وآياتها تسع عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الأنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الأنسان ما لم يعلم (5)

    شرح الكلمات:
    اقرأ: أي أوجد القراءة وهي جمع الكلمات ذات الحروف باللسان.
    باسم ربك: أي بذكر اسم ربك.
    الذي خلق: أي خلق آدم من سلالة من طين.
    خلق الإنسان: أي الإنسان الذي هو ذرية آدم.
    من علق: أي جمع علقة وهي النطفة في الطور الثاني حيث تصير علقة أي قطعة من الدم الغليظ.
    وربك الأكرم: أي الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله ولا يساويه.
    الذي علم بالقلم: أي علم العباد الكتابة والخط بالقلم.
    علم الإنسان: أي جنس الإنسان.
    ما لم يعلم: أي ما لم يكن يعلمه من سائر العلوم والمعارف.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} هذه الآيات الخمس من أول ما نزل من القرآن الكريم لأحاديث الصحاح1 فيها فإن مما اشتهر في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي حراء يتحنث فيه أي يزيل الحنث فرارا مما عليه قومه من الشرك والباطل حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء فقال يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله ثم قال اقرأ قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت الحديث.
    وقوله تعالى {اقرأ باسم ربك} يأمر الله تعالى رسوله أن يقرأ بادئا قراءته بذكر اسم ربه أي باسم الله الرحمن الرحيم وقوله {الذي خلق} أي خلق الخلق كله وخلق آدم من طين وخلق الإنسان من أولاد آدم من علق والعلق اسم جمع واحده علقة وهي2 قطعة من الدم غليظة كانت في الأربعين يوما الأولى في الرحم نطفة ثم تطورت إلى علقة تعلق بجدار الرحم ثم تتطور في أربعين يوما إلى مضغة لحم، ثم إما أن يؤذن بتخلقها فتخلق وإما لا فيطرحها الرحم قطعة لحم وقوله {اقرأ وربك} تأكيد للأمر الأول لصعوبة الأمر واندهاش الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاجأة {اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم} 3 أي وربك الأكرم هو الذي علم بالقلم عباده الكتابة والخط. وقوله {علم الإنسان ما لم يعلم} أي من كرمه الذي أفاض منه على عباده نعمه التي لا تحصى إنه علم الإنسان بواسطة القلم ما لم يكن يعلم من العلوم والمعارف وهذه إشادة بالقلم وأنه واسطة العلوم والمعارف والواسطة تشرف بشرف الغاية المتوسط لها فلذا كان لا أشرف في الدنيا من عباد الله الصالحين والعلوم الإلهية في الكتاب والسنة وما دعوا إليه وحضا عليه من العلوم النافعة للإنسان.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير الوحي الإلهي وإثبات النبوة المحمدية.
    2- مشروعية ابتداء القراءة بذكر اسم الله ولذا افتتحت سور القرآن ما عدا التوبة ببسم الله الرحمن الرحيم.
    3- بيان تطور النطفة في الرحم إلى علقة ومنها يتخلق الإنسان.
    4- اعظام شأن الله تعالى وعظم كرمه فلا أحد يعادله في الكرم.
    5- التنويه بشأن الكتابة والخط بالقلم إذ المعارف والعلوم لم تدون إلا بالكتابة والقلم.
    6- بيان فضل الله تعالى على الإنسان في تعليمه ما لم يكن يعلم بواسطة الكتابة والخط.
    __________

    1 منها حديث عائشة: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة فجاءه الملك فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم. رواه البخاري.
    2 العلقة الدم الجامد والجمع علق، والعلقة قطعة من دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه.
    3 قيل سمي القلم قلما لأنه يقلم أي يقطع، ومنه تقليم الظفر صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق عرشه".

    ****************************** ******

    أرأيت إن كان على الهدى (11) أو أمر بالتقوى (12) أرأيت إن كذب وتولى (13) ألم يعلم بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (15) ناصية كاذبة خاطئة (16) فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19)

    شرح الكلمات:
    كلا1: أي لا أداة استفتاح وتنبيه لكسر إن بعدها.
    إن الإنسان: أي ابن آدم قبل أن تتهذب مشاعره وأخلاقه بالإيمان والآداب الشرعية.
    ليطغى: أي يتجاوز الحد المفروض له في سلوكه ومعاملاته.
    أن رآه استغنى: أي عندما يرى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه.
    إن إلى ربك الرجعى: أي إن إلى ربك أيها الرسول الرجعى أي الرجوع والمصير.
    الذي ينهى عبدا إذا صلى: أي أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي لعنه الله.
    إن كان على الهدى أو أمر: أي هو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي العدناني.
    بالتقوى
    إن كذب وتولى: أي هو أبو جهل.
    لئن لم ينته: أي من أذية رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنعه من الصلاة خلف المقام.
    لنسفعا بالناصية: أي لنأخذن بناصيته ونسحبه إلى نار جهنم.
    فليدع نادية: أي رجال مجلسه ومنتداه.
    سندع الزبانية: أي خزان جهنم.
    كلا: أي ارتدع أيها الكاذب الكافر.
    واقترب: أي منه تعالى وذلك بطاعته.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {كلا إن الأنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى} يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان قبل أن يهذبه الإيمان والمعارف الإلهية المشتملة على معرفة محاب الله تعالى, ومساخطه أنه إذا رأى نفسه قدر استغنى بماله أو ولده أو سلطانه أو بالكل وما أصبح في حاجة إلى غيره يطغى فيتجاوز حد الآداب والعدل والحق والعرف فيتكبر ويظلم ويمنع الحقوق ويحتقر الضعفاء ويسخر بغيره. وأبو جهل كان مضرب المثل في هذا الوصف وصف الطغيان حتى قيل أنه فرعون هذه الأمة, وها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في المسجد الحرام خلف المقام فيأتيه هذا الطاغية ويهدده ويقول له لقد نهيتك عن الصلاة هنا فلا تعد, ويقول له إن وجدتك مرة أخرى آخذ بناصيتك وأسحبك على الأرض فينزل الله تعالى هذه الآيات {كلا إن الأنسان ليطغى أن رآه استغنى} فيقف برسوله على حقيقة ما كان يعلمها وهي أن ما يجده من أبي جهل وأضرابه من طغاة قريش علته كذا وكذا ويسليه فيقول له وإن طغوا وتجبروا إن مرجعهم إلينا وسوف ننتقم لك منهم {إن إلى ربك} يا رسولنا {الرجعى} إذا فاصبر على أذاهم وانتظر ما سيحل بهم إن مصيرهم إلينا لا إلى غيرنا وسوف ننتقم منهم ثم يقول له قولا يحمل العقلاء على التعجب من سلوك أبي جهل الشائن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى} ؟ وهل الذي يصلي ينهى عن الصلاة وهل الصلاة جريمة وهل في الصلاة ضرر على أحد؟ فكيف ينهى عنها؟ ويقول له {أرأيت إن كان} أي المصلي الذي نهي عن الصلاة وهو الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم
    {على الهدى} الموصل إلى سعادة الدنيا والآخرة وكرامتهما؟ {أو أمر بالتقوى} أي أمر غيره بما يتقي به عذاب الدنيا والآخرة, هل الآمر بالهدى والتقوى أي بأسباب النجاة السعادة يعادي ويحارب؟ ويضرب ويهدد؟ إن هذا العجب العجاب. ويقول أرأيت يا رسولنا إن كذب هذا الذي ينهى عبدا إذا صلى أي كذب بالحق والدين وتولى عن الإيمان والشرع, كيف يكون حاله يوم يلقى ربه؟ {ألم يعلم بأن الله يرى} أن يرى أفعاله الاستفزازية المقيتة وتطاوله على رسول الله وتهديده له بالضرب إن وجده يصلي خلف المقام. بعد هذه الدعوة للطاغية لعله يرجع للحق إذا سمعه, وإذا به يزدادا طغيانا ويقول في مجلس قريش يقول واللات والعزى لئن رأيت محمدا صلى الله عليه وسلم يصلي لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه على التراب, وفعلا أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على ركبته فإذا به ينكص على عقبيه, ويتقي بيديه, فقيل له مالك فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وأنزل الله تعالى {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة} أي صاحبها وهو أبو جهل أي لئن لم ينته عن أذية رسولنا وتعرضه له في صلاته ليمنعه منها لنأخذن بناصيته ونجره إلى جهنم عيانا. {فليدع} حينئذ رجال ناديه ومجلس قومه فإنا ندعو الزبانية أي خزنة النار من الملائكة كلا فليرتدع هذا الطاغية وليعلم أنه لن يقدر على أن يصل إلى رسولنا بعد اليوم بأذى.
    وقال تعالى لرسوله بعد تهديده للطاغية, وردعه له, وارتدع فعلا ولم يجرؤ بعد ذلك اليوم أن يمد لسانه, ولا يده بسوء لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم {لا تطعه} فيما يطلب منك من ترك الصلاة في المسجد الحرام فقد كفيناك شره {واقترب2} إلينا بالطاعات ومن أهمها الصلاة.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان سبب نزول الآيات كلا إن الإنسان ليطغى إلى آخر السورة.
    2- بيان طبع الإنسان إذا لم يهذب بالإيمان والتقوى.
    3- نصرة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالملائكة عيانا في المسجد الحرام.
    4- تسجيل لعنة الله على فرعون الأمة أبي جهل وأنه كان أظلم قريش لرسول الله وأصحابه.
    5- مشروعية السجود عند تلاوة هذه السورة إذا قرأ فاسجد واقترب شرع له السجود3 إلا أن يكون يصلي بجماعة في الصلاة السرية فلا يسجد لئلا يفتنهم.
    __________

    1 كلا الأصل فيها أنها أداة ردع وزجر وذلك إذا تقدمها ما يقتضي ذلك وتكون بمعنى حقا، وتكون بمعنى ألا التي هي أداة استفتاح وتنبيه. وهي هنا تردد من أمرين بين أن تكون بمعنى حقا أو بمعنى ألا، وذلك لعدم تقدم كلام يقتضي الردع والزجر، لأن الآيات الخمس الأولى نزلت في أول ما نزل وما بعد كلا نزل بعد ذلك بفترة طويلة وجائز أن تكون ردعا لمن قال قولا أو عمل عملا استحق به ذلك.
    2 روى أصحاب الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم "اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
    3 ورد في الذكر حال السجود أن الساجد يقول (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق بحوله وقوته سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين. اللهم اكتب لي بها أجرا وامح عني بها وزرا وارفع لي بها ذكرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود) .


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #889
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (884)

    سور(القدر- البينة)
    المجلد الخامس (صـــــــ 596الى صــــ 601)

    سورة القدر
    مكية وآياتها خمس آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنا أنزلناه في ليلة القدر (1) وما أدراك ما ليلة القدر (2) ليلة القدر خير من ألف شهر (3) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر (4) سلام هي حتى مطلع الفجر (5)

    شرح الكلمات:
    إنا أنزلناه: أي القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا.
    في ليلة القدر: أي ليلة الحكم التقدير التي يقضي فيها قضاء السنة كلها.
    وما أدراك ما ليلة القدر: أي إن شأنها العظيم.
    ليلة القدر خير من ألف شهر: أي العمل الصالح فيها من صلاة وتلاوة قرآن ودعاء خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
    والروح فيها: أي جبريل في ليلة القدر.
    بإذن ربهم: أي ينزلون بأمره تعالى لهم بالتنزل فيها.
    من كل أمر: أي من كل أمر قضاه الله تعالى في تلك السنة من رزق وأجل وغير ذلك.
    سلا هي حتى مطلع الفجر: أي هي سلام من الشر كله من غروب الشمس إلى طلوع الفجر.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إنا أنزلناه1} أي القرآن الكريم الذي كذب به المكذبون وأنكره الكافرون يخبر تعالى أن ما يتلوه عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم هو حق وحي الله وكتابه أنزله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وذلك في ليلة الحكم والقضاء التي يقضي الله فيها ما يشاء من أحداث العالم
    من رزق وأجل وغيرهما إلى بداية السنة الآتية وذلك كل سنة وهذا كقوله {إنا أنزلناه2 في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم} إذ ما قضاه الله تعالى وحكم بوجوده قد كتب في اللوح المحفوظ ومنه القرآن الكريم ثم في ليلة القدر تؤخذ نسخة من أحداث السنة فتعطى الملائكة وتنفذ حرفيا في تلك السنة، ولذلك كان لليلة القدر بمعنى التقدير شأن عظيم ففضلها الله على ألف شهر وأخبر عن سبب فضلها أن الملائكة تتنزل فيها وجبريل معهم بإذن ربهم أي ينزلون بإذن الله تعالى لهم وأمره إياهم بالنزول ينزلون مصحوبين بكل أمر قضاه الله وحكم به في تلك السنة من خير وشر من رزق وأجل ولفضل هذه الليلة كانت العبادة فيها تفضل غيرها من نوعها بأضعاف مضاعفة إذ العمل تلك الليلة يحسب لصاحبه عمل ألف ليلة أي ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر. هذا ما دل عليه قوله تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك3 ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر4 تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} وقوله {سلام هي حتى مطلع الفجر} أي هي سلام من كل شر إذ هي كلها خير من غروب الشمس إلى طلوع فجرها إنها كلها سلام سلام الملائكة على العابدين من المؤمنين والمؤمنات وسلامة من كل شر. والحمد لله الذي جعلنا من أهلها.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير الوحي وإثبات النبوة المحمدية.
    2- تقرير عقيدة القضاء والقدر.
    3- فضل ليلة القدر وفضل العبادة فيها5.
    4- بيان أن القرآن نزل في رمضان جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأنه ابتدئ نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضا.
    5- الندب6 إلى طلب ليلة القدر للفوز بفضلها وذلك في العشر الأواخر من شهر رمضان وأرجى
    ليلة في العشر الأواخر هي الوتر كالواحدة والعشرين إلى التاسعة والعشرين لحديث الصحيح التمسوها في العشر الأواخر.
    6- استحباب الإكثار من قراءة القرآن وسماعه فيها لمعارضة جبريل الرسول7 صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان مرتين.
    __________

    1 وجائز أن يطلق لفظ أنزلناه في ليلة القدر على الخمس التي أنزلت بغار حراء في رمضان وهي اقرأ باسم ربك.. إلى ما لا يعلم أي باعتبار بداية نزوله, وما في التفسير عليه أئمته.
    2 فاتحة سورة الدخان.
    3 الاستفهام للتفخيم من شأن ليلة القدر أي أي شيء يعرفك ما هي ليلة القدر ذات الشأن العظيم وإظهار لفظ ليلة القدر بعد وما أدراك ما ليلة القدر دال على الاهتمام بها كقول عدي:
    لا أرى الموت يسبق الموت شيء
    نغص الموت ذا الغني والفقير
    4 لحديث مالك في الموطأ سمعن من أثق فيه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الأمم قبله فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر.
    5 حديث الصحيحين: " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
    6 أرجح الأقوال في ليلة القدر أنها في الوتر من العشر الأواخر من كل عام لحديث الصحيح التمسوها في الوتر من العشر الأواخر وأن من صلى العشاء ليلتها في الجماعة ينال فضلها لما قاله مالك في الموطأ وهو قول سعيد بن المسيب (من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها ومثله لا يدرك بالرأي) .
    7 معارضة القرآن ثابتة في الصحيح وفضل الدعاء فيها ثابت في الصحيح. قالت عائشة يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول؟ قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
    ****************************** ******
    سورة البينة1
    مدنية وآياتها ثمان آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة (1) رسول من الله يتلو صحفا مطهرة (2) فيها كتب قيمة (3) وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة (4) وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (5)

    شرح الكلمات:

    من أهل الكتاب: أي اليهود والنصارى.
    والمشركين: أي عبدة الأصنام.
    منفكين: أي زائلين عما هم عليه منتهين عنه.
    حتى تأتيهم البينة: أي الحجة الواضحة وهي محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم.
    رسول من الله: أي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    صحفا مطهرة: أي من الباطل.
    فيها كتب قيمة: أي في تلك الصحف المطهرة كتب من الله مستقيمة.
    إلا من بعد ما جاءتهم البينة: أي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه القرآن الكريم.
    وما أمروا: أي في كتبهم التوراة والإنجيل.
    حنفاء: أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام.
    دين القيمة: أي دين الملة القيمة أي المستقيمة.

    معنى الآيات:

    قوله تعالى {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} وهم اليهود والنصارى2 والمشركون هم عباد الأصنام لم يكونوا منفصلين عما هم عليه من الديانة تاركين لها إلى غاية مجيء البينة لهم فلما جاءتهم البينة. وهي محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه انفكوا أي 3انقسموا فمنهم من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكتابه والدين الإسلامي ومنهم من كفر فلم يؤمن. وقوله تعالى {رسول من الله} هو محمد صلى الله عليه وسلم وقوله {يتلو صحفا} أي يقرأ على ظهر قلب ما تضمنته تلك الصحف المطهرة من الباطل والمشتملة على كتب4 من عند الله قيمة أي مستقيمة لا انحراف فيها عن الحق ولا بعد عن الهدى والمراد من الصحف المطهرة القرآن الكريم. وقوله تعالى {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} أي اليهود والنصارى {إلا من بعد ما جاءتهم البينة} وهي محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه إذ كانوا قبل البعثة المحمدية متفقين على انتظار نبي آخر الزمان وأنه النبي الخاتم للنبوات فلما جاءهم تفرقوا فآمن بعض وكفر بعض. في حين أنهم ما أمروا في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم. وكذا في القرآن وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ويقيموا الصلاة بأن يؤدوها في أوقاتها بشروطها وأركانها وآدابها ويؤتوا الزكاة التي أوجب الله في الأموال لصالح الفقراء والمساكين. وذلك دين القيمة أي وهذا هو دين الملة القيمة المستقيمة الموصلة للعبد إلى رضا الرب وجنات الخلد بعد انجائه من العذاب والغضب.

    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان أن الديانات السابقة للإسلام والتي عاصرته كانت منحرفة اختلط فيها الحق بالباطل ولم
    تصبح صالحة للإسلام والهداية البشرية ولا فرق بين اليهودية والنصرانية والمجوسية.
    2- إن أهل الكتاب بصورة خاصة كانوا منتظرين البعثة المحمدية بفارغ الصبر لعلمهم بما أصاب دينهم من فساد، ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءتهم البينة على صدقة وصحة ما جاء به تفرقوا فآمن البعض5 وكفر البعض.
    3- مما يؤخذ على اليهود والنصارى أنهم في كتبهم مأمورون بعبادة الله تعالى وحده والكفر بالشرك مائلين عن كل دين إلى دين الإسلام ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فما بالهم لما جاءهم الإسلام بمثل ما أمروا به كفروا به وعادوه. والجواب أنهم لما انحرفوا عز عليهم أن يستقيموا لما ألفوا من الشرك والضلالة والباطل.
    4- بيان أن الملة القيمة والدين المنجي من العذاب المحقق للإسعاد والكمال ما قام على أساس عبادة الله وحده وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والميل عن كل دين إلى هذا الدين الإسلامي.

    __________
    1 وتسمى سورة القيمة ولم يكن، وورد في فضلها حديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب إن الله أمرني أن اقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا) قال وسماني لك؟ قال. نعم. فبكى. وفي هذا الحديث أنه لا يأنف الفاضل أن يقرأ القرآن أو يتعلم العلم عن المفضول.
    2 قال ابن عباس أهل الكتاب اليهود الذين كانوا بالمدينة وهم قريظة والنظير وبنو قينقاع ولفظ الآية أعم وأشمل إذ تناول اليهود مطلقا والنصارى كذلك.
    3 انفك ينفك انفكاكا مضارع فكه فانفك ومعناه الإزالة والإقلاع أي لم يكونوا مقلعين عما هم عليه أو زائلين عنه تاركين له منتهين عنه.
    4 إن قيل الكتب هي التي تشتمل على صحف فكيف يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة؟ والجواب نعم الصحف تكون كتابا وإذا كثرت كونت كتبا باعتبار ما حواه من الشرائع والأحكام والقصص والأخبار.
    5 شاهده قوله تعالى: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} أي كفر من كفر منهم الآية من سورة البقرة.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #890
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (885)

    سور( البينة- الزلزلة)
    المجلد الخامس (صـــــــ 601الى صــــ 605)

    إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية (6) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية (7) جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه (8)

    شرح الكلمات:
    إن الذين كفروا من أهل الكتاب: أي بالإسلام ونبيه وكتابه هم اليهود والنصارى.
    أولئك هم شر البرية: أي شر الخليقة.
    إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي آمنوا بالإسلام ونبيه وكتابه وعملوا الصالحات.
    أولئك هم خير البرية: أي هم خير الخليقة.
    جنات عدن: أي بساتين إقامة دائمة.
    رضي الله عنهم: أي بطاعته.
    ورضوا عنه: أي بثوابه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إن الذين كفروا من1 أهل الكتاب والمشركين} إنه بعد أن بين الدين الحق المنجي من العذاب والموجب للنعيم وهو الدين الإسلامي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب ومن المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم الله فيهم لكفرهم بالحق وإعراضهم عنه بعدما جاءتهم البينة وعرفوا الطريق وتنكبوه رضا بالباطل واقتناعا بالكفر والشرك بدل الإيمان والتوحيد هؤلاء الكفرة الفجرة هم شر الخليفة كلها. وهو معنى قوله {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم2 شر البرية} كما أخبر تعالى بأن جزاء من آمن بالله ورسوله وعمل بالدين الإسلامي فأدى الفرائض واجتنب النواهي وسابق في الخيرات والصالحات هؤلاء هم3 خير البرية إذ قال تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} وقوله {جزاؤهم عند ربهم} أي جزاء أولئك الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الهدى والدين الحق أولئك هم خير الخليفة وقوله {جزاؤهم عند ربهم} أي يوم يلقونه وذلك بعد الموت {جنات عدن} أي بساتين إقامة دائمة خالدين فيها أبدا أي لا يخرجون منها ولا يموتون أبدا وقوله {رضي4 الله عنهم ورضوا عنه} أي رضي الله عنهم بسبب إيمانهم وطاعتهم ورضوا عنهم بسبب ما وهبهم وأعطاهم من النعيم المقيم في دار السلام وقوله تعالى {ذلك لمن خشي5 ربه} أي ذلك الجزاء المذكور وهو جزاء عظيم إذ جمع لأهله فيه بين سعادة الروح وسعادة البدن معا هو جزاء عبد خاف ربه فلم يعصه حتى لقيه بعد موته وإن عصاه يوما تاب وإن أخطأ رجع حتى مات وهو على الطاعة لا على المعصية.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان جزاء من كفر بالإسلام من سائر الناس وأنه بئس الجزاء.
    2- بيان جزاء من آمن بالإسلام ودخل فيه وطبق قواعده واستقام على الأمر والنهي فيه وهو نعم الجزاء رضى الله والخلود في دار السلام.
    3- فضل الخشية إن حملت صاحبها على طاعة الله ورسوله فأطاعهما بأداء الفرائض وترك المحرمات في الاعتقاد والقول والعمل.
    __________

    1 كفروا أي من بعد ما جاءتهم البينة من الطوائف الثلاثة حكم اله تعالى فيهم بأنهم شر الخليفة فهم شر من القردة والخنازير وأخبث أنواع الحيوان كالحيات والثعابين لأنهم كفروا بربهم وفسقوا من أمره واستوجبوا لعنته وعذابه فكانوا بذلك شر البرية.
    2 البرية الخليفة إذ هي من برأ إذا خلق والباري الخالق وأصل البرية: البريئة قلبت الهمزة ياء وأدغمت في الياء فصارت البرية بياء مشددة وقرأ نافع البرئة مهموزا على الأصل وخففها حفص فقرأ البرية كالخلية وزنا. ا
    3 أي في حكم الله وقضائه وحصلت لهم الخيرية بإيمانهم بربهم واستقامتهم على منهج شرعه فكملوا في أرواحهم وأخلاقهم وتهيئوا للملكوت الأعلى فكانوا بذلك خير البرية اللهم اجعلنا منهم.
    4 قول البعض رضي أعمالهم هروبا من عقيدة السلف وإلا فالآية نص في رضاه تعالى عنهم وإن كانت الأعمال سببا في رضاه إذ الأعمال طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم فاستحقوا رضى الله فرضي عنهم ورضى الله أكبر من نعيم الجنة كقوله تعالى ورضوان من الله أكبر.
    5 الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ لا خشية بلا علم قال تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فلذا وجب طلب العلم وهو العلم بالله ومحابه ومكارهه ووعده ووعيده إذ هذا هو العلم الذي يثمر الخشية.

    ****************************** *****
    سورة الزلزلة1
    مدنية وآياتها ثماني آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إذا زلزلت الأرض زلزالها (1) وأخرجت الأرض أثقالها (2) وقال الأنسان ما لها (3) يومئذ تحدث أخبارها (4) بأن ربك أوحى لها (5) يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم (6) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (8)

    شرح الكلمات:
    إذا زلزلت الأرض: أي حركت لقيام الساعة.
    وأخرجت الأرض أثقالها: أي كنوزها وموتاها فألقتها وتخلت.
    مالها: أي وقال الكافر مالها أي أي شيء جعلها تتحرك هذه الحركة.
    تحدث أخبارها: أي تخبر بما وقع عليها من خير وشر وتشهد به لأهله.
    أوحى لها: أي بأن تحدث أخبارها فحدثت.
    يصدر الناس أشتاتا: أي من موقف الحساب.
    ليروا أعمالهم: أي جزاء أعمالهم إما إلى الجنة وإما إلى النار.
    مثقال ذرة: زنة نملة صغيرة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إذا زلزلت الأرض زلزالها2} أي تحركت حركتها الشديدة لقيام الساعة وأخرجت الأرض أثقالها من كنوز وذلك في النفخة الأولى, وأموات وذلك في النفخة الثانية ففي الإخبار إجمال إذ المقصود تقرير البعث والجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار ويدخلهم الجنة. وقوله {وقال الأنسان ما لها؟} 3 لا شك أن هذا الإنسان السائل كان كافرا بالساعة ولذا تساءل أما المؤمن فهو يعلم ذلك لأنه جزء من عقيدته. وقوله تعالى {يومئذ تحدث أخبارها4} أي تخبر بما جرى عليها من خير وشر بلسان القال أو الحال. وهي في هذا الإخبار مأمورة لقوله تعالى {بأن ربك أوحى لها} أي بذلك وقوله {يومئذ يصدر الناس أشتاتا5} أي يوم تزلزل الأرض وتهتز للنفخة الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتا أي يصدرون من ساحة فصل القضاء فمن آخذ ذات اليمين ومن آخذ ذات الشمال ليروا أعمالهم أي جزاء أعمالهم في الدنيا من حسنة وسيئة فالحسنة تورث الجنة والسيئة تورث النار. وقوله تعالى {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا6} أي وزن ذرة من خير في الدنيا يثب عليه في الآخرة ومن يعمل مثقال ذرة أي وزن ذرة من شر في الدنيا يجز به في الآخرة إلا أن يعفو الجبار عز وجل وبما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا, وليس له في الآخرة شيء منها وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها إذ سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان هل ينفعه في الآخرة ما كان يفعله في الدنيا من إطعام الحجيج وكسوتهم فقال لها. لا إنه لم يقل يوما من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. كما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يأكل مع الرسول صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} الآية فرفع أبو بكر يده من الطعام وقال إني لراء ما عملت من خير وشر؟ فقال
    النبي صلى الله عليه وسلم أن ما ترى مما تكره فهو من مثاقيل ذر شر كثير, ويدخر الله لك مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة وتصديق ذلط في كتاب الله {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} .
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2- الإعلام بالانقلاب الكوني الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات غير السموات.
    3- تكلم الجمادات من آيات الله تعالى الدالة على قدرته وعلمه وحكمته وهي موجبات ألوهيته بعبادته وحده دون سواه.
    4- تقرير حديث الصالح اتقوا النار ولو بشق تمرة.7
    5- الكافر عمله الخيري ينفعه في الدنيا دون الآخرة.
    6- المؤمن يجزي8 بالسيئة في الدنيا ويدخر له صالح عمله للآخرة.
    __________

    1 وتسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها وهو قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها, واشتهرت بسورة الزلزلة وهي تسمية بالمعنى إذ ليس فيها لفظ الزلزلة. ورد أنها تعدل ربع القرآن أو نصفه والحديث ضعيف.
    2 إضافة الزلزال إلى ضمير الأرض لإفادة تمكنه منها وللإشارة إلى هوله وفظاعته لما عرف الناس من أهوال الزلزال إذا وقع والزلزال بكسر الزاء مصدر وبفتحها اسم مصدر. وهو مأخوذ من الزلل وهو زلق الرجلين. فلما قصدوا شدة الزلل ضاعفوا الفعل فقالوا في زل زلزل كما قالوا في كبه كبكبه.
    3 مالها استفهام ناشئ عن دهشة وحيرة للمفاجأة. أي ما للأرض زلزلت هذا الزلزال.
    4 روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (يومئذ تحدث أخبارها) فقال أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها, وتقول عمل يوم كذا وكذا فهذه أخبارها وجملة (يومئذ تحدث) جواب الشرط (إذا زلزلت) .
    5 الأشتات جمع شت بمعنى متفرقين جماعات جماعات أصحاب يمين وأصحاب شمال.
    6 يحكى أن أعرابيا أخر (خيرا يره) فقيل له قدمت وأخرت فقال:
    خذا بطن هرشى أو قفاها فإنه
    كلا جانبي هرشى لهن طريق
    وفات الأعرابي أن تقديم لفظ الخير تنويه به وبأهله ولذا قدم في الآية.
    7 حديث "اتقوا النار ول بشق تمرة". رواه البخاري وفي الموطأ أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها, فجعل ينظر إليها ويعجب, فقالت أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟
    8 شاهده حديث أبي بكر السالف الذكر.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #891
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (886)

    سور( العاديات- القارعة)
    المجلد الخامس (صـــــــ 606الى صــــ 609)

    سورة العاديات
    مكية وآياتها إحدى عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والعاديات ضبحا (1) فالموريات قدحا (2) فالمغيرات صبحا (3) فأثرن به نقعا (4) فوسطن به جمعا (5) إن الأنسان لربه لكنود (6) وإنه على ذلك لشهيد (7) وإنه لحب الخير لشديد (8) أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور (9)
    وحصل ما في الصدور (10) إن ربهم بهم يومئذ لخبير (11)

    شرح الكلمات:

    والعاد
    يات: أي والخيل تعدو في الغزو.
    ضبحا: أي تضبح ضبحا والضبح صوت الخيل إذا عدت أي جرت.
    فالموريات قدحا: أي الخيل توري النار بحوافرها إذا سارت بالليل.
    فالمغيرات صبحا: أي الخيل تغير على العدو صباحا.
    فأثرن به نقعا: هيجن به أي بمكان عدوها نقعا أي غبارا.
    فوسطن به جمعا: أي بالنقع جمع العدو أي حيث تجمعاته.
    لكنود: لكفور بجحد نعمه تعالى عليه.
    لشهيد: أي يشهد على نفسه بعمله.
    وإنه لحب الخير: أي المال.
    إذا بعثر: أي أثير وأخرج ما في القبور.
    وحصل ما في الصدور: بين وأفرز ما في الصدور من الإيمان والكفر.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والعاديات ضبحا} 1 الآيات إلى قوله {أفلا يعلم} تضمنت قسما إلهيا عظيما على حقيقة كبرى يجهلها كثير من الناس وهي كفر الإنسان لربه ولنعمه عليه يعد المصائب وينسى النعم والفواصل وهذا بيان ما أقسم تعالى به وهو العاديات ضبحا وهي الخيل2 تضبح أي تخرج صوتا خاصا غير الصهيل المعروف فالموريات قدحا أي الخيل توري النار بحوافرها إذا مشت فوق الحجارة ليلا ويدخل ضمن هذا كل قادحة للنار فالمغيرات صبحا أي جماعات الخيل يركبها فرسانها للإغارة على العدو بها صباحا. وقوله فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا أي فأثارت الخيل النقع وهو الغبار والتراب عند سيرها بفرسانها فتوسطت جمع العدو وكتائبه لقتال أعداء الله الكافرين بالله وآياته ولقائه المفسدين في الأرض بالشرك والمعاصي هذا ما أقسم الله تعالى به وهو الخيل ذات الصفات الثلاث: العدو والإوراء والإغارة والمقسم عليه قوله {إن الإنسان لربه لكنود} المراد من الإنسان الكافر والجاهل بربه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة الله ومحابه ومكارهه ولم يزك نفسه بفعل المحاب وترك المكاره هذا الإنسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه تعالى ولنعمه عليه أي شديد الكفر كثير بذكر المصائب ويشعر بها ويصرخ لها ويصر عليها وينسى النعم والفواضل عليه فلا يذكرها ولا يشكر الله تعالى عليها. فالكنود الكفور.3 وقوله تعالى
    وإنه على ذلك لشهيد أي وإن الله تعالى على هذا الوصف في الإنسان لشهيد فأخبر تعالى بما علمه من الإنسان وشهد به عليه كما أن الإنسان شهيد بأعماله وصنائع أقواله وأفعاله شهيد على نفسه بالكفر والجحود. وقوله وإنه لحب الخير لشديد هذا مما أقسم تعالى عليه أيضا وهو وصف للإنسان الكنود وهو أنه شديد حب المال وسمي المال خيرا تسمية4 عرفية إذ تعارف الناس على ذلك كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة الله تعالى.
    وقوله تعالى {أفلا 5يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل6 ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير} أي أيكفر الإنسان بربه ويجحد نعمه عليه وإحسانه إليه ويحب المال أشد الحب فيمنع حقوق الله فيه ويكتسب مما حرم الله عليه وقوله تعالى {أفلا يعلم إذا 7بعثر ما في القبور} أي بعثرت القبور وأخرج ما فيها من البشر للحساب والجزاء ووقفوا بين يدي الله تعالى وأفرز وبين ما كان خفيا في الصدور من الاعتقادات والنيات الصالحة والفاسدة ولا يخفى على الله تعالى منهم شيء حيث {إن ربهم8 بهم يومئذ لخبير} كما هو اليوم خبير إلا أنها ساعة الحساب والمجازاة فذكر فيها علم الله تعالى وخبرته بالظواهر والبواطن والضمائر والسرائر فلا يخفى على الله من ذلك شيء وسيتم الجزاء العادل بحسب هذا العلم وتلك الخبرة الإلهية. فلو علم الكفور من الناس المحب للمال هذا وأيقنه لعدل من سلوكه وأصلح من اعتقاده ومن أقواله وأعماله فالآيات دعوة إلى مراقبة الله تعالى بعد الإيمان والاستقامة على طاعته.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- الترغيب في الجهاد والإعداد له كالخيل أمس، ونفاث الطائرات اليوم.
    2- بيان حقيقة وهي أن الإنسان كفور لربه ونعمه عليه يذكر المصيبة إذا أصابته وينسى النعم التي غطته إلا إذا آمن وعمل صالحا.
    3- بيان أن الإنسان يحب المال حبا شديدا إلا إذا هذب بالإيمان وصالح الأعمال.
    4- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    __________

    1 الأفراس تعدو (القرطبي) تضبح أي تحمحم إذا عدت وأصل الضبح والضباح للثعالب كالنبح والنباح للكلاب.
    2 يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في العاديات أنها الإبل تعدو في الحج من عرفة إلى مزدلفة وإلى منى إلا أن الخيل أولى بهذه الصفات.
    3 فسر السلف الكنود بالهلوع والجحود والجهول والحقود والمنوع، وفعله كند يكند كنودا من باب دخل يدخل دخلا أي كفر النعمة وجحدها.
    4 شاهده قوله تعالى: إن ترك خيرا فللوالدين الآية. وقال عدي:
    ماذا ترجي النفوس من طلب الخير وحب الحياة كا ربها
    كا ربها غامها من الكرب الذي هو الغم
    5 الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء للتفريع، والمفعول محذوف لتذهب النفس في طلبه مذاهب تقديره أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور العذاب الذي هو جزاء الكفر والجحود والبخل.
    6 حصل معناه جمع وأحصى أو جمع وعد ليحاسب العبد عليه.
    7 بعثر أي قلب من أسفل إلى علو، والمراد إحياء ما في القبور من الأموات.
    8 هذه الجملة مستأنفة علة لتحقيق الجزاء وإثباته ذلك الجزاء الذي يحصل يوم خروج الناس من قبورهم وحسابهم على أعمالهم.

    ****************************** ****
    سورة القارعة
    مكية وآياتها إحدى عشرة آية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    القارعة (1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة (3) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هيه (10) نار حامية (11)

    شرح الكلمات:
    القارعة: القيامة وسميت القارعة لأنها تقرع القلوب بأهوالها.
    ما القارعة: أي أي شيء هي؟ فالاستفهام للتهويل من شأنها.
    وما أدراك ما القارعة: زيادة في التهويل أمرها وتعظيمه.
    كالفراش المبثوث: أي كغوغاء الجراد المنتشر يموج بعضهم في بعض.
    كالعهن المنفوش: أي كالصوف المندوف هذه حالها أولا ثم تكون كثيبا مهيلا ثم تكون هباء منبثا.
    في عيشة راضية: أي يرضاها صاحبها في الجنة فهي مرضية له.
    فأمه هاوية: أي مأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه وهي النار.
    نار حامية: أي هي نار حامية.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {القارعة} إلى آخر السورة الكريمة تضمنت آياتها الإحدى عشرة آية وصفا لعقيدة البعث والجزاء التي كذب بها المشركون وأنكروها وبالغوا في إنكارها فأخبر تعالى أن القيامة التي تقرع الناس بأهوالها وعظائم ما يجري فيها بحيث يكون الناس وهم اشرف الكائنات الأرضية يكونون في خفة أحلامهم وحيرة عقولهم كالفراش المبثوث وهو غوغاء الجراد وتجمعه وتراكمه وانتشاره وهو يموج بعضه فوق بعض. وتكون الجبال على رسوها وعلوها وضخامة ذواتها كالعهن المنفوش أي كالصوف المندوف بالمنداف وهو يتطاير هنا وهناك. هذا في أول الأمر وقد تكون كالرمل المتهيل. ثم كالهباء المنبث فإذا بعثوا ووقفوا بين يدي ربهم لحسابهم ومجازاتهم {فمن ثقلت موازينه} أي موازين حسناته فقد نجا من النار وهو {في عيشة راضية} أي مرضية له وهو بها راض وكيف لا وهي الجنة دار النعيم المقيم. {وأما من خفت موازينه} أي قلت حسناته وكثرت سيئاته أو لم يكن له حسنة بالمرة كأهل الكفر والشرك {فأمه هاوية} أي فأمه التي تضمه إليها وتؤيه عندها هاوية بحيث يهوى فيها على أم رأسه وقوله تعالى {وما أدراك ما هيه؟} أي هي {نار حامية} هذا الاستفهام للتهويل من شأنها وهي كذلك لا أشد هولا منها إنها النار دار البوار والخسران أعاذنا الله تعالى منها وعتق رقابنا منها اللهم آمين.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1-تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر صورة صادقة لها.
    2-التحذير من أهوال يوم القيامة وعذاب الله تعالى فيها.
    3-تقرير عقيدة وزن الأعمال صالحها وفاسدها وترتيب الجزاء عليها.
    تقرير أن الناس يوم القيامة فريقان فريق في الجنة وفريق في السعير.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #892
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (887)

    سور( التكاثر- العصر)
    المجلد الخامس (صـــــــ 610الى صــــ 613)


    سورة التكاثر
    مكية وآياتها ثماني آيات1

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ألهاكم التكاثر (1) حتى زرتم المقابر (2) كلا سوف تعلمون (3) ثم كلا سوف تعلمون (4) كلا لو تعلمون علم اليقين (5) لترون الجحيم (6) ثم لترونها عين اليقين (7) ثم لتسألن يومئذ عن النعيم (8)

    شرح الكلمات:
    ألهاكم: أي شغلكم عن طاعة الله تعالى.
    التكاثر: أي التباهي بكثرة المال.
    حتى زرتم المقابر: أي تشاغلتم بجمع المال والتباهي بكثرته حتى متم ونقلتم إلى المقابر.
    كلا: أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فارتدعوا عن هذا التكاثر.
    سوف تعلمون: أي إذا دخلتم قبوركم علمتم خطأكم في التكاثر في الأموال والأولاد.
    كلا: أي حقا.
    لو تعلمون علم اليقين: أي علما يقينيا عاقبة التكاثر لما تفاخرتم بكثرة أموالكم.
    لترون الجحيم: أي النار.
    يومئذ: أي يوم ترون الجحيم عين اليقين.
    عن النعيم: أي تنعمتم به وتلذذتم من الصحة والفراغ والأمن والمطاعم والمشارب.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ألهاكم التكاثر2} هذا خطاب الله تعالى للمشتغلين بجمع المال وتكثيره للمباهاة به
    والتفاخر الأمر الذي ألهاهم عن طاعة الله ورسوله فماتوا ولم يقدموا لأنفسهم خيرا فقال تعالى لهم ألهاكم أي شغلكم التكاثر أي في الأموال للتفاخر بها والمباهاة بكثرتها {حتى زرتم المقابر} 3 أي بعد موتكم نقلتم إليها لتبقوا فيها إلى أن تخرجوا منها للحساب والجزاء أي يوم القيامة. وقوله لهم {كلا} أي ما هكذا ينبغي أن تفعلوا فاتدعوا عن هذا السلوك المفضي بكم إلى الهلاك والخسران. سوف تعلمون عاقبة تشاغلكم عن طاعة الله وطاعة رسوله والتزود للدار الآخرة {ثم كلا سوف 4تعلمون} كرر الوعيد والتهديد. وقوله {كلا لو تعلمون علم اليقين5} أي6 حقا لو تعلمون ما تجدونه في قبوركم ويوم بعثكم ونشوركم لما تشاغلتم بالأموال وتكاثرتم فيها. وقوله {لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين} هذا جواب قسم نحو وعزتنا لترون الجحيم أي النار وذلك يوم القيامة المشرك يراها ويصلاها والمؤمن يراها وينجيه الله تعالى منها. ثم لترونها عين اليقين أي الأمر الذي لا شك فيه إذ يؤتى بجهنم فيراها أهل الموقف أجمعون وقوله {ثم لتسألن يومئذ} أي يوم ترون الجحيم عين اليقين {عن النعيم7} الذي كان لكم في الدنيا من صحة وفراغ وأمن وطعام وشراب. فمن أدى شكره نجا، ومن لم يؤد شكره أخذ به ولا يعفى إلا عن ثوب يستر العورة وكسرة خبز تسد الجوعة وجحر يكن من الحر والبرد وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبي بكر وعمروا ابن التيهان "هذا من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة يشير إلى بسر ورطب وماء بارد" وصح أيضا "أنه لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ "
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- التحذير من جمع المال وتكثيره مع عدم شكره وترك طاعة الله ورسوله من أجله.
    2- إثبات عذاب القبر وتأكيده بقوله حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون أي في القبر.
    3- تقرير عقيدة البعث وحتمية الجزاء بعد الحساب والاستنطاق والاستجواب.
    4- حتمية سؤال العبد عن النعم التي أنعم الله تعالى عليه بها في الدنيا فإن كان شاكرا لها فاز وإن كان كافرا لها أخذ والعياذ بالله.
    __________

    1 إلا البخاري فإنه يرى أنها مدنية والصحيح أنها مكية ولعل البخاري تأثر بما رواه من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في بستان ابن تيهان إن هذا من النعيم الذي تسألون عنه.
    2 ألهاكم شغلكم قال امرؤ القيس:
    فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
    فألهيتها عن ذي تمائم محول
    أي شغلتها.
    3 في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر، قال: يقول ابن آدم: مالي مالي وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس. وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لو أن لابن آدم واديا من ذهب لأحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
    4 هذه الجملة توكيد للأولى وهي سوف تعلمون، ومفعول تعلمون محذوف تقديره تعلمون سوء مغبة لهوكم بالتكاثر مشغولين عن طاعة الله ورسوله مشغولين بجمع الأموال والتكاثر بها.
    5 جواب لو تعلمون علم اليقين محذوف كما حذفت الأول تقديره لتبين لكم حال مفظع عظيم والإضافة في علم اليقين إضافة بيانية لأن اليقين علم.
    6 وجائز أن تكون كلاهما كالأولى للردع والزجر وكونها بمعنى حقا أولى.
    7 اختلف في تحديد النعيم المذكور الذي نسأل عنه يوم القيامة فقيل له الأمن والصحة وقيل الصحة والفراغ، وقيل شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن. وفي البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".

    *****************************
    سورة العصر
    مكية وآياتها ثلاث آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    والعصر (1) إن الأنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)

    شرح الكلمات:
    والعصر: أي الدهر كله.
    إن الإنسان: أي جنس الإنسان كله.
    لفي خسر: أي في نقصان وخسران إذ حياته هي رأس ماله فإذا مات ولم يؤمن ولم يعمل صالحا خسر كل الخسران.
    وتواصوا بالحق: أي أوصى بعضهم بعضا باعتقاد الحق وقوله والعمل به.
    وتواصوا بالصبر: أي أوصى بعضهم بعضا بالصبر على اعتقاد الحق وقوله والعمل به.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {والعصر1} الآيات الثلاث تضمنت هذه الآيات حكما ومحكوما عليه ومحكوما به فالحكم هو ما حكم به تعالى على الإنسان2 كل الإنسان من النقصان والخسران والمحكوم عليه هو الإنسان ابن آدم والمحكوم به هو الخسران لمن لم يؤمن ويعمل صالحا والربح والنجاة من الخسران لمن آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فقوله تعالى {والعصر}
    هو قسم أقسم الله به والعصر هو الدهر كله ليله ونهاره وصبحه ومساؤه وجواب القسم قوله تعالى {إن الأنسان لفي خسر} أي نقصان وهلكة وخسران إذ يعيش في كبد ويموت على جهنم فيخسر كل شيء حتى نفسه التي بين جنبيه وقوله {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فهؤلاء استثناهم الله تعالى من الخسر فهم رابحون غير خاسرين وذلك بدخولهم الجنة دار السعادة والمراد من الإيمان الإيمان بالله ورسوله وما جاء به رسوله من الهدى ودين الحق والمراد من العمل الصالح الفرائض والسنن والنوافل، وقوله {وتواصوا بالحق} أي باعتقاده وقوله والعمل به وذلك باتباع الكتاب والسنة، وقوله {وتواصوا بالصبر3} أي أوصى بعضهم بعضا بالحق اعتقادا وقولا وعملا وبالصبر على ذلك حتى يموت أحدهم وهو يعتقد الحق ويقول به ويعمل بما جاء فيه فالإسلام حق والكتاب حق والرسول حق فهم بذلك يؤمنون ويعملون ويتواصون بالثبات على ذلك حتى الموت.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- فضيلة سورة العصر لاشتمالها على طريق النجاة في ثلاث آيات حتى قال الإمام الشافعي لو ما أنزل الله تعالى على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم.
    2- بيان مصير الإنسان الكافر وأنه الخسران التام.
    3- بيان فوز أهل الإيمان والعمل الصالح المجتنبين للشرك والمعاصي.
    4- وجوب التواصي بالحق والتواصي بالصبر بين المسلمين.
    __________

    1 ذكر أهل التفسير في تحديد كلمة العصر أقوالا منها أنها صلاة العصر لأنها الصلاة الوسطى، ومنها عصر النبي صلى الله عليه وما في التفسير أعم وأولى.
    2 الإنسان (أل) فيه لاستغراق الجنس إلا أنه خاص بالموجودين في زمن النزول للآية ومن بلغته الدعوة الإسلامية، أما من كانوا قبل نزول الآية وظهور الإسلام فلا يدخلون في عموم لفظ الإنسان ولو قيل بالعموم لكان حقا أيضا.
    3 حقيقة الصبر منع المرء نفسه مما هو مناف لطاعة الله ورسوله فعلا أو تركا.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #893
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (888)

    سور( الهمزة - الفيل)
    المجلد الخامس (صـــــــ 614الى صــــ 616)


    سورة الهمزة
    مكية وآياتها تسع آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ويل لكل همزة لمزة (1) الذي جمع مالا وعدده (2) يحسب أن ماله أخلده (3) كلا لينبذن في الحطمة (4) وما أدراك ما الحطمة (5) نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة (7) إنها عليهم مؤصدة (8) في عمد ممددة (9)

    شرح الكلمات:
    ويل لكل همزة لمزة: كلمة يطلب بها العذاب وواد في جهنم الهمزة كثير الهمز واللمز كذلك وهم الطعانون المظهرون العيوب للإفساد.
    جمع مالا وعدده: أي أحصاه وأعده لحوادث الدهر.
    يحسب أن ماله أخلده: أي يجعله خالدا في الحياة لا يموت.
    كلا: أي ليس الأمر كما يزعم ويظن.
    لينبذن: أي ليطرحن في الحطمة.
    في الحطمة: أي النار التي تحطم كل ما يلقى فيها.
    تطلع على الأفئدة: أي تشرف على القلوب فتحرقها.
    مؤصدة: أي مغلقة مطبقة.
    في عمد ممددة: أي يعذبون في النار بأعمدة ممدة.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ويل لكل همزة لمزة} 1 يتوعد الرب تبارك وتعالى بواد في جهنم يسيل بصديد أهل النار وقيوحهم كل همزة لمزة2 أي كل مغتاب عياب ممن يمشون بالنميمة ويبغون للبراء العيب وقوله {الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده} هذا وصف آخر لتلك الهمزة اللمزة وهو أنه {جمع مالا} كثيرا من حرام وحلال {وعدده} أي أحصاه وعرف مقداره وأعده لحوادث الدهر كما يزعم. {يحسب أن ماله أخلده} أي يظن أنه لا يموت لكثرة أمواله ومتى كان المال ينجي من الموت؟ إنه الغرور في الحياة، لو كان المال يخلد أحدا لأخلد قارون، وقوله تعالى {كلا} 3 لا يخلده ماله بل وعزتنا وجلالنا {لينبذن} 4 أي يطرحن {في الحطمة} النار المستعرة التي تحطم كل ما يلقى فيها وقوله تعالى {وما أدراك ما الحطمة} 5 هذا الاستفهام لتعظيم أمرها وتهويل شأنها، وبينها تعالى بقوله {نار الله الموقدة} أي المستعرة المتأججة، {التي تطلع على
    الأفئدة} أي تشرف على القلوب فتحرقها، وقوله تعالى {إنها عليهم مؤصدة} 6 أي إن النار على أولئك الهمازين اللمازين مطبقة مغلقة الأبواب وقوله تعالى {في عمد ممددة} أي يعذبون في النار بعمد ممددة، والله أعلم كيف يكون تعذيبهم7 بها إذ لم يطلعنا الله تعالى على كيفيته.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2- التحذير من الغيبة والنميمة.
    3- التنديد بالمغترين بالأموال المعجبين بها.
    بيان شدة عذاب النار وفظاعته.
    __________

    1 قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العيب.
    2 قال عطاء بن أبي رياح: الهمزة الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل، واللمزة الذي يغتابه من خلقه إذا غاب قال حسان:
    همزتك فاختضعت بذل نفس
    بقافية تأجج كالشواظ
    3 كلا رد لما توهمه الكافر وردع له وزجر على اعتقاده وقوله إذ كلاهما فاسد باطل.
    4 اللام موطئة للقسم.
    5 الحطمة دركة من درك النار قيل أنها الثانية وقيل الرابعة أو هي اسم من أسماء جهنم.
    6 يقال آصدت الباب إذا أغلقته قاله مجاهد ومنه قول الشاعر (الرقيات)
    إن ي القصر لو دخلنا غزالا
    مصفقا موصدا عليه الحجاب
    فمصفقا وموصدا بمعنى واحد وهو مغلق.
    7 في عمد أي موثقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فلقة ذات ثقب يدخل في رجليه والعمد اسم جمع عمود، والعمود خشبة والممددة المجعولة طويلة جدا.

    ****************************** *
    سورة الفيل
    مكية وآياتها خمس آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل (1) ألم يجعل كيدهم في تضليل (2) وأرسل عليهم طيرا أبابيل (3) ترميهم بحجارة من سجيل (4) فجعلهم كعصف مأكول (5)

    شرح الكلمات:
    ألم تر كيف فعل ربك: أي ألم ينته إلى علمك فعل ربك بأصحاب الفيل.
    بأصحاب الفيل: أي محمود وهي أكبرها ومعه اثنا عشر فيلا وصاحبها أبرهة.
    ألم يجعل كيدهم: أي في هدم الكعبة.
    في تضليل: أي في خسار وهلاك.
    أبابيل: أي جماعات جماعات.
    من سجيل: أي طين مطبوخ.
    كعصف مأكول: أي كورق زرع أكلته الدواب وداسته بأرجلها.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {ألم 1تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل2} إلى قوله {مأكول} هي خمس آيات تضمنت الحديث عن حادث جلل وقع أمام3 ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وخلاصته أن أبرهة الأشرم والي اليمن من قبل ملك الحبشة قد رأى أن يبني بيتا في صنعاء اليمن يدعو العرب إلى حجه بدل حجهم البيت الحرام والقصد من ذاك تحويل التجارة والمكاسب من مكة إلى اليمن وعرض هذا على الملك الحبشي فوافق وسره ذلك ولما بني البيت (الكنيسة) وسماها القليس لم يبن مثلها في تاريخها جاء رجل قرشي فتغوط فيها ولطخ جدرانها بالعذرة غضبا منه، وذهب فلما رآها أبرهة الأشرم بتلك الحال استشاط غيظا وجهز جيشا لغزو مكة وهدم الكعبة وكان معه ثلاثة عشر فيلا ومن بينها فيل يدعى محمود وهو أكبرها وساروا ما وقف في وجههم حي من أحياء العرب إلا قاتلوه وهزموه حتى انتهوا إلى قرب مكة وجرت سفارة بينهم وبين شيخ مكة عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم وانتهت المفاوضات بأن يرد أبرهة إبل عبد المطلب ثم هو وشأنه بالكعبة وأمر رجال مكة أن يخلوا البلد ويلتحقوا برؤوس الجبال بنسائهم وأطفالهم خشية المعرة تلحقهم من الجيش الغازي والظالم، وما هي إلا أن تحرك جيش أبرهة ووصل إلى وادي محسر وهو في وسط الوادي سائر وغذا بفرق من الطير فرقة بعد أخرى ترسل على ذلك الجيش حجارة الواحدة ما بين الحمصة والعدسة في الحجم وما تسقط الحجرة على رجل إلا ذاب وتناثر لحمه فهلكوا وفر أبرهة ولحمه يتناثر فهلك في الطريق وكانت هذه نصرة من الله لسكان حرمه وحماة بيته ومن ثم ما زالت العرب تحترم الكعبة والحرم وسكانه إلى اليوم. وقوله تعالى {ألم تر كيف} يخاطب تعالى رسوله مذكرا إياه بفعله الجبار في إهلاك الجبابرة فأين قوة ظلمة قريش كالعاص بن وائل وعمرو بن هشام والوليد وعقبة من قوة أبرهة وأبادها الله تعالى في ساعة فاصبر يا محمد ولا تحمل لهؤلاء الأعداء هما فإنما لهم ساعة فكانت السورة عبارة عن ذكرى للعظة والاعتبار. وهذا شرح الآيات {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل} أي ألم ينته إلى علمك فعل ربك بأصحاب الفيل. {ألم يجعل كيدهم في تضليل} أي ألم يجعل ما كادوه لبيتنا وحرمنا في خسارة وضلال فلم يجنوا إلا الخزي والدمار {وأرسل عليهم طيرا أبابيل} أي جماعات جماعات كانت تشاهد وهي
    تخرج من البحر يشاهدها رجال مكة المعتصمون بقمم الجبال إذ تمر فوقهم وهي تحمل حجارة من سجيل3 كل طائر يحمل ثلاثة أحجار كالحمصة والعدسة واحدة بمنقاره واثنتين بمخلبيه كل واحدة في مخلب ترميهم بها فتتفتت لحومهم وتتناثر فجعلهم كعصف مأكول أي كزرع دخلته ماشية فأكلت عصفه أي ورقه وكسرت قائمه وهشمته فكانت آية من آيات الله تعالى.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلاقيه من ظلم كفار قريش.
    2- تذكير قريش بفعل الله عز وجل تخويفا لهم وترهيبا.
    3- مظاهر قدرة الله تعالى في تدبيره لخلقه وبطشه بأعدائه.
    __________

    1 الاستفهام تقريري والمخاطب هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا خلاف (وكيف) جائز أن تكون مجردة عن الاستفهام وهي في محل نصب على المفعول به لتر.
    2 الفيل أنثاه فيلة ويجمع على أفيال وفيول وفيلة، وصاحبه فيال.
    3 حجارة من طين طبخت من نار جهنم وسجيل أصلها سجين بالنون فأبدلت لاما كما أبدلت في أصيلان بأصيلال قال الشاعر:
    ورجلة يضربون البيض عن عرض
    ضربا تواصت به الأبطال سجينا


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #894
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )


    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (889)

    سور(قريش - الماعون)
    المجلد الخامس (صـــــــ 617الى صــــ 620)


    سورة قريش
    مكية وآياتها أربع آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لإيلاف قريش (1) إيلافهم رحلة الشتاء والصيف (2) فليعبدوا رب هذا البيت (3) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف (4)

    شرح الكلمات:
    لإيلاف: الإيلاف مصدر آلفه الشيء يؤالفه إيلافا إذا اعتادوه وزالت الكلفة عنه والنفرة منه.
    قريش1: هم ولد النضر بن كنانة وهم قبائل شتى.
    رحلة الشتاء: أي إلى اليمن.
    والصيف: أي إلى الشام.
    فليعبدوا: أي إن لم يعبدوا الله لسائر نعمه فليعبدوه لتحبيب هاتين الرحلتين إليهم.
    رب هذا البيت: أي مالك البيت الحرام ورب كل شيء.
    الذي أطعمهم من جوع: أي من أجل البيت الحرام.
    وآمنهم من خوف: أي من أجل البيت الحرام.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {لإيلاف قريش} 2 هذا الجار والمجرور متعلق بكلام قبله وهو فعلت ما فعلت بأصحاب الفيل لإيلاف قريش رحلتيهم، أو أعجبوا لإيلاف قريش رحلتهم والرحلتان هما رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام وذلك للاتجار وجلب الأرزاق إلى بلادهم التي ليست هي بذات زرع ولا صناعة فإيلافهم هاتين الرحلتين كان بتدبير الله تعالى ليعيش سكان حرمه وبلده في رغد من العيش فهي نعمة من نعم الله تعالى وعليه {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع3} بما هيأ لهم من أسباب {وآمنهم من خوف} كذلك ولم يعدلون عن عبادته إلى عبادة الأصنام والأوثان فالله أحق أن يعبدوه إذ هو الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف بما ألقى في قلوب العرب من احترام الحرم وسكانه وتعظيمه وتعظيمهم فتمكنوا من السفر إلى خارج بلادهم والعودة إليها في أمن وطمأنينة قال تعالى جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس أي لقريش تقوم مصالحهم عليها لما ألقى في قلوب العرب4 من تعظيم واحترام أهله.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- مظاهر تدبير الله تعالى وحكمته ورحمته فسبحانه من إله حكيم رحيم.
    2- بيان إفضال الله تعالى على قريش وإنعامه عليها الأمر الذي تطلب شكرها ولم تشكر فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بتركها للشكر.
    3- وجوب عبادة الله تعالى وترك عبادة من سواه.
    4- وجوب الشكر على النعم وشكرها حمدا لله تعالى عليها والثناء عليه بها وصرفها في مرضاته.
    5- الإطعام من الجوع والتأمين من الخوف عليهما مدار كامل أجهزة الدولة فأرقى الدول اليوم وقبل اليوم لم تستطع أن تحقق لشعوبها هاتين النعمتين نعمة العيش الرغد والأمن التام.
    __________

    1 قريش لقب الجد الذي يجمع بطون قريش كافة وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وأما ما فوق فهر فهم من كنانة ولقب بقريش تصغير قرش بفتح القاف وسكون الراء والنسبة إليه قرشي وهل اشتقاق قرش من التقريش الذي هو الاكتساب أو التجمع أو نسبة إلى القرش وهو سمكة بحرية قوية والنسبة إلى قرش قرشي وقريش تصرف إن أريد الحي وتمنع إن أريد القبيلة ورجح القرطبي أن يكون قريش بن النضر بن كنانة. فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي ورجحه للحديث: (إنا ولد النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا) وبالتأمل لا توجد منافاة إذ قبائل قريش تعود إلى النضر بن كنانة.
    2 الإيلاف مصدر آلف يؤلف إيلافا قال الشاعر:
    المنعمين إذ النجوم تغيرت
    والظاعنين لرحلة الإيلاف
    وأما ألفه يألفه إلفا والافا، فقد فرأ به أبو جعفر لإلف قريش، وقد جمع بين المصدرين الشاعر في قوله:
    أزعمتم أن إخوتكم قريش
    لهم إلف وليس لكم إلاف
    ولام الجر في متعلقها ثلاث احتمالات ذكر في التفسير منها اثنان، والثالث أنها متعلقة بـ فليعبدوا: كأنه قال آلف الله قريشا إيلافا فليعبدوا رب هذا البيت، ويقدر شرط محذوف أي إذا كان الأمر كذلك فليعبدوا، ويرجح الأول لمصحف أبي بن كعب، إذ لم يفصل فيه بين السورتين. وكذا قراءة عمر إذ صلى المغرب يوما فقرأ في الأولى بالتين وفي الثانية بالفيل وقريش ولم يفصل بينهما بالبسملة، ولا مانع منه وهو أوضح.
    3 إنما هي استجابة الله دعوة إبراهيم: رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات.
    4 مصداق قوله تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا} .

    ****************************
    سورة الماعون
    مكية الأوائل مدنية الأواخر
    وآياتها تسع آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    أرأيت الذي يكذب بالدين (1) فذلك الذي يدع اليتيم (2) ولا يحض على طعام المسكين (3) فويل للمصلين (4)
    الذين هم عن صلاتهم ساهون (5) الذين هم يراؤون (6) ويمنعون الماعون (7)

    شرح الكلمات:
    أرأيت الذي يكذب بالدين: أي هل عرفته والدين ثواب الله وعقابه يوم القيامة.
    فذلك الذي يدع اليتيم: أي فهو ذلك الذي يدفع اليتيم عن حقه بعنف.
    ولا يحض على طعام المسكين: أي لا يحض نفسه ولا غيره على إطعام المساكين.
    فويل للمصلين: أي العذاب الشديد للمصلين الساهين عن صلاتهم.
    عن صلاتهم ساهون: أي يؤخرونها عن أوقاتها.
    يراءون: أي يراءون بصلاتهم وأعمالهم الناس فلم يخلصوا لله تعالى في ذلك.
    ويمنعون الماعون: أي لا يعطون من سألهم ماعونا كالأبرة والقدر والمنجل ونحوه مما ينتفع به ويرد بعينه كسائر الأدوات المنزلية.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {أرأيت1 الذي يكذب بالدين2 فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين} هذه الآيات الثلاث نزلت بمكة في العاص بن وائل والوليد بن المغيرة وأضرابهم من عتاة قريش وكفارها فهذه الآيات تعرض بهم وتندد بسلوكهم وتوعدهم فقوله تعالى {أرأيت} يا رسولنا الذي يكذب بالدين وهو الجزاء في الآخرة على الحسنات والسيئات فهو ذاك الذي يدع اليتيم أي يدفعه بعنف عن حقه ولا يعطيه إياه احتقارا له وتكبرا عليه ولا يحض على طعام المسكين أي ولا يحث ولا يحض نفسه ولا غيره على إطعام الفقراء والمساكين وذلك ناتج عن عدم إيمانه بالدين أي بالحساب والجزاء في الدار الآخرة وهذه صفة كل ظالم مانع للحق لا يرحم ولا يشفق إذ لو آمن بالجزاء في الدار الآخرة لعمل لها بترك الشر وفعل الخير فمن أراد أن يرى مكذبا بالدين فإنه يراه في الظلمة المعتدين القساة القلوب الذين لا يرحمون ولا يعطون ولا يحسنون وقوله تعالى {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون} هذه الآيات الأربع نزلت في بعض منافقي المدينة النبوية فلذا نصف السورة مكي ونصفها مدني وقوله تعالى {فويل للمصلين3 الذين هم عن صلاتهم ساهون} هذا وعيد شديد لهم إذ الويل واد في جهنم يسيل من صديد أهل النار وقيوحهم وهو أشد العذاب إذ كانوا يغمسون فيه أو يطعمون ويشربون منه. ومعنى عن صلاتهم ساهون أنهم غافلون عنها لا يذكرونها فكثيرا ما تفوتهم ويخرج وقتها وأغلب حالهم أنهم لا يصلونها إلا عند قرب خروج وقتها هذا وصف آخر أنهم {يراؤون} بصلاتهم وبكل أعمالهم أي يصلون وينفقون ليراهم المؤمنون فيقولوا أنهم مؤمنون وبالمراءاة يدرءون عن أنفسهم القتل والسبي وثالث أنهم {ويمنعون الماعون} فإذا استعارهم مؤمن ماعونا للحاجة به لا يعيرون ويعتذرون بمعاذير باطلة فلا يعيرون فأسا ولا منجلا ولا قدرا ولا أية آنية أو ماعون لأنهم يبغضون المؤمنين ولا يريدون أن ينفعوهم بشيء فيحرمونهم من إعارة شيء ينتفعون به ويردونه عليهم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
    2- أيما قلب خلا من عقيدة البعث والجزاء إلا وصاحبه شر الخلق لا خير فيه البتة.
    3- التنديد بالذين يأكلون أموال اليتامى ويدفعونهم عن حقوقهم استصغارا لهم واحتقارا.
    4- التنديد والوعيد للذين يتهاونون بالصلاة ولا يبالون في أي وقت صلوها وهو من علامات النفاق والعياذ بالله.
    5- منع الماعون من صفات المنافقين والمانع لما المسلمون في حاجة إليه ليس منهم لحديث من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم فكيف بالذي يمنعهم ما هو فضل عنده وهم في حاجة إليه؟.
    __________

    1 الاستفهام للتعجب هنا من حال المكذبين بالجزاء وما أورثهم التكذيب من سوء الصنيع قرأ نافع أرأيت بتسهيل الهمزة بعد الراء ألفا وحققها حفص والجمهور.
    2 في الكلام حذف تقديره أرأيت الذي يكذب بالدين. أمصيب هو أم مخطئ والجواب قطعا مخطيء وخطأه كفره وشركه وعداوته للإسلام ونبيه وأهله وجزاؤه سيكون جحيما وعذابا أليما وإذا كان هذا العذاب بسبب كفره وأذاه للمؤمنين إذا فويل للمنافقين المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين يراءون ويمنعون الماعون لظلمة قلوبهم بالكفر والشرك الذي يخفونه.
    3 الفاء للتفريع والترتيب والتسبب. والسؤال: على أي شيء تفرع ما بعدها على ما قبلها. والآيات نزلت بالمدينة في المنافقين وما قبلها نزل في المشركين في مكة؟ والجواب تقدم في رقم (2) قبل هذا الرقم.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #895
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (890)

    سور(الكوثر - الكافرون)
    المجلد الخامس (صـــــــ 621الى صــــ 624)

    سورة الكوثر1
    مكية وآياتها ثلاث آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إنا أعطيناك الكوثر (1) فصل لربك وانحر (2) إن شانئك هو الأبتر (3)

    شرح الكلمات:
    إنا أعطيناك الكوثر: أي إنا رب العزة والجلال وهبناك يا نبينا الكوثر أي نهرا في الجنة.
    فصل لربك وانحر: أي فاشكر ذلك بصلاتك لربك المنعم عليك وحده وانحر له وحده.
    إن شانئك: أي مبغضك.
    هو الأبتر: أي الأقل الأذل المنقطع عقبه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثر2 فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر} هذه الآيات الثلاث
    مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المخاطب بها وأنها تحمل طابع التعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه لما مات ابن النبي صلى الله عليه وسلم القاسم قال العاص بن وائل السهمي بتر محمد أو هو أبتر أي لا عقب له بعده فأنزل الله تعالى هذه السورة تحمل الرد على العاص والتعزية للرسول صلى الله عليه وسلم والبشرى له ولأمته بالكوثر الذي هو نهر في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه على الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج، ومن الكوثر يملأ الحوض الذي في عرصات القيامة ولا يرده إلا الصالحون من أمته صلى الله عليه وسلم. فقوله تعالى {إنا أعطيناك} أي خصصناك بالكوثر3 الذي هو نهر في4 الجنة من أعظم أنهارها مع الخير الكثير الذي وهبه الله تعالى لك من النبوة والدين الحق ورفع الذكر والمقام المحمود وقوله {فصل لربك وانحر} 5 أي فاشكر هذا الإنعام بأن تصلي لربك وحده ولا تشرك به غيره وكذا النحر فلا تذبح لغيره تعالى وفي هذا تعليم لأمته وهل المراد من الصلاة صلاة العيد والنحر الأضحية لا مانع من دخول هذا في سائر الصلوات والنسك وقوله تعالى إن شانئك هو الأبتر6 أي إن مبغضك في كل زمان ومكان هو الأقل الأذل المنقطع النسل والعقب.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان إكرام لله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
    2- تأكيد أحاديث الكوثر وأنه نهر في الجنة.
    3- وجوب الإخلاص في العبادات كلها لاسيما الصلاة والنحر.
    4- مشروعية الدعاء على الظالم.
    __________

    1 وتسمى سورة النحر.
    2 روى مسلم عن أنس بن مالك قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر2 فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر} ، ثم قال أتدرون من الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة" وظاهر هذه الرواية أن سورة الكوثر مدنية ولا مانع من نزولها مرتين مرة بمكة وأخرى بالمدينة.
    3 لفظ الكوثر يطلق عربية على الخير الكثير كما هي صيغة فوعل نحو النوفل من النفل والجوهر من الجهر والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر كوثرا والكوثر الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم نهر في الجنة كما في البخاري والنبوة والكتاب والعلم والحكمة.
    4 في الحديث البخاري دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أظفر قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عز وجل.
    5 في الآية دليل على وجوب تقديم صلاة العيد على النحر وهو ما عليه جمهور الفقهاء وجائز أن يكون المراد من صل لربك وانحر أي صل صلاة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى.
    6 الأبتر حقيقته: المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيه بالدواب المقطوع أذنابها ومنه الخبطة البتراء التي لم يحمد فيها الله ولم يصل فيها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

    ****************************** *********
    سورة الكافرون
    مكية وآياتها ست آيات
    بسم الله الرحمن الرحيم

    قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم) (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين (6)

    شرح الكلمات:
    قل: أي يا رسول الله.
    يا أيها الكافرون: أي المشركون وهم الوليد والعاص وابن خلف والأسود بن المطلب.
    لا أعبد ما تعبدون: أي من الآلهة الباطلة الآن.
    ولا أنتم عابدون ما أعبد: أي الآن.
    ولا أنا عابد ما عبدتم: أي في المستقبل أبدا.
    ولا أنتم عابدون ما أعبد: أي في المستقبل أبدا لعلم الله تعالى بذلك.
    لكم دينكم: أي ما أنتم عليه من الوثنية سوف لا تتركونها أبدا حتى تهلكوا.
    ولي دين: أي الإسلام فلا أتركه أبدا.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل يا أيها الكافرون} 1 الآيات الست الكريمات نزلت ردا على اقتراح تقدم به بعض المشركين وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي, والأسود بن المطلب وأمية بن خلف مفاده أن يعبد النبي صلى الله عليه وسلم معهم آلهتهم سنة ويعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم وبينه وإنهاء للخصومات في نظرهم, ولم يجبهم الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء حتى نزلت هذه السورة {قل يا أيها الكافرون} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المقترحين الباطل يا أيها الكافرون بالوحي الإلهي والتوحيد
    المشركون في عبادة اله تعالى أصناما وأوثانا {لا أعبد ما تعبدون} الآن كما اقترحتم {ولا أنتم عابدون} الآن {ما أعبد} لما قضاه الله لكم بذلك, {ولا أنا عابد ما عبدتم} في المستقبل أبدا {ولا أنتم عابدون ما أعبد} في المستقبل أبدا لأن ربي حكم فيكم بالموت على الكفر والشرك حتى تدخلوا النار لما علمه من قلوبكم وأحوالكم وقبح سلوككم وفساد أعمالكم {لكم دينكم} لا أتابعكم عليه {ولي دين} لا تتابعونني عليه. بهذا أيأس الله رسوله من إيمان هذه الجماعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم بطمع في إيمانهم وأيأس المشركين من الطمع في موافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على مقترحهم الفاسد, وقد هلك هؤلاء المشركون على الكفر فلم يؤمن منهم أحد فمنهم من هلك في بدر ومنهم من هلك في مكة على الكفر والشرك وصدق الله العظيم فيما أخبر به عنهم أنهم لا يعبدون الله عبادة نجيهم من عذابه وتدخلهم رحمته.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن الكافر من كفر أزلا والمؤمن من آمن أزلا.
    2- ولاية الله تعالى لرسوله عصمته من قبول اقتراح المشركين الباطل.
    3- تقرير وجود المفاصلة بين أهل الإيمان وأهل الكفر والشرك.
    __________

    1 ورد في فضل هذه السورة أنها تعدل ربع القرآن كسورة الزلزلة وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرؤها في الشفع في الركعة الثانية ويقرأ في الأولى بالأعلى, وصح أنه كان يقرأ بها وبالصمد في ركعتي الطواف.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #896
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (891)

    سور(النصر - المسد)
    المجلد الخامس (صـــــــ 625الى صــــ 627)

    سورة النصر
    مدنية وآياتها ثلاث آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إذا جاء نصر الله والفتح (1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا (2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا (3)

    شرح الكلمات:
    إذا جاء نصر الله: أي نصر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على أعدائه المشركين.
    والفتح: أي فتح مكة.
    في دين الله أفواجا: أي في الإسلام جماعات جماعات.
    فسبح بحمد ربك: أي نزهه عن الشريك ملتبسا بحمده.
    واستغفره: أي اطلب منه المغفرة توبة منك إليه.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {إذا جاء1 نصر الله} 2 الآيات الثلاث المباركات نزلت في أخريات أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تحمل علامة للنبي صلى الله عليه وسلم على قرب أجله فقوله تعالى {إذا جاء نصر الله} أي لك يا رسولنا فأصبحت تنتصر على أعدائك في كل معركة تخوضها معهم وجاءك الفتح فتح مكة ففتحها الله عليك وأصبحت دار إسلام بعد أن كانت دار كفر3, {ورأيت الناس} من سكان اليمن وغيرهم {يدخلون في} دينك الدين الإسلامي {أفواجا} وجماعات جماعة بعد أخرى بعد أن كانوا يدخلون فرادى واحدا واحدا وهم خائفون إذا تم هذا ورأيته {فسبح4 بحمد ربك} شكرا له على نعمة النصر والفتح ودخول الناس في دينك وانتهاء دين المشركين الباطل. {واستغفره} أي اطلب منه المغفرة لما فرط منك مما هو ذنب في حقك لقربك وكمال علمك وأما غيرك فليس هو بالذنب الذي يستغفر منه ويناب إلى الله تعالى منه وقوله تعالى {إنه كان توابا} أي إن الله تعالى الذي أمرك بالاستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم ويغفر ذنوبهم ويرحمهم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- مشروعية نعي الميت إلى أهله ولكن بدون إعلان وصوت عال.
    2- وجوب الشكر عند تحقق النعمة ومن ذلك سجدة الشكر.
    3- مشروعية قول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع.
    __________

    1 الإجماع على أن آخر سورة نزلت جميعا هي سورة النصر هذه قاله بن عباس كما في صحيح المسلم.
    2 النصر: العون مأخوذ من قولهم نصر الغيث الأرض إذا أعان نباتها ومنع من قحطها قال الشاعر:
    إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي
    بلاد تميم وانصري أرض عامر
    3 روي أن العرب قالت: أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان, فكانوا يسلمون أفواجا أمة أمة, والأمة أربعون رجلا.
    4 روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه: قالت فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده, استغفر الله وأتوب إليه: قال خبرني ربي بأني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها: إذا جاء نصر الله والفتح.. الخ.
    وصح أنه كان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه ," سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي".

    ****************************** *******
    سورة المسد
    مكية وآياتها خمس آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تبت يدا أبي لهب وتب (1) ما أغنى عنه ماله وما كسب (2) سيصلى نارا ذات لهب (3) وامرأته حمالة الحطب (4) في جيدها حبل من مسد (5)

    شرح الكلمات:
    تبت يدا أبي لهب: أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله.
    وتب: أيخسر هو بذاته إذ هو من أهل النار.
    ما أغنى عنه ماله: أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط الله تعالى عليه وعذبه في الدنيا والآخرة.
    وما كسب: أي من المال والولد وغيرهما.
    سيصلى نارا: أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها.
    ذات لهب: أي توقد واشتعال.
    وامرأته: أي أم جميل العوراء.
    حمالة الحطب: أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم أذية له وكرها.
    في جيدها: أي في عنقها.
    حبل من مسد: أي من ليف.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {تبت يدا أبي لهب} الآيات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية {وأنذر عشيرتك الأقربين} من سورة الشعراء طلع صلى الله عليه وسلم إلى جبل الصفا ونادى: واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد: قولوا لا إله إلا الله كلمة تملكون بها العرب وتدين بها العجم. فنطق أبو هب فقال:
    ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل الله1 تعالى ردا عليه {تبت يدا أبي لهب2} أي خسر أو لهب وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض3 خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا عليه الماء, فقط وقوله {وتب} إخبار من الله تعالى بهلاك عبد العزى أبي لهب وقوله {ما أغنى عنه ماله وما كسب4} أي لما سخط الله عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده. وقوله تعالى {سيصلى نارا ذات لهب} أي توقد وتأجج. {وامرأته} أم جميل العوراء {حمالة الحطب5} حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام. وقوله تعالى {في جيدها حبل من مسد} أي في6 عنقها حبل من ليف النخل أو مسد الشجر الدوم بهذا حكم الله تعالى على أعدائه وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- بيان حكم الله بأبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    2- لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.
    3- حرمة أذية المؤمنين مطلقا.
    4- عدم إغناء القرابة شيئا مع الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في النار ذات اللهب.
    __________

    1 صح أنه لما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وزوجها من القرآن أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفي يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ترى إلا أبا بكر, فقالت يا أبا بكر أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني. والله لو جدته لضربته بهذا الفهر، والله إني لشاعرة: مذمما عصينا وأمره أبينا، ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك؟ قال: ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني.
    2 سمي أبو لهب بأبي لهب وكان اسمه عبد العزى فسمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه: وقال العلماء سمي بابي لهب لمعان أربع والذي أراه أنه سمي بقضاء وقدر أبا لهب ليكون من أهل النار نظيره اختيار الشيوعيين اليوم شعار الحمرة، وكلمة اليسار، لما سبق أنهم أهل النار وأصحاب الشمال وهم أهل النار.
    3 يسمى المرض الذي أصابه الله به مرض العدسة فمات وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده غسلوه بالماء من بعيد مخافة عدوى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون.
    4 الكسب يكون حلالا ويكون حراما وخيره ما كان حلالا؟ وفي الصحيح حديث عائشة رضي الله عنها إذ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه رواه أبو داود.
    5 قال ابن عباس وجاهد وقتادة والسدي كانت تمشي بالنميمة بين الناس، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورش عليه أي حرش. قال الشاعر:
    إن بني الأدرم حمالوا الحطب
    هم الوشاة في الرضا وفي الغضب
    ولا منافاة مع ما روي أنها كانت تحمل حزمة الشوك إذ هي تفعل هذا أو ذاك.
    6 الجيد العنق شاهده قول الشاعر:
    وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
    إذا هي نصته ولا بمعطل
    الريم: الظبي الأبيض الخالص البياض. ونصته: رفعته،. والمعطل الذي لا حلي له.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #897
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (892)

    سور(الإخلاص - الفلق)
    المجلد الخامس (صـــــــ 628الى صــــ 631)

    سورة الإخلاص
    مكية وآياتها أربع آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)

    شرح الكلمات:
    قل هو الله أحد: أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو الله أحد.
    الله الصمد: أي الله الذي لا تنبغي إلا له, الصمد: السيد الذي يصمد إليه في الحوائج. فهم المقصود في قضاء الحوائج على الدوام.
    لم يلد: أي لا يفنى إذ لا شيء يلد إلا وهو فان بائد لا محالة.
    ولم يولد: أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان هو كائن أولا وأبدا.
    ولم يكن له كفوا أحد: أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل هو الله أحد1} الآيات الأربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين انسب2 لنا ربك أو صفة لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل أي لمن سألوك ذلك هو الله أحد3 الله الصمد لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا أحد أي ربي هو الله أي الإله الذي لا تنبغي الألوهية إلا له, ولا تصلح العبادة إلا له أحد في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له نظير ولا مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات المخلوقات كخالقها ومحدثها الله إي المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو, الصمد أي السيد المقصود في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه لم يلد أي لم يكن له ولد لانتفاء
    من يجانسه إذ الولد يجانس والده, والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء ولم يولد لانتفاء الحدوث عنه تعالى.
    {ولم يكن له كفوا أحد} أي ولم يكن أحد كفوا له ولا مثيلا ولا نظيرا ولا شبيها إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلذا هو يعرف بالأحدية والصمدية فالأحدية هو أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ولا شبيه ولا نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وأياته.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.
    2- تقرير التوحيد والنبوة.
    3- بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى.
    4- وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها, إذ هو الله ذو الألوهية على خلقه دون سواه.
    __________

    1 ورد في فضل السورة أنها تعدل ثلث القرآن رواه البخاري وروى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم ب (قل هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخبروه أن الله عز وجل يحبه".
    2 روى الترمذي عن أبي كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد الله الصمد.
    3 أحد أصلها وحد قلبت الواو فيها همزة قال النابغة:
    كان رحلي وقد زال النهار بنا
    بذي الجليل على مستأنس وحد
    وأحد مرفوع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو أحد (وهو) ضمير شأن أي المسؤول عنه هو الله أحد.

    ****************************** **
    سورة الفلق
    مكية وآياتها أربع آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسق إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (4) ومن شر حاسد إذا حسد (5)

    شرح الكلمات:
    أعوذ: أي أستجير واتحصن.
    الفلق: أي الصبح.
    من شر ما خلق: من حيوان وجماد.
    غاسق إذا وقب: أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب.
    النفاثات: أي السواحر اللاتي ينفثن.
    في العقد: أي في العقد التي يعقدنها.
    حاسد إذا حسد: أي إذا أظهر حسده وأعمله.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل أعوذ برب الفلق} 1 أنه لما سحر لبيد بن معصم2 اليهودي بالمدينة النبي صلى الله عليه وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه الله تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله تعالى {قل أعوذ برب الفلق} أي قل يا رسولنا أعوذ أي أستجير وأتحصن برب افلق وهو الله عز وجل إذ هو فالق الإصباح وفالق الحب والنوى ولا يقدر على ذلك إلا هو لعظيم قدرته وسعة علمه. {من شر ما خلق} أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالإنسان وغير مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات. وقوله {ومن شر غاسق إذا وقب} أي الليل إذا أظلم والقمر3 إذا غاب إذ الظلام بدخول الليل أو بغياب القمر يكون مظنة خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو والسرقة وابتغاء الشر والفساد. وقوله تعالى {ومن شر النفاثات في العقد} أي وتعوذ بالله برب الفلق من شر الساحر وهن النساء اللاتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدنها والنفث هي إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر. وقوله تعالى {ومن شر حاسد4 إذا حسد5} أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهره حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لأن الحسد طلب زوال النعمة هن المحسود وسواء أرادها له أو لم يردها وهو شر الحسد.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب التعوذ بالله والاستعاذة بجنابه تعالى من ك مخوف لا يقدر المرء على دفعه لخفائه أو عدم القدرة عليه.
    2- تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر. والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف.
    3- تحريم الحسد قطعيا وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على الكيد له.
    4- الغبطة ليست من الحسد للحديث الصحيح: "لا حسد إلا في اثنتين" إذ المراد به الغبطة.
    __________

    1 هذه أولى المعوذتين والثانية الناس وقبلهما الصمد قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعوذ الناس بمثلهن وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها.
    2 حديث سحر لبيد بن الأعصم اليهودي للنبي صلى الله عليه وسلم ثابت في الصحيح وغيرهما. ومما رقى به جبريل النبي صلى الله عليه وسلم قوله "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر حاسد وعين والله يشفيك.
    3 روى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب.
    4 روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه. لهذا كره بعض السلف النفث في الرقية وقالوا يرقى ولا ينفث, والجمهور على الجواز.
    5 الحسد حرام وهو أول ذنب عصى به الله تعالى إذ حسد إبليس آدم وحسد قابيل هابيل وحقيقته تمني زوال النعمة على الغير لتحصل له, أو لا تحصل وهو شر الحسد.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #898
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,918

    افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



    تفسير القرآن الكريم (أيسر التفاسير)

    - للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
    الحلقة (893)

    سورة الناس
    مدنية وآياتها ست آيات

    المجلد الخامس (صـــــــ 632الى صــــ 633)


    سورة الناس
    مدنية وآياتها ست آيات

    بسم الله الرحمن الرحيم
    قل أعوذ برب الناس (1) ملك الناس (2) إله الناس (3) من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5) من الجنة والناس (6)

    شرح الكلمات:
    أعوذ: أي أتحصن وأستجير.
    برب الناس: أي خالقهم ومالكهم.
    ملك الناس: أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم.
    إله الناس: أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه.
    من شر الوسواس: أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له.
    الخناس: أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى.
    في صدور الناس: أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى.
    من الجنة والناس: أي من شيطان الجن ومن شيطان الإنس.
    معنى الآيات:
    قوله تعالى {قل أعوذ برب الناس} هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربعة على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى {قل أعوذ برب الناس1 ملك الناس} أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه من شر الوسواس2 الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى، وقوله تعالى {الخناس} هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكأنه غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة3.
    وقوله تعالى {من الجنة والناس} يعني الموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإنسان يوسوس4 بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإنس والجن، فأعذنا ربنا فإنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر.
    هداية الآيات:
    من هداية الآيات:

    1- وجوب الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الإنس والجن.
    2- تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته عز وجل.
    3- بيان لفظ الاستعاذة وهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما بينته السنة الصحيحة إذ تلاحى رجلان في الروضة النبوية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه -أي الغضب-: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
    __________

    1 لما كان في الناس ملوك، وفيهم من يعبد الله تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم الحق الذي لا يستحق العبادة سواه فبه يستعاذ وبجنابه يلاذ.
    2 جائز أن يكون المستعاذ منه لا الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي الوسواس والوسوسة حديث النفس.
    3 صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول والعمل معفو عنها ولا يؤاخذ به العبد لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به".
    4 قال مقاتل عن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وفي الصحيح "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم".

    ****************************** *************
    بفضل الله تم الانتهاء من نقل هذا التفسير
    فى يوم الاربعاء الموافق
    19 رمضان 1443هــ
    20 إبريل 2022 مــ

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •