تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 152

الموضوع: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (41)



    من وسائل الصحابة في خدمة السنة
    تبليغ الحديث ومن صوره:
    ب/ مجالس الإملاء:
    كما اتخذ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - مجالس للتحديث، اتخذوا كذلك مجالس للإملاء يملون فيها على تلاميذهم أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
    فعن هشام بن عمار حدثنا معروف الخياط، قال:" رأيت واثلة بن الأسقع يملى على الناس الأحاديث، وهم يكتبونها بين يديه" (1).
    ج/ الخطب:
    لقد كانت خطب الجمعة والعيدين وأنواع شتى من الخطب في مناسبات أخرى، وسيلة من وسائل تبليغ السنة، إذ من البديهي أن يستدل الصحابي في خطبته بالقرآن والحديث، ويسمع منه الجمع الكثير الذي يحضر للصلاة.
    فمن ذلك: ما رواه أوسط بن إسماعيل – ويقال ابن عامر – البجلي، قال: خطبنا أبو بكر -رضي الله عنه-، في رواية بعدما قُبِض النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنة – فقال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقامي هذا عام الأول، وبكى أبو بكر فقال:" سلوا الله المعافاة، عليكم بالصدق، فإنه مع البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور، وهما في النار، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا ،ولا تدابروا، وكونا إخواناً كما أمركم الله".(2)
    وعن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-على المنبر، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه". (3)
    وعن سعيد بن المسيب قال: سمعت عثمان يخطب على المنبر، وهو يقول: كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو قينقاع، فأبيعه بربح فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:" يا عثمان، إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكل".(4)
    وعن ربعى بن حراش، أنه سمع عليا -رضي الله عنه- يخطب يقول، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" لا تكذبوا عليّ، فإنه من يكذب عليّ يلج النار".(5)
    وخطب الصحابة -رضوان الله عليهم- التي ضمنوها رواياتهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جداً.
    وهكذا كانت الخطب وسيلة مهمة من وسائل تبليغ السنة، وأدائها للأجيال التالية.





    (1) - أخرجه الخطيب في الجامع( 2/56 رقم 1167)، وعزاه السيوطي في التدريب( 2/105) لابن عدي والبيهقي في المدخل، وذكره في السير( 3/386).
    (2) - أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية، رقم( 3849)، وأحمد في المسند( 1/3-7)، والحميدي في المسند( 1/3-6 رقم 2-7)، والبخاري في الأدب المفرد رقم
    ( 724)، وابن حيان في صحيحه، انظر: الإحسان( 13/43 رقم 5734). وأخرجه مختصراً: الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب سلوا الله العفو والعافية، رقم( 3558) وقال: حسن غريب من هذا الوجه عن ابي بكر، والحاكم في المستدرك( 1/529)، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
    (3) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، رقم( 1) وفي مواضع متعددة، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم" إنما الأعمال بالنيات" رقم( 4927).
    (4) - أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب التجارات، باب بيع المجازفة، رقم( 2230)، وأحمد في المسند( 1/62، 75)، والبيهقي في السنن الكبرى( 5/315).

    (5) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم( 106)، ومسلم في صحيحه، المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم( 2).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (42)

    من وسائل الصحابة في خدمة السنة

    تبليغ الحديث ومن صوره:
    د/ الفتيا:
    لقد كانت فتاوى الصحابة وإجاباتهم على أسئلة سائليهم وسيلة من وسائل تبليغ السنة وأدائها ونشرها، ذلك أنهم كانوا إذا سُئِلوا أو استفتوا حرصوا على أن يبينوا مأخذ فتواهم، وأن يذكروا دليل إجابتهم، بل ربما كان الجواب على السؤال مجرد رواية الحديث فقط.
    وقد حرص الصحابة على غرس ذلك المنهج في نفوس تلاميذهم، فعن الضحاك الضبي قال: لقى ابن عمر جابر بن زيد في الطواف، فقال: يا جابر: إنك من فقهاء أهل البصرة، وإنك ستستفتي، فلا تفتين إلا بقرآن ناطق، أو سنة ماضية، فإنك إن فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت.(1)
    وهاك بعض الأمثلة من إجابات بعض الصحابة وفتاواهم بذكر مروياتهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسألة المطروحة أو القضية محل الفتوى.
    عن أنس بن سيرين قال: سألت ابن عمر، قلت: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة، أأطيل فيهما بالقراءة ؟ قال:" كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة" قال: قلت: إني لست عن هذا أسألك، قال:" إنك لضخم، ألا تدعني استقرئ لك الحديث ؟ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة، ويصلي ركعتين قبل الغداة كأن الأذان بأذنيه" (2).
    والوصف بالضخامة إشارة إلى الغباوة والبلادة وسوء الأدب، قالوا: لأن هذا الوصف يكون للضخم، وإنما قال ابن عمر له ذلك لأنه قطع عليه الكلام، وأعجله قبل تمام حديثه، وقوله:" كأن الأذان بأذنيه" إشارة إلى تخفيفها بالنسبة لسائر صلاته، والمراد بالأذان: الإقامة (3).
    وعن زيد بن جبير قال: سمعت رجلاً سأل ابن عمر عن بيع الثمرة ؟ فقال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها"(4).
    وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-، أنه سُئِل عن كسب الحجام، فلم يقل فيه حلالاً ولا حراماً.
    قال:" قد احتجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حجمه أبو طيبة، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم– يعني أهله – فخففوا عنه من غلته، أو من ضريبته، وقال: خير ما تداويتم به الحجامة، والقسط البحري (5)، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز" (6).
    وعن سعيد بن أبي الحسن البصري قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما-، إذ أتاه رجل، فقال يا ابن عباس، إنما أنا رجل معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير ؟ فقال ابن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، سمعته يقول:" من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً"، قال: فربا الرجل ربوة (7)، شديدة، واصفر وجهه، فقال له ابن عباس:" ويحك ! إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيئاً ليس فيه روح" (8).
    وعن زهدم بن مضرب الجرمي قال: كنا عند أبي موسى، فأتى بلحم دجاج، وعنده رجل من بني تيم الله أحمر، كأنه من الموالى، فدعاه الطعام، فقال: إني رأيته يأكل شيئاً فقذرته، فحلفت ألا آكل، فقال: هلم فلأحدثكم عن ذلك: إني أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفر من الأشعريين، نستحمله، فقال:" والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم"، وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بنهب إبل(9) فسأل عنا، فقال:" أين النفر الأشعريون ؟" فأمر لنا بخمس ذود غر الذرى (10)، فلما انطلقنا قلنا: ما صنعنا ؟ لا يبارك لنا، فرجعنا إليه، فقلنا: إنا سألناك أن تحملنا، فحلفت ألا تحملنا، أفنسيت؟ قال:" لست أنا حملتكم، ولكن الله حملكم، وإني – والله – لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" (11).
    هذا وقد كان هذا الصنيع من الصحابة- تحملا أداء - هو الأساس الذي سار عليه معظم علماء الأحاديث بعد ذلك في وضع قواعد التحمل والأداء التي اصطلحوا عليها فيما بعد.



    (1) - أخرجه أبو نعيم في الحلية( 4/142) وسنده ضعيف لأن الضحاك الضبي مجهول، روى عنه الكوفيون، انظر: الجرح والتعديل( 4/462)،وميزان الاعتدال( 2/327). وجابر بن زيد الأزدي البصري، روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، قال فيه ابن عباس: لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما من كتاب الله. انظر: تهذيب التهذيب
    ( 2/38)، حلية الأولياء( 3/86).
    (2) - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الليل مثنى مثنى، رقم( 1761) وأخرجه بدون المراجعة البخاري في صحيحه، كتاب الوتر، باب ساعات الوتر، رقم( 995).
    (3) - انظر: شرح النووي على مسلم( 6/32-33).
    (4) - أخرجه أبو يعلى بإسناد صحيح( 10/82 رقم 5719).
    (5) - القسط: بضم القاف: عود هندي، وعربي، معروف في الأدوية، طيب الريح، تبخر به النفساء والأطفال، وهو مدر نافع للكبد والمغص والدود وحمى الربع شربا، وللزكام والنزلات والوباء بخوراً، وللبهق والكلف طلاء. انظر: النهاية( 4/60)، القاموس المحيط ص 881.
    (6) - الغمز: العصر والكبس باليد. النهاية( 3/385)، والحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده( 6/403، 404 رقم 3758) بإسناد صحيح.
    (7) - ربا الرجل: أصابه نفس في جوفه، وهو الربو والربوة، وقيل معناه: ذعر وامتلأ خوفا.( فتح الباري 4/416).
    (8) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع التصاوير التي ليس بها روح، رقم( 2225)، ومسلم في صحيحه، كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم( 5540).
    (9) - نهب الإبل: أي غنيمة إبل، والنهب: الغنيمة. انظر: القاموس المحيط( ص 179).
    (10) - الذود من الإبل، ما بين السنتين إلى التسع، وقيل ما بين الثلاث إلى العشر، واللفظة مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها كالنعم، النهاية( 2/171).

    (11) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فرض الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين، رقم( 3133).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (43)



    مراتب الصحابة في الرواية والفتيا

    ذكرنا فيما مضى كيف أن وسائل الصحابة في تبليغ السنة قد تعددت، وأنهم قد بذلوا جهودا مشكورة في هذا الباب، ومع ذلك نجدهم يتفاوتون في الرواية والفتيا، فليسوا فيهما على مرتبة واحدة، بل مراتب مختلفة، فمنهم المقل، ومنهم المكثر.

    روى أبو خيثمة عن مسروق قال:"جالست أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانوا كالإخاذ (1)، يروى الراكب، والإخاذ يروى الراكبين، والإخاذ يروى العشرة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وإن عبدالله من تلك الإخاذ" (2).
    وروى أيضا عن عبدالله قال:" لو أن علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وضع في كفة الميزان، ووضع علم أهل الأرض في كفة، لرجح علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-"(3).

    المكثرون من الصحابة في الرواية:
    المكثر في الرواية من بلغت مروياته ألف حديث فأكثر، والصحابة المكثرين في الرواية سبعة هم على النحو التالي:
    1- أبو هريرة -رضي الله عنه-، روى عنه( 5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا، حسب مسند بقى من مخلد، وله في مسند أحمد( 3848)،واتفق الشيخان له على( 326) وانفرد البخاري برواية( 93) ومسلم برواية( 98) حديثا.
    2- عبدالله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، روى عنه( 2630) ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثاً، وله في مسند أحمد( 2019) واتفق الشيخان له على( 168) وانفرد البخاري برواية( 81) ومسلم برواية( 31) حديثاً.
    3- أنس بن مالك -رضي الله عنه-، روى عنه( 2286) ألفان ومئتان وستة وثمانون حديثاً، وله في مسند أحمد( 2192)، واتفق الشيخان له على( 180) وانفرد البخاري برواية( 80) ومسلم برواية( 90) حديثاً.
    4- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، روى عنها( 2210) ألفان ومئتان وعشرة أحاديث ولها في مسند أحمد( 1340) واتفق الشيخان لها على( 174) وانفرد البخاري برواية( 54) ومسلم برواية( 69) حديثاً.
    5- عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنهما-، روى عنه
    6- ( 1660) ألف وستمائة وستون حديثاً، وله في مسند أحمد( 1696) واتفق الشيخان له على( 75) وانفرد البخاري برواية( 120) ومسلم برواية( 9) أحاديث.
    7- جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، روى عنه( 1540) ألف وخمسمائة وأربعون حديثاً، وله في مسند أحمد( 1206) واتفق الشيخان له على( 58) وانفرد البخاري برواية( 26) ومسلم برواية( 126) حديثاً.
    8- أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري -رضي الله عنهما-، روى عنه( 1170) ألف ومائة وسبعون حديثاً، وله في مسند أحمد( 958) واتفق الشيخان له على( 43) وانفرد البخاري برواية( 16) ومسلم برواية( 52) حديثاً (4).
    وقد نظم هؤلاء السبعة بعضهم بقوله:

    سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا
    من الحديث عن المختار خير مضــر
    أبو هريرة سعــد جابــر أنس
    صديقة وابن عباس كذا ابن عمــر
    وأما الذين لم تبلغ مروياتهم ألف حديث، فهم متفاوتون في ذلك، فمنهم من روى له مئات الأحاديث، ومن هؤلاء:
    · عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-، وله ثمانمائة وثمانية وأربعون حديثاً( 848).
    · عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، وله سبعمائة حديث( 700).
    · أم سلمة -رضي الله عنها-، ولها ثمانية وسبعون وثلاثمائة( 378).
    · البراء بن عازب رضي الله عنهما، وله خمسة وثلاثمائة( 305).
    · أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه-، وله واحد وثمانون ومئتا حديث( 281). (5)

    ومن الصحابة من روى له عشرات الأحاديث، منهم:
    - زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، له خمسة وتسعون حديثاً( 95).
    - وأم المؤمنين ميمونة -رضي الله عنها-، لها ستة وسبعون حديثا(76).
    - وزيد بن أرقم -رضي الله عنه-، له سبعون حديثا( 70).
    - وأم المؤمنين حفصة -رضي الله عنها-، لها ستون حديثاً( 60).
    - وعمرو بن العاص -رضي الله عنها-، له تسعة وثلاثون حديثا ( 39).(6)

    ومن الصحابة من لم ترو عنه إلا آحاد الأحاديث، منهم:
    - سعيد بن يربوع بن عنكثة المخزومي -رضي الله عنه-، له ثلاثة أحاديث.
    - وعبدالله بن حذافة السهمي -رضي الله عنه-، له ثلاثة أحاديث أيضاً.
    - وعبدالله بن حنظلة الغسيل -رضي الله عنه-، له حديثان.
    - وحارثة بن النعمان -رضي الله عنه-، له حديثان أيضاً.
    - وحسان بن ثابت -رضي الله عنه-، له حديث واحد (7).





    (1) - الإخاذ – بوزن كتاب – مجتمع الماء.
    (2) - العلم لأبي خيثمة ص 123 رقم( 59)، والمقصود بعبدالله هو ابن مسعود رضي الله عنه.

    (3) - العلم لأبي خيثمة ص 123 رقم( 60) وقال الألباني عنه وعن سابقه: إسناده صحيح.
    (4) - انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر ص 363، جوامع السيرة ص 275، 276، مناهج وآداب الصحابة في التعلم والتعليم ص 161، 162، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 139-140.
    (5) - انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر ص 363-364.
    (6) - انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر ص 365-367.
    (7) - انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر ص 370-379.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (44)


    أسباب تفاوت الصحابة في الرواية


    يرجع التفاوت الكبير بين الصحابة في عدد ما أثر من الرواية عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى جملة من الأسباب أوجزها فيما يلي:

    1- التفاوت الطبيعي في قوة الذاكرة والحفظ، فطبيعة الناس أن يكون فيهم الحافظ وغير الحافظ، فإذا حدثهم النبي صلى الله عليه وسلم حفظ البعض ونسى البعض.
    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:" قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه" (1).

    وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال:" قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه لا يكون منه الشيء قد نسيته، فأراه، فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه" (2).

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة العصر بنهار، ثم قام خطيبا، فلم يدع شيئاً إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه...." إلخ(3).

    فهذه الأحاديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فيهم مقامات متعددة، يذكر فيها الفتن وما هو كائن، وأن منهم من حفظ، ومنهم من نسى، ولا شك أن المكثرين كانوا أحفظ من غيرهم وأوعى لما سمعوا، فكثرت مروياتهم.

    2- تفرغ الصحابي لمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته أو عدم تفرغه لذلك، فالذي تفرغ لهذا الأمر لابد أنه حمل علماً أكثر وحديثاً أوفر ممن شغلته تجارته أو زراعته أو حرفته أو غير ذلك، وقد ذكر أبو هريرة رضي الله عنه أن فراغه وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم كانت سبباً مباشراً لكثرة حفظه.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يتلو:( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات – إلى قوله – الرحيم ) (4)، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون (5).

    وقد شهد له بذلك كبار الصحابة، رضي الله عنهم، فهذا ابن عمر رضي الله عنه يقول له: يا أبا هريرة، كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه" (6).

    وعن مالك بن أبي عامر الأصبحي، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليمانى – يعني أبا هريرة – هو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ نسمع منه ما لا نسمع منكم ؟ قال:" أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع فلا أشك إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيء له، ضيفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا نحن أهل بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، فلا نشك إلا أنه سمع ما لا نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل"(7).

    وهكذا ترى أن التفرغ لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم كان له أثر كبير في تحمل الملازم عمن سواه.

    3- تقدم وفاة الصحابى أو تأخرها، ومدى حاجة الناس إلى ما عنده من العلم فمن تقدمت وفاتهم كانوا – غالبا – أقل رواية ممن تأخرت وفاتهم، واحتاج الناس إلى سؤالهم ومعرفة ما عندهم من العلم، في الحوادث التي تكثر وتتجدد وبخاصة مع اتساع نطاق الفتوح الإسلامية، وكثرة الداخلين في الإسلام، ولذلك نجد أن المكثرين جميعا كانوا من أحداث الصحابة، فأبو هريرة وجابر كانا في نحو السابعة والعشرين عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر كان في نحو الحادية والعشرين، وأنس وأبو سعيد الخدري كانا في نحو العشرين، وأم المؤمنين عائشة كانت في نحو الثماني عشرة، وابن عباس كان في نحو الثالثة عشرة، فتهيأ لهم أن يحملوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أكابر الصحابة، وتأخرت وفاتهم حتى احتاج الناس إلى ما جمعوا من العلم، فكثرت مروياتهم(8).

    قال محمد بن عمر الأسلمي:" إنما قلت الرواية عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم هلكوا قبل أن يحتاج إليهم، وإنما كثرت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب لأنهما وليا فسئلا وقضيا بين الناس، وكل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أئمة يقتدى بهم ويحفظ عليهم ما كانوا يفعلون، ويستفتون فيفتون، وسمعوا أحاديث فأدوها، فكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثا عنه من غيرهم مثل أبي بكر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبي بن كعب وسعد بن عبادة وعبادة بن الصامت وأسيد بن حضير ومعاذ بن جبل ونظرائهم، فلم يأت عنهم من كثرة الحديث مثل ما جاء عن الأحداث من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل جابر بن عبدالله وأبى سعيد الخدري وأبي هريرة وعبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن العباس ورافع بن خديج وأنس بن مالك والبراء بن عازب ونظرائهم، وكل هؤلاء كان يعد من فقهاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يلزمون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع غيرهم من نظرائهم، وأحدث منهم مثل عقبة بن عامر الجهني وزيد بن خالد الجهني وعمران بن الحصين والنعمان بن بشير ومعاوية بن أبي سفيان وسهل بن سعد الساعدي وعبدالله بن يزيد الخطمي ومسلمة بن مخلد الزرقي وربيعة بن كعب الأسلمي وهند وأسماء ابنى حارثة الأسلميين، كان يخدمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلزمانه، فكان أكثر الرواية والعلم في هؤلاء ونظرائهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم بقوا وطالت أعمارهم واحتاج الناس إليهم، ومضى كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله وبعده بعلمه لم يؤثر عنه شيء، ولم يحتج إليه، لكثرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (9).

    4- تحرج بعض الصحابة وتهيبهم من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حذراً من الخطأ أو الزيادة أو النقصان، ونحو ذلك.

    قال محمد بن عمر الواقدي:" ومنهم – أي الصحابة – من تأخر موته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أكثر، فمنهم من حفظ عنه ما حدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من أفتى برأيه، ومنهم من لم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ولعله أكثر صحبة ومجالسة وسماعا من الذي حدث عنه، ولكنا حملنا الأمر في ذلك منهم على التوقي في الحديث، أو على أنه لم يحتج إليه، لكثرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (10).

    5- وقوع الفتنة وظهور الكذب والوضع من الفرق التي انحرفت عن جادة الصواب، كالخوارج والشيعة، جعل المرويات التي ينقلونها عن بعض الصحابة مردودة مرفوضة من الصحابة والتابعين، فأفسدوا بذلك مرويات كثيرة.

    فعن طاووس قال:" أتى ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي رضي الله عنه، فمحاه إلا قدر" وأشار سفيان بن عيينة بذراعه.

    وعن أبي إسحاق السبيعي قال:" لما أحدثوا تلك الأشياء بعد علي رضي الله عنه قال رجل من أصحاب علي: قاتلهم الله، أي علم أفسدوا".

    وقال المغيرة بن مقسم الضبي:" لم يكن يُصدَّق على علي رضي الله عنه في الحديث عنه إلا من أصحاب عبدالله بن مسعود" (11).

    فكان من أثر رواية الكذابين من الشيعة عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن أهملت كثير من مروياته، والله أعلم.

    6- اشتغال عدد كبير من الصحابة بالعبادة أو الجهاد في سبيل الله وفتوح الأمصار، شغلهم عن التحديث بكل ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت مروياتهم، بينما كان لغيرهم من المكثرين مجالس للتحديث يجتمع فيها طلبة العلم، فيحدثونهم، ويؤدون إليهم كل ما سمعوه من الحديث، ومن ثم كثرت الروايات عنهم.

    تلك كانت باختصار أهم أسباب تفاوت الصحابة في الرواية رضي الله عنهم(12).







    (1) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى:( وهو الذي يبدء الخلق ثم يعيده ) رقم( 3192).
    (2) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب القدر، باب: وكان أمر الله قدراً مقدوراً، رقم( 6604)، ومسلم في صحيحه، واللفظ له، كتاب الفتن، باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة، رقم( 7263).
    (3) - أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الفتن، باب ما جاء ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن، رقم( 2191)، والحاكم في المستدرك( 4/505) وصححه، ووافقه الذهبي.
    (4) - سورة البقرة /159-160.
    (5) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب حفظ العلم، رقم( 118) وابن عبدالبر في جامع بيان العلم( 1/409رقم 593).
    (6) - أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب مناقب لأبي هريرة، رقم( 3836)، وقال: حديث حسن، والحاكم في المستدرك( 3/510-511) وصححه، وابن سعد في الطبقات الكبرى( 2/363).
    (7) - أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب، باب مناقب لأبي هريرة، رقم( 3837) وقال: حديث حسن غريب، والحاكم في المستدرك( 3/511-512) وصححه، ووافقه الذهبي.
    (8) - انظر: مناهج وآداب الصحابة ص 166.
    (9) - الطبقات الكبرى لابن سعد( 2/376-377).
    (10) - الطبقات الكبرى( 2/337).
    (11) - أخرج هذه الآثار مسلم في مقدمة صحيحه، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها ص 10.

    (12) - انظر: محاضرات في علوم الحديث( 1/158-159)، السنة ومكانتها في التشريع ص 75-77، الحديث والمحدثون ص 147-148، صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 135-137، مناهج وآداب الصحابة ص 164-168.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (45)



    أكثر الصحابة فتيا

    قام بالفتوى بعد النبي صلى الله عليه وسلم الجم الغفير من أصحابه رضوان الله عليهم، كل أفتى عما سئل عنه، ما دام عنده من ذلك علم تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنهم يختلفون في الفتيا ما بين مقل ومكثر منها حسب سؤال الناس لهم، أو بحسب ما عندهم من علم بذلك.

    والذين حفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة، وقد قسمهم ابن حزم في الإفتاء إلى ثلاثة أقسام: مكثرين، ومتوسطين، ومقلين.

    أما المكثرين في الإفتاء منهم، فسبعة، هم:
    1- عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    2- علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    3- عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
    4- عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
    5- زيد بن ثابت رضي الله عنه.
    6- عبدالله بن عباس رضي الله عنه.
    7- عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
    قال: يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم.

    وأما المتوسطون فهم عنده: ثلاثة عشر وهم:
    1- أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها.
    2- أنس بن مالك رضي الله عنه.
    3- أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
    4- أبو هريرة رضي الله عنه.
    5- عثمان بن عفان رضي الله عنه.
    6- عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
    7- عبدالله بن الزبير رضي الله عنه.
    8- أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.
    9- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
    10- سلمان الفارسي رضي الله عنه.
    11- جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
    12- معاذ بن جبل رضي الله عنه.
    13- أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

    قال ابن حزم: يمكن أن يجمع من كل امرئ منهم جزء صغير، قال: ويضاف إليهم أيضاً، طلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف وعمران بن الحصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعاً.
    وأما المقلون للفتيا من الصحابة عند ابن حزم، فهم الباقون – رضي الله عنهم – منهم: أبو الدرداء، وأبو سلمة، وأبو عبيد بن الجراح وغيرهم.
    قال ابن حزم: يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث، وذكر أنه لا يروى الواحد من هؤلاء المقلين إلا المسألة والمسألتين والزيادة اليسيرة فقط.(1)








    (1) - انظر: إحكام الأحكام( 5/869-871).




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (46)




    من وسائل الصحابة في خدمة السنة
    ثالثا/ كتابة الحديث:


    كان من الوسائل التي أخذ بها الصحابة في خدمة السنة، كتابتها وتدوينها، ومن المعروف عند العلماء أن آخر الآمرين منه صلى الله عليه وسلم الإذن بكتابة الحديث وذلك بعد أن أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم في الكتابة عنه، وانتفت موانع الكتابة للبعض الآخر(1).

    وقد أثبتت المصادر الموثوق بها والمعتبرة عند أئمة الحديث نسبة( أحاديث) و( صحف) و( نسخ) مكتوبة لبعض الصحابة – رضوان الله عليهم – كتبوها لأنفسهم أو كانت تكتب لهم بصريح رغبتهم، أو وجدت عند بعضهم من ذلك:

    1- نسخة أبي بكر الصديق رضي الله عنه – وكانت فيها فرائض الصدقة (2).
    2- نسخة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهي من كتاب صدقات النبي صلى الله عليه وسلم (3).
    3- الصحيفة الصادقة لعلى ابن أبي طالب – رضي الله عنه (4).
    4- كتاب قضاء علي (5)،كتبه عبدالله بن عباس – رضي الله عنهم – وكانت له صحيفة في التفسير(6).
    5- صحيفة السيدة فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – وكانت تشتمل على بعض الأحاديث النبوية (7).
    6- كتب سعد بن عبادة الأنصاري – رضي الله عنه (8).
    7- نسخة في التفسير لأبي بن كعب – رضي الله عنه(9).
    8- كتاب عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه(10).
    9- كتاب الفرائض لزيد بن ثابت الأنصاري – رضي الله عنه(11).
    10- صحيفة سمرة بن جندب – رضي الله عنه(12).
    11- الصحيفة الصادقة لعبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنه(13).
    12- كتاب المغيرة بن شعبة الذي أملاه على وراد كاتب معاوية (14).
    13- أحاديث أنس بن مالك، كتبها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يمليها على تلامذته (15).

    هذه الصحف والكتب التي دونت في هذا العصر المبكر مثلت باكورة التأليف في السنة، وهي إن ذابت مستقبلا – في بطون كتب الأمهات، نظراً لتعدد الرواة وتطور التأليف إلا أنها – ونظائرها – كانت حجر الزاوية عند جمع السنة وتدوينها(16).

    وإذا كانت السنة قد حظيت بالكتابة في عصر الصحابة فإنه قد برزت بعض الضوابط لكتابة الأحاديث عند الصحابة، والتي نمت وظهرت واضحة بعد ذلك، من هذه الضوابط:
    حفظ الكتاب: فكان الإمام علي – رضي الله عنه – يحفظ الصحيفة التي كتبها في الديات في قراب سيفه(17).

    كما أن تلاميذ أبي هريرة كتبوا أحاديثهم فأخذ أبو هريرة هذه الكتب وحفظها عنده حتى لا يغير في أحاديثه أو يبدل فيه، حتى يكون مقياساً عنده لما ينسب إليه من الأحاديث الكثيرة التي بثها في التابعين (18).

    وهكذا كانت الكتابة – كتابة السنة – وسيلة من الوسائل التي أخذ بها الصحابة في خدمة السنة النبوية.




    (1) - انظر: تفصيل ذلك في السنة قبل التدوين ص 303-321- دراسات في الحديث للدكتور الأعظمي 1/71-142- الحديث والمحدثون ص 122-125، توثيق السنة ص 43-54.

    (2) - أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب العرض في الزكاة( 3/312) باب لا يجمع بين متفرق( 3/314) باب ما كان من خليطين( 3/315) باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاص( 3/316) باب زكاة الغنم( 3/317) وأخرجها الحاكم في المستدرك، كتاب الزكاة، باب من تصدق من مال حرام( 1/390) وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، باب في زكاة السائمة( 2/214)، لكن يلاحظ أن كتاب الصدقة الذي لأبي بكر – رضي الله عنه – هو كتاب الصدقة الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، راجع ذلك في: سنن الدارمي، كتاب الزكاة، باب زكاة الإبل( 1/382) عن ابن عمر، لكن الذي يهمنا هو أنه كانت لديه نسخة منها.

    (3) - الأموال لأبي عبيد ص 370: دار الكتب العلمية، وفيه عرض نافع على ابن عمر هذه الصحيفة مرات.

    (4) - أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب العلم( 1/204) وأخرجها مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فضل المدينة( 2/995).

    (5) - صحيح مسلم، المقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء( 1/13) سنة الرسول للشيخ التيجاني ص 54، الطبقات الكبرى لابن سعد( 5/216) وقال ابن سعد: إنه كانت له كتب حمل بعير.

    (6) - تقييد العلم للخطيب ص 91-92، مفتاح السعادة 2/64-65.

    (7) - مسند أحمد 6/283، مكارم الأخلاق للخرائطي ص 37ط: السلفية القاهرة.


    (8) - مسند أحمد 5/285.

    (9) - مفتاح السعادة 2/69، وقال: فعنده نسخة كبيرة، يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عنه، وهذا إسناد صحيح، انظر: كشف اللثام 1/113.

    (10) - جامع بيان العلم وفضائله 1/42.

    (11) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب الذكر بعد الصلاة 2/325، كتاب الدعوات، باب الدعاء بعد الصلاة 11/133.

    (12) - راجع صحيفته في الاستيعاب 2/653، تهذيب التهذيب 4/236، الأعلام 3/204.

    (13) - أخرجها الدارمي في سننه، باب من رخص في كتابة العلم 1/127، طبقات ابن سعد 2/373، 4/262، 7/494، المحدث الفاصل ص 367.

    (14) - انظر: أسد الغابة 3/117- الإصابة 4/236- كتاب العلم لأبي خيثمة ص 117.

    (15) - تاريخ بغداد للخطيب 8/258.

    (16) - انظر: كشف اللثام 1/117-118.

    (17) - صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة 2/995، فتح الباري 1/182-183.

    (18) - جامع بيان العلم وفضله 1/89.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (47)



    من وسائل الصحابة في خدمة السنة



    رابعاً/ وضع قواعد الرواية:

    لم تقتصر وسائل الصحابة في خدمة السنة على التلقي والأداء وكتابة الحديث، وإنما تجاوزت ذلك إلى وضع الضوابط وإنشاء القواعد التي تضمن سلامة الرواية وضبط السنة، وكان من هذه القواعد:



    1- التقلل من الرواية:

    كان منهج الصحابة هو التقلل من الرواية بغرض إيجاد حصانة في النفس لكي لا تتجرأ على رواية الحديث حتى تتأكد من صحته.

    روى البخاري بسنده عن عامر بن عبدالله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان فلان، قال:أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول:" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"(1).

    وكذلك كان أنس رضي الله عنه(2)، وكان عمر وابن مسعود، رضي الله عنهما، يقولان:" بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" (3).

    وأخرج البخاري في صحيحه عن مجاهد قال:" صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثاً واحداً" (4).

    وعن الشعبي قال:" قعدت مع ابن عمر سنتين أو سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا إلا هذا الحديث" (5).

    وقال إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف:" بعث عمر بن الخطاب إلى عبدالله بن مسعود، وإلى أبي الدرداء، وإلى أبي مسعود الأنصاري، وإلى أبي ذر، قال: ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فحبسهم بالمدينة حتى استشهد" (6).

    قال ابن حبان:" لم يكن عمر بن الخطاب فيما قد فعل – يتهم الصحابة بالتقول على النبي صلى الله عليه وسلم ولا ردهم عن تبليغ ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ليبلغ الشاهد منكم الغائب" وأنه لا يحل لهم كتمان ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه علم ما يكون بعده من التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه السلام قال:" إن الله –تبارك وتعالى – نزل الحق على لسان عمر وقلبه " (7)، وقال:" إن يكن في هذه الأمة محدثون فعمر منهم(8)"، فعمد عمر إلى الثقات المتقنين، الذين شهدوا الوحي والتنزيل، فأنكر عليهم كثرة الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لئلا يجترئ من بعدهم ممن ليس في الإسلام محله كمحلهم، فيكثر الرواية، فيزل فيها، أو يقول متعمداً عليه صلى الله عليه وسلم لنوال الدنيا.... (9)". ولم يؤدهم ذلك إلى كتما العلم، وإنما هو الحرص على السنة والدين.

    روى الدارمي بسنده عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال:" لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحد يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث"(10).

    وأخرج عبد بن حميد بسنده عن أبي هريرة قال:" لولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ما حدثتكم وتلا:" وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه" (11).



    2- التثبت في الرواية عند أدائها:

    قال الإمام الذهبي في ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:" وكان أول من احتاط في قبول الأخبار...(12)" وقال في ترجمة عمر بن الخطاب:" هو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل"(13) يعني: أنه حرص على إشاعة هذه السنة وتعليمها، وأخذ الرعية على التزامها والتشديد في ذلك، وهي سنة التوثق والتحري للسنة، ولذلك وجدنا عمر رضي الله عنه يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب، فعن أبي سعيد الخدري قال:" كنا في مجلس عند أبي بن كعب، فأتى أبو موسى الأشعري مغضباً- وفي رواية: فزعا مذعورا- حتى وقف، فقال: أنشدكم الله ! هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع"، قال أبي: وما ذاك ؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي، فرجعت، ثم جئته اليوم، فدخلت عليه، فأخبرته أني جئت أمس، فسلمت ثلاثا، ثم انصرفت، قال: قد سمعناك، ونحن حينئذ في شغل فلو استأذنت حتى يؤذن لك ؟ قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك، أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا، فقال أبي بن كعب: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا! قم يا أبا سعيد، فقمت حتى أتيت عمر، فقلت: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا". (14)

    وجدير بالتنبيه أن هذا لم يكن من عمر رضي الله عنه لأنه لم يكن يحتج بخير الآحاد كما زعموا!! فإنه لما قبل حديث أبي سعيد، لم يزل الخبر بعدها آحاداً، ولم يكن هذا أيضا، لأنه لم يكن يثق بأبي موسى، حاشاه، وإنما فعل ذلك للاحتياط في ضبط الحديث، وزيادة في التثبت، ويؤكده ما جاء في بعض الروايات الأخرى عن عمر قال:" إني لم أتهمك ولكن أحببت أن أتثبت" (15).








    (1) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم( 107).

    (2) - صحيح مسلم،المقدمة ص 6.

    (3) - صحيح مسلم، المقدمة ص 6.

    (4) - صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الفهم في العلم 1/198فتح.

    (5) - أخرجه الدارمي، المقدمة، باب من عاب الفتيا مخافة السقوط 2/336، والحديث رجاله ثقات ولعله يقصد بهذا الحديث، الحديث الصحيح:( إن من الشجرة شجرة لا تسقط ورقها)، انظر: الحديث وأهله لشيخنا الدكتور يحيى إسماعيل.

    (6) - أخرجه ابن شيبة في المصنف 8/756، وابن سعد في الطبقات 2/336، والإمام أحمد في العلل رقم 372، وإسناده صحيح، فإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف قد سمع من عمر رضي الله عنه على الصحيح.

    (7) - أخرجه الإمام أحمد في سنده 2/401، وابن حبان في صحيحه رقم 6889.

    (8) - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر 7/52، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر 15/166.

    (9) - المجروحين لابن حبان 1/36-37.

    (10) - سنن الدارمي، المقدمة، باب من هاب الفتيا وكره التنطع، والحديث إسناده حسن لأن عطاء بن السائب الذي روى عن عبدالرحمن: صدوق اختلط، التقريب( 2/22)، وعبدالرحمن بن أبي ليلى تابعي أنصارى مدني ثقة، مات بوقعه الجماجم، وقد خرج له الجماعة، التقريب( 1/496).

    (11) - الآية /187 من سورة آل عمران، والحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور( 2/121) لعبد بن حميد.

    (12) - تذكرة الحفاظ 1/2.

    (13) - تذكرة الحفاظ 1/6.

    (14) - الحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب التسليم ثلاثا ( 11/28) ، ومسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الاستئذان ( 14/130) .


    (15) - الموطأ لمالك، كتاب الاستئذان ص 597.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (48)



    من وسائل الصحابة في خدمة السنة


    من قواعد الرواية:

    3- عنايتهم بالإسناد:
    اهتم الصحابة بإسناد الحديث واستعملوا العبارات التي تفيد مزيدا من التوثيق في الرواية كقول أبي عمرو الشيباني: حدثني صاحب هذا الدار وأشار إلى دار عبدالله بن مسعود، قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أي الأعمال أحب إلى الله تعالى، قال الصلاة على وقتها... الحديث"(1).
    واشتدت هذه العناية بعد عصر الفتنة، ومن الأقوال الواردة في ذلك قول أبي هريرة، وابن عباس رضي الله عنهما: أن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " (2).
    وبطبيعة الحال نشأت بذور الإسناد فقط، لأن الإسناد إنما هو وسيلة للكشف على الرواة لاختبار عدالتهم وضبطهم، وكلهم في ذلك الوقت عدول ضابطون (3).
    وقد قدم لنا مسلم – رحمه الله ، مثالاً لهذا ، فروى بسنده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يعطي عمر بن الخطاب رضي الله عنه – العطاء، فيقول عمر : أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خذه فتموله أو تصدق به، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك(4).
    ففي هذا الحديث ثلاثة من الصحابة، كل منهم يروى عن الآخر وهم : السائب بن يزيد عن عبدالله بن السعدي عن عمر بن الخطاب – رضوان الله عليهم أجمعين- ورواه عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    هكذا رأينا كل واحد من هؤلاء الصحابة لم يكتف بذكر من سمعه منه ولم يرفعه من بعد عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما بين كل منهم كيف وصل إليه الحديث. يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث : " وقد جاءت جملة من الأحاديث فيها أربعة صحابيون، يروى بعضهم عن بعض وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض"(5).

    4- الرواية باللفظ ما أمكن :
    كان الصحابة – رضي الله عنهم – حريصين على أداء الأحاديث بلفظها الذي سمعوه ما أمكنهم ذلك، من غير تغيير ولا تقديم ولا تأخير، وممن عظمت عنايته بذلك عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم :
    فعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم قال : " لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يزيد فيه، ولا ينقص، ولا ، ولا ، مثل عبدالله بن عمر " .
    وفي رواية : " كان ابن عمر إذا سمع الحديث لم يزد فيه ، ولم ينقص منه، ولم يجاوزه، ولم يقصر عنه " (6).
    ويتضح ذلك في المثال التالي :
    عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بني الإسلام على خمسة : على أن يوحد الله ، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج " فقال رجل : الحج وصيام رمضان ؟ قال : " لا " صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم " (7).
    وربما سمع ابن عمر الرجل يبدل لفظا بلفظ آخر في معناه، فيرد عليه روايته ويذكر له اللفظ على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    فعن أبي جعفر محمد بن علي قال : " كان عبدالله بن عمر رضي الله عنه إذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، أو شهد معه مشهدا لم يقصر دونه أو يعدوه .
    قال : فبينما هو جالس وعبيد بن عمير ( ابن قتادة الليثي ) يقص على أهله مكة إذ قال عبيد بن عمير : " مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها " فقال عبدالله بن عمر : ليس هكذا، فغضب عبيد بن عمير، وفي المجلس عبدالله بن صفوان، فقال : يا أبا عبدالرحمن ، كيف قال ؟ رحمك الله، فقال : " مثل المنافق مثل الشاة بين الربيضين (8)، إن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها، وإن أقبلت إلى ذا الربيض نطحتها " فقال له : رحمك الله ، هما واحد، قال : " كذا سمعت "(9).
    وممن كان يفعل ذلك أيضا : أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه :
    فعن حبيب بن عبيد الرحبي قال : " إن كان أبو أمامة ليحدثنا الحديث كالرجل الذي عليه أن يؤدي ما سمع " (10).
    وقد كان عمر رضي الله عنه يوصى بذلك ويحض عليه، فعنه رضي الله قال : " من سمع حديثا فأداه كما سمع فقد سلم " (11).

    5- الرواية بالمعنى إذا صح المعنى :
    كان الصحابي إذا استصعب الإتيان باللفظ روى الحديث بالمعنى، وهم أعلم الناس باللغة وبمقاصد الشريعة، وأعرف الناس بنبيهم ومعاني كلامه الكريم، ومواقع خطابه صلى الله عليه وسلم، والمحتمل من معانية وغير المحتمل(12)، وممن قال بذلك واثلة بن الأسقع، رضي الله عنه :
    فعن مكحول قال : دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، فقلنا : يا أبا الأسقع، حدثنا بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه وهم ولا زيادة ولا نقصان ، قال : " هل قرأ أحد منكم من القرآن هذه الليلة شيئا؟ " قال : فقلنا : نعم ، وما نحن له بحافظين، حتى إنا لنزيد الواو والألف وننقص، قال : " فهذا القرآن مذ كذا بين أظهركم، لا تألون حفظه، وإنكم تزعمون أنكم تزيدون وتنقصون، فكيف بأحاديث سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى أن لا نكون سمعناها منه إلا مرة واحدة، حسبكم إذا حدثتكم بالحديث على المعنى "(13).
    وممن قال بذلك عائشة رضي الله عنها :
    فعن عروة بن الزبير قال : قالت لي عائش رضي الله عنها : " يا بني، إنه يبلغني أنك تكتب عني الحديث، ثم تعود فتكتبه "، فقلت لها : أسمعه منك على شيء، ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت : " هل تسمع في المعنى خلافاً؟ قلت : لا ، قالت : " لا بأس بذلك " (14).
    وكذلك فعل عدد كثير من الصحابة رضوان الله عليهم .
    فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا نجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، عسى أن نكون عشرة نفر، نسمع الحديث، فما منا اثنان يؤديانه، غير أن المعنى واحد " (15).
    وعن زرارة بن أبي أوفى قال : " لقيت عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في اللفظ، واجتمعوا في المعنى " (16).
    وعن محمد بن سيرين قال : " كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف، والمعنى واحد "(17) .






    (1) - صحيح مسلم، كتاب الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 1/50.
    (2) - المجروحين لابن حبان 1/21-22.
    (3) - توثيق السنة للدكتور رفعت فوزي ص 36.
    (4) - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إباحة الأخذ لمن أعطى من غير مسألة 2/723.
    (5) - شرح مسلم للإمام النووي 7/136.
    (6) - أخرجه الخطيب في الكفاية ص 265.
    (7) - أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام، رقم ( 111) .
    (8) - مثنى الربيض، وهو الغنم برعاتها المجتمعة في مرابضها، القاموس ص 829.
    (9) - أخرجه أحمد في مسنده بإسناد صحيح ( 7/259-260 رقم 5546) ط : شاكر ، والدارمي في المقدمة، باب من رخص في الحديث إذا أصاب المعنى ، رقم ( 318)، وصححه الحاكم ( 3/516) ، والحديث المرفوع في هذا عن ابن عمر من غير القصة، أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفات المنافقين، باب صفات المنافقين وأحكامهم، رقم ( 7043) .
    (10) - أخرجه الخطيب في الكفاية ص 124.
    (11) - أخرجه ابن عبدالبر في الجامع بيان العلم ( 2/1008 رقم 1919) والخطيب في الكفاية ص 267.
    (12) - انظر : مناهج وآداب الصحابة ص 193.
    (13) - أخرجه ابن عبدالبر في الجامع ( 1/348رقم 471)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 533، والخطيب في الكفاية ص 308، وأخرج الجزء الأخير منه " حسبكم ... " الدارمي في سننه، المقدمة، باب من رخص في الحديث إذا أصاب المعنى، رقم ( 315) .
    (14) - أخرجه الخطيب في الكفاية ص 309-310.
    (15) - أخرجه الخطيب في الكفاية ص 309.
    (16) - أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 531.
    (17) - أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل ص 534، وابن عبدالبر في الجامع رقم ( 464-465) والخطيب في الكفاية ص 311، وانظر : مناهج وآداب الصحابة ص 191-194.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (49)




    من قواعد الرواية:




    6- وضع قواعد علم الرجال ( الجرح والتعديل ) :

    بدأت بواكير القواعد في علم الرجال في عصر الصحابة، وكان هدفهم من وضع تلك القواعد رغم ثبوت العدالة لجميعهم، هو التحوط من وقوع بعضهم في الخطأ من ناحية، ولرسم الطريق لمن جاء بعدهم من ناحية أخرى، لكي يعملوا على التحري والدقة في صيانة السنة والحفاظ عليها .

    سأل ابن عمر أباه عن رواية سعد بن أبي وقاص، فقال عمر : " إذا حدثكم سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسأل غيره " (1). ولما روى عمر عن عبدالله الرحمن بن عوف قال فيه : " العدل الرضا " (2).

    فلما حدثت الفتنة بمقتل عثمان رضي الله عنه افترقت الأمة، وظهرت الفرق المنحرفة وراح المبتدعة يبحثون عن مستندات من النصوص يعتمدون عليها في كسب أعوان لهم – الأمر الذي جعلهم يضعون الحديث، ويختلفون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله – عند ذلك جد الصحابة في المحافظة على الحديث، بالغوا في التشديد للرواية .

    يقول ابن عباس رضي الله عنهما معلنا عن المنهج الذي بدأ يسود ذلك العصر في تلقي السنة : " إنا كنا إذا سمعنا رجلا يقول : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف " (3).

    لقد كان في ذلك التثبت إنشاء لعلم جديد من علوم الحديث، وهو علم الجرح والتعديل الذي كانت قد وضعت أسسه، وأصلت قواعده في الأصلين : القرآن والسنة، فابن عباس رضي الله عنه، يعلن هنا عن بداية حقبة جديدة للرواية، تختلف عن الحقبة السابقة لها، حيث لم يكن يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحقبة السابقة، إلا من زكاهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم، الذين لم يكن يستلزم قبول ما يروونه إلا سماعه منهم، أما الحقبة التي يتكلم عنها ابن عباس رضي الله عنه، فقد بدأ من لم يكن له لقي بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا صحبة، بالحديث عنه صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لم يلقوه، فحديثهم عنه صلى الله عليه وسلم لابد أن يكون لهم إليه فيه واسطة، ثم إنهم هم أنفسهم ليس لهم شرف الصحبة، ولا لهم تعديل من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد أن دبت الفتنة ( وركب الناس الصعب والذلول ) كان لابد من معرفة الواسطة المحذوفة في مرسل ذلك التابعي، للتوثق من ثقة تلك الواسطة، وذلك بالطبع – بعد التوثيق من ثقة ذلك التابعي نفسه الذي أرسل الحديث أولاً . فكان هذا أول تطبيق عملي ظاهر لعلم الجرح والتعديل، وأول السؤال عن الإسناد، ورفض المراسيل، وذلك لظهور علتين اقتضت ذلك، هما : علتا رواية المجروح، والإرسال وعدم الإسناد .

    وفي الحقيقة ، فإن علة الإرسال عائدة إلى العلة الأولى، لأن عدم قبول المرسل إنما كان لاحتمال كون المحذوف مجروحاً (4).

    وقد أرخ بداية نشوء هذين العلمين – على الإسناد وعلم الجرح والتعديل – من علوم الحديث، أحد أئمة التابعين، وهو محمد بن سيرين ( تـ110هـ ) . عندما قال : " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا : سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم " (5).

    وبذلك نشأ علم ميزان الرجال ( الجرح والتعديل ) الذي هو عمود أصول الحديث، فقد تكلم من الصحابة في الرجال: عبدالله بن عباس، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، وكان كلاما قليلا، لقلة الضعف وندرته .



    7- نقد المتن :

    لم يقتصر اهتمام الصحابة على إسناد الحديث فقط، بل اهتموا بالمتن أيضا فنقدوه وناقشوا الصحابي فيما روى من أحاديث، إذا كانت هذه الأحاديث تبدو متعارضة مع النقل أو العقل – المحكوم بالشرع – أو مبادئ الإسلام العامة، ولم يكن نقدهم للمتن مبنيا على اعتدادهم بالعقل بل لحرصهم على توثيق السنة مما قد يوهم التعارض .

    ومن الأمثلة على ذلك : ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن مليكه، قال : توفيت ابنة عثمان – رضي الله عنه – بمكة، وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمرو وابن عباس- رضي الله عنهم – وإني لجالس بينهما أو قال : جلست إلى أحدهما، ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي، فقال عبدالله بن عمرو بن عثمان : ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه؟ فقال ابن عباس – رضي الله عنهما – قد كان عمر – رضي الله عنه – يقول بعض ذلك، ثم حدث قال : صدرت مع عمر – رضي الله عنه – من مكة، حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال : اذهب فانظر من هؤلاء الركب، قال : فنظرت فإذا صهيب، فأخبرته فقال : ادعه لي ، فرجعت إلى صهيب، فقلت ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي، يقول : " واأخاه وا صاحباه" فقال عمر : يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه" ؟ .



    قال ابن عباس : فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها – فقالت : رحم الله عمر ، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه " وقالت حسبكم القرآن " ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال ابن عباس – رضي الله عنهما – عند ذلك والله " هو أضحك وأبكى "(6) .

    وأخرج الإمام مسلم من رواية عروة بن الزبير، قال : ذكر عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النبي : " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " فقالت : وهل ابن عمر ( أي غلط ونسى ) إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن " وذلك مثل قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى من المشركين فقال لهم ما قال : " إنهم يسمعون ما أقول " وقد وهل إنما قال : " إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " ثم قرأت : " إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور "(7) .



    يقول الدكتور همام سعيد : " هكذا ناقشت عائشة رضي الله عنها روايات عمر وعبدالله – رضي الله عنهما – بأدلة نقلية من الآيات والأحاديث والمبادئ الإسلامية العامة، وهذا المقال نوع من نقد المتن لم يغفل عنه الصحابة الكرام – رضي الله عنهم .

    ولكن جمهور المحدثين يرون صحة ما روى عمر بن الخطاب وابنه عبدالله – رضي الله عنهما – وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الباب بقوله : " باب قول النبي صلى الله عليه وسلم : " يعذب الميت ببكاء أهله عليه " إذا كان النوح من سنته " فيكون البخاري حمل البكاء على ما إذا كان من عادة أهل الميت قبل موته أن يسمع النواح من أهله فلا يمنعهم ولا ينهاهم ويرضى بذلك منهم، أو إذا أوصى بالبكاء عليه بعد موته، والحديث الذي يروى عن عمر – رضي الله عنه – لا يقدح فيه نقد عائشة – رضي الله عنها – ويحمل على مثل هذا التوجيه .

    وعلى كل فقد وقفنا على صورة من صور الحوار النقدي الجاد بين الصحابة – رضي الله عنهم – وهذه الصورة تكشف لنا عن منهجهم في عدم التسليم لبعضهم فيما يروون، إذا كان ما يروى يعارض النقل أو العقل ولا يعني هذا قبول النقد أو صواب الناقد بل قد يقبل، أو يرد، أو يؤخذ منه، ويترك " (8).

    ومن خلال هذا العرض للقوانين والقواعد التي سلكها الصحابة في الحفاظ على السنة، والتي تقوم على خدمة الإسناد والمتن، يتضح لنا أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا هم أول من بدأ بإنشاء ما عرف بعد بـ ( علوم الحديث ومصطلحه ) .










    (1) - الحديث أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب المسح على الخفين 1/365.

    (2) - الإصابة 4/177، الرفع والتكمل ص 136، وهذه الأقوال صارت من ألفاظ التعديل والتوثيق المستعملة عند علماء الجرح والتعديل فيما بعد، فنجد ابن معين حين يسأل عن أبي عبيد يقول : مثلي يسأل عن أبي عبيد؟ أبو عبيد يسأل عن الناس، ويقول الخطيب معلقا على كلمة عمر : " العدل الرضا " وهذا القول كاف في التزكية لأن الوصف بالعدالة جامع للخلال التي قدمناها في باب صفة العدالة، والقول بأنه رضا تأكيده الكفاية ص 108-110.

    (3) - أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه 1/12-13، والحاكم في مستدركه 1/112، والدارمي في سننه، المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/125.

    (4) - انظر : المنهج المقترح لفهم المصطلح ص 29-30.

    (5) - أخرج هذا الأثر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه 1/15، والإمام الترمذي في العلل الصغير بآخر السنن 5/74، والدارمي في سننه، المقدمة، باب في الحديث عن الثقات 1/123.

    (6) - صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " يعذب الميت ببكاء أهله " ( 3/180، 181).


    (7) - صحيح مسلم، كتاب الجنائز ، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه ( 2/641-642) .

    (8) - الفكر المنهجي عند المحدثين ص 55-56.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (50)



    من وسائل الصحابة في خدمة السنة

    خامساً : مدارسة الحديث :
    كان الصحابة بعد سماعهم للأحاديث وتثبتهم منها يتدارسونها فيما بينهم ليطبقوا ما فيها من أحكام وليزدادوا تثبتاً من حفظها .
    ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله " فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق " (1).

    فهنا نجد محاورة بين الصديق والفاروق، رضي الله عنهما، في فهم الحديث، وفقهه، فأبو بكر يتجه إلى قتالهم أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم " إلا بحقه " ومن حقه أداء حق المال الواجب، وعمر ظن أن مجرد الإتيان بالشهادتين يعصم الدم في الدنيا تمسكا بعموم أول الحديث، وليس الأمر على ذلك، ثم إن عمر رجع إلى موافقة الإمام أبي بكر رضي الله عنه " (2).

    وفي السنة أمثلة عديدة تكشف عن هذا الجانب من فقه الصحابة رضوان الله عليهم للسنة، واستنباطهم لأحكامها، وتطبيقهم لها، وفيما ذكرناه غنية وكفاية .
    وهكذا اتضح لنا من خلال العرض السابق الجهود الضخمة التي بذلها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة السنة النبوية المطهرة، فرضي الله عنهم وأرضاهم وجزاهم عن الإسلام وخدمة السنة خيرا .




    (1) - أخرجه البخاري، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة 3/308، ومسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله 1/29.
    (2) - جامع العلوم والحكم ص 81 ط : دار المعرفة .



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (51)



    السنة في عصر التابعين



    أولاً : أسباب عناية التابعين بالسنة :

    التابعون تلامذة الصحابة تسلموا منهم راية حمل السنة وروايتها وحفظها وتوثيقها وكانت هناك الدوافع نفسها التي دفعت الصحابة إلى العناية بالسنة وتوثيقها من ترغيب القرآن والسنة في حمل العلم وتبليغه وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحرصهم على تلقي ما صدر عنه من تشريع حتى يحظوا بما وعد به من أجر ومثوبة حين قال : " نضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "(1) بالإضافة إلى :

    1- أنهم يعلمون أن الأمر دين، أمر الله بتحقيقه والتوثق منه والتثبت فيه، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... )(2).

    يقول محمد بن الحسن : ( إن الفاسق إذا أخبر بحل أو حرمة فالسامع عليه أن يحكم رأيه فيه لأن ذلك أمر خاص لا يستقيم طلبه وتلقيه من جهة العدول دائما، فوجب التحري في خبره، فأما هنا في رواية الحديث فلا ضرورة في المصير إلى روايته، وفي العدول كثرة وبهم غنية، إذ يمكن الوقوف على معرفة الحديث بالسماع منهم فلا حاجة إلى الاعتماد على خبر الفاسق )(3) .

    2- حث الصحابة للتابعين على مذاكرة السنة والعناية بها وتبلغيها للناس عملاً بقول صلى الله عليه وسلم ( ليبلغ الشاهد منكم الغائب )(4) .

    ومما يروي في هذا أن ابن عباس، رضي الله عنهما ، كان يحض طلابه على مذاكرة الحديث فيقول : ( تذاكروا هذا الحديث لا ينفلت منكم ، فإنه ليس بمنزلة القرآن، القرآن مجموع محفوظ، وإنكم إن لم تذاكروا هذا الحديث تفلت منكم، ولا يقل أحدكم حدثت أمس، لا أحدث اليوم، بل حدث أمس، وحدث اليوم ، وحدث غدا ) (5).

    كما كان يقول رضي الله عنه ( إذا سمعتم منا شيئا فتذاكروه بينكم ) (6).

    ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال : " ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا وأوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم "(7).

    وكان أبو أمامة الباهلي يقول لطلابه: ( إن هذا المجلس من بلاغ الله إياكم، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أرسل به، وأنتم فبلغوا عنا أحسن ما تسمعون ) .

    وفي رواية : كان يحدثهم حديثا كثيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا سكت قال : اعقلوا، بلغوا عنا كم بلغتم (8).

    3- أنه قد جدت أمور في عهد التابعين دفعتهم إلى أن يزيدوا من هذه العناية وهذا التوثيق وهي ظهور الحركات المضادة لمسيرة الإسلام منذ عهد عثمان وعلي رضي الله عنهم كحركات الشيعة والخوارج وما صاحب كل فرقة من اتجاه محموم للانقضاض على الإسلام وأهله .

    ولقد أدى ظهور هذه الحركات إلى إحداث الفرقة في صفوف المسلمين كما أدى إلى وضع الأحاديث التي تدعم رأى كل فريق وتقوي حزبه وتؤازر فكره ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى أمرين :

    الأول : تدوين المروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدوينا رسميا عاما بحيث يكون الرجوع إليه والصدور عنه، وهذا ما أسس لعلم الحديث رواية وهو الخاص بنقل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقيه أو خلقية ....إلخ .

    الثاني : نقد الرواية وتحقيق صحة السنة وتمييز المقبول من غير المقبول، وذلك ما أسس لعلم الحديث دراية، وهو الخاص، بالقواعد والقوانين التي يعرف بها أحوال السند والمتن لتمييز المقبول من غيره (9).

    4- دخول أهل البلاد المختلفة وأسئلتهم عن أمور تتعلق بالسنة أدى إلى اهتمام التابعين وتحريهم حتى تنقل السنة إلى هذه البلاد نقية .








    (1) - الحديث أخرجه أبو داود في سننه، كتاب العلم، باب فضل نشر العلم 2/31، وأخرجه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع 5/33-34، وقال : أبو عيسى : حديث حسن، وأخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب من بلغ علما 1/84-86، وأخرجه أحمد في مسنده 1/437.

    (2) - سورة الحجرات /86.

    (3) - أصول البزدوي 3/740-741.

    (4) - الحديث تقدم تخريجه .

    (5) - شرف أصحاب الحديث ص 95، المحدث الفاصل ص 547.

    (6) - شرف أصحاب الحديث ص 95.

    (7) - شرف أصحاب الحديث ص89- المحدث الفاصل ص 194.

    (8) - شرف أصحاب الحديث ص 96.

    (9) - انظر : شذرات من علوم السنة 1/192-193 السنة قبل التدوين ص 187-189، محاضرات في علوم الحديث ص 199.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (52)


    وسائل التابعين في حفظ السنة




    1- التوسع في الرحلة :
    إذا كان الصحابة قد أسسوا للرحلة في طلب الحديث فإن التابعين قد توسعوا فيها حتى صارت قاعدة، فقلما نجد تابعيا لم يرحل، وحتى صار علم الرجل يقاس بكثرة رحلاته .
    يقول بسر بن عبدالله : " إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه "(1).
    ويقول أبو العالية : " كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواهم " (2).
    وقال سعيد بن المسيب : " إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام "(3) .
    ورحل الإمام الشعبي في طلب ثلاثة أحاديث ذكرت له وقال : ( لعلي ألقي رجلا لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ") (4).
    وحدث الشعبي بحديث ثم قال لمن حدثه : ( خذها بغير شيء وقد كان الرجل يرحل فيما دونها إلى المدينة ) (5).
    وروى ابن أبي خيثمة بسنده عن مكحول قال : ( كنت لعمرو بن سعيد العاص أو لسعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل بمصر، فأنعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم قدمت المدينة فما خرجت منها حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا وقد سمعته، ثم لقيت الشعبي فلم أر مثله رحمه الله )(6).
    وكان مسروق كثير الرحلة في طلب الحديث ومذاكرته، وشهد له الشعبي بذلك فقال : ( ما علمت أن أحدا من الناس كان أطلب لعلم في أفق من الآفاق من مسروق)(7) .

    2- مذاكرة الحديث :

    ولم يقتصر أمر التابعين على الرحلة من أجل السماع فحسب، بل كانوا يتذاكرون الحديث فيما بينهم حتى يحفظوه ويثبت في أذهانهم فلا ينفلت منهم .
    فعن عطاء قال: ( كنا نأتي جابر بن عبدالله فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا وكان أبو الزبير أحفظنا لحديثه ) (8).
    وعن الليث بن سعد قال : ( تذاكر ابن شهاب ليلة بعد العشاء حديثا وهو جالس متوضأ، قال فما زال ذلك مجلسه حتى أصبح ) (9).
    وعن الأعمش قال : ( كان إسماعيل بن رجاء يجمع صبيان الكتاب يحدثهم يتحفظ بذاك ) (10).
    بل كانوا يحثون تلامذتهم على ذلك، فعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال : ( إحياء الحديث مذاكرته، فقال له عبدالله بن شداد: يرحمك الله، كم من حديث أحييته في صدري كان قد مات ) (11).
    وعن علقمة قال : ( تذاكروا الحديث فإن حياته ذكره )(12).

    3- الاحتياط في التحمل والأداء :
    وإذا كان التابعون قد جدوا في سماع الحديث وتحمله ومذاكرته فإنهم بنفس الدرجة قد جدوا في الأداء فلم يجز الواحد منهم لنفسه أن يلقي الحديث قبل أن يتثبت فيه وقبل أن يتأكد من أنه لن يحرفه عن وجهه الصحيح .
    يقول الإمام الشعبي مصورا عبء الرواية : ( يا ليتني أنفلت من علمي كفافا، لا علي ولا لي ) (13).
    ويقول أيضا ما يدل على محاسبته لنفسه في رواية الحديث ( كره الصالحون الأولون الإكثار من الحديث، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما حدثت إلا بما أجمع عليه أهل الحديث )(14).
    ومن أجل هذه حفظوه في صدروهم، وكان قتادة مثلا – كما يروى الرامهرمزي- إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل (15) حتى يحفظه (16) .
    وقد تركت رواية الكثيرين لأنهم غير متثبتين في روايتهم وإن كانوا عدولا، فعن أبي الزناد قال : ( أدركت بالمدينة مائة كلهم مأمون ما يؤخذ عنهم الحديث، يقال : ليس من أهله ) (17).




    (1) - سنن الدارمي 1/140.
    (2) - المصدر السابق .
    (3) - الرحلة للخطيب ص 127.
    (4) - الرحلة للخطيب ص 196.
    (5) - جامع بيان العلم وفضله 1/92-93-94.
    (6) - العلم لابن أبي خيثمة ص 118.
    (7) - جامع بيان العلم 1/94- العلم ص 117.
    (8) - سنن الدارمي 1/149 العلم ص 127.
    (9) - سنن الدارمي 1/149.
    (10) - سنن الدارمي 1/148.
    (11) - سنن الدارمي 1/148- العلم ص 126.
    (12) - العلم ص 126.
    (13) - تذكرة الحفاظ 1/88.

    (14) - تذكرة الحفاظ 1/83.
    (15) - عال يعول ويعيل أمره : اشتد وتفاقم والاسم العويل. القاموس ، مادة : عول . وزاوله زوالا ومزاولة : عالجة وحاول طلبه.القاموس. مادة : زول. والمعنى هنا نشط ولم يهدأ حتى يحفظه .
    (16) - المحدث الفاصل ص 408.
    (17) - مقدمة مسلم 1/15- المحدث الفاصل ص 407.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (53)


    من وسائل التابعين في حفظ السنة


    4- الاهتمام بالإسناد :
    ذكرنا فيما سبق أن بذور الإسناد قد نشأت في عهد الصحابة، لكن هذا الأمر نما تطور في عهد التابعين، وأصبح التابعون يشددون في طلب الإسناد من الرواة والتزموه في الحديث، لأن السند للخبر كالنسب للمرء، وجعلوا هذا الأمر دينا، يقول ابن سيرين ، ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم )(1) .
    وقال حماد بن زيد : دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال : ( اتقو الله يا معشر الشباب، وانظروا ممن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم )(2) .
    لذلك وجدناهم يسألون عن رجال الحديث حتى يلتقوا بهم أو يسألون غيرهم عنهم فيقفوا على حالهم .
    روى الإمام أحمد بسنده عن عبدالله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرأون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية... ) .
    قال عبدالله بن الصامت ، فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري، قلت : ما حديث سمعته من أبي ذر، كذا وكذا ،،،،، فذكرت له هذا الحديث، قال : وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
    ويروى ابن عبدالبر عن الشعبي عن الربيع بن خثيم قال : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كن له عتق رقاب أو رقبة. قال الشعبي فقلت للربيع بن خثيم : من حدثك بهذا الحديث؟ فقال : عمرو بن ميمون الأودي، فلقيت عمرو بن ميمون، فقلت : من حدثك بهذا الحديث؟ فقال : عبدالرحمن بن أبي ليلى، فلقيت ابن أبي ليلى فقلت : من حدثك؟ قال : أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) (4).
    قال يحيى بن سعيد : ( وهذا أول ما فتش عن الإسناد )(5).
    وقال أبو العالية : ( وكنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رضينا حتى رحلنا إليهم، فسمعناها من أفواههم ) (6).
    وكان التابعون واتباعهم يتواصون بطلب الإسناد، قال هشام بن عروة : ( إذا حدثك رجل بحديث فقل عمن هذا ؟ ) (7).
    وكان الزهري إذا حدث أتى بالإسناد ويقول : ( لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة ) (8).
    وقد أتقن التابعون الإسناد وبرزوا فيه كما برزوا في غيره من علوم الحديث وفي هذا يقول أبو داود الطيالسي : وجدنا الحديث عند أربعة : الزهري وقتادة وأبي إسحاق والأعمش فكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، والزهري أعلمهم بالإسناد، وأبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وابن مسعود، وكان عند الأعمش من كل هذا (9).
    وبين الإمام ابن سيرين السر وراء الاهتمام بالإسناد فيقول : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم )(10).
    ولا يطعن فيما قررناه من التزام التابعين للإسناد المتصل بما روى عن بعض التابعين من المراسيل لأن المرسل في قول أهل العلم بالحديث ضعيف (11)ومن ناحية أخرى كانت رواية الحديث عندهم في الأصل متصلة وليست مرسلة، لأن هناك روايات تؤكد أن التابعي كان يذكر من حدثه عندما يسأل عن الإسناد، ومن هذا ما يرويه ابن عبدالبر بإسناده المتصل عن مالك ابن أنس قال : ( كنا نجلس إلى الزهري وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزهري قال ابن عمر كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له : الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به ؟ قال : ابنه سالم (12).
    يقول الدكتور محمد عجاج الخطيب : ( وهكذا نرى أن الإسناد المتصل كان قد أخذ نصيبه من العناية والاهتمام في عهد التابعين حتى أصبح من واجب المحدث أن يبين نسب ما يروى وقد شبه بعضهم الحديث من غير إسناد بالبيت بلا سقف ولا دعائم ونظموه في قولهم:
    والعلم إن فاته إسناد مسنده ** كالبيت ليس له سقف ولا طنب
    وكان المحدث بإسناده الحديث يرفع العهدة عن نفسه ويطمئن إلى صحة ما ينقل عندما ينتهي سنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)(13) .

    5- نقد الرجال :
    إن التابعين لهم فضل وضع قواعد علم الرجال وضوابط الجرح والتعديل كقواعد اصطلاحية، فالثقة، كمصطلح حديثي عرف عندهم.
    يقول الإمام الشافعي رحمه الله : " كان ابن سيرين وإبراهيم النخعي وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة، يعرف ما يروى وما يحفظ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب "(14).
    وكذلك الشذوذ عرف في عهدهم، يقول أيوب السخيتاني وهو من صغار التابعين ( 131هـ ) : ( إذا أردت أن تعرف خطأ معلمك فجالس غيره )(15).
    وهذا معناه أن المرء يستطيع بمقارنة الروايات بعضها ببعض أن يدرك الشذوذ ويميز الصواب من الخطأ وهذا ما أسس لمصطلح الشاذ فيما بعد.
    هذا بالإضافة إلى أنهم قد أحصوا أخطاء الرواة ليعرفوا حقيقة ما يروون، يقول الإمام الشعبي ( ولله لو أصبت تسعا وتسعين مرة وأخطأت مرة لعدوا على تلك الواحدة ) (16).
    هكذا بين جهابذة هذا العلم أحوال الرواة المقبول منهم والمتروك حتى تكامل هذا العلم فيما بعد واستوى على سوقه وألفت فيه المؤلفات الجمة والتي تحوى شهادة هؤلاء الأعلام على الرواة ونقدهم لهم .

    6- نقد متن الحديث :
    اقتدى التابعون بأساتذتهم الصحابة في الاهتمام بالمتن وتوثيقه، فنقدوه إذا وجدوا معارضة بينه وبين القرآن أو بينه وبين مبادئ الإسلام العامة، وهدفهم في ذلك تمييز الصحيح من الضعيف .
    ومن الأمثلة على ذلك : ( أن الإمام الشعبي سمع رجلا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى خلق صورين، له في كل صور نفختان، نفخة الصعق، ونفخة القيامة ) .
    فرده لأنه يتعارض مع القرآن الكريم ، وقال لراويه: ( يا شيخ اتق الله ولا تحدثنا بالخطأ إن الله تعالى لم يخلق إلا صورا واحدا، وإنما هي نفختان : نفخة الصعق ونفخة القيامة )(17) وقد فهم هذا من قوله تعالى : ( ونفخ في الصور، فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم نفخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون )(18).


    (1) - مقدمة مسلم 1/14- المجروحين لابن حبان 1/ص 21.
    (2) - المجروحين 1/22.
    (3) - المسند 5/31.
    (4) - التمهيد لابن عبدالبر 1/55.
    (5) - المحدث الفاصل ص 208 السنة قبل التدوين ص 223.
    (6) - مقدمة التمهيد 1/56.
    (7) - الجرح والتعديل 1/34.
    (8) - الجرح والتعديل 1/16.
    (9) - تذكرة الحفاظ 1/108.
    (10) - مقدمة مسلم 1/15.
    (11) - التقريب للنووي ص 9- قواعد التحديث للقاسمي ص 133.
    (12) - مقدمة التمهيد 1/37.

    (13) - السنة قبل التدوين 225-226.
    (14) - المحدث الفاصل ص 405.
    (15) - المحدث الفاصل ص 405.
    (16) - تذكرة الحفاظ 1/82- السنة قبل التدوين ص 234.
    (17) - تحذير الخواص للسيوطي ص 203-204.
    (18) - سورة الزمر /68.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (54)


    من وسائل التابعين في حفظ السنة

    7- كتابة السنة :
    لقد تلقى التابعون علومهم على يدي الصحابة وخالطوهم، وعرفوا كل شيء عنهم وحملوا الكثير الطيب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريقهم، وعرفوا متى كره هؤلاء كتابة الحديث ومتى أباحوه فتأسوا بهم، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين، فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة على الكراهة هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فذا هم يكرهون الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة، ويجمعون على الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب ، ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعيين أحدهما يمنع الكتابة والآخر يبيحها ما دمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت بها .
    وعليه فإن كراهية بعض كبار التابعين للكتابة، كعبيدة بن عمرو السلماني المرادي ( 72هـ) والذي لم يرض أن يكتب عنده أحد ولا يقرأ عليه أحد (1).
    وكإبراهيم النخعي ( 96هـ ) والذي كره أن تكتب الأحاديث في الكراريس وتشبه بالمصاحف (2)وكان يقول : ( ما كتبت شيئا قط ) (3)حتى أنه منع حماد بن سليمان من كتابة أطراف الأحاديث (4)ثم تساهل في كتابتها .
    قال ابن عون : ( رأيت حمادا يكتب عن إبراهيم فقال له إبراهيم : ألم أنهك؟ قال : إنما هي أطراف ) (5).
    وكقتادة الذي كان يكره الكتابة فإذا سمع وقع الكتاب أنكره والتمسه بيده (6)
    ونسمع عامرا الشعبي ( 103هـ ) يردد عبارته المشهورة ( ما كتبت سوداء في بيضاء ولا سمعت من رجل حديثا فأردت أن يعيده علي ) (7).
    وإنما دفعهم إلى ذلك خوفهم من اختلاط السنة بآرائهم الشخصية وفي هذا يقول أستاذنا الدكتور يوسف العش : ( وأما من ورد عنهم الامتناع عن الإكتاب من هذا الجيل فيؤول امتناعهم بما لا يخالف ما انتهينا إليه، فهم جميعا فقهاء، وليس بينهم محدث ليس بفقيه، والفقيه يجمع بين الحديث والرأي، فيخاف تقييد رأيه واجتهاده إلى جانب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم )(8) .
    ويوضح هذا بأمثله تثبت ما ذهب إليه فيقول : ( إننا نجد في الواقع أخبارا تروى كراهتهم لكتابة الرأي كاعتذار زيد بن ثابت عن أن يكتب عنه كتاب مروان .. وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب – وهو من الفقهاء والذين روى امتناعهم عن الإكتاب – فسأله عن شيء فأملاه عليه ثم سأله عن رأيه فأجابه فكتبه الرجل ، فقال رجل من جلساء سعيد أيكتب يا أبا محمد رأيك، فقال سعيد للرجل: ناولينها، فناوله الصحيفة فخرقها(9)، وقيل لجابر بن زيد إنهم يكتبون رأيك، قال : تكتبون ما عسى أرجع عنه غدا )(10) .
    وكل هذه الأقوال رويت من علماء، حدث المؤرخون عنهم أنهم كرهوا إكتاب الناس وهي تدل دلالة صريحة على أن الكراهة ليست في كتابة الحديث بل في كتابة الرأي، وأن الأخبار التي وردت في النهي دون تخصيص إنما قصد بها الرأي خاصة، ويشابه هذا الأمر ما حدث في أمر كراهية الرسول والصحابة الأولين من التباس الحديث بالقرآن أو الانكباب عليه دونه، فما كانوا يخشونه من الحديث أصبح خشية التابعين الأولين من الرأي والتباسه بالحديث(11).
    ويقوى هذا الرأي ما ورد عن هؤلاء التابعين من كتابتهم للحديث عن الصحابة، من أخبار يحثون فيها على الكتابة، ويسمحون لطلابهم أن يكتبوا عنهم، خاصة بعد أن فرق الطلاب بين النهي عن كتابة الرأي، والنهي عن كتابة الرأي مع الحديث، فهذا سعيد بن جبير ( 95هـ ) يكون مع ابن عباس فيستمع منه الحديث فيكتبه في واسطة الرحل فإذا نزل نسخة )(12).
    وعنه قال : ( كنت أسير بين ابن عمر وابن عباس فكنت أسمع الحديث منهما، فأكتبه على واسطة الرحل حتى أنزل فاكتبه ) (13).
    وهذا عامر الشعبي بعد أن كان يقول : ( ما كتبت سوداء في بيضاء ) يردد قوله : ( الكتاب قيد العلم )(14) وكان يحض على الكتابة ويقول : ( إذا سمعتم مني شيئا فاكتبوه ولو في حائط ) (15)، وكان عطاء بن أبي رباح ( 114هـ ) يكتب لنفسه، وكان طلابه يكتبون بين يديه )(16).
    وقد بالغ في حض طلابه على التعلم والكتابة ، فعن أبي حكيم الهمداني، قال : ( كنت عند عطاء بن أبي رباح، ونحن غلمان، فقال : يا غلمان، تعالوا اكتبوا، فمن كان منكم لا يحسن كتبنا له، ومن لم يكن معه قرطاس أعطيناه من عندنا ) (17).
    وكان نافع مولى ابن عمر يملى علمه وطلابه يكتبون بين يديه(18) .
    وكان عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) يكتب الحديث، روى عن أبي قلابه قال : خرج علينا عمر بن عبدالعزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه، فقلت له : يا أمير المؤمنين، ما هذا الكتاب؟ قال : حديث حدثني به عون بن عبدالله فأعجبني فكتبته (19)، وانتشرت الكتب حتى قال الحسن البصري ( 110هـ ) : ( إن لنا كتبا كنا نتعاهدها )(20).
    ونشطت الحركة العلمية وازدادت معها الكتابة ويصور لنا قتادة بن دعامة السدوسي ( 118هـ ) بإجابته لمن يسأله عن كتابة الحديث – موقف هذا الجبل من التابعين من الكتابة إذ يقول : وما يمنعك أن تكتب ، وأخبرك اللطيف الخبير أنه يكتب ( قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى )(21).
    وهذا يدل على أن الكتابة قد شاعت بين مختلف الطبقات ولم يعد أحد ينكرها في أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني، وقد كثرت الصحف والكتب في ذلك الوقت حتى لنرى مجاهد بن جبر ( 103هـ ) يسمح لبعض أصحابه أن يصعدوا إلى غرفته فيخرج إليهم كتبه فينسخون منها(22) ،وكان أن ظهرت المصنفات المستقلة في العلوم المختلفة ومنها السنة، ومن أبرز المؤلفات الحديثية في هذا العصر :
    1- المغازي والسير، وكان أول من ألف فيها- فيما أعلم – هو عروة بن الزبير الذي صنف كتابه المغازي والسير (23).
    2- كتب الأطراف – وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – محمد بن سيرين الذي كتب أطراف حديث عبيدة السلماني(24) .
    3- السنن، وكان أول من ألف فيها – فيما أعلم – هو مكحول الشامي الذي صنف كتاب " السنن في الحديث " (25).
    ويلاحظ أن كتابة السنة قد أخذت طورا أعمق في عهد التابعين منه في عهد الصحابة وأنها بدأت تأخذ طابعا خاصا ومساراً جديداً لكل مجموعة من الأحاديث، وأن التأليف المنهجي أخذ يبرز إلى ساحات العلم ولعل أول بادرة له كانت بكتاب السنن لمكحول الدمشقي، كما لا يخفى أن هذه المؤلفات هي مؤلفات لأنواع جديدة لم تكن في سلفهم من الصحابة كما أن تلك الأنواع التي كانت في عهد الصحابة قد ألف فيها التابعون (26)، ومن أشهر تلك المؤلفات ( صحيفة همام بن منبه ) والتي كتبها عن أبي هريرة، ونقلها المصنفون بعد ذلك في القرن الثاني وما بعده(27)وقد نقلها الإمام أحمد بن حنبل في مسنده في موضع واحد بسند واحد في أول الأحاديث (28).



    (1) - جامع البيان العلم ص 84 – تقييد العلم ص 45-46 – العلم ص 144.
    (2) - سنن الدارمي 1/121، جامع بيان العلم ص 84- تقييد العلم ص 48.
    (3) - تقييد العلم ص 60.
    (4) - العلم لزهير بن حرب ص 141.
    (5) - سنن الدارمي 1/120- جامع بيان العلم ص 92- العلم ص 141-146.
    (6) - سنن الدارمي 1/120.
    (7) - جامع بيان العلم ص 85.
    (8) - تقييد العلم، مقدمة المحقق ص 20.
    (9) - جامع بيان العلم 2/144.
    (10) - جامع بيان العلم وفضله 2/31.
    (11) - مجلة الثقافة المصرية الصفحة 8-9 من العدد 352 في السنة السابعة، نقلا عن السنة قبل التدوين ص 323-325.
    (12) - جامع بيان العلم ص 92.
    (13) - تقييد العلم ص 98.
    (14) - تقييد العلم ص 99- المحدث الفاصل ص 375.
    (15) - العلم لزهير ص 144- طبقات ابن سعد 6/257.
    (16) - سنن الدارمي 1/129.
    (17) - السنة قبل التدوين ص 327.
    (18) - سنن الدارمي 1/129.
    (19) - سنن الدارمي 1/130.
    (20) -جامع بيان العلم ص 95.

    (21) - تقييد العلم 103، والآية 52 من سورة طه. المحدث الفاصل 372، شرح السنة 1/296.
    (22) - سنن الدارمي 1/128، تقييد العلم ص 105.
    (23) - كشف الظنون 2/1747.
    (24) - جامع بيان العلم 2/9.
    (25) - هدية العارفين 2/470- الفهرست لابن النديم 318.
    (26) - كشف اللثام 1/132، وانظر أمثلة أخرى بكتاب دراسات في الحديث النبوي للدكتور محمد الأعظمي ( 1/143-167) فقد عرض لنماذج كثيرة من كتابة التابعين، والكتابة عنهم .
    (27) - طبعت هذه الصحيفة بتحقيق الدكتور رفعت فوزي ونشرتها مكتبة الخانجي 1406هـ- 1985م .
    (28) - المسند 2/314-319.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (55)


    يتبع من وسائل التابعين في حفظ السنة





    ضوابط التدوين:

    وهكذا هيأ هؤلاء التابعون بتدوينهم علم الصحابة، المادة المدونة لمن تصدوا لتصنيف المؤلفات الجامعة في الحديث في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد وضع التابعون مع هذا التدوين ضوابطه وأسسه التي تجعل الأحاديث تتنقل به انتقالا صحيحا فلا يعتريها تحريف أو تبديل ومن هذه الضوابط :



    1- المعارضة والمقابلة : ومعنى ذلك أن التلميذ يعرض على شيخه ما أخذه عنه ليتلافى الأخطاء التي تحدث أثناء النقل، فعن بشربن نهيك قال : " أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبت عنه فقرأته عليه، قلت : هذا سمعته منك؟ قال : نعم " (1).

    ويقول هشام بن عروة : قال لي أبي : أكتبت؟ قلت : نعم ، قال :عارضت؟ قلت : لا ، قال : لم تكتب(2).

    ويقول يحيى بن أبي كثير ( 129هـ ) من كتب ولم يعارض كان كمن خرج من المخرج ولم يستنج(3) .

    بل إن الشيوخ يستحثون التلاميذ على المعارضة، قيل لنافع مولي ابن عمر: إنهم قد كتبوا حديثك، قال : فليأتوني حتى أقيمه لهم (4).

    وقال الوليد بن أبي السائب : رأيت مكحولا ونافعا وعطاء تقرأ عليهم الأحاديث، وعن عبيدالله بن أبي رافع قال ، رأيت من يقرأ على الأعرج – عبدالرحمن بن هرمز ( 117هـ) حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " هذا حديثك يا أبا داود ؟ قال : نعم (5).

    وعن عاصم الأحول قال عرضت على الشعبي أحاديث فأجازها لي (6).

    وعن معمر قال رأيت رجلا من بني أمية يقال له إبراهيم بن الوليد جاء إلى الزهري بكتاب فعرض عليه ثم قال : أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال إي لعمري فمن يحدثكموه غيري ؟ (7).

    2- الحفظ : ونعني به حفظ الكتب، فبعضهم كان يحفظها في ذاكرته، وبعضهم يحفظها في مكان أمين ، وكان قتادة يحفظ صحيفة الصحابي الجليل جابر بن عبدالله حفظا جيدا (8)، وكان الحسن بن علي يحفظ قول أبيه المكتوب في ربعة لا يخرجه منها إلا عند الحاجة إليها (9)، وكان خالد بن معدان، الذي لقي سبعين صحابيا يتخذ لكتابه عرى وأزراراً حفظا له (10).

    وكانت هذه الكتب تراجع بالسماع أو بالقراءة على الشيخ حتى لا تقرأ محرفة، قيل لابن سيرين : ما تقول في رجل يجد الكتاب يقرؤه أو ينظر فيه؟ قال : لا . حتى يسمعه من ثقة (11)، واستفتى أيوب الناس فيما آل إليه من كتب أبي قلابة وصية، هل يحدث بما فيه مع أن بعضه انتقل إليه وجادة، ولهذا توقف ابن سيرين وقال له : لا آمرك ولا أنهاك(12).

    واعتنى الأئمة بهذه الناحية عناية شديدة فتناولوا هذه الكتب ونبهوا على ما انتقل منها سماعا أو عرضا وما لم ينقل كذلك فلا يعتمد عليه كثيرا وخاصة إذا كان بطريق الوجادة إلى آخر ما جاء في هذا الصدد .

    وإذا كان ما قدمناه من التدوين يتعلق بالتدوين الفردي، فقد ارتقى هذا الأمر إلى مرتبة التدوين الرسمي العام الذي تشرف عليه الدولة وتندب له الأفراد وإليك بيان هذا .








    (1) - تهذيب التهذيب 1/470- الكفاية ص 411 ط دار الكتب الحديثة .

    (2) - جامع بيان العلم ص 100 - أدب الإملاء ص 79.

    (3) - جامع بيان العلم ص 100- أدب الإملاء ص 78.

    (4) - أدب الإملاء والاستملاء ص 78.

    (5) - طبقات ابن سعد 5/209.

    (6) - الكفاية ص 264.

    (7) - الكفاية ص 266.

    (8) - طبقات ابن سعد 7/2.

    (9) - العلل ومعرفة الرجال 1/104.

    (10) - تذكرة الحفاظ 1/78.

    (11) - الكفاية ص 52 توثيق السنة ص 62.
    (12) - المحدث الفاصل ص 459- توثيق السنة ص 62.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (56)

    التدوين الرسمي للسنة





    من المعلوم أن السنة لم تدون تدوينا رسميا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما دون القرآن، عدا ما دونه بعض الصحابة في صحف خاصة بهم – كما تقدم بيانه وفي عصر الخلفاء الراشدين كانت هناك محاولات لجمعها وتدوينها فقد عزم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كتابة السنة وتدوينها ثم تراجع عن ذلك خشية أن تلتبس بكتاب الله عز وجل .

    يقول عروة بن الزبير : ( إن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار عليه عامتهم بذلك ، فلبث عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا فيه، ثم أصبح يوما وقد عزم الله له، فقال : إني كنت قد ذكرت لكم من كتاب السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت، فإذا أناس من أهل الكتاب قبلكم، قد كتبوا مع كتاب الله كتبا، فأكبوا عليها، وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبدا، فترك كتاب السنن )(1) .

    وهكذا ظلت السنة في عصر الصحابة محفوظة في صدورهم، ثم نقلوها إلى التابعين مشافهة وتلقينا كما تحملوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    وأول من فكر في جمع السنة وتدوينها رسميا من التابعين الخليفة العادل الورع التقي أمير المؤمنين : عمر بن عبدالعزيز ( 101هـ ) والذي قوى عزمه لجمع السنة عدة أسباب نوجزها فيما يلي (2):

    1- أنه قد مر على القرآن الكريم زمن طويل، وحفظه من المسلمين خلق كثير ودون في مصاحف استقرت في الأمصار، وبهذا استقر القرآن في الصدور والمصاحف، وأصبح في مأمن من اللبس والشك، فلا حرج إذا في كتابة السنة وتدوينها.

    2- موت الكثير من حفظة الحديث بمرور الزمن، وقلة الضبط وضعف ملكة الحفظ كلما تقدم الزمن بالناس .

    3- كثرة المذاهب الدينية والسياسية التي عبثت بالحديث وكادت تذهب بالثقة فيه، الأمر الذي جعل العلماء يقومون بالدفاع عنه، ويعملون على حفظه بوسائل مختلفة كان من أهمها جمعة وتدوينه .

    يشهد لذلك قول ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) : ( لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها ولا نعرفها ما كتبت حديثا ولا أذنني في كتابته )(3) .

    من أجل هذه الأسباب قوى عزم عمر بن عبدالعزيز على جمع السنة، والمحافظة عليها من الفناء والدرس ونقلها من الصدور إلى السطور والخروج بها إلى دائرة التدوين والتصنيف والجمع والدرس ولتصبح مرجعاً محفوظاً يرجع إليه من يريد الارتشاف من نبعها الصافي ومعينها الوافي .

    فأمر عمر بن عبدالعزيز من يثق به في دينه وحفظه بكتابتها وتدوينها، وبذلك حقق عمر بن عبدالعزيز رغبة جده عمر بن الخطاب التي جاشت في نفسه مدة ثم عدل عنها خوفا من أن تلتبس بالقرآن أو يصرف الناس إليها .

    روى البخاري في صحيحه في باب كيف يقبض العلم ( وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم عامله على المدينة – انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه – فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم – ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً )(4).

    وقد علق الحافظ ابن حجر على هذا الأثر بقوله : ( ويستفاد منه ابتداء تدوين الحديث النبوي، وكانوا قبل ذلك يعتمدون على الحفظ، فلما خاف عمر بن عبد العزيز، وكان على رأس المائة الأولى، من ذهاب العلم بموت العلماء، رأى في تدوينه ضبطا له وإبقاء، وقد روى أبو نعيم في تاريخ أصبهان هذه القصة بلفظ : كتب عمر بن عبدالعزيز إلى الآفاق : انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه ) (5).

    وروى الإمام مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن : ( إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنة أو حديث عمرة، أو نحو هذا فاكتبه لي فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ) (6).

    وفي رواية أمره أن يكتب له العلم الذي عند عمرة بنت عبدالرحمن ( 98هـ ) والقاسم ابن محمد ( 107هـ ) فكتبه له (7).

    كما أمر ابن شهاب الزهري ( 124هـ ) وغيره بجمع السنن (8)، وربما لم يكتف عمر بن عبدالعزيز بأمر من أمرهم بجمع الحديث، فأرسل كتبا إلى الآفاق يحث المسئولين فيها على تشجيع أهل العلم على دراسة السنة وإحيائها، ومن هذا ما يرويه عكرمة بن عمار قال : سمعت كتاب عمر بن عبدالعزيز يقول : ( أما بعد فأمروا أهل العلم أن ينتشروا في مساجدهم، فإن السنة كانت قد أميتت ) (9).

    بل هناك أخبار تثبت أن عمر بن عبدالعزيز قد شارك العلماء في مناقشة بعض ما جمعوه ومن ذلك ما رواه أبو الزناد – عبدالله بن ذكوان القرشي ( 131هـ ) قال : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز جمع الفقهاء فجمعوا له أشياء من السنن فإذا جاء الشيء الذي ليس العمل عليه، قال : هذه زيادة ليس العمل عليها ) (10).

    من هنا يتبين لنا أن عمر بن عبدالعزيز قد بذل جهدا كبيرا في المحافظة على السنة مع قصر مدة خلافته، فقد طلب من أبي بكر بن حزم جمع الحديث، وأبو بكر هذا من أعلام عصره، قال فيه مالك بن أنس : ( ما رأيت مثل أبي بكر بن حزم أعظم مروءة ولا أتم حالا ... ولي المدينة والقضاء والموسم (11)وعنه قوله : " لم يكن عندنا أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر "(12)، وكان قد طلب منه أن يكتب إليه حديث عمرة بنت عبدالرحمن وهي خالته، نشأت في حجر عائشة، وكانت من أثبت التابعين في حديث عائشة رضي الله عنها )(13) .

    وأما القاسم بن محمد بن أبي بكر ( 107هـ ) الذي ذكر في بعض الروايات فهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة، عالم أهل زمانه، تلقى علمه عن عمته عائشة رضي الله عنها، وعائشة أم المؤمنين معروفة بعلمها وتعمقها في السنة وهي غنية عن التعريف .

    وأما ابن شهاب أحد الذين شاركوا في الجمع والكتابة فهو أحد أعلام ذلك العصر كان قد كتب السنن وما جاء عن الصحابة أثناء طلبة العلم(14)، وكان ذا مكانة رفيعة، فقد روى عن أبي الزناد أنه قال : ( كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب يكتب كل ما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس ) (15).

    وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب التي جمعها أبو بكر – كما يذكر ذلك بعض العلماء (16)فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده التي حققها ابن شهاب الزهري الذي يقول : ( أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن فكتبنا دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتر )(17).

    وعلى هذا يحمل ما قاله المؤرخون والعلماء ( أول من دون العلم ابن شهاب )(18) وله أن يفخر بعمله هذا فيقول : ( لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني )(19) .

    وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبدالعزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارة : ( وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز ونحوها )(20) .

    ويفهم من هذا أن التدوين الرسمي كان في عهد عمر بن عبدالعزيز ، أما تقييد الحديث وحفظه في الصحف والرقاع والعظام فقد مارسه الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقطع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام ، بل بقى جنبا إلى جنب مع الحفظ حتى قيض الله للحديث من يودعه المدونات الكبرى .










    (1) - تقييد العلم ص 50- جامع بيان العلم 1/64.

    (2) - عناية المسلمين بالسنة للدكتور الذهبي ص 18- دراسات في مناهج المحدثين ص 78-79.

    (3) - تقييد العلم ص 108.

    (4) - صحيح البخاري، كتاب العلم باب كيف يقبض العلم ( 1/234 ) فتح .

    (5) - فتح الباري 1/194.

    (6) - موطأ مالك، المقدمة لعبدالحي اللكنوي 13، تقييد العلم ص 105،سنن الدارمي ، المقدمة، باب من رخص في كتاب العلم 1/137.

    (7) - مقدمة الجرح والتعديل ص 21، والمراد أن يكتب له حديث عمرة لأنها توفيت قبل سنة ( 99هـ) السنة التي تولى فيها عمر بن عبدالعزيز الخلافة وواضح هذا في الخبر الذي قبله .

    (8) - جامع بيان العلم 1/76.

    (9) - المحدث الفاصل ص 153- السنة قبل التدوين ص 330.

    (10) - قبول الأخبار ص 30 نقلا عن السنة قبل التدوين ص 330.

    (11) - تهذيب التهذيب 12/39.

    (12) - تهذيب التهذيب 12/39.

    (13) - تهذيب التهذيب 12/438، وقال سفيان بن عيينة: أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، وعمرة بنت عبدالرحمن. انظر مقدمة الجرح والتعديل ص 45.

    (14) - جامع بيان العلم 1/76.

    (15) - جامع بيان العلم 1/73.

    (16) - قواعد التحديث ص 47.

    (17) - جامع بيان العلم 1/76.

    (18) - جامع بيان العلم 1/76- حلية الأولياء 3/363.

    (19) - الرسالة المستطرفة ص 4.
    (20) - قواعد التحديث ص 71- توجيه النظر ص 7 وإرشاد الساري 1/14.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (57)

    الحفاظ على المدارس الحديثية وتوسيعها
    لما انتشرت الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة بلاد الإسلام دخل كثير من أهل تلك البلاد في هذا الدين الجديد وقد احتاجوا إلى من يرشدهم ويعلمهم ويفقهم في الدين فما كان من الصحابة والتابعين إلا أن أقاموا في كل بلد دخلوها المساجد وأقاموا فيها حلقات للتعليم يعلمون الناس فيها القرآن والحديث، وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية، مراكز علمية، ومدارس حديثية، تتواصل فيها الحلقات، ويتلقى فيها التلاميذ عن الشيوخ، ويجدر بنا أن نذكر لمحة موجزه عن هذه المدارس، فنقول وبالله التوفيق .
    - مدرسة المدينة : كان فيها كثير من كبار الصحابة الذين أبوا أن يغادروها منهم عبدالله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وجابر بن عبدالله وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم سعيد بن المسيب وابن شهاب الزهري، وسالم بن عبدالله بن عمر، وعروة بن الزبير بن العوام، وعبدالله بن ذكران المشهور بأبى الزناد، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبو بكر عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ونافع مولى عبدالله بن عمر، وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، وأبو جعفر محمد بن الحسين المعروف بالباقر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبدالرحمن فروخ وسليمان بن يسار مولى السيدة ميمونة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهم )(1) .

    - مدرسة مكة : كان بها كثير من الصحابة منهم عبدالله بن عباس، وعثمان بن طلحة، وعتاب بن أسيد، وعبدالله بن السائب المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل ،وعباس بن أبي ربيعة، وصفوان بن أمية، والحارث بن هشام، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم عطاء بن أبي رباح، ومجاهد بن جبر مولى بني مخزوم ،وعبدالملك بن عبدالعزيز بن جريح ،وعكرمة مولى بن عباس، وأبو الزبير محمد بن مسلم مولى حكيم بن حزم وغيرهم(2).

    ولابد أن نذكر هنا علو منزلة مدرسة المدينة ومكة وأثرهما في تبادل الثقافة ونشر الحديث النبوي في مواسم الحج، حيث يلتقي فيها المسلمون ويجتمع أكثرهم بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتابعين ويحملون معهم الكثير الطيب من حديثة عليه الصلاة والسلام إلى بلادهم . ولا تزال لمكة والمدينة هذه المكانة إلى يومنا هذا، وستبقى ما بقى الإسلام إلى يوم الدين، وكان أشهر من تخرج في مدرسة الحجاز من أتباع التابعين الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب.

    - مدرسة الكوفة :
    كان بها كثير من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي وأبو موسى الأشعري، والبراء بن عازب، وعمار بن ياسر، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب وغيرهم . وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو محمد سليمان الأعمش، والأسود بن يزيد النخعي، وشريح بن الحارث الكندي، وأبو عمرو عامر بن شراحبيل الشعبي، وسعيد بن جبير، ومسروق بن الأجدع الهمذاني، وعلقمة بن قيس النخعي، وعبيدة بن عمر السلماني، وإبراهيم بن زيد النخعي وغيرهم . وكان أشهر من تخرج بمدرسة الكوفة من أتباع التابعين هو سفيان الثوري ووكيع بن الجرح(3).

    - مدرسة البصرة : نزل بها كثير من الصحابة منهم أنس بن مالك، وعمران بن حصين، ومعقل بن يسار، وعبدالرحمن بن سمرة، وعتبه بن غزوان، وأبو برزة الأسلمي، وأبو بكرة،، وعبدالله بن مغفل المزني، وغيرهم. وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، ومحمد ابن سيرين مولى أنس بن مالك، وأبو الخطاب قتادة بن دعامة العروسي، وأبو بردة بن أبي موسى، ومطرف بن عبدالله بن الشخير، وأبو العالية ربيع بن مهران الرياحي، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، والحسن بن أبي الحسن يسار مولى زيد بن ثابت، وكان أشهر من تخرج منها من أتباع التابعين يحيى بن سعيد القطان وشعبه بن الحجاج وعبدالرحمن بن مهدي(4).

    - مدرسة الشام :
    نزل بها كثير من الصحابة، منهم معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبو الدرداء الأنصاري، والفضل بن العباس، وعبدالرحمن بن غنم ،وشرحبيل بن حسنة وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم، أبو نصر رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني، وعائذ الله أبو إدريس الخولاني، ومكحول بن أبي مسلم مولى امرأة من هذيل، وقبيضة بن ذؤيب، وعبدالرحمن ابن غنم الأشعري، وعمر بن عبدالعزيز بن مروان، وغيرهم، وكان أشهر من تخرج فيها من أتباع التابعين عبدالرحمن الأوزاعي(5).

    - مدرسة مصر : نزل بها كثير من الصحابة منهم عبدالله بن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني، وخارجة بن حذافة، وعبدالله بن سعد بن أبي السرح، وأبو بصرة الغفاري، وغيرهم، وقد تتلمذ عليهم كثير من التابعين من أشهرهم أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب المصري مولى الأزد، وأبو الخير مرشد بن عبدالله اليزني، وعمر بن الحارث، وخير ابن نعيم الحضرمي، وعبدالله بن سليمان الطويل، وعبدالرحمن بن شريح الغافقي، وحيوة ابن شريح التجيبي ، وغيرهم. وقد كان ليزيد بن أبي حبيب أثر بعيد في نشر الحديث في مصر، فقد تتلمذ عليه الليث بن سعد، وعبدالله بن لهيعة اللذان تتلمذ عليهما خلق كثير، وكانا في عصرهما محدثي الديار المصرية(6).

    والخلاصة أن هذه المدارس التي عرضنا لها كان لها دور كبير وأثر بالغ في تواصل الحلقات العلمية وانتقال الأحاديث النبوية للأجيال المتتالية حتى دونت السنة في المصنفات، الأمر الذي جعلنا نرى في الأحاديث النبوية أحاديث أسانيدها مدنيون، وأخرى أسانيدها مكيون، وأخرى أسانيدها شاميون وأخرى أسانيدها بصريون وهكذا وهذا معناه أن هذه المدارس قد حافظت على تواصل حلقات الرواية جيلا إثر جيل .

    (1) - السنة قبل التدوين ص 164، محاضرات في علوم الحديث ص 186.
    (2)
    - السنة قبل التدوين ص 165- محاضرات في علوم الحديث ص 187.

    (3)
    - السنة قبل التدوين ص 167- محاضرات في علوم الحديث ص 187.

    (4)
    - السنة قبل التدوين ص 167- محاضرات في علوم الحديث ص 188.

    (5)
    - السنة قبل التدوين ص 168- محاضرات في علوم الحديث ص 188.

    (6) - السنة قبل التدوين ص 170-171-محاضرات في علوم الحديث ص 189.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (58)




    الفرق بين منهج الصحابة ومنهج التابعين

    في الصفحات الماضية وقفنا على منهج الصحابة والتابعين في حفظ السنة ولاحظنا شدة الارتباط الفكري بين الصحابة والتابعين في المنهج والمسلك حفاظا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أن بعض الظروف قد جدت في عصر التابعين جعلتهم يجتهدون في تثبيت القواعد التي تصون السنة، ويمكننا عرض ذلك في نقاط هي :
    1- سلك التابعون منهج الصحابة في التثبت من الروايات لكنهم لم ينهجوا منهج الصحابة من التقليل في الرواية بل أكثروا من رواية الحديث ونشره .
    2- شدة العناية بالإسناد فنجد أن الصحابة وإن نشأ في عصرهم بذور الإسناد فإنه قد نما وتطور في عصر التابعين، بل وتأصل في عصرهم التفتيش عن أحوال الرجال نتيجة للملابسات التي جدت في عصرهم ولم تكن موجودة في عصر أسلافهم الصحابة كوجود المذاهب الدينية والأحزاب السياسية والتي نتجت عن الفتنة التي حدثت في عصر عثمان رضي الله عنه .
    يشهد لذلك ما جاء عن محمد بن سيرين : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ عنهم ) (1).
    وقال ابن سيرين أيضاً : ( إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ) (2).
    وروى الدرامي بسنده عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : ( لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم ) (3).
    3- التوسع في الكتابة فنجد أن كتابة السنة على مستوى الأفراد وحفظها في الصحف والرقاع والعظام قد مارسه الصحابة والتابعون، وإن كان التابعون قد أضافوا مؤلفات جديدة فوق مؤلفات الصحابة – وقد سبق بيان ذلك – غير أن الجديد في عصر التابعين هو التدوين الرسمي الذي تبنته الدولة وقامت على أمره صيانة للحديث وخوفا عليه من الضياع وذلك ما قام به خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وأرضاه .
    4- تميز السنة كعلم مستقل عن العلوم الأخرى، ومن هنا وجدنا في التابعين من اشتهر بالحديث كالزهري والشعبي، ومن اشتهر بالتفسير كقتادة ومجاهد وعكرمة، ومن اشتهر بالسيرة والمغازي كعروة بن الزبير وأبان بن عثمان .
    5- وجود المصنفات المستقلة بالسنة كالسنن لمكحول، والأطراف لمحمد بن سيرين.
    6- التوسع في الرحلة لدرجة قياس العالم بكثرة رحلاته .
    7- وضع بواكير علم الرجال وقواعد المصطلح .
    8- الحفاظ على المدارس الحديثية وتوسيعها الأمر الذي أدى إلى تواصل حلقات الرواية في الأجيال .



    (1) مقدمة صحيح مسلم 1/14.
    (2) مقدمة صحيح مسلم 1/14.
    (3) سنن الدارمي، باب اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة 1/110.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (59)



    أئمة الحديث من التابعين



    كان للجهود التي بذلها التابعون في الحفاظ على السنة ونشرها ثماراً مباركة فقد خرجت أفذاذا من الجيل حازوا قصب السبق في هذا الميدان لاجتهادهم وإخلاصهم فيه فكان لهم من الخلف مزيد الثناء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

    قال جعفر بن ربيعه : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ قال : أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضايا أبي بكر وعمر وعثمان وأفقهم فقها وأعلمهم علما بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثا فعروه بن الزبير، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرا إلا فجرته، وأعلمهم عندي جميعا ابن شهاب، فإنه جمع علمهم جميعا إلى علمه .

    وقال الزهري : العلماء أربعة : سعيد بن المسيب بالمدينة، والشعبي بالكوفة، والحسن بالبصرة، ومكحول الشام .

    وقال أبو الزناد : كان فقهاء أهل المدينة أربعة : سعيد بن المسيب، وقبيضة بن ذؤيب، وعروة بن الزبير، وعبدالملك بن مروان .

    وقال الزهري : أربعة من قريش وجدتهم بحوراً : سعيد بن المسيب، وعروة ابن الزبير، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وعبيد الله بن عبدالله .

    وقال ابن سيرين : قدمت الكوفة وبها أربعة آلاف يطلبون الحديث، وشيوخ الكوفة أربعة: عبيدة السلماني، والحارث الأعور، وعلقمة بن قيس، وشريح القاضي، وكان أحسنهم .

    وقال الشعبي : كان الفقهاء بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكوفة من أصحاب ابن مسعود هؤلاء : علقمة وعبيدة، وشريح، ومسروق، وكان مسروق أعلم بالفتوى من شريح، وشريح أعلم بالقضاء، وكان عبيدة يوازيه .

    وقال ابن عون وقيس بن سعد : لم ير في الدنيا مثل ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشام، وطاووس باليمن .

    وقال قتادة : أعلم التابعين أربعة : عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وسعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير، وعكرمة مولى ابن عباس أعلمهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والحسن أعلمهم بالحلال والحرام .

    وقال سليمان بن موسى : إن جاءنا العلم من ناحية الجزيرة عن ميمون بن مهران قبلناه، وإن جاءنا من البصرة عن الحسن البصري قبلناه، وإن جاءنا من الحجاز عن الزهري قبلناه، وإن جاءنا من الشام عن مكحول قبلناه، وكان هؤلاء الأربعة علماء الناس في زمن هشام .

    وقال أبو داود الطيالسي: وجدنا الحديث عند أربعة : الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، قال : وكان الزهري أعلمهم بالإسناد، وكان قتادة أعلمهم بالاختلاف، وكان أبو إسحاق أعلمهم بحديث علي وعبدالله، وكان عند الأعمش من كل هذا (1).

    من خلال هذا العرض لكلام العلماء في أئمة الحديث من التابعين نجد أن عددهم قد بلغ ستة وعشرين راويا هم :

    1- سعيد بن المسيب .

    2- عروة بن الزبير .

    3- عبدالله بن عبيدالله .

    4- ابن شهاب الزهري .

    5- الشعبي .

    6- الحسن البصري .

    7- مكحول الدمشقي .

    8- قبيضة بن ذؤيب .

    9- عبدالملك بن مروان .

    10-أبو سلمة بن عبدالرحمن .

    11-عبيدة السلماني .

    12-الحارث الأعور .

    13-علقمة بن قيس .

    14-شريح القاضي .

    15-مسروق الأجدع .

    16-محمد بن سيرين .

    17-القاسم بن محمد .

    18-رجاء بن حيوه .

    19-طاووس .

    20-عطاء بن أبي رباح .

    21-سعيد بن جبير .

    22-عكرمة .

    23-ميمون بن مهران .

    24-قتادة .

    25-أبو إسحاق السبيعي .

    26-الأعمش .

    وهؤلاء الرواة عدا قليل منهم عليهم تقوم أصح الأسانيد والتي تعرف بسلاسل الذهب منها مثلا :

    1- الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس عن عمر .

    2- محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي .

    3- علي بن الحسين بن علي عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص.

    4- الأعمش عن إبراهيم بن علقمة عن ابن مسعود .

    5- الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .

    6- مالك عن الزهري عن أنس . (2)








    (1) المنهج الحديث في علوم الحديث للدكتور – محمد السماحي ص 201-202، تدريب الراوي 2/399-401.

    (2) انظر ألفية السيوطي بشرح الشيخ أحمد شاكر ص7-9.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين (متجدد)

    تاريخ السنة النبوية ومناهج المحدثين

    ا.د.فالح بن محمد الصغير

    الحلقة (60)


    السنة في عصر أتباع التابعين



    تقدم أن وضع الحديث بدأ في عصر التابعين نتيجة للفتنة التي أدت إلى انقسام الأمة إلى أحزاب سياسية اتخذت شكلاً دينياً، وحاول كل قسم أن يدعم موقفه بوضع أحاديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا إن الصحابة والتابعين قاوموا الوضع ووقفوا في وجه أهل الأهواء والبدع وبينوا الصحيح من السقيم .
    أما في عصر أتباع التابعين فقد كثر الوضع وازداد، وتفشى التحلل والكذب في الأمة، حتى اشتهرت بعض البلاد بوضع الأحاديث مثل ( العراق )(1)، التي سميت ( بدار الضرب ) تضرب فيها الأحاديث كما تضرب الدراهم، مما دعا الإمام مالك أن يقول : ( نزلوا أحاديث أهل العراق منزلة أحاديث أهل الكتاب : لا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) (2).
    وكان ابن شهاب الزهري يقول : ( يخرج الحديث من عندنا شبرا فيعود لنا من العراق ذراعاً ) (3).
    من هنا كانت الحاجة ماسة إلى وقفة جادة من علماء أتباع التابعين في وجه الوضاعين الذين اشتهروا بوضع الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    منهج النقد في عصر أتباع التابعين :
    اتسع النقد في عصر أتباع التابعين، وظهر كثير من أئمة الحديث وجهابذته الذين كتبوا ما تحملوه، وحرروا ما حفظوه، وتكون عندهم رصيد ضخم من السنة النبوية، كما تعددت عندهم أسانيدها، واختلفت طرق روايتها، وقد أكسبهم كل ذلك خبرة تامة في نقد المتون وبصيرة ناقدة في أحوال الرواة، وقد تأسوا في ذلك بمنهج التابعين .
    يقول ابن حبان : ( ثم أخذ عن هؤلاء – أي التابعين – مسلك الحديث وانتقاد الرجال، وحفظ السنن، والقدح في الضعفاء جماعة من أئمة المسلمين والفقهاء في الدين منهم : سفيان بن سعيد الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وعبدالرحمن بن عمرو الأوزاعي، وحماد بن سلمة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة في جماعة معهم).
    إلا أن من أشدهم انتقاء للسنن وأكثرهم مواظبة عليها، حتى جعلوا ذلك صناعة لهم لا يشوبها بشيء آخر ثلاثة أنفس : مالك، والثوري، وشعبة(4) .
    كان أئمة الحديث في عصر أتباع التابعين على جانب عظيم من الوعي والإطلاع، فقد كانوا يتحرون في نقل الأحاديث ولا يقبلون منها إلا ما عرفوا طريقها ورواتها، واطمأنوا إلى ثقتهم وعدالتهم، يشهد لذلك ما رواه ابن حبان بسنده عن مطرف بن عبدالله قال : أشهد لسمعت مالكا يقول : ( أدركت بهذا البلد مشيخة من أهل الصلاح والعبادة محدثون ما سمعت من واحد منهم حديثا قط، قيل : ولم يا أبا عبدالله ؟ قال : لم يكونوا يعرفون ما يحدثون ) (15).
    وحذر الإمام مالك من أربعة أصناف لا يؤخذ عنهم الحديث، قال : ( لا يؤخذ العلم عن أربعة : رجل معلن بالسفه وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا أتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، وشيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به )(6).
    كما أنهم تتبعوا الكذبة، وكشفوا عن نواياهم، وحذروا الناس منهم ومنعوهم من التحديث.
    روى الإمام مسلم بسنده عن يحيى بن سعيد قال : ( سألت سفيان الثوري، وشعبة، ومالكا، وابن عيينة عن الرجل لا يكون ثبتا في الحديث، فيأتيني الرجل فيسألني عنه، قالوا : أخبر عنه أنه ليس بثبت )(7).
    وروى مسلم عن عبدالله بن المبارك قال : قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله(8)، وإذا حدث جاء بأمر عظيم : فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه ؟ قال سفيان : بلى . قال عبدالله : فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد، أثنيت عليه في دينه، وأقول : لا تأخذوا عنه(9) .
    وقال عبدالله بن المبارك : انتهيت إلى شعبة فقال : هذا عباد بن كثير فاحذروه(10).
    وكان العلماء يحذرون طلاب العلم من الكتابة عن الضعفاء والمتروكين، يقول معاذ العنبري: كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط ، فكتب إلي : لا تكتب عنه شيئا، ومزق كتابي (11).
    وكان الإمام شعبة بن الحجاج شديدا على الكذابين ، لا يتوانى عن إظهار عيوبهم، وفي هذا يقول غندر (12): ( رأيت شعبة راكبا على حمار، فقيل له : أين تريد يا أبا بسطام؟ فقال : أذهب فأستعدى على هذا يعني جعفر بن الزبير وضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث كذب ) (13).
    وكان أئمة الحديث في هذا العصر يحفظون الصحيح والضعيف والموضوع حتى لا يختلط عليهم الحديث، وليميزوا الخبيث من الطيب، وفي هذا يقول الإمام سفيان الثوري : ( إني لأروى الحديث على ثلاثة أوجه : أسمع الحديث من الرجل أتخذه دينا، وأسمع من الرجل أقف حديثه، وأسمع من الرجل لا أعبأ بحديثه وأحب معرفته ) (14).
    وكثيراً ما كانوا يتذاكرون الحديث ويتدارسونه فيما بينهم، فيأخذون ما عرفوا ويتركون ما أنكروا، وفي هذا يقول الإمام الأوزاعي: ( كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزيف على الصيارفة، فما عرفوا منه أخذنا، وما تركوا تركناه )(15).


    (1) لوقوع أكثر الفتن فيها بعد استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه .
    (2) المنتقى من منهاج السنة : ص88.
    (3) ضحى الإسلام : ج 2 ص 152.
    (4) المجروحين لابن حبان : ج 1 ص40.
    (5) المصدر السابق : ج 1 ص 42.
    (6) انظر الجرح والتعديل : ج 1 ص 32، والكفاية : ص116.
    (7) صحيح مسلم ، المقدمة، ج1ص 17.
    (8) يعني أنت عارف بضعفه .
    (9) صحيح مسلم، المقدمة ، ج 1ص 17.
    (10) نفس المصدر والموضع .
    (11) المصدر السابق : ج 1ص 23.
    (12) هو : محمد بن جعفر المدني، البصري، المعروف بـ ( غندر ) بضم فسكون ففتح .
    (13) تهذيب التهذيب : ج 2 ص 91.
    (14) الكفاية للخطيب : ص 402.
    (15) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم : ج 1ص 21.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •