ما حكم الإبراد بالظهر في شدة الحرِّ؟
اختلف العلماء في حكم الإبراد بالظهر على أقوال:
فمنهم من قال بالوجوب، للأمر به في الحديث، قاله القاضي عياض.
ومنهم من قال الأمر في الحديث أمر إرشاد.
ومنهم من قال الأمر في الحديث للاستحباب، حكاه ابن المنذر عن عمر وابن مسعود وجابر، وحكاه ابن بطال عنهم وعن أبي بكر وعلي، وحكاه ابن عبد البر عن الليث بن سعد، والمشهور عنه موافقة الجمهور.(
[1])
وهو الراجح،
قال النووي: (والصحيح استحباب الإبراد، وبه قال جمهور العلماء، وهو المنصوص للشافعي رحمه الله تعالى، وبه قال جمهور الصحابة؛ لكثرة الأحاديث الصحيحة فيه المشتملة على فعله، والأمر به في مواطن كثيرة ومن جهة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم).([2])
ومنهم من منع الإبراد مطلقًا، وصلاته في أول الوقت متمسكين بالأحاديث الدالة على الأمر بالصلاة في أول وقتها، وبحديث خَبَّابُ:
(شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا).([3])
وردَّوا على الأحاديث الدالة على الإبراد بأن معناها: صلوها في أول الوقت أخذًا من برد النهار وهو أوله.
ويبطل تفسيرهم للإبراد بإنه أول الوقت قوله في الحديث: (فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ)،
قال الخطابي: ومن تأول الحديث على برد النهار فقد خرج من جملة قول الأئمة.
أما تمسُّكهم بالأمر بالصلاة في أول وقتها ردَّه الخطابي أيضًا قال: والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة فنقدم عليها هذا الحديث لخصوصه.
وردَّ القول عن حديث خباب من أوجه:
الأول: أنَّه إنمالم يجبهم لما سألوا وترك شكواهم؛ لأنهم أرادوا أن يؤخروا الصلاة بعد الوقت الذي حدَّه لهم وأمرهم بالإبراد إليه ويزيدوا على الوقت المرخص لهم فيه ومن المعلوم أن حرَّ الرمضاء الذي يسجد لا يزول إلا بعد خروج الوقت كله.
الثاني: أن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدالة على التقديم منسوخة بأحاديث الإبراد؛ لأنها رويت من حديث أبي هريرة، والمغيرة بن شعبة ونحوهما ممن تأخر إسلامهم.
الثالث: أن الإبراد رخصة وتقديمه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة كان أخذًا بالأشق والأولى.
الرابع: أن معنى قوله : فلم يشكنا لم يحوجنا إلى شكوى بل رخص لنا في الإبراد.
الخامس: أن الإبراد أفضل وحديث خباب فيه بيان جواز التعجيل.(
[4])

واختلف العلماء هل الإبراد بالظهر عام يشمل الجماعة والأفراد والنساء أم لا؟
فذهب أحمد وإسحاق والكوفيون وابن المنذر والترمذي وغيرهم إلى أنَّه عام يشمل الكل، وهو الراجح،
قال ابن عثيمين: (وهذا يحصل لمن يصلي الجماعة ولمن يصلي وحده ويدخل في ذلك النساء، فإنه يُسن لهنَّ الإبراد في صلاة الظهر في شدة الحرِّ).([5])
بينما قيَّده الشافعي وغيره بالجماعة وبالبلاد الحارة، والراجح ما ذكرناه، لعموم قوله في الحديث (أبردوا)، ولأن العلة من الإبراد هي أن شدة الحرِّ من فيح جهنم، فهي شاملة للجميع.




([1]) المغني لابن قدامة (2/35)، وطرح التثريب (2/152) .

([2]) شرح مسلم للنووي (5/163 – 164) .

([3]) مسلم (619) .

([4]) انظر طرح التثريب (2/153 – 155) باختصار .


([5]) الشرح الممتع (2/99)، وانظر المسألة في فتح الباري لابن حجر (2/16) .

نقلًا من كتابي: (الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم) -جزء الصلاة- يسر الله إتمامه