[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
"ففي الوقت الذي يجري فيه صريف الأقلام الجهادية من علماء المسلمين في شتى فجاج أرض الله بالدعوة إلى الله والتبصير في الدين، ومواجهة موجات الإلحاد و الزندقة، وردّ دعاوى الجاهلية القديمة والمعاصرة القومية، البعثية، الماركسية، العلمنة، الحداثة، وصدّ دعايات التغريب و الانحراف والغزو المعنوي بجميع أنواعه وضروبه وأشكاله؛ بدت محنة أخرى في ظاهرة من أبشع الظواهر المعادية للإسلام والمسلمين" ( 1 )لتذيب شخصية المسلم التميز، وتفتح الأبواب على مصراعيها لمحاربة الحق، والسعي في مزاحمته، و إقصاء أهله، ونشر الفرقة بين صفوف المسلمين، ليسود البطل بعدها، و تستحكم الأهواء و الجهالات عقول العامة والأغرار.
أعني بها دعوى التعددية
وسأسلط الضوء في حديثي هذا على ما يحمله الكاتب في جريدة الرياض :
( محمد بن علي المحمود ) هداه الله
من فكر منحل ، وعقيدة فاسدة تقرر هذا المبدأ وتؤصله، فضلَّ بسبب دعوته هذه أقوام أعرفهم بأشخاصهم، أكتب عنه ما أكتب كشفاً لزَغَلِهِ وتلبيسه، وقمعاً لباطله ، ونصحاُ له ولقارئ هذه السطور .
وإنني بهذا أستحث و أهيِّج أهل العلم أن يزكوا علومهم بالعمل به، وأعظم العمل أن يكون هذا العلم سيوفا داحضة للباطل، ناصرة للسنّة، مبينة للمعتقد الصحيح والمنهج السلفي، القائم على رد الباطل وعدم المداهنة في ذلك، وتصفية السنّة من شوائب الأهواء والضلالات والبدع و " متى سكت أهل الحق عن بيان أخطاء المخطئين، وأغلاط الغالطين، لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إثم الساكت عن إنكار المنكر، وبقاء الغالط على غلطه، والمخالف للحق على خطئه، وذلك خلاف ما شرعه الله من النصيحة والتعاون على الخير " ( 2 ) .
وجعلت حديثي في هذا الموضوع على النحو التالي :
1- تحرير المراد من التعددية .
2- التعددية في الكتاب والسنّة وآثار السلف.
3- هل الحق يتعدد ؟
4- التعددية في فكر محمد المحمود .
5- هل إقرار التعددية من نواقض الإسلام ؟
وسيكون الحديث موزعاً على حلقات أسأل الله التوفيق فيه للحق والصواب.
فأقول مستعينا بالله طالبا منه العون :
أولا :
تحرير المراد من التعددية :-
إذا أطلق لفظ التعددية فيراد به الإشارة إلى وجود أكثر من رأي . فالإلزام برأي أو اتجاه أو معتقد واحد يسمى أحادية .
ثانياً :
التعددية في الكتاب والسنّة وآثار السلف :-
لقد جاء في الكتاب والسنّة ما يقر بوجود التعددية في كثير من الأمور؛
كما قال تعالى:-
1- { ومن كلٍّ خلقنا زوجين اثنين } [ الذاريات : 49 ]
2- { واختلاف ألسنتكم وألوانكم } [ الروم : 22 ]
3- { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون. قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون } [القصص:71 ـ73].
وفي السنّة :_
1- ما أخرج البخاري ومسلم من حديث ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) .
ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في هذا الأمر فبعضهم صلى العصر في الطريق قبل وصوله لديار بني قريظة ليدرك وقت الصلاة ، وبعضهم أخَّر الصلاة بناءً على ظاهر الحديث حتى خرج وقتها وصلاها في ديار بني قريظة ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد منهم .
2- واختلف الصحابة رضي الله عنهم في مشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر.
وفي الآثار عن السلف الصالح :-
1- أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا فيما بينهم في أحكام الشريعة ولم يكن يعنف بعضهم على بعض بل كان بعضهم يعذر بعضاً فيما اختلفوا فيه .
2- وكذا السلف الصالح فقد روي عن الإمام أحمد قال لرجل يريد أن يسميه كتابا ألفه بكتاب ( الاختلاف ) قال له : سمه كتاب ( السعة ) .
والآيات والأحاديث والآثار كثيرة .
ولكن !
نعجب أكثر العجب والله ! ممن نشأ في بيئة سلفية ، وتربى على عقيدة صحيحة ، على التوحيد والسنّة ، فينحرف في منهج الاستدلال ، متبعاً سبيل أهل الزيغ والأهواء والبدع الذين يأخذون من النصوص ما وافق أهواءهم ويعرضون عن ما يقمع ويرد باطله .
إنه لمن المتقرر أن الله تعالى أنزل كتابه الكريم منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. و أن السنّة كذلك منها المحكم ومنها المتشابه .
والمحكم هنا ما لا يحتمل غير معنى واحد ، والمتشابه بالعكس .
فأهل الإتباع أهل السنّة والجماعة السائرين على منهج السلف الصالح العاضين على ذلك بالنواجذ المعرضين عما سواه ، فإنهم يردّون المتشابه إلى المحكم .
بخلاف أهل الأهواء والزيغ والضلال فإنهم يتشبثون بالمتشابه ويتعلقون به ويجادلون بذلك ويعرضون عن المحكم هوى منهم وزيغاً .
أخرج ابن ماجه في السنن عن عائشة رضي الله عنها قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب} فقال : " يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله ؛ فاحذروهم "