تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: وقفات مع كتاب الحيدة لعبد العزيز الكناني رحمه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي وقفات مع كتاب الحيدة لعبد العزيز الكناني رحمه الله



    يهم من تلك الوقفات ما كان سببا لطعن الذهبي رحمه الله في نسبة الكتاب و قد بنى ذلك على

    - سند الكتاب . و قد ذكر المحقق سندا آخر لم يقف عليه الطاعن ذكره ابن بطة في الإبانة

    - ان المناظرة لو صحت . لكانت الحجة قد قامت على المأمون فكيف لم يرجع عن ذلك و بقي ينصر مذهب الجهمية و يمتحن الناس و يعاقبهم عليه ؟

    فكان و لا بد بعد هذا لمن يصحح نسبة الكتاب أن يبين ماهية الحجة التي يشترطها في هذا المقام ؟
    و كيف قامت على من حضر المناظرة من الجهمية و لم تقم على المأمون ؟

    فلنذكر أهم المواطن في المناظرة التي تبين حال المأمون مع حجة الكناني و كيف لم يكن ذلك كافيا لقيامها عليه ؟ فبمثل هذا تدرك حقيقة الحجة التي يشترطها البعض لتكفير هؤلاء ؟

    وقبل ذكر ذلك نذكر أهم ما قاله المحقق مما هو متعلق بهذا الأمر



    قال الشيخ علي بن ناصر الفقيهي في مقدمة الكتاب

    ( إن نسبة كتاب "الحيدة" لعبد العزيز الكناني، وكذلك مناظرته لبشر المريسي بحضرة المأمون ثابتة كحادث تاريخي لم يشك في ذلك أحد من العلماء الذين نقلوا ذلك في كتبهم- اللهم إلا ما ورد عن الإمام الذهبي في كتابه "ميزان الاعتدال " من حيث إسناد الكتاب، وقد روى الكتاب ابن بطة بإسناد غير الإسناد الذي ذكره الذهبي . مع أن الذهبي قد أثبت كتاب الحيدة، والمناظرة في كتابيه العبر، ودول الإسلام )

    ( و
    قال ابن حجر في لسان الميزان : ووجه استبعاد المصنف ( الذهبي ) كتاب الحيدة، إنه اشتمل على مناظرات أقيمت فيها الحجة لتصحيح مذهب أهل السنة عند المأمون والحجة قول صاحبها. فلو كان الأمر كذلك ما كان المأمون يرجع إلى مذهب الجهمية ويحمل الناس عليه ويعاقب على تركه ويهدد بالقتل وغيره كما هو معروف في أخباره في كتب المحنة. )

    وقال


    ( قد كانت حصيلة تلك المناظرة كتاب "الحيدة" هذا الذي تضمن الأدلة القوية الصريحة في الرد على القائلين بخلق القرآن من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم )

    (
    وقد جرت المناظرة بين بشر المريسي وعبد العزيز الكناني في هذه المسألة وقد أورد الكناني في هذه المناظرة الأدلة القاطعة الدامغة لمن ينتحل هذه الفكرة بأسلوب أدبي علمي عجيب دل على سعة علم الكناني ومعرفته لكتاب الله وسنة رسوله فقد انتزع منه الحجج القطعية التي أبطل بها مذهب الجهمية والمعتزلة ومن يقول بقولهم من أن القرآن مخلوق)

    وقال

    (
    كون المأمون بقي بعد تلك المناظرة على رأيه، لا ينهض دليلا على عدم وقوع المناظرة، ولا طعنا في كتاب "الحيدة" الذي هو حصيلة تلك المناظرة، لأن الشبهة التي لبس بها الجهمية على المأمون كانت قوية بحيث أصبحت عند المأمون عقيدة يرى أن مخالفها كافر مرتد يستحق العقوبة بالقتل، فكم من مناظرة قد أقيمت بين يديه، وكم من عالم حبس وضرب، بل وقتل، فمن أجل هذه الشبهة القوية لم يستطع المأمون التخلص منها، ويدل لذلك أن بشرا وأتباعه لازالوا بعد المناظرة يستغلون الفرص المناسبة للطعن على الكناني عند المأمون )

    لكن ان كان هذا مانعا من قيام الحجة على المأمون . فهو مانع من قيام ذلك على الجهمية ممن حضر المجلس . فنفس الشبهة التي هي عند المأمون هي شبهة و عقيدة عند هؤلاء لم يستطيعوا التخلص منها كحال المأمون تماما ؟
    فلننظر الى الجميع على أنهم بشر تعتريهم الآفات و الشبهات . و أن المأمون جهمي كهؤلاء .

    و قد قال الذهبي عنه في السير

    (
    قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل )

    (
    كان المأمون عالما فصيحا مفوها )

    فإذا كانت حجج الكناني غير كافية لإزالة شبه الجهمية و لا تقوم بها حجة على هؤلاء . فليغلق هذا الباب ما دام أن خيار الأئمة و السلف لم يتمكنوا من ذلك . مع ان ادعاء بقاء الشبهة أمر خفي لا يستطيع أحد أن ينفيه عن هؤلاء ؟

    ثم قال المحقق
    ( إن هذه المناظرة وإن قامت فيها الحجة للكناني على بشر المريسي أمام المأمون إلا أن الشبهة على المأمون أن كانت قوية، فلم تزل عنه بتلك المناظرة )

    ( كل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن كتاب "الحيدة" هو من تأليف عبد العزيز الكناني وقد نصر فيه السنة، وقمع البدعة، وقد استفاد من هذا الكتاب أناس كثيرون. غير المأمون الذي لم يستفد من تلك المناظرة ومعلوم أن المأمون لا يريد إلا الحق، ولكنه لم يهتد إليه )

    لا بد ان يعلم ان من أعيان الجهمية و المعتزلة الذين كفرهم السلف و تكلموا فيهم من حاله احسن بكثير من حال المأمون . كيف و هو الذي قتل العلماء و عذب الزهاد و الأتقياء. و حمل الناس على الكفر بالله .

    و سنذكر بعد هذا ما هو مهم في المناظرة لنتبين حال المأمون و مقدار حجة عبد العزيز الكناني عليه
    و ننظر بعد ذلك هل كان ذلك كافيا لقيام الحجة عليه ام لا ؟


    قبل المناظرة التزم المأمون اتباع الكناني ان ظهرت حجته على المبطلين فقال

    (
    قد جمعتك والمخالفين لك لتتناظروا بين يدي وأكون آنا الحكم فيما بينكم فإن تكن لك الحجة والحق معك تبعناك، وإن تكن لهم الحجة عليك والحق معهم عاقبناك )

    قال عبد العزيز الكناني في المناظرة محتجا على بشر المريسي

    (
    {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} يعني القرآن فهذا خبر الله أن القرآن أمره وأن أمره القرآن، وإن هذه أسماء شتى لشيء واحد، وهو الشيء الذي به خلق الأشياء وهو غير الأشياء، وخارج عن الأشياء، وغيره داخل في الأشياء، ولا هو كالأشياء وبه تكون الأشياء، وهو كلامه، وهو قوله، وهو أمره، وهو الحق. وهذا نص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير

    فقال المأمون: "أحسنت أحسنت يا عبد العزيز."

    فقال عبد العزيز بعد ذلك

    (
    لقد أخبر الله عز وجل عن جهله ( يقصد بشر المريسي ) , وأزال عنه التذكرة, وأخرجه عن جملة أولى الألباب، لكن أمير المؤمنين أطال الله بقاه لما خصه الله به من الفضل والسؤدد، ورزقه من دقة الفهم وكثرة العلم والمعرفة باللغة عقل عن الله عز وجل قوله، وعرف ما أراد به وما عنى به فقبله واستحسنه ممن انتزعه بين يديه وأظهر قبوله والرضاء بقوله )




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    و سنذكر بعد هذا ما هو مهم في المناظرة لنتبين حال المأمون و مقدار حجة عبد العزيز الكناني عليه
    و ننظر بعد ذلك هل كان ذلك كافيا لقيام الحجة عليه ام لا ؟



    قال عبد العزيز الكناني

    ( أخبر الله عز وجل بأخبار كثيرة في كتابه، أن له علما أفتقر يا بشر أن لله علما كما أخبرنا أو تخالف التنزيل ؟

    فحاد بشر عن جوابي و أبا أن يصرح بالكفر فيقول: ليس لله علم، فيكون قد رد نص التنزيل فتتبين ضلالته وكفره، وأبى أن يقول: إن لله علما، فأسأله عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا ؟

    قال عبد العزيز: فقال لي المأمون: فإذا قال بشر إن لله علما وأقر بذلك فيكون ماذا.

