تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 24 من 24

الموضوع: سلسلة : التعريفات المحكمات بدين رب الأرض والسماوات (متجدد).

  1. افتراضي



    الدرس العشرون

    ( 8 )


    الطاعة : هي امتثال العبد للشرع فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور .

    الشرح :

    معاني المفردات :

    [الطاعة] : " (طوع) الطاء والواو والعين أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على الإصحابِ والانقيادِ.
    يقال طاعَه يَطُوعه، إذا انقاد معه ومضى لأمره. وأطاعه بمعنى طاعَ له. ويقال لمن وافَقَ غيرَه: قد طاوعه
    "
    (معجم مقاييس اللغة :3/337) .

    المعنى العام :

    إن طاعة الله – تعالى – ورسوله – صلى الله عليه وسلم – هي أصل الإسلام ؛
    لأن طاعة الله هي عبادته – سبحانه – بأمره ونهيه الذي شرعه على لسان نبيه – صلى الله عليه وسلم -،
    وهي الغاية التي خلق لها العباد ، كما قال – تعالى - : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذريات:56] .


    فلفظ الطاعة دل على ركنين :

    الركن الأول / عبادة الله بفعل ما أمر به ، وترك ما نهى عنه – محبة وإخلاصاً وصدقاً ، ورغبة ورهبة -؛
    لأنّ الطاعة تقتضي مراقبة المطاع فهي ضدّ النسيان ، وتحقيق هذا الركن يتم بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله.


    الركن الثاني / التقيد بالرسالة المحمدية بأن لا يفعل العبد من الأوامر ولا يترك من النواهي إلا ما جاء عن طريق الحبيب – محمد – صلى الله عليه وسلم -؛
    لأن حقيقة الطاعة هي موافقة الآمر في مراده الشرعي طوعاً واختياراً .

    ومراد الله الشرعي لا يعرف إلا عن طريق رسوله – صلى الله عليه وسلم -،
    فتحقيق هذا الركن يتم بتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله .


    قال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
    "و(عِبَادَته) تَعَالَى هِيَ طَاعَة أمره ، وَأمره لنا مَا بلغه الرَّسُول عَنهُ ؛ فالكمال فِي كَمَال طَاعَة الله وَرَسُوله بَاطِناً وظاهراً "
    (جامع الرسائل : 2/182) .

    وقال – أيضاً - : " فإن رأس الإسلام شهادة : " أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله".

    فلا بد من إخلاص الدين لله ، حتى لا يكون في القلب تأله لغير الله،
    فمتى كان في القلب تأله لغير الله فذاك شرك يقدح في تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله
    .

    ولا بد من الشهادة بأن محمداً رسول الله ، وذلك يتضمن تصديقه في كل ما أخبر ، وطاعته فيما أمر به،
    ومن ذلك الإيمان بأنه خاتم النبيين ، وأنه لا نبي بعده فمتى جعل لغيره نصيباً من خصائص الرسالة والنبوة
    كان في ذلك نصيب من الإيمان بنبي بعده ورسول بعده ، كالمؤمنين بنبوة (مسيلمة)، (والعنسي
    وغيرهما من المتنبئين الكذابين ، كما قال - صلى الله عليه و سلم -
    :
    "إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالين كذابين كلهم يزعم أنه رسول الله "(1)

    فمن أوجب طاعة أحد غير رسول الله - صلى الله عليه و سلم - في كل ما يأمر به ، وأوجب تصديقه في كل ما يخبر به،
    وأثبت عصمته ، أو حفظه في كل ما يأمر به ، ويخبر من الدين فقد جعل فيه من المكافأة لرسول الله ،
    والمضاهأة له في خصائص الرسالة بحسب ذلك سواء جعل ذلك المضاهي لرسول الله - صلى الله عليه و سلم -
    بعض الصحابة أو بعض القرابة أو بعض الأئمة والمشايخ أو الأمراء من الملوك وغيرهم
    "

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــ

    (1) رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة – رضي الله عنه - قال: سمعت رسول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
    «إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم». رواه مسلم .

    ورواه أحمد من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:
    " إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالاً كذاباً " (صحيح الجامع، برقم : 3811) .

    ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    " إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ كذَّابِينَ مِنْهُمْ صاحِبُ الْيَمَامَةِ وَمِنْهُمْ صاحِبُ صَنْعَاءَ العَنْسِيُّ ,
    وَمِنْهُمْ صَاحِبُ حِمْير وَمِنْهُمُ الدَّجال وَهُوَ أعْظَمُهُمْ فِتْنةً
    " .
    قَالَ [يعني: جابراً] : وَقَالَ أَصْحَابِي: قَالَ : " هُمْ قريبٌ مِنْ ثلاثينَ كَذَّاباً "
    (حسنه الألباني في التعليقات الحسان ، برقم : 6616).


    ***


  2. افتراضي



    الدرس الحادي والعشرون

    بعض المسائل المهمة في توضيح معنى الطاعة :

    المسألة الأولى / الطاعة نوعان :

    قال الله – تعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[ النساء: 59] .

    قال الشنقيطي – رحمه الله -
    :
    " والتحقيق في معنى الآية الكريمة أن المراد بأولي الأمر: ما يشمل الأمراء والعلماء؛
    لأن العلماء مبلغون عن الله وعن رسوله، والأمراء منفذون، ولا تجوز طاعة أحد منهم إلا فيما أذن الله فيه,
    لأن ما أمر به أولو الأمر لا يخلو من أحد أمرين
    :
    أحدهما: أن يكون طاعة لله ولرسوله من غير نزاع، وطاعة أولي الأمر في مثل هذا من طاعة الله ورسوله.
    والثاني: أن يحصل فيه نزاع هل هو من طاعة الله ورسوله أو لا ؟
    وفي هذه الحالة لا تجوز الطاعة العمياء لأولي الأمر ولا التقليد الأعمى كما صرح الله - تعالى - بذلك في نفس الآية .
    لأنه تعالى لما قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]، أتبع ذلك بقوله:
    {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].
    فالآية صريحة في رد كل نزاع إلى الله ورسوله .
    والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم -،
    هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -
    ".
    (أضواء البيان / تفسير سورة محمد) .

    وقال شيخ الإسلام – رحمه الله - :
    " فغاية المطاع بِإِذن الله أَن يكون من أولى الْأَمر الَّذين أَمر الله بطاعتهم من الْعلمَاء والأمراء
    وَمن يدْخل فِي ذَلِك من الْمَشَايِخ والملوك وكل متبوع فَإِن الله - تَعَالَى - أَمر بطاعتهم مَعَ طَاعَة رَسُوله كَمَا قَالَ:
    { أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم } ، فَلم يقل : ( وَأَطيعُوا أولي الْأَمر ) ؛
    ليبين أَن طاعتهم فِيمَا كَانَ طَاعَة للرسول - أَيْضا - إِذْ اندراج الرَّسُول فِي طَاعَة الله أَمر مَعْلُوم
    فَلم يكن تَكْرِير لفظ الطَّاعَة فِيهِ مُؤذنًا بِالْفرقِ بِخِلَاف مَا لَو قيل أطِيعُوا الرَّسُول وَأَطيعُوا أولى الْأَمر مِنْكُم
    فَإِنَّهُ قد يُوهم طَاعَة كل مِنْهُمَا على حياله .

    وَقد ثَبت عَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الصَّحِيح أَنه قَالَ : " إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف "
    وَقَالَ : " لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق " ،
    وَقَالَ : " على الْمَرْء الْمُسلم الطَّاعَة فِيمَا أحب وَكره مَا لم يُؤمر بِمَعْصِيَة فَإِذا أَمر بِمَعْصِيَة فَلَا سمع وَلَا طَاعَة " .
    وَلِهَذَا قَالَ - سُبْحَانَهُ - بعد ذَلِك
    { فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلاً }
    فَلم يَأْمر عِنْد التَّنَازُع إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى الله وَالرَّسُول دون الرَّد إِلَى أولى الْأَمر
    وَلِهَذَا كَانَ أولو الْأَمر إِذا اجْتَمعُوا لَا يَجْتَمعُونَ على ضَلَالَة
    فَإِذا تنازعوا فالرد إِلَى كتاب الله وَسنة رَسُوله لَا إِلَى غير ذَلِك من عَالم أَو أَمِير وَمن يدْخل فِي ذَلِك من الْمَشَايِخ والملوك وَغَيرهم
    وَلَو كَانَ غير الرَّسُول مَعْصُوما أَو مَحْفُوظًا فِيمَا يَأْمر بِهِ ويخبر بِهِ لَكَانَ مِمَّن يرد إِلَيْهِ مواقع النزاع
    كَمَا يردهُ الْقَائِلُونَ بِإِمَام مَعْصُوم إِلَيْهِ وكما جرت عَادَة كثير من الأتباع أَن يردوا مَا تنازعوا فِيهِ إِلَى الإِمَام والقدوة الَّذِي يقلدونه

    وَمَعْلُوم أَن عُلَمَاء الطوائف ومقتصديهم لَا يرَوْنَ هَذَا الرَّد وَاجِبا على الْإِطْلَاق
    لَكِن قد يَفْعَلُونَ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا طَرِيق لَهُم إِلَى معرفَة الْحق واتباعه إِلَّا ذَلِك لعجزهم عَمَّا سوى ذَلِك
    فيكونون معذورين وَقد يَفْعَلُونَ ذَلِك اتبَاعاً لهواهم فِي محبتهم لذَلِك الشَّخْص وبغضهم لنظرائه
    فيكونون غير معذورين وَلَكِن من اعْتقد من هَؤُلَاءِ فِي متبوعه أَنه مَعْصُوم أَو أَنه مَحْفُوظ عَن الذُّنُوب
    وَالْخَطَأ فِي الِاجْتِهَاد فَذَلِك مَرْدُود عَلَيْهِ بِلَا نزاع بَين أهل الْعلم وَالْإِيمَان


    وَلِهَذَا إِنَّمَا يَقُول ذَلِك غلاة الطوائف الَّذين يغلب عَلَيْهِم اتِّبَاع الظَّن وَمَا تهوى الْأَنْفس
    وَقد غلب على أحدهم جَهله وظلمه
    وكما أَن الغلو فِي غير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قدح فِي منصب الرَّسُول وَمَا خصّه الله بِهِ وَهُوَ أحد أُصَلِّي الْإِسْلَام
    "
    (جامع الرسائل : 1/275) .

    المسألة الثانية : الطاعة هي الوسيلة الموصلة إلى الله .

    قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} الآية.
    قال الشنقيطي – رحمه الله - : " اعلم أن جمهور العلماء على أن المراد بالوسيلة هنا هو القربة إلى الله تعالى
    بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه على وفق ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - بإخلاص في ذلك لله تعالى،
    لأن هذا وحده هو الطريق الموصلة إلى رضى الله – تعالى -، ونيل ما عنده من خير الدنيا والآخرة .


    وأصل الوسيلة : الطريق التي تقرب إلى الشيء ، وتوصل إليه ، وهي العمل الصالح بإجماع العلماء ،
    لأنه لا وسيلة إلى الله تعالى إلا باتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم -،
    وعلى هذا فالآيات المبينة للمراد من الوسيلة كثيرة جداً كقوله – تعالى -:
    {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [59/7]،
    وكقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [3/31]، وقوله: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [24/54]،
    إلى غير ذلك من الآيات
    " (أضواء البيان/تفسير سورة المائدة) .

    المسألة الثالثة
    / محبة الله هي أصل الطاعة .

    إن الطاعة هي علامة وبرهان يدل على حقيقة تكمن وراءه ، وحقيقة الطاعة هي المحبة .
    وقد بين الله هذه الحقيقة في قوله – تعالى - : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران:31].

    قال الشنقيطي – رحمه الله - : " يؤخذ من هذه الآية الكريمة :
    أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هي اتباعه - صلى الله عليه وسلم -،
    فالذي يخالفه ، ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محباً له لأطاعه ، ومن المعلوم عند العامة :
    (أن المحبة تستجلب الطاعة) ، ومنه قول الشاعر:


    لو كان حبك صادقا لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع

    . . . وقد أجاد من قال:

    قالت: وقد سألت عن حال عاشقها بالله صفه ولا تنقص ولا تزد
    فقلت: لو كان رهن الموت من ظمأ وقلت قف عن ورود الماء لم يرد

    " (أضواء البيان :4/18) .

    فقه حقيقة شجرة المحبة المثمرة للطاعة :

    قال ابن القيم – رحمه الله - : " أن تكون محبة الله - تعالى - تتقدم عنده على جميع المحاب ،
    فإذا تعارض حب الله - تعالى - وحب غيره سبق حب الله - تعالى - حب ما سواه فرتب على ذلك مقتضاه .

    ما أسهل هذا بالدعوى ، وما أصعبه بالفعل ، فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان .
    وما أكثر ما يقدم العبد ما يحبه (هو) ويهواه ، أو (يحبه كبيره) ، (وأميره) ، (وشيخه) ، (وأهله) على ما يحبه الله - تعالى -
    فهذا لم تتقدم محبة الله - تعالى - في قلبه جميع المحاب ، ولا كانت هي (الملكة المؤمرة عليها) .
    وسنة الله - تعالى - فيمن هذا شأنه أن ينكد عليه محابه ، وينغصها عليه ،
    ولا ينال شيئاً منها إلا بنكد ، وتنغيص جزاء له على إيثار (هواه) ، (وهوى من يعظمه) من الخلق أو يحبه على محبة الله –تعالى-.


    وقد قضى الله - تعالى - قضاء لا يرد ، ولا يدفع أن من أحب شيئاً سواه عذب به ولا بد
    وأن من خاف غيره سلط عليه ، وأن من اشتغل بشيء غيره كان شؤماً عليه ، ومن آثر غيره عليه لم يبارك فيه ،
    ومن أرضى غيره بسخطه أسخطه عليه ولا بد
    " (الوابل الصيب ص/15).


    ***


  3. افتراضي



    الدرس الثاني والعشرون

    المسألة الرابعة / تعظيم الله أصل الطاعة .

    لقد سبق أن بينا أن الطاعة هي امتثال العبد لشرع الله فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور.
    وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي ؛ فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه قال - سبحانه وتعالى -
    :
    { مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح : 13].

    قال ابن القيم – رحمه الله – في كتابه النافع : " الوابل الصيب : ص/15 " - :
    "الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي؛
    فإن الله تعالى ذم من لا يعظمه ، ولا يعظم أمره ونهيه قال - سبحانه وتعالى - :
    { مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } ، قالوا في تفسيرها : ما لكم لا تخافون لله تعالى عظمة . . . إلى أن قال :

    إن أول مراتب تعظيم الحق - عز و جل - تعظيم أمره ونهيه ،
    وذلك لأن المؤمن يعرف ربه - عز و جل - برسالته التي أرسل بها رسوله - صلى الله عليه و سلم - إلى الناس كافة
    ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه ، وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله - عز و جل - واتباعه ، وتعظيم نهيه واجتنابه،
    فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله - تعالى - ونهيه دالاً على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي،
    ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصديق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الاكبر
    .

    فإن الرجل قد يتعاطى فعل الأمر لنظر الخلق وطلب المنزلة والجاه عندهم،
    ويتقي المناهي خشية سقوطه من أعينهم،
    وخشية العقوبات الدنيوية من الحدود التي رتبها الشارع - صلى الله عليه و سلم - على المناهي؛
    فهذا ليس فعله وتركه صادراً عن تعظيم الأمر والنهي ولا عن تعظيم الآمر والناهي.

    فعلامة التعظيم للأوامر رعاية أوقاتها وحدودها والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها،
    والحرص على تحسينها، وفعلها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها،
    كمن يحزن على فوت الجماعة ويعلم أنه [لو] تقبلت منه صلاته منفرداً ؛ فإنه قد فاته سبعة وعشرون ضعفاً.


    ولو أن رجلا يعاني البيع والشراء يفوته في صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة سبعة وعشرون ديناراً
    لأكل يديه ندماً وأسفاً ، فكيف وكل ضعف مما تضاعف به صلاة الجماعة خير من ألف وألف ألف وما شاء الله – تعالى -.


    فإذا فوت العبد عليه هذا الربح خسر قطعاً .

    وكثير من العلماء يقول لا صلاة له وهو بارد القلب فارغ من هذه المصيبة غير مرتاع لها فهذا عدم تعظيم أمر الله تعالى في قلبه .

    وكذلك إذا فاته أول الوقت الذي هو رضوان الله - تعالى - ، أو فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته على ميامنه،
    ولو يعلم العبد فضيلته لجالد عليه ولكانت قرعة
    .

    وكذلك فَوْتُ الجَمْع الكثير الذي تضاعف الصلاة بكثرته وقلته ، وكلما كثر الجمع كان أحبَ إلى الله - عز و جل - ،
    وكلما بعدت الخطا كانت خطوة تحط خطيئة ، وأخرى ترفع درجة
    .

    وكذلك فوت الخشوع في الصلاة وحضور القلب فيها بين يدي الرب - تبارك وتعالى - الذي هو روحها ولبها؛
    فصلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه أفلا يستحي العبد أن يهدي إلى مخلوق مثله عبداً ميتاً أو جاريةً ميتةً ؟


    فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو من أمير أو غيره ؟

    فهكذا سواء الصلاة الخالية عن الخشوع والحضور وجمع الهمة على الله - تعالى - فيها
    بمنزلة هذا العبد أو الأمة الميت الذي يريد إهداءه إلى بعض الملوك
    ولهذا لا يقبلها الله تعالى منه وإن أسقطت الفرض في أحكام الدنيا ولا يثيبه عليها؛
    فإنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها كما في السنن ومسند الإمام أحمد وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
    " إن العبد ليصلي الصلاة وما كتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها حتى بلغ عشرها "

    (رواه أبو داود :786 ، وصححه الألباني) .

    وقال ابن القيم – رحمه الله - : " وأما علامات تعظيم المناهي :

    فالحرص على التباعد عن مظانها ، وأسبابها ، وما يدعو إليها ، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها ،
    كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها ، وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس ،
    وأن يجانب الفضول من المباحات خشية الوقوع في المكروهات ، ومجانبة من يجاهر بارتكابها ، ويحسنها ، ويدعو اليها ،
    ويتهاون بها ، ولا يبالي ما ركب منها ؛ فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله - تعالى - وغضبه
    ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله - تعالى - وحرماته
    .

    ومن علامات تعظيم النهي : أن يغضب لله - عز و جل - إذا انتهكت محارمه ،
    وأن يجد في قلبه حزناً ، وكسرةً إذا عُصِيَ الله - تعالى - في أرضه ، ولم يُطَع بإقامة حدوده وأوامره ، ولم يستطع هو أن يُغيِّر ذلك
    "
    (الوابل الصيب :ص/26) .

    الفوائد المنتقاة :

    1) إن الطاعة : هي امتثال العبد للشرع فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور .
    2) إن لفظ الطاعة يدل على ركنين :
    الركن الأول / عبادة الله بفعل ما أمر به ، وترك ما نهى عنه – محبة وإخلاصاً وصدقاً ، ورغبة ورهبة .
    الركن الثاني / التقيد بالرسالة المحمدية؛
    بأن لا يفعل العبد من الأوامر ولا يترك من النواهي إلا ما جاء عن طريق الحبيب – محمد – صلى الله عليه وسلم - .

    3) إن الطاعة نوعان : طاعة مطلقة وهي طاعة الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم - .
    وطاعة مقيدة بالمعروف ، وهي طاعة أولي الأمر من السلاطين والعلماء
    .
    4) إن الطاعة هي الوسيلة الموصلة إلى الله – تعالى - ، وهي العمل الصالح بالإجماع .
    5) أصل الطاعة محبة الله – تعالى - ، وهي علامة للمحبة الصحيحة الصادقة .
    6) تعظيم الله – تعالى – أصل القيام بالطاعة ومنه تعظيم أمره ونهيه .
    7) من علامة التعظيم للأوامر :
    رعاية أوقاتها وحدودها والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها والحرص على تحسينها ،
    وفعلها في أوقاتها والمسارعة إليها عند وجوبها والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها .

    8) ومن علامات تعظيم النهي:
    فالحرص على التباعد عن مظانها ، وأسبابها ، وما يدعو إليها ، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها ،
    وأن يغضب لله - عز و جل - إذا انتهكت محارمه ، وأن يجد في قلبه حزناً ، وكسرةً إذا عُصِيَ الله - تعالى - في أرضه ،
    ولم يُطَع بإقامة حدوده وأوامره ، ولم يستطع هو أن يُغيِّر ذلك .



    ***



  4. افتراضي رد: سلسلة : التعريفات المحكمات بدين رب الأرض والسماوات (متجدد).

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو زيد العتيبي مشاهدة المشاركة


    الدرس الثاني والعشرون

    السلام عليكم
    أخ أبو زيد بعد إذنك
    كم عدد دروس هذه السلسلة؟
    وهل أتممتها؟
    أعتقد أنها كانت بضع وثلاثون درسا في منتدى كل السلفيين عام ٢٠١٤.
    هل يوجد مكان أتيقن منه من أن:
    ١) الدروس كاملة.
    ٢) بأحدث تعديلات أو إضافات؟
    أسأل الله وصول الرسالة لك وتوفير هذه السلسلة في شكل pdf حتى لو بدون تنسيق إن لم تكن حضرتك على علم بكيفية تنسيق ملفات الوورد أعزكم الله.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •