[4]
أما القول الثاني :
أن الحق يتعدد وهو تابع لاجتهاد المجتهد فما أدى إليه اجتهاده فهو الحق في الأصول والفروع وبعضهم حصر تعدد الحق في الفروع دون الأصول .
فهذا القول نقضه أئمة الدين وأعلام الملّة و ردوه بالآيات والأحاديث ومنها ما ذكرته آنفاً والجواب على هذا القول بالتفصيل الذي ذكرته بالقول الأول .
قال العلامة الشوكاني رحمه الله : " من قال إن كل مجتهد مصيب وجعل الحق متعدداً بتعدد المجتهدين، فقد أخطأ خطأً بيناً، وخالف الصواب مخالفة ظاهرةً"ا.هـ (10)
وقال رحمه الله : " وما أشنع ما قاله هؤلاء الجاعلون حكم الله متعددا بتعدد المجتهدين تابعاً لما يصدر عنهم من اجتهاد فإن هذه المقالة مع كونها مخالفة للأدب مع الله عزّ وجلّ ومع شريعته المطهّرة هي أيضاً صادرةٌ عن محض الرأي الذي لم يشهد له دليل ولا عضدته شبهةٌ تقبلها العقول وهي أيضا مخالفة لإجماع الأمة، سلفها وخلفها"ا.هـ (11)
وقد ساق رحمه الله كلاما للقاضي يرد فيه على مقال للعنبري والجاحظ حيث نقل عنهما القول بتعدد الحق في الأصول والفروع :
" إن أردتما بذلك مطابقة الاعتقاد للمعتقد فقد خرجتما من حيّز العقلاء، وانخرطتما في سلك الأنعام، وإن أردتم الخروج من عهدة التكليف ونفي الحرج، كما نقل عن الجاحظ فالبراهين العقلية من الكتاب والسنّة والإجماع الخارجة عن حدِّ الحصر ترد هذه المقالة"ا.هـ (12)
وقال العلامة ابن قدامة رحمه الله راداً على ما ساقه الغزالي في المستصفى من قول الجاحظ برفع الإثم عمن اجتهد فأخطأ في الأصول : " أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا، وكفر بالله تعالى"ا.هـ(13)
وهذا القول وهو القول بتعدد الحق قول كثير من أهل الكلام وأهل البدع وبهذا نعلم أن الحق واحد لا يتعدد في الأصول والفروع على التفصيل المذكور .
وبعد؛
فإن الحديث عن تعدد الحق من عدمه بهذا التفصيل له علاقة وثيقة بموضوع الدعوة إلى التعددية الذي نحن الآن بصدد كشف تلبيسات أهل هذه الدعوة على اختلاف اعتقاداتهم و توجهاتهم ومنهم من قيدت نفسي بالحديث عن دعوته وهو المذكور في عنوان موضوعنا .
حيث نرى أن تمت تداخل بين الدعوة إلى التعددية والقول بتعدد الحق كما أشرت إليه وذلك إذا نظرت لأقوال الداعين إلى هذه الضلالة فبعض دعاتها صرّح بهذه النتيجة و بعضهم لم يصرّحوا ، ووجدنا من يقر الكفار على كفرهم وشركهم بالله، ووجدنا من يخلط بين السنّة والبدعة ويدعوا لاحترام الرأي الآخر لأنه لا أحد يحتكر الصواب ! ووجدنا من أوجد المسوغات والأعذار لبقاء أهل الكفر على كفرهم أو أهل البدع على بدعهم ، ووجدنا من يزعم أن الحق مشترك مشاع بين أصحاب العقول . وليس لنا تفسير لهذه الظواهر الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء إلا أن أهلها يقولون بتعدد الحق الذي قال به أهل البدع من المعتزلة وأمثالهم أو أن واراء من لا يعتقد تعدد الحق ما وراءه مما يتستر به من الإحداث في الدين وتغيير الملّة فيجعل دعوته للتعددية توطئة وتهيئة لقبول ما سيأتي به ويحدثه من انحرافات لم يتهيأ المجتمع لها بعد .
وسيتبين ذلك عند استعراض مبحث : التعددية في فكر محمد المحمود الآتي إن شاء الله المزيد
والحمد لله رب العالمين
صالح السويح
28/5/1429هـ
__________________________________ ___
1) انظر شرح مختصر الروضة للطوفي (3/603) ط-2 مؤسسة الرسالة ناشرون .
2) انظر روضة الناظر( 3/982 ) ط-6دار العاصمة تحقيق د/عبدالكريم النملة
3) انظر إرشاد الفحول (ص :591) ط-1 ، دار ابن حزم.
4) انظر في مدارك السالكين ( 1/16) ط-دار الكتب العلمية
5) روضة الناظر ( 3/986 )
6) .المرجع السابق( 3/975)
7) انظر إرشاد الفحول (ص :590)
8) انظر مجموع الفتاوى (20/20-33) ط-1 ، جمع ابن قاسم
9) انظر إرشاد الفحول ( 592 )
10) المرجع السابق (ص590)
11) المرجع السابق ( 591 )
12) المرجع السابق ( 586 )
13) انظر روضة الناظر (3/980)