التـوســـــل
معناه وأنواعه
وتفنيد بعض شبه المخالفين



جمع وترتيب:
فايز السيد إسماعيل عبد الحميد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
فإن مما وقع فيه الاشتباه والإختلاط بين المشروع والممنوع عند السلف والخلف من الألفاظ لفظ ( التوسل ) فهذا اللفظ يطلق ويراد به عند السلف: التقرب إلى الله تعالى بما شرعه من الإيمان به وتوحيده بأسمائه الحسنى وصفاته العالي بدعائه والأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها.
أما المتأخرين (الخلف) فقد شذوا فيها عن السلف واتبعوا طرائق أقل ما يقال فيها : أنها على غير السبيل القويم والصراط المستقيم الموصل إلى الهدف الأسمى والغاية المنشودة .
فهذا بحث موضوعي بأسلوب علمي منهجي وعرض سهل جديد بطريقة قصة أو حوار سؤال وجواب بين شخصين، أحدهما اسمه (خلف) وهو المستفتي أو الذي يطرح الشبهات، الذي يسأل، والثاني اسمه (ماهر) وهو الذي يجيب، بحيث نتسلسل بالقارئ تسلسلاً يعينه على فهم الموضوع بشكل بسيط واضح وجذاب بمقارنة جلية بين حجة السلف ورأي الخلف فيخرج القارئ من البحث مستطيعاً أن يعين بنفسه الطرف الذي اقتنع بحجته.
خطة البحث:
وتقتضى طبيعة البحث أن نتناول النقاط الآتية :
أولا: معني التوسل لغة واصطلاحا.
ثانيا: أنواع التوسل.
ثالثا: تفنيد شبه المخالفين.
رابعا: خلاصة ما توصلنا إليه.


دخل (خلف) المسجد وجد (ماهر) جالس رافع يديه الي السماء يدعو ربه، فصل (خلف) تحية المسجد، واقترب من (ماهر) فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر: وعليكم السلام ورحمة الله تعالي وبركاته.
خلف: ماذا تفعل يا ماهر؟.
ماهر: ادعو الله واتوسل اليه.
خلف: تتوسل إلي الله؟ هل من الممكن ان تشرح لي معني التوسل؟.
ماهر: نعم سأبين لك معنى الوسيلة والتوسل لغة وشرعاً
أولا: التوسل لغة
قال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير. والجمع: الوسيل والوسائل والتوسل واحد وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل إليه بوسيلة أي تقرب إليه بعمل().
وقال ابن منظور: توَسَّل إِليه بوَسيلةٍ إِذ تقرَّب إِليه بعَمَل وتوَسَّل إِليه بكذا تقرَّب إِليه بحُرْمَةِ آصِرةٍ تُعْطفه عليه().
ونقل الاتفاق علي هذا المعني الشيخ محمد نسيب الرفاعي فقال: وكل ما تقدم في معنى الوسيلة، قال سائر علماء اللغة وهذا ما اتفق عليه الجميع().
ثانيا: الوسيلة والتوسل اصطلاحا
ولك أن تعلم: أن التوسل في الاصطلاح لا يخرج عن معناه في اللغة.
الوسيلة: هي التقرب إلى الله تعالى بما يحب من الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، وسؤاله تعالى بأسمائه وصفاته وبفضله وكرمه.
فمن أراد التوسل إلى ربه عز وجل فإنما يصل إليه عن طريق العمل بشريعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم().
قال الشيخ محمد نسيب: التوسل شرعاً هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته واتباع أنبيائه ورسله وبكل عمل يحبه الله ويرضاه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الوسيلة هي القربة وقال قتادة في تفسير القربة أي تقربوا إلى طاعة بطاعته والعمل بما يرضيه().
خلف: نعم، جزاك الله خيرا يا ماهر لقد عرفته، ولكن هل لي أن اتوسل الي الله بكل شيء؟
ماهر: إعلم يا خلف - ارشدني الله وإياك الي طاعته – أن التوسل منه ما هو مشروع، ومنه ما هو ممنوع.
خلف: هل لك أن تخبرني ما هو التوسل المشروع وما هو الممنوع؟
ماهر: نعم، ولكن قبل أن نشرع في انواع التوسل، لك أن تعلم أن الوسيلة نوعان، كونية وشرعية.
خلف: ما هي الوسيلة الكونية؟
ماهر: الوسيلة الكونية هي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقها الله بها، ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق().
خلف: هل من الممكن أن تذكر لي مثال يوضح الوسيلة الكونية؟
ماهر: نعم يا (خلف) له أمثلة كثيرة: فمن أمثلتها الماء فهو وسيلة إلى ريّ الإنسان، والطعام وسيلة إلى شبعه، واللباس وسيلة إلى حمايته من الحر والقر، والسيارة وسيلة إلى انتقاله من مكان إلى مكان، وهكذا
خلف: فما الوسيلة الشرعية إذا؟
ماهر: أما الوسيلة الشرعية فهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فالوضوء والغسل والتيمم وسيلة لحصول الطهارة ، والامتناع عن الطعام وسيلة لحصول الصيام والنطق بالشهادتين والعمل بمضمونها وسيلة لحصول مرضاة الله تعالى والفوز برحمته ودخول الجنة، وإتباع السيئة الحسنة وسيلة إلى محو السيئة، وقول الدعاء المأثور بعد الأذان وسيلة إلى نيل الشفاعة، وصلة الرحم وسيلة لطول العمر وسعة الرزق. ويشترط فيها ثبوتها بالشرع الحنيف().
فهذه القضايا السابقة تحقق تلك الغايات والمقاصد عن طريق الشرع وحده، لا عن طريق العلم والتجربة أو الحواس، فنحن لم نعلم أن صلة الرحم تطيل العمر وتوسع الرزق إلا من قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه "()
خلف: لقد اشتقت إلي معرفة التوسل الممنوع والمشروع والفرق بينهما.
ماهر: جزاك الله خيرا يا (خلف) علي حرصك علي معرفة دينك.
نبدأ بتعريف التوسل المشروع ثم الممنوع:
أولا التوسل المشروع:
التوسل المشروع : هو التوسل إلى الله بالوسيلة الصحيحة المشروعة، والطريق الصحيح لمعرفة ذلك هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها، فما دل الكتاب والسنة على أنه وسيلة مشروعة فهو من التوسل المشروع، وما سوى ذلك فإنه توسل ممنوع ().
والتوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع :
1- التوسل باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
2- التوسل بعمل صالح قام به الداعي.
3- التوسل بدعاء رجل صالح
خلف: هل من الممكن أن تفصل لي قليلا في كل نوع مع ذكر الدليل ومثال؟
ماهر: نعم أخي (خلف) ولكن أردت أن أشكرك علي حرصك ورجاحة عقلك، لقد أعجبني قولك (مع ذكر الدليل) وأنبهك إلي أن الدليل وحده ليس كافي بل يشترط أن يكون الدليل صحيح، ويؤخذ بفهم سلف الأمة الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة الكبار.
وأعتذر منك: أني سأختصر اختصارا، لأن المقام لا يحتمل البسط، وأحيلك علي مراجع لو أردت التوسع.
النوع الأول: التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العظيمة، وهو أن تقدم بين يدي دعائك إلي ربك تحميدا له وتعظيما وحمدا وتقديسا من اسمائه العلي أو صفاته العظمي، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم اني اتوسل اليك باسمك الاعظم، ثم يقول حاجته، أو اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن تعافيني، أو يقول : أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك .
ودليل مشروعية هذا التوسل، قول الله سبحانه وتعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }().
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بعمل صالح قام به العبد ، كأن يقول : اللهم بإيماني بك، ومحبتي لك، واتباعي لرسولك اغفر لي، أو أن يذكر الداعي عملا صالحا ذا بال قام به فيتوسل به إلى ربه ، كما في قصة أصحاب الغار الثلاثة.
ويدل على مشروعيته قول الله جل وعلى: { الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }() .
النوع الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابة دعائه ، كأن يذهب المسلم إلى رجل يرى فيه الصلاح والتقوى والمحافظة على طاعة الله ، فيطلب منه أن يدعو له ربه ليفرج كربته وييسر أمره .
ويدل على مشروعية هذا النوع أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بدعاء عام ودعاء خاص . ()
ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما « ذكر أن في أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وقال : ( هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ) قام عكاشة بن محصن فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : (أنت منهم) »() . ومن ذلك حديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أويسا القرني وفيه قال : « فاسألوه أن يستغفر لكم » .
وهذا النوع من التوسل إنما يكون في حياة من يطلب منه الدعاء، أما بعد موته فلا يجوز ؛ لأنه لا عمل له .
خلف: ما الدليل علي الشرط الذي وضعته ( أما بعد موته فلا يجوز)
ماهر: الدليل علي ذلك الشرط هو مستنبط من فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتطبيقهم للتوسل المشروع تطبيقا عمليا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
خلف: كيف طبق الصحابة التوسل المشروع تطبيقًا عمليًّا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ماهر: قد فقه الصحابة هذا المعنى وأن من دعا غير الله تعالى فهو مشرك كافر وإن دعا ملكًا مقربًا أو نبيًا مرسلًا، وما كانوا يفعلون هذا حتى في أحلك الظروف، ولنضرب على ذلك مثلًا من حياة الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قحط الناس في خلافة عمر بن الخطاب فكان يطلب من العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم من الله تعالى حتى إذا كانوا في المصلى قال عمر : "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا() فاسقنا... فيسقون"().
فجعل العباس يدعو وهم يؤمنون، فهؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعلوا ما يفعله بعض أهل زماننا اليوم من الاستغاثة أو طلب الشفاعة وهم أعرف الناس بالحلال والحرام فهم الذين صلوا خلفه وغزوا معه وحجوا معه وجلسوا في مسجده يسمعون خطبه وتأدبوا بآدابه وتعلموا منه صلى الله عليه وسلم.()
خلف: إذا كان هذا هو التوسل المشروع فما هو التوسل الممنوع؟
ماهر: زادك الله حرصا وفقها يا (خلف)
أما النوع الثاني: التوسل الممنوع:
التوسل الممنوع: هو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشريعة أنه وسيلة ، وهو أنواع بعضها أشد خطورة من بعض ، منها :
التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك ، فهذا من الشرك الأكبر الناقل من الملة .
ومن الأدلة على أن دعاء الأولياء من دون الله تعالى شرك أكبر: قوله تعالى: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }() ، و(أحد) نكرة في سياق النهي يفيد العموم يعني لا يدعى إلا الله وحده، واسمع ما يقال لهم عند الموت حين تتوفاهم الملائكة قال تعالى: { حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُ مْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ }()
والتوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعاء الله عندها، ونحو ذلك، وهذا من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد، وهو ذريعة مفضية إلى الشرك الأكبر .
والدليل: قوله تعالى في آخر سورة الأعراف: { أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }()
التوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصالحين ومكانتهم ومنزلتهم عند الله، وهذا محرم، بل هو من البدع المحدثة؛ لأنه توسل لم يشرعه الله ولم يأذن به .
خلف: ولكني سمعت أحاديث كثيرة فيها الحث علي التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أهل القبور، منها علي سبيل المثال: « توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم »، و «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور»، وغيرهما ....
ماهر: انتبه أخي (خلف) رحمني الله وإياك، واعلم أنه قد يورد المخالفون لأهل السنة والجماعة بعض الشبهات والاعتراضات في باب التوسل؛ ليتوصلوا بها إلى دعم تقريراتهم الخاطئة، وليوهموا عوام المسلمين بصحة ما ذهبوا إليه.
ونذكرك بالشرط الذي ذكرناه سابقا، وهو صحة الدليل (الحديث)، وفهمه علي مراد الله ورسوله.
شبهات المخالفين:
فإذا تأصل لدينا ذلك فأقول لك، لا تخرج شبهات هؤلاء عن أحد أمرين:
الأول: يستدلون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، وهذه يفرغ من أمرها بمعرفة عدم صحتها وثبوتها.
وما ذكرته أنت فمن هذا النوع :
حديث:« توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم »، أو « إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم »، وهو حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم ، ولا هو في شيء من كتب الحديث .
وكذلك حديث: «إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور»، أو «فاستغيثوا بأهل القبور»، وهو حديث مكذوب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء .
وحديث: « لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه »، وهو حديث باطل مناقض لدين الإسلام، وضعه بعض المشركين.
وحديث: « لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال: غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك »()، وهو حديث باطل لا أصل له، ومثله حديث: « لولاك ما خلقت الأفلاك » .
فمثل هذه الأحاديث المكذوبة والروايات المختلقة الملفقة لا يجوز لمسلم أن يلتفت إليها فضلا عن أن يحتج بها ويعتمدها في دينه ().
خلف: إذا فماذا تقول في أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي توسل بالعباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، هل هذا ضعيف أيضا...! لقد احتججت به قبل قليل، وهو عند البخاري...؟
ماهر: نعم يا خلف، وهذا هو الأمر الثاني
الثاني: أن يستدلون بأحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يحرفونها عن مرادها ومدلولها (الدليل صحيح والفهم خاطئ)
ومثاله ما ذكرته قبل قليل، هو ثابت في الصحيح: « أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون »().
ولكنهم فهموا من هذا الحديث أن توسل عمر رضي الله عنه إنما كان بجاه العباس رضي الله عنه ومكانته عند الله عز وجل، وأن المراد بقوله : « كنا نتوسل إليك بنبينا (أي بجاهه) فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا(أي بجاهه) ».
وهذا ولا ريبِ فهم خاطئ وتأويل بعيد لا يدل عليه سياق النص لا من قريب ولا من بعيد؛ لأمور منها:
أولا: لم يكن معروفا لدى الصحابة التوسل إلى الله بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه، وإنما كانوا يتوسلون إلى الله بدعائه حال حياته، كما تقدم بعض هذا المعنى، من حديث عكاشة.
ثانيا: عمر رضي الله عنه لم يرد بقوله: « إنا نتوسل إليك بعم نبينا » أي ذاته أو جاهه، وإنما أراد دعاءه، ولو كان التوسل بالذات أو الجاه معروفا عندهم لما عدل عمر عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بالعباس رضي الله عنه.
ثالثا: ولو عدل عمر رضي الله عنه عن التوسل بالنبي إلي التوسل بالعباس رضي الله عنه ، لرده الصحابة ولقالوا له إذ ذاك كيف نتوسل بمثل العباس رضي الله عنه ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق،
رابعا: فلما لم يقل ذلك أحد منهم ذلك، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل لا بذاته .
وبهذا يتبين أن الحديث ليس فيه متمسك لمن يقول بجواز التوسل بالذات أو الجاه ().
وكل ادلتهم لا تخرج من هاذين النوعين.
خلف: جزاكم الله خيرا يا (ماهر) لقد استفدت من هذا الحوار كثيرا .
ماهر: بارك الله فيك يا (خلف) واشكر لك حرصك علي تعلم دينك، ولكن هل لك أن تلخص لي ما فهمته من هذا الحوار؟
خلف: نعم بالطبع،
خلاصة ما توصلنا اليه:
التوسل لغة: توَسَّل إِليه بوَسيلةٍ إِذ تقرَّب إِليه بعَمَل .
التوسل شرعاً: هو التقرب إلى الله تعالى بطاعته وعبادته واتباع أنبيائه ورسله وبكل عمل يحبه الله ويرضاه.
والوسيلة نوعان: كونية وشرعية.
الوسيلة الكونية: هي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقها الله بها، ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها، وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق
وأما الوسيلة الشرعية: فهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى، وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
معرفة التوسل الممنوع والمشروع والفرق بينهما
أولا التوسل المشروع: هو التوسل إلى الله بالوسيلة الصحيحة المشروعة، والطريق الصحيح لمعرفة ذلك هو الرجوع إلى الكتاب والسنة ومعرفة ما ورد فيهما عنها.
التوسل المشروع يندرج تحته ثلاثة أنواع :
التوسل باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته.
التوسل بعمل صالح قام به الداعي.
التوسل بدعاء رجل صالح
ثانيا: التوسل الممنوع، فهو التوسل إلى الله تعالى بما لم يثبت في الشريعة أنه وسيلة، وهو أنواع بعضها أشد خطورة من بعض
التوسل إلى الله تعالى بدعاء الموتى والغائبين والاستغاثة بهم وسؤالهم قضاء الحاجات
والتوسل إلى الله بفعل العبادات عند القبور والأضرحة بدعاء الله عندها
والتوسل إلى الله بجاه الأنبياء والصالحين ومكانتهم ومنزلتهم عند الله، وهذا محرم، بل هو من البدع المحدثة؛ لأنه توسل لم يشرعه الله ولم يأذن به .
وتعلمت كذلك: أن الدليل وحده ليس كافي بل يشترط أن يكون الدليل صحيح، ويفهم بفهم سلف الأمة الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الأئمة الكبار.
وعلمت: أنه قد يورد المخالفون لأهل السنة والجماعة بعض الشبهات والاعتراضات في باب التوسل؛ ليتوصلوا بها إلى دعم تقريراتهم الخاطئة، وليوهموا عوام المسلمين بصحة ما ذهبوا إليه.
وفهمت: أنه لا تخرج شبهات هؤلاء عن أحد أمرين :
الأول : إما أن يستدلون بأحاديث ضعيفة أو موضوعة، وهذه يفرغ من أمرها بمعرفة عدم صحتها وثبوتها.
الثاني : أو يستدلون بأحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يحرفونها عن مرادها ومدلولها في الفهم .
ماهر: جزاكم الله خيرا يا (خلف)، نعم هذا ملخص ما دار به الحوار، نفعك الله به وجعله في ميزان حسناتك.
خلف: أحسن الله اليكم يا (ماهر)، هل لي أن أنصح به غيري من المسلمين؟
ماهر: نعم لك ذلك، ويحسن بك أن تتوسع قليلا في معرفة التوسل، وإليك بعض المراجع التي تنتفع بها إن شاء الله تعالي: التوسل أنواعه وأحكامه للعلامة المحدث: محمد ناصر الدين الألباني - التوسل في كتاب الله عز وجل للشيخ: طلال بن مصطفى عرقسوس، التوصل إلى حقيقة التوسل - المشروع والممنوع للشيخ: محمد نسيب الرفاعي - حقيقة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم شبهات وردود إعداد الأستاذ الدكتور: عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية وعليه شروح كثيرة.
خلف: أستأذن منك يا ماهر علي أن ألقاك في وقت أخر عندي كثير من المسائل في العقيدة أود الاستفسار عنها، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ماهر: في أمان الله يا خلف ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.