تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 52 من 52

الموضوع: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 41 )


    أحاديث البيوع (16)



    نكمل ما قد وقفنا عليه في الحلقة السابقة في الحديث الذي رواه الشيخان رحمهما الله تعالى عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع حبل الحبلة وكان بيعاً يتبايعن أهل الجاهلية, كان الرجل يتبايع الجزور إلى أن تنتج الناقة, ثم تنتج التي في بطنها, قيل: إن كان يبيع الشارف – وهي الكبيرة المسنّة – بنتاج الجنين الذي في بطن ناقته.

    الوقفة الثالثة: جاء النص في الحديث على هذا النوع من البيع لأنه من بيعات الجاهلية, وحكمة النهي –والله أعلم- أنه من بيع الغرر المفضي إلى الميسر, وأكل المال بالباطل, مع ما يحصل في ذلك من الشجار والخصام, والعداوة والبغضاء.

    وكل بيع فيه غرر وميسر فهو حرام, وهذه قاعدة شرعية معلومة, يقول العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله مفصلاً.

    هذه القاعدة: (القاعدة الثانية تحريم المعاملات التي فيها غرر وخطر) وذلك أنه ثبت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين تحريم الميسر وهو نوعان, نوع في الغالبات والرهان, فهذا كله محرم لم يبح الشارع منه إلا ما كان معيناً على طاعته والجهاد في سبيله كأخذ العوض في مسابقة الخيل والركاب والسهام, والنوع الثاني من الميسر في المعاملات, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر, وهذا شامل للبيع بأنواعه والإجارات, فالشيء الذي يشك في حصوله أو تجهل حاله وصفاته المقصودة داخل في الغرر لأن أحد المتعاقدين إما أن يغنم أو يغرم فهو مخاطر كالرهان, ولأجل هذه القاعدة اشترط الفقهاء في البيع أن يكون الثمن معلوماً, والمثمن معلوماً لأن جهالة أحدهما تدخله في الغرر, وقد ذكروا من أمثلة الجهالة لي أحدهما شيئاً كثيراً لكن منها ما جهالته ظاهرة لا يختلف أهل العلم في منعه وتحريمه كبيع الحمل في البطن وحبل الحبلة وبيع الملامسة والمنابذة والحصاة ونحوها, ومنها ما تكون جهالته يسيرة قد يدخلها بعضهم في الغرر ولا يدخلها آخرون فيبيحونها مثل: البيع بما باع به زيد, أو بما باع به الناس, وبما ينقطع به السعر ونحوها مما تختلف فيه أنظار العلماء مع اتفاقهم على أصل القاعدة لكن الخلاف في الصور المعينة, هل تنطبق عليها القاعدة أم لا؟ وأولاهم بالصواب فيها من وافق الواقع التي هي عليه في عرف الناس ومعارفهم, ولأجل هذه القاعدة ذكروا من شروط البيع بأنواعه القدرة على تسليمه فمنعوا بيع الشارد ونحوه مما يشك في حصوله, وكذلك في الإجارة اشترطوا العلم بالعين المؤجرة, والقدرة على تسليمها, والعلم بالأجرة لأنه إذا لم يحصل العلم بذلك دخل في الغرر, وأدخلوا فيه استثناء المجهول من المعلوم لأنه يصيره مجهولاً, واشترطوا حلول الثمن أو المثمن بمدة غير معلومة لها كما ورد في الحديث الصحيح: من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم, فجهالة ذلك يدخله في الغرر, ومثله بيع الشيء واستثناء منافعه فلابد أن تكون معلومة إلى مدة معلومة كأن يبيع البعير ويستثني ظهره, أو يبيع الدار ويستثني سكناها, فكلها لابد أن تكون معلومة لهذا الأصل.

    ثم عدد –رحمه الله – بعض الصور التي فيها غرر فقال: (ومن الغرر في باب المشاركات والمساقاة والمزارعة ونحوها أن يشترط لأحدهما ربح أحد السلعتين أو دراهم معينة من الربح, ومن أنواع الغرر أن يكون له في ذمته أصواع مقدرة أو أوزان مقدرة فليعطيه عن ذلك جزافاً لأنه قد يكون قدر حقه, وقد يكون أكثر أو أقل ففيه خطر, فإن أعطاه عن جميع حقه شيئاً مجهولاً, وهو أقل منه يقيناً, وهو من جنسه ونوعه فلا يأس لأنه لا يحتمل أنه أكثر من حقه بل قد علما أنه دون حقه, ولكن سمح له بالباقي المجهول وكثيراً ما تدعوا الحاجة على مثل هذه الحالة, وأنواع الغرر كثيرة جداً, ثم قال –رحمه الله-: (فأما الحكمة في تحريم الغرر فهي بعينها الحكمة التي ذكرها في الميسر حيث شارك الخمر في مفاسده), حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ }المائدة91،90, فأخبر أنها رجس أي خبيثة وأنها من أعمال الشيطان, وكل أعماله شر لا خير فيها بوجه, وما كان شر وجب اجتنابه ورتب الفلاح على اجتنابه وأخبر أنه يوقع البغضاء والعداوة بين الناس, وذلك لأن المتخاطرين في الغالبات والمعاملات لابد أن يغلب أحدهما الآخر ويغبنه ويكون الآخر مغلوباً مغبوناً ويشاهد مظلمته بعينها عند من قهره فلا تسأل عما يحدث له من الهم والبغض وإراد الشر والعداوة لأنه ظلم واضح, فمن رحمة الشارع وحكمته النهي عن هذا النوع الذي قد تبين وطهر شره, وزال خيره وصار سبباً لأضرار كثيرة وأنه لا تصلح دنيا الخلق إلا بالتزام أحكام الشرع كما لا يصلح دينهم إلا بذلك)أ.هـ.

    أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 42 )


    أحاديث البيوع (17)

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
    فقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض الأنواع من البيوع الجاهلية التي قد جاء الإسلام بتحريمها لما تشمل الغرر أو الجهالة وأكل أموال المسلمين بالباطل، ولما يؤدي في الغالب إلى النزاع والخصام بين البائع والمشتري.
    وفي هذه الحلقة نتحدث عن نوع آخر من البيوع التي كانت شائعة في الجاهلية، ولها وجود حتى الآن في كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية، ولكن الإسلام قد حرّمها لما تشتمل على الغرر والجهالة، ولأنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى النزاع والخلاف، ولما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وبالتالي ينشأ الحقد بين المسلمين، وهم مأمورون أن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر، وهذا البيع هو بيع الثمار على الأشجار قبل أن يبدو صلاحها إذا بيعت دون أصولها، روى الإمام البخاري رحمه الله:
    عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا(نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا)[صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه، رقم الحديث 1487].
    وعن عَبْد اللَّهِ بْن دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاحِهَا قَالَ حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُهُ) [صحيح البخاري برقم 1486]
    وقال البخاري رحمه الله: بَاب بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ أَصَابَهُ مُرَاضٌ أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ فَإِمَّا لَا فَلَا تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الْأَصْفَرُ مِنْ الْأَحْمَرِ) قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ سَهْلٍ عَنْ زَيْدٍ.
    ففي هذين الحديثين والآثار النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، والنهي يشمل البائع والمشتري، فالبائع لا يجوز له أن يبيع الثمار قبل بدو صلاحها والمشتري كذلك لا يقبل شراء الثمار التي على الشجر ولم يبد صلاحها، والحكمة في نهي بيع الثمار قبل بدو صلاحها أنها إذا بيعت قبل وقت الصلاح، فإنها قد تتعرض للآفات والتلف، فالبائع يقول إنه قد باع وبرئت ذمته بعد بيع هذه الثمار التي لم تكن موجودة أصلا عند بيعها، ولا يهمه إلا النقود وقد حصل، وأما المشتري فهو في قلق لأن هذه الثمار التي شراها قد يلحقها الضرر، قد تصيبها آفة من الآفات من الدود أو المرض أو البرد أو مطر شديد فتتلف نهائيا أو تتضرر ضررا بالغا، فالمشتري يطلب من البائع أن يقيل هذا البيع أو يرد له من المبلغ مقابل ما أصاب الثمار من الآفات قبل قطفها، فيحصل النزاع والخصام، فلأجل هذا سدّ الشارع الحكيم هذا الباب وحرم بيعها قبل وقت صلاحها، وهذا يشمل جميع أنواع الثمار.
    ومعنى بدو الصلاح: أي ظهور أوائل الصلاح على هذه الثمار.
    فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار على رؤوس الأشجار؛ حتى يظهر نضجها، وتأخذ لونها الذي يدل على طيبها وصلاحها.
    وقد وردت أحاديث أخرى في هذا المعنى، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَعَنْ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو قَالَ: يَحْمَارُّ أَوْ يَصْفَارّ)ُ. [صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع النخل قبل أن يبدو صلاحها (2197)]
    و حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ )[صحيح مسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها (1535)]
    قال النووي رحمه الله: وَالْإِزْهَاء فِي الثَّمَر أَنْ يَحْمَرّ أَوْ يَصْفَرّ , وَذَلِكَ عَلَامَة الصَّلَاح فِيهَا وَدَلِيل خَلَاصهَا مِن الْآفَة. يُقَال إِذَا ظَهَرَتْ الْحُمْرَة أَوْ الصُّفْرَة فِي النَّخْل فَقَدْ ظَهَرَ فِيهِ الزَّهْو, ( وَيَأْمَن الْعَاهَة ) هِيَ الْآفَة تُصِيب الزَّرْع أَوْ الثَّمَر وَنَحْوه فَتُفْسِدهُ.
    قَوْله: ( وَعَنْ السُّنْبُل حَتَّى يَبْيَضّ ) فِيهِ دَلِيل على أَنَّهُ يَجُوز بَيْع السُّنْبُل الْمُشْتَدّ.
    عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ). [سنن أبي داود، كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها (3371)،سنن الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها (1228)]
    وعُبِر عنه في بعض الأحاديث بالمخاضرة, وهى أن يباع الثمر وهو أخضر.
    فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَن الْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَاضَرَة ِ وَقَالَ الْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَزْهُوَ وَالْمُخَابَرَة ُ بَيْعُ الْكَرْمِ بِكَذَا وَكَذَا صَاعٍ). [سنن النسائي، كتاب الأيمان والنذور، (3883)].
    قال ابن المنذر: أجمع العلماء على القول بجملة هذا الحديث. أي اتفقوا على النهي من بيع الثمر قبل بدو صلاحها.
    ويقول ابن عبد البر: هذه الأحاديث بجملتها؛ تنهى عن بيع الثمار حتى تطعم، حتى تخرج من العاهة، حتى تُزهى، حتى تصفر, وهذه ألفاظ كلها محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناها واحد.
    * الأحوال التي تتعلق ببيع الثمرة قبل بدو الصلاح كما قسمها ابن قدامة:
    1- أن يشتريها المشتري بشرط إبقائها على رؤوس الأشجار؛ وفي ملك البائع. وهذا البيع فاسد بالإجماع .
    2- أن يبيعها بشرط القطع في الحال, فحكمه الجواز؛ لأنها أمنت نزول الآفة عليها. وقال بعدم جوازه وحرمته الثوري وابن أبي ليلى.
    3- باع ثمرة مطلقاً ولم يشترط قطع أو إبقاء, فالبيع باطل عند مالك والشافعي وأحمد خلافاً لأبي حنيفة؛ لأن النهي محمول على بيع الثمار قبل وجودها أصلاً، فإذا وجدت صح البيع؛ ما لم يشترط التبقية في أصل العقد. والأرجح قول الجمهور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقيده.
    ضابط بدو الصلاح:
    المذهب الأول: أن يطيب أكلها ويظهر نضجها على الصفة التي يُطلب عليها، وبدو الصلاح في كل ثمرٍ بحسبه.
    المذهب الثاني: أن يدخل الزمان الذي فيه يكون الصلاح عادةً. عن ابن عمر (سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار. قال: حتى تذهب العاهة. قال: وما ذاك. قال: حين تطلع الثريا).الثريا: نجم في السماء يظهر في شهر آيار، وهو علامة على دخول الصيف، وهو أوان طيب الثمر.
    والأرجح القول الأول مع صحة هذا الحديث، وعن زيد بن ثابت؛ إنه كان لا يبيع إلا في هذا الوقت.
    أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله


    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 43 )

    أحاديث البيوع ( 18 )


    بيع المزابنة



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
    فقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض الأنواع من البيوع الجاهلية التي قد جاء الإسلام بتحريمها لما تشمل الغرر أو الجهالة وأكل أموال المسلمين بالباطل، ولما يؤدي في الغالب إلى النزاع والخصام بين البائع والمشتري.
    وفي هذه الحلقة نتحدث عن نوع آخر من البيوع التي قد حرّمها الإسلام لما تشتمل عليه أيضًا من الغرر والجهالة، ولأنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى النزاع والخلاف، ولما فيه من أكل أموال الناس بالباطل، وبالتالي ينشأ الحقد بين المسلمين، وهم مأمورون أن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر، وهذا البيع هو بيع المزابنة،
    روى الإمام البخاري رحمه الله:
    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَة ُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً). [صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الزبيب بالزبيب والطعام بالطعام، رقم الحديث 2171، وصحيح مسلم: 1542].
    وعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن الْمُزَابَنَةِ قَالَ: وَالْمُزَابَنَة ُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا[صحيح البخاري برقم 2173]
    وعنه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن الْمُزَابَنَةِ. وَالْمُزَابَنَة ُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً. [صحيح البخاري برقم 2185].
    وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَة ِ. وَالْمُزَابَنَة ُ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرُ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ. وَالْمُحَاقَلَة ُ أَنْ يُبَاعَ الزَّرْعُ بِالْقَمْحِ وَاسْتِكْرَاءُ الْأَرْضِ بِالْقَمْحِ. [صحيح مسلم: 1539].
    الوقفة الأولى:
    قال ابن حجر في الفتح:
    [قَوْله: (بَاب بَيْع الْمُزَابَنَة) بِالزَّاي وَالْمُوَحَّدَة وَالنُّونِ, مُفَاعَلَة مِن الزَّبْنِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الدَّفْعُ الشَّدِيدُ, وَمِنْهُ سُمِّيَت الْحَرْبُ الزَّبُونَ لِشِدَّةِ الدَّفْعِ فِيهَا, وَقِيلَ لِلْبَيْعِ الْمَخْصُوصِ الْمُزَابَنَة لأَنَّ كُلّ وَاحِد مِن الْمُتَبَايِعَي ْنِ يَدْفَعُ صَاحِبه عَنْ حَقِّهِ, أَوْ لأَنَّ أَحَدَهُمَا إِذَا وَقَفَ عَلَى مَا فِيهِ مِن الْغَبْنِ أَرَادَ دَفْع الْبَيْع بِفَسْخِهِ, وَأَرَادَ الآخَر دَفْعَهُ عَنْ هَذِهِ الإِرَادَةِ بِإِمْضَاء الْبَيْع.
    قَوْله: (وَهِيَ بَيْعُ التَّمْرِ بِالْمُثَنَّاةِ وَالسُّكُونِ (بِالثَّمَرِ) بِالْمُثَلَّثَة ِ وَفَتْح الْمِيمِ, وَالْمُرَاد بِهِ الرُّطَب خَاصَّة. وَقَوْله "بَيْع الزَّبِيب بِالْكَرْمِ") أَيْ بِالْعِنَبِ وَهَذَا أَصْل الْمُزَابَنَة.
    وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيّ بِذَلِكَ كُلّ بَيْعٍ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ, أَوْ بِمَعْلُومٍ مِنْ جِنْسٍ يَجْرِي الرِّبَا فِي نَقْدِهِ. قَالَ: وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَضْمَن لَك صُبْرَتَكَ هَذِهِ بِعِشْرِينَ صَاعًا مَثَلاً فَمَا زَادَ فَلِي وَمَا نَقَصَ فَعَلَيَّ فَهُوَ مِن الْقِمَارِ وَلَيْسَ مِن الْمُزَابَنَةِ.
    قُلْت (أي ابن حجر): لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي "بَابِ بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ" مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ اِبْن عُمَر "وَالْمُزَابَنَ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ" فَثَبَتَ أَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمُزَابَنَة أَيْضًا هَذِهِ الصُّورَة مِن الْقِمَارِ, وَلا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا قِمَارًا أَنْ لا تُسَمَّى مُزَابَنَة.
    وَمِنْ صُوَر الْمُزَابَنَة أَيْضًا: بَيْع الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلاً, وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عُمَر عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظ "وَالْمُزَابَنَ بَيْع ثَمَرِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً, وَبَيْع الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً, وَبَيْع الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ كَيْلاً".
    وَقَالَ مَالِك: الْمُزَابَنَةُ كُلّ شَيْءٍ مِن الْجُزَافِ لا يُعْلَمُ كَيْله وَلا وَزْنه وَلا عَدَده إِذَا بِيعَ بِشَيْءٍ مُسَمًّى مِن الْكَيْلِ وَغَيْره, سَوَاء كَانَ مِنْ جِنْسٍ يَجْرِي الرِّبَا فِي نَقْدِهِ أَمْ لا. وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْهُ: مَا يَدْخُلُهُ مِن الْقِمَارِ وَالْغَرَرِ.

    الوقفة الثانية: المحاقلة
    قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: نَظَرَ مَالِكٌ إِلَى مَعْنَى الْمُزَابَنَة لُغَة - وَهِيَ الْمُدَافَعَةُ - وَيَدْخُلُ فِيهَا الْقِمَارُ وَالْمُخَاطَرَة ُ.
    وَفَسَّرَ بَعْضهمْ الْمُزَابَنَة بِأَنَّهَا بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوّ صَلاحه, وَهُوَ خَطَأٌ فَالْمُغَايَرَة بَيْنَهُمَا ظَاهِرَة مِنْ أَوَّل حَدِيث فِي هَذَا الْبَابِ . وَقِيلَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى الْجُزْءِ وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ , وَالَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فِي تَفْسِيرِهَا أَوْلَى .
    وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : ... اِخْتَلَفُوا هَلْ يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ كُلّ مَا لا يَجُوزُ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ فَلا يَجُوزُ فِيهِ كَيْل بِجُزَاف وَلا جُزَاف بِجُزَاف؟ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الإِلْحَاقِ. وَقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    وعلى قول الجمهور لا يجوز بيع الحب اليابس بالحب في سنابله.
    وبيع الحب اليابس بالحب في سنابله هو المحاقلة، قال ابن حجر في الفتح:
    (الْمُحَاقَلَة) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَقْلِ, وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَقْلُ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ, وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ, وَقِيلَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا, وَقِيلَ بَيْعُ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ, وَعَنْ مَالِكٍ: هُوَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِكَيْلِ طَعَامٍ أَوْ إِدَامٍ, وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا تُنْبِتُ.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 44 )


    أحاديث البيوع ( 19 )



    بيع العرايا










    وأما بيع العرايا التي استثنى الإسلام من التحريم، فهو: بيع الرطب في رءوس النخل خرصًا بما يؤول إليه يابسًا بمثله من التمر كيلاً معلومًا -أي لا جزافًا، بمعنى تقدير كمية الرطب الموجود في رءوس النخل، وكم تصبح كميتها لو جفت، وبيع هذه الكمية بمقدارها من التمر، فهي مسألة تقديرية.

    قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:

    وَأَمَّا ( الْعَرَايَا ) فَوَاحِدَتهَا عَرِيَّة بِتَشْدِيدِ الْيَاء كَمَطِيَّةِ وَمَطَايَا وَضَحِيَّة وَضَحَايَا مُشْتَقَّة مِنْ التَّعَرِّي وَهُوَ التَّجَرُّد لِأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْم بَاقِي الْبُسْتَان . قَالَ الْأَزْهَرِيّ وَالْجُمْهُور : وَهِيَ فَعِيلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة . وَقَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره : فَعِيلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة مِنْ عَرَاهُ يَعْرُوهُ إِذَا أَتَاهُ وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبهَا يَتَرَدَّد إِلَيْهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَخَلِّي صَاحِبهَا الْأَوَّل عَنْهَا مِنْ بَيْن سَائِر نَخْله . وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم .

    والفرق بينها وبين المزابنة، أن في بيع المزابنة تكون كمية الرطب الموجودة في النخلة مساوية للتمر الموجود على الأرض، وهنا تقع مشكلة عدم التماثل، ذلك أن الرطب فيه ماء يجعله أكثر انتفاخا من التمر الجاف، وبالتالي فإن المماثلة منعدمة، أما في العرايا فيتم تقدير الرطب وحساب كم يمكن أن تكون كميته لو جف وأصبح تمرا، وبيع هذه الكمية المقدرة بالتمر الموجود على الأرض.

    قَالَ اِبْن الْمُنْذِر: اِدَّعَى الْكُوفِيُّونَ أَنَّ بَيْعَ الْعَرَايَا مَنْسُوخ بِنَهْيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ. وَهَذَا مَرْدُود لأَنَّ الَّذِي رَوَى النَّهْي عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ هُوَ الَّذِي رَوَى الرُّخْصَة فِي الْعَرَايَا فَأَثْبَتَ النَّهْي وَالرُّخْصَة مَعًا.

    وقول زَيْد بْن ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا [صحيح البخاري برقم 2173] يدل على أن الرخصة في بيع العرايا وقع بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر.

    وليعلم أن أهل العلم حددوا في بيع العرايا أن تكون فيما دون خمسة أوسق، لما روى الإمام البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. [صحيح البخاري: 2190].

    قال النووي: الْوَسْق ضَمّ الشَّيْء بَعْضه إِلَى بَعْض . وَأَمَّا قَدْر الْوَسْق فَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثُلُث بِالْبَغْدَادِي ِّ.

    قال ابن حجر في شرح هذا الحديث:

    قَوْله: (فِي خَمْسَة أَوْسُق أَوْ دُونَ خَمْسَة أَوْسُق) شَكّ مِنْ الرَّاوِي, بَيَّنَ مُسْلِم فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ دَاوُد بْن الْحُصَيْن , ...وَقَدْ اِعْتَبَرَ مَنْ قَالَ بِجَوَاز بَيْع الْعَرَايَا بِمَفْهُومِ هَذَا الْعَدَدِ وَمَنَعُوا مَا زَادَ عَلَيْهِ, وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَاز الْخَمْسَة لأَجْلِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ, وَالْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّ ةِ, وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَاز فِي الْخَمْسَةِ فَمَا دُونَهَا, وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَة وَلَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ, وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ وَأَهْل الظَّاهِر, فَمَأْخَذ الْمَنْعِ أَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيم وَبَيْع الْعَرَايَا رُخْصَة, فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْجَوَاز وَيُلْغِي مَا وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ. وَسَبَبُ الْخِلافِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْع الْمُزَابَنَة هَلْ وَرَدَ مُتَقَدِّمًا ثُمَّ وَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الْعَرَايَا, أَوْ النَّهْي عَنْ بَيْع الْمُزَابَنَة وَقَعَ مَقْرُونًا بِالرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا؟ فَعَلَى الأَوَّلِ لا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ لِلشَّكِّ فِي رَفْع التَّحْرِيم, وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ لِلشَّكِّ فِي قَدْر التَّحْرِيم.

    قال النووي في شرح صحيح مسلم:

    وَقَدْ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم بَيْع الرُّطَب بِالتَّمْرِ فِي غَيْر الْعَرَايَا وَأَنَّهُ رِبًا, وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيم بَيْع الْعِنَب بِالزَّبِيبِ, وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَحْرِيم بَيْع الْحِنْطَة فِي سَنَبُلُّهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَة وَهِيَ الْمُحَاقَلَة مَأْخُوذَة مِنْ الْحَقْل وَهُوَ الْحَرْث وَمَوْضِع الزَّرْع, وَسَوَاء عِنْد جُمْهُورهمْ كَانَ الرُّطَب وَالْعِنَب عَلَى الشَّجَر أَوْ مَقْطُوعًا.

    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : إِنْ كَانَ مَقْطُوعًا جَازَ بَيْعه بِمِثْلِهِ مِن الْيَابِس. وَأَمَّا الْعَرَايَا فَهِيَ أَنْ يَخْرُص الْخَارِص نَخَلَات فَيَقُول: هَذَا الرُّطَب الَّذِي عَلَيْهَا إِذَا يَبِسَ تَجِيء مِنْهُ ثَلاثَة أَوْسُق مِنْ التَّمْرَة مَثَلاً, فَيَبِيعهُ صَاحِبه لإِنْسَانٍ بِثَلاثَةِ أَوْسُق تَمْر, وَيَتَقَابَضَان ِ فِي الْمَجْلِس, فَيُسَلِّم الْمُشْتَرِي التَّمْر وَيُسَلِّم بَائِع الرُّطَب الرُّطَب بِالتَّخْلِيَةِ , وَهَذَا جَائِز فِيمَا دُون خَمْسَة أَوْسُق, وَلا يَجُوز فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَة أَوْسُق, وَفِي جَوَازه فِي خَمْسَة أَوْسُق قَوْلانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا لا يَجُوز لأَنَّ الأَصْل تَحْرِيم بَيْع التَّمْر بِالرُّطَبِ وَجَاءَتْ الْعَرَايَا رُخْصَة. وَشَكَّ الرَّاوِي فِي خَمْسَة أَوْسُق أَوْ دُونهَا فَوَجَبَ الأَخْذ بِالْيَقِينِ وَهُوَ دُون خَمْسَة أَوْسُق وَبَقِيَتْ الْخَمْسَة عَلَى التَّحْرِيم.

    وقال النووي أيضا: وَالأَصَحّ أَنَّهُ يَجُوز ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ وَالأَغْنِيَاء, وَأَنَّهُ لا يَجُوز فِي غَيْر الرُّطَب وَالْعِنَب مِن الثِّمَار, وَفِيهِ قَوْل ضَعِيف أَنَّهُ يَخْتَصّ بِالْفُقَرَاءِ, وَقَوْل إِنَّهُ لا يَخْتَصّ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَب. هَذَا تَفْصِيل مَذْهَب الشَّافِعِيّ فِي الْعَرِيَّة، وَبِهِ قَالَ أَحْمَد وَآخَرُونَ، وَتَأَوَّلَهَا مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة عَلَى غَيْر هَذَا وَظَوَاهِر الأَحَادِيث تَرُدّ تَأْوِيلهمَا.

    أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 45 )

    الحلقة (45): أحاديث البيوع (20)



    النهي عن ثمن الكلب




    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض الأنواع من البيوع الجاهلية التي قد جاء الإسلام بتحريمها لما تشمل الغرر أو الجهالة وأكل أموال المسلمين بالباطل، ولما يؤدي في الغالب إلى النزاع والخصام بين البائع والمشتري.

    وفي هذه الحلقة نتحدث عن بعض أنواع البيوع التي حرّمها الإسلام، ومنها بيع الكلاب، وكسب البغي وهي الزانية، وأجر الكاهن الذي يدعي علم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى، وذلك لأن اقتناء الكلب لا يجوز أصلاً في الشرع الإسلامي، وأما الزنا فقد اجتمعت الشرائع كلها على تحريمه، فكسب الزانية محرم تبعًا، والكاهن يدعي علم الغيب ويأكل أموال الناس بالباطل بادعائه علم ما خفي من أحوال الناس، وادعاؤه باطل بل كفر بالله عزوجل، فما جلب من الأموال بهذا الادعاء الباطل يعد كسبًا غير مشروع.

    روى الإمام البخاري رحمه الله:

    عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ. [صحيح البخاري برقم 2237، وصحيح مسلم برقم 1567].

    وروى الإمام مسلم رحمه الله:

    عن رَافِع بْن خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ". [صحيح مسلم برقم 1568].

    وعن عَوْن بْن أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَكَسْبِ الأَمَةِ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِ مَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ. [صحيح البخاري برقم 2238].

    قال ابن حجر رحمه الله: وَاشْتَمَلَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَرْبَعَة أَحْكَام أَوْ خَمْسَة إِنْ غَايَرْنَا بَيْن كَسْب الْأَمَة وَمَهْر الْبَغْي:

    الأَوَّل ثَمَن الْكَلْب, وَظَاهِر النَّهْي تَحْرِيم بَيْعه, وَهُوَ عَامّ فِي كُلّ كَلْب مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْره مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَوْ لَا يَجُوز, وَمِنْ لَازِم ذَلِكَ أَنْ لا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه, وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُور, وَقَالَ مَالِك: لَا يَجُوز بَيْعه وَتَجِب الْقِيمَة عَلَى مُتْلِفه, وَعَنْهُ كَالْجُمْهُورِ, وَعَنْهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة: يَجُوز وَتَجِب الْقِيمَة, وَقَالَ عَطَاء وَالنَّخَعِيّ: يَجُوز بَيْع كَلْب الصَّيْد دُون غَيْره.

    وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا "نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَقَالَ: إِنْ جَاءَ يَطْلُب ثَمَن الْكَلْب فَامْلأْ كَفّه تُرَابًا" [سنن أبي داود برقم 3482] وَإِسْنَاده صَحِيح, وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا "لا يَحِلّ ثَمَن الْكَلْب وَلا حُلْوَان الْكَاهِن وَلا مَهْر الْبَغِيّ" [سنن أبي داود برقم 3484].

    قال النووي في شرح صحيح مسلم:

    وَأَمَّا النَّهْي عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَكَوْنه مِنْ شَرّ الْكَسْب وَكَوْنه خَبِيثًا فَيَدُلّ عَلَى تَحْرِيم بَيْعه, وَأَنَّهُ لا يَصِحّ بَيْعه, وَلا يَحِلّ ثَمَنه , وَلا قِيمَة عَلَى مُتْلِفه سَوَاء كَانَ مُعَلَّمًا أَمْ لا, وَسَوَاء كَانَ مِمَّا يَجُوز اِقْتِنَاؤُهُ أَمْ لا, وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِير الْعُلَمَاء؛ مِنْهُمْ: أَبُو هُرَيْرَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَرَبِيعَة وَالأَوْزَاعِيّ وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذِر وَغَيْرهمْ.

    وَالْعِلَّة فِي تَحْرِيم بَيْعه عِنْد الشَّافِعِيّ نَجَاسَته مُطْلَقًا، وَهِيَ قَائِمَة فِي الْمُعَلَّم وَغَيْره, وَعِلَّة الْمَنْع عِنْد مَنْ لا يَرَى نَجَاسَته النَّهْي عَنْ اِتِّخَاذه وَالْأَمْر بِقَتْلِهِ، وَلِذَلِكَ خَصَّ مِنْهُ مَا أُذِنَ فِي اِتِّخَاذه, وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث جَابِر قَالَ "نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَن الْكَلْب إِلا كَلْب صَيْد" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [برقم 4668] بِإِسْنَادٍ رِجَاله ثِقَات إِلا أَنَّهُ طَعَنَ فِي صِحَّته, وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد اِبْن أَبِي حَاتِم بِلَفْظِ: "نَهَى عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَإِنْ كَانَ ضَارِيًا" يَعْنِي مِمَّا يَصِيد وَسَنَده ضَعِيف, قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنْكَر, وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد: "نَهَى عَنْ ثَمَن الْكَلْب وَقَالَهُ طُعْمَة جَاهِلِيَّة" وَنَحْوه لِلطَّبَرَانِيّ ِ مِنْ حَدِيث مَيْمُونَة بِنْت سَعْد, وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مَشْهُور مَذْهَب مَالِك جَوَاز اِتِّخَاذ الْكَلْب وَكَرَاهِيَة بَيْعه وَلا يُفْسَخ إِنْ وَقَعَ, وَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِنْده نَجسًا وَأَذِنَ فِي اِتِّخَاذه لِمَنَافِعِهِ الْجَائِزَة كَانَ حُكْمه حُكْم جَمِيع الْمَبِيعَات, لَكِن الشَّرْع نَهَى عَنْ بَيْعه تَنْزِيهًا لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِم الأَخْلاق, قَالَ: وَأَمَّا تَسْوِيَته فِي النَّهْي بَيْنه وَبَيْن مَهْر الْبَغِيّ وَحُلْوَان الْكَاهِن فَمَحْمُول عَلَى الْكَلْب الَّذِي لَمْ يُؤْذَن فِي اِتِّخَاذه, وَعَلَى تَقْدِير الْعُمُوم فِي كُلّ كَلْب فَالنَّهْي فِي هَذِهِ الثَّلاثَة فِي الْقَدْر الْمُشْتَرَك مِن الْكَرَاهَة أَعَمّ مِن التَّنْزِيه وَالتَّحْرِيم, إِذْ كَانَ وَاحِد مِنْهُمَا مَنْهِيًّا عَنْهُ ثُمَّ تُؤْخَذ خُصُوصِيَّة كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ دَلِيل آخَر, فَإِنَّا عَرَفْنَا تَحْرِيم مَهْر الْبَغِيّ وَحُلْوَان الْكَاهِن مِن الإِجْمَاع لا مِنْ مُجَرَّد النَّهْي, وَلا يَلْزَم مِن الاشْتِرَاك فِي الْعَطْف الاشْتِرَاك فِي جَمِيع الْوُجُوه؛ إِذْ قَدْ يُعْطَف الأَمْر عَلَى النَّهْي وَالإِيجَاب عَلَى النَّفْي.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 46 )



    أحاديث البيوع (21)

    مهر البغي



    الْحُكْم الثَّانِي مَهْر الْبَغِيّ، وَهُوَ مَا تَأْخُذهُ الزَّانِيَة عَلَى الزِّنَا، سَمَّاهُ مَهْرًا مَجَازًا, وَالْبِغَاء بِكَسْرِ أَوَّله الزِّنَا وَالْفُجُور, وَأَصْل الْبِغَاء الطَّلَب غَيْر أَنَّهُ أَكْثَر مَا يسْتَعْمل فِي الْفَسَاد, وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الأَمَة إِذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَلا مَهْر لَهَا, وَفِي وَجْه لِلشَّافِعِيَّة ِ يَجِب لِلسَّيِّدِ.

    الْحُكْم الثَّالِث كَسْب الْأَمَة, وأورد الإمام البخاري فِي كتاب الإِجَارَة "بَاب كَسْب الْبَغِيّ وَالإِمَاء"[برقم 2283] حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة "نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْب الإِمَاء" زَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج [برقم 3427] "نَهَى عَنْ كَسْب الأَمَة حَتَّى يُعْلَم مِنْ أَيْنَ هُوَ" فَعُرِفَ بِذَلِكَ النَّهْي وَالْمُرَاد بِهِ كَسْبهَا بِالزِّنَا لا بِالْعَمَلِ الْمُبَاح, وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث رِفَاعَة بْن رَافِع مَرْفُوعًا [برقم 3426]: "نَهَى عَنْ كَسْب الأَمَة إِلا مَا عَمِلَتْ بِيَدِهَا"، وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ نَحْو الْغَزْل وَالنَّفْش، وَهُوَ بِالْفَاءِ أَيْ نَتْف الصُّوف, وَقِيلَ: الْمُرَاد بِكَسْبِ الأَمَة جَمِيع كَسْبهَا وَهُوَ مِنْ بَاب سَدّ الذَّرَائِع؛ لأَنَّهَا لا تُؤْمَن إِذَا أُلْزِمَتْ بِالْكَسْبِ أَنْ تَكْسِب بِفَرْجِهَا, فَالْمَعْنَى أَنْ لا يَجْعَل عَلَيْهَا خَرَاج مَعْلُوم تُؤَدِّيه كُلّ يَوْم.

    الْحُكْم الرَّابِع حُلْوَان الْكَاهِن, وَهُوَ حَرَام بِالإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذ الْعِوَض عَلَى أَمْر بَاطِل, وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيم وَالضَّرْب بِالْحَصَى وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاناهُ الْعَرَّافُونَ مِن اسْتِطْلاع الْغَيْب,

    قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:

    وَأَمَّا (حُلْوَانِ الْكَاهِن) فَهُوَ مَا يُعْطَاهُ عَلَى كِهَانَته. يُقَال مِنْهُ: حَلَوْته حُلْوَانًا إِذَا أَعْطَيْته. قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره: أَصْله مِن الْحَلاوَة شُبِّهَ بِالشَّيْءِ الْحُلْو مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذهُ سَهْلاً بِلا كُلْفَة, وَلا فِي مُقَابَلَة مَشَقَّة. يُقَال: حَلَوْته إِذَا أَطْعَمْته الْحُلْو, كَمَا يُقَال: عَسَلْته إِذَا أَطْعَمْته الْعَسَل. قَالَ أَبُو عُبَيْد: وَيُطْلَق الْحُلْوَان أَيْضًا عَلَى غَيْر هَذَا. وَهُوَ أَنْ يَأْخُذ الرَّجُل مَهْر اِبْنَته لِنَفْسِهِ, وَذَلِكَ عَيْب عِنْد النِّسَاء. قَالَت امْرَأَة تَمْدَح زَوْجهَا: لا يَأْخُذ الْحُلْوَان عَنْ بَنَاتنَا. قَالَ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا, وَالْقَاضِي عِيَاض: أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيم حُلْوَانِ الْكَاهِن; لأَنَّهُ عِوَض عَنْ مُحَرَّم, وَلأَنَّهُ أَكَلَ الْمَال, وَكَذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيم أُجْرَة الْمُغَنِّيَة لِلْغِنَاءِ, وَالنَّائِحَة لِلنَّوْحِ.

    وَأَمَّا الَّذِي جَاءَ فِي غَيْر صَحِيح مُسْلِم مِن النَّهْي عَنْ كَسْب الإِمَاء فَالْمُرَاد بِهِ كَسْبهنَّ بِالزِّنَا وَشِبْهِهِ لا بِالْغَزْلِ وَالْخِيَاطَة وَنَحْوهمَا. وَقَالَ الْخَطَّابِيّ: قَالَ اِبْن الأَعْرَابِيّ: وَيُقَال حُلْوَانِ الْكَاهِن الشنع والصِّهميم.

    قَالَ الْخَطَّابِيّ: وَحُلْوَان الْعَرَّاف أَيْضًا حَرَام. قَالَ: وَالْفَرْق بَيْن الْكَاهِن وَالْعَرَّاف أَنَّ الْكَاهِن إِنَّمَا يَتَعَاطَى الْأَخْبَار عَن الْكَائِنَات فِي مُسْتَقْبَل الزَّمَان, وَيَدَّعِي مَعْرِفَة الْأَسْرَار, وَالْعَرَّاف هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَة الشَّيْء الْمَسْرُوق وَمَكَان الضَّالَّة وَنَحْوهمَا مِن الأُمُور. هَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيّ فِي مَعَالِم السُّنَن فِي كِتَاب الْبُيُوع, ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي آخِر الْكِتَاب أَبْسَط مِنْ هَذَا فَقَالَ: إِنَّ الْكَاهِن هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَة عِلْم الْغَيْب, وَيُخْبِر النَّاس عَن الْكَوَائِن. قَالَ: وَكَانَ فِي الْعَرَب كَهَنَة يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِن الأُمُور; فَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُم أَنَّ لَهُ رُفَقَاء مِن الْجِنّ وَتَابِعَة تُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَار, وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ يَسْتَدِرْك الأُمُور بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ, وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُسَمَّى عَرَّافًا وَهُوَ الَّذِي يَزْعُم أَنَّهُ يَعْرِف الْأُمُور بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَاب يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَق فَيَعْرِف الْمَظْنُون بِهِ السَّرِقَة, وَتَتَّهِم الْمَرْأَة بِالرِّيبَةِ فَيُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا وَنَحْو ذَلِكَ مِن الأُمُور, وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُسَمِّي الْمُنَجِّم كَاهِنًا.

    قَالَ: وَحَدِيث النَّهْي عَنْ إِتْيَان الْكُهَّان يَشْتَمِل عَلَى النَّهْي عَنْ هَؤُلاءِ كُلّهمْ, وَعَلَى النَّهْي عَنْ تَصْدِيقهمْ وَالرُّجُوع إِلَى قَوْلهمْ, وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَدْعُو الطَّبِيب كَاهِنًا, وَرُبَّمَا سَمّوهُ عَرَّافًا; فَهَذَا غَيْر دَاخِل فِي النَّهْي. هَذَا آخِر كَلام الْخَطَّابِيّ. قَالَ الإِمَام أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي آخِر كِتَابه الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّ ة: وَيَمْنَع الْمُحْتَسَب مَنْ يَكْتَسِب بِالْكِهَانَةِ وَاللَّهْو, وَيُؤَدِّب عَلَيْهِ الآخِذ وَالْمُعْطِي. وَاَللَّه أَعْلَم.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 47 )




    أحاديث البيوع (22)

    ثمن الدم



    الْحُكْم الْخَامِس ثَمَن الدَّم, وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَاد بِهِ فَقِيلَ: أُجْرَة الْحِجَامَة, وَقِيلَ: هُوَ عَلَى ظَاهِره, وَالْمُرَاد تَحْرِيم بَيْع الدَّم كَمَا حُرِّمَ بَيْع الْمَيْتَة وَالْخِنْزِير, وَهُوَ حَرَام إِجْمَاعًا أَعْنِي بَيْع الدَّم وَأَخْذ ثَمَنه.

    الحكم السادس: كسب الحجام، قال النووي في شرح صحيح مسلم:

    أَمَّا (كَسْب الْحَجَّام) وَكَوْنه خَبِيثًا وَمِنْ شَرّ الْكَسْب فَفِيهِ دَلِيل لِمَنْ يَقُول بِتَحْرِيمِهِ. وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَسْب الْحَجَّام؛ فَقَالَ الأَكْثَرُونَ مِن السَّلَف وَالْخَلَف: لا يَحْرُم كَسْب الْحَجَّام, وَلا يَحْرُم أَكَلَهُ لا عَلَى الْحُرّ وَلا عَلَى الْعَبْد, وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَد, وَقَالَ فِي رِوَايَة عَنْهُ قَالَ بِهَا فُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ : يَحْرُم عَلَى الْحُرّ دُون الْعَبْد, وَاعْتَمَدُوا هَذِهِ الأَحَادِيث وَشِبْههَا, وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِحَدِيثِ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِحْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّام أَجْره. قَالُوا: وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيّ [برقم 2279] وَمُسْلِم [برقم 1202]. وَحَمَلُوا هَذِهِ الأَحَادِيث الَّتِي فِي النَّهْي عَلَى التَّنْزِيه وَالارْتِفَاع عَنْ دَنِيء الأَكْسَاب, وَالْحَثّ عَلَى مَكَارِم الأَخْلاق وَمَعَالِي الأُمُور. وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُفَرِّق فِيهِ بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد؛ فَإِنَّهُ لا يَجُوز لِلرَّجُلِ أَنْ يُطْعِم عَبْده مَا لا يَحِلّ.

    وقال ابن حجر:

    قَوْله : ( بَاب خَرَاج الْحَجَّام ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس . " اِحْتَجَمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّام أَجْره " وَزَادَ مِنْ وَجْه آخَر " وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَة لَمْ يُعْطِهِ " وَهُوَ ظَاهِر فِي الْجَوَاز , وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع بِلَفْظِ " وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ وَعُرِفَ بِهِ أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَرَاهَةِ هُنَا كَرَاهَة التَّحْرِيم . وَكَأَنَّ اِبْن عَبَّاس أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ كَسْب الْحَجَّام حَرَام . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء بَعْد ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّهُ حَلَال وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيث وَقَالُوا : هُوَ كَسْب فِيهِ دَنَاءَة وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ , فَحَمَلُوا الزَّجْر عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيه . وَمِنْهُمْ مَنْ اِدَّعَى النَّسْخ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ, وَالنَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ . وَذَهَبَ أَحْمَد وَجَمَاعَة إِلَى الْفَرْق بَيْن الْحُرّ وَالْعَبْد فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَاف بِالْحِجَامَةِ , وَيَحْرُم عَلَيْهِ الْإِنْفَاق عَلَى نَفْسه مِنْهَا وَيَجُوز لَهُ الْإِنْفَاق عَلَى الرَّقِيق وَالدَّوَابّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا , وَعُمْدَتهمْ حَدِيث مُحَيِّصَةَ أَنَّهُ " سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَسْب الْحَجَّام فَنَهَاهُ , فَذَكَر لَهُ الْحَاجَة فَقَالَ : اِعْلِفْهُ نَوَاضِحك " أَخْرَجَهُ مَالِك وَأَحْمَد وَأَصْحَاب السُّنَن وَرِجَاله ثِقَات , وَذَكَرَ اِبْن الْجَوْزِيّ أَنَّ أَجْر الْحَجَّام إِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْيَاء الَّتِي تَجِب لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِم إِعَانَة لَهُ عِنْد الِاحْتِيَاج لَهُ, فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا. وَجَمَعَ اِبْن الْعَرَبِيّ بَيْن قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَسْب الْحَجَّام خَبِيث" وَبَيْن إِعْطَائِهِ الْحَجَّام أُجْرَته بِأَنَّ مَحَلّ الْجَوَاز مَا إِذَا كَانَت الأُجْرَة عَلَى عَمَل مَعْلُوم, وَيُحْمَل الزَّجْر عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَل مَجْهُول. وَفِي الْحَدِيث إِبَاحَة الْحِجَامَة, وَيَلْتَحِق بِهِ مَا يُتَدَاوَى مِنْ إِخْرَاج الدَّم وَغَيْره, وَفِيهِ الأُجْرَة عَلَى الْمُعَالَجَة بِالطِّبِّ ....


    أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 48 )



    أحاديث البيوع (23)

    حلوان الكاهن



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض الأنواع من البيوع الجاهلية التي قد جاء الإسلام بتحريمها، ومنها بيع الكلاب، وكسب البغي وهي الزانية، وثمن الدم،

    وفي هذه الحلقة فإننا سوف نتحدث بإذن الله تعالى عن حكم حلوان الكاهن، والكاهن يدعي علم الغيب ويأكل أموال الناس بالباطل بادعائه علم ما خفي من أحوال الناس، وادعاؤه باطل بل كفر بالله عزوجل، فما جلب من الأموال بهذا الادعاء الباطل يعد كسبًا غير مشروع.

    وحلوان الكاهن: ما يعطاه على كهانته، يقال منه: حلوته حلوانا إذا أعطيته. قال الهروي وغيره: أصله من الحلاوة، شبه بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه سهلا بلا كلفة ولا في مقابلة مشقة. قال البغوي والقاضي عياض: أجمع المسلمون على تحريم حلوان الكاهن لأنه عوض عن محرم، ولأنه أكل المال بالباطل.( شرح النووي على صحيح مسلم (10/231).

    وفي هذا العصر يوجد من يدعي أنه يقرأ الرقية الشرعية، وعند البحث والتحقيق يتبين أنه يتعاطى السحر والتنجيم ونحوه أو يتعامل مع الجني، فما حكمه؟

    وجواب ذلك فيه تفصيل:

    1-إذا كان المشتغل بالرقية من السحرة أو الكهنة أو المشعوذين أو ممن تحوم الشبهات حول ديانتهم وأمانتهم: فهؤلاء لا يجوز دفع المال إليهم، بل يحرم الذهاب إليهم، ويجب الحذر منهم.

    ففي صحيح مسلم برقم (2230) عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً". وعند أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي وأحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ ... فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ".

    جاء في "حاشية نهاية المحتاج" (7/400): "الكهانة، والتنجيم، والضرب بالرمل، وبالشعير، وبالحمص، والشعبذة، وتعليم هذه كلها، وأخذ العوض عليها: حرامٌ بالنص الصحيح في النهي عن حلوان الكاهن، والباقي في معناه" انتهى


    2-أما إذا كان المشتغل بالرقية معروفا بصحة عقيدته ومستقيما على دين الإسلام علما وعملا، ومجتنبا للرقية المحرمة: فلا حرج أن يذهب الناس إليه، ولا حرج عليه أن يأخذ على ذلك جعلا .


    والدليل على ذلك حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُ مْ - يعني طلبوا منهم الضيافة - فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ. فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُم ْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ، فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ -يعني سورة الفاتحة - فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا، فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟! ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) متفق عليه. وفي حديث ابن عباس مرفوعا: (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) رواه البخاري (2276)

    قال المباركفوري في التحفة عند شرح هذا الحديث:

    وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ بِشَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى , وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ , أَوْ مِمَّا يُشَابِهُهَا , وَلَا يَجُوزُ بِأَلْفَاظٍ مِمَّا لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا , مِنْ الْأَلْفَاظِ الْغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ .

    وقال: الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَاضِحٌ .

    ونقل عن اِبْن الْقَيِّمِ أنه قال: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِبَعْضِ الْكَلَامِ خَوَاصَّ وَمَنَافِعَ , فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ بِالْفَاتِحَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ مِثْلُهَا لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعِ مَعَانِي الْكِتَابِ , فَقَدْ اِشْتَمَلَتْ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَمَجَامِعِهَا , وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ وَذِكْرِ التَّوْحِيدِ , وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ بِهِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ , وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نُهَى عَنْهُ وَالِاسْتِقَامَ ةِ عَلَيْهِ , وَلِتَضَمُّنِهَ ا ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَقِسْمَتَهُمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ لِعُدُولِهِ عَنْ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَخَالٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ , مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْمَعَادِ وَالتَّوْبَةِ , وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِ الْقَلْبِ , وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ , وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ , اِنْتَهَى مُلَخَّصًا.

    ولكي تكون الرقية شرعية لا بد أن تجتمع فيها شروط ثلاثة:

    1-أن تكون بالقرآن والأذكار والدعاء أو الكلام المباح.

    2-وأن تكون باللغة العربية، ولا تشتمل على كلمات غير مفهومة، ولا على رموز ولغات أخرى.

    3-أن لا ينسب الشفاء إليها، وإنما ينسب إلى الله عز وجل.

    وننصح إخواننا المسلمين ألا يذهبوا إلى أي إنسان، وإنما عليهم أن يرقوا أنفسهم وأبناءهم، فرقية النفس قد تفيد أكثر من غيرها. والله أعلم.


    كما أنه يحرم على المرأة الذهاب إلى الرجل الذي يداوي بالرقى،وتختلط بالرجال، أو تختلي بالراقي، بل ترقي نفسها بنفسها أو تطلب الرقية ممن تثق بها من النساء الصالحات. والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 49 )


    أحاديث البيوع (24)

    حكم السلم (السلف)



    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن بعض الأنواع من البيوع الجاهلية التي قد جاء الإسلام بتحريمها، ومنها بيع الكلاب، وكسب البغي وهي الزانية، وثمن الدم، ثم تحدثنا عن حكم حلوان الكاهن

    وفي هذه الحلقة فإننا سوف نتحدث بإذن الله تعالى عن حكم السلم.

    أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما (واللفظ للبخاري) عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً - شَكَّ إِسْمَاعِيلُ – فَقَالَ: "مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ".

    وَالسَّلَم بِفَتْحَتَيْنِ: السَّلَف وَزْنًا وَمَعْنًى. وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ السَّلَف لُغَة أَهْل الْعِرَاق وَالسَّلَم لُغَة أَهْل الْحِجَاز, وَقِيلَ السَّلَف تَقْدِيم رَأْس الْمَال وَالسَّلَم تَسْلِيمه فِي الْمَجْلِس. فَالسَّلَف أَعَمّ. وَالسَّلَم شَرْعًا: بَيْع مَوْصُوف فِي الذِّمَّة, وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى مَشْرُوعِيَّته إِلا مَا حُكِيَ عَن ابْن الْمُسَيِّب. وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْض شُرُوطه. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِط لَهُ مَا يَشْتَرِط لِلْبَيْعِ, وَعَلَى تَسْلِيم رَأْس الْمَال فِي الْمَجْلِس. وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ عَقْد غَرَرٍ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ أَمْ لا؟

    فالسلم شرعاً: هو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف، وهو نوع من ‏البيوع، وهو مستثنى من بيع المعدوم وما ليس عند الإنسان، وذلك لحاجة الناس إلى مثل ‏هذا العقد.

    وصورته أن يدفع رجل مبلغ ألف دينار مثلاً ثمناً لمئة .

    قنطار من القمح يسلِّمها له المزارع عندما ينضج القمح ويحصده، ويكون عادة ثمن القنطار أقل من ثمنه المتوقع عند حصد الزرع.

    وَقَوْل الإمام البخاري رحمه الله: "بَاب السَّلَم فِي كَيْل مَعْلُوم" أَيْ فِيمَا يُكَال, وَاشْتِرَاط تَعْيِين الْكَيْل فِيمَا يُسْلَم فِيهِ مِن الْمَكِيل مُتَّفَق عَلَيْهِ مِنْ أَجْل اِخْتِلاف الْمَكَايِيل, إِلا أَنْ لا يَكُون فِي الْبَلَد سِوَى كَيْل وَاحِد فَإِنَّهُ يَنْصَرِف إِلَيْهِ عِنْد الإِطْلاق.

    والحكمة من مشروعية السلم مع أن فيه بيع الشخص لما ليس عنده هي: التيسير على ‏الناس ومراعاة أحوالهم وحوائجهم، وذلك لأن أصحاب الصناعات والأعمال وكذلك ‏أصحاب الأراضي والأشجار ونحوهم، كثيراً ما يحتاجون إلى النقود من أجل تأمين السلع ‏الأولية لمنتجاتهم، أو تهيئة الآلات والأدوات لمصانعهم، وكذلك الزراع ربما احتاجوا للنقود ‏من أجل رعاية أراضيهم وحفظ بساتينهم، وقد لا يجد هؤلاء النقود بطريقة أخرى فيسر ‏الشرع الحكيم لهم أن يسلفوا على أساس أن يسددوا ذلك من منتجاتهم من زرع أو ثمر أو ‏سلع أو نحو ذلك.

    وماهية هذا العقد تتم عندما توجد أركانه الأربعة التي هي: عاقدان ‏وصيغة ورأس مال السلم، والمسلم فيه.‏

    أما شروطه فأهمها: تسليم رأس المال للمسلم إليه في مجلس العقد وأن يكون المسلم فيه مما ‏يمكن ضبطه بالوصف الذي تختلف فيه الأغراض، بحيث تنتفي الجهالة عنه، وأن يكون ‏معلوم الجنس والنوع والقدر والصفة للمتعاقدين، وأن يكون المسلم ديناً أي شيئاً موصوفاً في الذمة غير معين، وأن يكون مقدوراً على تسليمه بأن يغلب على الظن وجود نوعه ‏عندما يحين وقت استحقاقه، وكذلك تعيين الأجل الذي يجب عنده تسليمه، وتعيين موضع ‏تسليمه إذا كان الموضع الذي جاء العقد فيه لا يصح لذلك، أو كان يصلح للتسليم ولكن ‏لنقل المسلم فيه إليه كلفة ونفقة، هذه هي أهم شروط السلم.

    وفي الحديث المتفق عليه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاثَ فَقَالَ: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ".

    قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: فِيهِ : جَوَاز السَّلَم , وَأَنَّهُ يُشْتَرَط أَنْ يَكُون قَدْره مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْن أَوْ غَيْرهمَا مِمَّا يُضْبَط بِهِ, فَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ, اُشْتُرِطَ ذِكْر ذُرْعَان مَعْلُومَة, وَإِنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْحَيَوَانِ, اشْتُرِطَ ذِكْر عَدَد مَعْلُوم. وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيل فَلْيَكُنْ كَيْله مَعْلُومًا, وَإِنْ كَانَ فِي مَوْزُون فَيَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا, وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً فَلْيَكُنْ أَجَله مَعْلُومًا. وَلا يَلْزَم مِنْ هَذَا اِشْتِرَاط كَوْن السَّلَم مُؤَجَّلاً, بَلْ يَجُوز حَالاً; لأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلاً مَعَ الْغَرَر فَجَوَاز الْحَال أَوْلَى; لأَنَّهُ أَبْعَد مِن الْغَرَر, وَلَيْسَ ذِكْر الأَجَل فِي الْحَدِيث لاشْتِرَاطِ الأَجَل, بَلْ مَعْنَاهُ: إِنْ كَانَ أَجَل فَيَكُنْ مَعْلُومًا, كَمَا أَنَّ الْكَيْل لَيْسَ بِشَرْطٍ, بَلْ يَجُوز السَّلَم فِي الثَّبَات بِالذَّرْعِ, وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَيْل بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيل فَلْيَكُنْ كَيْلا مَعْلُومًا أَوْ فِي مَوْزُون فَلْيَكُنْ وَزْنًا مَعْلُومًا.اهـ


    والقاعدة التي يبنى عليها أكثر مسائل السلم: «أن كل ما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه، لأنه لا يؤدي إلى المنازعة، وما لا فلا ، لأنه يكون مجهولاً فيؤدي إلى المنازعة فيه». ويجوز في المكيلات والموزونات والمزروعات والذرعيات والمعدودات المتقاربة كالجوز والبيض، لأنه يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره، ولا يجوز في العدديات المتفاوتة كالبطيخ والرمان إلا وزناً بوزن كما هو حاصل اليوم.



    والله أعلم، ‏وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    فقه السنة
    أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيِّر

    الحلقة ( 50 )




    أحاديث البيوع (25)

    حكم الرهن

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

    فقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن حكم السلم، وفي هذه الحلقة فإننا سوف نتحدث بإذن الله تعالى عن أحكام الرهن.

    أخرج البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما (واللفظ للبخاري) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.

    وَالرَّهْنُ بِفَتْح أَوَّله وَسُكُون الْهَاءِ: فِي اللُّغَةِ الِاحْتِبَاس مِنْ قَوْلِهِمْ: رَهَنَ الشَّيْء إِذَا دَامَ وَثَبَتَ, وَمِنْهُ: ( كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة). وَفِي الشَّرْعِ: جَعْل مَال وَثِيقَة عَلَى دَيْن. وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْمَصْدَرِ.

    وقد عقد البخاري في صحيحه: بَاب الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) وعقد النووي بابا في صحيح مسلم قال فيه: بَاب الرَّهْنِ وَجَوَازِهِ فِي الْحَضَرِ كَالسَّفَرِ.

    وقال في شرحه على صحيح مسلم: فِي الْبَاب حَدِيث عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - : (أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِشْتَرَى مِنْ يَهُودِيّ طَعَامًا إِلَى أَجَل وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيد) فِيهِ : جَوَاز مُعَامَلَة أَهْل الذِّمَّة, وَالْحُكْم بِثُبُوتِ أَمْلَاكهمْ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهمْ. وَفِيهِ: بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن التَّقَلُّل مِن الدُّنْيَا, وَمُلَازَمَة الْفَقْر. وَفِيهِ: جَوَاز الرَّهْن, وَجَوَاز رَهْن آلَة الْحَرْب عِنْد أَهْل الذِّمَّة, وَجَوَاز الرَّهْن فِي الْحَضَر, وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَأَحْمَد وَالْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا مُجَاهِدًا وَدَاوُد فَقَالا: لا يَجُوز إِلا فِي السَّفَر تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَر وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَان مَقْبُوضَة) وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِهَذَا الْحَدِيث, وَهُوَ مُقَدَّم عَلَى دَلِيل خِطَاب الآيَة.

    وَأَمَّا اِشْتِرَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّعَام مِنْ الْيَهُودِيّ وَرَهْنه عِنْده دُون الصَّحَابَة, فَقِيلَ: فَعَلَهُ بَيَانًا لِجَوَازِ ذَلِكَ, وَقِيلَ : لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَعَام فَاضِل عَنْ حَاجَة صَاحِبه إِلا عِنْده, وَقِيلَ: لأَنَّ الصَّحَابَة لا يَأْخُذُونَ رَهْنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَلا يَقْبِضُونَ مِنْهُ الثَّمَن, فَعَدَلَ إِلَى مُعَامَلَة الْيَهُودِيّ لِئَلا يُضَيِّق عَلَى أَحَد مِنْ أَصْحَابه. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَاز مُعَامَلَة أَهْل الذِّمَّة وَغَيْرهمْ مِن الْكُفَّار إِذَا لَمْ يَتَحَقَّق مَا مَعَهُ, لَكِنْ لَا يَجُوز لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبِيع أَهْل الْحَرْب سِلاحًا وَآلَة حَرْب, وَلا مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ فِي إِقَامَة دِينهمْ, وَلا بَيْع مُصْحَف, وَلا الْعَبْد الْمُسْلِم لِكَافِرٍ مُطْلَقًا. وَاللَّهُ أَعْلَم .

    والرهن جائز في الشرع في الحضر والسفر عند جمهور أهل العلم، وهو كما بينه سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: وثيقة لحفظ الدين الذي على الراهن كما قال الله -جل وعلا-: (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) [سورة البقرة283]. يعني بدل الشهود وبدل الكتابة الرهن، ولهذا يقول سبحانه: (وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ) فالرهان مالٌ يوضع عند صاحب الدين حتى إذا تأخر الراهن عن قضاء الحق يباع هذا الرهن ويأخذ منه الدين بواسطة المحكمة أو بالتراضي بينه وبين الراهن، فيجعل عنده -مثلاً سيارة- رهان، يجعل عنده ملابس رهان، يجعل عنده حلي رهانة، يعطيه بيت رهان أرض رهان، لا بأس، فالرهان والرهن مالٌ يقبضه صاحب الدين وثيقة في دينه حتى إذا تأخر المدين وهو الراهن عن قضاء الدين طالبه ببيع الرهن فيما بينهما أو من طريق المحكمة حتى يوفى دينه.جزاكم الله خيراً.

    والأصل في الرهون أن تكون بالأعيان، سواء كانت ثابتة كالعقار، والدور، والمزارع.. أو منقولة كالآلات، والسيارات.

    أطراف الرهن:

    الرهن يتم بأربعة أشياء:

    الراهن: وهو معطي الرهن.

    والمرتهن: وهو آخذ الرهن.

    والمرهون أو الرهن: وهو ما أعطي من المال العيني وثيقة للدين.

    والمرهون به: وهو الدين.

    شروط الرهن:

    يشترط لصحة الرهن ما يلي:

    1- أن يكون الراهن جائز التصرف.

    2- الإيجاب والقبول من الطرفين.

    3- معرفة قدر الرهن وصفته وجنسه.

    4- وجود العين المرهونة عند عقد الرهن ولو مشاعة.

    5- مُلك المرهون، أو الإذن له في رهنه.

    6- قبض المرتهن للعين المرهونة.

    فإذا تمت هذه الشروط صح الرهن ولزم.

    ولا يجوز للمرتهن أن ينتفع بالمرهون - بالسكنى في البيت المرهون مثلا - بغير عوض، وعلى هذا أجمع أهل العلم، لأنه من باب القرض الذي يجر نفعا، قال ابن قدامة: (فإن أذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض، وكان دين الرهن من قرض، لم يجز، لأنه يحصل قرضا يجر منفعة، وذلك حرام) ( المغني : 4/431) وذكر ابن قدامة أيضا أن أحمد رحمه الله كان يقول عن الدور إذا كانت رهنا في قرض ينتفع بها المرتهن هو الربا المحض.

    -وإذا كان انتفاع المرتهن بالسكنى في البيت المرهون مقابل أجرة المثل من غير محاباة، فجمهور أهل العلم على عدم جواز ذلك، وأجازه الحنابلة، وعللوا ذلك بأنه لم ينتفع بالقرض، بل بالإجارة. والأحوط الأخذ بمذهب الجمهور.

    مؤنة الرهن:

    مؤنة الرهن على الراهن، وأجرة حفظه، ومنافعه، ونماؤه. وما يحتاج إلى مؤنة كالحيوان، فللمرتهن أن يركب ما يركب غير مضار، ويحلب ما يحلب بقدر نفقته. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُوناً، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ». أخرجه البخاري.

    وللمرتهن أن ينتفع بالمرهون إذا كان المرهون يتطلب أن ينفق عليه، فإن كان المرهون مركوباً أو محلوباً فيجوز للمرتهن أن يَركب ما يُركب، ويَحلب ما يُحلب، وينفق عليه، ليكون الانتفاع به مقابل النفقة عليه وللحديث المذكور آنفا.


    والله أعلم، ‏وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    911

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو وليد البحيرى مشاهدة المشاركة
    عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
    ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)
    ، وفي رواية، قال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال:
    (فساء أو ضراط)
    .
    عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تقبل صلاة بغير طهور)
    حديث ابن عمر أصح من حديث أبي هريرة ..
    لأنه ورد في حديث آخر عن أبي هريرة أيضاً : أنّ سؤال الحضرمي عن الحدث كان في حديث انتظار الصلاة في المسجد الذي ورد فيه : (ما لم يحدث) .

    أما الرواية التي في الاقتباس فتفرد بها عبد الرزاق ومعمر وهما كثيرا الخطأ . كما ذكر أبو حاتم
    «العلل» لابن أبي حاتم (5/ 215 ت الحميد):
    «فإنهما جَمِيعًا كَثِيري (2) الخطأِ»

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,443

    افتراضي رد: فقه السنة*** متجدد إن شاء الله

    جزاكم الله خيرا
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •