روى أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في سننه عن الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي مولاهم، أبي عمر المصري الفقيه.
ما يقرب من (٢٦٤) حديثاً.
وإذا حدث النسائي عن شيخه الحارث بن مسكين يُصدِّر روايته بصيغ مختلفة من حيث ألفاظها، منها:
أخبرنا الحارث ابن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
حدثنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
أنبأنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
أخبرني الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
قرئ على الحارث بن مسكين وأنا أسمع.
وأحيانا كثيرة يقرنه بغيره، فيقول مثلًا: أخبرنا محمد بن سلمة - أو: سليمان بن داود، أو غيرهما - والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له.
وإنما فعل الإمام النسائي رحمه الله ذلك؛ لشيء كان بينه وبين شيخه الحارث بن مسكين، فكان يحضر مجلسه دون أن يراه الحارث بن مسكين، فكان النسائي لورعه وديانته يقول ذلك إذا حدث عنه.
قال ابن نقطة في "التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد" (ص143):
" نقلت من خط عبد الرحيم بن محمد بن المهتر النهاوندي ، قال : رأيت بخط الدوني قال سئلت ما روى النسائي عن الحارث بن مسكين يقول : قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ، ولم يذكر حدثنا ولا أخبرنا ؟ فأجبت : أني سمعت أن الحارث بن مسكين كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين النسائي خشونة ، ولم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يجلس في موضع حيث يسمع قراءة القارئ ولا يُرَى ، فلذلك قال كذلك ".اهـ
وقال ابن الأثير في مقدمة "جامع الأصول" (1/196) في ترجمة الإمام النسائي:
" وكان شافعي المذهب ، له مناسك ، ألَّفها على مذهب الشافعي ، وكان ورعًا متحريًا ، ألا تراه يقول في كتابه « الحارث بن مسكين قراءة عليه ، وأنا أسمع» ولا يقول فيه: « حدثنا » ولا « أخبرنا » كما يقول عن باقي مشايخه.
وذلك: أن الحارث كان يتولى القضاء بمصر ، وكان بينه وبين أبي عبد الرحمن خشونة، لم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يستتر في موضع ، ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى ، فلم يقل: «حدثنا وأخبرنا».
وقيل: إن الحارث كان خائضًا في أمور تتعلق بالسلطان، فقدِم أبو عبد الرحمن فدخل إليه في زي أنكره، قالوا: كان عليه قباء طويل ، وقلنسوة طويلة ، فأنكر زيه ، وخاف أن يكون من بعض جواسيس السلطان، فمنعه من الدخول إليه، فكان يجيء فيقعد خلف الباب، ويسمع ما يقرؤه الناس عليه من خارج، فمن أجل ذلك لم يقل فيما يرويه عنه: « حدثنا ، وأخبرنا » .اهـ
وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ترجمة الحارث (2/137):
حمله المأمون إلى بغداد في أيام المحنة وسجنه لأنه لم يجب إلى القول بخلق القرآن فلم يزل محبوساً إلى أن ولي جعفر المتوكل فأطلقه وحدث في بغداد ورجع إلى مصر.اهـ