الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فقد
صدر حديثًا ولأول مرة
كتاب (
زبدة الوصول إلى عمدة الأصول
) تأليف القاضي
يوسف بن حسين الكرماستي الحنفي
(ت 906هـ).
6.jpg
ترجمة الكرماستي([1])
عصر الكرماستي :

كانت هذه الحقبة من تاريخ الدولة العثمانية في ظلال حكم السلطان العثماني الثامن بايزيد خان الثاني، وكان هذا الرجل ميّالًا للسلم أكثر منه إلى الحرب، وكان محبًّا للعلوم الأدبية مشتغلًا بها، ولذلك سماه بعض مؤرخي الترك (بايزيد الصوفي)، وساد في عهده الاستقرار مع دوله المجاورة وغيرها، وعمَّ السلام، ولم يلجأ إلى الحروب إلا اضطرارًا لإصلاح الاضطرابات الخارجية ودفاعًا عن حدود البلاد، وكان محبًّا لأعمال البر والخير، وهذا يفسر النهضة العلمية والشرعية التي تاخمت هذا العصر التاريخي
([2]
).
اسمه ونسبه :

هو يوسف بن حسين الكرماستي، ولم تزد مصادر ترجمته على هذا.
و«الكِرْمَاسْتي » نسبة إلى «كِرْماستى» وهي بلدة من بلدان محافظة «بروسه» بتركيا، ومدينة بروسه من مدن الشمال، وتقع إلى الجنوب من بحر مرمرة، وتصحَّفت في بعض المصادر إلى «الكرماسني»
([3]
).
نشأته :

نشأ الكرماستي نشأة علمية أدبية قوية؛ فقرأ على أشهر وأبرع علماء الدولة التركية آنئذ وهو المولى مصلح الدين خواجه زاده، فأخذ عنه العربية والعلوم الشرعية وترقى حتى برع في علوم الشريعة وفنون العربية وآدابها من اللغة والنحو والبلاغة، وتبحر في فقه الإمام أبي حنيفة وتأصل على أصوله حتى صار من أئمة العصر الذين يشار إليهم بالبنان.
توليه التدريس والقضاء :

بعدما ظهرت ألمعية الكرماستي العلمية فقهًا وأدبًا ولغة تولى التدريس وتقلب في بعض المدارس، ثم انتقل إلى إحدى المدارس الثمان (من أشهر مدارس استانبول)، ثم انتقل لتولي القضاء، فتولى القضاء في مدينة بروسه (بروسا)، ثم صار قاضيًا بمدينة القسطنطينية، وكان في قضائه مرضي السيرة، محمود الطريقة.
سيرته :

كان الكرماستي سيفًا من سيوف الحق ولا يخاف في الله تعالى لومة لائم، تروي كتب التراجم أنه ذهب يومًا إلى المسجد بعمامة صغيرة، ولما خرج من المسجد طلبه الوزير إبراهيم باشا لمصلحة اقتضت حضوره فلم يبدل عمامته خوفًا من ترجيح جانب الوزير على المسجد، فلما رآه الوزير على تلك الهيئة سأله عنها، فقال في جوابه: حضرت خدمة الخالق بهذه الهيئة ولم أجد في نفسي رخصة في تغيير الهيئة لأجل الوزير، فوقع هذا الكلام عند الوزير موقع القبول والرضا وحكاه إلى السلطان بايزيد خان؛ فأرسل السلطان بايزيد خان إليه جوائز سنية لأجل فعله.
مؤلفاته :

تنوعت مؤلفات الكرماستي حتى أخذت حظها من جميع علوم الشريعة من الكلام والفقه وأصوله واللغة وعلومها.
فمن مؤلفاته في الفقه:

1- رسالة في أحكام الرهن. 2- رسالة في أحكام الوقف.
3- رسالة في أحكام الجهاد. 4- شرح الهداية.
ومن مؤلفاته في أصول الفقه:

1- أصول الأحكام.
2- زبدة الوصول إلى عمدة الأصول، وهو كتابنا هذا.
3- المدارك الأصلية إلى المقاصد الفرعية.
4- الوجيز في الأصول.
ومن مؤلفاته في البلاغة وعلومها:

1- أقدار واهب القدر في المعاني والبيان.
2- التبيان في المعاني والبيان. 3- البيان في شرح التبيان.
4- حاشية على حاشية الجرجاني على المطول.
5- حاشية على مختصر المعاني.
6- المختار في المعاني والبيان. 7- المنتخب من التبيان.
ومن مؤلفاته في علم الكلام:

1- تعليقة على شرح المواقف في النبوات.
2- هداية المرام في علم الكلام. 3- رسالة في عقائد الفرقة الناجية.
وفاته :

توفي الكرماستي بمدينة القسطنطينية سنة (906هـ) في قول أكثر المترجمين له
([4]
)، ودفن بجانب مكتبه الذي بناه عند جامع السلطان محمد خان.


([1])
انظر ترجمة الكرماستي في: «شذرات الذهب» لابن العماد (9/549)، «الشقائق النعمانية» لطاش كبرى زاده (1/316-317)، «الأعلام»، لخير الدين الزركلي (8/227)، «كشف الظنون» (2/9، 792 وغيرها)، «هدية العارفين» (2/437)، «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» (227)، «معجم المؤلفين» لكحالة (4/157).

([2]) انظر أحداث هذا العصر في: «تاريخ الدولة العلية العثمانية» (1/179-187).

([3]) انظر: «الشقائق النعمانية» (1/127)، «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» للكنوي (570).

([4]) وفي «شذرات الذهب» لابن العماد (9/549) ذكر الكرماستي في وفيات سنة (899هـ)، وذكر صاحب «الشقائق النعمانية» أنه توفي في حدود التسعمائة.



هذا الكتاب :

وكتابنا هذا المسمى: «زبدة الوصول إلى عمدة الأصول» من الكتب التي أُلفت على منهج المتأخرين وطريقتهم، وهي طريقة تجمع فضائل ما يكون في الطريقتين، وتتجنب ما كان يُوجه إليها من نقد.
والمصنِّف جمع في كتابه هذا بين كتب كثيرة منها: «أصول الكرخي»، «أصول الجصاص»، «أصول الشاشي»، «تقويم الأدلة» للدبوسي، «أصول السرخسي»، «أصول البزدوي» مع شرحه «كشف الأسرار» لعبد العزيز البخاري، «الإحكام» للآمدي، «مختصر ابن الحاجب».
إلى غير ذلك من الكتب التي استفاد منها المصنف ونقل عنها؛ كـ«البرهان» لإمام الحرمين، و«المستصفى» للغزالي، و«المعتمد» للبصري، و«المحصول» للرازي وغيرها من الكتب.
والكتاب سلك مسلك المتأخرين أيضًا في الإيجاز والاختصار أحيانًا كثيرة، والبسط والإطناب أحيانًا أخرى، لذا كان كلامه في حاجة غالبًا إلى توضيح وبيان وشرح في بعض الأحيان، وعزو لمصادر المسائل حتى تكتمل الفائدة.
والكتاب في الجملة إضافة إلى طريقة المتأخرين في التدوين الأصولي، وإثراء لمكتبة الفقيه والباحث والأصولي، يفيد منه كل ذي مذهب فقهي، ومطلب شرعي.