بسم الله الرحمن الرحين :
والصلاة والسلام على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين :
أما بعد : فهذه نبذة موجزة عن بعض أعلام المغرب المعاصرين الذين ترعرعوا في أحضان الصوفية واهلها، ورشفوا من نبعها ، ورفلوا فوق بساطها ، و لما بزغ نجم الحق -لهؤلاء الأئمة الأعلام- وسط غياهب الضلال التي كانت تلفهم من كل جانب لم تحُلْ غشاوة التعصب للآباء والأجداد دون رجوعهم إلى الحق ،ولم تقف نار الحمية للأشياخ حاجزا أمام توبتهم عن ما كانوا فيه ، بل ترسموا نهج السلف رضي الله عنهم وساروا على دربهم ، منفضين عن بدع القوم وضلالاتهم ، ولم يكتفوا بهذا فقط ،بل ما قرت أعينهم إلا وهم ينتشلون الشباب وغيرهم من أفراد الأمة من هذه المستنقعات العفنة والبراثن النتنة ، فبينوا ضلال القوم وفضحوا عوارهم وهتكوا أستارهم حتى لا يغتر الناس بهم ، ولنا في توبتهم ورجوعهم إلى الحق قدوة ، وفي دفاعهم عن جناب التوحيد أسوة.
وأحببت أن أبدأ بعالم من أسرة آل الصديق الغمارية ، لأنني أتعجب كل العجب كيف يمكن لمن نشأ في مثل هذه الأسرة أن يتجرد من ضلالتها التي لم تنحصر في التصوف وما ينطوي تحته من شركيات وخرافات، بل أضافت إلى ذلك الرفض و الغلو في التشيع وسب الصحابة رضي الله عنهم والطعن في أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، كما أنها أصبحت طريقة صوفية لها مشايخها ومريدوها ، وتسمى بالطريقة الصديقية ولها زاوية معروفة في طنجة ، أنشأها محمد بن الصديق أب الأسرة و مؤسس الطريقة ، وترأسها بعد وفاته ابنه الأكبر احمد بن الصديق الغماري ،ولعبت الزاوية الصديقية دورا كبيرا في نشر التشيع والتصوف بالمغرب ، والطريقة الصديقية فرع على الطريقة الدرقاوية والطريقة الدرقاوية فرع على الطريقة الشاذلية - ظلمات بعضها فوق بعض- ، وهذا العالم هو الفقيه العلامة محمد الزمزمي بن الصديق الغماري – رحمه الله –ولد سنة 1330هـ ، وكرع من كف أخيه الأكبر أحمد بن الصديق أصول التصوف والحديث والفقه وغيرها من العلوم ، ورحل إلى مصر حيث أخذ عن علمائها ، ثم عاد إلى المغرب حيث أخذ يدرٍّس بالزاوية الصديقية ، وكان يدرس علم الحديث والفقه وغيرهما من العلوم ، ولما بلغ الأربعين أو بعدها بقليل منَّ الله عليه بالهداية والسير على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ، فتلفع من هدي أهل السنة والجماعة بديباج مُعْلََمٍ وطرح عنه خِرقة أهل التصوف المهترئة ، وطلق الزاوية والتصوف وتبرأ منهما كما يقول شيخنا بوخبزة ، واتخذ لنفسه مسجدا بنفس المدينة فكان يفضح أهل التصوف ويرد على والده و إخوته ويكشف عن مثالبهم ومعايبهم ،وأعلنها حربا ضروسا على الزاوية الصديقية أوضحت للناس حقيقتها وجلت لهم خباياها، فألف في ذلك كتابا سماه (الزاوية وما فيها من البدع والأعمال المنكرة ) ، وقال في مقدمته متبرئا مما كان عليه :"ألا فليشهد عليَّ المؤمنون والعلماء الصالحون أني أتبرأ من المتصوفة الجاهلين و أتقرب إلى الله ببغضهم ، و أدعوا إلى محاربتهم ...." ، وبينه وبين أخويه عبدالله بن الصديق و أحمدبن الصديق ردود كان يوضح فيها مدى ضلالهما وزيغهما عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وله عدة مؤلفات منها المطبوع والمخطوط في الرد على الصوفية واهلها، و كان سيفا مسلولا على اهل البدع شديدا في الرد عليهم لا يحابي في ذلك أحدا مهما كانت قرابته -رحمه الله تعالى -، ولقد توفي رحمه الله تعالى سنة 1408هـ.
وأود أن أشير إلى أن العلامة محمد الزمزمي الغماري رحمه الله تعالى كان مضطربا في باب الأسماء والصفات ، ولعل مناظرته مع الشيخ العلامة المحدث الألباني رحمه الله تعالى خير دليل على ذلك .
ولقد خلَّف بعده ذرية شغُفت بطلب العلم و احتذت حذوه ،منهم الشيخ الفقيه صهيب الزمزمي ولقد توفي رحمه الله تعالى و وقفت على بعض رسائله ومؤلفاته ، و الشيخ عبد الباري الزمزمي وهو إمام بإحدى المساجد بمدينة الدارالبيضاء ويترأس حزب الفضيلة ، والشيخ أُبَي الزمزمي وهو خطيب و إمام مسجد والده بمدينة طنجة.
يتبع ،إن شاء الله...