قال الشيخ عليٌّ الطنطاوي رحمه الله: «إِنَّ الَّذِينَ يَحْسَبُونَ الْجِهَادَ عُدْوَانًا مُسَلَّحًا، لَا يَدْرُونَ مَا الْجِهَادُ؛ الْجِهَادُ لَيْسَ حَرْبًا هُجُومِيَّةً نَعْتَدِي فِيهَا عَلَى النَّاسِ، وَالْإِسْلَامُ إِنَّمَا جَاءَ لِإِقْرَارِ الْعَدْلِ، وَتَحْرِيمِ الْعُدْوَانِ؛ وَلَيْسَ الْجِهَادُ حَرْبًا دِفَاعِيَّةً بِالْمَعْنَى الْعَسْكَرِيِّ؛ فَمَا احْتَلَّ الْكُفَّارُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ.
وَلَكِنْ مَثَلُ الْجِهَادِ: كَقُطْرٍ كَبِيرٍ أَصَابَهُ الْقَحْطُ، فَشَحَّتِ الْأَقْوَاتُ، وَعَمَّ الْجُوعُ، وَفَشَتِ الْأَمْرَاضُ، وَقَلَّ الدَّوَاءُ، فَجَاءَ مَنْ يَحْمِلُ الْمَدَدَ إِلَى الْجَائِعِينَ وَالدَّوَاءَ إِلَى الْمَرْضَى لِيُنْقِذَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ، فَوَقَفَ فِي الطَّرِيقِ نَاسٌ يَمْنَعُونَهُمْ ، يَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْخَيْرِ وَهَذَا الْعَمَلِ الْإِنْسَانِيِّ ، فَقَالُوا لَهُمْ: تَعَالَوْا شَارِكُونَا فِيمَا نَعْمَلُ تَكُونُوا مِنَّا، وَلَكُمْ مَا لَنَا، وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا لَهُمْ: دَعُونَا نَمُرُّ وَنَحْنُ نُدَافِعُ عَنْكُمْ، لَا نُكَلِّفُكُمْ قِتَالَ عَدُوٍّ وَلَا بَذْلَ رُوحٍ، عَلَى أَنْ تَمُدُّونَا بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ قَلِيلٍ.
قَالُوا: لَا.
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا هَذِهِ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ الَّتِي تَمْنَعُ الْخَيْرَ عَنِ النَّاسِ؛ يُقَاتِلُونَ أَفْرَادًا لِيُنْقِذُوا أُمَمًا، وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ»اهـ([1]).
[1])) «فصول في الدعوة والإصلاح» (ص137).