تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الرحلات العلمية والحج عند النساء:

  1. #1

    افتراضي الرحلات العلمية والحج عند النساء:

    الرحلات العلمية والحج عند النساء:

    منذ العهد النبوي كان الحج موسمًا سنويًا للعبادة من جهة وملتقى علميًا من جهة أخرى، فكان الناس رجالاً ونساء يترقبون الشهر الحرام حتى يلتقوا بمن يزودهم بالعلم ويفقههم في دينهم.


    حجة الوداع:

    كان لهذه الحجة أثر عظيم في نشر الحديث، حيث إنه حضر هذا الموسم خلق كثير جاءوا من مختلف النواحي، وقد وصل عددهم إلى أربعين ألفًا من رجل وامرأة ، حيث ألقى فيهم النبي صلى الله عليه وسلم خطبة عظيمة جمع فيها أحكامًا غزيرة وسننًا كثيرة، ووضع من آثار الجاهلية ما أبطله الإسلام، ولكثرة الناس في ذلك اليوم، اتخذ ربيعة بن أميــة بن أبي الصلت مبلغًا عنه صلى الله عليه وسلم ، وهي خطبة بيَّن فيها صلى الله عليه وسلم مناسك الحج، فلم يترك شيئًا لم يكن بيَّنه للناس إلا بينه وأظهره، فكانت هذه الخطبة الحافلة في الجمع الحاشد من أكبر العوامل في ذيوع السنن الكثيرة بين القبائل.. وقد ساهمت المرأة المسلمة ممن حضر هذه الحجة وسمع الخطبة في تبليغ كلام المصطفى متمثلة قوله عليه الصلاة والسلام: (فليبلغ الشاهد الغائب) ، بعد أن انتقلت من موطنها وجاءت إليه صلى الله عليه وسلم تنشد تعاليمه وهديه...

    الرحلة وحج النساء بعد عصر النبوة:

    عرفنا فيما سبق رحلة الصحابيات، شكلها، أغراضها، وفوائدها، بقي أن نعرج على دور الحج في الرحلة والعلاقة بينهما عند غيرهن.
    كان الناس رجالاً ونساء يتوافدون إلى المدينة بعد أداء المناسك أو خلالها، يجتمعون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألون ويستفتون ويسمعون الحديث، وكانت نساء الأمصار يتحين الفرص للدخول على أمهات المؤمنين خاصة، إذ كانت حجراتهن رضي الله عنهن جميعًا لا تخلو من زائرات يردن السماع والفتوى، وكانت كبريات الصحابيات أيضًا مرجعًا هامًا للحديث لهؤلاء النساء الوافدات، فإذا علمنا أن أمهات المؤمنين لزمن الحصر في بيوتهن، أي في المدينة امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (هذه ثم ظهور الحصر) ، بعد أن حج بهن، إلا ما كان من عائشة في خروجها إلى البصرة، وأم حبيبة في زيارتها لأخيها في دمشق، فيلزم من هذا أن من روت عن بعض أمهات المؤمنين من غير سكان المدينة أو مكة أنها رحلت إليها، وخاصة إذا ثبت بالقرائن أن السماع كان أثناء الحج، أو أن الراوية تعدد إحرامها من بلدتها، مما يشير إلى وجود رحلات علمية كانت نشيطة أثناء الحج، لاجتمــاع الناس من مختلف الأمصار واتصــالهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا غرابة في التركيز على المدينة، فقد كانت مركز الإشعاع العلمي الوحيد آنذاك، ومحط أنظار العلماء الرواة، يجدون بغيتهم في السماع والتثبت لدى من تحمل عنه صلى الله عليه وسلم أولاً ثم من تحمل عن صحابته الأخيار رضي الله عنهم وخاصة أمهات المؤمنين، وبالتحديد من تأخرت وفاتهن كعائشة وأم سلمة.


    ولبيان اقتران الرحلة بالحج وتلازمها، نورد هذه الأمثلة:

    - أم سالم بنت مالك الراسبية البصرية ، وهي تابعية من الطبقة الثانية، قد أدركت أم المؤمنين عائشة وروت عنها، وفي تهذيب التهذيب وغيره :
    (أحرمت أم سالم من البصرة سبع عشرة مرة) .. فهذه التابعية رحلت إلى الحجاز مرات عديدة، وتحملت عن عائشة رضي الله عنها، فلا نتوقف كثيرًا لنجزم أن ذهابها المدينة كان أيضًا للعلم، والحج كان أنسب وقت للطلب، إذ كل عقبات التنقل بالنسبة للمرأة تذلل أثناء الحج، للتأهب العام الذي يكون الناس عليه للقيام بالشعائر، وتأمن المرأة من خلاله على نفسها، وتؤدي مهمتها العبادية أحسن أداء، فقد كان الحج بالنسبة لطلاب العلم المهتمين بالحديث خاصة ملتقى سنويًا للتحمل والأداء والحفظ والتثبت وحيازة العوالي من الأسانيد.

    - جسرة بنت دجاجة : تابعية ثقة، روت عن أبي ذر سماعًا عن عائشة، كما روت عن علي بن أبي طالب، وأم سلمة رضي الله عنهم جميعًا.. وقد أخبرت جسرة عن نفسها أنها اعتمرت نحوًا من أربعين عمرة ، ورأت أبا ذر بالربذة .
    فهذه الراوية التابعية جعلت من الأربعين عمرة التي أدتها بعثات علمية، تسمع من خلالها عمن لقيتهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقها إلى البقاع المقدسة كالربذة عند سماعها أبا ذر، أو في مكة أو المدينة عندما سمعت من أم سلمة، وهي من أهل الكوفة. فأسفارها الأربعون وإن سميت عمرة فما هي إلا رحلات علمية في طلب الحديث.


    - وقد روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خصوصًا في مواسم الحج جيل من النساء من مختلف الأمصار، ورواياتهن تشير إلى أن السماع أو اللقيا كانت أثناء مناسك الحج، أو أنهن دخلن عليها، وسألنها في مختلف القضايا.. ولا غرابة أن تكون معظم رواياتهن عن عائشة، حيث أن من رغب في حيازة علم ركز على أشهر حامل له، وهذا ما توفر فيها رضي الله عنها، وفي تلميذاتها من بعدها: عمرة بنت عبد الرحمن، وعائشة بنت طلحة، وغيرهما.


    وهذه بعض النصوص التي تفيدنا في أمر سماع النساء في موسم الحج، أو انتقالهن إلى المدينة المنورة للزيارة.


    - ذقرة بنت غالب الراسبية البصرية ، أم عبد الرحمن بن أذينة قاضـي البصرة، روت عن عائشة قالت: كنا نطوف البيت مع أم المؤمنين، فرأت على امرأة بردًا فيه تصليب، فقالت: (اطرحيه، اطرحيه، فـإن رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحـو هـذا قَضَبه).


    - زينب امرأة قيس بن أبي حازم: روت عن عائشة رضي الله عنها، وروى عنها زوجها قيس بن أبي حازم، وهو كوفي، ما كان بالكوفة أحد أروى عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.. وامرأته وهي تروي عن عائشة، لا شك ذهبت إليها المدينة وسمعت منها هناك.


    - وذكر ابن سعد: أن تميمة بنت سلمة أتت عائشة في نساء من أهل الكوفة، قالت: (فسألتها امرأة منا: المرأة تصيب من بيت زوجــها شيــئًا بغير إذنه، فغضبت وقطبت وساءها ما قالت، وقالت: (لا تسرقي منه ذهبًا ولا فضة، ولا تأخذي منه شيئًا).


    - أم الكرام: حجت فلقيت امرأة بمكة كثيرة الحشم، ليس عليها حلي إلا الفضة، فسألتها، فقالت: ( كان جدي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وعلي قرطان من ذهب، فقال: شهابان من نار).


    - وأم الدرداء الصغرى هجينة العالمة الفقيهة زوج أبي الدرداء، تروي عن عائشة أم المؤمنين ، ومن المعلوم أن عائشة لم تقدم دمشق أصلاً كما ذكر الذهبي في السير، وأن أم الدرداء كانت تقطن دمشق، وقد حجت سنة (83هـ) بينما توفيت أم المؤمنين سنة (58هـ) على الصحيح، فهذا يلزم منه أن تكون أم الدرداء رحلت المدينة في غير حج، وسمعت من أم المؤمنين عائشة.

    ونصوص أخرى فيها دلالة على أن المرأة رحلت لحج أو زيارة فسمعت وروت، وروي عنها، ذكرنا ما يكفي منها لبيان أن الحج كان فرصة ثمينة للنساء للتحصيل والرواية.

    وإن لم تشتهر رواية النساء في هذا، فلأن أصحاب الحديث لهم شروطهم في قبول الروايات واعتمادها، لكن متون الكتب غنية بمثل هذه النصوص التي قد لا تفيد طلاب الأحكام الشرعية والفتاوى، لكن هي قيمة جدًا لمن يهمه سير الحياة العامة للمسلمين في تلك العهود.. وباستنطاق هذه النصوص، لا شك نحصل على شكل الحركة العلمية والاجتماعية.

    ثم نلاحظ أن الرحلة في بادئ الأمر، اقتصرت على المدينة لفضلها، ومدار العلم فيها على أمهات المؤمنين وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والرجال، ثم كان أن انتشر كثير من الصحابة عبر الأمصار خاصة المشتغلين بالروايـــة والتعليم، ثم بعد وفاة أمهات المؤمنــــين أي ما بعد (62هـ)، نلاحظ أن الرواية بدأت في التخصص، نقصد بذلك أنه أصبح هناك مراكز علمية غير المدينة كالكوفة، لأن فيها أصحاب عبد الله بن مسعود، والبصرة لأن فيها أصحاب أنس بن مالك، والشام لأن فيها أصحاب معاذ بن جبل وأبي الدرداء، ومصر فيها أصحاب عبد الله بن عمرو بن العاص، فبدأ يحدث نوع من التوازن في الرواية، وخف التركيز في الطلب على المدينة إلا لمن علت همته وطمحت نفسه إلى الإسناد العالي أو بيان علة أو التحقق من رواية.. وعلى هذا، طبيعي أن تخف الرحلة وخاصة لدى النساء، لوجود ما يغني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصرهن.

    وشيء آخر يفسر تراجع الرحلة لدى النساء في أواخر القرن الثاني والقرن الثالث، أن هذه الفترة بالذات هي عصارة الجهود الأولى، وذروة الجمع والتدوين والتصنيف، وكان روادها الجهابذة من الحفاظ، الأمر الذي لم يترك مجالاً للنساء، خاصة وأنه لم تنجب لنا الأمة فيما بعد من كانت مثل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فطبيعي أن تضمر الجهود البسيطة لصالح الجهود الجبارة.


    ولما كان الحج من أفضل الأعمال والنفوس تتوق إليه لما وضع الله في القلوب من الحنين إلي ذلك البيت المعظم وكان كثير من الناس يعجزعنه ولا سيما كل عام شرع الله لعباده أعمالا يبلغ أجرها أجر الحج فيتعوض بذلك العاجزون عن التطوع بالحج.


    لننظر إلي تلك المرأة من صحابيات النبي صلي الله عليه وسلم كيف حرصت على الطاعة فلما لم تدركها كيف كان حرصها على ما تدرك به ثواب الطاعة الفائتة وكيف ارتضى النبي صلي الله عليه وسلم منها ذلك ونجعل ذلك نصب أعيننا لنحتذي به فإن فاتتك الطاعة فاحرص على كسب ثوابها وابك على فقدها فهذا هدي أصحاب النبي(تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون)
    وسأقص عليك خبر الأصحاب بعد خبر تلك العظيمة من عظماء الأمة.

    عن بكر بن عبد الله المزني عن بن عباس قال أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها حجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :ما عندي ما أحجك عليه. قالت :فحجني على ناضحك. قال :ذاك يعتقبه أنا وولدك. قالت: حجني على جملك فلان. قال: ذلك حبيس سبيل الله. قالت :فبع تمرتك. قال: ذاك قوتي وقوتك. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أرسلت إليه زوجها فقالت :اقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام ورحمة الله وسله :ما تعدل حجة معك؟ فأتى زوجها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي تقرئك السلام ورحمة الله وإنها كانت سألتني أن أحج بها معك فقلت :لها ليس عندي ما أحجك عليه فقالت :حجني على جملك فلان .فقلت :لها ذلك حبيس في سبيل الله .فقال :أما أنك لو كنت حججتها فكان في سبيل الله .فقالت :حجني على ناضحك. فقلت: ذاك يعتقبه أنا وولدك .قالت:فبع تمرتك. فقلت: ذاك قوتي وقوتك. قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا من حرصها على الحج. وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك؟ قال: أقرئها مني السلام ورحمة الله وأخبرها أنها تعدل حجة معي عمرة في رمضان (رواه ابن خزيمة في صحيحه. قال الألباني: إسناده حسن صحيح)

    وإذا كانت النفوس كباراً ... تعبت في مرادها الأجسام


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,532

    افتراضي

    بارك الله فيك أم رفيدة نحتاج لمثل هذه المواضيع في مجلس طالبات العلم لرفع الهمة، خاصة ما يتعلق بالنساء وما يلائم أحوال النساء، نفع الله بك
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2016
    المشاركات
    103

    افتراضي

    جزاكِ الله خيرا

  4. #4

    افتراضي

    آمين .
    جزاك الله خيرا وبارك فيك أختي أم علي وأسأل الله أن يرفع همتنا لننال رضا ربنا.
    وجزاك مثله أختي أمة الحليم وبارك فيك.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2014
    المشاركات
    1,412

    افتراضي

    نفع الله بك أختي أم رفيدة .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •