تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الإكراه على الكفر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي الإكراه على الكفر

    الأصل في ذلك قوله سبحانه:مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النحل:106]
    والمشهور في سبب نزولها ما رواه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: ((أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد)) قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: (واتفقوا على أنه (أي عمار) نزل فيه إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ . قال أبو بكر الجصاص عن هذه الآية: (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه) بل إن هذا أصل العذر بالإكراه في الأصول والفروع، قال ابن العربي: (لما سمح الله تعالى في الكفر به، وهو أصل الشريعة، عند الإكراه، ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به)
    قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ (فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله) وقال الإمام ابن الجوزي – : إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ أي: ساكن إليه راض به، ، وقال الإمام الشوكاني: وَلَكِن من شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا (أي: اعتقد وطابت به نفسه، واطمأن إليه) ، لابد من طمأنينة القلب بالإيمان، وبغض وكراهية الكفر، وهذا شرط مجمع عليه
    قال ابن بطال تبعاً لابن المنذر: (أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان أنه لا يحكم عليه بالكفر ولا تبين منه زوجته…)
    وقال ابن العربي – : (وأما الكفر بالله، فذلك جائز له (أي المكرَه) بغير خلاف على شرط أن يلفظ وقلبه منشرح بالإيمان، فإن ساعد قلبه في الكفر لسانه كان آثماً كافراً، لأن الإكراه لا سلطان له في الباطن، وإنما سلطانه على الظاهر …)
    أن الصبر أفضل وأعظم أجراً، قال ابن بطال – رحمه الله -: (أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل، أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة) ويقول الإمام ابن العربي – رحمه الله -: (إن الكفر وإن كان بالإكراه جائزاً عند العلماء فإن من صبر على البلاء ولم يفتتن حتى قتل فإنه شهيد، ولا خلاف في ذلك، وعليه تدل آثار الشريعة التي يطول سردها …)
    وقال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: (والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله)
    واستدلوا لذلك بأحاديث كثيرة من أشهرها حديث خباب بن الأرت – رضي الله عنه – وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه)).
    قال الإمام القرطبي – رحمه الله -: (فوصفه صلى الله عليه وسلم هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم، والصبر على المكروه في ذات الله، وأنهم لم يكفروا في الظاهر، وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن أنفسهم، وهذه حجة من آثر الضرب والقتل والهوان على الرخصة…)
    ويتأكد الصبر في حق من يفتدي به العوام ويتبعونه في تصرفاته وأقواله، فلو تلفظ – مثل هذا – بالكفر رخصة – مع احتمال أن الكثير من العوام لا يعرفون حقيقة الأمر، وهو أن ما أظهره خلاف ما يبطنه، فيؤدي هذا التصرف إلى فتنتهم، بل قد يصل الأمر إلى التحريم في حقه بسبب ما يسببه من فساد ، وفي هذا المعنى قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله – حين سئل عن العالم وهل يأخذ بالتقية قال: (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟)
    ... كما أجمعوا على أن من أكره على الكفر، فاختار القتل؛ أعظم أجراً عند الله تعالى ممن اختار الرخصة؛ وذلك لأن الصبر والأخذ بالعزيمة له منزلة رفيعة عند الله تعالى، وأولى من الأخذ بالرخص، ولو كانت مباحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
    ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر؛ فأمره ونهاه فقتله))

    أما من نطق بالكفر، وقال: قصدت المزاح؛ فهو كافر ظاهراً وباطناً، إذ حكم الكفر يلزم الجاد، والهازل، والمازح على السواء، وفي الآخرة أمرهم إلى الله تعالى.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
    (فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالماً بأنها كلمة كفر؛ فإنه يكفر بذلك ظاهراً وباطناً، ولا يجوز أن يقال: إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمناً، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام)

