العلل #غير_القادحة:
العلة يُشار إليها ابتداء بالتفرد أو المخالفة، فبَعد جمع طرق الحديث تظهر إحدى الأمارتين إن وُجدت، وإلا فالحديثُ سالمٌ منهما.
ثم التفرد قد يكون:
(1) ممن يُقبل منه، فيقبلُه بعضهم ويردُّه أو يتوقف فيه آخرون.
(2) أو ممن لا يُقبل منه فيردُّه الجميع.
فالقابلون يرون هذا التفردَ محتمَلًا وغيرَ قادح، والرادُّون والمتوقفون يرونه غيرَ محتمل وقادحًا، وتسميةُ هذا التفرد المقبول: علة #غير_قادحة إنما هو في نظر من قبلوه، لكنه يبقى #علة_قادحة في نظر الآخرين.
والمخالفة لها صور كثيرة جدًّا؛ قد تكون في السند أو في المتن أو فيهما؛
ففي #السند قد تكون في:
(1) الرفع والوقف، أو الوصل والإرسال، أو الاتصال والانقطاع، أو الزيادة والنقصان.
(2) أو بإبدال راو بآخر، كلاهما ثقة، أو أحدهما ثقة والآخر ضعيف، أو أحدهما مبهم والآخر مُسمًّى، أو الخلاف في تسمية راو مع معرفة عينه، أو عدم معرفتها، أو في الجزم والشك في راوٍ، أو في تعيين الصحابي، أو في ذِكر الخبر في الرواية أو بالعنعنة، أو في صيغ الأداء عمومًا، وهكذا ...
(3) أو في الجزم والشك في الرواية، أو في التردد بين صحابيين، أو بين تعيين الصحابي تارة وإبهامه أخرى.
** فالصور رقم (1) : مِنَ النقاد من يرى في حديثٍ ما: رجحان الوجه الأتم الأكمل؛ وهو الرفع والوصل والاتصال والزيادة؛ لقوة إسناده وتداعي القرائن عليه، فيكون الوجه الأنقص عندهم: #علة_غير_قادحة، ويحيلون على وهم الناقص أو عادته في التوقي والاحتياط مثلا.
ومنهم -وهو الغالب من صنيع عامة النقاد- من يرى فيه رجحان الوجه الأنقص؛ وهو الوقف والإرسال والانقطاع والنقصان؛ ويحيلون كثيرا على سلوك الجادة أو الأسهل في الحفظ أو الأقرب للذهن أو الأوفق لميل النفس في التمام وسلامة الإسناد وأرفعه.. وغير ذلك من الأسباب والقرائن، فيكون هذا الوجه الأنقص عند هؤلاء: #علة_قادحة في صحة الوجه الأتم.
ومن لم يسر على طريقة النقاد في اعتبار أسباب الترجيح في كل حالة: فإنه يرىك دائمًا أو غالبًا أن النقص #علة_غير_قادحة طالما وُجد الوجه الأتم.
** والصور رقم (2) أغمض وأدق من سابقتها، وهي التي تزلُّ فيها الأقدام غالبًا؛ إذ يتصور البعض أن معظم هذه الصور هي علل #غير_قادحة؛ لأنهم يتصورون أن الثقتين لا يضر الاختلاف في تعيين أيهما، والثقة يقضي على الضعيف، والمُسمَّى على المبهم، والاختلاف في الاسم لا يضر، والتصريح بالسماع يقضي على العنعنة، ...وهكذا.
وبعض هذه المفردات صحيح في الجملة، إلا أنها ليست قواعد مطردة؛ يمكن فهم ذلك بتأمل ما يلي:
1- باديء ذي بدء فإن مجرد وقوع الاختلاف على راو في بعض ما ذكرنا فإنه ينصب للناقد احتمالا لعدم الضبط عمومًا؛ إما ضبط الراوي المختَلَف عليه بروايته مرة هكذا ومرة هكذا، وإما ضبط الرواة المختلِفون عليه، إن لم يمكن معرفة الراجح من أقوالهم.
2- هذا الاحتمال في خلل الضبط لا سيما إذا كان من الراوي المختلَف عليه: فإنه قد يريب أحيانًا في ضبطه الرواية بأكملها، هذا كله بغض النظر عن نوع الاختلاف الواقع في رقم (2).
3- فإذا دلت القرائن على رجحان الوجه الأسلم من العيوب؛ كرواية الثقة، أو ما فيها راو مُسمًّى، أو الرواية التي فيه التصريح بالسماع- كان الوجهُ المعيبُ؛ وهو رواية الضعيف، وما فيها الراوي المبهم، والرواية التي فيها العنعنة: #علة_غير_قادحة.
4- وإذا كان العكس في الترجيح، كان الوجه المعيب: #علة_قادحة.
5- التردد بين ثقتين قد يضر؛ فإنه – بالإضافة إلى ما سبق من الإشعار أحيانًا بعدم الضبط عمومًا- فربما لا يستويان في مرتبتهما فيمن وقع في الإسناد شيخًا لهما، أو لا يستويان في ثبوت سماع الراوي عنهما، أو قد يكون هناك رواية لأحدهما عن ذاك الشيخ من طريق آخر مخالفة لهذه الرواية ... وهكذا.
6- بالنسبة للاختلاف في صيغ الأداء بين ما يدل على الاتصال وما لا يدل: فإن ذلك يخضع عند الأئمة للنقد، ليميزوا الراجح منهما، وكم أعلوا تصريحات بالسماع ولم يروها محفوظة، فالعنعنة من مدلس أو ممن يرسل قد تُعدُّ #علة_قادحة، حتى مع ورود التصريح بالسماع أحيانًا.
7- والاختلاف في اسم الراوي حتى مع معرفة عينه قد يضر إذا أشعر بعدم شهرته في الحديث وكان مقلا، وانفرد بالرواية عنه واحد أو اثنان، ولم يوثق توثيقًا معتبرًا.
** وفي الصور رقم (3) فإن جادة الأمر المشهورة فيها: أن الجزم يقضي على الشك، وأن التردد بين صحابيين لا يضر، وأن جهالة الصحابي كذلك لا تضر.
وهذا صحيح في الجملة، لكنَّ يُتأمل ما يلي:
1- لابد أن يستوي طريقا الجزم والشك في القوة، أو تترجح طريق الجزم؛ خشيةَ أن يكون راوي الجزم واهمًا في حذفه الشكّ، لأنه الأسهل. أما إذا كانت طريق الشك أقوى وأرجح فالأمر أوضح في كونه المحفوظ، وتأثير الشكّ في الإسناد يختلف بحسب موضعه وبحسب طرفي الشكّ.
2- التردد بين صحابيين أو جهالة الصحابي وإبهامه لا يضر من حيث عدالتهم جميعًا،
لكن يبقى النظر في ثبوتِ سماع الراوي منهما، فربما صح سماعه من أحدهما دون الآخر، وكذلك النظر: هل في حديث الراوي عن أحدهما رواية ثابتة تخالف هذه الرواية التي بالشك، فإن كانت: وجب التوقف لاحتمال إعلال الرواية التي بالشك عن ذاك الصحابي بالأخرى الثابتة.
أمر آخر أن ممن نُسبوا للصحبة فإنه لم ترد صحبتهم إلا من ذاك الطريق أو غيره مما ينبغي أن يصح حتى تثبت الصحبة، فكم من إسناد لم تقم به الحجة في إثبات الصحبة؛ لأنه لا يُعرف صحابيُّه إلا من هذا الطريق الواحد الضعيف.
و الخلاف في #المتن قد يكون بالزيادة والنقصان، أو إبدال لفظ بآخر، أو رواية بالمعنى، أو بنفي وإثبات، أو بإطلاق وتقييد، أو بعام وخاص ...وهكذا.
وهذا باب واسع، ليس هذا موضعه اكتفاء بما سبق.
والله تعالى أعلم.