    قلت: اسأله يا أمير المؤمنين عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة حين احتج بقوله:
    {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فزعم انه لم يبق شيء إلا وقد أتى عليه هذا الخبر.

    فإن قال: نعم فقد دخل في الأشياء المخلوقة فقد شبه الله يا أمير المؤمنين بخلقه الذين أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا، وكل من تقدم (وجوده) قبل علمه فقد دخل عليه الجهل فيما بين وجوده إلى حدوث
    علمه، وهذه صفة المخلوقين، والله عز وجل أعظم وأجل من أن يوصف بذلك أو ينسب إليه، ومن قال ذلك فقد كفر وحل دمه ووجب على أمير المؤمنين قتله، وإن قال إن علم الله خارج عن جملة الأشياء وغير داخل فيها، كما أن قوله خارج عن الأشياء وغير داخل فيها، فمن ثم ترك قوله وضل يا أمير المؤمنين وثبتت عليه الحجة فيها.

    فقال المأمون: أحسنت أحسنت يا عبد العزيز، وإنما فر بشر أن يجيبك في هذه المسألة لهذا . )

    ثم حاول المريسي بعد أن ثبتت عليه الحجة و انقطع عن الجواب . ان يقطع عبد العزيز بسؤاله عن كيفية علم الله الذي اثبته لينقطع عن الجواب .

    فقال عبد العزيز

    (
    يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك إن بشرا قد أفحم وانقطع عن الجواب ودحضت حجته وبقي بلا حجة يقيمها لهذا المذهب الذي كان يدعو الناس إليه، فلجأ إلى أن يسألني عن مسألة محال يحتج بها علي ليقول: سألني عبد العزيز عن مسألة فلم أجبه، وسألته عن مسألة فلم يجبني عنها، وقد قال ذلك،
    وأنا وبشر يا أمير المؤمنين على غير السواء في مسألتنا، لأني سألته عما أخبر الله به وشهد به على نفسه وشهدت له الملائكة به، وتعبد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم وسائر الخلق بالإيمان به بقوله: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَاب} فوجب على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى الخلق جميعا الإيمان بما أنزل الله من كتاب،
    وبشر يا أمير المؤمنين يأبى أن يؤمن بذلك أو يقر به أو يصدقه. وسألني بشر عن مسألة ستر الله علمها عن الملائكة، وأهل ولايته جميعا، وعني وعن بشر وعن سائر الخلق جميعا، ممن مضى وممن هو آت إلى يوم القيامة فلم يعلمها أحد قبلنا ولا يعلمها أحد بعدنا، فلم يكن لي أن أجيبه عن مسألته، وإنما يدخل النقض علي يا أمير المؤمنين لو كان بشر يعلم ما سألني عنه أو غيره من العلماء، وكنت أنا لا أعلمه، فأما إذا اجتمعنا جميعا أنا وبشر وسائر الخلق في جهل هذه المسألة وقلة العلم بها، فليس الضرر بداخل في دونه، وهذه مسألة لا يحل أن يسأل عنها، ولا يحل لأحد يجيب فيها لأن الله عز وجل حرم ذلك عليه.

    قال عبد العزيز:
    فقال لي المأمون: أنتما في مسألتكما على غير السواء، وقد صح قولك في هذه المسألة يا عبد العزيز وبان ووضح وظهرت حجتك على بشر فيها.

    قال عبد العزيز: ورأيت بشرا قد حار وانقطع وصح ما في يدي واستبان الحق ووضح لأمير المؤمنين ولسائر من بحضرته،

    فقلت: يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك، أرجع إلى المسألة، وادع العلم فأكسر قول بشر وافضح مذهبه وأبطل قوله واحتجاجه

    فقال لي المأمون: قد أصبت يا عبد العزيز بتركك الكلام فيما قد قطع المجلس من غير أن يرجع إليك عن مسألتك فيه جواب، وقد وقفنا من قولك على ما يلزم بشرا في هذه المسألة لو أجابك عن مسألتك )

    ( على ما يلزم بشرا ) يلزمه الكفر بجحد العلم و قد اخبر الكناني المأمون بهذا من قبل

    و قد زعم المريسي في الأول أن القرآن مخلوق بقوله تعالى ( خالق كل شيء )
    و قد ألزمه الكناني بان يقول ان العلم يدخل في ذلك على قوله فيكون مخلوقا
    وألزمه بعد ذلك أن يقول ان نفس رب العالمين داخلة في قوله تعالى ( كل نفس ذائقة الموت )
    فاقر بشر بان ليس له جواب و انقطع .
    فقال الكناني

