بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب : التفكير و اللغة

المؤلف : جوديث جرين
المترجم : د/ عبد الرحيم جبر
الناشر : الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1992 م
=----------------------------------------------=
- هنل (1962) استخدم فيه القياس المنطقي الدفين في قصص الحياة الفعلية البسيطة .
"و مع ذلك فليس من السهل دائما أن نفرق بين الاستنتاجات الصحيحة الناتجة عن مقدمة منطقية قامت على التغيير و التفكير الخاطئ بالفعل ." [1]

- و تحت عنوان : التفكير الاستقرائي

"وجد واسون أن كثيرا من الخاضعين للتجربة مالوا الى تقديم حالات ايجابية فقط تؤكد فروضهم و اكثر من ذلك انهم عندما أعلنوا عن صحة أحد فروضهم و أبلغوا بأنه كان خطأ استمروا في تقديم سلسلة تلتزم بالفرض الاساسي الذي استخلصوه . يفسر واسون هذا على أنه دليل على المقاومة الشديدة للبحث عن برهان يثبت عدم مصداقية قاعدة ما ، و ربما يعزى هذا الى الخوف أو عدم القدرة على التعامل مع المعلومات السلبية .
بينما توضح مثل هذه التجربة الطريقة التي يكون الناس فيها على استعداد لأن يقيموا فروضهم على برهان غير كاف ، فان المهمة لاتزال تتعلق باكتشاف قاعدة اجبارية أكثر من كونها استخلاص استنتاجات من خبرة الحياة الواقعية ." [2]
- "قدم عالم النفس العظيم فيجوتسكى أفضل التحاليل استنارة للتفاعل بين الفكر و اللغة ، حيث نشر كتابه (الفكر و اللغة) للمرة الأولى عام 1934 ، و ترجم الى الانجليزية عام 1962 . و يرى فيجوتسكى أن للغة وظيفتين مستقلتين : الاتصال (الخارجي) مع الأتراب من بني البشر ، و ما يعادل هذا في الأهمية من الاستخدام (الداخلي) لأفكار المرء . أن معجزة الادراك البشري هي أن كلا من هذين النظامين يستخدمان نفس الشفرة اللغوية و من ثم يمكن ترجمة الواحد منهما الى الآخر بدرجة ما من النجاح ." [3]


- "علاقات بين اللغة و التفكير :
1- اللغة هامة و محددة للفكر .
2- الفكر يسبق اللغة و هو هام لتطورها .

3- لكل من اللغة و الفكر جذوره المستقلة ." [4]

- "النسبية اللغوية
هذا هو المصطلح الذي استخدم لوصف أكثر الروايات تطرفا لوجهة النظر القائلة بأن اللغة تحدد طريقة تفكيرنا . انشغل وورف whorf (1941) بالطريقة التي تؤثر بها المسميات اللغوية على التفسيرات الادراكية للناس . ... وجهة نظره القائلة بأن اللغة التي يتحدثها المرء تقود الفرد الى ادراك العالم بطرق مختلفة تماما ." [5]

ممكن الاستفادة من هذه اللفتة على تسمية (العلامة الإعرابية – الحركات الإعرابية - الإعراب) فكلها اسماء توحي في مضامينها تأثيرا ما على ادراك القارئ أو المستمع ، فالاسم يحمل معنى الفصاحة و البيان و الوضوح (الإعراب) و من ثم فإن (العلامة – الحركة) هي الأداة التي من خلالها استطيع أن افصح و اظهر عن ما بداخلي للأخر ، و لذلك فمن يخالف أو يهوِّن فقد وقع في الإغراب و اللبس و الخطأ ، و بالطبع هذا الشعور المرتبط بمعنى الإعراب و علاماته يضفي عليه قدسية و تحري لازم و أكيد ، و أن من يخالف فقد أخطأ ، فالعملية في بدايتها لفظية تلتمس القوة و الحقيقة من المعنى اللفظي و المعنون به المسألة ، و بالطبع نحن لا نخطأ المعَنوِنون فهذا من حق أي قائم بالتسمية أن يتخير و يتحقق من معنى اصطلاحه أو تسميته ليؤدي المعنى المراد أو المتصور للمسألة ، أي أن هذا مجرد تصور و هذه هي تسميته . فلا يلتمس الحجة و البرهان من خلال معنى المصطلح أو الاسم لأنه في النهاية هو مجرد تسمية بشرية تخضع للظن و الاجتهاد ، و الخطأ و الصواب ، التحقيق و التهويل .


- "السؤال الأول هو ما إذا كان الأمر حقا هو (ادراك) الأشياء بطرق مختلفة ، أو ما إذا كانت المسألة أننا نتحدث عنها بطرق مختلفة ." [6]
أنا أرى أنه ليس هناك أي تعارض بين الإجابتين ، فمن الممكن أن ادرك شيئا واحدا بطرق مختلفة على حسب عوامل و وسائل قد تحقق من ذلك أو تضله ، فقد تكون معينة على ادراكه بصورة واقعية أو قد تمنع و على درجات من ادراكه على حقيقته الواقعية ، و في هذه الحالات المتعددة قد أصفه أو اعبر عنه بطرق مختلفة و لكن ليس لها تعلق بذات الشيء أكثر من تعلقها الحقيقي على العوامل التي ساعدت أو خذلت الوصول الى الحقيقة ، و في هذه الحالات يمكننا القول أن كل مرة اتكلم فيها عن الشيء فأنا صادق و مصيب الحقيقة و يكون الكلام معبر عن الموقف تماما خاصة لو أخذت فرصتي لأن أجرب بعض التعبيرات لتكون أكثر وصفا لما اريد أن اقوله .

و الإجابة على السؤال الثاني هي معتمدة على أحد الإجابات على السؤال الأول في أي حالة ادراكية ما من هذه الادراكات التي اختلفت على كفاية العوامل للبلوغ الى الحقيقة ، فنأخذ أحدها في وقتها لأنه في ذلك الحال ممثل حقيقي لما ادركه المرء عن الشيء ، ثم يعبر عن ذلك بطرق مختلفة و لكن يجمعها شيء واحد و هو المعنى الأصلي الذي يكفيني بيانيا و إذا حاد عن ذلك لم يرضي المرء من ناحية الكفاية البيانية و الدلالية ، و لكن قد يعبر عن هذه الحالة بطرق مختلفة كلها تؤدي نفس الغرض و لكن بأساليب متنوعة قد تكون مسهبة أو مطولة أو موجزة أو أدبية أو علمية أو منطقية أو ...الخ .
- "الحقيقة أنه لا بد أن هناك نوعا من المعرفة العالمية المشتركة لهذا العالم المستقل عن لغة بذاتها و التي يتم من خلالها التعبير عنه ." [7]

استنبطت هذه المقولة من امكانية الترجمة من الانجليزية الى الهوبي و العكس رغم اختلاف الأفعال و نهايتها عند الهوبي فهي للدلالة على تأكيد الرؤية عينا أو سماعا من أخر و ليست للدلالة على الأزمنة .


- "يرى لينيبرج Lenneberg (1964) أن اللغة قدرة فطرية يتسم بها الجنس البشري بصفة خاصة . و يذكر لنا البراهين التالية :
يشترك كافة البشر في سمات بيولوجية خاصة ترتبط باللغة (مثل سيطرة النصف الأيسر من المخ) ، أن كل البشر بلا منازع يكتسبون اللغة بغض النظر عن معدلات ذكائهم (فيما عدا الأطفال ذوي المعدلات المنخفضة لأقصى غاية و الذين أشرنا لهم سلفا) ، أن كل الأطفال يستخدمون اللغة في نفس مرحلة العمر تقريبا ، بالإضافة الى عدم الحاجة الى تلقينها فانه من العسير للغاية كبت اللغة . ...

وبالإضافة الى هذه البراهين البيولوجية ، فإن تشومسكي (1965) يرى أنه من المستحيل من ناحية المبدأ تفسير قدرة الأطفال على تعلم قواعد اللغة من عينة الكلام المحدودة و المشوهة التي يتعرضون لها دون المناداة بأن هناك سمة موروثة و ذلك خلال البحث عن أنواع معينة من الخصائص اللغوية . و بالرغم من أن المحاولات الأولى للطفل تنتج (حديث الاطفال) الذي لا يعبأ بقواعد اللغة كما يستخدمها الكبار ، الا أن المسألة هي أنه حتى في هذه المرحلة لا يقدم الطفل كلمات عشوائية لكنه يستخدم قواعد محددة تتطور تدريجيا حتى تضاهي تلك التي يستخدمها الراشد . ...

النقطة التي يسعى تشومسكي الى ايضاحها هي أنه لو أن الطفل كان معدا مسبقا للبحث عن سمات لغوية بعينها ، اذا لا بد أن تكون هذه السمات عالمية تنطبق على كل اللغات ، طالما أننا نسلم بأن كافة الأطفال يمكنهم تعلم أي لغة قد يتعرضون لها في مراحل العمر المناسبة ." [8]
"و النقطة التي تتطلب قوة الجدل هي تلك التي يدافع فيها تشومسكي عن أن أنواع القواعد التي يكون الطفل معدا اعدادا مسبقا للبحث عنها تتخذ الصورة التي تدعو اليها نظريته عن قواعد النحو العالمية Universal grammar للغات البشرية ." [9]

"و قد أكد تشومسكي على وجه خاص الحاجة الى النظر الى ما تشترك فيه كافة اللغات لكي نفهم العوامل التي تشارك في معرفة البشر للغة ." [10]

- سنورد هنا نص لكل من جوديث و ميلر يوضحان فيه بالمضمون و التلازم و الاسقاط على نحونا بالطبع و خاصة مفهوم التركيب و العلاقات التي تنشأ من أشكال المفردات ذات القوالب الصرفية المحددة مثل هذا حرف جر فيجر ما بعده ، أو أن هذا فعل مضارع لأنه يبدأ بحرف من حروف (أنيت) ..... الخ ، فمثلا جملة مكونة من عدة كلمات تركبت بالطريقة التي يلزمها النحو و الإعراب ، و قد حدد النحو معنى كل مفردة منها (معاني النحو) فقد يقول على أحدها (فاعل) و هي في الحقيقة ليست بفاعل و لكن لأنها اسم مرفوع ، أو مفعول و هي في الحقيقة ليست بمفعول ولكن لأنها اسم منصوب ، حتى أتى على كل مفردات التركيب اللفظي ، فهل معنى ذلك أن الجملة قد فهمت على حقيقتها أو على مراد صاحبها ؟ بالطبع لا ، لأن الفهم الحقيقي للجملة لا يكون إلا بفهم العلائق التي بين مفرداتها ، و لا شيء أقوى و أحق من المعنى المعجمي و السياقي داخل اطار العقل و الشرع و الحس . وهذا ما قد فهمناه ضمنا من كلامهم فننقله :

"ما نحتاجه هو معرفة بالعلاقات النحوية الأخرى مثل علاقات أجزاء الكلام ، الفاعل/الفعل/المفعول ، و أشكال الجمل الصغرى . و يصوغ ميلر (1965) هذا عندما يعدل شعار الجشتالت الشهير : (معنى الجمل ليس فقط مجموع أجزائها) بتعبير أخر من المستحيل فهم جملة دون معرفة العلاقات التركيبية التي تربط بين كل كلمة و أخرى ."[11]
- نظرية تشومسكي عن القواعد التحويلية

"تشومسكي أكد من البداية على أن هدف هذه نظرية اللغة يجب أن يكون هو ايضاح قدرة المتحدث للغة في تقديم عدد لانهائي من الجمل المحتملة في تلك اللغة . ... فهو يهدف الى وصف قدرة أبناء اللغة على ربط كل التتابعات الممكنة للأصوات بتفسيرات معانيها المقبولة . و يرى تشومسكي حتى في أوائل مؤلفاته و هو (التراكيب النحوية) (1957) أنه بالرغم من أنه يجب الوصول الى القواعد النحوية بمنأى عن المعنى ، إلا أنها يجب في نفس الوقت أن تقدم القاعدة التي على أساسها يبنى بدهيات تفكير أبناء اللغة فيما يتعلق بعلاقات الأصوات و المعاني ، و سوف نرى فيما يلى كيف أن هذه الفكرة قد طورت خطوة أوسع و وضع لها الأسس المناسبة في كتاب تشومسكي اللاحق : (جوانب من النظرية النحوية) (1965) .

و لكي نفهم كيف يحاول النحو التحويلي تحقيق هذه الغاية ، هناك عدد قليل من المفاهيم الأساسية يجب طرقها قبل أن نستطرد في الحديث ، خاصة (القواعد التوليدية لاعادة الصياغة) بما في ذلك (قواعد تركيب العبارات) ، (و القواعد التحويلية) ، و علاقة كل هذا (بالبناء العميق) ، و (البناء السطحي) للجمل .

القواعد التوليدية لاعادة الصياغة :

لقد كانت صياغة قواعد اللغة كمجموعة من القواعد التوليدية هي الأمر الذي جذب اهتمام علماء النفس نحو نظرية تشومسكي لاحتمال كونها نموذجا للسلوك اللغوي . لقد كان الشغل الشاغل لعلماء اللغة من قبل موجها أساسا تجاه تحليل التركيب الكلي للجمل في مختلف اللغات على أساس كونه تسلسلات هرمية من الوحدات اللغوية ، مثل (الفونيمات) (لتحليل الأصوات) ، (المورفيمات) (لتحليل الكلمات) ، و النحو (لاعراب الجمل الى فاعل ، مكمل للجملة ، شبه الجملة ، و ما الى ذلك) . كان ابتكار تشومسكي هو إعادة تشكيل هذا التحليل – الذي يتسم بالركود الواضح – للجمل الموجودة الى صورة من قواعد اعادة الصياغة بهدف توليد كل التراكيب المحتملة للوحدات داخل الجملة ." [12]
"هناك تساؤل يجب أن نطرحه مسبقا و هو إذا كان لنظام قواعد اعادة الصياغة أن يولد في الحقيقة كل جمل الإنجليزية ، لقد كان السعي وراء هذا الهدف هو ما قاد تشومسكي للدفاع عن الحاجة الى نوع مختلف جذريا من القواعد اللغوية ." [13]

القواعد التحويلية :
"الصعاب التي قد ترد لدى محاولة توليد أنواع مختلفة من الجمل و ذلك إذا استخدمنا فقط قواعد اعادة الصياغة الواردة في الجزء السابق مباشرة . ... تنبع كل هذه الصعاب من حقيقة أن قواعد اعادة الصياغة تسمح للمرء فقط أن يعيد صياغة رمز واحد فقط في المرة الواحدة بغض النظر تماما عن كيفية اعادة الرموز الأخرى . إن ما هو مطلوب هو نوع من القواعد التي تعيد صياغة الرموز الفردية أخذا في الإعتبار البناء الكلي للجملة . و هذا هو بالضبط ما تقوم به القواعد التحويلية ، لأنها تتعامل مع سياق كامل من الرموز في وقت واحد . " [14]
و يوجد هنا وجه شبه بين معاني الإعراب في العربية و بين ما جعل تشومسكي يعتبر السياق و الجملة ككل ، لأن الإعتماد على المفردات و ما يجاورها الواحدة تلو الأخرى دون مراعاة للسياق الجملي و المعنى الكلي للجملة أو حتى النص المكون من عدة جمل ، هو ما يؤدي إلى اللبس و الغموض المقترب من الخطأ في بعض الأحيان الكثيرة ، و يتضح وجه الشبه أيضا بمعرفة أن تشومسكي وضع نماذج لتجاور الكلمات يمكن توليدها ببعض التغيرات و التبديلات التي تؤدي معنى مقبولا من ناحية الصياغة و المعنى ، فكان هدفه و محل اهتمامه هو التركيب و التباديل و التوافيق الممكنة التي تؤدي الى جملة لها معنى ، و النحاة العرب كان محل اهتمامهم هو تفسير العلامة الإعرابية لكي نبني كلامنا و نركبة في تراكيب المفردة بجانب المفردة بحيث تتمشى مع العلامة الإعرابية التي فسروها و ربطوها بمعاني محددة استنبطوها من التراكيب العربية ، فالقاعدة هي أن نركب المفردات مع بعض التي تدخل في التركيب المباشر ببعضها البعض أي الملاصق ، فيجب أن تكون علامة كل مفردة في التركيب المباشر مماثلة للعلامة المفترضة لهذا التركيب المأخوذة من كلام العرب بالاستنباط ، و لكن هل هذه الوحدة التركيبية متجانسة في معناها مع التي معها في نفس الجملة أو النص أو السياق ، أو هل المفردة الأخيرة من الوحدة التركيبية الأولى متلائمة مع المفردة الأولى من الوحدة التركيبية التالية لها ، فقد تكون المفردة في التركيب في معناها الحقيقي هي مفعول به و يجب أن تكون منصوبة بالفتحة الظاهرة ، و لكن قد يعترض ذلك الوجوب التركيبي بدخول حرف جر فيكون الخفض هو الواجب في هذه الحالة مع أن الاسم وقع موقع مفعول به . و ما يؤدي إلى ذلك هو فكرة الوحدة التركيبية التي لها علاماتها الإعرابية فيكون محور الإهتمام هو التجاور المحض لنوع المفردة و ما تفعله بالتي تليها مباشرة ، و ليس الغرض و محور الإهتمام هو المعنى الكلي للجملة أو المعنى الحقيقي للجملة الذي يجب من خلاله أن تعلم كل مفردة بما تؤديه من معنى ليكتمل التصور الحقيقي من الكلام مهما كان موقعها في التركيب ، هذا لو اعتبرنا و سلمنا أن هذه العلامات و الحركات الإعرابية هي فعلا علامات توضيحية للمعاني الحقيقية و منوطة بها ، أما لو كانت علامات للتجاور المكاني فقط مراعية فيها نوع الكلمة و ما يجوز عليها و ما لا يجوز عليها من علامات فقد نكون تراكيب صحيحة من ناحية نوع الكلمة و ما تقتضيه من علامة و عمل و لكن ليس لها معنى على الإطلاق . و هذا يدل على أن هذا التوخي للعلامات الإعرابية في التركيب ليس له معنى منوط به في حقيقة الأمر في تصحيح الكلام أو تخطأته ، و أن المعيار الأساسي هو ما يقتضية المعنى العقلي و الحسي و التصوري للمفردات التي تدخل في التركيب ، ثم بعد هذه الكفاية البيانية الأساسية و التي تحدد ماهية الكلام و غرضه يأتي دور التغليف و التزيين بالعلامات الإعرابية و يكون تبرير توخي وجودها الوحيد و المنطقي هو أنها كذلك لأنها كذلك نظنها تقع من العرب و نحن ننحو نحوهم و نتبع سمتهم في التخاطب ، على فرض أن العرب فعلا كلهم يقع منهم ذلك و ليس بينهم اختلاف في هذه العلامات .

فيجب عند تركيب المفردات توخي المعنى الحقيقي من الكلام الذي نتصوره في الذهن فإذا سلم لنا توافق ذلك مع العلامات الإعرابية وجودا و عدما كان بها و نعمت ، أما إذا لم تسلم فيجب صرفها لغير ذلك من المعاني أو الأغراض الأخرى البعيدة عن أداء أو ربط المعنى الحقيقي بها .

- " البناء العميق و البناء السطحي :

... ان القواعد التحويلية التي يشتق النحو التحويلي اسمه منها قد لا تعدو بالأحرى كونها وسيلة أو أداة نحوية لتوليد الجمل المركبة أو المعقدة . مع ذلك فلها مبررات عقلية أكثر رسوخا . ان نظرية تشومسكي (1965) تطرح المقولة الأساسية و هي أن كل جملة لها كل من بنائها العميق و بنائها السطحي . و وجهة نظره هي أنه من المستحيل أن نضاهي قدرة أبناء اللغة فيما يتعلق بعلاقات المعنى لو أن الإنسان أخذ في اعتباره فقط البناء السطحي للجمل أي الترتيب الذي تظهر به بالفعل الكلمات في الجمل ." [15]
"لو أن السياق الأساسي اعتبر بناء عميقا ، يمكن عندئذ للقواعد التحويلية أن تتعامل مع هذا السياق لانتاج البناء السطحي النهائي للجمل . و اكثر من هذا ، فإن هذا النظام يناسب بالضبط الحاجة الى وجوب احتواء البناء العميق على العلاقات النحوية الكامنة ، لأن قواعد اعادة صياغة تراكيب العبارات تقوم بهذا بالضبط . " [16]

"الفكرة هي أنه بما أن البناء العميق – الذي هو نتاج قواعد تركيب العبارات – يحتوي على كافة العلاقات النحوية الكامنة اللازمة لفهم الجملة ، و هو بدوره يجب أن يكون هو المدخلات الى عنصر الدلالة أو المعنى . بالمقارنة بهذا ، فإن البناء السطحي – لكونه نتاج القواعد التحويلية – يحتوى فقط على المعلومات الصحيحة عن الترتيب النهائي للكلمات في الجملة الذي نحتاجه للنطق الفعلي للجملة ، و هو بالتبعية يكون المدخلات الى العنصر الصوتي الذي يحتوي على قواعد لاصدار الأصوات الفعلية للكلمات . ربما يبدو هذا نظاما مفرطا في التعقيد يسعى لإيضاح توليد جملة بسيطة مثل (الولد ضرب بواسطة جين) . لكن في الحقيقة أن ما يفعله التناول الجذاب المنظم للبناء العميق و البناء السطحي هو أن يقدم لنا قاعدة للربط بين الأصوات في جملة ما و بين المعنى الكامن لهذه الجملة ." [17]

- " عنصر المعنى أو الدلالة :
يطرح كاتز Katz ، فودر Fodor (1963) – في سعيهما لصياغة نظرية دلالية (نظرية المعنى) – الفكرة القائلة بأن ما نحتاجه هو معرفة معنى كل كلمة على حدة داخل الجملة ، و العلاقات النحوية الأساسية التي تربط الكلمات ببعضها . و كما لمسنا من قبل ، فإن البناء العميق يقدم لنا هذا الجانب الأخير ، لكن كاتز ، فودر يشيران الى أن المرء يحتاج بالإضافة الى هذا الى قاموس أو معجم يحتوي على كافة المعاني الممكنة للكلمات . ان ابداعهم الأساسي هو محاولة التعبير عن معاني الكلمات في صورة سمات أو مؤشرات دلالية ، و هذه تتسم بأنها منظمة على طول القاموس . و الأمثلة على ذلك يمكن أن تكون على النحو التالي : أشياء ملموسة/أشياء مجردة ، بشرى/غير بشرى ، ذكر/أنثى ....

مع ذلك ، تجدر الإشارة إلى أن نظرية كاتز ، فودر تمثل نموذجا للقدرة اللغوية لأنها تحدد كل المعاني الممكنة التي يمكن لجملة التعبير عنها أكثر من كونها اشارة الى معنى معين يمكن فهمه في مناسبة خاصة . لهذا السبب فإن هذا يتناسب تماما مع قواعد تشومسكي لتوليد كل الجمل الممكنة ، و لقد لقى هذا حقا القبول من تشومسكي على أساس كونه صورة النظرية التي يمكن ادخالها في المكان المخصص لعنصر المعنى . ....

يشير بولنجر Bolinger (1965) ... ، ينتهي بولنجر الى القول بانه من الأفضل اعتبار العامل الهام هو معرفتنا بما هو ممكن في العالم الحقيقي لا أن نلم بمجموعة من المؤشرات الدلالية اللغوية المحضة . على سبيل المثال (مشيت في موزة) يمكن أن يكون لها معنى كامل لو أنني عرفت أنه كان هناك قوس على شكل موزة عملاقة . ...
لقد عمد كاتز ، فودر في مقاليهما الأصلي الى محاولة تحديد نظريتهما في اطار المعاني اللغوية على أساس أنه من المستحيل كتابة شرح مرتب لكل شيء نعرفه عن العالم حولنا" [18]



" – علم الدلالة التوليدي :
ان الفرق بين اللغويين مثل ماك كاولي ، ليكوف ، فلمور الذين ربطوا بعلم الدلالة التوليدي من جانب ، و تشومسكي من جانب آخر هو الحد الذي يمكن النظر به الى مدى مساهمة العنصر النحوي و العنصر الدلالي كمكونات آلية أساسية في توليد الجمل . ... فالبناء العميق الذي يولده العنصر النحوي يحتوي على كافة المعلومات التركيبية اللازمة للتفسير الدلالي ، و كما يتبلور في نظرية كاتز ، فودر فان العنصر الدلالي يلعب الدور التفسيري المحض بأن يتعامل مع مخرجات العنصر النحوي .
... ، نرى أن البناء العميق يمثل مخرجات قولعد تراكيب العبارات في صورة يمكن للقواعد التحويلية أن تتعامل معها لكي تقدم لنا البناء السطحي النهائي للجمل . و في نفس الوقت يعمل البناء العميق كحلقة وصل بين الأصوات و المعاني لأنه يحتوي على كل المعلومات النحوية اللازمة للتحليل الدلالي . ان ما حدث هو أن المشتغلين بعلم الدلالة التوليدي قد ركزوا اهتمامهم على توسعة دائرة هذه الوظيفة الثانية للبناء العميق . و يرون في هذا التركيب الكامن يتطلب احتواء كل علاقات المعنى اللازمة لفهم الجمل . " [19]



[1]التفكير و اللغة جوديث جرين ص 94.

[2]التفكير و اللغة جوديث جرين ص 96.


[3]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 114.


[4]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 115.

[5]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 116.

[6]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 116.

[7]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 120.

[8]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 135-136.

[9]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 137.


[10]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 138.

[11]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 152.


[12]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 157-158-159-160.


[13]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 162.

[14]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 162-163.

[15]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 165.

[16]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 167.

[17]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 168-169.

[18]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 169-...-172.


[19]اللغة و الفكر ، جوديث جرين ص 177- 179.