بسم الله والحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم -
● أتفق المسلمين بالإجماع على جواز التبرك بالآثار المحسوسه للنبي صلى الله عليه وسلم، كشعره وعرقه وريقه ووضوءه وطعامه وثيابه وسيفه وجبته وغيرها .
وهي فضيلة خاصة بالنبي معجزه لنبوته وليست لأحد غيره، وهي اسباب حسيه ظاهره جعل الله فيها الشفاء كما جعله في العلاجات والأدوية الحسية، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها:-
"عَنْ أَنَسِ انهٍ قَالَ لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ". رواه مسلم (ح1305).
"وأَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ تَبْسُطُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِطَعًا فَيَقِيلُ عِنْدَهَا عَلَى ذَلِكَ النِّطَعِ ، فَإِذَا نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَتْ مِنْ عَرَقِهِ وَشَعَرِهِ فَجَمَعَتْهُ فِي قَارُورَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْهُ فِي سُكٍّ . قَالَ [القائل هو ثمامة بن عبد الله بن أنس] : فَلَمَّا حَضَرَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ الْوَفَاةُ أَوْصَى إِلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ فِي حَنُوطِهِ مِنْ ذَلِكَ السُّكِّ قَالَ فَجُعِلَ فِي حَنُوطِهِ". رواه البخاري (ح6281)
فهذه الاحاديث وغيرها تدل على أن ذات النبي وما انفصل عنه قد جعل الله فيها ما يتبرك بها ويرجى بسببها الخير في الدنيا والآخرة ،
فأجاز صلى الله عليه وسلم التماس البركة في ذلك ، وقد تبرك الصحابة بما بقي من آثاره الحسية بعد موته كخاتمه وبرده وسيفه وعصاه وشعره وثيابه وآنيته ونعله وغيرها واستمر الأمر على ذلك سنوات ممن أتى بعدهم، ثم انقرضت الآثار .
فالزعم الآن بأن هذا من شعر النبي أو آثاره ، زعم لا يسنده دليل، وعامة ما يقال في ذلك هو نوع من الدجل والخرافة
مثل التمسح برمانة المنبر التي كان يتمسك بها أثناء الخطبه فليست هي الرمانه ولا هو المنبر فلا يجوز التبرك بهم.
فنحن نؤمن بالتبرك الصحيح، فهذه عبادة والعبادة توقيفية لا اجتهاد فيها ولا قياس، فنتبرك بذات النبي في حياته وبما ثبت من آثاره المنفصلة عنه، ونتبرك بدعاء الصالحين لا بذواتهم أو آثارهم، ونتبرك بتلاوة القرآن وذكر الله، وشرب ماء زمزم .
وكذلك نؤمن ببركة مكة والمدينة والأقصى والشام واليمن، وبركة عجوة المدينة وشجرة الزيتون والنخلة وبركة السحور والمطر، وبركة بعض الأزمان؛ كأيام رمضان والعشر من ذي الحجة وأيام التشريق وليلة القدر ويوم الجمعة والثلث الآخير من الليل وغيرها مما ثبت في الصحيح.
● أما الأماكن التي جلس عليها أو صلى فيها ثم بمرور الزمن اندثر منها ما لامس جسده الشريف، فهنا وقع خلط كبير !
فهناك فرق كبير بين التبرك بآثاره التي هي جزء منه، وبين الأماكن التي جلس عليها أو صلى فيها أو مر بها، فما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من أماكن كمسجد قباء ومقام إبراهيم للصلاة أو الدعاء، فهي سنة مستحبة أما التبرك بها فبدعة منكرة .
فلو كان المشروع التبرك بالأماكن التي جلس عليها أو صلى فيها، أو مر بها، لكان حجم المنقول من ذلكم التبرك من أفعال الصحابة أكثر من أن يحصر، ذلك أن عدد ما نزله من الأماكن يفوق العد والحصر، وما وطئته قدماه الشريفتان يتجاوز التعداد، ومع ذلك لم يثبت عن الصحابة أنهم تبركوا بالمكان الذي نزله، أو أنهم تتبعوا مواطئ أقدامه لا في حياته ولا بعد وفاته، فدعوى التبرك بما مكث به ولو لبرهة: دعوة للتبرك بغار حراء وشعاب مكة وجبال مكة والمدينة وسهولهما وما لا حصر له من الأماكن .
ومثله مثل التبرك بتقبيل جدران الكعبة والمساجد أو التبرك بأشياء من مكة أو المدينة أو التبرك بالأحجار والأشجار والأخذ من ورقها أو لبس التمائم
أو التبرك بغار حراء أو موضع مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو موضع بيعة العقبة أو الأماكن التي جلس أو صلى فيها، أو تخصيص أزمنة معينة للتبرك بها بنوع من التعظيم والعبادات كيوم المولد والإسراء والمعراج ويوم الهجرة وبدر وفتح مكة وغيرها؛
فكل هذه الأمور بدع منكرة في دين الأسلام منبعها الجهل بالدين والغلو في تعظيم الصالحين .
● وقد وقع خلط ولبس كبير أيضاً من بعض العلماء -عفا الله عنهم- في تعميم التبرك بالنبي وجعله يشمل جميع عباد الله الصالحين, بإجتهاد لا مستند له في شريعة الأسلام .
قال النووي في شرحه على حديث في صحيح مسلم (14/44)– : "ففيه التبرك بآثار الصالحين واستعمال فضل طهورهم وطعامهم وشرابهم ولباسهم". وقال ايضا في حديث آخر: "ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم وكل شيء منهم". شرح النووي على صحيح مسلم (14/124).
وقال ابن حجر العسقلاني في شرحه لصحيح البخاري: "وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين". فتح الباري (3/144 )، وقال في حديث آخر: "وفيه استعمال آثار الصالحين ولباس ملابسهم على جهة التبرك والتيمن بها". فتح الباري (10/198).
وقد بَوب ابن حبان في صحيحه بابا بعنوان: "باب ذِكْرُ ما يُستحبُّ للمِرء التَّبركُ بالصالحينَ وأشباهِهم". صحيح ابن حبان (2/317).
وهذا التبرك لا أصل له، وصاحبه أعتقد ان الصالحين قد جعل الله فيهم ما يتبرك به ويرجى بسببه الخير ، وهذا الامر خاص بالنبي فقط دون غيره، فلم يرد أن أحداً تبرك مثلاً بوضوء علي بن أبي طالب أو عرقه وثيابه وآثاره .