قيادة تهوي إليها الأفئدة:
• عن عبدالله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأمَّلت وجهه واستثبته، علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب! قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال:
((أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)).

إن أضواء الباطن تنضح على الوجه، فتقرأ في أساريره آيات الطهر، وقد ذهب عبدالله يستطلع أخبار هذا الزعيم المهاجر، فنظر إليه يحاول استكشاف حقيقته، فكان أول ما اطمأن إليه بعد التثبت من أحواله أن هذا ليس بكاذب، والملامح العقلية والخلقية لشخصٍ ما لا تُعرف بنظرة خاطفة، ولكن الطابع المادي الذي يضفي على الروح الكبير كثيرًا ما يكون عنوانًا صادقًا على ما وراءه.

• كان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحب له، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، يُعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما غير لونك؟))، فقال: يا رسول الله، ما بي مرض ولا وجع؛ غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم إني إذا ذكرت الآخرة أخاف ألا أراك؛ لأنك ترفع إلى عليين مع النبيين؛ وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخلها لم أرك أبدًا، فنزل قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

وفي الحديث: ((المرء مع من أحب))، والمقصود حب الأسوة لا حب الهوس، فإن الرجل إذا أحب من هو مثله أو أعلى منه، فأساس هذا الحب تفتح قلبه لخلال النبل التي خصوا بها، وعظمة المواهب التي تميزوا بها.

والحق أن التابع المحب شخص فاضل.

ففي الدنيا كثيرٌ من الأخسَّاء الذين إن علوا حقروا من دونهم، وإن دنوا كرهوا من فوقهم! فما تدري متى تخلو نفوسهم من أحاسيس البغضاء والضعة؟

أما عشاق المبادئ المجردة، فما أن يجدوا رجُلها المنشود حتى يحيطوا به، وتلمع عيونهم حبًّا له؛ أيْ: حبًّا للمبادئ التي حييت فيه وانتصرت به.

وما كان ربك ليضيع هذا اليقين ولا أصحابه الأبرار.



منقول