السؤال : أرغب بالسؤال عن صحة حديثين عن النساء . الحديث الأول في تفسير آية من سورة المطففين وهي قوله تعالى :( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم : ( أربعة خلال مفسدة ، مجاراة الأحمق فإنه يصيرك مثل حاله ، وكثرة الذنوب فالله تعالى قال : (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) ، والخلوة بالنساء ، والإستمتاع منهن والعمل برأيهن ، ومجالسة الموتى ) ليس عندي أي إشكال في فهم الحديث حتى وصلت لقوله والاستمتاع منهن والعمل برأيهن ، وتساءلت عن معنى هذا الكلام لو صح هذا الحديث ، فهو يبدو لي متعارضا مع مدح رسول الله للنساء ، وأخذه برأي بعض أزواجه ، وأيضا متعارضا مع توصيته للرجال بالزواج والاستمتاع بالنساء ، فكيف يكون الاستمتاع منهن والعمل برأيهن مفسدة للقلب ؟ أم أن رسول الله يتكلم عن الخلوة بالنساء الأجنبيات والاستمتاع بهن والأخذ برأيهن يعتبر مفسدة لفساد أخلاقهن ؟
تم النشر بتاريخ: 2018-01-14

الجواب :
الحمد لله
أولا :
الحديث المذكور : حديث ضعيف لا يثبت .
أخرجه أبو موسي المديني في "التتمة" ، وساقه بإسناده عنه ابن الأثير في "أسد الغابة" (6/270) من طريق الحسن بن عرفة ، والشجري في "الأمالي" (2490) من طريق مهدي بن حفص ، كلاهما ( الحسن بن عرفة ، مهدي بن حفص ) عن مبارك بن سعيد ، عن خليد الفراء ، عن أبي المجبر ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:( أَرْبَعُ خِلَالٍ مَفْسَدَةُ الْقَلْبِ ، مُجَارَاةُ الْأَحْمَقِ ، فَإِنْ جَارَيْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ ، وَإِنْ سَكَتَّ عَنْهُ سَلِمْتَ مِنْهُ ، وَكَثْرَةُ الذُّنُوبِ مَفْسَدَةٌ لِلْقَلْبِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) المطففين/14 ، وَالْخُلْوَةُ بِالنِّسَاءِ وَالِاسْتِمْتَا عُ مِنْهُنَّ ، وَالْعَمَلُ بِرَأْيِهِنَّ ، وَمُجَالَسَةُ الْمَوْتَى ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنِ الْمَوْتَى؟ قَالَ: كُلُّ غَنِيٍّ قَدْ أَطْغَاهُ غِنَاهُ ) .
وإسناده ضعيف ، فيه علتان :
الأولى : الاختلاف في ثبوت صحبة أبي المُجَبَّر .
قال ابن حجر في "تبصير المنتبه" (4/1253) :" واختلف في أبي المُجَبَّر: هل له صحبة ؛ وهل هو بجيم أبو بحاء مهملة ؟ ، حدّث عنه خُليد الثوري ". انتهى
الثانية : جهالة حال " خليد الفراء " . واسمه " خليد الثوري " ؛ حيث لم يوثقه أحد ، وإنما ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (3/198) ، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/383) ، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا .
والحديث روي من وجه آخر عن أبي هريرة ، وليس فيه :" والعمل برأيهن " ، ولكنه طريق مكذوب .
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" وساقه بسنده السيوطي في "الزيادة على الموضوعات" (2/663) فقال :" أخبرنا والدي أخبرنا أبو الفضل القومساني ، أخبرنا أبو علي بن فضال ، أخبرنا أبو بشر محمد بن أحمد العُتْبِي بطرسوس ، حدثنا علي بن سعيد العسكري ، أخبرنا محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا داود بن المحبَّر ، حدثنا سليمان بن الحكم بن عوانة ، عن محمد بن واسع ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( أربعٌ يُمِتن القلب: الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء وحديثهنّ ، وملاحاة الأحمق تقول له ويقول لك ، ومجالسة الموتى. قيل: يا رسول الله وما مجالسة الموتى؟ قال: كلُّ غنيٍّ مترَف وسلطان جائر ) .
وإسناده موضوع ، فيه متروك وكذاب .
الأول : سليمان بن الحكم بن عوانة ، واه ، قال الذهبي في "المغني في الضعفاء" (2571) :" واه باتفاقهم " . انتهى
الثاني : داود بن المحبر ، كذاب ، قال ابن حبان في "المجروحين" (1/291) :" كَانَ يضع الْحَدِيث عَلَى الثِّقَات ". انتهى
ثانيا :
الحديث المذكور ، مع عدم ثبوته ، مخالف أيضا للشريعة في استحباب مشاورة المرأة الفاضلة العاقلة ، وقد ثبت في صحيح البخاري في قصة الحديبية مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة .
أخرج البخاري في "صحيحه" (2731) في حديث صلح الحديبية الطويل وفيه :"( فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الكِتَابِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ:" قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا "، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً ، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا ، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ).
قال ابن الجوزي في "كشف المشكل" (4/58) :" وَأما مُشَاورَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة وَقبُول قَوْلهَا : فَفِيهِ دَلِيل على جَوَاز الْعَمَل بمشاورة النِّسَاء ، ووهن لما يُقَال: شاوروهن وخالفوهن ". انتهى .
فتبين مما سبق ضعف الحديث سندا ، ومخالفته في ترك مشاورة النساء شرعا .
ثالثا :
وأما استمتاع الرجل بزوجته : فلا يحتاج إلى بيان وشرح ، ولا دليل على صحته ؛ فهو أمر بدهي معلوم من الدين بالضرورة .
وكذلك ، أمر عشرة النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه وأهل بيته : معروف مشهور . وقد ندب إلى الإحسان منهن ، وملاطفتهن ، وشرع السمر في الحديث معهن .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع نساءه ، ويحدثهن ، ويسمر معهن في الليل .
ويدل على ذلك أحاديث كثيرة ، من أشهرها حديث أم زرع الطويل ، والذي أخرجه البخاري في "صحيحه" (5189) ، ومسلم في "صحيحه" (2448) من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت :" قَالَتْ:( جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً ، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لاَ يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا ، قَالَتِ الأُولَى ..." . ثم ساقت أخبارهن جميعا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يستمع حديثها .
وبوب البخاري في "صحيحه" : بَابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ !

وأما النساء الأجنبيات فالأصل في الشريعة المنع من الاختلاط والحديث بغير حاجة .
وفي الموقع فتاوى عديدة حول ذلك ، وبيان ضوابط العلاقة بين الجنسين : يمكن مراجعتها والاستفادة منها .
والله أعلم .
https://islamqa.info/ar/268440