الباب الاول- وجوب عبادة الله وحده لا شريك له وأن هذا الواجب هو اول الواجبات-التوحيد أول ما يجب معرفته على المكلف فهو أول واجب وآخر واجب وأول ما يدخل به الإنسان الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا ---قال الشيخ حافظ الحكمي-رحمه الله تعالى- في شرح قوله في منظومة (سلم الوصول) :
وَهوَ الَّذي به الإله أرْسَـلا
رُسْلَهُ يَدْعُونَ إلَيْــهِ أولا
يقول رحمه الله: وهذا التوحيد أي توحيد الإلهية الذي به الإله عز وجل (أرسلا رسله) من أولهم إلى آخرهم (يدعون إليه أولا) قبل كل أمر فلم يدعوا إلى شيء قبله، فهم وإن اختلفت شرائعهم في تحديد بعض العبادات والحلال والحرام، لم يختلفوا في الأصل الذي هو إفراد الله سبحانه بتلك العبادات افتقرت أو اتفقت، لا يشرك معه فيها غيره، كما قال صلى الله عليه وسلم: " نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد " وقد أخبر الله عز وجل عن اتفاق دعوة رسله إجمالا وتفصيلا فقال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) وهؤلاء هم أولو العزم من الرسل: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك بقية الرسل. وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون) وقال تعالى: (وما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)----فحَرِىّ بالعبد ان يعرف معنى هذا التوحيد الذى هو الغاية من خلق الإنسان كما قال الله جل وعلا: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ------------------------الباب الثانى-- (باب فضل التوحيد وما يكفّر من الذنوب)، التوحيد بأنواعه له فضل عظيم على أهله، ومن أعظم فضله أنه به تُكفّر الذنوب، فالتوحيد يكفر الذنوب جميعا، لا يكفر بعض الذنوب دون بعض، فإن التوحيد حسنة عظيمة، لا تقابلها معصية إلا وأحرق نورُ تلك الحسنة أثر تلك المعصية، إذا كَمُل ذلك النور-----------------------------الباب الثالث - (باب من حقق التوحيد؛ دخل الجنة بغير حساب)، وقد ذكر في الباب قبله -(فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، وهذا الباب أرفع رتبة من بيان فضل التوحيد، فإن فضل التوحيد يشترك فيه أهله.
وأهل التوحيد هم أهل الإسلام، فلكلٍّ من التوحيد فضل، ولكل مسلم نصيب من التوحيد، وله بالتالي نصيب من فضل التوحيد، وتكفير الذنوب.
أمّا خاصة هذه الأمة فهم الذين حققوا التوحيد، ولهذا عطف هذا الباب على ما قبله لأنه أخص (باب من حقق التوحيد؛ دخل الجنة بغير حساب).
------------------------------الباب الرابع (الخوف من الشرك)، وكل من حقق التوحيد، فلا بد أن يخاف من الشرك، ولهذا سيدُ المحققين للتوحيد محمد عليه الصلاة والسلام كان يكثر من الدعاء، بأن يُبعَد عنه الشرك، وكذلك إبراهيم عليه السلام كان من الدعاء بأن لا يدركه الشرك أو عبادة الأصنام.
فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة؛ من أن تحقيق التوحيد عند أهله معه الخوف من الشرك، وقلَّ من يكون مخاطرا بتوحيده، أو غير خائف من الشرك ويكون على مراتب الكمال؛ بل لا يوجد، فكل محقق للتوحيد، كل راغب فيه، حريص عليه، يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك فإنَّ الخوف -وهو فزع القلب، وهلعه، وهربه، من ذلك الشيء- فإن هذا الذي يخاف من الشرك سيسعى في البعد عنه.---------------------(باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله) باب الدعوة إلى التوحيد.
وقد ذكر في الباب قبله - الخوف من الشرك،- وقبله ذكر فضل التوحيد وما يكفِّر من الذنوب -وباب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب.
ولما ذكر بعده باب الخوف من الشرك- اجتمعت معالم حقيقة التوحيد في النفس؛ في نفس الموحد، فهل من اجتمعت حقيقة التوحيد في قلبه بأن 1-عرف معناه 2- وعرف فضله 3- وخاف من الشرك4 - ومعنى ذلك أنه استقام على التوحيد وهرب من ضده؟5- هل يبقى مقتصرا على نفسه أم إنه لا تتم حقيقة التوحيد في القلب إلاَّ بأن يدعو إلى حق الله الأعظم - ألا وهو إفراده جل وعلا بالعبادة وبما يستحقه سبحانه وتعالى من نعوت الجلال وأوصاف الجمال؟
بوَّب الشيخ رحمه بهذا الباب ليدل على أن من تمام الخوف من الشرك ومن تمام التوحيد أن يدعو المرء إلى التوحيد، فإنه لا يتم في القلب حتى تدعو إليه،وهذه حقيقة شهادة أن لا إله إلاَّ الله؛ لأن الدعوة إلى شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله عُلمت حيث شهِد العبد المسلم لله بالوحدانية.---------------ثم له مناسبة أخرى لطيفة وهي: أنّ ما بعد هذا الباب هو تفسيرٌ للتوحيد وبيان أفراده، وتفسير للشرك وبيان أفراده، فيكون -إذن- الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله، الدعوة إلى التوحيد دعوة إلى تفاصيل ذلك، وهذا من المهمات؛ لأن كثيرين من المنتسبين للعلم من أهل الأمصار يسلِّمون بالدعوة إلى التوحيد إجمالا؛ ولكن إذا أتى التفصيل في بيان مسائل التوحيد، أو جاء التفصيل لبيان أفراد الشرك فإنهم يخالفون في ذلك وتغلبهم نفوسهم في مواجهة الناس في حقائق أفراد التوحيد وأفراد الشرك.
إذن فالذي تميزت به هذه الدعوة؛ دعوة الإمـام المصلح رحمه الله أنَّ الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله دعوة تفصيلية ليست إجمالية، أمَّا الإجمال فيدعوا إليه كثيرون؛ نهتم بالتوحيد ونبرأ من الشرك؛ لكن لا يذكرون تفاصيل ذلك، والذي ذكره الإمـام رحمه الله في بعض رسائله أنه لما عَرَضَ هذا الأمر يعني الدعوة إلى التوحيد عرضه على علماء الأمصار قال: وافقوني على ما قلت وخالفوني في مسألتين في مسألة التكفير وفي مسألة القتال. وهاتان المسألتان سبب المخالفة مخالفة أولئك العلماء فيها أنهما فرعان ومتفرعتان عن البيان والدعوة إلى أفراد التوحيد والنهي عن أفراد الشرك.
إذن الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلاَّ الله هو الدعاء إلى ما دلَّت عليه من التوحيد، والدعاء إلى ما دلَّت عليه من نفي الشريك في العبادة وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات عن الله جل وعلا.
وهذه الدعوة دعوة تفصيلية لا إجمالية، ولهذا فصَّل الإمـام رحمه الله في هذا الكتاب أنواع التوحيد وأفراد توحيد العبادة، وفصَّل الشرك الأكبر والأصغر وبين أفرادا من ذا وذاك.
يأتي تفسير شهادة أن لا إله إلاَّ الله في الباب الذي بعده؛ لأنه باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلاَّ الله.[ منتقى من كفاية المستزيد]