أدب الدنيا والدين (1 / 151):
وَأَمَّا الْمَوْلُودُونَ فَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَلَدَ الْوَلَدِ الصَّفْوَةَ. وَهُمْ مُخْتَصُّونَ مَعَ سَلَامَةِ أَحْوَالِهِمْ بِخُلُقَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَازِمٌ، وَالْآخَرُ مُنْتَقِلٌ. فَأَمَّا اللَّازِمُ فَهُوَ الْأَنَفَةُ لِلْآبَاءِ مِنْ تَهَضُّمٍ أَوْ خُمُولٍ. وَالْأَنَفَةُ فِي الْأَبْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِشْفَاقِ فِي الْآبَاءِ. وَقَدْ لَحَظَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي شَعْرِهِ فَقَالَ:
فَأَصْبَحْت يَلْقَانِي الزَّمَانُ لِأَجْلِهِ ... بِإِعْظَامِ مَوْلُودٍ وَإِشْفَاقِ وَالِدِ
فَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ فَهُوَ الْإِدْلَالُ، وَهُوَ أَوَّلُ حَالِ الْوَلَدِ، وَالْإِدْلَالُ فِي الْأَبْنَاءِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَحَبَّةِ فِي الْآبَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ بِالْآبَاءِ أَخَصُّ، وَالْإِدْلَالَ بِالْأَبْنَاءِ أَمَسُّ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُنَا نَرِقُّ عَلَى أَوْلَادِنَا وَلَا يَرِقُّونَ عَلَيْنَا؟ قَالَ: لِأَنَّا وَلَدْنَاهُمْ وَلَمْ يَلِدُونَا» . ثُمَّ الْإِدْلَالُ فِي الْأَبْنَاءِ قَدْ يَنْتَقِلُ مَعَ الْكِبَرِ إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا الْبِرُّ وَالْإِعْظَامُ، وَإِمَّا إلَى الْجَفَاءِ وَالْعُقُوقِ. فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ رَشِيدًا أَوْ كَانَ الْأَبُ بَرًّا عَطُوفًا صَارَ الْإِدْلَالُ بِرًّا وَإِعْظَامًا.