((سطحية المستشرقين في التعامل مع الإرث النبوي))

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فمن الأمور التي يلاحظها المطلع على شيء من أعمال المستشرقين في التعاطي مع التراث الإسلامي هو الإغراق في السطحية لدرجة الغرابة !

والأغرب من ذلك هو تلقي بعض من يوصفون بالمفكرين الإسلاميين (الذين بالأحرى أن يوصفوا بأذناب المستشرقين) لنتائج تلك السطحية دون تمحيص أو إعمال عقل ثم مزجها بشيء من الفجاجة وقلة الحياء ثم بثها بين عباد الله

وبينما كنت أتجول في اليوتيوب بين مقاطع القوم وقفت على مقطع تجلّت فيه معاني التسطيح بحذافيرها , وكان المقطع لأحمق مصري ذنب من أذناب المستشرقين يدعى أحمد صبحي انثنى فيه على علم الحديث وادعى أنه سيهدمه في دقيقتين (هكذا قال !)

وأنا في هذه الوريقات سأناقش ما حوته هذه الدقيقتين من كلام سخيف رغم أن سخافتها تشعرني بالحرج أثناء الحديث عنها

ولكن لولا نفوس ضعيفة وجهل مستشرٍ لضربت صفحا عن مثلها , فــــــــــ :

رب يسر وأعن برحمتك يا كريم

أخي القارئ كان محتوى المقطع ستُّ شبه سأضع ملخص كل شبهة وأناقشها على حدة , تجنبا للإطالة بتفرعاته الممجوجة , ولهجته المقيتة

ش1- كان تركيز المحدثين على الإسناد دون المتن مما جعلهم يروون أحاديث متونها خاطئة .

لو قال أن الرواة كان تركيزهم على الإسناد أكبر من تركيزهم على المتن لكان حقا , وكان (ذلك – منهم - لاعتبار ديني لاحظوه في السنة عند الاكتفاء بصلاح الراوي وتقواه وعدالته ظاهرا وباطنا , وضبطه , وحفظه , وتوقِّيه الكذب على الرسول صلوات الله وسلامه عليه في نصٍّ هو أصل ومرجع في الدين , فمتى توفرت العدالة بشروطها مع الضبط والحفظ والأمانة والتحرج من التزيد والتغيير كان احتمال الكذب والاختلاق بعيدا جدا إن لم يكن ممتنعا) (1) بمعنى التسليم للنص الشرعي ؛ فإن صح الإسناد ولم يكن في المتن مخالفة-حقيقية- لنصوص أخرى* قُبِلَ المتن , فالحمل أولا على الإسناد ثم المتن ثانيا .

ونقد المتن قد بدأ منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم , وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها اشتهرت في ذلك (2) , وسأذكر أمثلة على نقد المتن عندهم وعند من بعدهم (بغض النظر عن صحة النقد من عدمه إذ المقصد إظهار وجوده)

1- قال البخاري في صحيحه : 3978- حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ , فَقَالَتْ وَهَلَ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الْآنَ .

2- قال الترمذي في جامعه : 79- حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ، وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الحَمِيمِ؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ تَضْرِبْ لَهُ مَثَلاً.

ودرج الأئمة على ذلك من بعدهم , ومن الأمثلة على ذلك

3- قال المروذي في الورع : 138 - وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثُ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ" قَالَ هُوَ حَدِيثٌ رَدِيءٌ أُرَاهُ ؛ قَالَ هَؤُلاءِ الْمُعْتَزِلَةُ يَحْتَجُّونَ بِهِ يَعْنِي فِي تَرْكِ حُضُورِ الْجُمُعَةِ .

قلت : هنا الإمام أحمد ينتقد المتن بمخالفته باقي الأحاديث الصحيحة في عدم ترك الصلاة خلف الإمام سواء كان برًّا أو جائرًا , والمعتزلة يحتجون به على باطلهم

4- قال المروذي في العلل : 273 - وَذَكَرْتُ لَهُ –للإمام أحمد- حَدِيثَ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ نِصْفُ شَعْبَانَ , فَلَا صَوْمَ فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنهُ فَلم يحدثني بِهِ وَكَانَ يتوفاه ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا خِلافُ الأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم .

5- قال صالح في مسائله 222 – وَسَأَلته –أي الإمام أحمد- عَن حَدِيث رَوَاهُ نصير بن مُحَمَّد الرَّازِيّ صَاحب ابْن الْمُبَارك عَن عُثْمَان بن زَائِدَة عَن الزبير بن عدي عَن أنس بن مَالك رَفعه قَالَ من أقرّ بالخراج وَهُوَ قَادر على أَن لَا يقربهُ فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا فَقَالَ مَا سمعنَا بِهَذَا هَذَا حَدِيث مُنكر وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره الدُّخُول فِي الْخراج وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ الْخراج على عهد عمر
6- قال الترمذي في جامعه : وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا (البخاري) عَنْ هَذَا الحَدِيثِ –يعني حديث "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ"- فَقَالَ: إِنَّمَا رَوَى هَذَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ، وَهُوَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ, قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَالِّ، فَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ.


7- وقال البخاري في التاريخ الكبير : 1663 - أسماء بْن الحكم الفزاري، سمع عليا، روى عنه على ابن ربيعة، يعد فِي الكوفِيين، قَالَ : كنت إذا حَدَّثَنِي رجل عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حلفته فإذا حلف لِي صدقته، ولم يرو عن أسماء ابن الحكم إلا هذا الواحد وحديث آخر ولم يتابع عليه، وقد روى أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم عَنْ بعض فلم يحلف بعضهم بعضا .(3)

8- وقال الإمام مسلم في كتابه التمييز : ذِكر الأخبار التي نقلت على الغلط في متونها .اهـ ثم ذكر عدة أحاديث
انتقد متونها وضعفها

وهذا الطرف الذي ذكرته يكفي إن شاء الله في تزييف ادعاء هذا المفتري

وليعلم أن أي حديث ينتقد متنه يوجد فيه علة إسنادية أيضا راو تُعصَّب به الجناية يكون الخطأ منه , وهذا من أسباب كون التركيز على الإسناد أقوى من التركيز على المتن

ش2- وصف الراوي بالصلاح والصدق , أو وصفه بالكذب قرآنيا يعتبر خطأ لأن الله نهى عن تزكية الناس ونهى عن نبزهم بالألقاب .

قلت : أولا : وصف الراوي بحاله من توثيق أو تجريح لا يدخل ضمن التزكية أو النبز المنهي عنهما , لأنها ليست لمجرد العيب والسخرية أو مجرد الثناء لذاته , وإنما لمصلحة تقتضي ذلك , فنحن نقول : طبيب حاذق , أو تاجر غشاش نقصد وصف حقيقة حاله بما ينفع الناس عند التعامل معه , والراوي بابه الأحاديث وبالتالي يوصف بأوصاف التعديل حتى يقبل حديثه , ويوصف بأوصاف التجريح حتى يتقى حديثه

ثانيا : لو جاء رجل يسأل عن حال رجل خطب ابنته , فالمسؤول يجب عليه شرعا وعرفا أن يمدح الخاطب أو يذمه بما فيه , وإلا كان غاشا شرعا وعرفا فالمقام مقام ضرورة

فالضرورة التي توجب التزكية أو الذم في الأحوال الاجتماعية من باب أولى أن توجبها في الأحوال الشرعية ! فالمقام مقام تبليغ للدين

ش3- الصدق والكذب من السرائر التي لا يطلع عليها إلا الله فكيف تدعون أنكم تعرفون ذلك في رواة الحديث ؟

هذا الكلام أجزم أن المتكلم به لا يعتقده أصلا , فإننا في حياتنا العادية نميز بين الأشخاص الصادقين والكاذبين , هذا أمر طبيعي جدا ,

والله سبحانه يقول "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" الفاسق لا يلزم أن يكون كاذبا , ولكن الكذب متوقع منه وبالتالي أمر الله سبحانه أن يُتوقّف في أخباره ويتثبت منها

ويستنبط من الآية أن الصادق يقبل خبره والكاذب يرد خبره بلا تثبت – إن لم يكن ثمة قرينة يحتاج معها إلى التثبت- , وكيف لنا ذلك إلا بمعرفة مسبقة بأحوال هؤلاء ؟!

ش4- المحدثون يعطون الراوي حكما واحدا ملازما له في حياته , مع أن الإنسان الصادق قد يكذب , والكاذب قد يصدق , فأحوال الإنسان متغيرة !

هذا الهراء يخرج ممن لم يحصل عنده تصور صحيح لرواية الحديث , وسأبيّن في الأسطر القادمة من دقة الأئمة في الحكم على الرواة وتوثيق خفيِّ أحوالهم شيئا زائدا على ما ادعى عدم وجوده هذا الذّنَب , ولكن ليعلم أولا أن كتب الرواة اعتنت بتسجيل اسم الراوي وبلده ووفاته وعمن روى ومن روى عنه وأكثر من ذلك , ومثال بسيط عليها كتاب تقريب التهذيب لابن حجر فيه تراجم لـ 8491 راو تقريبا , ولكن مقتضبة جدا كتعريف سريع بالراوي , ومن دقيق ما وثقه الأئمة عن الرواة :

1- أن بعض الرواة يكون ثقة صدوقا , ثم لما يكبر يختلط فيخطئ بالأحاديث , وهؤلاء يوصفون بــــــ: المختلطين , مثل:

أ*. عطاء بن السائب

قال أبو حاتم الرازي : كان عطاء بن السائب محله الصدق قديمًا قبل أَن يختلط، صالح مستقيم الحديث، ثم بِأَخَرَة تغير حفظه .

قال الإمام أحمد رحمه الله : من سمع منه قديمًا كان صحيحًا، ومن سمع منه حديثًا لم يكن بِشيءٍ، سمع منه قديمًا شُعبة، وسفيان، وسمع منه حديثًا: جرير، وخالد بن عَبد الله، وإسماعيل، يَعني ابن عُلَيَّة، وعلي بن عاصم .اهـ

قال يحيى بن معين : عطاء بن السائب اختلط، فمن سمع منه قديمًا فهو صحيح، وما سمع منه جرير وذَوُوُه ليس من صحيح حديث عطاء، وقد سمع أَبو عوانة من عطاء في الصحة وفي الإِختلاط جميعًا، ولا يُحتَج بِحَديثه .اهـ (4)

لاحظ كيف ميزوا من روى منه قبل الاختلاط ومن روى منه بعد الاختلاط ومن روى عنه في الحالين , فمن روى قبل الاختلاط قُبِلَ حديثه ومن كان بعد الاختلاط رُدّ حديثه , ومن كان في الحالين اعتبر به

ب*. محمد بن الفضل السدوسي عارم رحمه الله :

قال أبو حاتم الرازي رحمه الله : اختلط عارم في آخر عمره، وزال عقله، فمن سمع عنه قبل الاِختلاط فسماعه صحيح، وكتبت عنه قبل الاِختلاط سنة أربع عشرة، ولم أَسمع منه بعدما اختلط، فمن كتب عنه قبل سنة عشرين ومِائَتين فسماعه جيد، وأَبو زُرعَة لقيه سنة اثنتين وعشرين .اهـ (5)

وقد صنفت عدة كتب في هذا القسم من الرواة كـ المختلطين للعلائي , والاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط لبرهان الدين الحلبي

2- وبعض الرواة كان ثقة إذا حدث عن شيخ معين ويضعف في غيره , كـــــ :

أ*. حماد بن سلمة

قال الحاكم لم يخرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة .(6)

وقال السلمي قال الدارقطني ... وحماد بن سلمة ربما يسهو.
وقال الدارقطني حماد بن سلمة أثبت الناس في حديث ثابت.(7)

وقال محمد بن يحيى النيسابوري: قلت لأبى عبد الله، في بعض حديث حماد: صحيح؟ وذكرت له خطأه. فقال: إن حماد بن سلمة يخطىء، وأومأ بيده، خطأ كثيرًا، ولم ير بالرواية عنه بأسًا. «بحر الدم» مستفاد من موسوعة أقوال الإمام أحمد في الرجال

قال أبو طالب ، عَن أحمد بْن حنبل: حماد بن سلمة أثبت الناس في حميد الطويل، سمع منه قديما.
وَقَال الحسن الميموني، عن أَحْمَد بن حنبل: حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر.(8)

فاتفقوا على كثرة أخطائه واتفقوا على أنه أثبت الناس في ثابت البناني , بمعنى أن أخطاءه كانت في روايته عن غير ثابت .

ب*. شريك بن عبدالله النخعي

قال الإمام أحمد رحمه الله : وشريك في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل وزكريا .
قال عثمان الدارمي : قلت لابن معين : شريك أحب إليك في أبي إسحاق أو إسرائيل ؟ قال : شريك أحب إلي وهو أقدم , قلت : شريك أحب إليك في منصور أو أبو الأحوص ؟ فقال شريك أعلم به.
وقال معاوية بن صالح عن ابن معين : شريك صدوق ثقة إلا أنه إذا خالف فغيره .اهـ (9)

فجعل شريكا مقدم على الثقات في شيخه أبي إسحاق السبيعي , بينما لما تكلم عنه في حكم عام جعله ثقة (إذا إذا لم يخالف غيره فقط)

3- وبعض الرواة يقبلون روايته في فنِّ معين ويردونها في غيره لأن هذا الفن كان من اختصاصه أو كان مهتما به فحفظ أحاديثه , كــــ :

أ*. رشدين بن سعدي

قال العقيلي في الضعفاء : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : رشدين بن سعد كذا وكذا . حدثني محمد بن عبد الرحمن قال : أخبرنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني قال : سمعت أبا عبد الله يقول : رشدين ليس يبالي عمن روى ، لكنه رجل صالح يوثقه هيثم بن خارجة ، وكان في المجلس فتبسم من ذلك أبو عبد الله ، ثم قال أبو عبد الله : رشدين بن سعد ليس به بأس في أحاديث الرقائق .اهـ(10)

أي أن أحاديثه في الزهد والرقائق تُمشّى دون غيرها

ب*. زياد بن عبدالله البكائي

قال العقيلي في الضعفاء : حدثني أحمد بن محمود قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : سألت يحيى عن زياد البكائي ، فقال : لا بأس به في المغازي ، فأما في غيره فلا .(11)

ج. سعيد بن بشير مولى بني نصر

قال العقيلي في الضعفاء : حدثنا أحمد بن علي الأبار قال : حدثنا علي بن ميمون الرقي قال : حدثنا أبو خليد قال : سألني سعيد بن عبد العزيز : ما الغالب على علم سعيد بن بشير ؟ قال : قلت : له التفسير ، قال : خذ عنه التفسير ودع ما سوى ذلك ، فإنه كان حاطب ليل .(12)

4- وبعض الرواة الثقات كان يخطئ في حديث شيخ معين فيقبلون من حديثه ما روى عن غير هذا الشيخ , كــــــــــ :

أ*. محمد بن أبي ذئب

قَال يعقوب بْن شَيْبَة السدوسي: ابْن أَبي ذئب ثقة صدوق ، غير أن روايته عن الزُّهْرِيّ خاصة تكلم الناس فيها، فطعن بعضهم فيها بالاضطراب، وذكر بعضهم أن سماعه منه عرض، ولم يطعن بغير ذلك، والعرض عند جمع من أدركنا صحيح.(13)

وَقَال أَبُو بكر المروذي : وسألته، يعني أَحْمَد بْن حنبل، عَن ابن أَبي ذئب كيف هو؟ قال: ثقة. قلت: في الزُّهْرِيّ؟ قال: كذا وكذا، حدث بأحاديث كأنه أراد: خولف .(14)

ب*. محمد بن عجلان المدني

قال الترمذي في العلل الصغير : وإنما تكلم يحيى بن سعيد القطان عندنا في رواية محمد بن عجلان عن سعيد المقبري:
حدثنا أبوبكر , عن علي بن عبد الله , قال : قال يحيى بن سعيد: قال محمد بن عجلان : أحاديث سعيد المقبري بعضها عن سعيد عن أبي هريرة ، وبعضها عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة ، فاختلطت عليّ فصيَّرتُها عن سعيد عن أبي هريرة .
وإنما تكلم يحيى بن سعيد عندنا في ابن عجلان لهذا . وقد روى يحيى عن ابن عجلان الكثير .اهـ (15)

5- وكانوا يميزون المدلسين من المحدثين الذين يروون عمن لم يلقوا أحاديث بصيغة تحتمل اللقي , وجعوا المدلسين طبقات وميزوا طرائق تدليسهم , فمثلا بقية بن الوليد كان كثير التدليس ,

قَال أَبُو بكر بْن أَبي خيثمة: سئل يَحْيَى بْن مَعِين عَنْ بقية، فقَالَ: إذا حدث عَنِ الثقات مثل صفوان بْن عَمْرو وغيره، وأما إذا حدث عَنْ أولئك المجهولين فلا، (وإذا كنى الرجل، ولم يسم اسم الرجل، فليس يساوي شيئا).اهـ (16) وهذه التكنية من طرائق التدليس إذ أنها تخفي حقيقة الراوي المكنى وبالتالي حاله

ومن دقتهم ميزوا عن بعض الرواة المدلسين أحوالا لا يدلسون فيها

قال ابن رجب الحنبلي : ذكر من عُرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل , منهم هُشيم بن بشير
ذكر أحمد أنه لا يكاد يدلس عن حصين .
سفيان الثوري
وقال البخاري فيما حكاه عنه الترمذي في علله .
لا أعرف لسفيان يعني الثوري : عن حبيب بن أبي ثابت ، ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور وذكر شيوخاً كثيرة لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليساً ، ما أقل تدليسه ! .اهـ (17)

ومثل ابن جريج , قال عنه الدارقطني : تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى , وموسى بن عبيدة وغيرهما .اهـ (18)

ولكنه هو اعترف بنفسه أنه إذا روى عن عطاء شيئا فإنه على السماع

قال أبو بكر بن أبي خيثمة حدثنا إبراهيم بن عرعرة , عن يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , قال : إذا قلت قال عطاء فأنا سمعته منه وإن لم أقل سمعت .اهـ (19)

وربما ميزوا من يدلس بعبارة دون أخرى

قال ابن رجب رحمه الله : ذكر من كان يدلس بعبارة دون عبارة
قال العجلي : (( إذا قال سفيان بن عينة : عن عمرو سمع جابراً فصحيح ، وإذا قال سفيان : سمع عمرو جابراً فليس بصحيح بشيء .
يشير إلى أنه إذا قال عن عمرو فقد سمعه منه ، وإذا قال : سمع عمرو جابراً فلم يسمعه ابن عيينة من عمرو .اهـ (20)

وأريد أن أقول أن البحث في أحوال الرواة بهذه الدقة المتناهية شيء زائد على مجرد تتبع حال الراوي من كذب وصدق خلال أطوار حياته !

والمفاجأة هنا التي لن يدركها الباحث السطحي ولا مريض القلب هي أن :

حكم الأئمة على راوٍ معين بأنه ثقة أو صدوق أو ضعيف أو .. إلخ إنما يكون بعد سبر أحاديثه بمعنى قراءتها أو سماعها ومقارنتها بأحاديث غيره من أقرانه وفق منظومة تراكمية دقيقة جدا , ومن ثم إصدار الحكم أو الأحكام عليه , فالسبر أولا والحكم ثانيا , = السبر مقدمة والحكم نتيجة ( وليس العكس !)

ش5- الأحكام عند المحدثين قائمة على أساس الهوى , فالسنة يعدلون رواتهم , والشيعة يعدلون رواتهم , وكلا الفريقين يضعف رواة الفريق الآخر .

قلت : هذا كذب وأهل السنة ضعفوا رواة كثيرون كانوا على درجة من التقوى والصلاح بل وربما في الإمامة في السنة

قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه : 846 - فقد : أنا الحسين بن أبي بكر ، أنا محمد بن الحسن بن مقسم المقرئ ، نا الفريابي ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : سمعت إسماعيل بن أبي أويس ، يقول : سمعت خالي : مالك بن أنس ، يقول : « إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، لقد أدركت سبعين ممن يقول : قال فلان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الأساطين ، وأشار إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فما أخذت عنهم شيئا ، وإن أحدهم لو أؤتمن على مال لكان به أمينا لأنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن ، ويقدم علينا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب فيزدحم على بابه »

ونعيم بن حماد كان إماما في السنة إلا أنه يضعف في حديثه , وعبدالله بن عمر بن حفص العمري كان رجلا صالحا زاهدا ولكنه يضعف في الحديث ,

وضعف علي بن المديني والده , فلما سئل عَنه َقَالَ اسألوا غَيْرِي , فَقَالَ : سألناك ! فَأَطْرَقَ ثمَّ رفع رَأسه وَقَالَ : هَذَا هُوَ الدَّين أبي ضَعِيف . وَقَالَ قُتَيْبَة بن سعيد : دخلت بَغْدَاد فَجعلت أملي عَلَيْهِم , فَقلت فِي الْمجْلس : حَدثنِي عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ , فَقَامَ غُلَام فِي الْمجْلس فَقَالَ : يَا أَبَا رَجَاء ابْنه وَاجِد عَلَيْهِ فَإِذا رَضِي عَنهُ كتبنَا حَدِيثه .اهـ (21)

وجرير بن عبدالحميد لما سئل عن أخيه أنس , قال: لا يكتب عنه، فإِنه يكذب في كلام الناس .اهـ (22)
والرواة السنة ربما شهدوا على صدق رجل ولكن تركوا حديثه للمذهب (مع استغنائهم عن حديثه) كحمزة بن نجيح , وأسد بن وداعة وخالد بن رباح الهذلي , وأبو يوسف

فالأمر لا علاقة له بالهوى البتة !

ش6- لا يوجد راو واحد متفق على تجريحه أو تعديله حتى مالك والبخاري والشيباني , وهذا دليل على الاختلاف بينهم !.

قلت : يا للثمالة !!

في الشبهة السابقة يقول : والسنة يعدلون رواتهم – يعني بهوى على الإطلاق- ثم هنا يعترف أنهم يختلفون في رواتهم تعديلا وتجريحا !!

ومثّل بمالك والبخاري الذين اتفق المحدثون على جعلهم من أعلى طبقات الثقات

وإن كان يعني بالشيباني هو الإمام أحمد فهذا لا يسأل عنه حتى , هو إمام أهل الحديث على الإطلاق ,

بل إن هؤلاء الثلاثة أصل يقاس عليه ويرجع إليهم في علم الرجال والعلل والفقه بالنسبة لمالك وأحمد , والرجال الذين ذكرتهم في جواب الشبهة السابقة أيضا هم متفق على توثيقهم

وحتى لو كانت الدعوى التي يدعيها حقيقة فلا أعلم كيف فهم منها هو أو أسياده المستشرقون سقوط هذا العلم أو اعتباطه أو أنه مفتعل , فهناك رواة وهناك أحاديث صحيحة وهناك أحاديث مجمع على صحتها هذا يجب أن يكون محل البحث ؛ أما الاختلاف سواء في توثيق الرواة أو تصحيح الأحاديث فهذا شيء لا دخل له في القضية !!

وأخيرًا ..

أود أن أقول أن عامة ما يهاجم به المستشرقون الإرث النبوي لا يختلف كثيرا عن السخافات الست التي مرت معنا آنفا وإنما الأمر كما قال تعالى "يحسبون أنهم على شيء" و"فرحوا بما عندهم من العلم"

ولا تروج هذه الشبه إلا على جاهلٍ فشفاء عيِّه السؤال , أو مريض القلب منكوس الفطرة يقيّض الله له من يأخذ بحلقه ويرد عليه شره

يقول المؤرخ النصراني أسد رستم في وصف هذا العلم العظيم : وبعض القواعد التي وضعها الأئمة – أئمة الحديث - منذ قرون عديدة للتوصل إلى الحقيقة في الحديث , تتفق في جوهرها وبعض الأنظمة التي أقرها علماء أوروبا فيما بعد في بناء علم المثودولوجية, ولو أن مؤرخي أوروبا في العصور الحديثة اطلعوا على مصنفات الأئمة المحدثين لما تأخروا في تأسيس علم المثودولوجية حتى أواخر القرن الماضي .اهـ (23)

"فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث على الأرض كذلك يضرب الله الحق والباطل"

هذا وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد

(1) دفاع عن السنة لأبي شهبة 48
* ينظر كتاب المنار المنيف لابن القيم رحمه الله ذكر عدة اوجه لمعرفة كون الحديث موضوعا من متنه .
(2) جمع رسالة في انتقاداتها رضي الله عنها للمتون الزركشي وسماها (الإجابة عما استدركته عائشة على الصحابة)
(3) منقول من البحث القيّم (الأحاديث التي أعل الإمام البخاري متونها بالتناقض)
(4) الجرح والتعديل 1848
(5) الجرح والتعديل 267
(6) تهذيب التهذيب 3/13
(7) موسوعة أقوال الإمام الدارقطني في الرجال
(8) تهذيب الكمال 7/259
(9) تهذيب التهذيب 4/294
(10) الضعفاء 2/356
(11) الضعفاء للعقيلي2/387
(12) الضعفاء للعقيلي 2/
(13) تهذيب الكمال 25/635
(14) تهذيب الكمال 25/637
(15) العلل الصغير – ملحق في جامعه –
(16) تهذيب الكمال 4/197
(17) شرح علل الترمذي 2/751
(18) شرح علل الترمذي 2/752
(19) تهذيب التهذيب 6/360 (مستفاد من محقق شرح علل الترمذي)
(20) شرح علل الترمذي 2/752
(21) المجروحين لابن حبان 2/15
(22) الجرح والتعديل 2/289
(23) ـ مصطلح التاريخ 12

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ

أتممته ولله الحمد يوم الأحد
27 ذو القعدة 1438هــ
20/8/2017م
بعد صلاة العشاء