تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 9 من 9 الأولىالأولى 123456789
النتائج 161 إلى 177 من 177

الموضوع: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

  1. #161
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (160)


    آثار القرآن الكريم على النفس والمجتمع (5-5)



    تاسعًا: القرآن الكريم يعالج المشكلات الأخلاقية:

    وذلك من خلال تحريم الزنا وعدّه من الكبائر ووضع العقوبات القاسية عليه، لقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}(1)، وكذلك العوامل التي تؤدي إلى هذه الفاحشة الشنيعة، فأمر القرآن بغض النظر للذكر والأنثى، وحرّم الاختلاط بينهم لغير حاجة، وحرم كل ما يؤدي إلى الفاحشة، يقول تبارك وتعالى:{قُل لِّلْمُؤْمِنِين َ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَات ِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنّ َ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(2).

    ومثلما حرّم القرآن الزنا، حرّم أيضًا قذف الناس بهذه الفاحشة، وعدّه من الكبائر التي يستوجب عقوبة عاجلة في الدنيا وعذابًا في الآخرة، يقول جل شأنه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(3)،

    كما شرع القرآن الكريم الزواج الشرعي بدل الوقوع في الفاحشة، وحثّ عليه، وجعله آية من آيات الله تعالى، حيث يتنامى معه الحب والرحمة بين الزوجين، يقول تبارك وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(4).

    * * *

    الخاتمة:

    وأخيرًا، فإنه يمكن تحديد بعض النقاط المهمة للتعامل مع كتاب الله تعالى وفق الآتي:

    1-الثقة بالله تعالى: الذي أنزل القرآن عن طريق الوحي إلى رسوله ﷺ، وذلك من خلال ما تعهد به الله تعالى لعباده المؤمنين من السعادة والشفاء والتمكين والتقدم والنماء إذا جعلوا كتابه المبين مرجعهم ومعينهم في جميع شؤونهم.

    2-الثقة بالقرآن الكريم: وأنه كتاب هداية لمعرفة الله تعالى، وكتاب تشريع لتنظيم الحياة في مختلف الميادين.

    3-حفظ القرآن أو حفظ سور منه، لقوله ﷺ: «إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب«(5).

    4-التلاوة اليومية للقرآن وعدم الانقطاع عنه، وإن كانت هذه التلاوة يسيرة حتى يبقى صاحبه محصنًا من الشرور والآثام.

    5-العمل به وتطبيق أوامره والانتهاء عن زواجره، لأنه إنما نُزّل من أجل أن يكون منهجًا يُطبّق على الأرض ويُتَّبع، وليس للقراءة فحسب، يقول تبارك وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(6)، ويقول أيضًا:{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(7).

    6-الاستشفاء بالقرآن الكريم، لأن الله تعالى أخبر بأنه شفاء للنفس والبدن، يقول تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}(8).

    7-تخصيص أوقات لقراءة التفاسير لفهم معاني الآيات، ومعرفة المحكمات والمشتبهات، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول وغيرها.

    8-التأمل والتدبر في آياته وما فيها من الأحكام والتشريعات والأخبار والدورس والعبر، يقول الله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(9).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ

    (1) [الإسراء: 32]

    (2) [النور: 30-31]

    (3) [النور: 4]

    (4) [الروم: 21]

    (5) سبق تخريجه.

    (6) [النساء: 65]


    (7) [المائدة: 45]

    (8) [الإسراء: 82]

    (9) [ محمد: 24]





  2. #162
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (161)



    ألا بذكر الله تطمئن القلوب

    من أهم عناصر الحياة السوية ذكر الله تعالى الذي نتناول الحديث عنه في هذا المبحث مفتتحين بما رواه البخاري رحمه الله:

    حدثنا أبو أسامة عن بُريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(1).

    مفهوم الذكر:

    في اللغة:

    الذِكر – بالكسر – الحِفظ للشيء كالتذكار والشيء يجري على اللسان، والصّيت كالذُكرة – بالضم – والثناء والشرف والصلاة لله تعالى والدعاء(2).

    في الاصطلاح:

    هو ذكر الله تعالى، اعتقادًا، أو قولاً، أو عملاً.

    - فأما الاعتقاد: كأن يتدبر الإنسان أسماء الله تعالى وصفاته، ويتأمل في ملكوته ومخلوقاته، ويستشعر عظمته وإبداعه للكون والحياة.

    - وأما القول: وهو الذكر باللسان، وهو كثير ومتنوع، يدخل فيه التسبيح والاستغفار والدعاء وقراءة القرآن، والشكر والثناء، وغير ذلك من أصناف الذكر الكثيرة.

    - وأما العمل: فمثل الصلاة والصيام والحج والزكاة، والإحسان إلى الناس، وجميع الأعمال الصالحة التي يبتغي بها الإنسان وجه ربه.

    وبهذا فإن دائرة الذكر واسعة تشمل حركة الإنسان في الحياة، القولية والفعلية.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ

    (1)
    أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6407) كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل. ومسلم (ص317، رقم 779) كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.



    (2)
    قاموس المحيط 2/ 36 (مادة: ذَكَرَ)، دار الجيل: بيروت.






  3. #163
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (162)





    فضل الذكر
    إن شمولية ذكر الله تعالى لقلب الإنسان وقوله وفعله تجعل له مكانة رفيعة وأهمية كبيرة في الحياة، لأنه بهذا المفهوم الشامل يجعل الإنسان في حالة تواصل دائم مع الله تعالى، فإذا غفل أو نسي ذَكَرَ الله، وإذا أذنب استغفره جلّ علا، وإذا غضب تعوّذَ بالله من شرّ الشياطين، وإذا ظلم عَدَلَ عن ظلمه ليرجع الحق لصاحبه، وإذا أصابه يأس أو قنوط توكّلَ على الله، وإذا أصابه مكروه دعا الله وتضرَّعَ إليه، وهكذا.
    لذا جاء النداء الإلهي للعباد في كثير من الآيات بلزوم الذكر دون تحديد أو قيد كما في قوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(1)، وجعله صفة ملازمة لصدق الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات ِ وَالْمُؤْمِنِين َ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّق ِينَ وَالْمُتَصَدِّق َاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(2)، ويقول جلّ وعلا:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(3).
    والذكر من أفضل الطاعات وأهمها، لأن معظم العبادات والطاعات تدخل تحت مسمى الذكر، ولقوله عليه الصلاة والسلام: « ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى قال ذكر الله تعالى»(4)، وقوله ﷺ: «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه«(5).
    فذكر الله تعالى يمنح الإنسان المعنى الحقيقي للحياة، حيث يبعث فيه روح الحركة والاجتهاد في المسار الصحيح لأن صاحبه في حالة مراقبة ومحاسبة للذات نحو نفسه والآخرين من حوله. وبالمقابل إذا فقد الإنسان نعمة الذكر أو تغافل عنها فإنه يخطف من الحياة معالم الخير والبناء، لأنه يتحرك حينها من غير تفكير نحو أهداف مجهولة وغامضة، وهذا تأكيد لقوله ﷺ في الحديث السابق: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(6).
    ومن هنا جاءت أهمية ذكر الله تعالى والمداومة عليه في الحل والترحال وفي جميع الشؤون والأحوال.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1)
    [المزمل: 8]

    (2)
    [الأحزاب: 35]

    (3)
    [الرعد: 28]

    (4)
    أخرجه الترمذي (ص771، رقم 3377) كتاب الدعوات، باب منه [في أن ذاكر الله كثيرًا أفضل من الغازي في سبيل الله]. وأحمد (5/195، رقم 21750).


    (5)
    سبق تخريجه.

    (6)
    رواه البخاري، برقم 6407، ص1112.








  4. #164
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (163)



    أنواع الذكر القولي من حيث الإطلاق والتقييد
    يمكن تقسيم الذكر إلى قسمين، الذكر المطلق، والذكر المقيّد:
    أولاً: الذكر المطلق:
    وهو ما يقوله المؤمن أو يقوم به، بغض النظر عن التوقيت والمكان، فلا يقيده زمان ولا يمنعه مكان، يقول تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}(1)، لم يتحدد الأمر بالذكر بقيد أو شرط، بل جاء عامًا في الحالات المختلفة كما في قوله تعالى حين وصف عباده المؤمنين: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(2).
    كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى هذا النوع من الذكر الذي لا يقيده شيء بقوله: «ولا يزال لسانك رطبًا بذكر الله«(3).
    ثانيًا: الذكر المقيّد:
    كما جاء الأمر بالذكر في أمكنة وأزمنة محددة وفي حالات معينة يمر بها الإنسان في يومه وليلته، منها:
    أ- ذكر المكان:
    وهو الذكر الذي أمر به الشارع في أمكنة محددة مثل عرفات والمشعر الحرام كما جاء في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}(4).
    ب- ذكر الزمان:
    وهو المطلوب في أزمنة معينة:
    -كالذكر في أيام الحج لقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}(5).
    -والذكر عقب كل صلاة، لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(6). وقوله ﷺ لمعاذ رضي الله عنه: «أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك«(7).
    -والذكر في يوم الجمعة، لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(8).
    -والذكر عند مطلع كل يوم وعند انتهائه، لقوله تعالى:{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}(9)، وقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(10).
    ثالثًا: الذكر في الأحوال والهيئات الأخرى:
    -الذكر عند الذبح: لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ ۖ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(11).
    -عند تناول الطعام: لقول النبي ﷺ لعمر بن أبي سَلَمَة رضي الله عنه: «يا غلام سمّ الله وكُل بيمينك وكل مما يليك«(12).
    -عند النوم والاستيقاظ: يقول حذيفة رضي الله عنه: «كان النبي ﷺ إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول اللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور« (13).
    -عند دخول المنزل والخروج منه: يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ثم ليسلم على أهله»(14). وعند الخروج من البيت يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال: يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت فتتنحى له الشياطين فيقول له شيطان آخر كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي«(15).
    -عند لقاء العدو: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(16).
    -عند الغفلة: لقوله تعالى:{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا}(17).
    وغيرها من الحالات والهيئات التي يكون فيها الإنسان والتي تتطلب ذكر الله تعالى بقراءة القرآن أو بالاستغفار أو الدعاء أو التوكل على الله تعالى، حيث تجعل هذه الأذكار صاحبها في حالة عبودية دائمة لله تعالى.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    (1) [الأحزاب: 41]
    (2) [آل عمران: 191]
    (3) أخرجه الترمذي (ص771، رقم 3375) كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الذكر. وابن ماجه (ص541، رقم 3793) كتاب الأدب، باب فضل الذكر.
    (4) [البقرة: 198]
    (5) [البقرة: 203]
    (6) [الجمعة:10]
    (7) سبق تخريجه.
    (8) [الجمعة: 9]
    (9) [الإنسان: 25]
    (10) [الأعراف: 205]
    (11) [الأنعام: 121]
    (12) أخرجه البخاري (ص960، رقم 5376) كتاب الأطعمة، باب الأكل مما يليه. ومسلم (ص902، رقم 2022).
    (13) اخرجه البخاري (ص1100، رقم 6325) كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب. ومسلم (ص1177، رقم 2711) كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم.
    (14) أخرجه أبو داود (ص717، رقم 5096) كتاب الآداب، باب ما يقول الرجل إذا خرج من بيته. وابن ماجه (ص556، رقم 3886) كتاب الدعاء، باب ما يقول الرجل إلى خرج من بيته.
    (15) سبق تخريخه.
    (16) [الأنفال: 45]
    (17)[الكهف: 24]



  5. #165
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (164)



    علاقة الذكر بقوة الإيمان وضعفه

    إن المتأمل في كتاب الله وآياته يجد أن هناك علاقة وطيدة بين القلب النابض بالذكر واللسان الناطق بالذكر والجوارج العاملة بالذكر وبين قوة إيمان صاحبه وأثر ذلك على عبوديته لله تعالى وحسن أدائه لفرائضه وتقديم الطاعة بين يديه، والشواهد على هذه الحقيقة كثيرة في كتاب الله تعالى، منها:
    -قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}(1).
    -قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(2).
    -قوله تعالى:{رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}(3).
    -قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(4).
    -قوله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(5).
    كما أخبر كتاب الله أن تلك العلاقة تضعف وتفتر إذا كان قلب العبد ولسانه وجوارجه غافلة عن ذكر الله تعالى وبعيدة عن طاعته وعبادته، بل إن الله تعالى جعل ذلك من صفات المنافقين وخصائصهم، ومن الشواهد على ذلك:
    -قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا}(6).
    -قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ}(7).
    -قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا}(8).
    -قوله تعالى:{أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}(9).
    -قوله تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(10).
    -قوله تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(11).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    (1) [الأنفال: 2]
    (2) [الرعد: 28]
    (3) [النور: 37]
    (4) [الأحزاب: 21]
    (5) [الزمر: 23]
    (6) [النساء: 142]
    (7) [الصافات: 13]
    (8) [الإسراء: 41]

    (9) [الزمر: 22]
    (10) [الزخرف: 36]
    (11) [طه: 124]



  6. #166
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (165)



    الذكر والشكر

    إن ذكر الله تعالى صورة من صور الشكر لله تعالى، سواء كان بالقلب أو اللسان أو الجوارح، كما جاء في قصة زكريا عليه السلام، يقول الله تعالى على لسانه:{قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ۖ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}(1)، حيث جاء الأمر بذكر الله تعالى وتسبيحه بعد أن بشّره وأنعم عليه بيحيى عليه السلام.
    كما جاء الأمر بالذكر بعد نعمة الأمن والاستقرار في النفس وعدم الخوف من الأعداء، يقول الله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ۖ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}(2)، وهذا الذكر نوع من أنواع الشكر لله تعالى يعبّر عنه بالاستغفار أو التسبيح أو الدعاء أو غيره.
    وقد وردت في كتاب الله تعالى كلمة الذكر بمعنى الشكر نفسه، كما في قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}(3)، وقوله: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}(4)، وقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}(5).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    (1) [آل عمران: 41]
    (2) [البقرة: 239]
    (3) [المائدة: 7]
    (4) [المائدة: 20]
    (5) [آل عمران: 103]



  7. #167
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (166)

    صراع الذاكرين مع الشياطين

    إن عدوّ الإنسان الأول هو الشيطان، الذي يوسوس في نفسه ويزين له الخبائث والمعاصي، ويعينه على ترك العبادات والواجبات، ويأمره بالأماني الكاذبة والآمال المزيفة، حتى إذا وقع في شرّ أعماله تبرأ منه وبيّن ضعفه أمام جبروت الله وقوته، يقول الله تعالى:{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُم ْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(1).
    فكل ما يوحي الشيطان إلى أوليائه بالهمز والنزغ هو من قبيل الوهم والخداع، يقول تبارك وتعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا}(2).
    والإنسان الذي يغفل عن ذكر الله تعالى وأداء الفروض، ويبتعد عن قراءة القرآن والأدعية والأوراد الصباحية والمسائية يكون أكثر عرضة للوساوس والوقوع في شراك الشياطين، لأنه هيّأ لهم الطريق بغفلته عن ذكر الله وانغماسه في المعاصي والشهوات، يقول تبارك وتعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(3).
    أما المؤمن الصالح، فلا يجد مارد أو شيطان إلى نفسه سبيلاً، لأنه تقرَّبَ إلى الله تعالى بالطاعات وأداء الفرائض والدعاء والذكر، فكان الله قريبًا منه، يحميه ويحفظه من الشرور جميعًا، ويؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى للشيطان:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}(4).
    فالصراع قائم بين الذاكرين والشياطين، حيث لا يكلّ الشيطان وأولياؤه ولا يتعبون من إغواء المؤمنين وتزيين المنكرات لهم، وإبعادهم عن كل ما يمتّ إلى الله من طاعة أو ذكر، فربما يزيّن لهم منكرًا واحدًا ومن ثم تترتب عليه مفاسد ومنكرات أكبر وأعظم، كما هي الحال في شرب الخمر وما يليه من الآثار السلبية على النفس والمجتمع والأمة، يقول تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}(5).
    حتى إذا استولى الشيطان على نفس الإنسان وأصبح أسيرًا لإيحاءاته وهمزاته، كما قال تعالى:{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}(6)، فإنه يتحول بفعله وقوله إلى شيطان بصورة إنسان، من شدة ما يقوم من المنكرات والمعاصي ومحاربة المؤمنين والوقوف في وجه الدعاة، ومنع شعائر الإسلام ومعالمه، والتصدي لبيوت الله تعالى التي هي أخصّ أماكن لذكر الله تعالى، يقول جلّ شأنه عنهم:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(7)،
    فهؤلاء القوم من البشر صاروا في صف شياطين الجن، وتنعّتوا بنعوتهم وصفاتهم، وأصبحوا يقدمون لهم الطاعة والولاء، ويتأذون من الأذكار كما يتأذى الشيطان منها، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}(8)،
    إلا أن نهاية المعركة وفصل الصراع يكون لصالح المؤمن كما وعد الله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(9)، لأن هذا المؤمن قد تزوّد من العبادة والذكر والقرآن والاستعاذة ما يستطيع أن يرد بها كيد شياطين الجن والإنس ومفاسدهم وشرورهم، يقول تبارك وتعالى:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(10)، أي إذا أصابك من الشيطان شيء بفعل معصية أو شر فالجأ إلى الله تعالى واستعذ به من الشيطان، فإنه تعالى لن يخيب ظن عبده ما دام العبد مؤمنًا به قائمًا بين يديه بالطاعات ومقربًا إليه بالذكر والتضرع والنوافل وفعل الصالحات.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    (1) [إبراهيم: 22]
    (2) [النساء: 120]
    (3) [المجادلة: 19]
    (4) [الحجر: 42]
    (5) [المائدة: 91]
    (6) [الزخرف: 36]
    (7) [البقرة: 114]
    (8) [الزمر: 45]
    (9) [الأنبياء: 105]
    (10) [الأعراف: 200]



  8. #168
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (167)



    آثار الذكر على النفس والمجتمع
    أولاً: آثاره على النفس:
    1-الذكر يرفع الدرجات ويكفر السيئات:
    إن ذكر الله تعالى بمفهومه الشامل من أداء الفرائض والطاعات، وتقديم الأعمال الصالحة، وقراءة القرآن والاستغفار والاستعاذة والتسبيح والتكبير والتهليل، يقرّب صاحبه من الله تعالى، ويرفع قدره ودرجته يوم القيامة، ويكفّر عنه سيئاته وخطاياه، للأدلة الآتية:
    -قوله تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}(1).
    -قوله ﷺ: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر« (2).
    -قوله ﷺ: «يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة«(3).
    -قوله ﷺ: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم الخليل عليه السلام فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر«(4).
    -قوله عليه الصلاة والسلام: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال فيقول: قد غفرتُ لهم، فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطّاء إنما مرّ فجلس معهم، قال فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم«(5).
    -قوله ﷺ: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحانه الله العظيم«(6).
    -قوله ﷺ في السبعة الذين يظلهم الله في ظله: «ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه«(7).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    (1)
    [الأحزاب: 35]

    (2)
    أخرجه البخاري (ص1112، رقم 6405) كتاب الدعوات، باب فضل التسبيح. ومسلم (ص242، رقم 597) كتاب المساجد، باب استحباب الذكر بعد الصلاة.

    (3)
    أخرجه البخاري (ص1108، رقم 6384) كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة. ومسلم (ص1174، رقم 2704) كتاب الذكر والدعاء، باب الإكثار من قول لا حول ولا قوة إلا بالله.

    (4)
    أخرجه الترمذي (ص79، رقم 3462) كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل التسبيح والتهليل.

    (5)
    أخرجه البخاري (ص1113، رقم 6408) كتاب الدعاء، باب فضل ذكر الله عز وجل. ومسلم (ص1171، رقم 2689) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل مجالس الذكر.

    (6)
    أخرجه البخاري (ص1305، رقم 7563) كتاب التوحيد، باب ونضع الموازين القسط ليوم القيامة.

    (7)
    سبق تخريجه.





  9. #169
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (168)



    آثار الذكر على النفس والمجتمع

    2-الذكر حياة للقلوب والأبدان:
    إن ذكر الله تعالى يحيي القلوب ويعمرّها بالإيمان واليقين، الأمر الذي يدفع صاحبه إلى التفاؤل والاجتهاد في الحياة، فلا تمنعه العوائق من متابعة السير والقُدُم إلى الأمام، يقول عليه الصلاة والسلام: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّه مثل الحيّ والميّت«(1).
    ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه: «لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل«(2)، كما أن الذكر يقوي البدن وينشط الخلايا والدماء في الجسم، ويقضي على العجز والكسل والخمول، لا سيما في الأذكار البدنية، كالصلاة والحج وسائر الأعمال الصالحة.
    يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: «حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلّى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدّ الغداء سقطت قوتي«(3).
    فأثر الذكر على القلب والبدن كأثر الماء على الزرع وأثره على السمك وسائر أشكال الحياة.
    3-الذكر يطمئن النفوس وينزل السكينة:
    حين يذكر الإنسان ربه بأداء فرض أو تقديم طاعة أو تسبيح أو استغفار، فإن الله تعالى ينزل عليه السكينة والطمأنية، ويجعله يواجه الحياة بهدوء وحلم، فلا يغضب ولا يتعصب مهما كان الموقف ثقيلاً ومؤثرًا، وهي رحمة من الله تعالى للذاكرين ونعمة كبيرة يحرم منها الغافلون، يقول تبارك وتعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(4). ويقول عليه الصلاة والسلام: «لا يقعد قوم في مجلس يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده«(5).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
    (1)
    سبق تخريجه.

    (2)
    الوابل الصيب ص 81.
    (3)
    الوابل الصيب ص 84.
    (4)
    [الرعد: 28]

    (5)
    سبق تخريجه.




  10. #170
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (169)



    آثار الذكر على النفس والمجتمع

    4-الذكر يطرد الشيطان ويدفع الشرور:
    بما أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فإن معظم الأمراض النفسية التي تصيبه وتلاحقه هي من فعله ووساوسه، ومن أجل ذلك أمر الله تعالى باللجوء إليه وذكره من قراءة القرآن أو الاستعاذة به من هذا الشيطان، ليتجنب شروره ومفاسده، يقول تبارك وتعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ . مَلِكِ النَّاسِ . إِلَٰهِ النَّاسِ . مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ . الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ . مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}(1). ويقول جل ثناؤه:{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2).
    ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق ذكره: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي»(3).
    من أجل ذلك كان لزامًا على المؤمن أن يحافظ على ذكر الله في الصباح والمساء، وحين ينام وعند الاستيقاظ، وعند الدخول إلى البيت والخروج منه، وعند الأكل والشرب، وعند النوم، وعند دخول الخلاء، لأن الشيطان يترصده في هذه المواطن جميعها ويتحين الفرصة للتأثير عليه بالوساوس والهمزات.
    5-الذكر يهوّن المصائب ويذهب الهموم والأحزان:
    بما أن الحياة دار ابتلاء واختبار، لقوله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(4)، فإن المؤمن معرض فيها للمصائب والابتلاءات، وزادُه في هذه الرحلة الشاقّة ومواجهة صعابها هو ذكر الله تعالى واللجوء إليه بالدعاء والقرآن والأعمال الصالحة، لأن ذلك يخفف عنه وطأة الخطب وقوة المصيبة، يقول تبارك وتعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(5).
    - فحين يواجه الذاكر قهرًا أو ظلمًا يلجأ إلى الذكر ويقول حسبي الله ونعم الوكيل.
    - وحين يغضب يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
    - وحين يبتلى بفقد عزيز أو قريب يقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
    وهكذا تكون حال الذاكر، فلا يتأفف ولا يتضجر، بل يثبت ويصبر حتى يجعل الله من أمره يسرًا، يقول تبارك وتعالى عن هؤلاء:{وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(6).
    ولا يمنح هذه المنحة العظيمة والنعمة الكبيرة إلا للذاكرين الشاكرين الذين يتقربون إلى الله تعالى في كل أحوالهم، في السراء والضراء، والرخاء والشدة، يقول عليه الصلاة والسلام في وصيته لابن عباس رضي الله عنه: «احفظ الله يحفظك تعرَّفْ عليه في الرخاء يعرفك في الشدة«(7).
    ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: «ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحتُ، فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة
    «(8)
    .

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ
    (1)
    سورة الناس.

    (2)
    [الأعراف: 200]

    (3)
    أخرجه البخاري (ص548، رقم 3293) كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده. ومسلم (ص1171، رقم 2691) كتاب الذكر والدعاء، باب فضل التهليل والتسبيح.

    (4)
    [الملك: 2]

    (5)
    [التغابن: 11]


    (6)
    [البقرة: 155-156]

    (7)
    أخرجه أحمد (1/307، رقم 2804). والحاكم (3/623، رقم 6303).

    (8)
    الوابل الصيب لابن القيم ص 93.





  11. #171
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (170)



    آثار الذكر على النفس والمجتمع

    ثانيًا: آثاره على المجتمع:
    1-الذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر:
    إن الذاكر في حالة مراقبة دائمة لنفسه، يحاسبها ويؤنبها، فإذا أخطأ وأذنب أناب إلى الله تعالى وتاب إليه، وإذا ظلم أو اعتدى أعاد المظلمة لأهلها وردّ حقوق أصحابها، لأنه يخاف الله الذي لا تخفى عليه خافية، ثم إن الذاكر في حالة تواصل وتقرب من الله تعالى وتعهد معه على الصراط السوي، فلا يمكن من تكون هذه حاله أن يرتكب الفواحش والمنكرات، يقول تبارك وتعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}(1).
    فلا يلتقي سبيل الاستقامة والهداية الذي يدعو إليه الله مع سبيل الانحراف والغواية الذي يدعو إليه الشيطان، يقول تعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(2).ويقول: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}(3)

    وهذا يعني أن مع الذكر تنتشر الفضيلة في المجتمع، وتسود القيم والأخلاق بين أبنائه، وتزول الرذيلة وأسبابها، بخلاف المجتمع الذي يغفل أبناؤه عن ذكر الله، فتتمكن الشياطين منهم وتزين لهم الفواحش والمنكرات، حتى يتحول هذا المجتمع إلى غابة مليئة بالعقد الاجتماعية والمشكلات الأخلاقية، والحرمان الاقتصادي وغيره، يقول تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ}(4).
    2-الذكر يقوي الروابط بين أبناء المجتمع:
    إن ذكر الله تعالى يغذي روح المحبة والتعاون بين أبناء المجتمع، لأنه يطرد الشياطين من بينهم، فتصفى قلوبهم وتتمازج مشاعرهم، وتتوحد قضاياهم المصيرية، وبالتالي لا يبقى في المجتمع مكان لأسباب الفرقة والتمزق من الحقد والكراهية والشحناء.
    ثم إن كثيرًا من أنواع الذكر هي بحد ذاتها عوامل تساعد على تقوية الروابط بين الناس وتزيد فيهم الحب والمودة، كإفشاء السلام الذي قال عنه ﷺ: «أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم »(5)، وكذلك الإنفاق بالزكاة والصدقات التي تعدّ من الأذكار الفعلية، وأيضًا التناصح والتزاور والإهداء والابتسامة وغيرها من أشكال الذكر القولية أو الفعلية.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    (1) [العنكبوت: 45]

    (2) [يونس: 25]
    (3) [فاطر: 6]
    (4) [ طه: 124]
    (5) أخرجه مسلم (ص44، رقم 54) كتاب الإيمان، باب لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن محبة المؤمنين من الجنة، وأن إفشاء السلام سبب لحصولها.



  12. #172
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (171)




    آثار الذكر على النفس والمجتمع

    3-الذكر يجلب الخيرات:
    إن ذكر الله من أهم أسباب حلول الخيرات والبركات، ونزول الأمطار وخروج الزرع، وتكاثر النعم المختلفة، لأن الله تعالى لا يخيب ظن الذاكر حين يستغفره ويدعوه، ولا يرده خاوي اليدين، بل يعطيه من ملكه ما يشاء من الأرزاق والآلاء، لذلك كانت دعوة نوح عليه السلام لقومه بالاستغفار من أجل زوال القحط والجفاف ونزول الأمطار والنعم، فقال:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا}(1). كذلك جاءت دعوة هود عليه السلام حين قال لقومه:{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}(2).
    كما أشار الله تعالى في كتابه المبين إلى أن شكر النعمة - الذي هو نوع من الذكر - هي أيضًا من أسباب السعة في الرزق والبركة فيه، وإن كفر النعمة والحجود بها يعدّ من أسباب النقمة وزوال النعم والبركات، حيث قال:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(3)، وقال أيضًا:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}(4).
    4-الذكر عامل للنصر والتمكين:
    يعدّ ذكر الله تعالى من الأسباب المهمة للقوة والتمكين في الأرض والنصر على الأعداء، كما جاء في دعوة هود عليه السلام لقومه بالاستغفار{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}(5). فكان من نتيجة ذكر الله تعالى بالاستغفار نزول الأمطار وحلول البركات، إضافة إلى زيادة في القوة التي جاءت نكرة، والتي تدل على عموم القوة سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي أو العلمي أو الثقافي وغيرها.
    كما أمر الله تعالى عباده المؤمنين عند لقاء عدوهم في المعارك والحروب أن يبادروا باللجوء إليه بالذكر من صلاة وقيام ودعاء وقراءة للقرآن وغيرها، فقال جل شأنه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(6).
    * * *
    وأخيرًا:
    فإن ذكر الله من أفضل الطاعات، وأهم القربات إلى الله تعالى، لأنها تشمل معظم العبادات القولية والفعلية، والذكر بأنواعه المختلفة هو زاد المؤمن في الحياة لمواجهة شرور الشياطين من الإنس والجان، الذين يعملون لإغواء النفس وإفسادها، وإخضاع الجسد وأسره للشهوات والأهواء، وهذا يفرض على المسلم المحافظة على الذكر والدوام عليه في معظم أوقاته، حتى يقطع طريق الشر عن نفسه وأهله وأبنائه، وحتى يركن إلى هدوء النفس وراحة البال التي من خلالها يمكن أن ينطلق نحو الحياة بجد وإخلاص، وتكلل جهوده بالنجاح والإبداع، ويصل إلى تحقيق أهدافه المنشودة بأسرع وقت وأفضل النتائج.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    (1)
    [ نوح: 10-11]
    (2)
    [ هود: 52]
    (3)
    [ إبراهيم: 7]

    (4)
    [ النحل: 112]
    (5)
    [ هود: 52]
    (6)
    [ الأنفال: 45]


  13. #173
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (172)



    ادعوني استجب لكم
    الدعاء: صورة من صور الذكر القولي، ومن أهم معالم الشخصية السوية، كما هو أهم عوامل مجد الحياة، وعلاج عقباتها، نفتتح الكلام عنه بما رواه الترمذي رحمه الله:
    حدثنا الحسن بن عرفة: حدثنا يزيد بن هارون عن عبدالرحمن بن أبي بكر القرشي عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة وما سئل الله شيئًا يعني أحبَّ إليه من أن يُسأل العافية» وقال رسول الله ﷺ: «إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء«(1).
    مفهوم الدعاء:
    في اللغة: دَعا بالشيء دعْوًا، ودَعْوَةً، ودُعاءً، ودَعْوى: طلب إحضاره. ويقال: دعا بالكتاب. والشيءُ إلى كذا: احتاج إليه. ويقال دعا: الله رجا منه الخير، ولفلان: طلب الخير له. ودعا على فلان: طلب له الشرّ. فالدعاء: ما يُدْعى به الله من القول (ج) أدعية(2).
    في الاصطلاح: يعني الاستعانة بالله تعالى واللجوء إليه ومناداته لجلب النفع والخير، ودفع الشر والأذى.
    المعاني الواردة للدعاء في كتاب الله:
    1-العبادة، كما في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3). وقوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(4).
    2-الاستغاثة، كما في قوله تعالى:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(5).
    3-التنزيه والتعظيم، كما في قوله تعالى:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(6).
    4-النداء، كما في قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنظِرُونِ}(7).
    5-القول، كما في قوله تعالى:{يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(8).
    6-التمني، كما في قوله تعالى:{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}(9).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1)
    أخرجه الترمذي (ص808-809، رقم 3548) كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي ﷺ. وأحمد (5/234، رقم 22097). والحاكم (1/669، رقم 1813). قال الحاكم: صحيح الإسناد.

    (2)
    المعجم الوسيط، مادة (دَعَا)، 1/ 286-287.

    (3)
    [الأعراف: 194]

    (4)
    [غافر: 60]


    (5)
    [ البقرة: 23]

    (6)
    [ يونس: 10]

    (7)
    [ الأعراف: 195]

    (8)
    [ الحج: 13]

    (9)
    [ فصلت:31]






  14. #174
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (173)


    فضل الدعاء

    يتبين فضل الدعاء وأهميته من خلال حثّ الشارع عليه من الكتاب والسنة، يقول تبارك وتعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(1).
    فهو التوجه المباشر إلى الله تعالى وحده، دون وسيلة أو وساطة، حيث يبث العبد شكواه إلى خالقه، ويعلن بين يديه ضعفه وقلة حيلته، ثم يطلب سؤله وما يرجوه من الخير والمنفعة، فالله قريب من عباده، ورحمته واسعة عليهم، مهما اقترفوا السيئات، يقول تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
    كما يشير إلى فضل الدعاء ومكانته عند الله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء«(3).
    وهذا يعني أن الله تعالى يحب أن يكون عبده على صلة دائمة معه عبر حبل الدعاء ليستمع إليه ويجيبه بقضاء حاجته وتفريج همه، لكنه بالمقابل يبغض من لا يتضرع إليه بالدعاء، لقوله ﷺ: «من لم يسأل الله يغضب عليه«(4).
    فلا غنى للمؤمن عن الدعاء لأنه تجسيد عملي لمعنى العبودية لله تعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة«(5).
    وقد كان الدعاء سنة الأنبياء والرسل من قبل، والوسيلة التي يلجؤون بها إلى الله تعالى ليرحمهم ويغفر لهم، ويرزقهم الذراري الصالحة، ويعينهم على المعاندين من بني قومهم، يقول تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام:{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا . إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا . رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}(6).
    كما دعا إبراهيم عليه السلام ربه كثيرًا، وجاء ذلك في مواطن كثيرة من كتاب الله، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(7).
    وكذلك زكريا عليه السلام كما في قوله تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}(8)، ويونس عليه السلام حين نادى في جوف الحوت:{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(9).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    (1)
    [غافر: 60]

    (2)
    [البقرة: 186]

    (3)
    أخرجه الترمذي (ص770، رقم 3370) كتاب الدعوات، باب فضل الدعاء. وابن ماجه (ص546، رقم 3829) كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء. وأحمد (2/362، رقم 8733). وهو حديث حسن.


    (4)
    أخرجه الترمذي (ص770، رقم 3373) كتاب الدعوات، باب من لم يسأل الله يغضب عليه. والحديث حسن.

    (5)
    أخرجه أبو داود (ص220، رقم 1479) كتاب الوتر، باب الدعاء. والترمذي (ص668، رقم 2969) كتاب التفسير، باب سورة البقرة. وابن ماجه (ص546، رقم 3828) كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء. وهو حديث صحيح.

    (6)
    [نوح: 26-28]

    (7)
    [إبراهيم: 35-36]

    (8)
    [آل عمران: 38]

    (9)
    [الأنبياء: 87]




  15. #175
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (174)



    أنواع الدعاء
    يمكن تقسيم الدعاء إلى قسمين وفق مضمونه والحالة التي تدفع صاحبه إليه:
    1- دعاء المسألة: وهو ما يسأله العبد من ربه لجلب الخير والمنفعة له، وكشف الضر والأذى عنه ودفعه. كمن يقول: اللهم ارحمني واغفر لي وعافيني واعف عني، أو يقول: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري واكشف الضر عني، وهكذا.
    فمن دعاء المسألة ما وصى به النبي عليه الصلاة والسلام ابن مسعود بقوله: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف« (1).
    2- دعاء العبادة: فهو شامل لجميع القربات من الطاعات والعبادات القولية والفعلية، كالصلاة والصيام والزكاة والجهاد والإحسان إلى الناس والدعوة إلى الله وقراءة القرآن والأذكار، وجميع ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى. والشاهد على ذلك قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(2). ويقول عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة«(3).
    وبهذا ؛ فإن مفهوم دعاء العبادة أشمل من دعاء المسألة، بل إن دعاء المسألة يدخل في دعاء العبادة، لأنه لون من ألوان العبودية لله تعالى حين يقف العبد بين يدي ربه ويدعوه بإسباغ النعم عليه وكشف الضر عنه.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1)
    أخرجه الترمذي (ص572، رقم 2516) كتاب صفة الجنة، باب حديث حنظلة. وأحمد (1/293، رقم 2669). قال الترمذي: حسن صحيح.

    (2)
    [غافر: 60]

    (3)
    سبق تخريجه.


  16. #176
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    (175)


    شروط الدعاء

    حتى يكون الدعاء مقبولاً عند الله تعالى لا بد من توافر بعض الشروط والضوابط التي تدخله في إطاره الشرعي، ليتحقق معنى العبودية ويحصل مطلب الاستجابة، ومن أهم هذه الشروط:
    أولاً: إخلاص الدعاء لله وحده:
    بأن يتوجه العبد بدعائه إلى الله تعالى وحده دون غير سواء، فلا يسأل إلا الله، ولا يطلب إلا من الله، ولا يتضرع إلا لله، ولا يقدم الثناء والتعظيم إلا لله، فلا يتخذ للتواصل مع الله تعالى وسائط ووسائل ليقربهم إليه من تماثيل أو أحجار أو أشخاص كما كانت تفعله العرب في الجاهلية، فإنها شرك بالله تعالى كما قال:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(1).
    ذلك لأن الله تعالى أمر عباده اللجوء إليه مباشرة من غير وسيط، فإنه قريب منهم، يسمع دعاءهم وشكواهم فلا حاجة لمثل تلك الآلهة والمعبودات للوصول إلى الله تعالى أو إيصال الدعاء إليه، يقول تبارك وتعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(2).
    وأما الدعاء لغير الله تعالى والتوسل بالأشخاص والأحجار والأشجار فإنها لا تزيد صاحبه إلا ضلالاً وانحرافًا عن هدي الله تعالى، لأن تلك المعبودات من خلق الله وصنعه، ولا تستطيع دفع الضر عن نفسها، فكيف تدفعه عن غيرها؟! يقول تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ۖ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}(3).
    وفي وصيته عليه الصلاة والسلام لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله»(4).
    ثانيًا: اليقين بقدرة الله تعالى على إجابة الدعاء:
    ويدخل هذا في باب حسن الظن بالله تعالى في استجابته لدعاء عبده، وقدرته على تحقيق ما يسأله هذا العبد من الرحمة والمغفرة، ومن كشف الضر وتخفيف المصيبة، وبسط الرزق، وإغداق النعم، وغيرها، لأن الله تعالى تعهد بذلك لعباده فقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(5)، وقال أيضًا:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(6).
    فلا ينبغي للعبد أن يدعو وهو يشك في الاستجابة أو غير مطمئن لنتيجة دعائه، لأن رحمة الله أوسع مما يتصوره العبد، وعفوه غير محدود للمنيبين إليه، واستجابة الدعاء ليس بعزيز عليه جلّ وعلا، لقوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرًا تقربت إليه ذراعًا وإن تقرَّبَ إلي ذراعًا تقرّبت منه باعًا، وإن أتاني يمشي، أتيته هرولة»(7).
    فالله تعالى يستجيب لعبده الداع لا محال، عاجلاً أم آجلاً، فربما يتحقق الدعاء ويستجاب له بشكل عاجل، وقد يتأخر حينًا من الزمن، يطول أو يقصر، لقوله ﷺ: «إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردها صفرًا خائبتين»(8).
    والمهم في ذلك كله ألا يستعجل العبد ويقول أن الله تعالى لم يستجب لي، لقوله ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي»(9).
    وإذا لم يتحقق الدعاء في الحياة الدنيا، فإنما يؤخرها الله له في الآخرة، ليكون له نجاة وحجابًا من النار، أو يدفع به ضرًّا لقوله ﷺ: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر»(10).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    (1)
    [الزمر: 3]

    (2)
    [البقرة: 186]

    (3)
    [الأعراف: 194]

    (4)
    سبق تخريجه

    (5)
    [البقرة: 186]

    (6)
    [غافر: 60]

    (7)
    أخرجه البخاري (ص1273، رقم 7405) كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {ﯳﯴﯵ }. ومسلم (ص1166، رقم 6805) كتاب الذكر والدعاء، باب الحث على ذكر الله تعالى.

    (8)
    أخرجه أبو داود (ص221، رقم 1488) كتاب الوتر، باب الدعاء. والترمذي (ص811، رقم 3556) كتاب الدعوات، باب 105. وهو حديث حسن.

    (9)
    أخرجه البخاري (ص1102، رقم 6340) كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل. ومسلم (ص1186، رقم 2735) كتاب الذكر والدعاء، باب أنه يستجاب للعبد ما لم يعجل.

    (10)
    أخرجه الترمذي (ص814، رقم 3573) كتاب الدعوات، باب في انتظار الفجر. وابن ماجه (ص576، رقم 4003) كتاب الفتن، باب فتنة النساء. وأحمد (3/18، رقم 11149). والحديث حسن صحيح.




  17. #177
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,902

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر

    (176)



    شروط الدعاء

    ثالثًا: حضور القلب أثناء الدعاء:
    ينبغي أن يكون العبد الداعي، حاضر القلب أثناء الدعاء، يعلم ما يقول، بحيث يتوافق قلبه ويتفاعل مع ما يتضرع به إلى الله تعالى، من ثناء وتعظيم ومن سؤال وشكوى، فلا يكون بلغة غامضة وكلمات مبهمة، كما لا تكون حاله وفكره وقلبه غافلاً عما يقوله ويدعو به، يقول عليه الصلاة والسلام: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ»(1).
    رابعًا: إطابة المال والمطعم والمشرب:
    يقول تبارك وتعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(2)، فمن أهم شروط قبول الأعمال ودلالاته عند الله تعالى، توفر تقوى الله تعالى وخشيته في النفس، ومن أهم مقتضيات ذلك هو البعد عن محارم الله تعالى ونواهيه.
    وقد ذكر رسول الله ﷺ إحدى هذه المحظورات التي تعيق الدعاء ويمنع القبول وهي تناول المال الحرام عن طريق الربا أو الرشوة أو السرقة أو الغصب وغيرها، ثم استخدام هذا المال في الملبس والمطعم والمشرب وسائر شؤون الحياة، قال عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}(3). وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}(4). ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربّ يا ربّ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام فأنّى يستجاب لذلك»(5).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
    (1)
    أخرجه الترمذي (ص794، رقم 3479) كتاب الدعوات، باب في إيجاب الدعاء بتقديم الحمد والثناء والصلاة على النبي ﷺ. والحاكم (1/670، رقم 1817). قال الحاكم: صحيح الإسناد.


    (2)
    [المائدة: 27]

    (3)
    [المؤمنون: 51]

    (4)
    [البقرة: 172]

    (5)
    أخرجه مسلم (ص409، رقم 1015) كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب.






الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •