تعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم للكثير من الأذى والمحن في مواقف متعددة من حياته، ، فقريش أغلقت الطريق في وجه الدعوة، وتعرضت له ولأصحابه بالسخرية والإيذاء، وحاصروه وأصحابه ثلاث سنوات في شِعبِ أبي طالب، الذي لاقوا فيه الجوع ، والنَصَب والتعب الشديد ومع ذلك كله فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماض في دعوته، صابر لأمر ربه، إشفاقا على قومه أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم الماضية من العذاب، وليكون قدوة للمسلم في كل زمان ومكان في الصبر على البلاء .

وهذه العداوة والايذاء يعبر عنها ورقة بن نوفل في أول يوم من أيام النبوة حين قال: ( يا ليتني فيها جذعا ( ليتني أكون حيا ) إذ يخرجك قومك، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو مخرجي هم؟!، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي ) رواه البخاري .



لما أخبره ورقه، بأن القوم سيخرجونه، فاستغرب وقال: أو مخرجي هم؟! كيف يخرجوني؟ فقال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما أتيت به إلا عودى. يعني الأنبياء الذين أتوا بما أتيت به نالهم أذى، وكذبوا وأوذوا واستبطئوا نصر الله، فكأنه أخبره بذلك حتى يطمئنه، وحتى يتحمل ويصبر على ما يناله من الأذى الذي يؤذيه به قومه، فعند ذلك قال: نعم، لم يأت أحد بما أتيت به إلا عودى، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرا. إذا أدركت دعوتك وتكذيب قومك لك فإني سوف أنصرك وأقوم بنصرتك نصرًا مؤزرا.
،يقول الشيخ حمد بن عتيق في رسالة له في الدرر السنية: "فليتأمل العاقل وليبحث الناصح لنفسه عن السبب الحامل لقريش على إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة وهي أشرف البقاع، فإن المعلوم أنهم ما أخرجوهم إلا بعدما صرحوا لهم بعيب دينهم وضلال آبائهم، فأرادوا منه صلى الله عليه وسلم الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابه بالإخراج، وشكا إليه أصحابه شدة أذى المشركين لهم، فأمرهم بالصبر والتأسي بمن كان قبلهم ممن أوذي، ولم يقل لهم اتركوا عيب دين المشركين وتسفيه أحلامهم، فاختار الخروج بأصحابه ومفارقة الأوطان مع أنها أشرف بقعة على وجه الأرض ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) أهـ. من جزء الجهاد ص199.-----يقول الشيخ بن باز رحمه الله----فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه أن يبلغوا عن الله دينه بعلم وبصيرة، وأن يصبروا ولا ييأسوا وأن يتذكروا وعد الله رسله وأتباعهم بالنصر والتمكين في الأرض إذا نصروا دينه وثبتوا عليه واستقاموا على طاعة الله ورسوله، كما تقدم ذكر ذلك في الآيات المحكمات، وكما جرى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أوذي وعودي من القريب والبعيد فصبر كما صبر الرسل قبله، واستمر في الدعوة إلى ربه، وجاهد في الله حق الجهاد، وصبر أصحابه وناصروه وجاهدوا معه حتى أظهر الله دينه وأعز جنده وخذل أعداءه ودخل الناس في دين الله أفواجا، سنة الله في عباده، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا------يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن- فى وصف حال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب وما تعرض له من الاخراج من العيينه والعداوة التى لاقاها-ونذكر شيئا من مبدإ دعوة شيخنا، رحمه الله، فنقول: شرح الله صدره للإسلام، وتبين له ما كان أكثر الناس عليه من الجهل بالتوحيد، وما وقعوا فيه من الشرك والتنديد.
دعا من كان حوله إلى تدبر كتاب الله تعالى، ومعرفة التوحيد الذي خلقوا له، وبعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وضمنه أشرف كتبه، وهو القرآن الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم. وما وقع منهم من الاعتقاد في الطواغيت، وأرباب القبور والأشجار، والأحجار، هو الشرك الذي بعث الله رسله بإنكاره.
فصاحوا به منكرين لما دعاهم إليه، واستنجدوا بالملوك من كل جانب،
حتى أخرجوه من بلده العيينة، فهاجر إلى الدرعية. فتلقاه شيخ البلد محمد بن سعود رحمه الله، هو وأولاده، وقرابته، وأعيان أهل بلده، فقابلوا دعوته بالقبول، وجدوا في نصرته على ضعفهم وقلتهم، وكثرة عدوهم.
واستصرخ أعداؤهم الملوك عليهم، فما زالوا يرمونهم بقوس العداوة، وحزبوا عليهم مرارا كثيرة من كل جهة، فأظهرهم الله على من عاداهم، على ضعفهم وقلتهم، وأوقع بأسه بكل من عاداهم ، وأهلكهم الله، وأباد خضراهم؛ وفي ذلك آيات لمن كان واعيا. ------------
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بعدما ذكر بعض مواقف الصبروالثبات لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : "فهذه حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقوا من المشركين من شدة الأذى، فأين هذا من حال هؤلاء المفتونين الذين سارعوا إلى الباطل وأوضعوا فيه وأقبلوا وأدبروا وتوددوا وداهنوا وركنوا وعظموا ومدحوا؟ فكانوا أشبه بما قال الله تعالى: ( ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لأتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً ) [الأحزاب: 14]، نسأل الله تعالى الثبات على الإسلام، ونعوذ به من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ومن المعلوم أن الذين أسلموا وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به لولا أنهم تبرؤوا من الشرك وأهله وبادروا المشركين بسب دينهم وعيب آلهتهم لما تصدوا لهم بأنواع الأذى..." أه. من الدرر - جزء الجهاد ص(124).---------------------------------------------والحق منصور وممتحن فلا *** تعجب فهذي سنة الرحمن


وبذاك يظهر حزبه من حربه *** ولأجل ذاك الناس طائفتان


ولأجل ذاك الحرب بين الرسل والـــ *** كفار مذ قام الورى سجلان


لكنما العقبى لأهل الحق إن *** فاتت هنا كانت لدى الديان


وإذا تكاثرت الخصوم وصيحوا *** فاثبت فصيحتهم كمثل دخان


يرقى إلى الأوج الرفيع وبعده *** يهوي إلى قعر الحضيض الداني


فاصدع بأمر الله لا تخشى الورى *** في الله واخشاه تفز بأمان