    (
    يا أمير المؤمنين، قد كسرت قوله بقوله، ودحضت حجته بحجته وبطل ما كان يدعو إليه من بدعته، وبان لأمير المؤمنين قبح مذهبه وفحش قوله،
    فأقبل علي المأمون فقال. يا عبد العزيز قد وضحت حجتك، وبان قولك، وانكسر قول بشر، وتحتاج أن تشرح هذه الأخبار التي في القرآن ومعانيها وما أراد الله عز وجل بها ليسمع من بحضرتنا، فقد جرت اليوم أشياء كثيرة يحتاج من سمعها إلى معرفتها وفهمها )

    و احتج عبد العزيز الكناني لذلك ثم قال

    (
    إنما غلط بشر ومن قال بقوله وهلكوا وتاهوا وضلوا لجهلهم بالخاص والعام في القرآن العظيم، وإنما شرف الله العرب وفضلها بمعرفتها بخاص القرآن وعامه ومجمله ومبهمه.

    فقال المأمون: أحسنت أحسنت يا عبد العزيز. )

    ثم قال

    (
    و بشر يا أمير المؤمنين ادعى على الأمة كلمة تأولها بغير علم منه لمعناها وبما أراد الله عز وجل بها ولم يجد لها في كتاب الله عز وجل ما ينصها ولا ما يدل على تأويلها، ثم زعم أن من خالفه عليها كافر حلال الدم فأباح دم الأمة جميعا على ذلك )

    و قال للمأمون

    (
    جزاك الله عني يا أمير المؤمنين خاصة وعن رعيتك عامة أفضل الجزاء فقد جلست منا اليوم مجلس الإمام العادل أحسنت إلي حين رأيتني جزعا فسكنت روعتي وآنست وحشتي وبسطت لساني بحجتي وتابعت الحق حين ظهر لك ودافعت وانتصرت له وشهدت لي بثبات الحجة، ودفعت أهل الباطل حين زهق واضمحل، وبانت فضيحته، وشهدت على بطلانه، وأنصفت في مجلسك، وكان ذلك كله منك بتوفيق الله تعالى وتأييده إياك فله الحمد والشكر على ما أولاك وأولى رعيتك فيك يجزيك الله أفضل ما جازى أحدا من الأئمة عن رعيته )

    ثم احتج المريسي على خلق القران بقوله تعالى
    {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}
    فأورد عليه الكناني قوله تعالى
    {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً}
    و قوله {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} و {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ}
    و قوله {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ} و {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ}

    و ألزمه الكناني أن تكون عنده ( جعل ) في الآيات السابقة بمعنى ( خلق )
    لان المريسي قد اقر من قبل ان ( جعل )
    (
    حرف محكم لا يحتمل معنى غير الخلق وما بين جعل وخلق فرق عندي ولا عند غيري من سائر الناس، ولا عند أحد من العرب، ولا من العجم، ولا يتعارفون الناس ولا يعقلون غير هذا في كلامهم ولغاتهم سواء عندهم قالوا: خلق أو جعل )

    فلزمه أن ( جعل ) في الآيات السابقة بمعنى خلق كما قال .

    فاستشنع المامون ما لزمه من قوله فقال

    "ما أقبح هذا وأشنع وأعظم القول به"

    ثم قال المامون

    (
    يا عبد العزيز قد أقر بشر على نفسه بالكفر وإحلال الدم وأشهد على نفسه بذلك وقد صدقت في كل ما قلت، ولكنه قال ما قال وهو لا يعقل ولا يعلم ما عليه في ذلك وهذا شيء يلزمه في نفسه خاصة ولا يلزم غيره ممن لا يقر بمثل ما أقربه ولا يحكم به على غيره بمثل ما حكم به بشر على نفسه )

    وقال

    (
    يا عبد العزيز فقد ثبتت حجتك في هذه المسألة كثباتها في المسألة الأولى وانكسر قول بشر فيها، وبطل دعواه )

    و قال الكناني بعد ما بين وجه الغلط و التناقض في قول بشر

    (
    وإنما دخل الجهل على بشر ومن قال بقوله يا أمير المؤمنين لأنهم ليسوا من العرب ولا علم لهم بلغة العرب ومعاني كلامها، فتناولوا القرآن على لغة العجم التي لا تفقه ما تقول، وإنما تتكلم بالشيء كما يجري على ألسنتها )

    و قال المأمون بعد ذلك

    (
    أحسنت أحسنت يا عبد العزيز وقد أبلغت فلا تحتاج إلى زيادة، ثم أقبل على بشر" فقال: "يا بشر هل عندك شيء تحتاج تسأل عنه عبد العزيز أو تحتج به عليه فقد ظهرت حجته ووضح قوله عندنا )

    و قال عبد العزيز بعد ذلك عن آخر المجلس

    (
    أمر لي بعشرة ألاف درهم، فحملت بين يدي وانصرفت من مجلسه على أحسن حال وأجملها، قد أعز الله دين الإسلام وعز أهله وأذل الكفر وأهله فلله الحمد والشكر على نعمه كلها وعلى مننه وتوفيقه وتسديده
    فسر المسلمون جميعا بما وهبهم الله من إظهار الحق وقمع الباطل، وانكشف عن قلوبهم ما كان قد اكتنفها من الغم والهم والحزن )

    انتهى المقصود من بيان حجة الكناني على الجهمية بحضرة المأمون و اقرار الأخير بذلك بعظمة لسانه .



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    المشاركات
    1,179

    افتراضي

    و لنختم الكلام بما هو مقصود من هذا الموضوع
    فقد ذكرنا سابقا عن محقق الكتاب حفظه الله و رعاه انه قال

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة


    (
    كون المأمون بقي بعد تلك المناظرة على رأيه، لا ينهض دليلا على عدم وقوع المناظرة، ولا طعنا في كتاب "الحيدة" الذي هو حصيلة تلك المناظرة، لأن الشبهة التي لبس بها الجهمية على المأمون كانت قوية بحيث أصبحت عند المأمون عقيدة يرى أن مخالفها كافر مرتد يستحق العقوبة بالقتل، فكم من مناظرة قد أقيمت بين يديه، وكم من عالم حبس وضرب، بل وقتل، فمن أجل هذه الشبهة القوية لم يستطع المأمون التخلص منها، ويدل لذلك أن بشرا وأتباعه لازالوا بعد المناظرة يستغلون الفرص المناسبة للطعن على الكناني عند المأمون )

    ( كل ذلك يجعلنا نطمئن إلى أن كتاب "الحيدة" هو من تأليف عبد العزيز الكناني وقد نصر فيه السنة، وقمع البدعة، وقد استفاد من هذا الكتاب أناس كثيرون. غير المأمون الذي لم يستفد من تلك المناظرة ومعلوم أن المأمون لا يريد إلا الحق، ولكنه لم يهتد إليه )


    و أول المخالفين له في هذا الذهبي رحمه الله حيث يقول عنه ابن حجر في لسان الميزان

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة

    (
    ووجه استبعاد المصنف ( الذهبي ) كتاب الحيدة، إنه اشتمل على مناظرات أقيمت فيها الحجة لتصحيح مذهب أهل السنة عند المأمون والحجة قول صاحبها. فلو كان الأمر كذلك ما كان المأمون يرجع إلى مذهب الجهمية ويحمل الناس عليه ويعاقب على تركه ويهدد بالقتل وغيره كما هو معروف في أخباره في كتب المحنة. )

    و لا يهمنا الآن الكلام عن صحة الكتاب للإمام عبد العزيز الكناني .
    بل المقصود بيان فساد القول بقيام الحجة في هذا المجلس على الحضور من الجهمية دون المأمون
    كما قال المحقق

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيبوني مشاهدة المشاركة
    ( إن هذه المناظرة وإن قامت فيها الحجة للكناني على بشر المريسي أمام المأمون إلا أن الشبهة على المأمون أن كانت قوية، فلم تزل عنه بتلك المناظرة )

    فالذي يعلمه طلاب العلم و لا يكاد يخفى على كل من له عناية بهذا الموضوع .
    ان من كان عنده جهل بالعلم و الشرع و ضعف في الفهم و عجمة في اللسان أقرب إلى العذر
    ممن يكون حاله بخلاف ذلك
    و لو نظرنا لحال المريسي مع المأمون لكان الاول اقرب للعذر في هذه المناظرة من الثاني إن صح ادعاء الشبهة و الجهل كمانع من قيام الحجة و التكفير .

    فالمريسي قال عنه الكناني (
    إنما غلط بشر ومن قال بقوله وهلكوا وتاهوا وضلوا لجهلهم بالخاص والعام في القرآن العظيم، وإنما شرف الله العرب وفضلها بمعرفتها بخاص القرآن وعامه ومجمله ومبهمه )
    و قال عنه (
    بشر يا أمير المؤمنين ادعى على الأمة كلمة تأولها بغير علم منه لمعناها )

    و قال ( وإنما دخل الجهل على بشر ومن قال بقوله يا أمير المؤمنين لأنهم ليسوا من العرب ولا علم لهم بلغة العرب ومعاني كلامها، فتناولوا القرآن على لغة العجم التي لا تفقه ما تقول، وإنما تتكلم بالشيء كما يجري على ألسنتها )

    اما المامون

    فقد قال عنه الذهبي
    ( قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل )
    و قال عنه
    ( كان المأمون عالما فصيحا مفوها )

    و قال عنه الكناني
    (
    خصه الله به من الفضل والسؤدد، ورزقه من دقة الفهم وكثرة العلم والمعرفة باللغة )

    ومن جهة أخرى أن الذي أقام الحجة إمام من أئمة السنة و يكفيه في قدرته على ذلك أنه تلميذ للشافعي رحمه الله .
    و قد أورد في المناظرة الأدلة الصريحة القاطعة الدامغة كما يقول المحقق بأسلوب علمي ادبي عجيب .
    فقد انتزع من كتاب الله عز وجل و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم الحجج القطعية التي أبطل بها قولهم ان القرآن مخلوق ( كذا قال المحقق )

    و قد التزم المأمون للكناني (
    إن تكن لك الحجة والحق معك تبعناك )

    و قد اقر اثناء المناظرة وبعدها بحجة الكناني و انقطاع بشر المريسي فمما قاله في ذلك

    ( صح قولك في هذه المسألة يا عبد العزيز وبان ووضح وظهرت حجتك على بشر فيها )
    ( يا عبد العزيز قد وضحت حجتك، وبان قولك، وانكسر قول بشر )

    ( يا عبد العزيز فقد ثبتت حجتك في هذه المسألة كثباتها في المسألة الأولى وانكسر قول بشر فيها، وبطل دعواه )

    ( أحسنت أحسنت يا عبد العزيز وقد أبلغت فلا تحتاج إلى زيادة، ثم أقبل على بشر" فقال: "يا بشر هل عندك شيء تحتاج تسأل عنه عبد العزيز أو تحتج به عليه فقد ظهرت حجته ووضح قوله عندنا )

    و قد قال للمريسي

    (
    فر بشر أن يجيبك في هذه المسألة لهذا ) اللازم الكفري بنفي العلم
    ( قد وقفنا من قولك على ما يلزم بشرا في هذه المسألة لو أجابك عن مسألتك )
    (
    انكسر قول بشر وبطل دعواه) و قال عن قوله ( ما أقبح هذا وأشنع وأعظم القول به )

    ( يا عبد العزيز قد أقر بشر على نفسه بالكفر وإحلال الدم وأشهد على نفسه بذلك وقد صدقت في كل ما قلت )

    و قال الكناني عن المأمون ( وهذا مهم )

    ( استبان الحق ووضح لأمير المؤمنين )
    ( وبان لأمير المؤمنين قبح مذهبه وفحش قوله )

    ( تابعت الحق حين ظهر لك ودافعت وانتصرت له وشهدت لي بثبات الحجة، ودفعت أهل الباطل حين زهق واضمحل، وبانت فضيحته، وشهدت على بطلانه )


    و بعد

    فقد أقر المأمون بحجة عبد العزيز الكناني و ظهورها. و ببطلان قول المريسي و فحشه و أنه يلزم منه الكفر
    و أقر بانقطاع المريسي بعد ان اظهر اقوى الشبه عنده في هذه المسألة بالذات .

    فما معنى القول بعد هذا أن المأمون لم تظهر له الحجة و لم تقم عليه ؟؟

    و ما معنى ادعاء شبهة هو لم يدعيها لنفسه بل سلم بحجة الكناني و أقر ببطلان قول بشر ؟؟

    و أي حجة تقام عليه بعد هذا ؟ إذ عجز الكناني و هو من هو في إزالة الشبهة عنه ؟

    و ما بال هذه الشبهة أقوى و أرجح عنده من براهين القرآن الدامغة القاطعة ؟

    إذا تدبرت هذا و تأملته حق التأمل و تدبرت مضامينه جيدا علمت أن

    إقامة الحجة أصبحت من مستحيلات الكلام .

    و شكرا





الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •