السلام علیكم ورحمه* الله وبركاته
فیما یأتی نص مقتبس من تفسير القرآن العظيم للشيخ العلّامة الدكتور عبدالله خضر حمد وفقهم الله.حيث ان التفسير هو جامع التفاسير ، وشامل وظروري جدا لطلبة العلم، وانني استفدت منه ولله الحمد، لدي بعض الاجزاء في الحاسوب وسوف اقوم بنشر مقتطفات من التفسير باذنه تعالى.... ولمن ينقل النص أرجو الاشارة الى المصدر وهو (تفسير القرآن العظيم للعلامة الدكتور عبدالله خضر حمد).
القرآن
{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)} [البقرة : 285]
التفسير:
صدَّق وأيقن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من ربه وحُقَّ له أن يُوقن، والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم، كل منهم صدَّق بالله رباً وإلهًا متصفًا بصفات الجلال والكمال، وأن لله ملائكة كرامًا، وأنه أنزل كتبًا، وأرسل إلى خلقه رسلا لا نؤمن -نحن المؤمنين- ببعضهم وننكر بعضهم، بل نؤمن بهم جميعًا. وقال الرسول والمؤمنون: سمعنا يا ربنا ما أوحيت به، وأطعنا في كل ذلك، نرجو أن تغفر -بفضلك- ذنوبنا، فأنت الذي ربَّيتنا بما أنعمت به علينا، وإليك -وحدك- مرجعنا ومصيرنا.
روي عن حكيم ابن جابر، أنه قال: "لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى قومك. فسل. تعط. فسأل الله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها إلى آخر الآية"([1]).
وعن" قتادة، قوله: "{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}، ذكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية، قال: ويحق له أن يؤمن"([2]).
وعن سعيد بن جبير، في قوله: "{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}، إلى قوله: {وإليك المصير}، قال: كان ما قيل لهم، قولوا: آمنا"([3]).
قوله تعالى:{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ }[البقرة:285]، يعني:" صدق الرسول بما أوحي إليه من ربه من الكتاب"([4]).
قال القاسمي:" أي صدقه بقبوله والتخلق به كما قالت عائشة: "كان خلقه القرآن"([5])، والترقي بمعانيه والتحقق"([6]).
قال الثعلبي:" وحّد الفعل على لفظ كلّ، المعنى: كلّ واحد منهم آمن، فلو قال: آمنوا، لجاز لأن (كلّ) قد تجيء في الجمع والتوحيد، فالتوحيد قوله عزّ وجلّ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ }[النور:41]، والجمع قوله كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ}[الأنبياء:93]،{وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ}[النمل:88]"([7]).
واختلف أهل التفسير في قوله تعالى :{ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}[البقرة:285]، وذكروا وجهين:
أحدهما : أن "الذي أنزل هو القرآن". قاله القرطبي([8]). وهو قول الجمهور.
والثاني: وقيل هو: القرآن والسنة. قاله العلّامة ابن عثيمين([9]).
وعلى القول الثاني: أن "الرسول آمن بأن القرآن من عند الله أنزله إليه ليبلغه إلى الناس، وآمن بأن ما أوحي إليه من السنة هو من الله عز وجل؛ أوحي به ليبلغه إلى الناس؛ ثم هو أيضاً آمن بما يقتضيه هذا المنزل من قبول، وإذعان؛ ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أشد الناس تصديقاً بما أنزل إليه، وأقواهم إيماناً بلا شك، وكان أيضاً أعظمهم تعبداً لله عز وجل حتى إنه كان يقوم في الليل حتى تتورم قدماه مع أنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر([10]) ؛ وقام معه ابن مسعود رضي الله عنه ذات ليلة يقول: فقام فأطال حتى هممت بأمر سوء؛ قالوا: بم هممت يا أبا عبد الرحمن؟ قال: «هممت أن أجلس، وأدعه»([11]) ؛ لأن الرسول كان يقوم قياماً طويلاً - صلوات الله وسلامه عليه؛ إذاً فهو أقوى الناس إيماناً، وأشدهم رغبة في الخير، وأكثرهم عبادة"([12]).
وقوله تعالى: {آمن} ؛ هو إقرار المستلزم للقبول، والإذعان - لقبول الخبر، والإذعان للحكم، أو لما يقتضيه؛ أما مجرد التصديق، والإقرار فلا ينفع؛ ولهذا كان أبو طالب مقراً ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه على حق؛ لكن لما لم يكن منه قبول وإذعان لم ينفعه هذا الإقرار؛ فالإيمان شرعاً هو الإقرار المستلزم للقبول، والإذعان ([13]).
وقيل: " قال الله تعالى : {آمَنَ الرَّسُولُ}، على معنى الشكر، أي صدق الرسول {بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ}([14]).
و«الرسول» - كما قال العلماء - هو من أوحي إليه بشرع، وأُمِر بتبليغه؛ هذا الذي عليه أكثر أهل العلم؛ و «النبي» هو الذي لم يؤمر بتبليغه ما لم يدل الدليل على أن المراد به الرسول؛ ففي القرآن الكريم كل من وصف بالنبوة فهو رسول؛ لقوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ... } [النساء: 163] إلى قوله تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165] ؛ ولقوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} [غافر: 78] ([15]).
قال الثعلبي:" وفي قراءة عليّ وعبد الله: {وآمن المؤمنون كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ}"([16]).
قوله تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُون َ} [البقرة: 285]، " أي كذلك آمنوا"([17]).
روي " عن مقاتل ابن حيان، قوله: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله}، فهذا قول، قاله الله، وقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقول المؤمنين. فأثنى الله عليهم لما علم من إيمانهم بالله وملائكته وكتبه ورسله"([18]).
قوله تعالى:{ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، أي: الجميع" صدق بالله وملائكته وكتبه"([19]).
قال القاسمي:" أي الجميع من النبي والأتباع صدَّق بوحدانية الله، وآمن بملائكته وكتبه ورسله"([20]).
قال الزجاج: "لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والطلاق والإيلاء والجهاد، ختم السورة بذكر تصديق نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين بجميع ذلك، وهو قوله:{ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [سورة البقرة: 285]"([21]).
واختلفت القراءة في قوله تعالى:{ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]، على وجهين:
أحدهما: {وَكِتابَهُ}، على الواحد بالألف، قرأه ابن عباس وعكرمة ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلف، وفي هذه القراءة وجهان ([22]):
الوجه الأول: إنّهم أرادوا القرآن خاصّة.
والوجه الثاني: إنّهم أرادوا جميع الكتب، يقول العرب: كثر اللبن وكثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، يريدون الألبان والدراهم والدنانير. يدلّ عليه قوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ}[البقرة:216].
والثاني: {كُتُبِهِ}، بالجمع قرأه الباقون، وهو ظاهر كقوله:{وَمَلائِك َتِهِ وَرُسُلِهِ}.
وقوله تعالى:{ وَرُسُلِهِ}[البقرة:285]، "قرأ الحسن وابن سلمة بسكون السين لكثرة الحركات، وكذلك روى العباس عن ابن عمرو، وروى عن نافع وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ. مخفّفين، الباقون بالإشباع فيها على الأصل"([23]).
قوله تعالى:{ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة: 285]،" أي: لا نؤمن بالبعض ونكفر بالبعض كما فعل اليهود والنصارى، بل نؤمن بجميع رسل الله دون تفريق"([24]).
قال مقاتل بن حيان:" لا نكفر بما جاءت به الرسل، ولا نفرق بين أحد منهم، ولا نكذب"([25]).
وروي " عن يحيى بن يعمر، أنه كان يقرأ {كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله}، يقول: كل آمن، وكل لا يفرق"([26]).
قال الزجاج:" أي لا نفعل كما فعل أهل الكتاب قبلنا. الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، نحو كفْر إليهود بعيسى، وكفْر النصارى بغيره فأخبر عن المؤمنين أنهم يقولون {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}"([27]).
قال القاسمي:" أي بردّ بعض وقبول بعض، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق"([28]).
قال ابن زيد:" كما صنع القوم - يعني بني إسرائيل - قالوا : فلان نبي ، وفلان ليس نبيا ، وفلان نؤمن به ، وفلان لا نؤمن به"([29]).
قال الواحدي:"معناه: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب، حيث آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، بل نجمع بين الرسل كلهم في الإيمان بهم"([30]).
وإنّما قال {بين أحد}، ولم يقل (آحاد)، لأن الآحاد يكون للواحد والجميع، قال الله {فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} [الحاقة:47].
وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما أحلّت الغنائم لأحد سود الرؤوس غيركم»([31])، قال رؤبة([32]):
ماذا [أمور] الناس ديكت دوكا لا يرهبون أحدا رواكا([33])
واختلفت القراءة في قوله تعالى:{ لَا نُفَرِّقُ} على ثلاثة وجوه([34]):
أحدها: {لا نفرّقن}، كما في مصحف عبد الله.
والثاني: {لا يفرّق} بالياء، على معنى لا نفرّق الكلّ، فيجوز أن يكون خبرا عن الرسول. قرأ بذلك جرير بن عبد الله وسعيد بن جبير وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويحيى بن يعمر والجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب.
والثالث: :{ لَا نُفَرِّقُ}، بالنون على إضمار القول تقديره: "وقالوا لا نفرّق كقوله تعالى: {وَالْمَلائِكَة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ}[الرعد:23]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ}[البقرة:آل عمران:106]، يعني فيقال لهم: أكفرتم. وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا}[السجدة:12]، أي يقولون: ربّنا. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ}[الزمر:3]، أي يقولون: ما نعبدهم"([35]).
قلت: والقراءة بالنون{ لَا نُفَرِّقُ}، هي التي قامت حجتها بالنقل المستفيض. والله أعلم.
قوله تعالى:{ وَقَالُوا سَمِعْنَا}[البقرة:285]، أي سمعنا "قولك وفهمناه"([36]).
قال مقاتل:" سمعنا للقرآن الذي جاء من الله"([37]).
قال الواحدي: أي: "سمعنا قوله"([38]).
قال الزجاج:" أي " سَمعْنَا " سَمْع قابِلينَ"([39]).
قوله تعالى: {وَأَطَعْنَا }[البقرة:285]، "أي امتثلنا أمرك وقمنا به واستقمنا عليه"([40]).
قال مقاتل:" أقروا بأن يطيعوه في أمره ونهيه"([41]).
قال الواحدي:أي: "وأطعنا أمره"([42]).
قال الزجاج:أي " قِبِلْنَا ما سَمِعْنَا، لأن مَن سمع فلم يعْمل قيل له أصم - كما قال جلَّ وعزَّ:
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)، ليس لأنهم لَا يسْمعون ولكنهم صاروا - في ترك القبول بمنزلة من لا يسمع
قال الشاعر([43]):
أصَمُّ عمَّا سَاءَهُ سَمِيع"([44]).
قوله تعالى:{غُفْرَانَ كَ رَبَّنَا}[البقرة:285]، " أي: اغفر غفرانك"([45]).
روي "عن مقاتل بن حيان، في قول الله: {غفرانك ربنا وإليك المصير}، تعليم من الله، فهذا دعاء دعا به النبي صلى الله عليه وسلم فاستجاب له"([46]).
وروي:" عن ابن عباس، في قول الله تعالى {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه إلى قوله: {غفرانك ربنا}، قال: قد غفرت لكم"([47]).
قال القاسمي:" وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول"([48]).
وانتصب قوله تعالى {غُفْرَانَكَ}[البقرة:286]، لكونه مصدر وقع في موضع أمر، ومثله: الصلاة الصلاة([49])، "وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الأمر ، وأدت عن معنى الأمر نصبتها"([50])، كما قال الشاعر([51]) :
إن قوما منهم عمير وأشبا ه عمير ومنهم السفاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ل أخو النجدة : السلاح السلاح ! !
قال الفراء: "ومثله أن تقول: يا هؤلاء الليل فبادروا، أنت تريد: هذا الليل فبادروا. ومن نصب الليل أعمل فيه فعلا مضمرا قبله. ولو قيل: غفرانك ربنا لجاز"([52]).
قال الزجاج:" أي أغفر غُفْرانَك، و(فُعْلاَن)، من أسْمَاءِ الْمَصَادِر نحو السُّلوان والكُفْران"([53]).
قوله تعالى:{ وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:285]، أي:" وإليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا"([54]).
قال القاسمي:" أي الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك، وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة، لما أن الرجوع للحساب والجزاء"([55]).
قال ابن كثير:" أي : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب"([56]).
قال الزجاج:" أي نحن مقرون بالبعْثِ"([57]).
قال الواحدي:" هذا إقرار منهم بالبعث"([58]).
الفوائد:
1 - من فوائد الآية: أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- مكلف بالإيمان بما أنزل إليه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أشهد أني رسول الله»(1)، في قصة دين جابر رضي الله عنه - كما في صحيح البخاري.
2 - ومنها: أن القرآن كلام الله؛ لقوله تعالى: { بما أنزل إليه من ربه }؛ والمنزل هو الوحي؛ والكلام وصف لا يقوم إلا بمتكلم؛ لا يمكن أن يقوم بنفسه؛ وعلى هذا يكون في الآية دليل على أن القرآن كلام الله - الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
3 - ومنها: إثبات علوّ الله عز وجل؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلى؛ لقوله تعالى: { بما أنزل إليه }.
4 - ومنها: إثبات رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: { الرسول }، وقوله تعالى: { بما أنزل إليه من ربه }.
5 - ومنها: عظم ربوبية الله، وأخصيتها بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال تعالى: { بما أنزل إليه من ربه }.
ويتفرع على ذلك أن الله سبحانه وتعالى سينصره؛ لأن الربوبية الخاصة تقتضي ذلك - لا سيما وأنه سوف يبلِّغ ما أنزل إليه من ربه.
6 - ومن فوائد الآية: أن المؤمنين تبع للرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون }؛ وجه التبعية أنه ذكر ما آمن به قبل أن يذكر التابع - يعني ما قال: «آمن الرسول والمؤمنون بما أنزل إليه»، وهذا يدل على أنهم أتباع للرسول لا يستقلون بشريعة دونه.
7 - ومنها: أنه كلما كان الإنسان أقوى إيماناً بالرسول صلى الله عليه وسلم كان أشد اتباعاً له؛ وجهه أنه تعالى قال: { بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون } يعني: والمؤمنون آمنوا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم من ربه؛ وعليه فكل من كان أقوى إيماناً كان أشد اتباعاً.
8 - ومنها: أن إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين شامل لكل أصول الدين؛ لقوله تعالى: { كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله }؛ ويبقى عندنا إشكال؛ وهو أنه ليس في الآية ذكر الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر؟ والجواب من أحد وجهين:
أحدهما: أن يقال: إن هذا داخل في عموم قوله تعالى: { بما أنزل إليه من ربه }.
والوجه الثاني: أن يقال: إن الإيمان بالكتب، والرسل متضمن للإيمان باليوم الآخر، والقدر.
9 - ومن فوائد الآية: إثبات الملائكة.
10 - ومنها: أن الإيمان بالرسل ليس فيه تفريق؛ لا تقول مثلاً: نؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا نؤمن بعيسى لأن عيسى من بني إسرائيل؛ نحن لا نفرق بين الرسل؛ وقد سبق لنا معنى قوله تعالى: { لا نفرق }.
11 - ومن فوائد الآية: أن من صفات المؤمنين السمع، والطاعة؛ لقوله تعالى: { وقالوا سمعنا وأطعنا }؛ وهذا كقوله تعالى: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} [النور: 51، 52] ، وكقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب: 36] ؛ والناس في هذا الباب على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من لا يسمع، ولا يطيع؛ بل هو معرض؛ لم يرفع لأمر الله، ورسوله رأساً.
القسم الثاني: من يسمع، ولا يطيع؛ بل هو مستكبر؛ اتخذ آيات الله هزواً، كقوله تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم} [لقمان: 7] ، وكقوله تعالى: {وقالوا سمعنا وعصينا} [البقرة: 93] ؛ وهذا أعظم جرماً من الأول.
القسم الثالث: من يسمع، ويطيع؛ وهؤلاء هم المؤمنون الذين قالوا سمعنا وأطعنا، وقال الله سبحانه وتعالى فيهم: {ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب: 71] .
12 - ومن فوائد الآية: أن كل أحد محتاج إلى مغفرة الله؛ لقوله تعالى: { غفرانك }؛ فكل إنسان محتاج إلى مغفرة - حتى النبي صلى الله عليه وسلم محتاج إلى مغفرة؛ ولهذا لما قال صلى الله عليه وسلم: «لن يُدخل الجنة أحداً عملُه قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة»(1)؛ وقال الله سبحانه وتعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} [الفتح: 1، 2] ، وقال تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} [محمد: 19] ؛ واعلم أن الإنسان قد يكون بعد الذنب أعلى مقاماً منه قبل الذنب؛ لأنه قبل الذنب قد يكون مستمرئاً للحال التي كان عليها، وماشياً على ما هو عليه معتقداً أنه كامل، وأن ليس عليه ذنوب؛ فإذا أذنب، وأحس بذنبه رجع إلى الله، وأناب إليه، وأخبت إليه، فيزداد إيماناً، ويزداد مقاماً - يرتفع مقامه عند الله عز وجل؛ ولهذا قال الله تعالى في آدم: {وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه} [طه: 121، 122] - فجعل الاجتباء بعد هذه المعصية - {فتاب عليه وهدى} [طه: 122] ؛ وهذا كثيراً ما يقع: إذا أذنب الإنسان عرف قدر نفسه، وأنه محتاج إلى الله، ورجع إلى الله، وأحس بالخطيئة، وأكثر من الاستغفار، وصار مقامه بعد الذنب أعلى من مقامه قبل الذنب.
13 - ومن فوائد الآية: تواضع المؤمنين، حيث قالوا: { سمعنا وأطعنا }، ثم سألوا المغفرة خشية التقصير.
14 - ومنها: إثبات أن المصير إلى الله عز وجل في كل شيء؛ لقوله تعالى: { وإليك المصير }؛ وقد سبق في التفسير أن المراد بذلك المصير إلى الله في الآخرة، والمصير إلى الله في الدنيا أيضاً؛ فهو الذي يحكم بين الناس في الدنيا والآخرة - كما قال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: 10] : هذا في الدنيا؛ والآخرة: كما قال تعالى: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: 3] ، وقال تعالى: {فالله يحكم بينكم يوم القيامة} [النساء: 141] .


([1]) أخرجه ابن أبي حاتم(3070):ص2/575.

([2]) أخرجه ابن أبي حاتم(3071):ص2/576.

([3]) أخرجه ابن أبي حاتم(3072):ص2/576.

([4]) تفسير الطبري: 6/124.

([5])أخرجه مسلم في: صلاة المسافرين وقصرها، حديث 139. وهو حديث طويل. يرويه سعد بن هشام بن عامر وفيه يقول، بعد أن استأذن على عائشة قال: فقلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن خلق رسول الله. قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قال: فإن خلق نبيّ الله كان القرآن. وفيه وصف جامع لقيامه صلّى الله عليه وسلم وعن وتره على لسان سيدتنا أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها.

([6]) محاسن التأويل: 2/240.

([7]) تفسير الثعلبي:2/304.

([8]) أنظر: تفسير القرطبي: 3/428.

([9]) أنظر: تفسيره: 3/443.


([10])راجع البخاري ص413، كتاب تفسير القرآن، باب 2: قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ... ) ، حديث رقم 4836، وأخرجه مسلم ص1169، كتاب صفات المنافقين، باب 18: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، حديث رقم 7124 [79] 2819.

([11])راجع البخاري ص88، كتاب التهجد، باب 9: طول القيام في صلاة الليل، حديث رقم 1135؛ وصحيح مسلم ص800، كتاب صلاة المسافرين، باب 27: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، حديث رقم 1815 [204] 773.

([12]) تفسير ابن عثيمين:3/443.

([13]) أنظر: تفسير ابن عثيمين:3/442.

([14]) تفسير القرطبي: 3/425.

([15]) أنظر: تفسير ابن عثيمين:3/442.

([16]) تفسير الثعلبي:2/304.

([17]) محاسن التأويل: 2/240.

([18]) أخرجه ابن أبي حاتم(3073):ص2/576.

([19]) معاني القرآن للزجاج:1/368.

([20]) صفوة التفاسير: 1/163.

([21]) معاني القرآن وإإعرابه: 1/368. ونقله عنه الواحدي في الوسيط: 1/409.

([22]) أنظر: تفسير الثعلبي:2/304.

([23]) تفسير الثعلبي:2/304.

([24]) صفوة التفاسير:1/163.

([25]) أخرجه ابن أبي حاتم(3074):ص2/576.

([26]) أخرجه ابن أبي حاتم(3075):ص2/576.

([27]) معاني القرآن:1/369.

([28]) محاسن التأويل: 2/240.

([29]) أخرجه الطبري(6500):ص6/126.

([30]) الوسيط:1/409.

([31]) أ خرجه الترمذي ( 3084 ) و ابن حبان ( 1668 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 4 / 292). ولفظه:" لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس من قبلكم ، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها". عن طرق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به . فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل أن تحل لهم فأنزل الله : { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}. وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش " . قال الألباني : و هو على شرط الشيخين.[السلسلة الصحيحة:2155:ص5/188].

([32]) البيت من شواهد القرطبي:3/429، وأبي حيان في البحر:2/277.

([33]) البيت من شواهد الثعلبي في تفسيره: 2/305، وانظر: تفسير الثعلبي: 2/305.

([34])أنظر: تفسير الثعلبي:2/304-305.

([35]) تفسير الثعلبي:2/305.

([36]) محاسن التأويل: 2/240.

([37]) أخرجه ابن أبي حاتم(3076):ص2/576.

([38]) الوسيط:1/49.

([39]) معاني القرآن: 1/369.

([40]) محاسن التأويل: 2/240.

([41]) أخرجه ابن أبي حاتم(3077):ص2/577.


([42]) الوسيط:1/49.

([43]) لم أتعرف على قائله، والبيت في اللسان (صمم)، (سمع) ومجمع الأمثال، أبو هلال العسكري: 76، و ذكره الزمخشري في الكشاف: 1/76. أي:" أي أصم عن القبيح الذي يؤذيه و يغمّه ، و سميع لما يسرُّه، يضرب مثلا للرجل يتغافل عما يكره.

([44]) معاني القرآن: 1/369.

([45]) الوسيط:1/49.

([46]) أخرجه ابن أبي حاتم(3079):ص2/577.

([47]) أخرجه ابن أبي حاتم(3078):ص2/577.

([48]) محاسن التأويل: 2/241.

([49]) أنظر: معاني القرآن للفراء: 1/188.

([50]) تفسير الطبري: 6/128.

([51]) لم أتعرف عى قائله، والبيت من شواهد الطبري في تفسيره: 6/128، و معاني القرآن للفراء 1 /188 ، وشواهد العيني (بهامش الخزانة) 4 / 306.

([52]) معاني القرآن: 1/188.

([53]) معاني القرآن: 1/369.

([54]) تفسير الطبري: 6/127.

([55]) محاسن التأويل: 2/241.

([56]) تفسير ابن كثير: 1/737.

([57]) معاني القرآن: 1/369.

([58]) الوسيط:1/49.

(1) أخرجه البخاري ص469، كتاب الأطعمة، باب 41: الرطب والتمر وقول الله تعالى: (وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً)، حديث رقم 5443.

(1) أخرجه مسلم ص1169، كتاب صفات المنافقين، باب 17: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى، حديث رقم 7122 [78] 2818.