فكر مختلف وعطاء مختلف
عبدالغني حوبة























ومع إطلالة فجر جديد لمعت بذهني إشراقةٌ فدوَّنتُها، ثم ما لبثت أن نسجت خيوطَها يومًا بعد يوم، فلما رأيتُ أنها نضِجتْ نوعًا ما، أردتُ أن أصوغَها بعنوان عميق وبرَّاق، فألهمني الله تبارك وتعالى إلى هذه الصياغة: "فكر مختلف وعطاء مختلف".













إن حياة الإنسان المسلم رسالةٌ نبيلة راقية، ثلاثية في أبعادها: فهي تُنظِّم علاقة الفرد بربِّه، وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع غيره من البشر والكائنات، ربَّانيَّة في تصوُّرها، فهي حياة تسير وَفْق منهج ربانيٍّ، وهدفها الأسمى هو تحصيل رضوان الله سبحانه وتعالى، فهذا من أنبل المقاصد التي يسعى المؤمن لنيلها، ولا يكون ذلك إلا بالإخلاص والاستقامة، والإيثار والتضحية، فنحن - إخواني - قدوةٌ لغيرنا شئْنا أم أبيْنا، فإما أن نكون مشعلًا للنور والهداية، أو سببًا من أسباب الزيغ والغَواية.













إن المؤمن الحصيف لَيُدركُ بأن هناك صلةً وطيدةً بين فكر الإنسان وعطائه، فكلما كان الذهن مُتَّقِدًا، والعقل مشتعلًا، والرُّوح مشرقة، كان العطاء مُثمرًا، والإنجاز غزيرًا، والإضافة نوعية.













إخواني الكرام:






إن ما يتوقع المرء من نفسه، وما ينتظره الآخرون منه، إنما يُبنى أساسًا على تجديد الفكر الذي يثمر تجويد العطاء، فالتفكير هو بداية رحلة التغيير، وإصلاح الذات هي مقدمة لكل الإنجازات؛ قال الله تعالى مُبيِّنًا ذلك: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].













فنحن في حاجة ماسة لتغيير أحوالنا، ولا يكون ذلك إلا بإصلاح أنفسنا وعقولنا وأفكارنا أولًا؛ كي نتمكَّن من التغلب على شهواتنا وملذَّاتنا، ونرتقي بإنسانيتنا وذوقنا وقيمنا، حينئذٍ نصبح أهلًا لتوفيق الله، فيكرمنا بأن نكون أصحاب رسالة، وروَّادَ إصلاح، ورجالَ علم، وفُرسانَ دعوة، هنالك ينبِض القلب من جديد، فتعود الرُّوح للجسد، فيرجع العبد إلى مولاه، يُحبُّه ويرجوه ويخشاه، ويهتدي المجتمع بالقدوة الحسنة، والدعوة الحكيمة، كلُّ هذا يقودنا للتساؤل الذي طرحه ناس كثيرون: ما هو سرُّ الأثر الذي يُحدثه الإنسان في حياته؟













قد تتوافر كلُّ ظروف الإبداع وشروطه لإنسانٍ ما، فلا يستفيد منها، ولا يُقدِّم للإنسانية شيئًا، في حين تجد آخَرَ قليل الوسائل والإمكانات، لكنه يُوفَّق في التأثير على الناس، وحثِّهم على الخير، فما هو إذًا الذي صنَعَ الفارق بين هذا وذلك؟













الفارق بينهما يكمُن في نوعية الرؤية والأهداف، تأمَّلْ معي - أخي العزيز - فلما اختلفت رؤية الذباب والنحل للآخرين، وتنوَّعت أهدافُهما، نتج عن ذلك اختلاف في التعامُلات والإنجازات، فالذباب لا يرى إلا الأوساخ، والمحصلة أنه لا يقع إلا على الجرح، والنحل لا يشاهد إلا طيبًا فلا يقع إلا على الطيب، فكانت المخرجات طيِّبة؛ قال تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69].













وختامًا، أهمس في آذانكم فأقول وبالله التوفيق: فكِّروا بطرق مختلفة، تكُنْ عطاءاتُكم حتمًا مختلفة، ألَا فثمِّنوا الجهود ولا تطمروا الإبداعات، أَضيفوا شيئًا في حياتكم، وأَحدِثوا الفرق في حياة غيركم، ساعدوا الآخرين على النجاح، وافرحوا لتفوُّقِهم، فهو إضافة لكم ولمجتمعكم، استثمروا في الإمكانات والطاقات التي وهبكم ربُّكم إياها، ضعوا بصمتكم المتفرِّدة في حياتكم، وهي لمستكم الشخصية التي ستبقى أبد الدهر شاهدةً على مروركم المثمر، لا تتوقَّفوا واستمروا في تحسين أنفسكم وتطوير ذواتكم حتى تنقضي أنفاسكم المعدودة، أسعِدوا أنفسكم وأسعدوا أهليكم، فالسعادة شعور فيه مشاركة تتقاسمونه مع إخوانكم، ترقَّوا في تزكية نفوسكم؛ فليس هناك شيء أعظم من إصلاح فساد الطويَّة، ورداءة الدِّخْلَة، ومغالبة الطبع، هنالك يُكتب لكم - بإذن الله - القَبول، ويُرجى لأمثالكم الوصول، وصلِّ اللهم على محمد النبيِّ الرسول.