    أنه ليس للإكراه حد منضبط يحكم به على جميع المعينين، بل يختلف الحكم فيه باختلاف النظر في ثلاثة أمور هي:
    1- حال المكره، فإن الناس يختلفون في قدراتهم ومكانتهم وتحملهم للإكراه.
    2- حال من وقع منه الإكراه، فإن الأمر في ذلك أيضاً مختلف.
    3- الأمر الذي وقع عليه الإكراه. وهذا ظاهر أيضاً، فليس الإكراه على الكفر كالإكراه على المعصية، وليس الإكراه على مجرد القول كالإكراه على القول والفعل أو مجرد الفعل وهكذا.
    فأما اختلاف الناس في قدراتهم فظاهر، فقد يكون إكراها في حق إنسان ما ليس بإكراه في حق غيره، لاختلافهما في تحمل الإكراه، حتى قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: (ما من ذي سلطان يريد أن يكلفني كلاما يدرأ عني سوطاً أو سوطين إلا كنت متكلماً به)
    ثم إن إكراه العالم مثلاً ليس كإكراه غيره، فإنه قد يضل بعض الناس بتقية العالم وأخذه بالرخصة.
    ولهذا شدد الإمام أحمد رحمه الله في هذا الأمر حين سئل عن العالم وهل له أن يأخذ بالتقية في فتواه فقال
    : (إذا أجاب العالم تقية، والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق؟)
    وصدق الإمام أحمد رحمه الله، فإنه ما وقع اللبس والغبش في الأمة إلا بمداهنة العلماء وتجرؤ الجهال بالإفتاء بلا علم. وقد جعل رحمه الله من نفسه مثلاً في ذلك، فلم يداهن ولم يلن حين فتن على القول بخلق القرآن لما علم من افتتان الناس وانطماس وجه الحق لو فعل ذلك.
    وأما اختلاف الإكراه باختلاف حال من يقع منه فظاهر وفرق بين من يعلم أنه عازم على إنفاذ وعيده وبين المهدد الذي يحتمل منه ذلك فقط وفرق أيضاً بين من كان له سلطة في تحقيق ما توعد به وبين من كان دون ذلك.
    وأما اختلاف الإكراه باختلاف الأمر المكره عليه فأمر التفاوت فيه واسع، فما كان إكراها في أمر قد لا يكون إكراها في أمر آخر.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في نفس المسألة: (تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره. فليس المعتبر في كلمات الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها. فإن الإمام أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد ولا يكون الكلام إكراها، وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه فلها أن ترجع، على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة إكراها.
    ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إذا خشي الكفار أن لا يزوجوه أو أن يحولوا بينه وبين امرأته لم يبح له التكلم بكلمة الكفر

    وقد يعظم الأمر وينحسر الإعذار بالتقية حتى لا يعذر بها كما في حال المكره على الكفر مع الدوام على ذلك لا في حالة عارضة. ولهذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل يؤسر فيعرض على الكفر ويكره عليه أله أن يرتد؟ فكرهه كراهة شديدة، وقال: ما يشبه هذا عندي الذي أنزلت فيهم الآية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أولئك كانـوا يرادون على الكلمة ثم يتركون يعملون ما شاؤوا، وهؤلاء يريدونهم على الإقامة على الكفر وترك دينهم) [باختصار من موقع الدرر السنية]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    أنواع الإكراه :
    _
    الإلجاء : حيث ينعدم الرضا والإختيار , وتنتفي الإرادة والقصد , وذلك بالوقوع تحت التعذيب الشديد أو نحو ذلك , وهذه الحالة هي التي نزلت فيها أية النحل (( من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان )) .

    _
    التهديد : حيث ينعدم الرضا , ولا ينعدم الاختيار تماما ًُ وهذه في مثل الحالة التي يختار فيها الانسان أخف الضررين مثل حال شعيب عليه السلام مع قومه إذ خيروه بين العودة إلى الكفر أو الخروج من قريتهم . (( قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين . قد افترينا على الله كذبا ً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شيء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين .))
    فلا تجوز الاستجابة لمثل هذا الاكراه لهذا النص ولقوله تعالى(( ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر ٌ من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس اله بأعلم بما في صدور العالمين .))

    _
    الاستضعاف : وهنا لا تهديد ولا تعذيب ولكن المستضعف داخل تحت وضع مفروض عليه من غيره كالمقيم في مكة بعد هجرة المسلمين عنها , ف‘ذا كان دخوله تحت هذا الوضع لعجزه عن دفعه وعن الخروج منه ولو أمكنه ذلك لفعل مهما كانت تضحياته وتكاليفه فهذا قد عفا الله عنه .
    [ الولاء والبراء] إنه من المهم والواجب التفريق بين الإكراه وبين مشاعر الخوف
    كما أنه يجب أن نفرق بين الاستضعاف وبين الهزيمة الداخلية، والاستكانة للعدو والركون إليه وفقدان الثقة في الله وترك التوكل عليه.
    ذلك أن الإنسان يملك في أحلك الظروف قوة عظيمة - هي قوة الرفض بقلبه - وهذه القوة سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاداً في قوله " ... ومن جهادهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل "
    فالانهزام أمام الباطل والموالاة التي يحتاجها الباطل حتى وهو قوي لا بد من الامتناع عنها وهذا هو جهاد القلب، والله سبحانه يقول للمؤمنين بعد وقعة أحد
    {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {147} فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {148} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ {149} بَلِ اللهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ { [سورة آل عمران: 146 - 150] .

    وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: " بحسب امرىء يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره " ودلالة الكره: الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل.
    إن استعلاء القلب على الهزيمة الداخلية، وبقاء قوة رفضه للباطل مهما استطال وانتفش وقوة ضبطه للسلوك لتأكيد الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل لهو جهاد القلب وإنه لجهاد له أثره الواقع في حياة الناس[ الولاء والبراء -وهو بتصرف من كتاب حد الاسلام للشيخ عبد المجيد الشاذلى] [نعم وإنه لجهاد له أثره الواقع في حياة الناس -رحم الله الشيخ الاستاذ الجليل الفاضل عبد المجيد الشاذلى]--قد ينكر البعض العزلة الشعورية ولكنها تنفع فى بعض الاوقات عند تطاول الشر وانتفاشه وخاصة عند عدم القدرة على التغيير كما قال النبى صلى الله عليه وسلم ورأيت أمراً لا يَدَ لك به ---فلابد من استعلاء القلب وبقاء قوة رفض المسلم للباطل فان استطاع التغيير فنعمّا هىِ-- وإن لم يستطع فبالاعتزال وعدم المشايعه بالعمل-وإنه بكل تأكيد لهو جاهد له اثره فى حياة الناس[ ولا تلومونى على هذا الكلام فانه نفعنى جدا عندما كنت سجين فى سجون الظالمين- وكذلك فانه تسلية للمسلم الموحد فى هذه الازمان التى إشتدت فيها غربة الاسلام -] فالغرباء هم الذينفارقوا الناس أحوج ما كانوا إليهم ، فإذا انطلق الناس يوم القيامة مع آلهتهم بقوا في مكانهم ، فيُقال لهم : ((ألا تنطلقون حيث انطلق الناس ؟ فيقولون : فارقنا الناس ، ونحن أحوج إليهم منَّا اليوم ، وإنا ننتظر ربنا الذي كُنا نعبده)) ؛ فهذه ((الغربة)) لا وحشة على صاحبها ، بل هو آنسُ ما يكون إذا استوحش الناس، وأشد ما تكون وحشته إذا استأنسوا ، فوليه الله ورسوله والذين آمنوا ، وإن عاداه أكثر الناس وجفوه -كان الإسلام في أول ظهوره غريباً ، وكان من أسلم منهم واستجاب لله ولرسوله : غريباً في حَيِّه وقبيلته ، وأهله وعشيرته , فكان المستجيبون لدعوة الإسلام نُزَّاعاً من القبائل ، بل آحاداً منهم ، تغربوا عن قبائلهم وعشائرهم ، ودخلوا في الإسلام ، فكانوا هم الغرباء حقاً ، حتى ظهر الإسلام ، وانتشرت دعوته ، ودخل الناس فيه أفواجاً ، فزالت تلك الغربة عنهم ، ثم أخذ بالاغتراب والترحل ، حتى عاد غريباً كما بدأ ، بل الإسلام الحق ـ الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ـ هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره ، وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة ، فالإسلام الحقيقي غريب جداً ، وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس , وكيف لا تكون فِرقة واحدة قليلة جداً ، غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ، ذات أتباع ورئاسات ، ومناصب وولايات ، ولا يقوم لها سوق إلاَّ بمخالفة ما جاء به الرسول ؟ ؛ فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله على طريق المتابعة غريباً بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم ، وأطاعوا شُحَّهم ، وأُعجب كُلٌ منهم برأيه ؟ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيتم شُحَاً مُطاعاً وهوىً متبعاً ، ودُنيا مُؤْثَرة ، وإعجاب كُلَ ذي رأي برأيه ، ورأيت أمراً لا يَدَ لك به ، فعليك بخاصة نفسك ، وإياك وعوامَّهم ، فإن وراءكم أياماً صبر الصابر فيهن كالقابض على الجمر))

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    (حَدّ الإكراه على الكفر). قال صاحب بدائع الصنائع : " وَأَمَّا بَيَانُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَاهِ فَنَقُولُ : إنَّهُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَالِاضْطِرَارَ طَبْعًا كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ وَالضَّرْبِ الَّذِي يُخَافُ فِيهِ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ قَلَّ الضَّرْبُ أَوْ كَثُرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِعَدَدِ ضَرَبَاتِ الْحَدِّ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ تَحَقُّقُ الضَّرُورَةِ فَإِذَا تَحَقَّقَتْ فَلَا مَعْنَى لِصُورَةِ الْعَدَدِ ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى إكْرَاهًا تَامًّا ، وَنَوْعٌ لَا يُوجِبُ الْإِلْجَاءَ وَالِاضْطِرَارَ وَهُوَ الْحَبْسُ وَالْقَيْدُ وَالضَّرْبُ الَّذِي لَا يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ ، وَلَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ سِوَى أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْهُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي الْحَبْسَ وَالْقَيْدَ وَالضَّرْبَ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِكْرَاهِ يُسَمَّى إكْرَاهًا نَاقِصًا---------قال ابن حجر ]واختُلف فيما يهدد به، فاتفقوا على القتل واتلاف العضو والضرب الشديد والحبس الطويل، واختلفوا في يسير الضرب والحبس كيوم ٍ أو يومين[ ، وقال أيضا ]واختلف في حدّ الإكراه، فأخرج عبد بن حميد بسند صحيح عن عمر قال «ليس الرجل بأمين على نفسه إذا سُجن أو أوثِقَ أو عُذّب»، ومن طريق شُريح نحوه وزيادة ولفظه «أربعٌُ كلهن كُره: السجن والضرب والوعيد والقيد»، وعن ابن مسعود قال «ماكلام ٌُ يدرأ عني سوطين إلا كنت متكلماً به»، وهو قول الجمهور وهذه الأمور المذكورة في حَدّ الإكراه قسَّمها الأحناف إلى قسمين:
    الأول: إكراه ملجيء أو تام: وذلك بالتهديد بالقتل والقطع وبالضرب الذي يخاف منه تَلَف النفس أو العضو.
    والآخر: إكراه غير ملجيء أو ناقص: وهو ماكان بالحَبْس والقيد والضرب الذي لايخاف منه التلف.
    ومذهب جمهور العلماء أن الترخص في الكفر لايكون إلا بالإكراه الملجيء .----------------------------------رجّح شيخ الاسلام بن تيمية وعلماء الدعوة النجدية قول الجمهور وهو قول الحنابلة فقال شيخ الاسلام ]تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص ّ في غير موضع أن الإكراه على الكفر لايكون إلا بالتعذيب من ضرب ٍ وقيد ولايكون الكلام إكراها.--- يقول الشيخ سليمان بن عبد الله-ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر، او أفعل كذا، وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان-فإن قال قائل: هلاَّ كان الإكراه على الخروج عذراً للذين قتلوا يوم بدر؟

    قيل: لا يكون عذراً، لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين إذا قاموا مع الكفار، فلا يعذرون بعد ذلك بالإكراه، لأنهم السبب في ذلك حيث قاموا معهم وتركوا الهجرة.
    ---------------------

    والحجة لقول الجمهور هو سبب النزول، فإن عمار بن ياسر لم يتكلم بالكفر حتى عذّبه المشركون، وعلى المشهور فإن هذا هو سبب نزول قوله تعالى (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) النحل: ١٠٦، قال ابن حجر والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر، كما جاء من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال «أخذ المشركون عماراً فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكي ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعُد». وهو مُرسَل ورجاله ثقات أخرجه الطبري وقبله عبدالرزاق وعنه عبد بن حميد وقد أشار البخاري رحمه الله – حسب عادته في التلميح – إلى حد الإكراه المرخص في الكفر وذلك في باب (من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر) بكتاب الإكراه من صحيحه، وذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس مرفوعا (ثلاث من كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان – ومنها – وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) وفيه إشارة إلى أن العودة في الكفر تعدل دخول النار بما يعني الهلاك، فلا يرخص في الكفر إلا عند خشية الهلاك وتلف النفس وهو قول الجمهور. والحديث الثاني عن سعيد بن زيد قال (لقد رأيتُني وإن عمر مُوثِقِي على الإسلام) الحديث، وفيه أن عمر بن الخطاب – قبل إسلامه – كان يوثق سعيد بن زيد ويقيّده ليرتد عن الإسلام، ولم يكن القيد ليرخص له في ذلك وفيه إشارة للرد على الشافعية في قولهم إن الحبس والقيد إكراه على الردة. ثم ذكر البخاري حديث خباب مرفوعا (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه) الحديث، وفيه أثنى النبي عليه الصلاة والسلام على من اختاروا القتل والعذاب على الكفر وامتدحهم، ويشير البخاري بذلك إلى الدليل الموافق للإجماع على أن من اختار القتل على الكفر أنه أعظم أجراً .

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    يقول الشيخ حمد بن عتيق فى رسالة -سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين واهل الاشراك-قال شيخ الإسلام: تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه. فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر، كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد، ولا يكون الكلام إكراها. وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه، فلها أن ترجع، بناءا على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها، أو يسيء عشرتها. فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة، إكراها. ولفظه في موضع آخر: لأنه أكرهها، ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إن خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته، لم يبح له التكلم بكلمة الكفر. اهـ.

    والمقصود منه: أن الإكراه على كلمة الكفر لا يكون إلا بالتعذيب: من ضرب أو قيد، وإن الكلام لا يكون إكراها، وكذلك الخوف من أن يحول الكفار بينه وبين زوجته، لايكون إكراها. فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثير من الناس، تبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) وقد عاد غريبا، وأغرب منه من يعرفه على الحقيقة.----ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله ال الشيخ-
    -- قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين}:

    فحكم تعالى حكماً لا يبدَّل أن من رجع عن دينه إلى الكفر، فهو كافر، سواء كان له عذر خوفاً على نفس أو مال أو أهل، أم لا، وسواء كفر بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله، أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال إلا المكره، وهو في لغتنا: المغصوب.

    فإذا أكره الإنسان على الكفر وقيل له: اكفر وإلا قتلناك أو ضربناك، أو أخذه المشركون فضربوه، ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم، جاز له موافقتهم في الظاهر، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، أي ثابتاً عليه، معتقداً له.


    فأما إن وافقهم بقلبه فهو كافر ولو كان مكرهاً.

    وظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه في الصورة الأولى لا يكون مكرهاً حتى يعذًّبه المشركون، فإنه لما دخل عليه يحيى بن معين وهو مريض، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فما زال يعتذر ويقول: (حديث عمار. وقال الله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان})، فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: (لا يقبل عذراً)، فلما خرج يحيى قال أحمد: (يحتج بحديث عمار، وحديث عمار؛ مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم؛ نريد أن نضربكم)، فقال يحيى: (والله ما رأيت تحت أديم السماء أفقه في دين الله تعالى منك).

    ثم أخبر تعالى أن هؤلاء المرتدين الشارحين صدورهم بالكفر، وإن كانوا يقطعون على الحق ويقولون: ما فعلنا هذا إلا خوفاً، فعليهم غضب من الله ولهم عذابٌ عظيم.

    ثم أخبر تعالى أن سبب هذا الكفر والعذاب ليس بسبب الاعتقاد للشرك، أو الجهل بالتوحيد، أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا، فآثره على الدين وعلى رضى رب العالمين. فقال: {ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين} فكفرهم تعالى، وأخبر أنه لا يهديهم مع كونهم يعتذرون بمحبة الدنيا، ثم أخبر تعالى أن هؤلاء المرتدين لأجل استحباب الدنيا على الآخرة، هم الذين طبع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنهم هم الغافلون. ثم أخبر خبراً مؤكداً محققاً أنهم في الآخرة هم الخاسرون.[
    رسالة حكم موالاة أهل الإشراك]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •