عَنْ مُصْعَبٍ الزُّبَيْرِيِّ رحمه الله، قاَلَ: «نَاظَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: لَا أَقُولُ كَذَا، وَلَا أَقُولُ غَيْرَهُ؛ يَعْنِي فِي الْقُرْآنِ, فَنَاظَرْتُهُ, فَقَالَ: «لَمْ أَقُلْ عَلَى الشَّكِّ , وَلَكِنِّي أَسْكُتُ كَمَا سَكَتَ الْقَوْمُ» . فَبَكَى , فَأَنْشَدْتُهُ هَذَا الشِّعْرَ , فَأَعْجَبَهُ وَكَتَبَهُ , وَهُوَ شِعْرٌ قِيلَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً:
أَأَقْعُدُ بَعْدَ مَا رَجَفَتْ عِظَامِي ... وَكَانَ الْمَوْتُ أَقْرَبَ مَا يَلِينِي
أُجَادِلُ كُلَّ مُعْتَرِضٍ خَصِيمٍ ... وَأَجْعَلُ دِينَهُ غَرَضًا لِدِينِي
وَأَتْرُكُ مَا عَلِمْتُ لَرَأْيِ غَيْرِي ... وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَالْعِلْمِ الْيَقِينِ
وَمَا أَنَا وَالْخُصُومَةُ وَهْيَ لَبْسٌ ... يُصَرِّفُ فِي الشِّمَالِ وَفِي الْيَمِينِ
وَقَدْ سُنَّتْ لَنَا سُنَنٌ قِوَامٌ ... يَلُحْنَ بِكُلِّ فَجٍّ أَوْ وَجِينِ
وَكَانَ الْحَقُّ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ ... أَغَرَّ كَغُرَّةِ الْفَلَقِ الْمُبِينِ
وَمَا عِوَضٌ لَنَا مِنْهَاجُ جَهْمٍ ... بِمِنْهَاجِ ابْنِ آمِنَةَ الْأَمِينِ
فَأَمَّا مَا عَلِمْتُ فَقَدْ كَفَانِي ... وَأَمَّا مَا جَهِلْتُ فَجَنِّبُونِي
فَلَسْتُ بِمُكْفِرٍ أَحَدًا يُصَلِّي ... وَلَمْ أَجْرِمْكُمُ أَنْ تُكْفِرُونِي
وَكُنَّا إِخْوَةً نَرْمِي جَمِيعًا ... وَنَرْمِي كُلَّ مُرْتَابٍ ظَنِينِ
فَمَا بَرِحَ التَّكَلُّفُ أَنْ تَرَاءَتْ ... بِشَأْنٍ وَاحِدٍ فِرَقُ الشُّؤُونِ
فَأَوْشَكَ أَنْ يَخِرَّ عِمَادُ بَيْتٍ ... وَيَنْقَطِعَ الْقَرِينُ مِنَ الْقَرِينِ
قَالَ مُصْعَبٌ: «رَأَيْتُ أَهْلَ بَلَدِنَا - يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ - يَنْهَوْنَ عَنِ الْكَلَامِ فِي الدِّينِ».