عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ رحمه الله، قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ: حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ مِنَ السُّنَّةِ يَنْفَعُنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، فَإِذَا وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَسَأَلَنِي عَنْهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَخَذْتَ هَذَا؟ قُلْتُ: يَا رَبِّ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَخَذْتُهُ عَنْهُ فَأَنْجُو أَنَا وَتُؤَاخَذُ أَنْتَ، فَقَالَ: يَا شُعَيْبُ هَذَا تَوْكِيدٌ وَأَيُّ تَوْكِيدٍ، اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ إِلَّا بِالْعَمَلِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ وَالنِّيَّةُ إِلَّا بِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ.
قَالَ شُعَيْبٌ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ؟
قَالَ: تَقْدِمَةُ الشَّيْخَيْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما، يَا شُعَيْبُ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تُقَدِّمَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا عَلَى مَنْ بَعْدَهُمَا، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتُ لَكَ حَتَّى لَا تَشْهَدَ لِأَحَدٍ بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ؛ إِلَّا لِلْعَشَرَةِ الَّذِينَ شَهِدَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، وَكُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ، لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتُ لَكَ حَتَّى تَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ خَلْعِهِمَا أَعْدَلَ عِنْدَكَ مِنْ غَسْلِ قَدَمَيْكَ، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ، وَلَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى يَكُونَ إِخْفَاءُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلَ عِنْدَكَ مِنْ أَنْ تَجْهَرَ بِهِمَا، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ، لَا يَنْفَعُكَ الَّذِي كَتَبْتَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوُهِ وَمُرِّهِ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ، وَاللَّهِ مَا قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ مَا قَالَ اللَّهُ، وَلَا مَا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَلَا مَا قَالَ النَّبِيُّونَ، وَلَا مَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَلَا مَا قَالَ أَهْلُ النَّارِ، وَلَا مَا قَالَ أَخُوهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 23]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: 31]، وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: 32]، وَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ﴾ [الأعراف: 155]، وَقَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [هود: 34]، وَقَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف: 89]، وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: 43]، وَقَالَ أَهْلُ النَّارِ: ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ﴾ [المؤمنون: 106]، وَقَالَ أَخُوهُمْ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ [الحجر: 39]، يَا شُعَيْبُ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَالْجِهَادَ مَاضِيًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالصَّبْرَ تَحْتَ لِوَاءِ السُّلْطَانِ جَارَ أَمْ عَدَلَ.
قَالَ شُعَيْبٌ: فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ: الصَّلَاةُ كُلُّهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، صَلِّ خَلْفَ مَنْ أَدْرَكْتَ، وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُخَيَّرٌ، لَا تُصَلِّ إِلَّا خَلْفَ مَنْ تَثِقُ بِهِ، وَتَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، يَا شُعَيْبُ بْنَ حَرْبٍ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلَكَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقُلْ: يَا رَبِّ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، ثُمَّ خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ».