تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 15 من 15

الموضوع: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (1)
    صلاح عباس فقير











    بطاقة الكتاب:





    الكتاب: التفسير اللغوي للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار.
    الناشر: دار ابن الجوزي، 1422، ط 1.



    مقدّمة:



    كتاب التّفسير اللّغوي، للدكتور مساعد الطيار، يُعتبر من البحوث ذوات الفوائد الجزيلة، خصوصاً فيما يتعلّق بمكانة اللغة العربية من العلوم الشرعية، وبخاصّةٍ من علم التّفسير، رأيت أن أعمل على اقتناص بعض فوائده، ووضعها بين يدي القارئ الكريم، فهذه الحلقة الأولى، وقد جعلتُ كلّ مجموعةٍ من الفوائد تحت عنوانٍ يدُلُّ عليها، متتبّعاً في ذلك الكتاب من أوله إلى آخره، وإذا اضطُررتُ إلى حذف بعض النّص، فذلك سيكون على سبيل الاختصار، وعندئذٍ أضع علامة الحذف (...)، فلنبدأ بعون الله وتوفيقه:



    1- {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}،



    أو: أهمية معرفة لسان القوم لمعرفة رسالة الرّسول:



    "ولما كان الأمر كذلك، كانت لغة العرب من أهم المصادر وأوثقها في معرفة كلام الله تعالى، وكان من أهم ما فيها –وهو من بدايات علم التفسير- معرفة دلالات الكلام، أي معاني الألفاظ، التي يدور عليها كثير من علم التفسير، ليُعرف المراد بالخطاب، وهذا مما لا يسع الجهل به لمن أراد علم التفسير". (ص5)



    "من رام معرفة مدلولاتها من غير لغته، أو اعتمد معاني محدثةً أو مولّدة أو مصطلحات ليست من لغته= كان من أهل التحريف والزّيغ، كمن فسّر (استوى) بأنه (استولى) ، (...) أو من فسّر الذّرّة الواردة في القرآن على أنّها الذّرّة التي يحكيها علماء الفيزياء والكيمياء." (ص5)



    "فمن أورد معنىً لا تعرفه العرب كان ذلك ممّا يدلُّ على بطلانه، إذ المعاني محدودة محصورة، ومدوّنة مشهورة" يقول في الهامش: "المراد هنا تفسير المفردات والجمل والتراكيب، أما الاستنباط فليس له حدٌّ، لأنّه يعتمد على العقل". (ص6)



    "وبهذا تكون اللّغةُ التي ثبتت حتى عصر الاحتجاج، بنقل العدول من علماء التَّفسير واللّغة وغيرهم = هي اللغة التي يُرجع إليها في تفسير كلام الله، وما عداها لا يُعتمد عليه، ولا يُوثق به". (ص6)



    2- التّفسير المأثور عن الصحابة والتّابعين: معظمُه تفسيرٌ لُغويٌّ:



    "وإذا تأمّلت تفسير القرآن في الآثار المنقولة عن الصحابة أو التابعين أو أتباعهم، وفرزت كلّ نوعٍ من هذه الآثار المنقولة، فإنك ستجد ما كان مرجعه اللّغة له الحظ الأوفر، والنّصيب الأكثر، بل ستجد أنّ تعدد مدلولات لفظٍ من ألفاظ القرآن في لغة العرب، كان سبباً في اختلاف المفسّرين، فمنهم من اجتهد رأيه واعتمد معنىً، ومنهم من اجتهد رأيه واعتمد معنى آخر، كلاهما كان معتمده الأول ورود هذا المعنى في لغة العرب، ثم صحة حمل هذا اللفظ على الآية." (ص6)



    3- معنى التفسير اللّغوي:



    "التّفسير اللُّغويّ: بيانُ معاني القرآن، بما ورد في لغة العرب" (ص 38)



    "والمراد بما ورد في لغة العرب: ألفاظها وأساليبها التي نزل بها القرآن" (ص39)



    4- تأكيد الإمام الشاطبيّ على أهمية فهم اللغة لفهم الشريعة:



    "وقال الشاطبيُّ: "لا بد في فهم الشريعة من اتّباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عرف مستمر، فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة، وإن لم يكن ثمّة عرفٌ، فلا يصحّ أن يُجرى في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب: الموافقات: 2/56". (ص41)



    5- أنموذج في الزلل والتحريف ناشئ عن عدم اعتبار اللغة:



    ومن الأمثلة التي تدلّ على الوقوع في الزلل والتّحريف: ما وقع لعمرو بن عبيد، قال ابن خالويه: كان عمرو بن عبيد يؤتَى من قلّة المعرفة بكلام العرب... وقد كان كلّم أبا عمرو بن العلاء في الوعد والوعيد، فلم يُفرّق بينهما، حتّى فهمه أبو عمرو، وقال: ويحك، إنّ الرجلَ العربيَّ إذا وعد أن يُسيء إلى رجلٍ، ثمّ لم يفعل، يُقال: عفا وتكرّم، ولا يُقال: كذب! (ص43)



    6- يحيى العلوي يُبين أنّ الفهم الباطنيّ يقوم على تجاوز معاني اللّغة العربية:



    "قال يحيى العلوي: اعلم أنّ فريقاً من أهل الزّيغ، يزعمون أنّهم يُصدّقون بالقرآن، أنكروا تفسيره من اللغة، وأنه لا يمكن الوقوف على معانيه منها، ولا مجال فيه لاستعمال النظر، وسلوك منهج الاستدلال، وإنما يوجد معناه عندهم من الأئمّة المعصومين بزعمهم، وهم فرق ثلاث: الحشوية، والباطنية، والرّافضة، وذلك لأنّ القرآن لما كان مصرّحاً بفساد مذهبهم، وموضحاً لفضائحهم حاولوا دفعه، موهمين أنّ القرآن لا يدلّ على فساد مذهبهم؛ لأنّ معناه لا يمكن أخذه من جهة اللغة، يُريدون بذلك ترويج مذاهبهم الرديئة، وتسويغ تأويلاتهم المنكرة... وأعظمهم في الضرر وأدخلهم: هؤلاء الباطنية، فإنهم تلبّسوا بالإسلام، وتظاهروا بمحبة أهل البيت في الدعاء إلى نصرتهم، فاستلبوا بذلك قلوب العامّة، ولبّسوا عليهم الأمر بدقّة الحيل، ولطيف الاستدراج: مشكاة الأنوار الهادمة لقواعد الباطنية الأشرار، تحقيق د. محمد السيد الجليند: ص 144، 145.." (ص 48، 49).







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي


    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (2)
    صلاح عباس فقير





    1- مصادر أخرى للتّفسير غير اللُّغة:
    "وإذا كان هذا شأنَ اللّغةِ في تفسير القرآن، فهل يعني هذا أنّه يمكن أن تستقلّ بتفسير القرآن؟ مع ما سبق ذكره من أٌقوال العلماء، في أهمية معرفة اللغة، في تفسير القرآن، إلا أنهم ذكروا أنّ اللغة بمجردها لا تستقلُّ به. وهذا يعني أنّ اللغة ليست المصدر الوحيد الذي يمكن لمن أحكمه أن يفسر القرآن، إذ لا بد للمفسر من معرفة مصادر أخرى، يعتمد عليها في تفسيره: كالسُّنة النبوية، وأسباب النزول، وقصص الآي، وأحوال من نزل فيهم الخطاب، وتفسيرات الصحابة والتابعين وتابعيهم، وغيرها من المصادر التي لا يمكن أخذها عن طريق اللّغة، وبهذا يُعلم أنّ التفسير اللغويّ جزءٌ من علم التفسير، ومع أنّ حيِّزه كبير، فإنه لا يستقل بتفسير القرآن" (ص50).
    (قسمها في ص61 إلى أولاً: مصادر نقلية، وهي هذه التي ذكرها هنا إضافةً إلى ما يروونه عن أهل الكتاب أي الإسرائيليات، ثانياً: مصادر استدلالية) قال:
    "وإذا تأمّلت التفسير باللغة، فإنك ستجد أنّ هذا المصدر يتنازعه النقل والاستدلال، ذلك أنّ التفسير المعتمد على اللغة إذا كان لا يحتمل إلا معنى واحداً، فإنه أشبه بالمصادر النقلية؛ لعدم وجود احتمالٍ آخر في تفسيره يحتاج إلى استدلال، وإذا كان يحتمل أكثر من معنىً، فإنّ حمله على أحد هذه المُحتملات يعتمدُ على الرأي والاجتهاد، وبذا يكونُ داخلاً في الاستدلال، والله أعلم" (ص63).
    2- طبقات علماء السَّلف في التفسير:
    "وإذا نظرتَ إلى الّذين فسروا القرآن، وجدتَ أول المفسرين الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدلُّ لذلك قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتُبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم}. ثمّ جاء بعده الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين نزل القرآن بلغتهم، وشهدوا التنزيل، وعرفوا أحوال من نزل فيهم الخطاب من المشركين وأهل الكتاب، فتصدّى بعضهم لعلم التفسير، حتى صار مبرّزاً فيه كعبد الله بن مسعود الهذليّ، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب. ثم لحق بالصحابة أعلام التابعين ممّن تتلمذ عليهم، وبرز في علم التفسير، كسعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وقتادة بن دعامة السدوسي، وغيرهم. ثم حمله في جيل أتباع التابعين بعض أعلام المفسرين، كإسماعيل السُّدي الكوفي، وعبد الملك بن جُريج المكي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدنيّ، ويحيى بن سلام البصريّ.
    وهذه الطبقات الثلاث (أي الصحابة والتابعون وأتباعهم) هي التي اعتمد النّقلَ عنها علماءُ التفسير، ومن كتب فيه من المتقدمين، كعبد الرزاق بن همّام الصّنعاني، وعبد بن حُميد الكشِّي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وغيرهم.
    وإذا أُطلق مصطلح السلف في علم التفسير، فإن المراد به علماء هذه الطبقات الثلاث، لأنّ أصحابها أولُ علماء المسلمين الذين تعرّضوا لبيان القرآن، وكان لهم فيه اجتهاد بارز، وقلّ أن تجد في علماء الطبقة التي تليهم من كان مشهوراً بالتفسير والاجتهاد فيه، بل كان الغالب على عمل من جاء بعدهم في علم التفسير، نقلَ أقوال علماء التفسير في هذه الطبقات الثلاث أو التّخيّر منها والترجيح بينها، كما فعل الإمام محمد بن جرير الطبري" (ص57، 58).
    3- "هل ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم تفسيرٌ لغويٌّ؟
    لقد استقرأتُ التّفسير النَّبويَّ للقرآن الكريم، ووجدت أنّه لم يُفسر للصّحابة من ألفاظ القرآن إلا ما احتاجوا إليه، وهو قليل، ومن ذلك تفسيره معنى الوسط في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً} قال: (الوسط العدل) (أخرجه البخاري) ومنه تفسيره الخيط الأبيض والأسود في قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} عندما أشكل على عديِّ بن حاتم، ففسّره له صلى الله عليه وسلم بأنه بياض النهار وسواد اللّيل(أخرجه البخاري).
    وهذا يعني أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتأولون القرآن على ما يفهمونه من لغتهم، لوضوح ذلك عندهم، فإذا أشكل عليهم منه شيء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدث من عديِّ بن حاتم، وممّا يعزّز ورود الاجتهاد عنهم:
    1.حديث ابن مسعود، قال: (لما نزلت {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} قلنا: يا رسول الله، وأيُّنا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك، ألم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: {يابُنيّ لا تشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم}، إنّ هذا الحديث يدلّ على أنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجتهدون في فهم القرآن الذي نزل بلغتهم على ما يفهمونه منها، فإن أشكل عليهم منه شيءٌ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر من الحديث؛ لأنهم جعلوا معنى الظلم عاماً على ما يعرفونه من لغتهم، فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المعنى المراد به في الآية، ونبّههم إلى أن المعنى اللّغوي الذي فسّروا به الآية غيرُ مراد، ولم ينههم عن أن يفسّروا القرآن بلغتهم، ولو كان هذا المسلك خطأً لنبَّههم عليه، والله أعلم.
    2. ما وقع بين الصَّحابة رضي الله عنهم من خلافٍ محقّقٍ في تفسير بعض الألفاظ القرآنيَّة التي لها أكثر من دلالة لغوية، فحملها بعضهم على معنىً، وحملها الآخرون على معنىً آخر، وهذا يدلُّ على أنهم لم يتلقّوا عن النبي صلى الله عليه وسلم بياناً نبويّاً في هذه اللفظة، ولو كان عند أحدٍ منهم بيان لما وقع مثل هذا الاختلاف. ومن أشهر الأمثلة التي يمكن أن يُمثّل بها: اختلافهم في لفظ "القرء" (...) لفظ عسعس (...) والأمثلة (...) كثيرة جداً، والمقصود هاهنا ذكر المثال.(ص64- 67)"





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2017
    المشاركات
    34

    افتراضي

    جزاك الله خير
    ومن هو (صلاح عباس فقير) المكتوب تحت فقرة العنوان الرئيسي

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا ونفع بكم
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (3)
    صلاح عباس فقير

    مقدمة:
    ما زلنا نُواصل اقتطاف ثمرات هذا الكتاب الممتع ذي الأهميّة الكبيرة، الّذي تدور مباحثه حول محور العلاقة بين اللغة العربية وتفسير القرآن الكريم، وقد مرّ بنا في مطلعه تأكيدُ مؤلّفه الدكتور مساعد الطّيار على أنّ معرفة رسالة الرّسول، يستند إلى معرفة لسان القوم الّذين أُرسل إليهم، ليُقرّر إضافةً إلى ذلك أنّ التّفسير المأثور عن الصحابة والتابعين، معظمُه تفسير لغويّ، بيد أنّه مع ذلك لا يرى أنّ اللغة العربية تستقلّ بإيضاح المعاني القرآنيّة، فثمّة مصادر أخرى للتّفسير لا علاقة لها باللّغة العربية، والتي صنّفها كما رأينا إلى قسمين: مصادر نقليّة وأخرى استدلاليّة، وفي هذه الحلقة نواصل اجتناء هذه الفوائد والثمرات.
    "طريقة السَّلف في التَّفسير اللُّغويّ":
    "كان البيان اللفظي (...) هو الأصلُ في البيان عن المعاني، والمراد به تفسير اللفظ بما يطابقه من لغة العرب، مع ذكر الشّواهد إن وُجِدَت، وهذا ما يمكن أن يُصطلح عليه بالتفسير اللفظي.
    هذا وقد برز عند السَّلف الاهتمام بالمدلول السياقي للّفظ، وهذا موجودٌ عندهم في كتب الوجوه والنظائر"(ص67).
    إذن، بحسب ما يذكر فإنّ طريقة السلف في التّفسير اللُّغويّ، يُستخدم فيها أسلوبان: أسلوب التفسير اللفظيّ، وأسلوب الوجوه والنظائر، الّذي يعتمد على التّفسير اللُّغويّ بحسب السّياق، وهما الأسلوبان اللّذان سيعكف الآن على الحديث عنهما:
    أسلوب التّفسير اللّفظيّ:
    ويتلخّص في أمرين، فهم إمّا "أن يذكروا معنى اللّفظ مجرّداً من الشّاهد اللّغويّ" (ص69)، أو "أن يستدلّوا لمعنى اللّفظ من لغتهم شعراً أو نثراً" (ص70).
    أسلوب الوجوه والنَّظائر:
    في معنى الوجوه والنظائر، يذكر الدكتور مساعد هذا التّحقيق، الّذي عزّزه بالأمثلة والنماذج، قائلاً:
    "الوجوه: المعاني المختلفة للّفظة القرآنيّة، في مواضعها من القرآن.
    والنّظائر: المواضع القرآنيّة المتعدّدة للوجه الواحد، التي اتفق فيها معنى اللّفظ، فيكون معنى اللّفظ في هذه الآية نظيرَ أي شبيهَ ومثيلَ معنى اللّفظ في الآية الأخرى، والله أعلم" (ص94).
    "علاقة الوجوه والنظائر بالتّفسير اللّغوي":
    في ذلك يقول المؤلف: "يظهر من كتب هذا العلم أنّ البحث فيه يتعلّق بالنّصّ القرآنيّ مباشرةً، حيث يستنبط المفسّرُ معانيَ الوجوه والنظائر من الآيات مباشرةً، ويقتنصها من السّياق القرآنيّ الذي وردت فيه اللّفظة، ولذا كثرت عندهم الوجوهُ في بعض الألفاظ، بسبب النظر في الاستعمال السّياقيّ، دون الاقتصار على أصل المدلول اللُّغوي" (ص95).
    ثمّ يقول: "وإذا وُجد في كتبهم شيءٌ من الوجوه لا يوجد له دلالة مباشرة في كتب أهل اللّغة، فإنّ هذا لا يعني خروجه عن اللّغة، ولكن يُلحظ أنّه لا بدّ من وجود ارتباطٍ بينه وبين أصل المعنى اللّغويّ" (ص96).
    علاقة (الوجوه والنظائر) بـ (كليات الألفاظ القرآنيّة):
    قال: "المراد بكليات الألفاظ القرآنية = ما يُصدِّرُ به المفسّرون تفسيرَ بعض الألفاظ بقولهم: كلُّ ما في القرآن من كذا، فهو كذا، وهذا هو الغالبُ في التعبير عن كلّيات القرآن، وقد يرِدُ التّعبير عنها بغير لفظ "كلّ" مثل: ما ورد في القرآن من كذا؛ فهو كذا" (ص103).
    ثمّ يقول: "ومن هذا البيان، يظهر أنّ الكلية التّامة في الألفاظ القرآنيّة، بحثٌ يقابل الوجوه والنظائر، لأنّ كتب الوجوه والنظائر تذكر اللّفظ الّذي يكون له أكثرُ من وجهٍ دون غيره، والكليات التامة يُذكر فيها اللّفظ الّذي له معنىً واحدٌ" (ص104).
    ذلك كلّه حول ما أسماه الدكتور مساعد: "طريقة السلف في التّفسير اللّغوي"، فماذا عن "التّفسير اللُّغويِّ عند اللُّغويِّين"؟
    ذلك ما سنقف عنده بإذن الله في الحلقة القادمة!

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ


    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (4)
    صلاح عباس فقير





    التّفسير اللُّغويُّ عند اللُّغويِّين
    · مقدّمة:
    لا زلنا نواصل التّنزّه في ربوع هذا الكتاب المزدهرة، والّذي يُلقي أضواءً كاشفةً على تلك القضية المهمة التي طرحناها في حلقات سابقة، من خلال هذه النافذة، ألا وهي قضية العلاقة بين اللغة والشرع، هذا إضافةً إلى ما يحمله هذا البحث الفريد الّذي نقوم باختصاره، أو باقتطاف بعض ثمراته، ليُتاح للقارئ من خلاله الإلمام برؤية متكاملة عن موضوع التّفسير اللّغويّ، الّذي ربما ظلّ قبل هذا البحث ظاهرةً مجهولةً، أو لا يدرك الكثيرون أبعادها، فإذا بالدكتور مساعد الطيار، يكشف عنها، ويستكشف جوانبها المختلفة، وكنا في الحلقة الماضية قد قدّمنا نبذةً تعريفيّة عن التفسير اللغوي عند السلف، وهاذي الآن وقفةٌ عند التفسير اللغوي عند اللغويين أنفسهم:
    · من هم اللّغويّون؟
    "اللُّغويّون هم المشتغلون بجمع ألفاظ العرب ومعرفة دلالاتها واشتقاقها وتصريفها، ومعرفة أساليبها في الخطاب، والاستدلال لذلك بلغة العرب من شعرٍ أو نثرٍ" (ص108)، "برزوا في القرن الثّاني الهجريّ، وكان ظهورهم إيذاناً ببروز هذا التخصص العلميّ، الّذي لم يكن يُنسب قبلهم إلى أعلامٍ في جيل الصّحابة والتّابعين، أي أنك لا تكاد تجد في هذين الجيلين من وُصِف بأنّه فلانٌ اللُّغويُّ" (ص109).
    "وكان ظهور هذا التّخصّص أثراً من آثار الاهتمام بتقويم اللّسان العربيّ، الّذي أصابه شيءٌ من الخلل بدخول غير العرب في الإسلام. وكانت بداية التّوجّه إلى تقويم اللّسان، كما ذهب إليه كثيرٌ من الباحثين على يد أبي الأسود الدُّؤلي (ت69)، وقيل إنّه أخذ مبادئه عن عليِّ بن أبي طالب (ت40)" (ص111 /112).
    "ولاستجلاء مشاركة اللغويين في التفسير اللغوي، رجعتُ إلى تراجمهم وفهارس كتبهم، ثم قرأت ما وقع بين يدَيّ من كتب أعلام هذه الفترة من اللغويين... وجدتُ أنَّ مشاركة اللغويين في التفسير كانت على قسمين:
    الأول: مشاركة غير مباشرة في تفسير القرآن.
    والثاني: مشاركة مباشرة في تفسير القرآن" (ص114).
    · "القسم الأول: المشاركة غير المباشرة":
    "تبرز مشاركة اللغويين غير المباشرة في أنماط التأليف اللغوي التي سلكها اللغويون في الكتابة اللغوية، وكانت كتب النوادر من أقدم ما ظهر من أنماط التأليف اللغوي، وكان عمرو بن العلاء (ت145) أولَ من ذُكر له كتابٌ في "النوادر""(ص114)
    "النوادر معجم محشوٌّ بالمواد اللغوية من شاذّ وغريب ونادر"(هـ ص114).
    ثم يذكر الدكتور مساعد أن كتب النوادر تندرج في إطار الكتابة على أسلوب الموضوعات، التي هي "أسبق التأليفات اللّغوية، وأغلب ما كُتب كان في موضوعٍ واحد، ككتب الفروق، والنوادر، والأضداد، والنبات، وخلق الإنسان، والأنواء، وغيرها، وقد ظهر جمعُ هذه الموضوعات في كتابٍ واحدٍ، عند أبي عبيد (ت244) في كتابه (الغريب المصنف)، حيث جعل لكلّ موضوعٍ باباً مستقلاً" (ص114).
    وبالإضافة إلى الكتابة على أسلوب الموضوعات، كان هناك أسلوب الكتابة على الحروف، يقول الدكتور: "كانت الكتابة على الحروف تهدف إلى استيعاب ألفاظ العرب، وكانت البداية فيها بكتاب العين المنسوب للخليل" (ص115).
    قال: "وسأذكر كيف كان التفسير اللغوي في هذين الضربين من الكتابة، مع ذكر الأمثلة لذلك:" (ص115).
    · "أولاً: التفسير اللّغويُّ في كتب الموضوعات":
    "1- يظهر من كتب اللغة التي كتبت على نمط الموضوعات، أن التفسير لم يكن قصداً أوّليّاً من مقاصد اللّغويّ في كتابه" (ص115).
    2- غالبُ ما جاء في التفسير، كان تفسير ألفاظٍ قرآنيّة مفردة...
    1- غالباً ما يذكر اللغوي معنى اللفظة في لغة العرب، ثمّ يذكر الآية التي ورد فيها هذا اللفظ" (ص116)...
    · "ثانياً: التفسير اللغوي في معاجم الحروف:
    يُعدّ كتاب العين أول معجم عربيٍّ سار في ترتيبه على الحروف، سواءً أكان كاتبه الخليل بن أحمد... أم كان تلميذه الليث بن المظفر. وسأجعله مثالاً... ومن الملاحظ أنّ اللغوي في هذه الكتب قد يورد اللفظ القرآنيّ دون ذكر الآية التي ورد فيها، ... (ص119) الغالب عليها أنها تذكر الآية التي وردت فيها اللفظة" (ص122).
    هذا كلّه في إطار الم شاركة غير المباشرة للّغويّين في تفسير القرآن، فماذا عن المشاركة المباشرة؟
    هذا هو موضوع الحلقة القادمة، بإذن الله تعالى!




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (5)
    صلاح عباس فقير

    المشاركة المباشرة للُّغويِّين في تفسير القرآن


    ما زال تجوالُنا متواصلاً في أرجاء هذا الكتاب المتميّز في بابه، والّذي يرصد فيه مؤلّفُه طبيعة العلاقة بين اللغة العربية وتفسير القرآن الكريم، وقد رأينا في أولى حلقاته أنّه قد نبّه إلى أنّ التّفسير المأثور عن علماء السّلف، في معظمه، تفسيرٌ لُغويٌّ، وإن كان يتحفَّظ على هذه الحقيقة بذكر مصادر أخرى للتّفسير، لا علاقة لها باللّغة، كما مرّ بنا.

    وقد رأينا في الحلقة الماضية، كيف كان نمطُ المشاركة غير المباشرة للُّغويِّين في تفسير القرآن، أمّا في هذه الحلقة، فسوف ننتقل بإذن الله تعالى إلى الحديث عن نمط المشاركة المباشرة للّغويّين في تفسير القرآن.
    يقول الدكتور مساعد: "ظهر لي أنّ مشاركتهم المباشرة في التّفسير، برزت من خلال علمين: علم غريب القرآن، وعلم معاني القرآن" (ص123).
    طريقة التفسير اللّغويّ في حال المشاركة المباشرة للّغويِّين:
    تتمثّل المشاركة المباشرة للّغويِّين في التّفسير، إذن، من خلال علمي غريب القرآن ومعاني القرآن، يقول الدكتور مساعد: "لقد استقرأتُ المطبوعَ من هذه الكتب، وظهر لي من خلال هذا الاستقراء أنّ اللّغويّين سلكوا في هذه الكتب مسلك السّلف في التّفسير اللّغويّ، فظهر عندهم التّفسيرُ على المعنى، وعلم الوجوه، وأسلوب التَّفسير اللّفظيّ، غيرَ أنّ هذا الأخير هو الغالبُ على التّفسير اللُّغويّ عند اللُّغويِّين، والأولان لا يُشكلان شيئا كثيراً عندهم" (ص128) ثمّ يذكر الدكتور ما تميّزت به بحوث اللّغويّين من الزّيادة الكميّة، على من سبقهم، وأنّ ذلك يتمثل فيما يلي:
    أولاً: كثرة مباحث الصّرف والاشتقاق:
    يقول: "برزت هذه المباحث بكثرةٍ عند الفرَّاء والأخفش، وغالب هذه المباحث لا أثر لها على التفسير، أي: لا يتوقف عليها البيان... ويُلاحظ أنّ هذه المباحث الصرفيّة والاشتقاقية في كتب المعاني، دون كتب الغريب" (ص128)
    ثانياً: كثرة المباحث النَّحويّة:
    يقول: "كان النَّحو وعللُه ... أحدَ مقاصد التَّأليف في كتب المعاني دون كتب الغريب، وهذا ممّا لا تجدُه عند السّلف" (ص129).
    "ثالثاً: كثرة الاستشهاد من لغة العرب:" (ص130).
    رابعاً: بيانُ الأساليب العربيّةِ الواردة في القرآن:
    يقول: "اعتنى اللّغويّون ببيان الأساليب الواردة في القرآن، من حذفٍ واختصار، وذكرٍ للسَّبب وتركٍ للمسبّب، وعكسه، وذكرٍ للواحد بلفظ الجمع، وعكسه، وذكرٍ للإجابة على خاصٍّ بلفظ العامِّ، وعكسه وغيرها.
    وقد كان لاهتمامهم هذا أسبابٌ، كالنّصّ على عربيّة القرآن، كما عند أبي عُبيد في مجاز القرآن، والرد على الطَّاعنين فيه، كما عند ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن" (ص133).
    أمّا موضوعات التفسير اللّغوي، التي تناولها علماء السلف، فهي توجد كذلك عند اللغويّين، وهي كالآتي:
    أولاً: التفسير على المعنى عند اللّغويّين:
    "كان قليلاً عند اللغويين، وإن كان لا يمكن أن ينفكّ عنه المفسر" (ص135)،
    ثانياً: علم الوجوه والنَّظائر عند اللّغويِّين:
    "أمّا علم الوجوه والنظائر، فلم أجد لأحدٍ من أهل اللغة كتاباً خاصّاً فيه، وقد خصَّ ابن قتيبة هذا العلم بمبحث من كتابه: "تأويل مشكل القرآن" تحت بابٍ بعنوان: (اللفظ الواحد للمعاني المختلفة).(ص136).
    ثالثاً: أسلوب التفسير اللّفظيّ عند اللّغويّين:
    "كان هذا من أصول بحثِهم في القرآن، وقد كانت طريقةُ إيرادِهم له كطريقة السّلف، وإليك بيان ذلك بالأمثلة:
    الأول: أن يُفسّروا اللَّفظ دون أن يستشهدوا لهذا التَّفسير" (ص138).
    "الثاني: أن يستشهدوا لتفسيرهم:" (ص139) وذلك بأشعار العرب أو بالنثر.
    ثمّ يختم الدكتور مساعد الطّيار حديثه عن مشاركة اللُّغويّين في التفسير، مشاركةً مباشرة، بقوله: "وأخيراً، فإنّ غالب اللّغويّين والمفسّرين الّذين جاؤوا بعد هؤلاء لم يُضيفوا جديداً على الأسلوب التفسيري اللّغويّ، بل اعتمدوا ما ورد عن أعلام المفسرين واللّغويّين في هذه الفترة، وإن كان ثمّة زيادةٌ، فإنّها في الأوجه التَّفسيرية للمفردات أو الأساليب، والله أعلم" (ص140).
    بذلك يتكامل الحديث عن نشأة التفسير اللغوي، عند السلف أولاً ثم عند اللغويين ثانياً، وبقيت خاتمةٌ تتناول بعض مسائلَ في نشأة التفسير اللُّغويّ، ستكون بإذن الله موضوع الحلقة القادمة.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (6)
    صلاح عباس فقير



    الكتاب:
    التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.



    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.

    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.




    مسائل في نشأة التّفسير اللُّغويّ



    مقدّمة:



    يتّصل حديثنا في الحلقة السّادسة من حلقات هذه السّلسلة، الّتي نهتمّ فيها باقتناص فرائد وفوائد هذا الكتاب المتميّز في بابه، والّذي يُسلّط فيه الدكتور مساعد بن سليمان الطيار، أضواءً كاشفةً على حقيقةٍ لم تلقَ ما تستحقّه من الاهتمام، حقيقةٍ تؤكّد ما أكّده من قبل الإمام الشّاطبيُّ، من أنّ "هذه الشّريعة المباركة عربيةٌ"، وأنّها "من جهة لسان العرب ينبغي أن تُفهم"، فالدكتور الطّيار يكشف من خلال هذا الكتاب، وفيما يتعلّق بتفسير القرآن الكريم، الّذي هو المصدر الأول للفقه والتّشريع، أنّ ما يُسمّى بالتّفسير المأثور عن الصّحابة والتّابعين، هو في الحقيقة تفسيرٌ لُغويٌّ في معظمه، وقد اطّلعنا في الحلقات الماضية، على نصوصٍ من كلام الدكتور مساعد، تعرّفنا من خلالها على التّفسير اللّغويّ: نشأته ومكانته -وهو الباب الأول من أبواب الكتاب الثلاثة- وبقي لنا منه بعض المسائل المتعلّقة بنشأة هذا الضّرب الأساسيِّ من ضروب تفسير القرآن، والّتي ستكون موضوع هذه الحلقة بإذن الله تعالى.



    المسألة الأولى: في سبق السّلف في علم التّفسير:



    "كان علم التّفسير علماً مستقلّاً قائماً بذاته، منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم، وكان لهذا العلم أعلامه البارزون، كعبد الله بن مسعودٍ الهُذَليّ، وعبد الله بن عباس.



    ثمّ حمله من بعدهم جمعٌ من أعلام جيل التّابعين، كأبي العالية الرّياحي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، ومجاهد بن جبر، والضحاك بن مزاحم، وعكرمة، والحسن البصري، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم، وغيرهم، وكان مفسّرو التّابعين أكثرَ طبقات السّلف مشاركةً في التّفسير.



    ثمّ حمله في جيل التَّابعين أمثال: إسماعيل بن عبد الرحمن السُّدّي، والرّبيع بن أنس البكريّ، ومحمد بن السّائب الكلبي، ومقاتل بن حيّان البلخيّ، ومقاتل بن سليمان البلخي، وعبد الملك بن جُريج المكّي، وسفيان بن سعيد الثوريّ، وعبد الرّحمن بن زيد المدنيّ، ويحيى بن سلام البصريّ، وغيرهم." (ص 143 / 144).



    "وقد برزت كتابة التفسير وتدوينه في عهد التّابعين وأتباعهم، وكان لهم في ذلك صحائف وكتب" (ص144). وعدّد الدكتور مساعد منها حوالي عشرةً، ثمّ قال: "وليس ما ذكرتُه على سبيل الحصر" (ص147).



    ثمّ قال: "وفي عهد أتباع التّابعين ظهر اللُّغويّون الّذين شاركوا في التّفسير" (ص148)، على نحو ما رأيناه سابقاً، ثمّ يستنتج الطّيار هاتين النّتيجتين المهمّتين:



    "أنّ السّلف قد سبقوا اللُّغويّين في التّفسير، تعلُّماً وتعليماً وتدويناً" و"أنّ كتب السلف ورواياتهم في التّفسير، كانت متيسّرةً للُّغويِّين الّذين دوّنوا اللّغة، وكان من المتوقّع أن يستفيدوا منها في تدوين ألفاظ اللّغة وثبوتها"، يقول: "ولكنّ الحاصلَ غيرُ ذلك كما سيأتي"(ص148).



    ولسوف نترقّب الصفحات التّاليات؛ لنرَ سببَ إعراض اللّغويّين عمّا سطره مفسرو السّلف، وما أدّى إليه ذلك من أثر!



    المسألة الثَّانية: شُمول التّفسير بين السّلف واللُّغويِّين:



    "لقد كان تفسيرُ السّلف شاملاً للقرآن"، ويذكر في الهامش روايةً وردت في كتاب الجرح والتّعديل لابن أبي حاتم: 3/319، عمّن روى عن الضّحّاك "تفسير القرآن سورةً سورةً"(ص149).



    ثمّ يذكر إضافةً لذلك، أنّ تفسير السلف "كان يشمل كلّ ما يتعلّق ببيان القرآن، من تفسير القرآن بقرآن، أو بسنّة، أو بلُغة، أو بسبب نزولٍ، أو ببيان حكمٍ، أو غيرها من أنواع البيان التي تدخل في مصطلح التّفسير، ...، أمّا اللّغويّون، فغلب التّفسير اللّغويّ على مشاركتهم في التّفسير، ولعلّ سبب ذلك أنّ أصل بحث اللّغويّين كان في اللّغة، ... أمّا السّلف فكان أصل بحثهم بيان القرآن"(ص149).



    ثمّ يذكر د. الطيار أول أثرٍ من آثار عزوف اللّغويّين عن تراث السّلف، يقول: "ولقد أوقع سبقُ النَّظر اللُّغويّ بعض اللّغويّين في ذكر أٌقوالٍ تعتمد على معنىً قليلٍ أو شاذٍّ أو مشكوكٍ في صحّته"(ص150)، ويذكر عدّة نماذج، تؤكّد على أنّ سبق النظر اللّغويّ، جعل بعض اللّغويّين يعتمدون أقوالاً شاذّةً في اللّغة، لمجرّد أنّها قد وردت عن العرب، ويُعلّق على أحد هذه النّماذج قائلاً: "ولا يُتركُ المعنى المشهور والمتبادر للّفظة إلى معنىً غامضٍ غريبٍ، إلا بدليلٍ يدلُّ عليه، ولا يوجد هاهنا إلا الاحتمال واستعمال اللغة، وليس ذلك كافياً في ترك المشهور، إذ لو أُورِدَتْ على الآية كلُّ المحتملاتِ؛ لاتّسع التّفسير، ودخله كثيرٌ من الأقوال المرذولة"(ص151).



    نقف في هذه الحلقة، عند هاتين المسألتين، ونواصل بإذن الله في الحلقات التّالية، عرضَ بقيّة المسائل، والله الموفّق لما فيه الخير!





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (7)
    صلاح عباس فقير





    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.
    مسائل في نشأة التّفسير اللُّغويّ

    مقدّمة:
    يتّصل حديثنا في الحلقة السّابعة من حلقات هذه السّلسلة، الّتي نهتمّ فيها باقتناص فرائدِ وفوائدِ هذا الكتاب المتميّز، الّذي يُبحر في محيط تفسير القرآن الكريم، باعتبارهِ المصدر الأول للفقه والتّشريع، والّذي يكشف من خلاله الدكتور مساعد الطيار، عن حقيقة أنّ ما يُسمّى بالتّفسير المأثور، هو في الحقيقة تفسيرٌ لُغويٌّ في معظمه، وقد اطّلعنا في الحلقات الماضية، على نصوصٍ من كلام الدكتور مساعد، تعرّفنا من خلالها على التّفسير اللّغويّ: نشأته ومكانته -وهو موضوع الباب الأول من أبواب الكتاب الثلاثة- الذي بقيت لنا منهُ مسائل تتعلّق بنشأته، تعرّفنا في الحلقة الماضية على اثنتين منها، وبقيت أربع، ستكون بإذن الله موضوع هذه الحلقة.
    المسألة الثّالثة: في الاعتماد على اللّغة:
    يذكر الدكتور مساعد أنّ كلا الفريقين السّلف واللُّغويِّين، يُقرّرون مسألة حجيّة الاعتماد على اللّغة في تفسير القرآن، وقال: "حكى صاحب كتاب (المباني في نظم المعاني) إجماع الصّحابة على تفسير القرآن على شرائط اللّغة، يُنظر: مقدمتان في علوم القرآن، تحقيق: آرثر جفري، ص 20" (هامش ص154).
    قال: "وقد نصّ أبوعبيد القاسم بن سلام، على الاحتجاج بلغة العرب في التفسير، عند تعليقه على أثر أبي وائل شقيق بن سلمة" الصّحابيّ الجليل "في تفسيره دلوك الشّمس" حيث قال: "دلوكها غروبها، قال: وهو في كلام العرب: دلكت براحِ، قال أبوعبيد: وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب بالقرآن إلى كلام العرب، إذا لم يكن فيه حلالٌ ولا حرام" (ص155)، واستدرك الدكتور مساعد على أبي عبيدٍ في استدراكه هذا قائلاً: "فإذا كان يقصد أنّه لا يُرجع إلى لغة العرب في فهم الحكم الشرعيّ مطلقاً فهذا غير صحيح؛ لأنّ الصحابة اختلفوا في بعض الأحكام الفقهية، بسبب اختلاف مدلول اللّفظ في لغتهم، كاختلافهم في القُرء هل هو الحيض أو الطهر؟ واختلافهم في الدلوك، هل هو الزوال أو الغروب؟ وإن كان يقصد أنّ اللغة لا تستقلُّ بفهم الحكم الشرعيّ، بل لا بدّ من الرجوع إلى تفسير الشّارع، فهذا صحيح، والله أعلم" (هامش ص 155). ثم قال: "وقد مضى ذكر أمثلةٍ في التّفسير اللُّغويّ، لأهل الحجة من السّلف في التّفسير"(ص156).
    ويقف الدكتور مساعد عند "حكم الاستشهاد بالشّعر" خاصّةً؛ لأنّه "قد اعتُرِض عليه"، قال: "والصواب أنّ الاستشهاد بالشّعر جائزٌ في التّفسير، وقد نصّ على هذا المنهج ابنُ عبّاس، فقال: (إذا خفيَ عليكم شيءٌ من القرآن؛ فابتغوه في الشعر؛ فإنّه ديوان العرب)" (ص258).
    ثمّ يختم الدكتور مساعد هذه المسألة بالتأكيد على أنّ الصحابة والتّابعين كانوا "في زمن الاحتجاج اللّغويّ، فإنّ الأصل أن يُحتجّ بكلامهم، ...، أمّا أتباع التّابعين فإن لم نُدخلهم في من يُحتجّ بكلامهم، فلا يخرجون عن كونهم نَقَلةً للّغة، كحال اللّغويِّين الّذين عاصروهم، وإنّما الفرق بينهم في هذا: أنّ أتباع التّابعين اعتنَوا بتفسير القرآن، واللّغويّون اعتنوا مع ذلك بجمع لغة العرب والتدوين فيها... وهذا يُبنى عليه أنّ تفسير السّلف مقدّمٌ على تفسير اللُّغويِّين" (ص161)، وبناءً على ذلك قرّروا هذه القاعدة: (كلّ تفسير لغويّ عن السلف، يُحكم بعربيّته، وهو مقدّم على قول اللّغويّين) (هامش ص 161).
    المسألة الرّابعة: في الشّاهد الشّعريّ:
    يقول: "كانت ظاهرة الاستشهاد بالشعر" -أي في تفسير كلمات القرآن- "بارزةً عند مفسّري السّلف، وهي عند اللّغويّين أكثر" (ص162).
    ثمّ تحت عنوان (صور الاستشهاد بالشعر) يذكر الدكتور مساعد صورتين، في أولاهما تكون دلالة الشّاهد بذاتها غيرَ مبينةٍ لمعنى اللفظ القرآنيّ، (ص163) وفي الثّانية تكون الدلالة واضحةً مبينة (ص164).
    ثمّ يقول: "وهذا المبحث يتعلّق بمسألة كبيرةٍ في اللّغة، وهي: كيفيّة الوصول إلى معرفة مدلول اللّفظ في لغة العرب؟" (ص165)، ثمّ يجيب: "والألفاظ العربيّة من حيث وضوح الدّلالة على قسمين: الأول: ما هو واضحٌ مدلوله لكلّ أحد؛ كالسّماء والأرض... الثّاني: ما في دلالته خفاء، إمّا بسبب غرابة اللّفظ، كـ ... لفظ المَور، ولفظ الكِفات، ... وإمّا لوجود أكثرَ من مدلولٍ له، وهو ما يُسمّى بالمشترك اللّغويّ، كلفظ عسعس" (ص 165 /166).
    ثمّ يقول: "وممّا يجمل ذكرُه هاهنا أنّه لا يلزم أن يكون لكلّ لفظٍ قرآنيٍّ شاهدٌ عربيٌّ؛ لأنّ القرآن عربيٌّ بذاته... فورود اللفظ في القرآن كافٍ في الحكم بعربيّته، والقرآن في هذا يُحتجّ به، ولا يُحتجّ له أو عليه، وإنّما يُستفاد من الشعر في بيان ما خفي من معاني القرآن" (ص166).
    هذه خلاصة مافي هاتين المسألتين الثالثة والرابعة ، بقى لنا قبل نهاية الباب الأول من هذا الكتاب ، أن نتناول المسألتين الخامسة والسادسة، وذلك ماسيكون بإذن الله موضوع الحلقة القادمة




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (8)
    صلاح عباس فقير











    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.




    مسائل في نشأة التّفسير اللُّغويّ



    مقدّمة:



    يتّصل حديثنا في الحلقة الثّامنة من حلقات هذه السّلسلة، الّتي نهتمّ فيها باقتناص فرائدِ وفوائدِ هذا الكتاب المتميّز، الّذي يُبحر في محيط تفسير القرآن الكريم، باعتبارهِ المصدرَ الأول للفقه والتّشريع، والّذي يكشف من خلاله الدكتور مساعد الطيار، عن حقيقة أنّ ما يُسمّى بالتّفسير المأثور، هو في الحقيقة تفسيرٌ لُغويٌّ في معظمه، وقد اطّلعنا في الحلقات الماضية، على نصوصٍ من كلام الدكتور مساعد، تعرّفنا من خلالها على التّفسير اللّغويّ: نشأته ومكانته -وهو موضوع الباب الأول من أبواب الكتاب الثلاثة- الذي بقيت لنا منهُ مسائل تتعلّق بنشأته، تعرّفنا في الحلقات الماضية على أربعٍ منها، وبقيت اثنتان، ستكونان بإذن الله محور هذه الحلقة.



    المسألة الخامسة: في علم الوُجوه والنّظائر:



    متى ظهر التّأليف في هذا العلم؟



    يُجيب الدُّكتور مساعد بأنّ ذلك قد كان "في القرن الثاني الّذي بدأ فيه تدوينُ كتب اللُّغة" وعلى يدِ من كان ذلك؟ يُجيب: "على يدِ مفسّري أتباع التابعين من السّلف: مقاتل بن سليمان، والحسين بن واقد، وهارون الأعور، ويحيى بن سلام، وكانوا بهذا قد سبقوا اللّغويّين" (ص173).



    ومن ناحيةٍ أخرى يلحظ الدكتور مساعد أنّ اللّغويّين، استفادوا من كتب غريب القرآن والحديث ومعاني القرآن، في كتب المعاجم اللّغويّة، وذلك من خلال ما نقلوه عن اللّغويّين المعاصرين لأتباع التَّابعين، ولكن لم يستفيدوا من كتب الوجوه والنّظائر في معاجمهم، قال: "وأظنّ أنّه لو كتب فيه أحد اللُّغويِّين الّذين عاصروا أتباع التابعين؛ لنُقِلَ عنه في معاجم اللّغة" فلماذا هذا المسلك؟ يقول: "وقد يكون إهمال اللّغويّين ما كتبه أتباع التّابعين في هذا العلم ناتجاً عن غفلة اللّغويّين، عمّا كتبه مفسّرو السّلف في التّفسير وعلومه، أو يكونون لا يعتدّون في نقل اللّغة بما ورد عن السّلف في التّفسير، وفي كلا الاحتمالين قصورٌ من أهل اللّغة في الاستفادة من تفاسير السّلف" (ص174).



    ويلفِت الدكتور الانتباه إلى "أنّ كتب الوجوه والنظائر، لا تعتمد في معاني الوجوه على شواهد عربيّةٍ من شعرٍ أو نثرٍ، بل يعمد أصحابها إلى النّص مباشرةً لاستنباط المعنى من سياقه، ... دون النظر منهم إلى الأصل اللُّغويِّ للّفظة"(ص174).



    أمّا عند اللّغويِّين -كما عند ابن قتيبة في (باب اللّفظ الواحد للمعاني المختلفة) من كتابه (تأويل مشكل القرآن)- فقد ظهرَ "النّظرُ إلى أصل معنى اللّفظ"(ص174)، يقول الملخّصُ: لا شكّ أنّ في هذا المسلك مزيداً من العناية والتّدقيق، ثمّ يقول الدكتور مساعد: "ولم يبرز الاهتمام بتحرير مدلول اللّفظ عربيّاً، في كتب الوجوه والنّظائر إلا متأخّراً، وكان ذلك عند أبي الفرج عبد الرّحمن بن الجوزي، في كتابه: نزهة الأعين النّواظر في علم الوجوه والنظائر" (ص175).



    المسألة السّادسة: التّفسير اللّغويُّ بين البصرة والكوفة:



    يقول: "إذا تأمّلتَ المؤلّفات التي كتبها اللّغويّون في البحث اللّغويّ والقرآنيّ، وجدتَ أنها ظهرت في البصرة والكوفة، وهاتانِ القريتان كانتا منشأ البحث النّحويِّ الّذي كان قد سبق البحث اللّغويّ" (ص177). ثمّ يذكر الدكتور ما كان بين هاتين المدينتين من المنافسة، ملاحظاً أنّ البصريّين سبقوا: "في التأليف النحويّ بكتاب سيبويهِ، وفي التّأليف اللّغويّ بكتاب النّوادر لأبي عمرو بن العلاء، وفي البحث اللّغويّ القرآنيّ بكتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة" (ص177).



    ثمّ قال: "وهذا الاختلاف بينهم قد يفسّر نقد الفرَّاء الكوفيّ لأبي عبيدة البصريّ، حيث قال: لو حُملَ إليَّ أبو عبيدة؛ لضربتُه عشرين في كتاب المجاز" (ص178).



    بهذا انتهت المسائل السّتة المتعلّقة بنشأة التّفسير اللّغويّ، وبنهايتها ينتهي البابُ الأول من هذا الكتاب، وننتقل بإذن الله في الحلقة القادمة إلى الباب الثّاني، الّذي عنوانه: (مصادر التّفسير اللّغويّ)، حيث نقف منه على المصدر الأول للتّفسير اللّغويّ، الّذي هو: كتب التّفسير.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ




    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (9)
    صلاح عباس فقير


    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.
    مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب التّفسير (1)

    مقدّمة:
    في الحلقات الماضية، من هذا الكتاب الّذي يؤكّد على عمق العلاقة بين نصوص اللّغة ومعاني الشَّرع الحنيف، أبحرنا عبر مختلف المسائل التي تناولها الفصل الأول منه، الّذي جاء تحت عنوان (التّفسير اللُّغويّ: نشأته ومكانته).
    في هذه الحلقة نلجُ بإذن الله إلى الباب الثّاني المخصّص لتناول (مصادر التّفسير اللّغويّ)، الّتي هي عبارةٌ عن خمسة مصادر: كتب التفسير، كتب معاني القرآن، كتب غريب القرآن، كتب معاجم اللّغة، وكتبٌ أخرى لها علاقة بالتّفسير اللّغويّ، وقد ألزم الدكتور مساعد نفسه بأن يذكر لكلّ مصدرٍ من هذه المصادر ثلاثة كتبٍ تمثّله.
    وسيدور محور هذه الحلقة بإذن الله، حول المصدر الأول من مصادر التّفسير اللّغويّ، الذي هو: كتب التّفسير.
    تمهيدُ القول في المصدر الأوَّل للتَّفسير اللّغويّ:
    يبدأ المؤلف بالتّمثيل لبعض من كتب في التّفسير من أعلام القرون الأربعة الأولى، بادئاً بسعيد بن جبير، ومنتهياً بابن أبي حاتم، ثم يلحظ أنّهم كانوا –ما عدا يحيى بن سلام وابن جرير الطبري- لا يهتمّون بنقد الأقوال المذكورة في التّفسير.
    ثمّ يقول: "ولمَّا شارك في علم التّفسير علماء برزوا في علم من العلوم التي تحدّدت معالمُها، كعلم النحو وعلم البلاغة وعلم الفقه وغيرها، صبغوا تفاسيرهم بهذه العلوم التي برزوا فيها، كما فعل الزَّمخشريُّ في تفسيره" ثمّ قال: "وكتب التفسير لا يمكن أن تخلوَ من التفسير اللّغويّ، وإنما التَّمايز بينها في طريقة عرضه، وقلّته وكثرته، ومدى استفادة المفسر من لغة العرب في بيان معاني كلام الله سبحانه"، قال: "وسأذكر ثلاثة أمثلة من كتب التفسير، وهي: جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري، والجامع لعلم القرآن للرُّمّاني، والمحرّر الوجيز لابن عطية" (ص 184).
    جامع البيان عن تأويل القرآن:
    ظلَّ أبو جعفر الطبري يُملي التّفسير على طلابه لمدة سبع سنين (283هـ-290هـ)، "وقد نصّ رحمه الله في مقدّمته على وجوه تأويل القرآن، وهي:
    - ما لا سبيل للوصول إليه، وهو الّذي استأثر الله بعلمه.
    - ما خصَّ الله بعلم تأويله نبيّه صلّى الله عليه وسلم دون سائر أمّته.
    - ما كان علمه عند أهل اللّسان الذي نزل به القرآن، وذلك علمُ تأويل عربيّته وإعرابه، لا يُوصل إلى علم ذلك إلا من قبلهم".
    ثمّ ذكر ضابط التّفسير اللُّغويّ عند الإمام الطبريّ، وهو: عدمُ خروج المفسّر باللُّغة عن أقوال السّلف من الصّحابة والتّابعين وأتباعهم. أمّا اللّغويّون الّذين عاصروا أتباع التّابعين فإنّه كان يرُدّ أقوالهم، وإن كانت تحتملها الآية، ويعلّل ذلك بخروجها عن أقوال أهل التّأويل، ومساحة التفسير اللّغوي في تفسير الطبريّ مساحةٌ واسعة (ص188).
    "ومن صور التفسير اللّغويّ التي كان ابن جرير الطبريّ يستخدمها في تفسيره ما يأتي: أولاً: تفسير الألفاظ دون ذكر الشّاهد... ثانياً: تفسير الألفاظ مع ذكر الشاهد: ..." (ص189- 195).
    ظواهر في التّفسير اللُّغويّ عند ابن جرير:
    "برزت بعض الظواهر التي تميّز بها ابن جرير الطبريّ في تفسيره اللّغويّ، وهي:
    الأولى: الاستشهاد بأقوال السّلف في التفسير اللّغوي (ص195)". "كان يعتمد ما جاء عنهم كاعتماده على الشّاهد العربيِّ... فيجعل تفسيرهم حجّةً في معنى اللّفظ... وإن كان قد اعترض على بعضها من حيث اللّغة، وهو قليل، ... كما أنّه قد يرجح أحد أقوال السّلف، ويختار ما يراه راجحاً من بين أقوال طبقاتهم، دون اعتبارٍ لتقدُّم طبقةٍ على طبقة، ولا يلزم من ترجيحه قولاً إبطالُ ما سواهُ، وهو قد يُنبّه على ذلك نصّاً في بعض المواطن" (ص196).
    الثّانية: قبول المحتملات اللُّغويّة الواردة عن السّلف: ... وإذا ورد عنهم أكثر من قول في الآية فإنه: إمّا أن يرجّح بينها إذا كان أحدها أقوى في الاحتمال من الآخر، وإما أن يقبلها جميعاً ما دامت الآية تحتملها من غير تضادّ" (ص198).
    "أما المحتمل اللّغويّ الّذي لم يقل به السلف، ويذكره أحد اللّغويّين، فإنه وإن كان له وجه- يعترض عليه، ولا يقبله مع قول السلف، كما سبق بيانه" (ص199).
    الثّالثة: استعمال اللّغة في الترجيح: أبدع الطبريُّ في استخدم اللغة حال ترجيحه لقولٍ من أقوال المفسرين، وكان في هذا دلالةٌ على تمكّنه ومعرفته بلغة العرب" (ص200).
    ثمّ ذكر أمثلةً من كلام الطبري في ذلك، ومن ذلك قوله: "وإنما يجوز توجيهُ معاني ما في كتاب الله الّذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام، إلى ما كان موجوداً مثلُه في كلام العرب، دون ما لم يكن موجوداً في كلامها" (ص203).
    ثمّ ختم الدكتور مساعد كلامه بذكر:
    بعض القواعد اللّغويّة التي اعتمدها الإمام الطبريّ في تفسيره:
    *"غير مستحيلٍ اجتماعُ المعاني الكثيرة للكلمة الواحدة، باللفظ الواحد، في كلامٍ واحد".
    *"غير جائزٍ إبطالُ حرفٍ كان دليلاً على معنىً في الكلام".
    *"إذا كان الكلام مفهوماً على اتّساقه على كلامٍ واحد، فلا وجه لصرفه إلى كلامين".
    *"كلُّ كلامٍ نُطق به، مفهومٌ به معنى ما أُريد، ففيه الكفايةُ عن غيره".
    *"زيادة ما لا يُفيد من الكلام معنىً في الكلام، غير جائزٍ إضافته إلى الله جلّ ثناؤه". أو: "غيرُ جائزٍ أن يكون في كتاب الله حرفٌ لا معنى له".
    *"تأويل القرآن على المفهوم الظاهر من الخطاب -دون الخفيّ الباطن منه، حتى تأتي دلالةٌ من الوجه الّذي يجب التّسليم له، بمعنىً خلافَ دليله الظاهر المتعارف في أهل اللّسان الّذين بلسانهم نزل القرآن- أولى".
    *"غير جائزٍ حذف حرفٍ من كلام الله –في حال وقفٍ أو وصلٍ- لإثباته وجهٌ معروفٌ في كلامها".
    *"لا يجوز أن يُحمل تأويل القرآن إلا على الأظهر الأكثر من الكلام المستعمل في ألسن العرب، دون الأقلّ، ما وُجد إلى ذلك سبيلٌ، ولم تضطرّنا حاجةٌ إلى صرف ذلك إلى أنه بمعنىً واحد، فيحتاج له إلى طلبِ المخرج بالخفيِّ من الكلام والمعاني" (ص204 / 205).
    ختاماً، هكذا طالت وقفتُنا عند ابن جرير الطبريّ، ولا غروَ فهو إمام المفسّرين، ونستكمل الكلام عن كتب التفسير باعتبارها المصدر الأول من مصادر التفسير اللّغويّ، في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (10)
    صلاح عباس فقير




    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (10)






    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.




    مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب التّفسير (2)



    مقدّمة:



    ولجنا في الحلقة الماضية إلى الباب الثّاني من هذا الكتاب، وهو الباب المخصّص لتناول (مصادر التّفسير اللّغويّ)، حيث تناولنا المصدر الأول من مصادره الخمسة، ألا وهو كتب التفسير، التي اختار الدكتور مساعد الطيار، ثلاثة كتبٍ لتمثّلها: تفسير الطبري، و(الجامع لعلم القرآن) للرّمّانيّ، و(المحرّر الوجيز) لابن عطية.



    طالت وقفتنا في الحلقة الماضية، عند الإمام الطبريّ، ونقف اليوم عند الكتابين الآخرين:



    ثانياً: "الجامع لعلم القرآن":



    "ألَّفه أبو الحسن عليّ بن عيسى الرُّمَّانيّ، النحويّ اللّغوي المعتزلي" (ص206)، وهو مؤلف لمّا يزل مخطوطاً، قال: "وقد ظفرت بجزءٍ صغير من تفسيره" (ص206)، ثمّ قال: "ولقد تردّدت كثيراً في دراسته، لصغر حجمه، غير أنّي لما نظرتُ فيه وجدته يدلّ على غزارة مؤلّفه وامتلائه بعلم اللّغة" (ص207).



    قال: "وهذا التفسير يتميّز بمميّزاتٍ منها: كثرة استخدامه لأسلوب السؤال الجواب" (ص207)، ... ذكرُه المناسبات بين بعض الآيات، أي: وجه اتّصال الآية بما قبلها، ... تذييلُه لكلّ تفسير آيةٍ بما تتضمّنه من أحكام، سواء أكانت حكماً فقهيّاً، أم أدباً تشريعيّاً، أم عقديّاً على مذهبه المعتزليّ، ... كثرة ذكره للفروق اللّغويّة بين الألفاظ" (ص208)، "حرصه –في كثيرٍ من الألفاظ- على بيان معنى أصل اللّفظ في لغة العرب، مع بيانه معاني اللّفظ في اللغة والاستعمال" (ص209)، ومن مميّزاته كذلك أنّه: "يُعتبر مرجعاً لبعض آراء المعتزلة، لأنّه أحدهم، فيكون نقلُ آرائهم من كتابه أوثقَ، وهذا يُفيد من يدرس مذهبهم، ويحتاج معرفةَ أقوالهم منهم" (ص210).



    "صور التّفسير اللُّغويّ في كتاب (الجامع لعلم القرآن):"



    ويذكر منها: "الشواهد الشعرية" (ص211)، و"الأساليب العربية: ... ومن الأساليب التي ذكرها: 1- أسلوب الحذف" (ص212)، "2- أسلوب التّغليب، ... " (ص213).



    "أثر المعتقد في التفسير اللّغويّ عند الرّمّانيّ:"



    "لقد نصّ من ترجم للرماني على أنه معتزلي، وقد كان كذلك كما هو ظاهر من كتابه (الجامع لأحكام القرآن)، وفي هذا الجزء المخطوط ذكر مسائل من معتقداته الاعتزالية، كالمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأفعال العباد، وتأويل الشفاعة الواردة في أهل الكبائر، وحمل صفات الله على المجاز، وغيرها من المباحث العقديّة الاعتزالية" (ص214) وقد ذكر الدكتور أمثلةً لتأثير هذه العقائد على تفسيره اللُّغويّ، نذكر منها وقوف الرماني عند قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران: 101] ليقول: "ويُقال: ما التّعجّب؟ الجواب: حدوثُ إدراك ما لم يكن يُقدّر لخفاء سببه، وخروجه عن العادة في مثله، ولذا لم يجُز في صفات القديم" (ص214)، منكراً صفة العُجّب لله سبحانه، ومطلقاً عليه اسم القديم، وهو "وصفٌ يُطلقه المتكلمون على الله سبحانه، ولم يرد به النّص، وأولى منه وأكمل اسمُ الأول الوارد في النصوص الشرعية" (هامش ص214).



    يقول الدكتور مساعد: "وقبل أن أختم الحديث عن كتاب الجامع لعلم القرآن، أشير إلى كثرة نقل الرّمّانيّ للتّفسير الوارد عن السّلف، وهذا ممّا يُحسب له، وإن كان يؤخذ عليه عدم اعتماد عقيدتهم" (ص218، 219).



    ثالثاً: "المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز":



    "وبتتبُّع التفسير اللّغوي عند ابن عطية، وغيره من المفسرين، لا يظهر اختلاف بينهم في أصول مسائله: من الاستفادة من اللغة وشواهدها، غير أنّ التميّز قد يقع في كثرة الاعتماد وقلّته، وطريقة الأخذ باللغة والترجيح بها، وطريقة أداء معاني القرآن بما يطابقها من لغة العرب، وهو ما يسميه ابن عطية أحياناً بتحرير معنى اللفظ في لغة العرب" (ص221).



    "مفردات ألفاظ القرآن":



    "يظهر في تفسير الألفاظ عند ابن عطية، حرصه على تحرير معنى اللفظ في اللغة، خصوصاً إذا ورد تفسير السلف بغير مطابق اللّفظ، وله في ذلك براعةٌ وإبداع عجيب" (ص221) وذكر الدكتور مساعد نماذج متفرّقةً تدلُّ على ذلك.



    "المحتمِلات اللُّغويّة":



    "يُكثر ابن عطيّة من إيراد الاحتمالات التفسيرية في الآية، ومن تلك الاحتمالات ما يكون بسبب اللغة، وهو في أغلبها ينقل ما فسره المفسرون أو أهل اللغة" (ص230).



    "الترجيح باللّغة":



    "يكثر في ترجيحات ابن عطية، أن لا يذكُر فيها مستند الترجيح، بل يضعّف بعض الأقوال أو يُقوّيها دون أن يذكر سببَ ذلك، ومن ذلك ترجيحه لبعض الأقوال بسبب اللّغة" (ص233).



    "ويظهر اعتماد ابن عطية على اللغة في بيان التّفسير في مواطنَ كثيرةٍ، كتوجيه القراءات، أو بيان ضعف قولٍ، أو ترجيح معنىً على غيره، أو بيان خروج القول إلى رموزٍ وباطنٍ ليس من معهود ألفاظ القرآن، أو تفسيره بمصطلحاتٍ حادثةٍ، أو غير هذه من التطبيقات التي اعتمد فيها على اللّغة كثيراً" (ص233).



    "أثر الاعتقاد على تفسيره":



    "لقد كان ابن عطية أشعريّ المعتقد، ويظهر ذلك من تتبّع مسائل الاعتقاد التي طرحها في تفسيره، حيث سار فيها على هذا المعتقد، كما تجد في تفسيره نقولاً عن بعض كتب الأشاعرة، ككتاب الإرشاد إلى قواعد الأدلّة في أصول الاعتقاد، لأبي المعالي الجويني، ومن المسائل الاعتقادية التي ذكرها: 1- التوحيد، ...، وأنّ أول واجبٍ على المكلف النظرُ. 2- تقديم العقل على النقل. 3- التحسين والتقبيح. (ص 238). 4- مسائل الإيمان: ...، ومن أغرب المسائل التي تبناها في ذلك أنه استبعد وجود كفر العناد والجحود... 5- مسألة الكسب الأشعريّ... (ص239). 6- التّأويل، وقد نصّ على قاعدةٍ في التأويل، فقال: "التأويل لا يضطرّ إليه إلا في ألفاظ النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي كتاب الله، وأما في عبارة مفسّرٍ فلا" ولم يذكر ضابطاً فيما يُأوّل وما لا يُأوّل من النصوص، وإنما يرجع الأمر عنده إلى عقله الّذي يحكم بالتأويل هنا ولا يحكم به هناك" (ص240). "ومما وقع عنده في باب التأويل: تأويل الصفات الإلهية" (ص242). "هذا ولم يسلم ابن عطية من إيراد أقوال للمعتزلة، دون أن يرُدّها" وينقل عن ابن حجر أنّ ابن العرفة المالكي كان "يُبالغ في الحطّ عليه، ويقول: إنّه أقبح من صاحب الكشاف، لأنّ كلّ أحدٍ يعلم اعتزال ذلك فيتجنّبه، بخلاف هذا فإنه يوهم الناس أنه من أهل السنة" (ص243).



    ويذكر الدكتور مساعد أمثلةً كثيرةً، تدلّ على وجود "مشكلة الاعتقاد ثم الاستدلال لهذا المعتقد" (ص250) عند ابن عطية، يقول بعد أن ذكر موقفه من الإيمان الشرعي: "وهذه العقيدة المقرّرة من غير القرآن، السابقة لتفسيره له، جعلته يدخل إلى تفسير القرآن بمعتقداتٍ سابقة، فما وجد من ظواهر النصوص يخالفها سلّط عليها التأويل والمجاز، ليسلم له ما أصّله قبل من العقائد، والله المستعان والموفق" (ص253).



    كان هذا آخر ما كتبه الدكتور مساعد، في خصوص المصدر الأول من مصادر التفسير اللّغويّ الّذي هو كتب التفسير، وينتقل بعده، وننتقل معه بإذن الله إلى المصدر الثاني الّذي هو "كتب معاني القرآن"، وذلك في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (11)
    صلاح عباس فقير


    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (11)
    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.
    مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب معاني القرآن
    مقدّمة:
    في الحلقتين الماضيتين، تعرّفنا على المصدر الأول من (مصادر التّفسير اللّغويّ)، ألا وهو: كتب التّفسير، وفي هذه الحلقة بإذن الله نتعرّف على المصدر الثاني من المصادر الخمسة للتفسير، ألا وهو: كتب معاني القرآن، الّتي هي "من أوائل كتب اللّغويّين التي كان فيها مشاركةٌ مباشرة، في علم التّفسير"، وبمناسبة ذكر الأولويّة في هذا السياق، يتوقف الدكتور مساعد، ليُدلي بهذه الفائدة، يقول: "وظهر من استقراء تراجم اللّغويين وفهارس كتبهم ...
    أنّ الدرس النحويّ سابقٌ للدرس اللّغويّ... في أول عهد التّابعين؛ ... أمّا البحث اللّغوي، فلم يظهر إلا في عهد أتباع التّابعين...
    أنّ السّبق في التّأليف اللُّغويّ العام، وكذا المتعلّق بالقرآن، كان لأهل البصرة، كما كان لهم السبق في علم النحو. (ص256)
    أنّ كتب المعاني، وغيرها في البحث اللغوي، ظهرت في عصر أتباع التابعين"(ص257)، ثمّ يتساءل الدكتور عن:
    المراد بمعاني القرآن:
    أمّا في اللّغة، فيقول الراغب: "المعنى: إظهار ما تضمّنه اللّفظ... والمعنى يقارن التّفسير، وإن كان بينهما فرق" (ص258)، أمّا في الاصطلاح، فيقول الدكتور مساعد: "إذا تأمّلت كتب معاني القرآن، ... فإنك ستجد مباحث في العربية، تخرج عن مفهوم المعاني اللغوي، ككثير من المباحث النحويّة ... وغيرها. وإذا فرزتَ هذه الكتب، فإنك ستجد بعضها قد نُصّ في عنوانها على الإعراب، ... كتاب الفراء... تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه" (ص259). "ولعلّ هذا يُشير إلى أنّ أغلب من كتب في علم (معاني القرآن) كان يضمّ إليه علم (إعراب القرآن) إن لم يفرده بمؤلف، كما فعل النحاس، حيث جعل كتاباً لمعاني القرآن، قال فيه: قصدتُ في هذا الكتاب تفسير المعاني والغريب وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ عم المتقدمين من الأئمة، وأذكر من قول الجُلّة من العلماء باللغة وأهل النظر ما حضرني، وأُبيّن تصريف الكلمة" (ص260). "وجعل كتاباً آخر لإعراب القرآن، ... والقراءات التي تحتاج أن يَبين إعرابها"، ثمّ ذكر الدكتور سبق النحاس إلى هذا المسلك، فقال: "وقد يكون أول من فصلهما"(ص261).
    ثمّ ذكر الدكتور بعض النماذج من كتب معاني القرآن، ثمّ قال: "وإذا تأمّلتَ هذه الأقوال، وجدتَ منحاها لغويٌّ، ممّا يُشعر أنّ معاني القرآن بحثٌ لغويٌّ في بيان المراد في القرآن، ويتأكد هذا بما يأتي: أنّ أصحاب كتب معاني القرآن يذكرون أقوال المفسرين من السلف مصدّرين ذلك بقولهم: (قال أهل التفسير) (ص262) وما إلى ذلك، "ممّا يُشعر بأنّ ما يؤخذ عن هؤلاء المفسّرين شيءٌ لا يُمكن أخذه عن طريق اللّغة، وأنّ ما كان طريقه اللّغة، فإنه معاني القرآن" (ص263). وذكر عدة نماذج دالّة على هذا المعنى، منها "في قوله تعالى: {... حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...}محمد4، قال الزجاج: حتّى موصولة بالقتل والأسر، والمعنى: فقاتلوهم وأْسِروهم حتى تضع الحربُ أوزارها. والتّفسير: حتّى يؤمنوا ويُسلموا، فلا يجبُ أن تحاربوهم، فما دام الكفر فالجهادُ والحربُ قائمةٌ أبداً" (ص263).
    ولعلّنا نلحظ استناداً إلى هذا النموذج، أنّ ما لحظه الدكتور مساعد من جمعهم بين الإعراب والمعاني، ربما هو بناءً على اعتقادهم بأنّ المعاني إنّما تُعرَفُ بالإعراب، وهذا ما نراه في نموذج الزجاج أعلاه واضحاً، ويتأيّد ذلك بالملحوظة الثانية التي ذكرها الدكتور مساعد: "أنّ التخصص العلميّ لهؤلاء اللّغويّين قد طغى على بحوثهم، ... فإنّك ستجد أنّ أغلبها يقوم على البحث النحويّ والبحث اللّغوي" (ص264). ويتأيّد ذلك كذلك بالمعنى الّذي ذكره لمعاني القرآن أنّه "مصطلح يُراد به: البيان اللغوي لألفاظ وأساليب العربيّة الواردة في القرآن" (ص265).
    لماذا كتب اللّغويّون في معاني القرآن؟
    يذكر الدكتور مساعد أنّ القرآن "له أكبر الأثر على دارسي العلوم الإسلامية، من شرعيين ولغويين ونحاة وأدباء وبلغاء وغيرهم" وأمّا عن اللغويين، "فإنك ستجد أسباباً عامّة وأسباباً خاصّة منها:
    السبب الأول: التخصص العلمي:
    "بالنظر إلى الطرح اللّغوي في كتبهم تشعر أنّهم يريدون ملءَ فراغٍ في بحوثٍ لا تجدُها عند مفسري السلف، فخاضوا غمار البحث القرآنيّ من منظور لغويّ" (ص268). "ويدلّ على ذلك أمرانِ يظهران باستقراء كتب معاني القرآن: الأول: جدّة كثيرٍ من المباحث اللغويّة التي طرقها اللّغويّون، .. مما يجعلك تشعر أنّ اللّغويين يرون نقصاً في هذا الباب، فاجتهدوا في إتمامه لمكان تخصّصهم. الثاني: أنّ اللّغويين لم يعتبروا ما جاء عن السلف من تفسير لغويٍّ، حتّى جعلوا أقوالهم مقابل أقوال السلف" (ص269) ثمّ ذكر الدكتور نموذجاً من (معاني القرآن للفراء (1 :25) في تفسير (سورة البقرة: 29) وعلّق عليه بقوله: "في هذا النص ترى الفراء قد ذكر معاني استوى في لغة العرب، ثم ذكر قول ابن عباس، وجوّزه عربياً، ومع ذلك اختار قولاً غير قوله. ويُشعرُ هذا النصُّ وغيره باعتداد بعض اللّغويين بعلمهم، وعدم حرصهم على ما يؤثَر عن مفسري الصحابة والتابعين، حتّى إنهم يردّون قولاً وارداً عنهم ولا يعتدّون به" (ص270). ثمّ يقول: "وهذا منهج غير صحيح، إذ الوارد عن السلف في تفسير لغة القرآن حجةٌ يجب قبوله، وعدم العلم بالشيء لا يلزم منه إنكاره، كيف وقد روى الفراء هذا عن ابن عباس، ولو كان اعتبر عربيّته لما قال: ولم نجدها في العربيّة إلا على ما فسَّرتُ" (ص271).
    السّبب الثاني: المنافسة العلميّة بين البصريّين والكوفيّين (ص272):
    قال: "ويُستنبط من هذا أنّ هؤلاء العلماء كأنهم أرادوا بالتّأليف في معاني القرآن، إبراز مذهبهم النحوي الّذي ينتمون إليه، وهذا واضح جداً في كتبهم" (ص273). ومن ثمّ عمد الدكتور إلى استعراض ثلاثةٍ من الكتب المطبوعة في معاني القرآن:
    معاني القرآن للفرّاء:
    صدّر كتابه بقوله: "تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه"، قال: "ولا يخفى على المطّلع على هذا الكتاب ما للتخصص العلميّ لدى الفراء من أثرٍ عليه، حتى إنه ليكاد أن يكون قد اتّجه إلى تفسير النص القرآنيّ وجهةً عربيّةً؛ لإبراز مذهبه الكوفيّ في علوم العربيّة. ويمكن الاستشهاد على ذلك بما يأتي: أنّ جلّ مباحث الكتاب تتعلّق بعلم النحو" ولذلك، قال: "تجده كثيراً ما يفترض على النص القرآنيّ؛ ليُبيّن صحّة هذا الأسلوب الّذي افترضه... ومن ذلك: قال: {وقد أضلّوا كثيراً} يقول: هذه الأصنام قد ضلّ بها قومٌ كثيرٌ، ولو قيل: وقد أضلّت كثيراً، أو: أضللنَ، كان صواباً"، ثمّ يذكر أنّ هذا المنحى قد "أثّر في ذكر بعض الأوجه التي خولف فيها، كما كان له أثرٌ في عدم اعتماد قول المفسرين من الصحابة والتابعين في التّفسير اللّغويّ"(ص275). ثم ذكر نماذج ممّا خولف فيه، ومن عدم اعتماده قول السلف. ثمّ تحت عنوان "صور التفسير اللغوي في كتاب معاني القرآن" يذكر الصور التالية:
    "1-بيان دلالة الألفاظ" (ص284).
    "2- بيان لغات العرب وقولها." (ص285)
    "3-ذكر المحتملات اللّغويّة للنّص القرآنيّ" (ص288)
    "4- توجيه القراءات" (ص291)
    "5- الأسلوب العربي في الخطاب القرآني" (ص292)، وذكرَ مِن ذلك: "الخطاب بالمستقبل لأمرٍ قد مضى" (ص293)، "الجزاء عن الفعل بمثل لفظه، والمعنيان مختلفان" (ص295) "الاسمان المصطحبان: يُضمّ أحدهما إلى صاحبه، فيُسمّيان جميعاً به" (ص297).
    ثمّ يقف الدكتور ليتناول "أثر المعتقد في التفسير اللّغويّ عند الفرّاء" (ص298) ثمّ قال: "والفراء قد نُسب إلى الاعتزال" (ص299)، قال: "ويظهر أنّ هذه التهمة لم تنشأ من فراغ، لأنه جالس الخليفة العبّاسيّ المأمون، وألّف له، وكان المعتزلة ندماء الخليفة، وكانت صولتهم وقوة شوكتهم في عصره، فهل تأثّر بهم؟" (ص300)، ويذكر ما ذكره الفرّاء من سكناه مع بشر المَريسيّ في بيتٍ واحدٍ عشرين سنة، ثم ذكر من كتابه نماذج يُمكن أن يُستدلّ بها على براءته من الاعتزال، منها ردّه على من سمّاهم أهل القدر في عدّة مواضع، ثم قال: "وهذه النصوص وغيرها، تدلّ على أنّ الفراء لم يكن معتزليّاً، وإن وقع منه شيءٌ، فبسبب قربه منهم، ومخالطته لهم، والله أعلم" (ص303).
    معاني القرآن للأخفش:
    ذكر أنه "كتابُ نحوٍ وصرف... أما المعاني فلم تكن في كتابه كثيرةً، بل كانت قليلة جداً بالنسبة للكتاب" (ص305) ثم يذكر أنّه كان يُنسب إلى القول بالقدر، وذكر أمثلة ظهر فيها أثر الاعتزال عليه.
    معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج:
    قال في أول كتابه: "هذا كتابٌ مختصر في إعراب القرآن ومعانيه... وقال في موطنٍ من كتابه: ... أنّ كتابنا هذا يتضمَّن شرح الإعراب والمعاني" (ص314). ثم قال: "ولا يختلف الزجاج في ذكره لمسائل اللغة عن الذين سبقوه من اللغويين" (ص316).
    ثم وقف عند "أثر المعتقد على التفسير اللغوي عند الزجاج" فقال: "لقد وُصف الزجاج بأنه من أهل الفضل والدين، وأنه كان حسن الاعتقاد، جميل المذهب، ولما حضرته الوفاة، كان آخر ما سُمع منه: اللهم احشرني على مذهب أحمد بن حنبل" (ص323). وأورد ما ذكره أبو حيان الأندلسي من أنّ الزجاج معتزليّ، وردّ عليه بأن تتبّع المسائل الاعتزالية المشهورة، قال: "فألفيتُه يقول بقول أهل السّنة صراحةً" (ص324).
    وبذلك يكتمل كلامنا في هذه الحلقة، عن المصدر الثاني من مصادر التفسير اللغوي، وقد اختصرنا القول عند الكلام على كتابي الأخفش والزجاج، بناءً على ما فصّلنا عند الكلام على الفراء، لما بينهم من تشابه.
    وفي الحلقة القادمة بإذن الله، نقف عند المصدر الثالث من مصادر التفسير اللغوي، ألا وهو (كتب غريب القرآن).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (12)
    صلاح عباس فقير


    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (12)
    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.

    مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب معاني القرآن





    مصادر التّفسير اللُّغويّ: كتب غريب القرآن
    مقدّمة:
    في الحلقات الثّلاثة الماضية، تعرّفنا على المصدرين الأوَّل والثّاني من (مصادر التّفسير اللّغويّ)، ألا وهي: كتب التّفسير، وكتب معاني القرآن، في هذه الحلقة سنتعرّف بإذن الله على المصدر الثالث، ألا وهو كتبُ غريب القرآن، فما المرادُ بغريب القرآن؟
    المراد بغريب القرآن:
    يذكر الدكتور مساعد قول الخليل في كتاب العين: "الغريبُ: الغامض من الكلام"، ثم يقول: "وفي مدلول مادة (غرب) معنى البعد، فالغامضُ من الكلام يكون بعيداً عن الفهم والإدراك.
    أمّا معناه في اصطلاح كتب غريب القرآن، فيذكر الدكتور أنّه أوسع من ذلك، "إذ يُراد به تفسير ألفاظ القرآن تفسيراً لغويّاً" مدعّماً بالشواهد أو لا. "وألفاظ القرآن، على قسمين: قسمٍ يعرفه العامّة والخاصّة، كالسماء والأرض... وقسمٍ يحتاج في بيانه إلى أهل العلم، كالدُّلوك والسّرمد..."، ثمّ قال: "وقد تتجاوز بعضُ كتب غريب القرآن إلى غير الألفاظ، فتُبيّنها (ص329) كالمبهمات من الأعلام في الآي، وأسباب النزول وغيرها"، وهنا تثور هذه المسألة:
    مسألة: ما العلاقة بين كتب غريب القرآن، وكتب معاني القرآن؟
    يُجيب: "(غريب القرآن) جزء من علم (معاني القرآن)، لا ينفكّ عنه، لأنّه لا يمكن بيان المعنى دون معرفة مدلول الألفاظ"، فهي جزءٌ منه "وإن استقلت بالتأليف".
    فما هي أوّلُ كتب غريب القرآن؟
    بدأ ظهورها في عهد أتباع التابعين، يقول: "وقد نسب بعض الباحثين الّذين ذكروا كتب غريب القرآن، كتابةً في غريب القرآن لابن عباس"، وهي:
    "1 - غريب القرآن، لابن عباس، بتنقيح عطاء بن أبي رباح. (ص329).
    2 - مسائل نافع بن الأزرق، وقد جاوزت هذه المسائل المائتين وخمسين مسألة، وقد وردت من طرقٍ غير مرضيّة، فضلاً عمّا يدور حول كثرتها من الشك" (ص330). فيقول: "لا يصحّ نسبتها إلى ابن عباس، وفي الصحيح الوارد عنه غُنيةٌ... والعجيب أنّ هذه الرواية قد احتضنتها بعض كتب الأدب والحديث، ولم يكن لها ذكرٌ في كتب التفسير المتقدمة، ولا في كتب اللغة، مع أنها ألصق بهذين العلمين من غيرهما، ولا يبعد أن يكون لهذه الأسئلة أصلٌ، إلا أنّها لم تكن بهذه الكثرة التي أوردها الرّواة، وهذه المسائل تحتاج إلى نقد المتون بعد نقد الأسانيد....".
    3 - رواية عليِّ بن أبي طلحة، وقد عنون لها محمود السّيد الدُّغيم بـ (غريب القرآن)، ...، ويظهر أنّ هذا من تصرُّفه، اعتماداً على ما أورده السيوطي في حديثه عن علم غريب القرآن..." (ص331).
    ثمّ يقول: "وقد كان ابتداء التأليف في علم غريب القرآن، في النصف الثاني من القرن الثاني، أي في عهد أتباع التابعين، وممّن ذُكِر له تدوينٌ فيه: زيدُ بن عليٍّ، وأبان بن تغلب، وفي النفس شيءٌ من هذين الكتابين (ص332) ... وما وجدته منقولاً عن زيد بن عليٍّ يخالف ما ورد في غريب القرآن المطبوع المنسوب إليه"(ص333). هذا، ويُعدّ كتابُ مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى البصريّ، أولَ كتابٍ مطبوع من كتب غريب القرآن، بل لا يبعد أن يكون أول كتابٍ للُّغويّين يتعلّق بتفسير القرآن، نظراً للحملة الاستنكارية التي قامت عليه، مما يدلّ على أنه بدعٌ في التأليف في هذا المجال"، قال: "وسأبسط القول في ثلاثةٍ من كتب غريب القرآن": (ص334)
    أولاً: مجاز القرآن لأبي عبيدة:
    يقول: "ذُكر لأبي عبيدة أسماء كتب، وهي: غريب القرآن، ومعاني القرآن، وإعراب القرآن، ومجاز القرآن، ويظهر أنّ هذه العناوين اسمٌ لكتابٍ واحد، وعُبّر عنه بما فيه من هذه الموادّ العلميّة... إذ فيه غريبٌ كثير، وشيء من علم المعاني، وعلم النحو" (ص335).
    ثمّ قال: "والمجاز عند أبي عبيدة: ما يجوز في لغة العرب من التعبير عن الألفاظ والأساليب، وليس المجاز الاصطلاحي عند البلاغيين، وهذا ظاهرٌ من كتابه". ثم يقول: "لقد كانت وجهة أبي عبيدة في كتابه (مجاز القرآن) واضحةً، حيث أراد تفسير القرآن تفسيراً عربيّاً"، ويذكر الدكتور ما يُشير إلى أنّ دافع أبي عبيدة إلى تأليف هذا الكتاب هو الردّ على من يزعم بأنّ في القرآن لغاتٍ غير العربيّة. ثم تناول بعض صور التفسير اللغويّ الواردة في كتاب مجاز القرآن: وهي: "بيان المفردات وشواهدها" (ص338) "الأساليب العربية في الخطاب" (ص341) "توجيه القراءات" (ص345).
    ثمّ يذكر أنّ أبا عبيدة قد تعرّض للنقد بسبب منهجه اللّغويّ، من حيث "أنّ اعتماده على المنقول من التفسير، كالسنة النبوية، وآثار السّلف، وأسباب النزول، وقصص الآي كان قليلاً جدّاً" (ص347). يقول: "ويبدو أنّ ثقافته اللّغوية الثّريّة أحدثت عنده اعتداداً بعلمه، ...، حتى إنك لا ترى أثراً للنقل عن المتقدّمين من علماء السلف واللغويين"، ثم يورد قول تلميذه أبي عمرو الجرمي، أنّه سأله: "عمّن أخذتَ هذا يا أبا عبيدة؟ فإنّ هذا خلاف تفسير الفقهاء؟ فقال لي: "هذا تفسير الأعراب البوّالين على أعقابهم، فإن شئتَ فخذه، وإن شئتَ فذره" (ص348). ويذكر أنّ هذا المنهج أوقعه في بعض التفسيرات التي لا تصحُّ، كما أوقعه في ردّ بعض الوارد عن السَّلف! فلذا كان عُرضةً للنقد! (ص349).
    ثم يذكر أنّ أبا عبيدة اتّهم بالخروج والاعتزال، "فهل ظهر منه في كتاب مجاز القرآن ما يعضد هذا الاتهام؟" (ص357) قال: "وقد تفحصتُ كتابَ أبي عُبيدة، فلم أجد فيه شيئاً من هذه العقائد"، وذكر روايةً تُشير إلى أنّه ربما كان يُبطن الخروج! (ص359).
    ثانياً: تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة:
    ذكر الدكتور مساعد نصوصاً لابن قتيبة من مقدمة كتابه ومن غيرها، واستنتج من ذلك: "أنّ ابن قتيبة خصّ معاني القرآن بكتابه (تأويل مشكل القرآن) وخصّ الغريب بكتابه (تفسير غريب القرآن)... أنّه اعتمد في كتابه على من سبقه من مفسري السلف وأهل اللغة... ابن عباس وقتادة ... ثم مجاهداً، ثم الحسن البصري... اعتمد على أبي عبيدة آخذاً من كتابه (مجاز القرآن) وعلى الفراء... وقد أكثر الأخذ عنهما دون أن ينص على ذكرهما" (ص364).
    ثالثاً: غريب القرآن لأبي بكر محمد بن عُزَيز السجستاني:
    يذكر الدكتور مساعد أنّ هذا الكتاب، قد لقي شهرةً واسعة وقبولاً حسناً عند العلماء، وأنّ مؤلفه كان "قد قرأ جزءاً من كتابه على شيخه أبي بكر محمد بن القائم بن بشار الأنباري.
    وأنّ نهجه يتمثل في: ترتيبه على حروف المعجم ألفبائيّاً، وجعل كلّ حرفٍ على ثلاثة أقسام: المفتوح ثمّ المضموم، ثم المكسور، (ص377) وأدخل حروف الزوائد في موادّ الكلمات دون إرجاعها إلى أصلها الاشتقاقي، وكان أبو عبيدة معتمده الأول، ثمّ قال: "وليس في كتاب ابن عُزيز ما يمكن إضافته إلى الظواهر اللغوية في التفسير التي وجدت عند سابقيه من كتب غريب القرآن سوى اهتمامه بالوجوه والنظائر، في بعض الألفاظ القرآنية" (ص378).
    ملحوظات عامّة تتعلّق بعلم الغريب:
    وموجزها "أنّ ترتيب هذه الكتب سار على أسلوبين": ترتيب الآيات القرآنية، وترتيب الحروف، والّذين أتوا من بعد ابن عُزيز ساروا على ترتيب الحروف، لكن بحسب أصل الكلمة، كما هو معروف في معاجم اللُّغة، ومن أمثلها كتاب الراغب الأصفهانيّ، الّذي هو "من أوسع كتب غريب القرآن وأحسنها" (ص384). وهي أنفعُ لأنها أٌقرب إلى فكرة الوجوه والنظائر التي كتب فيها مفسّرو السلف. وأن بعض العلماء جمع بين غريبي القرآن والحديث، وأن من كتب بعد استقرار اللغة، لم يأتِ بجديد يُذكر في المعاني، وأدخل الراغب شيئاً من كلام الحكماء ويعني بهم الفلاسفة، ولم يسلم غالب المتأخرين من تأثير المعتقدات المخالفة لأهل السنة.

    وبذلك يكتمل كلامنا في هذه الحلقة، عن المصدر الثالث من مصادر التفسير اللغوي.
    وفي الحلقة القادمة بإذن الله، نقف عند المصدر الرّابع، ألا وهو (كتب معاجم اللّغة).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ

    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (13)
    صلاح عباس فقير




    فوائد من كتاب التّفسير اللُّغويّ (13)








    الكتاب: التَّفسير اللُّغويُّ للقرآن الكريم.
    المؤلف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطَّيَّار.
    الناشر: دار ابن الجوزيِّ، 1422، ط 1.




    المصدران الرّابع والخامس من مصادر التّفسير اللُّغويّ



    مقدّمة:



    في الحلقات الماضية، تعرّفنا على ثلاثةٍ من (مصادر التّفسير اللّغويّ)، ألا وهي: كتب التّفسير، وكتب معاني القرآن، وكتب غريب القرآن، وفي هذه الحلقة سنتعرّف بإذن الله على المصدرين الرّابع والخامس، وهما على التوالي: كتبُ المعاجم اللّغويّة، و"كتب أخرى لها علاقة بالتفسير اللّغويّ".



    أولاً: كتب المعاجم اللغوية:



    مقدّمة عامّة في التعريف بالمعاجم اللّغويّة:



    يذكر الدكتور مساعد، أنّ المعاجم اللُّغويّة قسمان:



    "الأوّل: كتب اعتمدت على الموضوعات اللّغويّة، أي جمع الألفاظ اللّغويّة التي تتعلّق بموضوع واحد، ... ككتاب الأضداد، ... وكتاب الأنواء..



    الثّاني: كتب اعتمدت على الحروف الهجائية، في ترتيب أبوابها... وهذا القسم هو الّذي ستكون الدراسة فيه، لأنه أكثر تعرّضاً لألفاظ القرآن من سابقه..." (ص388).



    قال: "وسأتحدث في هذا الشأن عن ثلاثة كتبٍ، من كتب المعاجم التي سارت في ترتيبها على الحروف".



    أولاً: كتاب العين:



    يذكر الدكتور مساعد، أنّ بعض العلماء قد شكّكوا في نسبة هذا الكتاب إلى الخليل بن أحمد، من رواية تلميذه اللّيث بن المظفر، ثمّ قال: "وبتصفّح الكتاب، ظهر لي ما يأتي:



    1- أنّ فيه إبداعاً يُناسب عقل الخليل بن أحمد. (ص390)



    2- أنّ الليث قد أدخل عليه تعليقات وسماعاتٍ سمعها من الأعراب، ...



    3- أنّ هناك تعليقات أُدخلت على نصّ كتاب العين من غير اللّيث، ... ولهذا نجد في كتاب العين أسماء أشخاصٍ كانوا بعد الخليل بزمنٍ...



    ويبدو –والله أعلم- أنّ أصل الكتاب للخليل بن أحمد، وأنّ عليه زيادات" (ص391).



    ويتعجب الدكتور من "ناقدي كتاب العين، من معاصريه ومَن بعدهم، لم يُشيروا إلى إمامة كتاب العين في التَّصنيف على حروف المعجم، ..."



    ثم يقول: "ولما كان كتاب العين، معجماً يسير على الحروف، فإنّ منهجه في التفسير، له شبهٌ بكتب غريب القرآن، التي تذكر اللّفظ القرآنيّ، ثمّ تبيّن معناه".



    من صور تفسير ألفاظ القرآن في كتاب العين:



    "أولاً: بيان معنى اللفظة القرآنية، دون ذكر شاهدٍ عليها:" (ص392)



    ثانياً: الاستشهاد بالشِّعر على معنى اللّفظة القرآنيّة:



    ثالثاً: تفسير ألفاظٍ قرآنيّةٍ دون ذكر الآية:



    رابعاً: توجيه القراءات" (ص396).



    ثانياً: كتاب جمهرة اللّغة:



    "ألّف أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد كتابه، إملاءً... ومع تأخر زمنه فإنك لا تكاد تجد في كتابه نقلاً عن عالم لغة كوفيٍّ، ...، وقد يكون إهماله النقل عنهم سبباً من أسباب نقد معاصره نفطويه الكوفيّ وتلميذه الأزهريّ، قال الأزهريّ: "وممّن ألف في عصرنا، ووُسم بافتعال العربية (ص397) وتوليد الألفاظ التي ليس لها أصول، وإدخال ما ليس من كلام العرب في كلامهم: أبو بكر محمد بن الحسن دريد الأزدي... وتصفحت كتاب الجمهرة له، فلم أره دالاً على معرفةٍ ثاقبة، ..." وعلّق الدكتور في الهامش قائلاً: "وهذا الكلام فيه تحامل على ابن دُريد، وقد يكون الأزهريّ متأثرا بنقد شيخه نفطويه الكوفي، ونفطويه من أقران ابن دريد البصريّ" (ص398).



    ولا يختلف ابن دريد عن الخليل، من حيث صور التفسير في كتابه، ولك يقول الدكتور: "لقد برزت لي أثناء قراءة كتاب جمهرة اللغة ظاهرة تحرّز ابن دُريد في التّفسير، بل في نقل اللّغة كذلك"، فكان يُنهي نقله أو كلامه بعبارة: "والله أعلم بكتابه"، ويُكثِرُ من نسبة التفسير إلى غيره، ويتوقّف في أحيانٍ أخرى عن الإدلاء بشيءٍ! ثم يقول الدكتور مساعد: "ولا يخفى على من يقرأ كتب ابن دريد، ما كان لأبي حاتم (ص407) السجستاني من منزلةٍ وأثرٍ عليه، وقد كان مُكثراً من النقل عنه، والاعتماد عليه، وجائز أن يكون تأثّر به في هذا التورع في التفسير والله أعلم" (ص408).



    ثالثاً: كتاب تهذيب اللُّغة:



    "ألّف أبو منصور محمد بن أحمد الأزهريّ كتابه ... بعد بلوغه سبعين سنةً، كما يُفهم من قوله: "وكنت منذ تعاطيتُ هذا الفنّ في حداثتي، إلى أن بلغت السبعين، مولعاً بالبحث عن المعاني والاستقصاء فيها، وأخذها من مظانّها، وإحكام الكُتب التي تأتّى لي سماعها من أهل الثّبت والأمانة"



    قال: "وممّا يتميّز به هذا الكتاب عن كتاب العين وكتاب جمهرة اللّغة، ما يأتي:



    1- كثرة موادّه اللغوية وكثرة مراجعه...



    2- أنّه أوسع ممن تقدّمه في عرض التّفسير... (ص410).



    قال: "وقد ظهر في كتابه، وهو معجم لغويّ في مفردات الألفاظ، ظهر اهتمامُه بالمعاني، فتراه يشرح الآية متعدّياً بذلك دلالة اللّفظ" (ص414).



    أمّا صور التفسير اللفظيِّ في كتابه، فقد جاءت على النحو التالي:



    1- تفسير الألفاظ مع ذكر الشاهد. ...(ص416)



    2- تفسير الألفاظ بدون ذكر الشاهد. ...(ص417)



    3- توجيه القراءات... (ص419)



    أثر المعتقد في التفسير اللّغوي في كتاب تهذيب اللّغة:



    يقول في خلاصة كلامه تحت هذا العنوان: "وهذه الأمثلة وغيرها مما لم أنقله، تبيّن صحة معتقد الأزهريّ، وأنه كان على منهج السّلف، لذا لم تظهر عنده تلك الانحرافات التي تعتمد على سعة اللّغة، لإثبات صحّتها، والله الموفق." (ص429).



    ثانياً: كتب أخرى لها علاقة بالتّفسير اللُّغويّ:



    يذكر الدكتور الباحث أنّ العلوم الإسلاميّة، علوم مترابطة في البحث، يقول: "ولما كان الأمر كذلك، فإنك ستجد بعض الكتب، وإن كانت في الظاهر لا تمُتُّ إلى علم اللّغة العربيّة بصلةٍ واضحةٍ، ستجدها تتعرّض لمسائل في علم اللغة، ... سأذكر مثالاً لهذا الأمر، وهو كتاب "السيرة النبويّة" لابن هشام، وقد لاحظت فيه اهتمام مؤلفه بتفسير ألفاظ الآياتِ التي يوردها، وبذكر الشواهد(ص432) الشعرية لها، وقد أحصيتُ له أكثر من مائة مفردةٍ قرآنية، قام ببيان معناها، واستشهد لكثيرٍ منها بأشعار العرب" (ص433)، مستفيداً في ذلك من شيوخه البصريّين في اللّغة، وخاصّةً أبو عبيدة معمر بن المثنَّى.



    أما الكتب التي كُتبت في علومٍ أخرى، ولها علاقة بالتفسير، فهي: كتب غريب الحديث، كتب الاحتجاج بالقراءات، كتب شروح دواوين الشعر، كتب الأدب، قال: "وسأذكر أمثلةً من كتب هذه العلوم:



    أولاً: كتب غريب الحديث:



    قال: "وقد طُبع في هذا العلم، كتابُ أبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب ابن قتيبة، وكتاب إبراهيم الحربيّ، وكتاب الخطّابي، وغيرها." (ص435).



    ثانياً: كتب الاحتجاج للقراءات:



    "الاحتجاج للقراءة: تخريج ما جاء في القرآن، وبيان وجهه في كلام العرب، وقد يكون بيانَ طريقة أداء، أو تصريفِ كلمةٍ، أو إعرابٍ، أو بيان معنىً. والّذي يخص التفسير اللغويّ من علم الاحتجاج للقراءة، ما يتعلق ببيان المعنى، ويقع ذلك –في الغالب- حينما يرد في الآية قراءتان مختلفتان في النطق، ويكون لكلّ واحدةٍ منهما معنىً يخالف معنى القراءة الأخرى" (ص441).



    ثالثاً: شرح دواوين الشعر:



    قال: "لأنّ الشارح يعمد إلى ألفاظ شعر الشاعر، ويبين معانيها، ولو جمعت شروح هذه الألفاظ؛ لكوَّنت معجماً يُرادف المعاجم الموجودة".



    رابعاً: كتب الأدب:



    "تشتمل كتب الأدب، على عدة مصنفات، ككتب الأمالي، وكتب مجالس العلماء، وغيرها، وقد قمت بقراءة بعضٍ منها، ... ككتاب البيان والتبيين، .. والكامل في الأدب...، ومجالس ثعلب، والزاهر في معاني كلمات النّاس، لابن الأنباريّ، وأمالي أبي علي القالي، وغيرها" (ص448).



    بهذا نصل إلى ختام الكلام عن مصادر التفسير اللّغويّ، وفي الحلقة القادمة بإذن الله تعالى، نتناول الباب الثَّالث والأخير من أبواب هذا الكتاب، ألا وهو "آثار التفسير اللّغوي وقواعده".





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •